█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ «المشاء العظيم»؛ رواية تجمع بين عناصر الدراما الإنسانية العميقة والتشويق معًا، وفي طيَّاتها تكمن تساؤلات حول النجاح والأصالة والزيف، وكذلك حول فن الرواية ومُستقبلها . ❝
❞ أصبح منزلها الجديد يطلق عليه هذا اللقب، فالكل يقصد الدار لينال مبتغاه وتُبرع هي في أعمال السحر وتسخير الجان وأهل القرية يظنون أنها مبروكة ومستجابة الدعاء.
وتمر السنوات ويكبر الصغير ولا أحد يعرف له اسم فهو معروف بينهم بالمهيب ويفوق في السحر أمه، ولا يضاهيه أحد في أعماله وأسحاره حتى أنه إن أراد المرور بالقرية لا يجرؤ أحد على رفع عينه والنظر إليه؛ فهناك غرابان يلازمانه دائماً، أحدهما فوق كتفه الأيسر وينظر للخلف والآخر فوق كتفه الأيمن وينظر للأمام، وامتلأت القلوب منه رعباً.
ويتقدم العمر بالزغدانة وتقترب من أيامها الأخيرة في الدنيا ويتوافد على منزلها المئات من الأطباء والآلاف من مريديها يحاولون شفاءها مما أصابها ولكنها في الأخير تخرج روحها لبارئها، ويأمر المهيب بدفن الأم في نفس المكان الذي دُفِنَ فيه أخوه من قبل، ومن شدة خوف أهل القرية يبنون لها مقاماً فوق قبرها ليزوره الناس وكأنها أحد أولياء الله الصالحين، ويصبح يوم وفاتها هو يوم مولد يتوافد إليه الناس من كل حدب وصوب ويكتب على قبرها مقام الشيخة زغدانة.
ويظل المقام والمنزل قبلة الملتاع وكذلك قبلة أهل الشر، ومهيب تزداد شيطنته يوماً بعد يوم ويزداد نفوذه وسطوته وبلغ من العمر ما بلغ ولا يريد الزواج ولا حاجة له بذلك، فهناك النساء ترتمي أسفل قدميه كل ليلة ليدنسهن ويهرس شرفهن وأعراضهن، وجمعيهن مباحات وأزواجهن يعلمون ولا يستطيعون الاعتراض.
حتى جاء ذلك اليوم الذي يسبق عيد الأضحى، ونزل فيه مهيب للقرية لتقع عينه عليها (نور ابنة عمران) ترزي القرية ذات الثامنة عشر عاماً، يتهافت عليها الخطاب منذ أن بلغت الثانية عشر من عمرها وجميعهم يرفضهم الأب؛ فهي ذات جمال رباني لم تنَله واحدة من أهل القرية قبلها، وأصبح الذئب الجائع يحوم حولها، وكانت هي شديدة الحياء ولا تبرح منزلها إلا فيما ندر، وذات مساء يذهب المهيب لمنزل عمران ولأول مرة يكون وحده دون غربانه، حتى لا تخشاه الفتاة ويتلجلج عمران في حديثه فهو يخشى غضبه، وتخرج الفتاة من غرفتها وتجلس أمام مهيب في ثبات لم يعتَد عليه، وطلبت منه أن يقدم ما عنده لمن ستكون زوجته، فيذهل من قولها ويعرض عليها مهراً مليون جنيه، وبمثلهم ذهب ومنزل لأهلها أكبر من منزل عمدة القرية.
_ نور: هذا فقط ما تستطيع تقديمه لي؟ أنا نور أجمل بنات القرية وجميع القرى التي حولنا!
_ مهيب: لكِ الأمر وعليَّ تحقيقه.
_ نور: تضع لي خمسة ملايين في البنك، وتعطي أبي مهراً مليونين وتحضر ما تشاء من الذهب وما قطعته على نفسك من منزل جديد لوالدي؛ وهذه طلبات مستطاعة، أما أنا فأنا أخاف أن يكون داري بجوار قبر، فهل ترتضي أنت أن تكون زوجتك خائفة من شيء وأنت حيٌّ ترزق؟
تظهر علامات الغضب عليه وتلمع عيناه الغريبة وتكمل نور حديثها:
أرى أن كلماتي قد أثارت حفيظتك، ولكنك لست مجبراً على شيء فلك حرية الاختيار والقرار الآن في يدك.
_ مهيب: دعيني أفكر فيما قلتِ وبعدها أقرر ما سيكون، وحتى هذا الوقت فأنا قد أتممت خطبتك فكوني على قدر ذلك.
_ نور: لا.. فأنا ستتم خطبتي حين تنتهي من تفكيرك وتقرر ما سيكون.
ينهض غاضباً وتلتفت هي لوالدها.
_ نور: أبي العزيز أأحضر لك الطعام؟
يتوجه نحو الباب غاضباً ويهم بالخروج ولكنه يقف ويلتفت لها.
_ مهيب: وعدتُك أن تأمري وأنا ألبي أوامرك، وهذا ما سيحدث ومن اليوم أنتِ خطيبتي وجهزي لعرسك في ليلة اكتمال القمر.
_ نور: ستكون هذه الليلة ليلة عذري الشرعي، ولكن ما دامت تلك رغبتك فهيت لك؛ ولك ما تشاء.
يفرغ فاه وكأنه مبتسم.
_ مهيب: نتمم العرس وبعدها نفعل ما نشاء.
يغادر مهيب مسرعاً وتأتي له غربانه ويدخل لمنطقة خلاء بعيدة عن القرية ويبدأ ببعض الطقوس وترتيل عزيمة استدعاء ويحضر له ما استدعى وتقف الغربان وكأنها أصنام حجرية، ويقترب من مهيب ذلك الحاضر ليقفا وجهاً لوجهٍ . ❝
❞ استدعاني سيدي فحضرت ملبيًا لاهثًا تاركًا خلفي كل شيء؛ وعند حضوري تم تكليفي بمهمة صغيرة، ألا وهي بث الخوف في قلوب سكان إحدى الشقق، ففرحت فرحًا شديدًا لذلك، وذهبت فورًا لتنفيذ المهمة.
كانت الشقة راقية بمعنى الكلمة شاسعة المساحة مكونة من ثلاث غرف وبهو كبير، ومطبخ محمل بما لذ وطاب من أصناف الطعام والشراب ودورة مياه رائعة، وهناك ولدان وفتاة يلعبون ويلهون سويًا بمرح، فشاركتهم اللعب فكنت أتسبب في سقوط أحدهم أو أسقط مقتنيات نفيسة فيعاقبهم والدهم؛ وفي المساء أحرك أثاث المنزل وأفتح صنابير الماء أخفي الأطعمة والمقتنيات.
نعم لا تشك في ذلك فأنا (فحيل) أنا من الجنّ وهم من البشر فأراهم ولكنهم لا يروني.
تملّك الخوف منهم ولجؤوا لصديق الأسرة لعله يستطيع إرشادهم للصواب فنصحهم بإحضار أحد المشايخ للقضاء على تلك الظواهر؛ فتملك الرعب مني. وفي المساء حضر سيدي، ففرحت لذلك وأخذ يتمتم بكلمات وأنا أضحك ومن بين كلماته يصدر لي الأمر ببث الرعب، فأفتح النوافذ وأقلب الأثاث وهو يظهر لهم الخوف والهلع ويبلغ رجل البيت بضرورة الفرار من هذا المنزل فهم أمام قوى خفية لا يؤثر فيها شيء؛ وحتى يكون له من الناصحين، شار عليه ببيع الشقة والرحيل فورًا وبالفعل يرسل سيدي أحد إخوته لشراء الشقة بثمنٍ بخسٍ ويأخذ هو الشقة ليجعلها ماخورًا لملذاته الشخصية؛ وكنت أنا خادمَ الشقة الأمين المكلف بحمايتها، وبذلك أكون قد أتممت أول جزءٍ من المهمة التي كلفت بها، وتمت مكافأتي من سيدي بأن أستدعي أبي وكبير مدينتنا ليجعل لي قسمَ تحضير بدلًا من اسمي فكنت قبل هذا القسم يتم استدعائي فقط بنطق اسمي وبهذا أصبحت أصغر جني له قسم لتحضيره . ❝