█ _ مصطفى صادق الرافعي 1928 حصريا كتاب ❞ إعجاز القرآن والبلاغة النبوية (ط المقتطف والمقطم) ❝ عن مطبعة والمقطم 2024 والمقطم): الۡقُرۡآنۡ ويُسَمَّىٰ تكريمًا ٱلۡقُرۡآنُ ٱلۡكَرِيمُ هو الله المعجز عند المسلمين يُعَظِّمُونَهُ وَيُؤْمِنُونَ أَنَّهُ كلام وَأَنَّهُ قد أُنزِلَ علىٰ الرسول محمد للبيان والإعجاز وأنه محفوظ الصدور والسطور من كل مس أو تحريف وَبِأَنَّهُ مَنْقُولࣱ بالتواتر وبأنه المتعبد بتلاوته آخر الكتب السماوية بعد صحف إبراهيم والزبور والتوراة والإنجيل القرآن أقدم العربية ويعد بشكل واسع الأعلى قيمةً لغويًّا لما يجمعه البلاغة والبيان والفصاحة وللقرآن أثر وفضل توحيد وتطوير اللغة وآدابها وعلومها الصرفية والنحوية ووضع وتوحيد وتثبيت اللّبنات الأساس لقواعد إذ يُعد مرجعًا وأساسًا لكل مساهمات الفطاحلة اللغويين تطوير وعلى رأسهم أبو الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي وتلميذه سيبويه وغيرهم سواء القدماء المحدثين إلى حقبة أدب المهجر العصر الحديث ابتداءً شوقي رشيد سليم الخوري وجبران خليل جبران الذين كان لهم دور كبير محاولة الدفع بإحياء والتراث العربي ويعود الفضل العربیة نزول الكريم حيث لم تكن موحَّدة قبل هذا العهد رغم أنها كانت ذات غنًى ومرونة أن نزل وتحدى الجموع ببیانه وأعطی سیلًا حسن السبك وعذوبة السَّجْعِ ومن ما عجز عنه بلغاء العرب وقد وحد توحیدًا كاملًا وحفظها التلاشي والانقراض كما حدث مع العديد اللغات السّامية الأخرى التي أضحت لغات بائدة واندثرت الزمن طالها الضعف والانحطاط وبالتالي عدم القدرة مسايرة التغييرات والتجاذبات تعرفها الحضارة وشعوب العالم القديم والحديث ويحتوي 114 سورة تصنف مكّية ومدنية وفقًا لمكان وزمان الوحي بها ويؤمن المسلمون أنزله لسان الملَك جبريل النبي مدى 23 سنة تقريبًا بلغ سن الأربعين وحتى وفاته عام 11 هـ 632م يؤمن بأن حُفظ بدقة يد الصحابة فحفظه وقرأه صحابته وأن آياته محكمات مفصلات يخاطب الأجيال كافة القرون ويتضمن المناسبات ويحيط بكل الأحوال إعجاز الإسلام اعتقاد ينص له صفة إعجازية المحتوى والشكل ولا يمكن يضاهيه بشري ووفقًا لهذا الإعتقاد فإن الدليل المعطى للنبي ﷺ للدلالة صدقه ومكانته يؤدي الإعجاز غرضين رئيسين الأول وهو أثبات أصالة وصحته كمصدر إله واحد والثاني إثبات صدق نبوة الذي عليه لأنه ينقل الرسالة ظهر مفهوم منذ اليوم لقيام بتبليغه للعرب يبلغ العمر آنذلك 40 عامًا الإعجاز لغةً: مشتقٌ عجزُ عجزاً فهو عاجزٌ أي: ضعيفٌ والمعنى: ضعف الشئ ولم يقدر ويقال أعجزني فلانٌ إذا عجزت طلبه وإدراكه القرآني مصطلح يدل على: قصور الإنس والجن يأتوا بمثل بسورةٍ مثلهِ وقد بين أصاب سماعهم لأول مرة فبعضهم وصف بأنه شاعر فأنزل تعالى يس: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ وبعضهم قال نقل الكلام ممن سبقوه يقول الفرقان: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا بينما اتهم بعضهم ساحر يونس: أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ وفقًا لصوفيا فاسالو وهي باحثة معاصرة علم اللاهوت الأخبار وصلت إلينا طريقة تلقي للقرآن وإصابتهم بالحيرة أمر بالغ الأهمية النقاشات تقول صوفيا :«إن سمعوا أحتاروا تصنيف كلماته وتسائلوا: شعر؟" "هل سحر؟" أساطير؟" يتمكن العثورعلى أي شكل أدبي يتوافق القرآن» وتتعدد أنواع وتتنوع لتشمل المواضيع فمنها: الإعجاز البياني قدرة إيصال المعاني والرسائل المختلفة بوضوح وبلاغة يعجز البشر الإتيان بمثلها العلمي إخبار بالحقائق العلمية كعلوم الفضاء والبحار والجبال وغيرها والتي يكن ممكنا إدراكها زمن يتم إثباتها إلا بالعلم الحديث الإعجاز التشريعي سمو ودقة التشريعات والمبادئ جاء وتميزها دونها بطريقة يستحيل الغيبي ويُقصد به إشارة لأمور غيبية لها علاقة بالماضي الحاضر المستقبل التنبؤ كان للجاحظ وغيره المفكرين والأدباء تأثير تشديدهم فصاحة وبيانه مما جعل لفظة "الإعجاز" تزداد ارتباطا بما أسلوب بلاغي رفيع غير قالوا فكرة يجب الا تفهم الفهم الضيق ومنهم "إبراهيم النظام" أدخل النقاش الدائر العلماء "الصرفة" قائلا إن يقوم "أن صرف معارضته سلب علومهم به" يقبل الفكرة قلائل واستمرت الكتابات القرن الثالث الهجري لكن وجوه ظل مدار نقاش كتب الكثير منهم الحسن الرماني كتابه "النكت القرآن" أوائل المؤلفات وردت عناوينها أما سليمان الخطابي فرفض الصرفة "بيان ورفض تكون أخبار واعتبر التأثير النفسي النفوس مظهرا مظاهر ووافقه رأيه بكر الباقلاني "إعجاز تفرد بلاغة وتميز أسلوبه القاضي عبد الجبار فيؤكد "المغني أبواب التوحيد والعدل" المتميز وجه إعجازه هذه الفصاحة ناتجة امتياز اللفظ والمعنى أما القاهر الجرجاني فله الأراء وضعها كتابيه "دلائل الاعجاز" و"أسرار البلاغة" منها الالفاض المفردة بحد ذاتها لا ميزة للواحدة الاخرى وجود بدون ولذلك ينبغي الحكم درجة بلاغتها مفردة بل مجتمعة نظم التفسير فلم يأت المفسرين استعمل علوم النامية فهم نصه وإلقاء الضوء وجمال خير الزمخشري "الكشاف" " وجاء الزمخشري"مؤلفون كثيرون لكنهم يزيدوا شيئا يذكر الاعجاز " وفي العشرين أعاد الإمام عبده الدراسات "البساطة المعقولة وبحث مختصر "رسالة التوحيد" فابتعد التحليل المفصل لمسائل النحو وخصص كتابا للإعجاز أسماه النبوية" وفيه تحدث "العجز البشري المعجزة واستمرار العجز مر العصور وشدد المتعال الصعيدي "النظم الفني النظر ككل "علم ارتباط الايات" سيد قطب فكتب "التصوير و"مشاهد القيامة و"في ظلال أولى فيها النواحي الجمالية والبلاغية اهتماما كبيرا ورأى انه "يعبر بالصور المحسة المتخيلة المعنى الذهني والحالة النفسية والمشهد المنظور " في الكتاب تناول المؤلف مرجع أمره ونسقها والغاية يتصل بجهة الجهات مبحث مباحث تاريخ آداب لكنّه أفرده فيما وحده منفصل والسنة مجاناً PDF اونلاين Ra bracket png Aya 69 La 5 2 png وفقًا أنواعه تتعدد الإعجاز الحديث الإعجاز هذا الركن يحتوي ومؤلفات تناولت موضوع بالتفصيل
❞ وربما استعمل القرآن الكلمة الواحدة على منطق أهل اللغات المختلفة، فجاء بها على وجهين لمناسبة في نظمه كبراء، وبريء، فإن أهل الحجاز يقولون أنا منك براء لا يعدونها، وتميم وسائر العرب يقولون أن منك بريء واللغتان في القرآن . ❝
❞ روى المسعودي بأنَّ أبا خليفة الفضل بن الحباب الجمحي المتوفي سنة ٣٥٠ للهجرة " وكان فصيحا مُعربا لايتكلف الإعراب بل صار طبعا له لدوام إستعماله إياه من عنفوان حداثته " خرج مع بعض أصحابه متفكهين إلى نهر من أنهار البصرة وقد غيروا ظواهر زيهم كيلا يعرفهم الناس ، وبعد أن أكلو التمر من أحد البساتين الممتلئة بالعمال قال له بعض أصحابه : أخبرني أطال الله بقائك عن قول الله عز وجل " قوا أنفسكم واهليكم نارا " هذه الواو ما موقعها من الإعراب ؟ قال أبو خليفة : وقعها رفع وقوله ( قوا ) هو أمر للجماعة من الرجال ، قال وكيف تقول للواحد من الرجال وللاثنين ، قال يُقال للواحد من الرجال قِ وللاثنين قِيا وللجماعة قوا ، قال وكيف تقول للواحدة من النساء وللاثنتين وللجماعة ، قال أبو خليفة يقال للواحدة قي وللاثنتين قيا وللجماعة قين ، قال فأسأل أن تعجل بالعجلة ( اي ان تقول كل ذلك بعبارة واحدة متتابعه سريعة ) ، قال أبو خليفة وهو ينطقها كلها بسرعة : قي قيا قوا ، قي قيا قين .
وكان بالقرب منهم جماعة من العمال فلما سمعوا ذلك استعظموه وقالو : يا زنادقه انتم تقراون القرآن بحرف الدجاج ، وعدوا عليهم فضربوهم وصفعوهم فما تخلص أبو خليفة واصحابه من بين أيديهم إلا بشق الأنفس . ❝
❞ لانزال نذكُر حديثاً أطرفنا به من نحو عشرين سنةٍ شيخٌ رَحالَةٌ يضرِب في الأرض فإنه تحدث " وكُنا من حاضري مجلسه " فذكر انه نزل بقبيلة في حدود الصين تنتحل الإسلام " وقد ذهب عنا أسمها " فلما رأوه ينطق العربية ويقرأ القرآن وحدثهم أنه حج البيت وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلَّم ، أقبلوا عليه وإحتفوا به وكادوا يعبدونه ثم ذهبوا يتشاورون في إكرامه بما هو أهله ... فلم يرو أكرم له عندهم من أن يذبحوه ... ثم يتخذوا عليه مسجدا فيكون شيخ دينهم إلى يوم الدين .
فما علم الرجل بها حتى هام على وجهه وكاد أن يهلك في مجهل من الأرض لولا أن تداركه الله بلطف من رحمته . ❝
❞ إستطاع القرآن أن يؤلف من العرب " وكانوا نشراً لا نظام لهم " أكبر جماعة نفسية عرفها التأريخ وكان عملها في الأرض وفي تأريخها على حساب ذلك في روعته وغرابته وقوته وفائدته . ❝
❞ إعتبر القرآن أن خير الأُمم على الإطلاق إنما هي الأمة التي تَتبسطُ في مناحي الإجتماع على هذا ( الخُلُق الثابت وهو التقوى ) لأن مرجع التقوى في مظاهرها الإجتماعية إلى شيئين : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهُما المبدأ والغاية لكل قوانين الآداب والاجتماع ، ثم مرجعها في حقيقة نفسها إلى شيء واحد وهو الإيمان بالله ، فالأمة التي تكون لافرادها فضيلة التقوى تكون لها من هذه الفضيلة صفات إجتماعية مختلفة يؤدي مجموعها إلى صفة تاريخية واحدة وهي أنها خيرُ أُمةٍ ، على هذا جاء قوله تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) .
فتأمل كيف قَدم وأخر فإنك لا تجد هذا النسق إلا ترتيبا لمنازل الفضيلة الإجتماعية الكُبرى التي تجعل الأمة في نفسها خير أمة ، وبالحرّي لا تجد هذا الترتيب إلا نسقا في وصف الآداب الإسلامية التي جعلت أهلها الأولين حين أتبعوها وأخذوا بها خير أمة في التأريخ بشهادة التأريخ نفسه . ❝
❞ متى صَحّت إرادة الفرد وإستقام لها وجه في الإجتماع فقد صار بنفسه قطعة من عمل الأمة ، ولا بد أن تكون الأمة القائمة بأفراد من أمثاله قطعة من عمل التأريخ الإجتماعي . ❝
❞ تأمل قوله تعالى فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ءايات مفصلات، فإنها خمسة أسماء أخفها في اللفظ (الطوفان والجراد والدم) وأثقلها (القمل والضفادع). (...) وأنت فمهما قلبت هذه الأسماء الخمسة فإنك لا ترى لها فصاحة إلا في هذا الوضع . ❝
❞ ومن أعجبُ ما رأيناه في إعجاز القرآن الكريم وأحكام نُظمهِ أنكَ تَحسَبُ ألفاظهُ تنقادُ لمعانيه ثُم تَتَعرفُ ذلك وتَتغلغَل فيهِ فتنتهي إلى أن معانيه منقادَةّ لألفاظهِ ثم تَحسب العكس وتَتَعرفهُ مُتَثبتاً فتصير منه إلى عكس ما حسبت ، وما أن تزالُ مُتردداً على مُنازعة الجهتين كلتاهما حتى تردهُ إلى الله الذي خلق في العرب فطرة اللغةِ ثُم أخرج من هذه اللغة ما أعجزَ تلك الفطرةِ ، لأن ذلك التوالي بين الألفاظ ومعانيها وبين المعاني وألفاظها مما لايُعرف مثله إلا في الصفات الروحية العالية إذ تَتَجاذبّ روحان قد ألفَّت بينهما حكمة الله فركبتهما تركيباٍ مزّجياً بحيث لايجري حُكم في هذا التجاذب على إحداهما حتى يشملهما جميعاً . ❝
❞ إنَّ القرآن بتمكنه من فِطرة العرب على وجهه المُعجز قد نزل منهم منزلة الزمان في عمله وآثاره لانَّ الذي أنزله بعلمه وقدَّره بحكمته إنمّا هو خالق الزمان نفسه فهدَم في نفوس العرب وكان هدمه بناءا جديدا جعل الأمة نفسها قائمةً على أطلال نفسها ، وبذلك أحكم عمل الوراثة الذي تعمله في الغرائز والطِباع إذ تبني بالهدم وتُقيم التأريخ من أنقاض التأريخ ، وهذا هو الفرق بين عمل الإنساني والعمل الإلهي وبين شيءٍ يُسمى مُمكناً وشيءٍ يُسمى مُعجزاً . ❝
❞ إنِّ من أدلة أعجاز هذا الكتاب الكريم " القرآن " أن يُخطئ الناس في بعض تفسيره على إختلاف العصور لضعف وسائلهم العلمية ولقِصر حبالهم أن تَعلق بأطراف السموات أو تُحيط بالأرض ، ثُم تُصيب الطبيعة نفسها في كشف معانيه فكلمّا تَقدم النظر وجَمَّت العلوم ونازعت إلى الكشف والإختراع وأستكملت إلات البحث ظهرت حقائقهّ الطبيعية ناصعةً حتى كأنهُ غايةً لايزال عقل الإنسان يقطعُ إليها ، حتى كأنَّ تلك الآلات حين تُوجه لآيات السماء والأرض تُوجه لآيات القرآن أيضا " واللهُ غالِبٌ على أمرهِ ولكنَّ أكثرَ الناس لايعلمون " . ❝
❞ لقد خرج الناس من أصل واحد ولا تزال طبيعة الحياة فيهم واحدة فكل ما أمكن أن يرجع إلى النفس الإنسانية ونظامها فهو في أصله وطبيعته شيء واحد وجنسٌ مُتميز ، وإنما الذي يتغير في الإنسان مظاهر فكره ، إذ هو يستمد هذا الفكر مما يتقلب عليه من الحوادث ومما يُريغه من الأمور وذلك شيء ليس في الناس على قدر واحد ولا صِفة مُعينة ولا أمر مُستقر ، لا يُغادر الدهر أن يزيد بسبب وينقص بسبب ، والناس بعد ذلك متفاوتون فيه بالزيادة والنقص جميعا . ❝
❞ كانت الكلمة من القرآن تَقعّ من أحدهم وإنَّ لها ما يكون للخطبة الطويلة والقصيده العجيبة في قبيلة بأجمعها ، ولهذا قام كل فرد منهم في نُصرة النبي صلى الله عليه وسلَّم وكأنه في نفسه قبيلةٌ في مقدار حَمّيتها وحِفاظها ونجدتها ، وهذا هو حق الشعور الذي كان يشعر به كل مسلم في السرّايا والجيوش التي إنصبت على الأمم اول عهدهم بالفتوح حتى نُصروا بالرُعب من بعيد وقريب وكإنما كانت أنفسهم تحارب قبل أجسامهم وتعدُ المراصد لعدوهم من نفسه وتسلبه ما لا يسلبه إلا الموت وحده ، فالعرب يريدون أن يموتوا فيحيوا ، وأعدائهم يريدون أن يحيوا فيموتوا
. ❝
❞ و من أعجب ما رأيناه في إعجاز القرآن وإحكام نظمه، أنك تحسب ألفاظه هي التي تنقاد لمعانيه.
ثم تتعرّف ذلك و تتغلغل فيه فتنتهي إلى أن معانيه منقادة لألفاظه، ثم تحسب العكس و تتعرفه متثبتا فتصير منه إلى عكس ما حسبت وما إن تزال مترددا على منازعة الجهتين كلتيهما، حتى ترده إلى الله الذي خلق في العرب فطرة اللغة، ثم أخرج من هذه اللغة ما أعجز تلك الفطرة.
لأن ذلك التوالي بين الألفاظ و معانيها. و بين المعاني وألفاظها، مما لايعرف مثله إلا في الصفات الروحية العالية.
إذ تتجاذب روحان قد ألفت بينهما حكمة الله فركّبتهما تركيبا مزجيا بحيث لا يجري حكم في هذا التجاذب على إحداهما حتى يشملها جميع . ❝
❞ ❞ ما عهدنا رجلاً من عظماء التأريخ قد أهاب بأمة طبيعية كالعرب ذات بأس وصرامة مّية وحفاظ وذات خيال وتصور يدعوها أن تخلع نفسها مما هي فيه وأن تضع أعناقها للحق الذي لم تألفه حقاَ وإن تعطيه مع ذلك ظمائرها وتُسَوّغَهُ تأريخها وعاداتها وما هو أكبر من تأريخها وعاداتها ، وهم لا يرونه في ذلك إلا مَسخوطَ الرأي ذاهب الوهم بعيدا منهم ومن نفسه ومن الحقيقة جميعا ولا يرون من أمره ذلك إلا قِلةً وضَرَعا وهوانا وإستخفافا وإن كانوا يعرفونه بحُسن الخُلُق وصفاء الذمَّة وتخشع السَمّت ويعرفون انه لا يريد مُلكاً ولا يبغي دولة ولا يتَصنَّع لحدث من الأحداث السياسية ولا يهتَبل غِرة ذاهلة ولا يستعد لنهزَةٍ سانحةٍ " وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ " . ❝
❞ إنِّ من سياسة هذا القرآن في جمع العرب لمذاهب الأقدار وتصاريف التأريخ أن رأى ألسنَتَهم تقود أرواحهم فقادهم من ألسنتهم وبذلك نزل منهم منزلة الفطرة الغالبة التي تستبد بالتكوين العقلي في كل أمة فتجعل الأمة كإنما تحمل من هذا العقل مفتاح الباب الذي تلج منه إلى مستقبلها ، فإن كل أمة تستفيد عقلها الحاضر من ماضيها ، لتُفيد مستقبلها من هذا العقل بعينه ، فلما إستقاموا له أقامهم على طريق التأريخ التي مرَّت فيها الأمم وطرحت عليها نقائصها فكانت غبارها ، وأقامت فضائلها فكانت آثارها ، فجعلوا يبنون عند كل مرحلة على أنقاض دولة ، ويرفعون على أطلال كل مَذلَةٍ صولة ، ويخيطون جوانب العالم المُمزق بإبرٍ من الأسنَةِ ، وراءها خيوط من الأعنَّة ، حتى أصبح تأريخ الأرض عربياٍ ، وصار بعد الذلَّة والمسكنة أبياً ، وأستوسق لهم من الأمر مالم تَروِ الأيام مثل خبره لغير هؤلاء العرب حتى كإنما زّويت لهم جوانب الأرض وكإنما كانوا حاسبين يمسحونها ، لا غّزاةً يفتحونها ، فلا يبتدئ السيف حساب جهة من جهاتها حتى تراه قد بلغ بالتحقيق آخره ، ولا يكادّ يُشير إلى قطر من أقطارها إلا أراك كيف تدور عليه الدائرة . ❝