█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ هل فكر أحدكم أن يدخل بيت النمل ؟
صدقوني أنها ستكون زيارة مثيرة .. أكثر إثارة من الصعود إلى الفضاء والتجول على القمر .
إن النمل حشرة صغيرة جداً لا تزيد على ملليمتر و مع ذلك فهي مهندسة معمارية عظيمة ، تبني القلاع و الحصون ، و الغرف والدهاليز
و المخازن ، و تهندس بدرومات كاملة تحت الأرض .
و هناك نوع من النمل يمارس الزراعة .. فيزرع نبات عيش الغراب ، ويجلب له السماد من الأوراق المتعفنة .. ثم يحصده عند نضجه ويخزنه في مخازنه .
و هناك نوع آخر من النمل .. كيميائي متخصص .. يمضغ الخشب ويحوله إلى نوع من الكرتون ، ثم يبني من هذا الكرتون طرزاً هندسية معمارية عجيبة .
و هناك نوع ثالث من النمل الأفريقي يبني بيوتاً تشبه المسلّات ، ثم يحقق لها نوعاً من تكييف الهواء بفتح نوافذ سفلية لإدخال الهواء البارد ، و نوافذ علوية لإخراج الهواء الساخن .
ويعيش هذا النوع من النمل حياة طبقية عجيبة.. فنجد فيه الملكة والأميرات و الضباط ولكل منهما مساكنه الخاصة وباقي الخلية من العمال البروليتاريا تشتغل بلقمتها .
وهناك نوع أخر من النمل المحارب المقاتل الذي يهجم في جيوش مثل التتار على هذه القصور فيقتل الجيش والحراس ويستولي على مخازن الطعام والتموين وينقل البيض ويتعهده في بيته حتى يفقس ويخرج منه النمل الصغير فيجعل منه خدماً وعبيداً في مملكته.
وهناك نوع آخر من النمل يعيش على الرعي ..
فيرعى قطعاناً من حشرة المن ويحلبها ويعيش على افرازاتها السكرية.
وللنمل لغة يتخاطب بها ..
وبدون هذا التخاطب ما كان يمكن أن يوزع الوظائف ويقيم نظاماً اجتماعياً تتباين فيه الاختصاصيات.
وعلماء البيولوجيا يقولون ان النمل يتخاطب عن طريق القبلات.. بلغة كيميائية خاصة يفرزها مع اللعاب.. وبدل الحروف المنطوقة هناك درجات وأنواع مختلفة من المذاق ..
وللنملة عقل تدبر به حياتها ..
فهي تجمع في الصيف وتدخر للشتاء . . وتدبر ميزانية مجتمع كبير من النمل بلا عدد في مواجهة ظروف من البرد والجفاف بالغة الصعوبة..
وأعجب ما في عالم النمل أن هناك نوعاً يرفض الحياة في مجتمع ونظام وخلايا ويختار أن يضرب في الآفاق ويهيم .. كل حشرة تهيم وحدها .. تسكن كل ليلة داخل ورقة ذابلة فإذا طلع النهار هجرت مسكنها ورحلت إلى مسكن آخر .
وهكذا تقضي حياتها تتنقل كل ليلة من جرسونيرة إلى جرسونيرة بلا مسؤوليات وبلا أعباء مثل حياة الهيبيين .
عالم مدهش ...
صدقوني ستتعلّمون الكثير إذا دخلتم بيت النمل .
مقال : بيت النمل
من كتاب : الشيطان يحكم
للدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
❞ لماذا يسجن الإنسان نفسه داخل شق في الحائط مثل النملة و يعض على أسنانه من الغيظ أو يحك جلده بحثا عن لذة أو يطوي ضلوعه على ثأر. و لماذا يسرق الناس بعضهم بعضا و لماذا تغتصب الأمم بعضها بعضا و الخيرات حولها بلا حدود و الأرزاق مطمورة في الأرض تحت أقدام من يبحث عنها. لماذا اليأس وصورة الكون البديع بما فيها من جمال ونظام وحكمة وتخطيط موزون توحي بإله عادل لا يخطئ ميزانه.. كريم لا يكف عن العطاء ، لماذا لا نخرج من جحورنا.. ونكسر قوقعاتنا ونطل برؤوسنا لنتفرج على الدنيا و نتأمل لماذا لا نخرج من همومنا الذاتية لنحمل هموم الوطن الأكبر ثم نتخطى الوطن إلى الإنسانية الكبرى.. ثم نتخطى الإنسانية إلى الطبيعة وما وراءها ثم إلى الله الذي جئنا من غيبه المغيب ومصيرنا إلى غيبه المغيب. لماذا ننسى أن لنا أجنحة فنجرب أن نطير ونكتفي بأن نلتصق بالجحور في جبن ونغوص في الوحل ونغرق في الطين ونسلم قيادتنا للخنزير في داخلنا ، لماذا نسلم أنفسنا للعادة والآلية والروتين المكرر وننسى أننا أحرار فعلا. لماذا أكثرنا نمل و صراصير . ❝
❞ الخـــروج . . .
كان يزدرد الطعام كأنه يزدرد كُرات من العجين يُلقي بها في جوفه دون تَلذُذ .. و كان الهواء راكداً ثقيلاً .. و كل شيء راكد ثقيل .. و صفحة النهار تبدو كليلٍ بلا نجوم ..
و لم يكن يدري كم من الوقت قد مضى عليه و هو جالس في كُرسيه في مقهى الروف بأعلى البرج ..
ربما بِضع ساعات و هو يجلس نفس الجلسة لم يُحرك إصبعاً .. و ربما بنفس النظرة الذاهلة المحملقة في الهواء دون أن يختلج له جفن ، و كأنما تسمرت نفسه و بات عقله مصلوباً على فكرة واحدة لا يبرحها .. أن يتخلص من حياته .
مريض بلا شفاء .. يتنقل من طبيب إلى طبيب .. و من دواء إلى دواء .. و من مُخدِر إلى مخدر .. و من أمل إلى أمل .. ثم تذوي الآمال ثم يكتشف أنه لم يبق له إلا الصبر .
و في البيت وحده .. و فِراش بارد .. و مائدة عليها عشرات العقاقير، و خِطابات لا يجف حبرها .. تجري سطورها اللاهِثة بنداء واحد لا يهدأ :
سوزان . . سوزان . .
عودي .. أحبك .. لا أستطيع أن أحيا بدونك .. و لا أن أموت بدونك .
حياتي ليل بدون ضوء عينيك .
و دائماً تُرسَل الخطابات و تسافر عبر البحر .. و لا يأتي لها رد ، و لا يُسمَع لها صَدى .
الزوجة الأوروبية عادت إلى بلادها بقلب ينزف ، و تركت وراءها قلباً آخر ينزف .
و في ذلك الصمت الشبيه بالصراخ يعيش ..
و في تلك الغرفة المُترَفة الوثيرة ذات الديكورات الغالية يتقلب .. و كأنما يتقلب على صحراء مُوحِشة تسرح فيها الأفاعي .. ثم ينفد الصبر .. و تنقطع حِبال الإنتظار .
و لا تبقى في ذهنه إلا فكرة واحدة .. أن يتخلص من حياته .
تأتيه الفكرة في البداية زائرة ثم تصبح طَوّافة ثم تُلِح عليه ثم تُقيم في رأسه ثم تتحول إلى حصار ثم تغدو كابوساً قهرياً يحتويه و يجثم عليه و يخنقه رويداً رويداً .
و يتحرك أخيراً .. فينظر إلى ساعته .
لقد مضت أربع سنوات و هو مُتجمد في كُرسيه كتمثال ، و شيء في داخله ينخر في بنيانه و يأكل جوفه .. و بنظرة سريعة عبر الشرفة يطل على الناس الذين يبدون كالنمل الصغير أسفل البرج .. و تتسمر عيناه على الهُوّة التي تَفغُر فاها تحت قدميه .
ثم في لحظة يرمي بنفسه من شاهِق .
و يتجمع الناس أسفل البرج .. و هُم يحكون في ذهول ..
هناك رجل رمى بنفسه من أعلى البرج فسقط على كتفي عامل فقتله لساعته .. أما هو فلم يُصَب بخدش ..
و حينما أفاق الرجل من صدمته و أدرك ما فعل .. إنكَبَّ على شفرة حديد صَدِئة إلتقطها من الطريق و قطع شرايينه .
و حملوه إلى المستشفى و هو ينزف .. و أسعفوه ..
و حينما فتح عينيه و اكتشف أنه لم يمُت بعد .. إبتلع زجاجة الأقراص المنومة كلها في غفلة من الممرضة ..
و لكنهم غسلوا معدته ، و أعطوه شيئاً .. و أنقذوه ..
و فتح عينيه من جديد ليجد أنه لم يمت بعد ثلاث محاولات قاتلة .. قتل فيها رجل آخر و لم يَمُت .. و سقط مغشياً عليه ..
و في النوم و بين لحظات الخدر ، و فيما يشبه الرؤيا شاهد الرجل نوراً و سمع صوتاً يقول له :
●● ماذا فعلت بنفسك ؟
● أردت أن أقتل نفسي لأستريح .
●● و من أين لك العلم بأنك سوف تستريح .. أعلِمت بما ينتظرك بعد الموت ؟
● إنه على أي حال أفضل من حالي في الدنيا .
●● هذا ظنك .. و لا يقتُل الناس أنفسهم بالظن .
● و ماذا كنت أستطيع أن أفعل .. و ماذا بقيَ لي ؟
●● أن تصبر و تنتظر أمرنا ..
● صبِرت .
●● تصبر يوماً آخر إلى غَد .
● سيكون غداً مشئوماً مثل سالفه .
●● كيف علمت .. هل أنت الذي خلقت الأيام .. هل أنت الذي خلقت نفسك ؟
● لا .
●● فكيف تحكم على ما لا تعلم ، و كيف تتصرف فيما لا تملك ؟
● هذا عمري و قد ضقت به .
●● أتعلم ماذا نُخفي لك غداً ؟
● لا .
●● إذاً فهو ليس عُمرك .
● لا أريد أن أعيش .. خلوا بيني و بين الموت .. دعوني .. ارحموني .
●● لو تركناك فما رحمناك .. إنما نحول بينك و بين رغبتك رحمةً مِنا و فضلاً ، و لو تخلينا عنك لهلَكت .
● يا مرحباً بالهلاك .. ما أريد إلا الهلاك .. يا أهلاً بالهلاك .
●● لن يكون الهلاك رقدة مُطمَئنة تحت التراب كما تتصور .
● أريد أن أخرج مما أنا فيه و كَفَى .
●● و لو إلى النار ؟
● و هل هناك نار غير هذه ؟
●● أتصَوَّرت أنه لا وجود إلا لما يقع تحت حسك من جنة و نار .. أظننت أنه لا جنة و لا نار إلا نعيمكم و عذابكم .. أظننتنا فقراء لا يتسع ملكنا إلا لهذا العالَم .. أتصَوَّرتَ أنه ليس عندنا لك إلا هذه الشقة في المعادي .. و ليس عند رب العالمين غير هذه الكرة الأرضية المعلقة كذرة غبار في الفضاء .. ؟
بئس ما خَيَّل لك بَصرُك الضرير عن فقرنا .
● ضقت ذرعاً مما أنا فيه .. إنسدت أمامي المسالك .. إنطبقت السماء على الأرض .. إختنقْت .. أريد الخروج .. أريد الخروج .
●● ألا تصبر لحظات أخرى .. أترفض عطيّتنا في الغد قبل أن تراها ؟
● رأيت منها ما يكفيني .
●● هذا رفض لنا و يأس مِنّا و اتهام لحكمتنا و سوء ظن بتدبيرنا و انتقاص لملكنا .. بئس ما قررت لنفسك .. إذهب .. رفضناك كما رفضتنا ، و حرمناك ما حرمت نفسك .. خَلّوا بينه و بين الموت ..
و في تلك الليلة شنق الرجل نفسه بملاءة الفراش .. و مات في هذه المحاولة الرابعة .. و فشلت كل الإسعافات في إنقاذه .
و جاء الغــد . .
فطلعت صفحات الجرائد الأولى بخبر مثير عن اكتشاف علاج جديد حاسم للمرض الذي كان يشكو منه .
و جاءت سوزان تدق بابه في شوق و في يدها بضع زجاجات من هذا الترياق الجديد و قلبها يطفح بالحب و الأمل .
و لكنه كان قد ذهب .
لم ينتظر العطية .
ظلم المُعطي و العَطيّة و ظلم نفسه و ظلم الغد الذي لم يره و اتهم الرحيم في رحمته و أنكر على المدبر تدبيره .
و خـــرج . .
إلى حيــث لا رحمـــة . . و لا عــودة . .
..
قصة : الخروج
من كتـــاب / نقطــة الغليـــان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
❞ مسرح العرائس
أشعر بالندم يا إلهي حتى نخاع العظم من أني ذكرت سواك بالأمس و هتفت بغير اسمك و طافت بخاطري كلمات غير كلماتك.
سمحت لنفسي أن أكون مرآة للسراب و مستعمرة للأشباح.
جهلت مقامي و نزلت عن رتبتي و ترجلت عن فرسي الأصيلة لأركب توافه الأمور و لأمشي مع السوقة و أزحف على بطني مع دود الأرض.
خدعني شيطاني و استدرجني إلى مسرح العرائس الذي يديره و إلى تماثيل الطين و الزجاج و الحلي المزيفة.
استدرجني إلى بيوت القماش و قصور الورق و قدمني إلى ناس يبتسمون للمصلحة و يحبون للشهوة و يقتلون للطمع و يتزاوجون للتآمر..
رجال وجوههم ملساء مدهونة و نظراتهم خائنة و لمساتهم ثعبانية و نساء تغطيهن المساحيق فلا تبدو ألوانهن الحقيقية بشرتهن مشدوة و وجوههن مكوية و خطواتهن حربائية و أيديهن تتسلل إلى القلوب يسرقن كل شيء حتى الحقائق.
عالم جذاب كذاب يضوع بالعطور و يبرق بالكلمات.. عالم لزج معسول تغوص فيه الأرجل كما يغوص النمل في العسل حتى يختنق بحلاوته و يموت بلزوجته.
و الأصوات في هذا العالم كلها هامسة مبللة بالشهوة تتسلل إلى ما تحت الجلد و تخترق الضمائر و تأكل الإيمان
من الجذور.
تذكرتك يارب و أنا أمشي في هذا العالم فشعرت بالغربة و الانفصال و لم أجد أحدا أكلمه و يكلمني و أفهمه و يفهمني.. نبذوني كلهم و رفضوني كما نبذتهم و رفضتهم.. و أحسست بنفسي وحيدا غريبا مطرودا.. ملقى على رصيف أبكي كطفل يتيم بلا أم.
و سمعت في قلبي صراخا يناديك.
كانت كل خلية في بدني تتوب و تئوب و ترجع و سمعتك تقول في حنان.. لبيك عبدي..
و رأيت يدك التي ليس كمثلها شيء تلتقطني و تخرجني من نفسي إلى نفسك.
و اختفى ديكور القماش و الورق و ذاب مسرح الخدع الضوئية.
و عاد اللا شيء إلى اللا شيء.
و عدت أنا إليك.
لا إله إلا أنت.
سبحانك
و لا موجود سواك
القرب منك يضيف.
و البعد عنك يسلب.
لأنك وحدك الإيجاب المطلق.
و كل ما سواك سلب مطلق.
علمت ذلك بالمكابدة و أدركته بالمعاناة و عرفته بالدم و العرق و الدموع و مشوار الخطايا و الذنوب و أنا أقع في الحفر و أتعثر في الفخاخ.. و كلما وقعت في حفرة شعرت بيدك تخرجني بلطف و كلما أطبق عليّ فخ رأيتك تفتح لي سبيلا للنجاة.. و كلما وضعوني في الأغلال و أحكموا عليّ الوثاق شعرت بك في الوحدة و الظلمة تفك عني أغلالي و تربت على كتفي في حنان و إلهامك يهمس في خاطري.. أما كفاك ما عانيت يا عبدي.
أما اتعظت.. أما اعتبرت.. أما جاء اليوم الذي تثبت فيه قدمك و تستقر خطاك على الطريق.
فأقول باكيا.
سبحانك يارب و هل هناك تثبيت إلا بك و هل هناك تمكين إلا بإذنك.
أنت وحدك الذي أصلحت الصالحين و ثبت الثابتين و مكنت أهل التمكين.
تعطي لحكمة و تمنع لحكمة و لا تسأل عما تفعل.
شفيعي إليك صدقي.
و عذري إليك حبي للحق.
و ذريعتي إلى عفوك رغبتي في الخير.
فمن خطيئاتي نبتت الحكمة كما تنمو أزهار الياسمين من الأرض السبخة.
و من دموع ندمي علمت الناس فصدقوني حينما كلمتهم لأنهم رأوا كلماتي مغموسة بدمي و من عثراتي و سقطاتي أضأت مصباحا هاديا يجنب الناس العثرات.
و كل من عبر طريقي قلت له كلمة صدق و دللته على السلامة.
ربنا ما أتيت الذنوب جرأة مني عليك و لا تطاولا على أمرك و إنما ضعفا و قصورا حينما غلبني ترابي و غلبتني طينتي و غشيتني ظلمتي.
إنما أتيت ما سبق في علمك و ما سطرته في كتابك و ما قضى به عدلك.
رب لا أشكو و لكن أرجو.
أرجو رحمتك التي وسعت كل شيء أن تسعني.
أنت الذي وسع كرسيك السماوات و الأرض.
د. مصطفى محمود رحمه الله ..
كتاب : أناشيد الإثم و البراءة . ❝
❞ والمُتكبر دائما هو الأضعف وإن ظهر أنه الأقوى ، فلو صدمته روح عاتية بما فيها من بغضه وإزدرائه لوقعت منه موقع أضلاف الفيل من النملة الضعيفة . ❝