دليل الكتب والمؤلفين ودور النشر والفعاليات الثقافيّة ، اقتباسات و مقتطفات من الكتب ، أقوال المؤلفين ، اقتباسات ومقاطع من الكتب مصنّفة حسب التخصص ، نصيّة وصور من الكتب ، وملخصات للكتب فيديو ومراجعات وتقييمات 2024
❞ كان يطرق الباب عدة مرات، فلا يقوى على الصبرِ لفرط حماسه، حتى خرجت إليه بعينيها الباكية ووجهها الشاحب وجسدها الهزيل المستسلم، حتى صاح ببهجةٍ تفيض من أجفانهِ يقول:
لقد وجدته يا منى! لقد عاد فقيدك!
نظرت له بعينين متورمتين أثر بكائها الدائم، وظهر بهما بصيصٌ من الأمل، وكأنه طوق النجاة بالنسبة لها، تعالت الصدمة تقاسيم وجهها، ازدادت ضربات قلبها، نضح العرق على جبينها، مشاعر مختلطة لا تقدر على تحديدها، تتساءل في نفسها أهذا حلمٌ أم عاد من جديد؟ ليضرب كفيه ببعضهما أمامها، لتستيقظ من شرودها الذي اعتراها، تغمض عيناها بقوةٍ، تخشى تصديقه كي لا يُكسر قلبها مرةً أخرة، تشعر بالدوار لتستند على الحائط الذي بجانبها وقلبها ينبض بشدةٍ لسماع أخباره؛ ليعنفها عقلها ويذكرها بأنه من خذلها، ليستحوذ عليها الحزن من جديد، تسيل الدموع على وجنتيها، تنظر هنا وهناك لتراه ولكن دون جدوىٰ، فهو لم يأتي بعد، ظهر الأسى على ملامحها الباهتة، التي وبالرغم من بُهتان وجهها مازالت جميلة كما كانت من قبل، استحوذ الانكسار على ملامحها مرةً أخرى بعد ظهور البسمة على شفتاها الصغيرة كالخيط الرفيع، تبدل حالها من الحزن إلى الفرح ثم بعد ثواني قليلةٍ عاد إليها وكأنه شبح يُطاردها، لتُسلط نظرها بعيونٍ باكيةٍ وقلبٍ ممزق إلى ذلك الطارق؛ لينقذها من حبل أفكارها، تحرك يديها بعشوائيةٍ، تريد التفوه بعباراتٍ ولكن تلجم لسانها، تخرج الكلمات بتلعثم، تمسح على وجهها بكفيها الصغير، ثم تحدق ببؤرتيها إلى ذلك الشخص الذي يقف أمامها مُنذ زمنٍ؛ لتنهمر في النحيب المستمر أمامه، تتعالى شهقاتها وأصوات تدمير قلبها، الذي حتمًا سمعه من حولها، لتظهر غيمة سوداء خلف جفونها وترتطم قدماها أرضًا، تاركةٌ كل ألمها خلف ظهرها، مستسلمةً لهواجسها التي تُذهب عقلها.
لـ/ إنجي محمد˝بنت الأزهر˝ . ❝
❞ *˝حزنٌ بداخل قلبي˝*
تتلاطم أفكاري متحدثةً مع قلبي عن السبب الذي يؤلمه، شعور يجتاحه فيتألم ويريد الفرار من كل شيءٍ حوله، ثغراتٌ تُمزق قلبي إلى أشلاءٍ صغيرة، حزن يستحوذ على عقلي ليرهق ما تبقى منه، ترقرقت عينايَ بالمياه التي تحجب الرؤية عنها؛ لتترك لها العنان فتخرج بغزارة وسيلان حتى تملأ وجنتي، مزيج بين الحزنِ والبهتان الذي ظهر على تقاسيم وجهي، شلالٌ يصب الماء على وجنتي التي تكسوها الحمرة أثر بكائي المستمر، وعيناي المحمرة التي تتغلب عليها عبراتي وتجعلها تؤلمني، وكأن بداخلها أملاح العالم بأكمله، ولكنها ليست سوى دموع متحجرة وذكريات مؤلمة، ألمٌ بداخل قلبي وكأنه ينشق بسكينٍ تكاد تفتك به وتخرجه من محله ليستكين العالم من حولي، فيستحوذ عليّٰ دوار يجعل الأرض تهتز بي، ترتطم قدمي وتترنح خطواتي المتعرجة فأسقط أرضًا غير مبالية لما يحدث حولي، ضباب أمام عيني، كل هذه الأشياء تجعلني أضطرب، أغمض مقلتاي لأستجمع قوتي من جديد، فيمر أمامي شريط الذكريات وكأن عقلي يتحالف مع الزمن ليدمر ما تبقى من روحي المُنهكة؛ فالإحساس بالحزن يدمر قلبي الهشَّ، دقات قلبي تتعالى، أنفاسي تلهث وترتفع وكأنني أركض مُنذ زمنٍ طويل، أضم جفوني بحزنٍ وخوفٍ من القادم، مشاعر مُبعثرة، طاقة نافذة، دموع تروي عقلي لتمحي الأفكار السلبية التي بداخله، شعور يراودني وكأنه يريد الانقضاض بي وإزهاق روحي، يجعل قلبي يتقافز بخنقةٍ، يريد الصراخ طويلًا ليسترد جزءًا من طاقته، ولكن دون جدوىٰ، فذلك الشعور يتربص بي مُذ زمنٍ لينفرد بي ويقتلني، تتزايد ضربات قلبي من الأسى الذي أشعر به، فمٌ صامت، قلبٌ باكي، عينٌ دامعة، مشاعر مضطربة، أشياء مُرهقة، مزيج بين البكاء والضحك الهستيري، فمن يرى ذلك النقيض يقسم أن الجنون أصابني، ولكن ليس سوى حزنٍ اعترى قلبي فأصابه بالشرودةِ.
لـ/ إنجي محمد˝بنت الأزهر˝ . ❝
❞ *˝هدوءٌ ولكنه عاصف˝*
تتناثر عباراتي بداخل عقلي المضطرب لتستحوذ عليه الذكريات فترهقه، في يومٍ مليءٍ بأشعة الشمس الهادئة التي تتساقط على أمواج البحر الزرقاء؛ لتعطي قلبي الهشَّ أملًا من جديد، كنتُ أسير على ذلك الشاطئ الخلاب بمفردي ولا يسير معي سوى ظلي، تترنح قدماي وتخطو خطوة تلو الأخرى؛ حتى وصلتُ عند صخرةٍ كبيرة تتميز باللون الرمادي، حينها وقفت قليلًا واستندت عليها وأنا أستنشق الهواء العليل، أتذكر تلك الذكريات التي تُلاحقني دون مللٍ، وكأن هذا الهدوء الذي يُميز المكان يتبعه عاصفة بداخلي، أغمض عيناي لتختفي تلك الصور المتقطعة داخل فكري، ولكن دون جدوىٰ، فقد صارت نقطة سوداء تتحالف على تدميري، عندما أغلق عينايَ من جديد؛ أرى كل شيءٍ أمامي وكأنه يحدث الآن، ظللت هكذا بضع دقائق وتتسابق عبراتي على وجنتي كالشلالِ الذي يزدهر بمياه لا يتوقف، حتى سُلطت مقلتاي على تلك الزهور بلونها الزاهي؛ فعند رؤيتها وجدت البسمة تُزين شفتاي وكأن الجمال خُلق في تناسقِ ألوانها، ورغم كل هذا السلام والابتسامة التي رُسمت على وجهي الذي ظهر تقاسيمه من أثر بكائي، فروحي مُهشمة ومُحطمة كُليًا، وأصبح الهدوء الذي يستحوذ على المكان بأكمله يقابله عاصفةٌ تنهش وتمزق قلبي إلى أشلاءٍ صغيرة، أتساءل عن سبب هروبي إلى ذلك المكان، فبالرغم من روعته إلا أن قلبي يثور بشدةٍ، أتناسى كل هذا وأُسلط نظري مرةً أخرى على تلك الورود الزهرية حتى رأيتُ أحجارًا مُرصعة بجانبها وكأنها حُبيبات من اللؤلؤ فتعطيها رونقًا جذابًا يجعلها تجذب انتباه من يراها، لأعود بحدقتي مجددًا إلى تلك السماء الصافية التي يندمج لونها مع لون البحر فتظهر وكأنها لوحةٌ فنية رُسمت بواسطة فنان عظيم، ولكن هذا من خلق الله عز وجل، فما أعظم هذا الجمال! ومن جديد تنتقل قدمي لأسير مرةً أخرى في الاتجاه المضاد؛ لألملم شتات روحي المتبقية من ذلك المكان الماكر الذي يظهر به عكس ما يحمله، يتضح وكأنه يعطي السلام لغيره وبالأصل يجعلهم في حروبٍ، سرتُ خطوات عديدة حتى وجدت ضالتي وشُفيت نفسي من جديد.
لــ إنجي محمد ˝بنت الأزهر˝ . ❝
❞ *˝أميرة في المترو˝*
في يومٍ مليء بالأحداث تركض فتاة ما نحو محطة المترو، تبكي بهيسترية وكأنها النهاية، تتجه نحو مستقبلٍ مجهول ينتظرها، تهرول بخوفٍ من أن يراها أحدًا حتى وصلت إلى رصيف لم تراه من قبل، أتجهت نحو المترو المُقاد ولم تعرف إلى أين ستصل؟ تغلق عينيها بقوةٍ لتستعيد قوتها وصمودها الذي يتلاشى أثر نحيبها الذي يجهش ويشق قلب من يراها هكذا، تنظر هنا وهناك تترقب الطريق الذي أتت منه، تخشى أن يلحق بها أحد؛ فحتمًا ستكون نهايتها، تنفست الصعداء حين تحرك المترو وكأن روحها تعود إلى جسدها المتخشب أثر رعبها، استندت إلى مقعدها وأغلقت عينيها فتذكرت ماذا حدث لها بعد مقتل والدها على يد ابن عمها؟ الذي طمع بالعرش وأراد أن يفتك بها؛ ففرت هاربة بعد أن ذاقت ليالي من الرعبِ والتعذيب على يديه؛ كي تستسلم له وتوافق على ما يريد، ظلت كثيرًا تُفكر حتى فضلت الهروب على انخضاعها له، استيقظت من شرودها مُنتفضة على يد شخصٍ بجانبها، تحدثت بلا وعي: أتركني ماذا تريد؟
ليتحدث مُستنكرًا لمظهرها الذي يدل على ثرائها الفاحش ثم قال: ماذا بكِ؟ أهدئي قليلًا، كنت أريد أن أخبرك بأن هذه أخر محطة للمترو؛ فقد توقف منذُ زمنٍ ووجدتكِ شاردة الذهن فأردتُ أن أخبرك بذلك.
تفوهت ببعض الكلمات الغير مفهومة وبعض الأسئلة التي أثارت فضوله ليسألها؛ فكانت تقول بذعرٍ: أين نحن؟ هل يمكنني أن أجد مكانَا أعيش به لفترة؟ ولكن ليس لدي مال غير السلسال الملكي ولا أستطيع أن أضيعه فهو هدية من أمي الذي توراثته من جدتي!
ليردف قائلًا بفضولٍ لم يستطيع أن يخفيه: سلسال ملكي! هل أستطيع أن أعرف ماذا حدث معكِ؟
نظرت في عينيه لتستشف صدقه الذي ظهر في بؤرته، تسلل الأمل بداخلها؛ فربما يكون مُصخر لها ليُساعدها، أغلقت عيناها مرارًا وتكرارًا؛ كي تحفز لسانها على التحدث، قصت عليه كل ما حدث معها بين نوبات البكاء الحادة، التي وقعت على قلبه مثل الصخر ولا يعلم لماذا يتألم؟
ثم نظر لها وعينيه مُتسعة ومسلطة عليها لا يعلم بماذا يتفوه في هذا الوقت؟ وسرعان ما استيقظ من شروده وتحدث متسائلًا: هل يوجد مانع إذا قُمتين بالعيش مع والدتي؟
نظرت له بشكرٍ ثم قالت له: أتقصد إنك ستساعدني؟
قال لها: نعم، ولكن منزلي بسيط لا يليق بأميرة مثلك وعليكِ اتخاذ القرار.
تحدثت بسرعةً قبل أن يعود في كلامه قائلةً: لا مانع لدي، فقط أريد النجاة من ذلك الوغد.
ليسيروا معًا حتى يصلوا إلى ذلك البيت المُتهالك الذي حطمه الزمن، لتدلف بداخله مُستنكرةً أيصل بها الحال إلى هذا المكان بعد العيش في القصور الفخمة، ليتحدث عقلها مُذكرًا لها أن هذا هو الحل الوحيد لإنقاذ حياتها، وفور دلفوها البيت شعرت بدفء اجتاحها ورائحة الطعام في كل مكانٍ، شعرت بتلك المرأة الطيبة التي تعد الطعام على المائدة المحطمة بعض الشيء؛ حتى وجدتها تنظر إليها مُتسائلةً عنها.
لتتسارع مع الزمن وعبراتها تتسابق كالشلالِ على وجنتيها وقلبها مفتت وممزق إلى أشلاءٍ صغيرة عما حدث معها؛ أردفت بدموعٍ وكسرةً وهي تقص عليها مع حدث لها.
لتجيب عليها تلك المرأة الحنونة قائلة: اقتربي يا عزيزتي؛ فأنا مثل: والدتكِ.
لتقترب منها وعيونها تذرف الدمع بغزارةٍ ثم تفوهت ببعض الكلمات الغير مفهومة لتحتضنها تلك السيدة وقالت لها: أنا لم أكن والدتك، ولكن من الآن، سأصبح مثلها.
شعرت بالأمان في احتضانها وكأن خوفها فر هاربًا حينما سكنت وشددت في عناقها؛ لتعيش معهم في سلامٍ وكأن القدر أراد أن يجمعها بتلك العائلة الحنونة؛ لتعوضها عن افتقاد والديها لتشعر بتلك المشاعر الطيبة التي لم تحظو بها سابقًا، فهي الآن تشكر محطة المترو التي كانت سببًا لمعرفتها بتلك السيدة التي تعتبرها الآن مثل: والدتها التي توفيت مُنذ ولادتها، تركت المال وكل شيءٍ من أجل الأمان وبعد طول انتظار وجدته وتأقلمت بالحب دون المال.
گ/ إنجي محمد˝بنت الأزهر˝ . ❝
❞ *˝حصونٌ تترنح وتتلاشى أثر عواصف دامت طويلًا˝*
في يومٍ عاصفٍ يسوده العتمة والديجور الحالك، الذي يجعل السماء مُلبدة بالألوان وكأن هناك عاصفة تأتي فيثور كل شيءٍ، أطرافٌ تُهلك، روحٌ مُتعبة ومُهشمة، مزيج بين الهدوءِ والانقلابِ، أزهارٌ تُغرز وسط المياه التي يتحد لونها مع ألوان السماء التي تتدرج بين الأزرق والأصفر، والغيوم التي تعطي السماء جاذبيةً ورونقًا فتأسر عيون من يراها، وكأنها لوحةٌ رُسمت فتُزين البحر بانعكاسها عليه، جسدٌ هشّ كالجسر القديم المتهالك الذي يجعل من يعبره يرتطم أرضًا فيسقط كالجثة الهامدة، هكذا أنا أسيرُ في طريقٍ مجهولٍ لا يعلمه أحدٌ، تتناثر أوراق الشجر بلونها الباهت الذي أصبح يكسو المياه الجذابة؛ فيميل لونها إلى السواد بعض الشيء وكأن العتمة تجمعت في تلك القطرات المتجمعة، أشياءٌ متساقطة تمنع العبور، ولكن كل هذه الألوان المندمجة تُعبر عن تشتت أفكاري، يتلاشى صمودي وقوتي، تدمرت حصوني التي كانت تُساندني سابقًا، أجلس منزويةً على حطام ذلك الجسر المُدمر، أفقد كل ذرة فرح بداخلي؛ ليستحوذ عليَّ الحزن والبكاء الشديد، من يراني يندهش من تلك النوبات التي تفقدني صوابي وأصبح غير واعيةٍ لشيء يحدث من حولي، جسدٌ يتحرك وروحٌ تخرج وتختبئ وسط ظلامٍ يفقد العقل قوته؛ فيتأوه القلب ويئن ليزداد حطامًا، تهتز شفتاي وتفقد قدرتها على التفوه بالكلماتِ من أثر البكاء الذي سيطر علي، يجهش صوتي ويشبه النحيب وتتحشرج عباراتي بداخل فمي وكأنني طفلة صغيرة وأتعلم الحديث مجددًا، عقولٌ تلاحقها الذكريات كما يرتطم الهواء مع المياه فيختلطا معًا ليحدثا اضطرابات كثيفة، هكذا يحدث بين قلبي وعقلي عند جلوسي في ذلك المكان الخالي من البشر، كل شيءٍ به يُذكرني بتلك الأشياء التي تشق قلبي وتمزقه إلى أشلاءٍ صغيرة، ذلك العشب الصغير، المياه، الجسر، كل هذه الأشياء تفقدني جزءًا من روحي وكأنها نهاية العالم وتجمعت بداخلي عند جلوسي في ذلك الهدوء الذي يحطم كل الذكريات الجميلة التي مررت بها، لذلك أتناسى صمودي عند مروري على ذلك الجسر الذي يتميز بخشبه القديم؛ لأصبح مثله تمامًا عند عبوري عليه.
گ/إنجي محمد˝بنت الأزهر˝ . ❝
❞ *˝دُفنت بين الغوائل˝*
يتناثر التراب من حولي مُعلنًا عن خذلانٍ جديد، وكأن الجميع يريد الفتك بي ليصبح قلبي مُتهالكًا محطمًا، يدٌ كنت أعتقد صدقها ومع مرور الوقت أدركتُ بهتان وجهها، كانت تركض هنا وهناك لتدمر ما تبقى من شتاتِ روحي المُهشمة، تضع التراب على أشلاءِ الممزقة التي امتزجت مع غُبار الأرضِ؛ فصار الجسد والروح ليس سوى بقايا تستنجد بمُهلكها لينقذها من ذلك السراب الذي يتسلل بداخلها، حفرةٌ في بُقعة الأرضِ يجهش عقلي بداخلها مُتذكرًا تلك الذكريات التي كانت تجمعنا، وكأننا إخوة نخشى نوائب بعضنا البعض، أضحى البشر يتحدث من الخلفِ، ينسى الخير ويتجه نحو الشر؛ فيخون من استأمنه ويقتله حتمًا، غُبارٌ يتطاير هنا وهناك فيشبه فتات قلبي الذي انشق وتمزق أثر خذلاني، دوامةٌ تُحاوطني وتلحق بي لأتجه نحو الدمار، ولكن أعمل جاهدةً على الصمودِ الذي بات يترأس قدمي ليركض ويتركها، ولكنني أتشبث به بقوةٍ غير مُباليةٍ لما يحدث من حولي، رغم الحطام الذي يأسرني أجد عقلي يتشاجر مع قلبي، أحدهما يريد الاستمرار والسعي نحو الكمالِ، والآخر يريد التوقف والاستسلام، عينايَ تُغلق مُستسلمةً لتلك السحابة السوداء التي تكسوها؛ فينبهها العقل لتستيقظ من جديد، أتساءل عن السبب الذي يجعلني متناقضةً، لم أجد سوى أن كل شيءٍ من حولي لم يكن كما أعتقد به، الثقة لمن لا يستحقها، والخوف من الشخص الذي يُحبك بصدق ويُقدم لك بدون مقابل، هذه هي الحياة تدرك الأشياء، ولكن بعد فوات الأوان.
گ/ إنجي محمد ˝بنت الأزهر˝ . ❝
❞ *˝ضجيجٌ ترك العالم، وتجمع في قلبي؛ لينتهي بي الأمر بالانهيارِ˝*
تتناثر الأقلام لتُفصح عن الألم الذي يدور في القلوبِ ليلًا، كتمانٌ دام طويلًا فخرج القلب عن صمته؛ ليتصارع مع العقل ويسبب ضجيجًا يخترق الجدران، وكأنه سهامٌ تتسلل فتُصيب كل شيءٍ حولي؛ ليرتطم كبريائي وقسوتي التي أظهرها للجميع وأتنازل عن هدوئي الذي تصنعت به كثيرًا.
تجلس أمام أختها وتستمع لحديثها فتقول لها وهي تُداعب وجنتيها: أنتِ يليقُ بكِ أفضل الأشياء؛ لتنظر لها بهدوءٍ قبل عاصفةٍ تُدمر ما بداخلها، تردد قولها وكأنها تطرح سؤالًا صعبًا عليها حله فتقول: يليق بي الأفضل! حقًا؟ تهب واقفةً وتتحدث بصراخ وكأن كل ما مرت به تراه أمامها، تصرخ بهستيرية غير واعيةِ لما يحدث من حولها وتقول: ليس لدي حياة..
تكرر هذه الجملة مرارًا وتكرارًا، فتنظر إليها أختها بحسرةٍ لتستكمل حديثها قائلةً: لقد سئمت من ذلك لقد سئمت! لا أستطيع التحمل، لا أستطيع فعل هذا. تكررها ببكاءٍ أكثر تحرك يديها يمينًا ويسارًا، كأنها تستمد القوة من حركتها المُفرطة كي تتحدث وتُخرج ما بداخلها، ثم تقول وعينيها مُنتفخة أثر بكائها: لا أستطيع فعل هذا، ولهذا حسنًا؛ ليكن الأسوأ وليكن مؤلمًا، ولكن لأكون حُرة، لأكون حُرة أرجوكِ! تتحدث وكأنها تنحصر بين أبوابٍ تعيق تنفسها وتطبق على صدرها، فتشعر بصخبٍ كبير، تنهار باكيةً ترجو الحرية، تريدها فقط ولا تريد غيرها، تُعيد طلب أمنيتها وهي ˝الحرية˝، تتحدث مرةً أخرى وهي تنظر في عين أختها وتتفوه بكلماتٍ كثيرة تُعبر عن عدم تقبلها لهذا الوضع، ثم تصرخ وتقول: أقول لكِ أريد أن آخذ نفسي، لماذا تمنعينني من فعل ذلك؟ لماذا؟ ألا تستطيعين أن تتحملي؟ لا أفهم لماذا تفعلين هذا؟ تفوهت بسرعةٍ وكأنها تتسارع مع الزمن لتُخرج عباراتها قبل نفاذ طاقتها، ولكن كانت هذه الأسئلة كفيلة لتُخرج أختها عن صمتها، تحدثت بصوتٍ مُرتفع نسبيًا ثم قالت: أختي يكفي!
لتصرخ الأخرى بكلِ صوتٍ بداخلها وكأنها تنطق آخر كلماتها ولا تريد التوقف، ثم تقول: ماذا يكفي؟ يكفي لكِ.. تفقد أختها آخر ذرة صبر عندها لتقول: أختي قلت لكِ كفى!
فتنطق بصراخٍ ودموعٍ تتسابق كالشلالِ على وجنتيها: ماذا يكفي؟ قلتُ لكِ لا أستطيع التنفس. تُعيدها مرةً أخرى وكأنها فقدت عقلها، تحاول جذب شعرها وتصرخ: لا أستطيع التنفس! يكفي بعد الآن!
تنظر لها أختها نظرة يملؤها العتاب والحسرة، وكأنها تُريد إخبارها بأنها تحميها، ولكن تحدث عقلها قبل قلبها لتُخبرها بأنها ستذهب ولم تعد موجودة معها؛ لتجيب عليها بقسوةٍ: اِذهبي واختفي، اذهبي! تنظر لها بانهيارٍ فلم تعتقد قسوة أختها عليها، تنظر دون أن تتحدث؛ لتقاطع أختها تفكيرها وهي تُتمتم بكلماتٍ وقعت على قلبها كالصاعقةٍ تقول: اِذهبي واختفي؛ لربما أستطيع أن آخذ نفسي، وأنا لربما أصبح حُرة، لربما أعرف كيف أصبح حرة؟
كل هذه الكلمات وقعت على مسمعها ولا تصدق، أهذا جزاءها لأنها تريد حمايتها؟ أهذه مكافأتها على حبها لأختها؟ لتفقد صمودها وتركل الباب بيديها وسرعان ما خرجت واختفت ودموعها تُذرف بغزارةٍ، تؤلمها نفسها، تركض وتركض حتى وصلت إلى مكانٍ بعيد لتنهار به وتترك العنان لحزنها ليتوغل بجوارهاويستحوذ على كل شيء، فترتطم أرضًا وتريد من يساندها، تتذكر ذكرياتها مع أختها فتبكي بحرقةٍ على ما تلقته منها، ثم تحاول لَمَّ ما تبقى من روحها وتقف مرةً ثانيةً؛ لتترك المكان بأكمله وتتجه لحياة جديدة بعيدة عن كل شيء.
گ/إنجي محمد˝بنت الأزهر˝ . ❝