📘 ❞ موقف الإسلام العقدي من كفر اليهود والنصارى ❝ كتاب ــ يوسف القرضاوي اصدار 1999

اليهود والنصارى - 📖 ❞ كتاب موقف الإسلام العقدي من كفر اليهود والنصارى ❝ ــ يوسف القرضاوي 📖

█ _ يوسف القرضاوي 1999 حصريا كتاب موقف الإسلام العقدي من كفر اليهود والنصارى عن مؤسسة الرسالة 2024 والنصارى: يقول الشيخ : أخطر القضايا التي نبَّهت عليها أكثر لي: محاولة خصوم الفكر الإسلامي التشكيك "المُسلمات" وبذل الجهد تحويل "اليقينيَّات" إلى "ظنِّيَّات" و"القطعيات" "مُحتملات" قابلة للأخذ والردِّ والجذْب والشد والقِيلِ والقالِ وحسْبهم الوصول هذه النتيجة "زحزحة الثوابت" أو مُناطحتها بُغية "تذويبها" حتى لا تقف سدًّا منيعًا أمام الذين يُريدون أن يَهدموا حُصون الأمة الأقل: يخترقوا أسوارها وقد وجدنا عصرنا مَن يشكك تحريم الخمر الربا إباحة الطلاق وتعدُّد الزوجات بشروطه بل يُشكك حجية السنة النبوية يدعو نطرح علوم القرآن كلها وكل مواريثنا الثقافة القرآنية ونُلقيها سلة المهملات لنبدأ قراءة جديد معاصرة غير مُقيدة بأي قيد ولا ملتزمة علم سابق بأية قواعد ضوابط مما قرَّره علماء توالى القرون والليالي الزمان حُبالَى مُثْقَلاتٌ يَلِدْنَ كُلَّ عَجِيبِ! ومما ولدتْه الليالي الحاملة بالعجائب: ما يذهب إليه بعض الناس أقحموا أنفسهم الإسلامية دون يتأهَّلون لها بما ينبغي علْم والسنة ولغة العرب وعلومها وأصول الفقه وتراث السلف فدخلوا فيما يُحسنون وخاضوا يعرفون وأفتوا بغير وحكموا بَيِّنَةٍ ودعوا بصيرة وقالوا الله يعلمون ومن ذلك: زعمهم أهل الكتاب ليسوا كُفَّارًا فإن كانوا يقصدون أنهم مُلحدينَ مُنكرينَ للألوهية والوحْي فهذا ادِّعاء صحيح يجوز الخلاف فيه وإن كفارًا بدينِ محمد ورسالته وقرآنه وهو المراد إطلاق الكفر عليهم فهذه دعوى باطلة شك فإن كُفر أوضح الواضحات بالنسبة لأي مسلم عنده ذرَّة وممَّا أجمعتْ عليه اختلاف مذاهبها وطوائفها طوال العصور لم يُخالف ذلك سُنِّيٌّ شِيعيٌّ مُعتزلي خارجي طوائف الموجودة اليوم والزيدية والجعفرية والأباضية يَشُكُّون يُؤمن برسالة الصلاة والسلام فهذا المسلمات الدينية المتَّفق نظرًا وعملاً هي مِن "المعلوم الدين بالضرورة" أي ممَّا يتفق معرفته الخاص والعام يحتاج إقامة دليل جزئي للبَرْهَنَةِ صحته وسر يدل آيةٌ آيتان عشرة عشرون عشرات الآيات وعشرات الأحاديث رسول صلى وسلم فاليهود كفار اعتقاد المسلمين؛ لأنهم يؤمنوا الذي أرسل كافة وإليهم خاصة كما ذكر الصريحة البينة {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} (المائدة:19) وقد آمنوا ببعض الرسل وكفروا فهم بنص الصريح: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (النساء:151) وهم يكتفوا بالكفر والأعراض عنها كادوا له ومكروا به وصدوا سبيله قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (التوبة:32) واليهود كفار؛ قالوا وشوهوا حقيقة الألوهية كتبهم ووصفوا يليق بجلاله وكماله ونسبوا نقص البشر وعجز وجهل وهذا ثابت "أسفار التوراة" يؤمن بها جميعا فكل شأن والنبوة النصارى؛ لأن التوراة المحرفة الآن أيديهم "كتاب مقدس" عند الطائفتين ويزيد النصارى انفردوا المسيح حيث اعتبروه إلها ابن إله واحدا ثلاثة أقانيم تكوِّن "الإله" قد قرر بوضوح بين وبيان واضح: أنه تعالى سورة المائدة وهي أواخر نزل القرآن: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} آيتين السورة آية:17 وآية:72 ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَهٌ وَاحِدٌ} آية:73 وفي التوبة ـ أيضًا جاء قوله {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ وَقَالَتِ النَّصَارَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ كَفَرُوا قَبْلُ قَاتَلَهُمُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا دُونِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ أُمِرُوا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة:30 31) الدلائل الأخرى {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ وَلَا حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ هُدَى الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ الْعِلْمِ مَا لَكَ وَلِيٍّ نَصِيرٍ} (البقرة:120) وهذا لهم ملة أخرى إبراهيم حنيفا لرسوله شأنها {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا كَانَ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام:161) وقال جل شأنه: أَيُّهَا آمَنُوا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا أَسَرُّوا أَنْفُسِهِمْ نادمين} (المائدة:51 52) ومعلوم ينهى اتخاذ المؤمنين أولياء إنما الكفار الْكَافِرِينَ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} (النساء:144) {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ أَلِيمًا يَتَّخِذُونَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ جَمِيعًا} (النساء:138 139) السياق نفسه نهى لرسوله:{قُلْ يَا هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مَثُوبَةً عِنْدَ مَنْ لَعَنَهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَإِذَا جَاءُوكُمْ وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ} (المائدة:59 61) ويقول سبحانه: لَسْتُمْ شَيْءٍ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ إِلَيْكُمْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا إِلَيْكَ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ الْقَوْمِالكافرين} (المائدة:68) سبحانه شيء يقيموا والإنجيل وما أنزل إليهم ربهم العظيم كما يشهد بذلك كل قرأ درس الحديث كنت أظن أجد مسلمًا يُعارض صريح وقواطع النصوص برأيه وهواه وأنا أقصد بالحكم بالكفر: يتعلَّق بأحكام الدنيا فالناس ينقسمون عندنا قسمين ثالث لهما إما وإما كافر فمَن ليس بمسلم فهو ولكن الكفَّار أنواع ودرجات منهم ومنهم المشركون الجاحدون الدهريُّون وكذلك المسالمون المحاربون ولكل حُكمه أما يتعلق الآخرة وهل هذا الكافر ناجٍ معذَّب؟ موكول علمه وعدله {ومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (الإسراء:15) فأما تبلغه الدعوة أصلاً بلوغًا مُشَوِّقًا يُحمل النظر والبحث حالت حوائلُ قاهرة دخوله يكون المُعذَّبين حسب وعد والقرآن تَوَعَّدَ شاقُّوا الرسول بعد تبيَّن الهدى؛ كِبْرًا وعُلُوًّا حسدًا وبَغْيًا حبًّا للدنيا تقليدًا أعمَى إلخ {ومَن يُشاقِقِ الرسولَ بَعْدِمَا تَبَيَّنَ لهُ الهُدَى ويَتَّبِعْ غيْرَ سَبِيلِ المُؤمِنينَ نُوَلِّهِ تَوَلَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وسَاءتْ مَصِيرًا} (النساء:115) مجاناً PDF اونلاين ركن خاص بكتب مجانيه للتحميل

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
موقف الإسلام العقدي من كفر اليهود والنصارى
كتاب

موقف الإسلام العقدي من كفر اليهود والنصارى

ــ يوسف القرضاوي

صدر 1999م عن مؤسسة الرسالة
موقف الإسلام العقدي من كفر اليهود والنصارى
كتاب

موقف الإسلام العقدي من كفر اليهود والنصارى

ــ يوسف القرضاوي

صدر 1999م عن مؤسسة الرسالة
مجاني للتحميل
عن كتاب موقف الإسلام العقدي من كفر اليهود والنصارى:
يقول الشيخ : من أخطر القضايا التي نبَّهت عليها في أكثر من كتاب لي: محاولة خصوم الفكر الإسلامي التشكيك في "المُسلمات" وبذل الجهد في تحويل "اليقينيَّات" إلى "ظنِّيَّات" و"القطعيات" إلى "مُحتملات" قابلة للأخذ والردِّ، والجذْب والشد، والقِيلِ والقالِ.

وحسْبهم الوصول إلى هذه النتيجة "زحزحة الثوابت" أو مُناطحتها بُغية "تذويبها" حتى لا تقف سدًّا منيعًا أمام الذين يُريدون أن يَهدموا حُصون الأمة، أو على الأقل: يخترقوا أسوارها.

وقد وجدنا في عصرنا مَن يشكك في تحريم الخمر أو الربا، أو في إباحة الطلاق وتعدُّد الزوجات بشروطه، بل مَن يُشكك في حجية السنة النبوية، بل وجدنا مَن يدعو إلى أن نطرح علوم القرآن كلها، وكل مواريثنا من الثقافة القرآنية، ونُلقيها في سلة المهملات، لنبدأ قراءة القرآن من جديد قراءة معاصرة، غير مُقيدة بأي قيد ولا ملتزمة بأي علم سابق، ولا بأية قواعد أو ضوابط مما قرَّره علماء الأمة على توالى القرون. والليالي من الزمان حُبالَى مُثْقَلاتٌ، يَلِدْنَ كُلَّ عَجِيبِ!

ومما ولدتْه الليالي الحاملة بالعجائب: ما يذهب إليه بعض الناس الذين أقحموا أنفسهم على الثقافة الإسلامية، دون أن يتأهَّلون لها بما ينبغي من علْم القرآن والسنة ولغة العرب وعلومها، وأصول الفقه، وتراث السلف، فدخلوا فيما لا يُحسنون، وخاضوا فيما لا يعرفون، وأفتوا بغير علم، وحكموا بغير بَيِّنَةٍ، ودعوا على غير بصيرة، وقالوا على الله ما لا يعلمون.

ومن ذلك: زعمهم أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى ليسوا كُفَّارًا، فإن كانوا يقصدون أنهم ليسوا مُلحدينَ مُنكرينَ للألوهية والوحْي، فهذا ادِّعاء صحيح، ولا يجوز الخلاف فيه.

وإن كانوا يقصدون أنهم ليسوا كفارًا بدينِ محمد ورسالته وقرآنه- وهو المراد من إطلاق الكفر عليهم- فهذه دعوى باطلة من غير شك.

فإن كُفر اليهود والنصارى من أوضح الواضحات بالنسبة لأي مسلم عنده ذرَّة من علم الإسلام، وممَّا أجمعتْ عليه الأمة على اختلاف مذاهبها وطوائفها، طوال العصور، لم يُخالف في ذلك سُنِّيٌّ ولا شِيعيٌّ ولا مُعتزلي ولا خارجي، وكل طوائف الأمة الموجودة اليوم من أهل السنة والزيدية والجعفرية والأباضية، لا يَشُكُّون في كفر اليهود والنصارى وكل مَن لا يُؤمن برسالة محمد عليه الصلاة والسلام.

فهذا من المسلمات الدينية المتَّفق عليها نظرًا وعملاً، بل هي مِن "المعلوم من الدين بالضرورة" أي ممَّا يتفق على معرفته الخاص والعام، ولا يحتاج إلى إقامة دليل جزئي للبَرْهَنَةِ على صحته. وسر ذلك: أن كُفر اليهود والنصارى لا يدل عليه آيةٌ أو آيتان أو عشرة أو عشرون، بل عشرات الآيات من كتاب الله، وعشرات الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فاليهود والنصارى كفار في اعتقاد المسلمين؛ لأنهم لم يؤمنوا برسالة محمد، الذي أرسل إلى الناس كافة، وإليهم خاصة، كما ذكر في الآيات الصريحة البينة {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} (المائدة:19) وقد آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، فهم بنص القرآن الصريح: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (النساء:151)

وهم لم يكتفوا بالكفر برسالة محمد، والأعراض عنها، بل كادوا له ومكروا به، وصدوا عن سبيله، كما قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (التوبة:32).

واليهود والنصارى كفار؛ لأنهم قالوا على الله بغير علم، وشوهوا حقيقة الألوهية في كتبهم، ووصفوا الله بما لا يليق بجلاله وكماله، ونسبوا إليه نقص البشر، وعجز البشر، وجهل البشر، وهذا ثابت في "أسفار التوراة" التي يؤمن بها اليهود والنصارى جميعا، فكل ما يؤمن به اليهود في شأن الألوهية والنبوة يؤمن به النصارى؛ لأن التوراة المحرفة الموجودة الآن في أيديهم "كتاب مقدس" عند الطائفتين جميعا.

ويزيد النصارى على اليهود ما انفردوا به في شأن المسيح، حيث اعتبروه إلها، أو ابن إله أو واحدا من ثلاثة أقانيم تكوِّن "الإله". وهذا قد قرر القرآن بوضوح بين، وبيان واضح: أنه كفر. كما قال تعالى في سورة المائدة، وهي من أواخر ما نزل من القرآن: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} في آيتين من السورة آية:17 وآية:72 ، {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} آية:73 .

وفي سورة التوبة ـ وهي من أواخر ما نزل أيضًا ـ جاء قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة:30-31).

ومن الدلائل الأخرى على كفر أهل الكتاب قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (البقرة:120).

وهذا يدل على أن لهم ملة أخرى غير ملة الإسلام التي هي ملة إبراهيم حنيفا،وهي التي قال الله لرسوله في شأنها {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام:161).

وقال جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادمين} (المائدة:51-52).

ومعلوم أن الله لا ينهى عن اتخاذ المؤمنين أولياء، إنما ينهى عن اتخاذ الكفار أولياء من دون المؤمنين، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} (النساء:144).

{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (النساء:138-139).

وفي السياق نفسه الذي نهى فيه عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، يقول تعالى لرسوله:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون . قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ . وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ} (المائدة:59-61).

ويقول سبحانه: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِالكافرين} (المائدة:68)، بين الله سبحانه أن أهل الكتاب ليسوا على شيء من الدين حتى يقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم، أي القرآن العظيم.

كما يشهد بذلك كل مَن قرأ القرآن أو درس الحديث. وما كنت أظن أن أجد مسلمًا يُعارض صريح كتاب الله ـ تعالى ـ وقواطع النصوص برأيه وهواه.

وأنا أقصد بالحكم عليهم بالكفر: ما يتعلَّق بأحكام الدنيا، فالناس ينقسمون عندنا إلى قسمين لا ثالث لهما، إما مسلم وإما كافر، فمَن ليس بمسلم فهو كافر، ولكن الكفَّار أنواع ودرجات، منهم أهل الكتاب ومنهم المشركون، ومنهم الجاحدون الدهريُّون، وكذلك منهم المسالمون، ومنهم المحاربون، ولكل منهم حُكمه.

أما فيما يتعلق بأحكام الآخرة، وهل هذا الكافر ناجٍ أو معذَّب؟ فهذا موكول إلى علمه ـ تعالى ـ وعدله. وقد قال تعالى: {ومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (الإسراء:15)، فأما الكافر الذي لم تبلغه الدعوة أصلاً، أو لم تبلغه بلوغًا مُشَوِّقًا يُحمل على النظر والبحث أو حالت حوائلُ قاهرة دون دخوله في الإسلام، فهذا لا يكون من المُعذَّبين حسب وعد الله ـ تعالى ـ وعدله.

والقرآن إنما تَوَعَّدَ الذين شاقُّوا الرسول من بعد ما تبيَّن لهم الهدى؛ كِبْرًا وعُلُوًّا، أو حسدًا وبَغْيًا، أو حبًّا للدنيا، أو تقليدًا أعمَى... إلخ، قال تعالى: {ومَن يُشاقِقِ الرسولَ مِن بَعْدِمَا تَبَيَّنَ لهُ الهُدَى ويَتَّبِعْ غيْرَ سَبِيلِ المُؤمِنينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وسَاءتْ مَصِيرًا} (النساء:115)
الترتيب:

#3K

0 مشاهدة هذا اليوم

#21K

17 مشاهدة هذا الشهر

#16K

13K إجمالي المشاهدات
عدد الصفحات: 62.
قراءة أونلاين 📱 تحميل مجاناً
يوسف القرضاوي ✍️ المؤلف
مناقشات ومراجعات
مؤسسة الرسالة 🏛 الناشر
QR Code
نتيجة البحث