█ _ يوسف القرضاوي 1997 حصريا كتاب الإسلام والعلمانية وجها لوجه عن مكتبة وهبة 2024 لوجه: مقدمة: في صيف سنة 1985م كنت مدينة "بون" ألمانيا الغربية للعلاج من ألم أصاب العمود الفقري وكانت تأتيني ما بين حين وآخر بعض الصحف العربية ومنها صحيفة الأهرام القاهرية وفي أحد الأيام قرأت فيها مقالا للدكتور فؤاد زكريا يذكر ضرورة الحوار مع الدعاة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية نظرا لخطورة الموضوع واتساع القاعدة التي تنادى به وعدم قيام حوار هذا النوع رغم أهميته لحاضر الأمة ومستقبلها وكان أول لفت نظري أنه جعل عنوان الكبير العميق "المسألة الدينية مصر المعاصرة"! والكتاب ـ كما يقولون يقرأ عنوانه ففهمت أن هذه مكانة الدين نفس الكاتب الذي هو روح الحياة وحياة الروح وجوهر الوجود الإنساني كله لا يعدو يكون تفكير كاتبنا غير مسألة مسائل تشغل الناس فترة الزمن مثل: تداخل خطوط التليفونات أو انقطاع المياه الأدوار العليا النهار ارتفاع سعر الدولار السوق السوداء ونحو ذلك ثم لاحظت يسميها "الدينية" وليست "الإسلامية" فالكتاب العلمانيون حريصون كل الحرص إبعاد كلمة "الإسلام" قاموسهم استطاعوا واستخدام "الدين" وذلك لتثبيت المعنى الدخيل المستورد وهو التفريق الحازم دين وما ليس بدين شئون المختلفة معنى غريب الفكر الإسلامي والحياة ومع غضضت الطرف العنوان وبدأت أقرأ المقال الأول وأنا أقول نفسي: بداية طيبة فما أحوج أبناء وأبناء العروبة يتحاوروا بالفكر بدل يتقاذفوا بالتهم يتقاتلوا بالسلاح ولكن انتهى د مقالاته ومن التعقيب بعد منتقديه حتى شعرت بأن ظني قد خاب جدية دعوة الدكتور للحوار التيار لجملة أسباب: 1 لم يكن يحمل قلما بل سيفا للهجوم واستغل المساحة الكبيرة المعطاة له الصحيفة للتشكيك المسلمات الأولية عند طوال أربعة عشر قرنا الزمان اجترأ التشكيك الله! وزعم إلهي ينقلب بشريا صرفا بمجرد تفسيره وتطبيقه ومعنى فائدة ولا مبرر ينزل الله للناس كتابا يلزمهم بشريعة يبعث بها رسولا 2 يحاول يتنازل شيء أفكاره ليقترب دعاة كان أكبر همه يتنازلوا هم أفكارهم عقيدتهم وشريعتهم ومنطلقاتهم الأساسية ليقتربوا منه وليت شعري كيف يتم الصورة إن القرآن ذكر جدال أهل الكتاب أدبين رئيسيين: الأول: بالتي هي أحسن فلو هناك أسلوبان أحدهما: حسن والآخر: لوجب نستعمل الثاني: التذكير بنقاط الاتفاق شأنها تجمع تفرق وفي يقول تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (سورة العنكبوت: 46) هذه طريقة أما فإنها تهدم تبني وتفرق وتباعد تقرب 1 يلوي أعناق الحقائق ليا ويتعسف التفسير والتعليل ولو كانت أمامه وضوح الشمس ضحى القاهرة وكلامه وعن الصحوة ينطق بذلك بجلاء رد عليه المعلقين قطع أوصال تعليقاتهم وانتقى منها حلا فأبقاه وحذف شاء وقطع كلمات ناقديه سباقها وسياقها ومنهم علماء ومستشارون وأساتذة جامعات كما تكن منصفة الحكم طرفي فأعطت الحرية ولم تعط لناقديه مثل أعطت حولت ردودهم وانتقاداتهم نفسه يأخذ ويدع (لا تقربوا الصلاة) الداعية الشيخ محمد الغزالي بعث بمقالتين "الأهرام" حول فلم تنشر أيا منهما تشر إليه وغطت دعته المشاركة ندوة أدارتها داخلها يتكلم نصف ساعة ثم يلخص قاله سطرين ثلاثة! وهذا جعلني أعلق أعلنها أنها أشبه بسباق فيه حصان واحد! وقد تبين لي فيما المقالات جمعها صاحبها وأودعها ضمن خطط لها ضد ودعاتها فقد صدرت لهم عدة كتب تهاجم وفقهاءها قديما والداعين إليها حديثا فسحت صحف معروفة صدورها ليكتبوا الاتجاه شاءت أهواؤهم فضلا مجلاتهم الخاصة تعبر اتجاههم بصراحة حيث يسمح يعبر العريضة للأمة تكون مجلة تتحدث باسمه وقد أشار المؤامرة المدبرة المسلم اليقظ الأستاذ فهمي هويدي عدد الأردن والخليج ونبه "تنظيمات متطرفة" للعلمانيين ينبغي تدان دينت تنظيمات دينية متطرفة التكفير والهجرة وقال: إن الفرق الاثنين هو: الأولين "الدينيين" شباب مندفع سلك طريقه سبيل الخطأ وأن الآخرين شيوخ مجربون بعضهم محترفون اتخذوا مواقعهم عمدا ومع سبق الإصرار والترصد قال: وليس الأمر مبالغة فنحن نستطيع نرصد خلال العاملين الأخيرين المثال فريقا هؤلاء فرغ جهده ونذر للنيل وتسفيه التجربة وتحقير التاريخ ورموزه "أهرام 2 9 1986م" ولما دعت اللجنة الثقافية نقابة الأطباء بالقاهرة عقد يتحاور الإسلاميون والعلمانيون دعتني فضيلة أستاذنا لتمثيل الجانب عددا العلمانية منهم: فرج فودة ود وحيد رأفت واعتذر أكثرهم يحضر منهم إلا الأخير رحبت بهذا وهذه الندوة يلتقي الطرفان لمناقشة قضية أخطر قضايا الساعة اليوم المحدد للندوة شهدت قاعة "دار الحكمة" جمهورا قل يتوافر لمحاضرة ضاقت الدار حولها وجلس الأرض وصعدوا السطوح ووقفوا الشارع وانصرف الكثيرون يجدوا شبرا كانت باستفتاء شعبي "الإسلام والعلمانية" أيهما يختاره الشعب وقال حديثه: يوحي مواجهة وهذا يعني المعركة محسومة لصالح اعتراف صريح بأنه المفاضلة وغيره فإن الكفة الراجحة دائما كفة تكلم شيخنا تكلم تكلمت طلب يعقب كلامي فأعطيت الفرصة كاملة فتكلم وأطال الوحيد مرتين برغم أكثر القاعة كانوا متضجرين كلامه وكان المفترض أرد تعقيبه لأنه يتعلق بكلامي ولكن الوقت طال فتركنا للجمهور حكم فعلا بما يرض وجماعته الغيور عادل حسين رئيس تحرير جريدة صحح ذكره عنه وألقى الضوء النقاط المهمة وتكلمت إحدى الحاضرات مؤيدات كلاما كثير التجني والإسفاف والخروج أدب وثار عليها الجمهور المشرفين الندوة: عصام العريان معه غاية الحزم والحكمة وحسن التنظيم فاستطاعوا يلزموا باحترام النظام الختام عقب بكلمة معبرة جامعة المستشار الجليل طارق البشري وعقبها انصرف الحضور بسلام تاريخية مشهودة تحدثت عنها جميع الصحف: القومية والحزبية والإسلامية اليومية والأسبوعية والشهرية وجهة نظره ولخصها البعض تلخيصا حسنا وتعمد بعضها يشوهها تشويها "الأهالي" و"الوفد" مما اضطر "الشعب" ترد عليهما واضعة للأمور نصابها أعجب تعقيب صدر أطرافها "المصور" خلا العلمية والإنصاف اتهم شهد وجلهم كلهم الشباب الجامعي المستنير وفيهم الصفوة المثقفين واتهمني بأننا كنا نخاطب العواطف العقول كلام باطل مخالف لواقع تماما يشهد حضرها رجال العلم والتربية الجامعات والقانون والقضاء لاحظ ممن قرأ صب جام سخطه وغيظه علي أنا خاصة ذنب لدى أني بعده فأتيت شبهاته القواعد الجماهير قابلت بالامتعاض والاستهجان وقابلت بالتجاوب والاستحسان والحق لضعفه لقوتي لضعف الباطل نصب للمحاماة ولقوة الحق كرمني بالدفاع سوء حظه يدافع خاسرة "العلمانية" مجتمع يؤمن بالإسلام الإسلاميين بأنهم بكروا وملئوا مقاعد دار الحكمة يتوهم يوهم بتخطيط وترتيب واتفاق! ويعلم شيئا يحدث دعوا تشغلهم فأجابوا وهب المحاضرات الكبرى بجامعة هبها "استاد" الدولي وفتح الباب مصراعيه للحضور فأي الفريقين سيكون وأعز نفرا؟! أنصار ريب سيكونون الأكثرية العظمى وستكون قلوب الحاضرة وعقولها وآذانها ودعاته يجهله اعترف بصريح العبارة وتمحل يجد تبريرا يوفق عني: استطعت أستحوذ بالتأثير العاطفي الذين شهدوا يعلمون علم اليقين المقام عقلانيا وموضوعيا ومنطقيا أبعد حد فليحتكم شريط المسجل بالصوت والصورة زعم أرفع صوتي وأخفضه للتأثير عواطف بحمد أخفضه وأسأله تعالى يجعل عاليا علوه بالحق وللحق الفيلسوف مغيظ محنق لعدم تجاوب يؤذن "مالطة" وأؤكد سيظل مالطة جاز لنا نعبر عما يقوله بالأذان الأذان خط مستقيم ولكنهم يقولون: "الأمثال تغير" أجل بعيدا عقول وقلوبهم معا يحدثهم بمفاهيم مستجلبة ديار أخرى قوم آخرين فهم رافضون وعنها معرضون لأنها مناقضة لدينهم وقيمهم وتاريخهم وواقعهم ومن هنا اتجه تفكيري دعاوى وعلى العلمانيين عامة محاضرة تسمع تأثير قوة الصوت وتشجيع وسيعلم أننا أصحاب الحجة الأقوى والمنطق الأسد سواء حاضرنا أم كتبنا لأننا قامت السموات والأرض والحق أحق يتبع وأولى يستمع والباطل مهما انتفش واستطال فهو لابد زائل {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} وإنما اخترت للرد نشر أوسع انتشارا ولأنه اشترك ممثلا للجانب العلماني التاريخية إبانة فكرته وأقدرهم إيراد الشبهات وسوقها صورة البراهين وأجرؤهم مناقشة القضايا جذورها وإن مجافية لأوضح فإذا هدمنا استند نمقه وزوقه مقولات سقط وسقطت مقولاتهم وذهب زبدهم جفاء وبقي ينفع أدرت جملة أمور أساسية: 1 تحديد المواقع الهويات لكل الطرفين المتحاورين وأين يقف منهما؟ 2 المفاهيم الرئيسة وخصوصا المفهومين الكبيرين: 3 المعايير يجب يرجع الخلاف ويرتضيها حكما بينهما 4 موضع النزاع بحيث يعرف المتفق والمختلف 5 تتبع أثارها لتفنيدها والرد بمعركة التحرر الحقيقي للعالم ألوان الاستعمار مقدمته الثقافي والتشريعي لهذا خصصنا معركة تطبيق بمزيد الحديث كذلك أفردنا حديثنا "الصحوة الإسلامية" وموقف والصهيونية ورد مزاعم وتركت أشياء مهمة الرد سيتضمنها الجزء الثالث سلسلة "حتمية الحل الإسلامي" قريب الصدور بتوفيق أسأل مؤلفه وقارئه وناشره وموزعه وطابعه وكل أسهم شعاعا الطريق يهدي ويضيء والله السبيل يوسف مجاناً PDF اونلاين المناقشات تناقش بالعقل قال {يَا أَيُّهَا آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء , لذا يحتوي القسم الكتب اللتي علمانيين وفرقهم عقلاني بالآدلة الواقعة والسنة العَلمانية العالمانية أواللائكية أوالدنيوية المبدأ القائم فصلِ الحكومة ومؤسساتها والسّلطة السّياسيّة السّلطة الدّينيّة الشّخصيّات تختلف مبادئ باختلاف أنواعها تعني عدم الدّولة بإجبار أيّ أحدٍ اعتناق وتبنّي معتقدٍ دينٍ تقليدٍ معينٍ لأسباب ذاتيّة موضوعيّة تكفل الحقّ معيّنٍ تبنّي كدينٍ رسميٍّ للدّولة وبمعنى عامّ فإنّ المصطلح يشير الرّأي القائِل بأنّ الأنشطةَ البشريّة والقراراتِ وخصوصًا خاضعة لتأثير المُؤسّسات تعود جذور العلمانيّة الفلسفة اليونانيّة القديمة لفلاسفة يونانيّين أمثال إبيقور أنّها خرجت بمفهومِها عصر التّنوير الأورُبّيّ يد عددٍ مفكّري التنوير جون لوك ودينيس ديدرو وفولتير وباروخ سبينوزا وجيمس ماديسون وتوماس جفرسون أعلام الحر العصر بيرتراند راسل وكريستوفر هيتشنز ينطبقُ المفهوم الكون والأجرام السّماويّة عندما يُفسَّر النّظام الكونيّ بصورة دُنيويّة بحتة بعيدًا الدّين محاولة لإيجاد تفسير للكون ومُكوّناته تُعتبر شيئًا جامدًا قابلة للتّحديث والتّكييف حسب ظروف الدِّوَل الّتي تتبنّاها وتختلف حدّة تطبيقها ودعمها قبل الأحزاب الجمعيّات الدّاعمة مختلف مناطق العالم تَعتبر ذاتها ضدّ تقف الحيادِ الولايات المتحدة مثلاً وُجِد أنّ خدمت تدخّل والحكومة العكس يعتبرها جزءًا (التّيّار الإلحاديّ) جاء (الموسوعة العربيّة العالميّة)
❞ ونحن نقصد بالإسلام الذي ندعو إليه الإسلام الذي يمثله التيار المستنير المعتدل الملتزم، وهذا التيار هو الذي يمثل الجمهور الأكبر للصحوة الإسلامية والحركة الإسلامية، وهو التيار المستمر والباقي برغم ما يعترضه من عقبات وما تعرض له من محن، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "تيار الوسطية الإسلامية". وأما التيارات الأخرى فتمثلها فصائل قليلة العدد قصيرة العمر، وهي - في العادة - لا تستمر طويلا، فإن الغلو لا يطول عمره . ❝
❞ إذا اختلف علماء الإسلام المتخصصون في دراسته وفقهه، والذين عاشوا حياتهم له، يتعلمونه ويُعلمونه، ويدرسون معه كل ما يعين على حسن فهمه من "العلوم الآلية" التي هي آلة الفهم ووسيلة الاستنباط، وهي علوم اللغة والنحو والصرف والمعاني والبيان. إذا اختلف هؤلاء مع دعاة العلمانية - الذين لم يعرفوا من الإسلام إلا قشورا ربما أخذوها عن "المستشرقين" الذين يحسنون بهم الظن أو "المستغربين" الذين تتلمذوا على أيديهم، ولعلهم لم يقرأوا كتابا معتبرا في أصول الفقه أو في مصطلح الحديث بلغه الفقه أو الحديث نفسه - فمن يكون أحق بالصواب من الفريقين؟ الإسلاميون أم العلمانيون؟ ومع من يسير المسلم وهو مطمئن القلب . ❝
❞ ونستطيع أن نحدد مجال الثبات ومجال المرونة في شريعة الإسلام ورسالته الشاملة الخالدة، فنقول إنه الثبات على الأهداف والغايات، والمرونة في الوسائل والأساليب. الثبات على الأصول والكليات، والمرونة في الفروع والجزئيات. الثبات على القيم الدينية والأخلاقية، والمرونة في الشئون الدنيوية والعملية . ❝
❞ إن طبيعة الإسلام أن يكون قائدا لا مقودا، وسيدا لا مسودا، لأنه كلمة الله، وكلمة الله هي العليا، ولهذا فهو يعلو ولا يُعلى. والعلمانية تريد من الإسلام أن يكون تابعا لها، يأتمر بأمرها وينتهي بنهيها، لا أن يأخذ موقعه الطبيعي والمنطقي التاريخي آمرا ناهيا حاكما هاديا. إنها تباركه وترضى عنه إذا بقى محصورا في الموالد والمآتم، في دنيا الدراويش والمجاذيب، في عالم الخرافة والأساطير. أما أن يتحرك ويُحرك ويوجه الشباب ويقود الجماهير ويفجر الطاقات ويضيء العقول ويلهب المشاعر ويصنع الأبطال ويربي الرجال ويضبط مسيرة المجتمع بالحق ويقيم بين الناس الموازين القسط ويوجه التشريع والثقافة والتربية والإعلام ويُعلِّم الناس أن يدعوا إلى الخير ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ويقاوموا الفساد والانحراف، فهذا ما لا ترضى عنه العلمانية بحال. تريد العلمانية من الإسلام أن يقنع بركن أو زاوية له في بعض جوانب الحياة، لا يتجاوزها ولا يتعداها، وهذا تفضل منها عليه، لأن الأصل أن تكون الحياة كلها لها بلا مزاحم أو شريك! فعلى الإسلام أن يقنع "بالحديث الديني" في الإذاعة أو التلفاز و"بالصفحة الدينية" في الصحيفة يوم الجمعة و"بحصة التربية الدينية" في برامج التعليم العام و"بقانون الأحوال الشخصية" في قوانين الدولة و"بالمسجد" في مؤسسات المجتمع و"بوزارة الأوقاف" في أجهزة الحكومة . ❝
❞ فلا ينبغي التركيز - إذن - على عبقرية فرد موهوب تبعثه العناية الإلهية ليملأ الأرض عدلا كما مُلئت ظلما وجورا، أو يجدد للناس دينهم الذين انحرفوا عن صراطه فقها أو عملا. وقد كتبتُ بحثا ضافيا في حديث أبي داود الذي يرِد على كثير من الألسنة والأقلام "أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" وهو حديث صحيح، ولكن معظم الشراح مالوا إلى أن "مَن" في قوله "مَن يجدد" للمفرد، وظلوا يبحثون لكل مائة سنة عن مفرد علم مشهور بعلمه وفضله ليكون هو مجدد القرن. والذي انتهيت إليه أن "مَن" تصلح للجمع كما تصلح للمفرد، بل هي في الحديث أولى أن يراد بها الجمع، فليس بالضرورة أن يكون المجدد فردا واحدا، بل قد يكون جماعة لها كيانها الواحد - أو قد تكون متفرقة في البلدان - كل واحد فيها قائم على ثغرة يحرسها، في ميادين الفكر أو العمل أو الدعوة أو التربية أو الجهاد أو غيرها. وبهذا يكون سؤال المسلم ما دوري في حركة التجديد بدل أن يكون كل همه أن يسأل متى يظهر المجدد . ❝
❞ دخل على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ابنه المؤمن التقي عبد الملك، وقال له في حماس متوقد يا أبت ما لك تبطيء في إنفاذ الأمور فوالله ما أبالي لو غلبت بي وبك القدور في سبيل الله فقال الأب الحكيم يا بني إن الله ذم الخمر في آيتين وحرمها في الثالثة، وإني أخشى أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعوه جملة . ❝
❞ ضرورة الحوار مع الدعاة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية، نظرا لخطورة الموضوع، واتساع القاعدة، التي تنادى به، وعدم قيام حوار من هذا النوع، رغم أهميته لحاضر الأمة ومستقبلها . ❝
❞ فلماذا نقبل قوانين الله الكونية ولا نقبل قوانينه الشرعية لماذا نقبل سنن الله في خلقه ونرفض سننه في أمره، وهو في كلا الحالتين العليم الذي لا يجهل والحكيم الذي لا يعبث والحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم . ❝
❞ مشكلة د. فرج فودة - وهي مشكلة مَن يفكر تفكيره - أنه ينظر للإسلام باعتباره عاطفة دينية يمتليء بها الوجدان ويحلق بها الإنسان، ولا ينظر إليه باعتباره مصدرا يوجه تفكير المسلم وشعوره وسلوكه، وأنه منهج متميز للحياة، له حكمه وموقفه في تحديد أسس التعامل والعلاقات بين الإنسان ونفسه وبين الإنسان وربه وبين الإنسان وأسرته وبين الإنسان ومجتمعه وبين الناس في المجتمع الواحد بعضهم وبعض وبين المجتمعات الإنسانية في حالة السلم وفي حالة الحرب، وله في ذلك أصول وضوابط متفق عليها وتفريعات مختلَف فيها، وقد جاء في الحديث لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئتُ به . ❝
❞ ومن هنا نستطيع أن نقول بوضوح وصراحة: "نعم" و"لا" في تلك المتشابهات، نثبت حقها وننفي باطلها نعم للعلمية ولا للعلمانية، نعم للدولة الإسلامية ولا للدولة الدينية، نعم للشريعة في ضوء الاجتهاد ولا للجمود باسم الشريعة، نعم للتحديث في رحاب الأصالة ولا للتغريب في ركاب التبعية، نعم للتفاعل الفكري ولا للغزو الفكري، نعم للاعتزاز بالدين ولا للتعصب الأعمى، نعم للحوار البناء ولا للتشكيك الهدام . ❝
❞ إن هذا المسلم الذي يقبل العلمانية أو يدعو إليها - وإن لم يكن ملحدا يجحد وجود الله تعالى وينكر الوحي والدار الآخرة - قد تنتهي به علمانيته إلى الكفر البواح والعياذ بالله إذا أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة مثل تحريم الربا أو الزنى أو شرب الخمر أو فرضية الزكاة أو إقامة الحدود أو غير ذلك من القطعيات التي أجمعت عليها الأمة وثبتت بالتواتر اليقيني الذي لا ريب فيه. بل إن العلماني الذي يرفض "مبدأ" تحكيم الشريعة من الأساس ليس له من الإسلام إلا اسمه، وهو مرتد عن الإسلام بيقين . ❝
❞ إن كثيرين من أبناء ذلك الجيل تربى في ظل المدارس المدنية التي أشرف الاستعمار على مناهجها وحدد أهدافها ووسائلها وصبَغها بالصبغة التي يريد، وكان أول أهدافها تجهيل المسلمين بإسلامهم، بل تشويه صورته في أذهانهم، فلا غرو إن جهل أكثر هؤلاء حقيقة الإسلام وشموله وتوازنه، فحسبوا الإسلام نصرانية أخرى عقيدة بلا شريعة أو سلاما بلا جهاد أو دينا بلا دولة، بالمعنى الذي يفهمه الغربي المسيحي من كلمة دين . ❝
❞ والإسلام يقيم الموازين القسط بين الفرد والمجتمع، فلا يعطي الفرد من الحقوق والحريات حتى يتضخم على حساب مصلحة المجموع كما فعلت الرأسمالية، ولا يعطي المجتمع من الصلاحيات والسلطات ما يجعله يطغى ويضغط على الفرد حتى يضمر وينكمش وتذبل حوافزه ومواهبه كما فعلت الشيوعية والاشتراكيات المتطرفة. وبهذا يحافظ الإسلام على حرية الوطن كما يرعى حرية المواطن. وهي حرية الفكر لا حرية الكفر، وحرية الضمير لا حرية الشهوة، وحرية الرأي لا حرية التشهير، وحرية الحقوق لا حرية الفسوق . ❝
❞ التدرج في تطبيق الشريعة ليس معناه تعطيل الحكم بالشريعة أو تعليقه إلى أجل غير مسمى، بل معناه وضع خطة محكمة ذات مراحل محددة للانتقال بالمجتمع من العلمانية إلى الإسلام، على أن تـُعطى الأولوية للجوانب التربوية والإعلامية والثقافية التي تعمل متضامنة متكاملة من أجل بناء الإنسان الذي ينشده الإسلام، وتهيئة المناخ اللازم لتطبيق سائر شرائع الإسلام بنجاح وتوفيق، وفي مقدمة ذلك إزالة الحواجز أمام الدعاة الصادقين للإسلام - أفرادا وجماعات - وتوفير ضمانات الحرية الضرورية لهم ليقوموا بواجبهم في الدعوة والتوعية والتربية والتكوين، وهذه من ألزم الأولويات. التدرج المطلوب هو الذي يضع نصب عينيه الهدف، ويحتال جاهدا للوصول إليه، فلا يمر يوم - كما أشار عمر بن عبد العزيز - إلا وهو يميت بدعة من بدع الجاهلية، ويحيي سنة من سنن الإسلام . ❝
❞ إن ذاك التدين "العاقل الهاديء" - كما يصفه الدكتور فؤاد زكريا من صنع الاستعمار الثقافي، ولم يكون يوما تدين المسلمين ولا تدين المصريين خلال ثلاثة عشر قرنا، أي قبل دخول الاستعمار إلى ديارنا . ❝
❞ إن الدين لا يؤدي رسالته في البعث والإحياء والتعبئة إلا إذا كان هدفا لا وسيلة، وكان دما يجري في عروق الحياة كلها لا شيئا على هامش الحياة. إنما يؤثر الدين في الشعوب ويغير من حياتها وسلوكها إذا كانت كلمته هي العليا في التشريع والتوجيه والتعليم والتثقيف، بحيث يصبغ الحياة بصبغته، فينطلق الناس تحت لوائه عاملين مخلصين وفي الخيرات مسارعين. وإن الشعوب بحاستها الفطرية لا تستجيب لمن يجندها باسم الدين إلا إذا لمست فيه الولاء لدين الله وأحست بحرارة الإخلاص له والحرص على تطبيق شرائعه وتعظيم شعائره والدخول فيه كافة كما أمر الله، وإلا أعرضت عنه وكشفت خداعه ونفاقه وقالت في قوة وجلاء: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض . ❝
❞ إن من الظلم البين لحقائق التاريخ أن نطلق الحكم على جميع خلفاء بني أمية وبني العباس وآل عثمان وسلاطين المماليك في مصر والشام وملوك المرابطين والموحدين وغيرهم في المغرب وسلاطين المغول في الهند وغيرهم بأنهم كانوا - جميعا - ظلمة وفجرة ومنحرفين عن عدل الإسلام ونهج الإسلام. فالواقع أن هذا ليس من الإنصاف في شيء، فقد كان من هؤلاء كثيرون اتصفوا بكثير من العدل والفضل وحسن السيرة، ولا سيما إذا قورنوا بغيرهم من حكام العالم في زمنهم. ولكننا كثيرا ما نأخذ أخبار تاريخنا من مصادر غير موثقة وروايات غير ثابتة، لو عمل فيها مبضع "الجرح والتعديل" لم تقم لها قائمة. فكيف وبعض مصادرنا كتب الأدب والأقاصيص مثل "الأغاني" للأصفهاني الذي سماه أحد إخواننا "النهر المسموم" إنني أشبّه الذي يأخذ صورة الحكم أو المجتمع من كتاب مثل "الأغاني" بالذي يحكم على المجتمع المصري كله من خلال الأفلام السينمائية المصرية . ❝
❞ وكما أن لفظ كلمة "علمانية" دخيل على معاجمنا العربية، فإن معناها ومدلولها - سواء أكانت بكسر العين أم بفتحها - ما يقابل الدين. فالعلماني ما ليس بديني، وكأن مدلول العلمانية المتفق عليه يعني: عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيسا في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه، فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوها. وهذا المعنى غير معروف في تراثنا الإسلامي، فتقسيم شئون الحياة إلى ما هو ديني وما هو غير ديني تقسيم غير إسلامي، بل هو تقسيم مستورد مأخوذ من الغرب النصراني. وما نراه اليوم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية من تقسيمات للحياة والناس والمؤسسات إلى ديني وغير ديني ليس من الإسلام في شيء . ❝