❞محمود زيدان حافظ❝ - المكتبة

❞ ينقطع النور عن المنطقة بأكملها وينقبض قلب أمجد بشدة فيضحك علي وينظر للسقف علي.. هاقعد في الضلمة كتير نور الغرفة الداخلية يضيء وبعده الحمام فالمطبخ ثم الصالة والبلكونة والغرفة التي يجلسان بها تظل مظلمة حتي يصدر علي صوت يدل على استنكاره فتضيء الغرفة فينظر أمجد لعلي باستغراب شديد ويحضر وليد العشاء ويغادر علي الشقة ويبقيان كما كانوا بمفردهم وليد.. أمجد يا أمجد تعالي شيل معايا الطرابيزة ونطلع نذاكر على السطح أمجد.. يا عم وليد وأيه بس اللي هايشحططنا طالعين نزلين والأوضه فوق مش نظيفة وليد.. يا أسطي الأوضه زاي الفل يالا بقي يزفر أمجد ويقوم على مهله ويحمل الأشياء مع وليد ويصعدا لسطح العمارة المملوكة بالكامل لوالد وليد ومساحة العقار لا تتعدي المائة متر والدور مقسم على شقتين يعني بحسبة بسيطة الشقة لا تصل مساحتها للخمسين متر مربع. نزل وليد للشقة لإحضار باقي الكتب وجلس أمجد في الغرفة أمام طاولة المذاكرة صوت.. اللعب في الدباسة أمجد.. بس أنا مش عاوز صوت.. اللعب في الدباسة أمجد.. خلاص يا عم براحة يمسك أمجد دباسة الأوراق ليلعب بها فيخرج منها دبوس ويشعر بأن هناك من ضربه على مؤخرة رأسه أمجد.. لا ما تقفناش على الضرب ويجري على سطح العقار وينادي وليد ليحضر له جري فيحكي له ما حدث فيصفق له وليد. وليد.. خيالك خصب الصراحة لا وعجبني وهنا بدء الشك بأن هناك شيء غير طبيعي يحدث ولاحظ أمجد بأن الشقة بها ظواهر غير طبيعية فكل ما يحدث هذا غير طبيعي ويتخذ قراره بعدم المبيت بالشقة ولكن وليد يقنعه بعدم وجود شيء وأخيرا سيخلدون للنوم بعد عناء يوم طويل وكعادة وليد لا ينام في الظلام ولا ينام في هدوء فيقوم بتشغيل المسجل \" القلاب\" أي أنه يقلب وجهي شريط الكاست أوتوماتيكيا حتي يعمل طوال الليل دون توقف ونور الغرفة مضيء حتي الصباح وكان الشريط الموضوع بالمسجل هو إهداء من خطيبته وهكذا أقتسم الصديقين السرير ليناما. مش ممكن بعد السنين دي كلها يجي عيال زاي دي تقتحم علينا خلوتنا أحنا لازم نتصرف ونخليهم يغوروا من الشقة؛ وبأعلى صوته ينادي على مرمريه أبنته وتحضر عن فورها مرمريه.. أبي زمهرير هل تأمرني فألبي حاجتك وأطيع أمرك زمهرير.. وحياة أمك هو أنتِ بتتكلمي بالنحوي مرمريه.. لا مؤاخذه يا عمهم كنت بتفرج على فيلم أمجد وقطز زمهرير.. بسك على الواد الرفيع صاحب الشقة وخلي بالك من نفسك حد يمد أيده عليكِ كدة ولا كدة مرمريه.. ده أنا أقطع أيد أمه قبل أيده يشعر أمجد بحركة عنيفة على السرير ووليد بجواره يزوم ويتململ كمن يحاول الفكاك من قيوده فينادي عليه ويضع يده على صدره فيصحوا فجأة جالسا على السرير يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويعطيه الماء ليشرب وليد.. طفيت الكاست ليه أمجد.. أنا ماتحركتش وليد.. يبقي هي أمجد.. هي من ؛ هي أمك معها المفتاح هنا وليد.. لا مش أمي هي اللي شوفتها في الحلم جاتلي حته بنت أجمل من القمر وبصت لي حته بصة وقفلت الكاست وفتحته وخدت الشريط وفتحت الباب ورمته على الجزامة يقوما سويا ليجدا باب الكاست مفتوح فعلا ويبحثون عن الشريط فلا يوجد له آثر فيفتحان الباب ليجداه مرمي عندي الجزامة فعلا أمجد.. سلام قولا من رب رحيم في أيه وليد.. حلوة قوي يا أمجد مرمريه.. الواد طلع مز يا عمهم زمهرير.. بنت أمجد.. هي من ؟ وليد.. اللي حلمت بيها مرمريه.. لا وعصب كدة في نفسه؛ ما تجوزهولي يا عمنا وليك الحلاوة أمجد.. أعوذ بالله من غضب الله مرمريه.. خلاص لا تحرقني يجلس زمهرير وسط أسرته كثيرة العدد جدا ليناقشهم في كيفية طرد المستعمرين، أمجد ووليد يتصلون بعلي لعله يعرف كيف يتخلص مما يوجد بتلك الشقة. أمجد يترك وليد يتحدث هاتفيا مع علي ويذهب للحمام وفي الصالة يخبط كتفة في كتف أحد ما أمجد.. لا مؤخذ (لا يجد أحد) ! يا وليد يحكي له ما حدث وليد.. لا مافيش حاجة ماتزنقش نفسك وخش الحمام أمجد.. لا خلاص بقي أنا هادخل أغير وقول لعلي يجي بسرعة يحضر علي وعلى وجهه علامات الغضب ورغم أن الغرفة الداخلية مقبضة للقلب وتشعر بالقرب منها بطاقة سلبية وثقل في الجسم وخاصة لملاصقتها للحمام الا أن علي يدخل وحده ودون أضاءه ليظل فيها لليوم الثاني ثم يخرج ليجلس مع أصدقائه ويزيد عليهم سعيد وميدا ويجلس الجميع للمذاكرة ولكن علي قرر أن يتحدث عما يحدث في الشقة ليستأذن كلا من سعيد وميدا ويغادرا الشقة ويبقي أمجد ووليد وعلي علي.. شكلها أيه وليد.. حلوة قوي حاجة كدة طول بعرض بشعر ولبس وعيون وحاجة تروي القلب الحزين علي.. الله يحرقك. يعني كلمهم صح أنت حبتها وتتمني تشوفها تاني وليد.. ياريت. قصدي لا لا مش علي.. خلاص خلاص بعد جلسة علي في الغرفة وحده هدأت الأمور نسبيا داخل الشقة بخلاف فقط الزحام الشديد رغم وجود أمجد ووليد فقط.. ❝ ⏤محمود زيدان حافظ

❞ أصبح منزلها الجديد يطلق عليه هذا اللقب، فالكل يقصد الدار لينال مبتغاه وتُبرع هي في أعمال السحر وتسخير الجان وأهل القرية يظنون أنها مبروكة ومستجابة الدعاء. وتمر السنوات ويكبر الصغير ولا أحد يعرف له اسم فهو معروف بينهم بالمهيب ويفوق في السحر أمه، ولا يضاهيه أحد في أعماله وأسحاره حتى أنه إن أراد المرور بالقرية لا يجرؤ أحد على رفع عينه والنظر إليه؛ فهناك غرابان يلازمانه دائماً، أحدهما فوق كتفه الأيسر وينظر للخلف والآخر فوق كتفه الأيمن وينظر للأمام، وامتلأت القلوب منه رعباً. ويتقدم العمر بالزغدانة وتقترب من أيامها الأخيرة في الدنيا ويتوافد على منزلها المئات من الأطباء والآلاف من مريديها يحاولون شفاءها مما أصابها ولكنها في الأخير تخرج روحها لبارئها، ويأمر المهيب بدفن الأم في نفس المكان الذي دُفِنَ فيه أخوه من قبل، ومن شدة خوف أهل القرية يبنون لها مقاماً فوق قبرها ليزوره الناس وكأنها أحد أولياء الله الصالحين، ويصبح يوم وفاتها هو يوم مولد يتوافد إليه الناس من كل حدب وصوب ويكتب على قبرها مقام الشيخة زغدانة. ويظل المقام والمنزل قبلة الملتاع وكذلك قبلة أهل الشر، ومهيب تزداد شيطنته يوماً بعد يوم ويزداد نفوذه وسطوته وبلغ من العمر ما بلغ ولا يريد الزواج ولا حاجة له بذلك، فهناك النساء ترتمي أسفل قدميه كل ليلة ليدنسهن ويهرس شرفهن وأعراضهن، وجمعيهن مباحات وأزواجهن يعلمون ولا يستطيعون الاعتراض. حتى جاء ذلك اليوم الذي يسبق عيد الأضحى، ونزل فيه مهيب للقرية لتقع عينه عليها (نور ابنة عمران) ترزي القرية ذات الثامنة عشر عاماً، يتهافت عليها الخطاب منذ أن بلغت الثانية عشر من عمرها وجميعهم يرفضهم الأب؛ فهي ذات جمال رباني لم تنَله واحدة من أهل القرية قبلها، وأصبح الذئب الجائع يحوم حولها، وكانت هي شديدة الحياء ولا تبرح منزلها إلا فيما ندر، وذات مساء يذهب المهيب لمنزل عمران ولأول مرة يكون وحده دون غربانه، حتى لا تخشاه الفتاة ويتلجلج عمران في حديثه فهو يخشى غضبه، وتخرج الفتاة من غرفتها وتجلس أمام مهيب في ثبات لم يعتَد عليه، وطلبت منه أن يقدم ما عنده لمن ستكون زوجته، فيذهل من قولها ويعرض عليها مهراً مليون جنيه، وبمثلهم ذهب ومنزل لأهلها أكبر من منزل عمدة القرية. _ نور: هذا فقط ما تستطيع تقديمه لي؟ أنا نور أجمل بنات القرية وجميع القرى التي حولنا! _ مهيب: لكِ الأمر وعليَّ تحقيقه. _ نور: تضع لي خمسة ملايين في البنك، وتعطي أبي مهراً مليونين وتحضر ما تشاء من الذهب وما قطعته على نفسك من منزل جديد لوالدي؛ وهذه طلبات مستطاعة، أما أنا فأنا أخاف أن يكون داري بجوار قبر، فهل ترتضي أنت أن تكون زوجتك خائفة من شيء وأنت حيٌّ ترزق؟ تظهر علامات الغضب عليه وتلمع عيناه الغريبة وتكمل نور حديثها: أرى أن كلماتي قد أثارت حفيظتك، ولكنك لست مجبراً على شيء فلك حرية الاختيار والقرار الآن في يدك. _ مهيب: دعيني أفكر فيما قلتِ وبعدها أقرر ما سيكون، وحتى هذا الوقت فأنا قد أتممت خطبتك فكوني على قدر ذلك. _ نور: لا.. فأنا ستتم خطبتي حين تنتهي من تفكيرك وتقرر ما سيكون. ينهض غاضباً وتلتفت هي لوالدها. _ نور: أبي العزيز أأحضر لك الطعام؟ يتوجه نحو الباب غاضباً ويهم بالخروج ولكنه يقف ويلتفت لها. _ مهيب: وعدتُك أن تأمري وأنا ألبي أوامرك، وهذا ما سيحدث ومن اليوم أنتِ خطيبتي وجهزي لعرسك في ليلة اكتمال القمر. _ نور: ستكون هذه الليلة ليلة عذري الشرعي، ولكن ما دامت تلك رغبتك فهيت لك؛ ولك ما تشاء. يفرغ فاه وكأنه مبتسم. _ مهيب: نتمم العرس وبعدها نفعل ما نشاء. يغادر مهيب مسرعاً وتأتي له غربانه ويدخل لمنطقة خلاء بعيدة عن القرية ويبدأ ببعض الطقوس وترتيل عزيمة استدعاء ويحضر له ما استدعى وتقف الغربان وكأنها أصنام حجرية، ويقترب من مهيب ذلك الحاضر ليقفا وجهاً لوجهٍ.. ❝ ⏤محمود زيدان حافظ

❞ غمام يخفي القمر فالأرض بلا أضواء. ومن أين يأتي الغمام وكيف يحجب القمر في ليلة من ليالي أغسطس الحارة؟ أنه لأمر جلل. حالة من الفزع تنتاب بني الإنسان وكلًا على دينه يتضرع إلي الرحمن فما يحدث اليوم في الأرض لم يحدث من قبل؛ فهنا ائمة الإسلام يقيمون صلاتهم ويجتهدون بالدعاء وهناك في المجمع البابوي لرجال الدين المسيحي يقيمون صلاتهم ويدعون الله فالكل فزع الحيوانات توارت عن الأنظار والوحوش الضارية تنظر للسماء. الكل يظن أنها بداية النهاية. وفي العالم الأخر يتراصون في حالة من غير التي عرفت عنهم فهم في تأمل وترقب ويرسلون منهم من يصعد للسماء ليتبين حقيقة الأمر. إن الغربان تحول بين القمر والأرض هكذا جاءهم رسولهم بخبر الغمام. ينقسموا لفريقان منهم من فرح بالبشارة ومنهم من حزن فما يحدث اليوم نذير تشاؤم فالصراع منذ اليوم أصبح محتدم والثقلين سيتنازعان محمود زيدان حافظ. ❝ ⏤محمود زيدان حافظ