📘 ❞ الإسلام والعلمانية وجها لوجه ❝ كتاب ــ يوسف القرضاوي اصدار 1997

كتب الرد على العلمانية - 📖 ❞ كتاب الإسلام والعلمانية وجها لوجه ❝ ــ يوسف القرضاوي 📖

█ _ يوسف القرضاوي 1997 حصريا كتاب الإسلام والعلمانية وجها لوجه عن مكتبة وهبة 2024 لوجه: مقدمة: في صيف سنة 1985م كنت مدينة "بون" ألمانيا الغربية للعلاج من ألم أصاب العمود الفقري وكانت تأتيني ما بين حين وآخر بعض الصحف العربية ومنها صحيفة الأهرام القاهرية وفي أحد الأيام قرأت فيها مقالا للدكتور فؤاد زكريا يذكر ضرورة الحوار مع الدعاة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية نظرا لخطورة الموضوع واتساع القاعدة التي تنادى به وعدم قيام حوار هذا النوع رغم أهميته لحاضر الأمة ومستقبلها وكان أول لفت نظري أنه جعل عنوان الكبير العميق "المسألة الدينية مصر المعاصرة"! والكتاب ـ كما يقولون يقرأ عنوانه ففهمت أن هذه مكانة الدين نفس الكاتب الذي هو روح الحياة وحياة الروح وجوهر الوجود الإنساني كله لا يعدو يكون تفكير كاتبنا غير مسألة مسائل تشغل الناس فترة الزمن مثل: تداخل خطوط التليفونات أو انقطاع المياه الأدوار العليا النهار ارتفاع سعر الدولار السوق السوداء ونحو ذلك ثم لاحظت يسميها "الدينية" وليست "الإسلامية" فالكتاب العلمانيون حريصون كل الحرص إبعاد كلمة "الإسلام" قاموسهم استطاعوا واستخدام "الدين" وذلك لتثبيت المعنى الدخيل المستورد وهو التفريق الحازم دين وما ليس بدين شئون المختلفة معنى غريب الفكر الإسلامي والحياة ومع غضضت الطرف العنوان وبدأت أقرأ المقال الأول وأنا أقول نفسي: بداية طيبة فما أحوج أبناء وأبناء العروبة يتحاوروا بالفكر بدل يتقاذفوا بالتهم يتقاتلوا بالسلاح ولكن انتهى د مقالاته ومن التعقيب بعد منتقديه حتى شعرت بأن ظني قد خاب جدية دعوة الدكتور للحوار التيار لجملة أسباب: 1 لم يكن يحمل قلما بل سيفا للهجوم واستغل المساحة الكبيرة المعطاة له الصحيفة للتشكيك المسلمات الأولية عند طوال أربعة عشر قرنا الزمان اجترأ التشكيك الله! وزعم إلهي ينقلب بشريا صرفا بمجرد تفسيره وتطبيقه ومعنى فائدة ولا مبرر ينزل الله للناس كتابا يلزمهم بشريعة يبعث بها رسولا 2 يحاول يتنازل شيء أفكاره ليقترب دعاة كان أكبر همه يتنازلوا هم أفكارهم عقيدتهم وشريعتهم ومنطلقاتهم الأساسية ليقتربوا منه وليت شعري كيف يتم الصورة إن القرآن ذكر جدال أهل الكتاب أدبين رئيسيين: الأول: بالتي هي أحسن فلو هناك أسلوبان أحدهما: حسن والآخر: لوجب نستعمل الثاني: التذكير بنقاط الاتفاق شأنها تجمع تفرق وفي يقول تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (سورة العنكبوت: 46) هذه طريقة أما فإنها تهدم تبني وتفرق وتباعد تقرب 1 يلوي أعناق الحقائق ليا ويتعسف التفسير والتعليل ولو كانت أمامه وضوح الشمس ضحى القاهرة وكلامه وعن الصحوة ينطق بذلك بجلاء رد عليه المعلقين قطع أوصال تعليقاتهم وانتقى منها حلا فأبقاه وحذف شاء وقطع كلمات ناقديه سباقها وسياقها ومنهم علماء ومستشارون وأساتذة جامعات كما تكن منصفة الحكم طرفي فأعطت الحرية ولم تعط لناقديه مثل أعطت حولت ردودهم وانتقاداتهم نفسه يأخذ ويدع (لا تقربوا الصلاة) الداعية الشيخ محمد الغزالي بعث بمقالتين "الأهرام" حول فلم تنشر أيا منهما تشر إليه وغطت دعته المشاركة ندوة أدارتها داخلها يتكلم نصف ساعة ثم يلخص قاله سطرين ثلاثة! وهذا جعلني أعلق أعلنها أنها أشبه بسباق فيه حصان واحد! وقد تبين لي فيما المقالات جمعها صاحبها وأودعها ضمن خطط لها ضد ودعاتها فقد صدرت لهم عدة كتب تهاجم وفقهاءها قديما والداعين إليها حديثا فسحت صحف معروفة صدورها ليكتبوا الاتجاه شاءت أهواؤهم فضلا مجلاتهم الخاصة تعبر اتجاههم بصراحة حيث يسمح يعبر العريضة للأمة تكون مجلة تتحدث باسمه وقد أشار المؤامرة المدبرة المسلم اليقظ الأستاذ فهمي هويدي عدد الأردن والخليج ونبه "تنظيمات متطرفة" للعلمانيين ينبغي تدان دينت تنظيمات دينية متطرفة التكفير والهجرة وقال: إن الفرق الاثنين هو: الأولين "الدينيين" شباب مندفع سلك طريقه سبيل الخطأ وأن الآخرين شيوخ مجربون بعضهم محترفون اتخذوا مواقعهم عمدا ومع سبق الإصرار والترصد قال: وليس الأمر مبالغة فنحن نستطيع نرصد خلال العاملين الأخيرين المثال فريقا هؤلاء فرغ جهده ونذر للنيل وتسفيه التجربة وتحقير التاريخ ورموزه "أهرام 2 9 1986م" ولما دعت اللجنة الثقافية نقابة الأطباء بالقاهرة عقد يتحاور الإسلاميون والعلمانيون دعتني فضيلة أستاذنا لتمثيل الجانب عددا العلمانية منهم: فرج فودة ود وحيد رأفت واعتذر أكثرهم يحضر منهم إلا الأخير رحبت بهذا وهذه الندوة يلتقي الطرفان لمناقشة قضية أخطر قضايا الساعة اليوم المحدد للندوة شهدت قاعة "دار الحكمة" جمهورا قل يتوافر لمحاضرة ضاقت الدار حولها وجلس الأرض وصعدوا السطوح ووقفوا الشارع وانصرف الكثيرون يجدوا شبرا كانت باستفتاء شعبي "الإسلام والعلمانية" أيهما يختاره الشعب وقال حديثه: يوحي مواجهة وهذا يعني المعركة محسومة لصالح اعتراف صريح بأنه المفاضلة وغيره فإن الكفة الراجحة دائما كفة تكلم شيخنا تكلم تكلمت طلب يعقب كلامي فأعطيت الفرصة كاملة فتكلم وأطال الوحيد مرتين برغم أكثر القاعة كانوا متضجرين كلامه وكان المفترض أرد تعقيبه لأنه يتعلق بكلامي ولكن الوقت طال فتركنا للجمهور حكم فعلا بما يرض وجماعته الغيور عادل حسين رئيس تحرير جريدة صحح ذكره عنه وألقى الضوء النقاط المهمة وتكلمت إحدى الحاضرات مؤيدات كلاما كثير التجني والإسفاف والخروج أدب وثار عليها الجمهور المشرفين الندوة: عصام العريان معه غاية الحزم والحكمة وحسن التنظيم فاستطاعوا يلزموا باحترام النظام الختام عقب بكلمة معبرة جامعة المستشار الجليل طارق البشري وعقبها انصرف الحضور بسلام تاريخية مشهودة تحدثت عنها جميع الصحف: القومية والحزبية والإسلامية اليومية والأسبوعية والشهرية وجهة نظره ولخصها البعض تلخيصا حسنا وتعمد بعضها يشوهها تشويها "الأهالي" و"الوفد" مما اضطر "الشعب" ترد عليهما واضعة للأمور نصابها أعجب تعقيب صدر أطرافها "المصور" خلا العلمية والإنصاف اتهم شهد وجلهم كلهم الشباب الجامعي المستنير وفيهم الصفوة المثقفين واتهمني بأننا كنا نخاطب العواطف العقول كلام باطل مخالف لواقع تماما يشهد حضرها رجال العلم والتربية الجامعات والقانون والقضاء لاحظ ممن قرأ صب جام سخطه وغيظه علي أنا خاصة ذنب لدى أني بعده فأتيت شبهاته القواعد الجماهير قابلت بالامتعاض والاستهجان وقابلت بالتجاوب والاستحسان والحق لضعفه لقوتي لضعف الباطل نصب للمحاماة ولقوة الحق كرمني بالدفاع سوء حظه يدافع خاسرة "العلمانية" مجتمع يؤمن بالإسلام الإسلاميين بأنهم بكروا وملئوا مقاعد دار الحكمة يتوهم يوهم بتخطيط وترتيب واتفاق! ويعلم شيئا يحدث دعوا تشغلهم فأجابوا وهب المحاضرات الكبرى بجامعة هبها "استاد" الدولي وفتح الباب مصراعيه للحضور فأي الفريقين سيكون وأعز نفرا؟! أنصار ريب سيكونون الأكثرية العظمى وستكون قلوب الحاضرة وعقولها وآذانها ودعاته يجهله اعترف بصريح العبارة وتمحل يجد تبريرا يوفق عني: استطعت أستحوذ بالتأثير العاطفي الذين شهدوا يعلمون علم اليقين المقام عقلانيا وموضوعيا ومنطقيا أبعد حد فليحتكم شريط المسجل بالصوت والصورة زعم أرفع صوتي وأخفضه للتأثير عواطف بحمد أخفضه وأسأله تعالى يجعل عاليا علوه بالحق وللحق الفيلسوف مغيظ محنق لعدم تجاوب يؤذن "مالطة" وأؤكد سيظل مالطة جاز لنا نعبر عما يقوله بالأذان الأذان خط مستقيم ولكنهم يقولون: "الأمثال تغير" أجل بعيدا عقول وقلوبهم معا يحدثهم بمفاهيم مستجلبة ديار أخرى قوم آخرين فهم رافضون وعنها معرضون لأنها مناقضة لدينهم وقيمهم وتاريخهم وواقعهم ومن هنا اتجه تفكيري دعاوى وعلى العلمانيين عامة محاضرة تسمع تأثير قوة الصوت وتشجيع وسيعلم أننا أصحاب الحجة الأقوى والمنطق الأسد سواء حاضرنا أم كتبنا لأننا قامت السموات والأرض والحق أحق يتبع وأولى يستمع والباطل مهما انتفش واستطال فهو لابد زائل {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} وإنما اخترت للرد نشر أوسع انتشارا ولأنه اشترك ممثلا للجانب العلماني التاريخية إبانة فكرته وأقدرهم إيراد الشبهات وسوقها صورة البراهين وأجرؤهم مناقشة القضايا جذورها وإن مجافية لأوضح فإذا هدمنا استند نمقه وزوقه مقولات سقط وسقطت مقولاتهم وذهب زبدهم جفاء وبقي ينفع أدرت جملة أمور أساسية: 1 تحديد المواقع الهويات لكل الطرفين المتحاورين وأين يقف منهما؟ 2 المفاهيم الرئيسة وخصوصا المفهومين الكبيرين: 3 المعايير يجب يرجع الخلاف ويرتضيها حكما بينهما 4 موضع النزاع بحيث يعرف المتفق والمختلف 5 تتبع أثارها لتفنيدها والرد بمعركة التحرر الحقيقي للعالم ألوان الاستعمار مقدمته الثقافي والتشريعي لهذا خصصنا معركة تطبيق بمزيد الحديث كذلك أفردنا حديثنا "الصحوة الإسلامية" وموقف والصهيونية ورد مزاعم وتركت أشياء مهمة الرد سيتضمنها الجزء الثالث سلسلة "حتمية الحل الإسلامي" قريب الصدور بتوفيق أسأل مؤلفه وقارئه وناشره وموزعه وطابعه وكل أسهم شعاعا الطريق يهدي ويضيء والله السبيل يوسف مجاناً PDF اونلاين المناقشات تناقش بالعقل قال {يَا أَيُّهَا آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء , لذا يحتوي القسم الكتب اللتي علمانيين وفرقهم عقلاني بالآدلة الواقعة والسنة العَلمانية العالمانية أواللائكية أوالدنيوية المبدأ القائم فصلِ الحكومة ومؤسساتها والسّلطة السّياسيّة السّلطة الدّينيّة الشّخصيّات تختلف مبادئ باختلاف أنواعها تعني عدم الدّولة بإجبار أيّ أحدٍ اعتناق وتبنّي معتقدٍ دينٍ تقليدٍ معينٍ لأسباب ذاتيّة موضوعيّة تكفل الحقّ معيّنٍ تبنّي كدينٍ رسميٍّ للدّولة وبمعنى عامّ فإنّ المصطلح يشير الرّأي القائِل بأنّ الأنشطةَ البشريّة والقراراتِ وخصوصًا خاضعة لتأثير المُؤسّسات تعود جذور العلمانيّة الفلسفة اليونانيّة القديمة لفلاسفة يونانيّين أمثال إبيقور أنّها خرجت بمفهومِها عصر التّنوير الأورُبّيّ يد عددٍ مفكّري التنوير جون لوك ودينيس ديدرو وفولتير وباروخ سبينوزا وجيمس ماديسون وتوماس جفرسون أعلام الحر العصر بيرتراند راسل وكريستوفر هيتشنز ينطبقُ المفهوم الكون والأجرام السّماويّة عندما يُفسَّر النّظام الكونيّ بصورة دُنيويّة بحتة بعيدًا الدّين محاولة لإيجاد تفسير للكون ومُكوّناته تُعتبر شيئًا جامدًا قابلة للتّحديث والتّكييف حسب ظروف الدِّوَل الّتي تتبنّاها وتختلف حدّة تطبيقها ودعمها قبل الأحزاب الجمعيّات الدّاعمة مختلف مناطق العالم تَعتبر ذاتها ضدّ تقف الحيادِ الولايات المتحدة مثلاً وُجِد أنّ خدمت تدخّل والحكومة العكس يعتبرها جزءًا (التّيّار الإلحاديّ) جاء (الموسوعة العربيّة العالميّة)

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
الإسلام والعلمانية وجها لوجه
كتاب

الإسلام والعلمانية وجها لوجه

ــ يوسف القرضاوي

صدر 1997م عن مكتبة وهبة
الإسلام والعلمانية وجها لوجه
كتاب

الإسلام والعلمانية وجها لوجه

ــ يوسف القرضاوي

صدر 1997م عن مكتبة وهبة
مجاني للتحميل
عن كتاب الإسلام والعلمانية وجها لوجه:
مقدمة:

في صيف سنة 1985م، كنت في مدينة "بون" في ألمانيا الغربية للعلاج من ألم أصاب العمود الفقري، وكانت تأتيني ما بين حين وآخر، بعض الصحف العربية، ومنها صحيفة الأهرام القاهرية، وفي أحد الأيام، قرأت فيها مقالا للدكتور فؤاد زكريا، يذكر فيها ضرورة الحوار مع الدعاة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية، نظرا لخطورة الموضوع، واتساع القاعدة، التي تنادى به، وعدم قيام حوار من هذا النوع، رغم أهميته لحاضر الأمة ومستقبلها.

وكان أول ما لفت نظري، أنه جعل عنوان هذا الموضوع الكبير العميق، "المسألة الدينية في مصر المعاصرة"! والكتاب ـ كما يقولون ـ يقرأ من عنوانه، ففهمت أن هذه مكانة الدين في نفس الكاتب. الدين الذي هو روح الحياة، وحياة الروح، وجوهر الوجود الإنساني كله، لا يعدو أن يكون في تفكير كاتبنا غير مسألة من مسائل الحياة، التي تشغل الناس فترة من الزمن، مثل: تداخل خطوط التليفونات، أو انقطاع المياه عن الأدوار العليا في النهار، أو ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، ونحو ذلك ..

ثم لاحظت أنه يسميها "الدينية"، وليست "الإسلامية". فالكتاب العلمانيون حريصون كل الحرص على إبعاد كلمة "الإسلام" من قاموسهم، ما استطاعوا، واستخدام كلمة "الدين"، وذلك لتثبيت المعنى الدخيل المستورد، وهو التفريق الحازم بين ما هو دين، وما ليس بدين، من شئون الحياة المختلفة، وهو معنى غريب على الفكر الإسلامي، والحياة الإسلامية.

ومع هذا، غضضت الطرف عن العنوان، وبدأت أقرأ المقال الأول، وأنا أقول في نفسي: هذه بداية طيبة، فما أحوج أبناء مصر، وأبناء العروبة، وأبناء الإسلام، إلى أن يتحاوروا بالفكر، بدل أن يتقاذفوا بالتهم، أو يتقاتلوا بالسلاح .

ولكن ما انتهى د. فؤاد زكريا من مقالاته، ومن التعقيب ـ بعد ذلك ـ على منتقديه، حتى شعرت بأن ظني قد خاب في جدية دعوة الدكتور للحوار، مع التيار الإسلامي، وذلك لجملة أسباب:

1. أن الكاتب لم يكن يحمل قلما للحوار، بل سيفا للهجوم، واستغل المساحة الكبيرة، المعطاة له في الصحيفة، للتشكيك في المسلمات الأولية عند الأمة الإسلامية، طوال أربعة عشر قرنا من الزمان، حتى اجترأ على التشكيك في أن الشريعة من عند الله! وزعم أن كل ما هو إلهي، ينقلب بشريا صرفا، بمجرد تفسيره وتطبيقه، ومعنى هذا أنه لا فائدة، ولا مبرر أن ينزل الله للناس كتابا، أو يلزمهم بشريعة، يبعث بها رسولا.

2. أنه لم يحاول أن يتنازل عن شيء من أفكاره، ليقترب من دعاة الإسلام، بل كان أكبر همه أن يتنازلوا هم عن أفكارهم، بل عن عقيدتهم وشريعتهم ومنطلقاتهم الأساسية ليقتربوا منه، وليت شعري كيف يتم حوار على هذه الصورة.

إن القرآن ذكر في جدال أهل الكتاب أدبين رئيسيين:

الأول: أن يكون بالتي هي أحسن، فلو كان هناك أسلوبان، أحدهما: حسن، والآخر: أحسن منه، لوجب أن نستعمل الذي هو أحسن.

الثاني: التذكير بنقاط الاتفاق، التي من شأنها أن تجمع، ولا تفرق.

وفي هذا يقول الله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (سورة العنكبوت: 46).

هذه هي طريقة القرآن في الحوار، أما طريقة د. زكريا، فإنها تهدم ولا تبني، وتفرق ولا تجمع، وتباعد ولا تقرب.

1. أن الكاتب كان يلوي أعناق الحقائق ليا، ويتعسف في التفسير والتعليل، ولو كانت الحقائق ـ أمامه ـ في وضوح الشمس في ضحى صيف القاهرة، وكلامه عن الشريعة الإسلامية، وعن الصحوة الإسلامية ينطق بذلك بجلاء.

2. أنه حين رد عليه بعض المعلقين، قطع أوصال تعليقاتهم، وانتقى منها ما حلا له، فأبقاه، وحذف ما شاء، وقطع كلمات ناقديه عن سباقها وسياقها، ومنهم علماء ومستشارون وأساتذة جامعات.

كما أن صحيفة الأهرام، لم تكن منصفة في الحكم بين طرفي الحوار، فأعطت كل الحرية للدكتور فؤاد زكريا، ولم تعط لناقديه مثل ما أعطت له، بل حولت ردودهم وانتقاداتهم إلى الكاتب نفسه، يأخذ منها ويدع، على طريقة (لا تقربوا الصلاة) حتى أن الداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد الغزالي بعث بمقالتين إلى "الأهرام" حول الموضوع، فلم تنشر أيا منهما، ولم تشر إليه، وغطت ذلك بأن دعته إلى المشاركة في ندوة أدارتها الأهرام داخلها، يتكلم فيها الشيخ نصف ساعة، ثم يلخص ما قاله في سطرين أو ثلاثة!

وهذا ما جعلني أعلق على دعوة الحوار، التي أعلنها د. زكريا، أنها أشبه بسباق، يعدو فيه حصان واحد! وقد تبين لي ـ فيما بعد ـ أن هذه المقالات، التي جمعها صاحبها وأودعها ضمن كتاب له، خطط لها العلمانيون ضد الشريعة الإسلامية ودعاتها، فقد صدرت لهم عدة كتب، تهاجم الشريعة وفقهاءها قديما، والداعين إليها حديثا.

كما فسحت لهم صحف معروفة صدورها، ليكتبوا في هذا الاتجاه ما شاءت لهم أهواؤهم، فضلا عن مجلاتهم الخاصة، التي تعبر عن اتجاههم بصراحة، حيث لم يسمح التيار الإسلامي، الذي يعبر عن القاعدة العريضة للأمة، أن تكون له مجلة تتحدث باسمه.

وقد أشار إلى هذه المؤامرة المدبرة الكاتب المسلم اليقظ الأستاذ فهمي هويدي في مقالاته، التي تنشر في "الأهرام"، وفي عدد من الصحف العربية في الأردن والخليج، ونبه إلى أن هناك "تنظيمات متطرفة" للعلمانيين، ينبغي أن تدان، كما دينت تنظيمات دينية متطرفة، مثل التكفير والهجرة، وقال: إن الفرق بين الاثنين هو: أن الأولين "الدينيين" شباب مندفع، سلك طريقه على سبيل الخطأ، وأن الآخرين شيوخ مجربون ـ بعضهم محترفون ـ اتخذوا مواقعهم عمدا، ومع سبق الإصرار والترصد.

قال: وليس في الأمر مبالغة، فنحن نستطيع أن نرصد ـ خلال العاملين الأخيرين، على سبيل المثال ـ فريقا من هؤلاء، فرغ جهده، ونذر نفسه، للنيل من الشريعة، وتسفيه التجربة الإسلامية، وتحقير التاريخ الإسلامي ورموزه "أهرام 2/9/1986م".

ولما دعت اللجنة الثقافية في نقابة الأطباء بالقاهرة إلى عقد ندوة، يتحاور فيها الإسلاميون والعلمانيون، دعتني مع فضيلة أستاذنا الشيخ الغزالي لتمثيل الجانب الإسلامي، كما دعت عددا من دعاة العلمانية منهم: د. فرج فودة، ود. وحيد رأفت، ود. فؤاد زكريا، واعتذر أكثرهم، ولم يحضر منهم إلا الأخير، وقد رحبت بهذا الحوار، وهذه الندوة، حيث يلتقي الطرفان وجها لوجه، لمناقشة قضية، هي أخطر قضايا الساعة.

وفي اليوم المحدد للندوة، شهدت قاعة "دار الحكمة" جمهورا، قل أن يتوافر لمحاضرة أو ندوة، ضاقت به الدار وما حولها، وجلس الناس على الأرض، وصعدوا إلى السطوح، ووقفوا في الشارع، وانصرف الكثيرون، حيث لم يجدوا لهم شبرا من الأرض.

كانت الندوة أشبه باستفتاء شعبي على "الإسلام والعلمانية"، أيهما يختاره الشعب، وقال د. فؤاد زكريا، في بداية حديثه: إن العنوان يوحي بأن الإسلام في مواجهة العلمانية، وهذا يعني أن المعركة محسومة من أول الأمر لصالح الإسلام، وهو اعتراف صريح منه، بأنه عند المفاضلة بين الإسلام وغيره، فإن الكفة الراجحة ـ دائما ـ تكون هي كفة الإسلام.

تكلم شيخنا الغزالي، ثم تكلم د. فؤاد زكريا، ثم تكلمت، ثم طلب الدكتور أن يعقب على كلامي، فأعطيت له الفرصة كاملة، فتكلم وأطال، وهو الوحيد الذي تكلم مرتين، برغم أن أكثر من في القاعة كانوا متضجرين من كلامه. وكان المفترض أن أرد على تعقيبه، لأنه يتعلق بكلامي، ولكن الوقت كان قد طال، فتركنا الحكم للجمهور، وهو قد حكم ـ فعلا ـ بما لم يرض د. فؤاد وجماعته.

ثم تكلم الكاتب المسلم الغيور، الأستاذ عادل حسين، رئيس تحرير جريدة الشعب، حيث صحح بعض ما ذكره عنه د. زكريا، وألقى الضوء على بعض النقاط المهمة، وتكلمت إحدى الحاضرات من مؤيدات العلمانية، كلاما، فيه كثير من التجني والإسفاف والخروج عن أدب الحوار، وثار عليها الجمهور، ولكن المشرفين على الندوة: د. عصام العريان، ومن معه، كانوا في غاية الحزم والحكمة، وحسن التنظيم، فاستطاعوا أن يلزموا الجمهور باحترام النظام.

وفي الختام عقب على الندوة، بكلمة معبرة جامعة، المستشار الجليل الأستاذ طارق البشري، وعقبها انصرف الحضور، بسلام.

كانت هذه الندوة ندوة تاريخية مشهودة، تحدثت عنها جميع الصحف: القومية، والحزبية، والإسلامية .. اليومية، والأسبوعية، والشهرية، كل من وجهة نظره، ولخصها البعض تلخيصا حسنا، وتعمد بعضها أن يشوهها تشويها، مثل صحيفة "الأهالي" و"الوفد"، مما اضطر جريدة "الشعب" أن ترد عليهما، واضعة للأمور في نصابها.

ولكن أعجب تعقيب على الندوة، كان هو الذي صدر عن أحد أطرافها، وهو د. فؤاد زكريا، الذي كتب في مجلة "المصور" عن الندوة، كلاما خلا من العلمية والإنصاف. اتهم فيه الجمهور، الذي شهد الندوة، وجلهم ـ إن لم يكن كلهم ـ من الشباب الجامعي المستنير، وفيهم كثير من الصفوة المثقفين، بل اتهم شيخنا الغزالي، واتهمني، بأننا كنا نخاطب العواطف، أكثر مما نخاطب العقول، وهو كلام باطل مخالف لواقع الندوة تماما، كما يشهد كل من حضرها، وفيهم كثير من رجال العلم والتربية وأساتذة الجامعات والقانون والقضاء.

وقد لاحظ الكثيرون، ممن قرأ كلام الدكتور زكريا، أنه صب جام سخطه وغيظه علي أنا خاصة. وما كان لي من ذنب لدى د. فؤاد زكريا، إلا أني تكلمت بعده، فأتيت على شبهاته من القواعد، وأن الجماهير قابلت كلامه بالامتعاض، والاستهجان، وقابلت كلامي بالتجاوب والاستحسان.

والحق أن هذا لم يكن لضعفه ولا لقوتي، بل لضعف الباطل الذي نصب نفسه للمحاماة عنه، ولقوة الحق الذي كرمني الله بالدفاع عنه. إن من سوء حظه أنه يدافع عن قضية خاسرة، يدافع عن "العلمانية" في مجتمع يؤمن بالإسلام.

وقد اتهم الدكتور الإسلاميين بأنهم بكروا وملئوا مقاعد قاعة دار الحكمة. وهو يتوهم ـ أو يوهم ـ أن هذا كان بتخطيط وترتيب واتفاق! ويعلم الله أن شيئا من هذا لم يحدث، كل ما في الأمر أن الناس دعوا إلى ندوة في قضية تشغلهم فأجابوا.

وهب أن الندوة كانت في قاعة المحاضرات الكبرى بجامعة القاهرة، بل هبها كانت في "استاد" القاهرة الدولي، وفتح الباب على مصراعيه للحضور، فأي الفريقين سيكون أكثر عددا، وأعز نفرا؟! إن أنصار الإسلام ـ ولا ريب ـ سيكونون هم الأكثرية العظمى. وستكون قلوب الجماهير الحاضرة وعقولها وآذانها مع التيار الإسلامي ودعاته. وهذا ما لا يجهله د. فؤاد زكريا، بل هو ما اعترف به بصريح العبارة، وتمحل أن يجد له تبريرا، فلم يوفق. أما ما قاله عني: أني استطعت أن أستحوذ على الجماهير بالتأثير العاطفي، فإن الذين شهدوا الندوة يعلمون علم اليقين أني كنت في المقام الأول عقلانيا وموضوعيا ومنطقيا إلى أبعد حد. ومن شاء فليحتكم إلى شريط الندوة المسجل بالصوت والصورة.

كما زعم أني كنت أرفع صوتي وأخفضه، للتأثير على عواطف الجمهور. وأنا ـ بحمد الله ـ أرفع صوتي دائما ولا أخفضه. وأسأله تعالى أن يجعل صوتي دائما عاليا، وأن يجعل علوه بالحق وللحق. إن الدكتور الفيلسوف مغيظ محنق، لعدم تجاوب الجمهور معه، لأنه يؤذن في "مالطة" ـ كما يقولون. وأؤكد للدكتور أنه سيظل يؤذن في مالطة، إن جاز لنا أن نعبر عما يقوله بالأذان، لأنه ضد الأذان على خط مستقيم، ولكنهم يقولون: "الأمثال لا تغير".

أجل، سيظل الدكتور بعيدا عن عقول الجماهير، وقلوبهم معا، لأنه يحدثهم بمفاهيم مستجلبة من ديار أخرى، ومن قوم آخرين، فهم لها رافضون وعنها معرضون، لأنها مناقضة لدينهم وشريعتهم، وقيمهم وتاريخهم، وواقعهم.

ومن هنا اتجه تفكيري إلى أن أرد على دعاوى د. فؤاد زكريا خاصة، وعلى العلمانيين عامة، في كتاب يقرأ، لا في محاضرة تسمع، بعيدا عن تأثير قوة الصوت، وتشجيع الجمهور، وسيعلم الدكتور أننا ـ دائما ـ أصحاب الحجة الأقوى، والمنطق الأسد، سواء حاضرنا أم كتبنا، لأننا نعبر عن الحق، الذي قامت به السموات والأرض، والحق أحق أن يتبع، وأولى أن يستمع، والباطل مهما انتفش واستطال، فهو لابد زائل {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.

وإنما اخترت د. فؤاد زكريا، للرد عليه من بين دعاة العلمانية في مصر، لأنه نشر مقالاته، في أوسع الصحف انتشارا، ولأنه الوحيد الذي اشترك ممثلا للجانب العلماني في الندوة التاريخية في دار الحكمة، ولأنه أكثر العلمانيين إبانة في فكرته، وأقدرهم على إيراد الشبهات، وسوقها في صورة البراهين، وأجرؤهم على مناقشة القضايا من جذورها، وإن كانت مجافية لأوضح المسلمات الدينية. فإذا هدمنا كل ما استند إليه، وما نمقه وزوقه من مقولات، فقد سقط كل العلمانيين، وسقطت مقولاتهم، وذهب زبدهم جفاء، وبقي ما ينفع الناس.

وقد أدرت الحوار في هذا الكتاب، حول جملة أمور أساسية:

1. تحديد المواقع أو الهويات لكل من الطرفين المتحاورين، من أول الأمر، وأين يقف كل منهما؟

2. تحديد المفاهيم الرئيسة في الحوار، وخصوصا المفهومين الكبيرين: الإسلام والعلمانية.

3. تحديد المعايير التي يجب أن يرجع إليها عند الخلاف، ويرتضيها الطرفان حكما بينهما.

4. تحرير موضع النزاع بين الفريقين، بحيث يعرف المتفق عليه، والمختلف فيه.

5. تتبع الشبهات المهمة، التي أثارها د. فؤاد زكريا خاصة، والعلمانيون عامة، لتفنيدها، والرد عليها، وخصوصا فيما يتعلق بمعركة التحرر الحقيقي للعالم الإسلامي اليوم، وهو التحرر من كل ألوان الاستعمار، وفي مقدمته الاستعمار الثقافي والتشريعي، لهذا خصصنا معركة تطبيق الشريعة بمزيد من الحديث.

كذلك أفردنا حديثنا عن "الصحوة الإسلامية" وموقف الاستعمار والصهيونية منها، ورد مزاعم الدكتور حولها، وتركت أشياء أخرى مهمة في الرد على العلمانيين، سيتضمنها ـ إن شاء الله ـ الجزء الثالث من سلسلة "حتمية الحل الإسلامي" وهو قريب الصدور، بتوفيق الله.

أسأل الله أن ينفع بهذا الكتاب، مؤلفه، وقارئه، وناشره، وموزعه، وطابعه، وكل من أسهم فيه، وأن يكون شعاعا على الطريق، يهدي ويضيء، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.



يوسف القرضاوي
الترتيب:

#2K

3 مشاهدة هذا اليوم

#4K

126 مشاهدة هذا الشهر

#9K

20K إجمالي المشاهدات
عدد الصفحات: 220.
قراءة أونلاين 📱 تحميل مجاناً
يوسف القرضاوي ✍️ المؤلف
مناقشات ومراجعات
مكتبة وهبة 🏛 الناشر
QR Code
نتيجة البحث