❞ من الأحكام الفقهية التي اُستنبطت من غزوة خيبر جواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره ، إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يُتوصل بالكذب إلى حقه ، كما كذب الحجاج بن غِلاط على المسلمين ، حتى أخذ ماله من غير مضرة لحقت المسلمين من ذلك الكذب ، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن ، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب ، ولا سيما تكميل الفرح والسرور ، وزيادة الإيمان الذي حصل بالخبرِ الصَّادِق بعد هذا الكذب ، فكان الكذب سبباً في حصول هذه المصلحة الراجحة ، ونظير هذا الإمامُ والحاكم يوهِمُ الخصم خلاف الحق ليتوصل بذلك إلى استعلام الحق ، كما أوهم سليمان بن داود إحدى المرأتين بِشَقّ الولد نصفين حتى توصل بذلك إلى معرفة عين الأم. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ من الأحكام الفقهية التي اُستنبطت من غزوة خيبر جواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره ، إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يُتوصل بالكذب إلى حقه ، كما كذب الحجاج بن غِلاط على المسلمين ، حتى أخذ ماله من غير مضرة لحقت المسلمين من ذلك الكذب ، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن ، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب ، ولا سيما تكميل الفرح والسرور ، وزيادة الإيمان الذي حصل بالخبرِ الصَّادِق بعد هذا الكذب ، فكان الكذب سبباً في حصول هذه المصلحة الراجحة ، ونظير هذا الإمامُ والحاكم يوهِمُ الخصم خلاف الحق ليتوصل بذلك إلى استعلام الحق ، كما أوهم سليمان بن داود إحدى المرأتين بِشَقّ الولد نصفين حتى توصل بذلك إلى معرفة عين الأم. ❝
❞ نُكمل وإياكم سرد الأحكام الفقهية التي إستنبطها علمائنا ومشايخنا الأفاضل من غزوة خيبر ...
🔸️منها : أن أهل الذمة إذا خالفوا شيئاً مما شُرِطَ عليهم ، لم يبق لهم ذمة ، وحلت دماؤهم وأموالهم🔸️ومنها : جواز نسخ الأمر قبل فعله ، فإن النبي ﷺ أمرهم بكسر القدور ، ثم نسخه عنهم بالأمر بِغَسْلِها🔸️ومنها : أن ما لا يُؤكل لحمه لا يظهر بالزكاة لا جلده ولا لحمه ، وأن ذبيحته بمنزلة موته ، وأن الزكاة إنما تعمل في مأكول اللحم🔸️ومنها : أن من أخذ من الغنيمة شيئاً قبل قسمتها لم يملكه ، وإن كان دون حقه ، وأنه إنما يملكه بالقسمة ، ولهذا قال ﷺ في صاحب الشملة التي غلها ( إنَّها تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَاراً ) ، وقال لصاحب الشراك الذي غله ( شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ )🔸️ومنها : أن الإمام مخيّر في أرض العنوة بين قسمتها وتركها ، وقسم بعضها ، وتَرْكِ بعضها🔸️ومنها : جواز التفاؤل بل استحبابه بما يراه أو يسمعه مما هو من أسباب ظهور الإسلام وإعلامه كما تفاءل النبي ﷺ برؤية المساحي والفؤوس والمكاتل مع أهل خيبر ، فإن ذلك فأل في خرابها🔸️ومنها : جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استغني عنهم ، كما قال النبي ﷺ ( نُقِرُّكُم مَا أَقَرَّكُم الله ) ، وقالﷺ لكبيرهم ( كَيْفَ بكَ إِذا رَقَصَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ نَحْوَ الشَّامِ يَوْماً ثُمَّ يَوْماً ) ، وأجلاهم عمر بعد موته🔸️ومنها : جواز عِتق الرجل أمته ، وجعل عتقها صداقاً لها ، ويجعلها زوجته بغير إذنها ، ولا شهود ، ولا ولي غيره ، ولا لفظ ولا إنكاح ولا تزويج ، كما فعل ﷺ بصفيّة. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ نُكمل وإياكم سرد الأحكام الفقهية التي إستنبطها علمائنا ومشايخنا الأفاضل من غزوة خيبر ..
🔸️منها : أن أهل الذمة إذا خالفوا شيئاً مما شُرِطَ عليهم ، لم يبق لهم ذمة ، وحلت دماؤهم وأموالهم🔸️ومنها : جواز نسخ الأمر قبل فعله ، فإن النبي ﷺ أمرهم بكسر القدور ، ثم نسخه عنهم بالأمر بِغَسْلِها🔸️ومنها : أن ما لا يُؤكل لحمه لا يظهر بالزكاة لا جلده ولا لحمه ، وأن ذبيحته بمنزلة موته ، وأن الزكاة إنما تعمل في مأكول اللحم🔸️ومنها : أن من أخذ من الغنيمة شيئاً قبل قسمتها لم يملكه ، وإن كان دون حقه ، وأنه إنما يملكه بالقسمة ، ولهذا قال ﷺ في صاحب الشملة التي غلها ( إنَّها تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَاراً ) ، وقال لصاحب الشراك الذي غله ( شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ )🔸️ومنها : أن الإمام مخيّر في أرض العنوة بين قسمتها وتركها ، وقسم بعضها ، وتَرْكِ بعضها🔸️ومنها : جواز التفاؤل بل استحبابه بما يراه أو يسمعه مما هو من أسباب ظهور الإسلام وإعلامه كما تفاءل النبي ﷺ برؤية المساحي والفؤوس والمكاتل مع أهل خيبر ، فإن ذلك فأل في خرابها🔸️ومنها : جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استغني عنهم ، كما قال النبي ﷺ ( نُقِرُّكُم مَا أَقَرَّكُم الله ) ، وقالﷺ لكبيرهم ( كَيْفَ بكَ إِذا رَقَصَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ نَحْوَ الشَّامِ يَوْماً ثُمَّ يَوْماً ) ، وأجلاهم عمر بعد موته🔸️ومنها : جواز عِتق الرجل أمته ، وجعل عتقها صداقاً لها ، ويجعلها زوجته بغير إذنها ، ولا شهود ، ولا ولي غيره ، ولا لفظ ولا إنكاح ولا تزويج ، كما فعل ﷺ بصفيّة. ❝
❞ أم المؤمنين
(سودة بنت زمعة)
هي ثاني زوجات الرسول محمد، ومن السابقين الأولين في الإسلام. فما سيرة السيدة سودة؟
نسبها ومولدها
وُلدت في مكة في عائلة قرشية، هي سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس، وأمها الشموس بنت قيس ، بنت أخي سلمى بنت عمرو بن زيد أمِّ عبد المطلب، تزوَّجها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمٍّ لها هو: السكران بن عمرو ، وهاجر بها السكران إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وأنجبت منه ابنها عبدالله،ورُوى عن ابن عبّاس قال:
كانت سودة بنت زمعة عند السَّكْرَان بن عَمْرو أخي سهيل بن عمرو فرأت في المنام كأنّ النبيّ أقبل يمشي حتى وطئ على عُنقها، فأخبرت زوجها بذلك فقال: «وأبيك لئن صَدَقَت رؤياك لأموتنّ وليتزَوّجنّك رسول الله»، فقالت: حجرًا وسترًا.
وقال هشام: الحجر تنفي عن نفسها ذاك.
ثمّ رأت في المنام ليلةً أُخرى أنّ قَمَرًا انقضّ عليها من السماء وهي مُضطجعة، فأخبرت زوجها فقال: «وأبيك لئن صَدَقت رؤياك لم ألبث إلا يسيرًا حتى أموت وتزوّجين من بعدي».
فاشتكى السكران من يومه ذلك فلم يلبث إلا قليلًا،ثم رجع بها إلى مكة فمات عنها. فأمست السيدة سودة -رضي الله عنها- بين أهل زوجها المشركين وحيدة لا عائل لها ولا معين؛ حيث أبوها ما زال على كفره وضلاله، ولم يزل أخوها عبد الله بن زمعة على دين آبائه، وهذا هو حالها قبل زواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها.
زواجها من النبي
كان رحيل السيدة خديجة رضي الله عنها مثير أحزان كبرى في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وخاصَّة أن رحيلها تزامن مع رحيل عمِّه أبي طالب -كما سبق أن أشرنا- حتى سُمِّي هذا العام بعام الحزن.
وفي هذا الجو المعتم حيث الحزن والوَحدة، وافتقاد مَنْ يرعى شئون البيت والأولاد، أشفق عليه أصحابه رضوان الله عليهم، فبعثوا إليه خولة بنت حكيم السلمية -رضي الله عنها- امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنه، ورفيقة سودة في الهجرة إلى الحبشة، تسأله أن يتزوج.
وقالت له: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَاكَ قَدْ دَخَلَتْكَ خَلَّةٌ لِفَقْدِ خَدِيجَةَ».
قال: «أَجَلْ أُمُّ الْعِيَالِ، وَرَبَّةُ الْبَيْتِ».
فقالت: «أَلا أَخْطُبُ عَلَيْكَ؟»، قال: «بَلَى أَمَا إِنَّكُنَّ مَعْشَرَ النِّسَاءِ أَرْفَقُ بِذَلِكَ.» فسألها: «وَمَن؟»
قالت: «إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا»
فقال: «وَمَنِ البِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّب؟»
فذكرت له البكر عائشة بنت أبي بكر والثيب سودة بنت زمعة
فقال: «فَاذْكُرِيْهِمَا عَلَيّ».
فلمَّا انتهت عدة سودة خطبتها خولة على النبي
فقالت: «أمري إليك يا رسول الله.»
فقال النبي: «مري رجلا من قومك يزوجك»
فأمَّرت حاطب بن عمرو أخا السكران، فتزوجها.
وكان زواجها في رمضان سنة عشرة من البعثة النبوية، وبنى بسودة بمكّة، ثم بَنَى بعائشة بعد ذلك حين قدم المدينة.
وتعدُّ السيدة سودة أوَّل امرأة تزوَّجها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، وكانت قد بلغت من العمر حينئذٍ الخامسة والخمسين، بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمسين من عمره، ولما سمع الناس في مكة بأمر هذا الزواج عجبوا؛ لأن السيدة سودة لم تكن بذات جمال ولا حسب، ولا مطمع فيها للرجال، وقد أيقنوا أنه إنما ضمَّها رفقًا بحالها، وشفقة عليها، وحفظًا لإسلامها، وجبرًا لخاطرها بعد وفاة زوجها إثر عودتهما من الحبشة، وكأنهم علموا أنه زواج تمَّ لأسباب إنسانيَّة.
وحين حانت الهجرة إلى المدينة المنورة أمر النبي محمد زيد بن حارثة وأبا رافع الأنصاري أن يأخذا أهل بيته ليهاجروا إلى المدينة، فأخذا سودة ومعها فاطمة الزهراء وأم كلثوم بنت محمد وأم أيمن وأسامة بن زيد.
صفات السيدة سودة
وتُطالعنا سيرة السيدة سودة -رضي الله عنها- بأنها قد جمعت ملامح عظيمة وخصالاً طيبة، كان منها أنها كانت معطاءة تُكْثِر من الصدقة،
عُرفت بكرمها، فأرسل إليها عمر بن الخطاب بِغرَارة من دَراهم ففرقتها على الفقراء كلها.
وقد وَهَبَتْ رضي الله عنها يومها لعائشة؛ ففي صحيح مسلم أنها: \"لَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ: يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ\".
وفي ذلك نزلت الأية: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾ سورة النساء الآية.
قالت عنها عائشة: «ما من الناس أحد أحبّ إليّ أن أكون في مِسْلَاخه من سَوْدة؛ إن بها إلا حدّة فيها كانت تسرع منها الفيئة.»
كانتْ مِن العابِداتِ الزَّاهِداتِ؛ ولذلِكَ تمنَّتْ عائِشةُ رضِيَ الله عنها أنْ تَكونَ في مِسْلاخِ سَوْدةَ، أي أن تُصبِحَ كأنَّها هيَ في العِبادةِ.
وقد ضمَّتْ إلى تلك الصفات لطافةً في المعشر، ودعابةً في الرُّوح؛ مما جعلها تنجح في إذكاء السعادة والبهجة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى ابن سعد في طبقاته عن إبراهيم، قال: قالت سودة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صليت خلفك البارحة فركعت بي حتى أمسكتُ بأنفي مخافة أن يقطر الدم. قال: فضحك.
مكانة سودة
وكانت سودة ممن نزل فيها آيات الحجاب، فخرجت ذات مرة ليلًا لقضاء حوائجها وكانت امرأة طويلة جسيمة تفرُعُ النساء جسمًا لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب فعرفها فقال: عرَفناكِ يا سَودَةُ، حِرصًا على أن يَنزِلَ الحجابُ، فنزلت الآيات: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) سورة الأحزاب.
وروت سودة خمسة أحاديث؛ منها في الصحيحين حديث واحد عن البخاري، وروى عنها عبد الله بن عباس، ويحيى بن عبد الله الأنصاري.
فروى لها ابن الزبير أنها قالت: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع أن يحج قال: \"أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه قبل منك\" قال: نعم، قال: فالله أرحم حج عن أبيك».
شهدت سودة غزوة خيبر مع النبي وأطعمها النبي من الغنائم ثمانين وَسْقًا تمرًا وعشرين وَسْقًا شعيًرا، ويقال قمح. وشهدت معه حجة الوداع، واستأذنته أن تصلي الصبح بمنى ليلة المزدلفة فأذن لها، فعن عائشة: «استأذنت سودة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة المزدلفة أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة، يعني ثقيلة، فأذن لها، ولأن أكون استأذنته أحبّ إليّ من معروج به.»
ولم تحج سودة بعدها ولزمت بيتها حتى وفاتها، فكانت تقول: «لا أحج بعدها أبدًا»، وتقول: «حججت واعتمرت فأنا أقر في بيتي، كما أمرني الله عز وجل»، وكانت زوجات النبي يحججن إلا سودة بنت زمعة وزينب بنت جحش، قالتا: «لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وفاتها
توفيت أم المؤمنين سودة بنت زمعة -رضي الله عنها- سنة 54هـ في شوال، بالمدينة المنورة في خلافة معاوية.
#أمهات_المؤمنين
#صفاءفوزي. ❝ ⏤مجموعة من المؤلفين
❞ أم المؤمنين
(سودة بنت زمعة)
هي ثاني زوجات الرسول محمد، ومن السابقين الأولين في الإسلام. فما سيرة السيدة سودة؟
نسبها ومولدها
وُلدت في مكة في عائلة قرشية، هي سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس، وأمها الشموس بنت قيس ، بنت أخي سلمى بنت عمرو بن زيد أمِّ عبد المطلب، تزوَّجها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمٍّ لها هو: السكران بن عمرو ، وهاجر بها السكران إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وأنجبت منه ابنها عبدالله،ورُوى عن ابن عبّاس قال:
كانت سودة بنت زمعة عند السَّكْرَان بن عَمْرو أخي سهيل بن عمرو فرأت في المنام كأنّ النبيّ أقبل يمشي حتى وطئ على عُنقها، فأخبرت زوجها بذلك فقال: «وأبيك لئن صَدَقَت رؤياك لأموتنّ وليتزَوّجنّك رسول الله»، فقالت: حجرًا وسترًا.
وقال هشام: الحجر تنفي عن نفسها ذاك.
ثمّ رأت في المنام ليلةً أُخرى أنّ قَمَرًا انقضّ عليها من السماء وهي مُضطجعة، فأخبرت زوجها فقال: «وأبيك لئن صَدَقت رؤياك لم ألبث إلا يسيرًا حتى أموت وتزوّجين من بعدي».
فاشتكى السكران من يومه ذلك فلم يلبث إلا قليلًا،ثم رجع بها إلى مكة فمات عنها. فأمست السيدة سودة -رضي الله عنها- بين أهل زوجها المشركين وحيدة لا عائل لها ولا معين؛ حيث أبوها ما زال على كفره وضلاله، ولم يزل أخوها عبد الله بن زمعة على دين آبائه، وهذا هو حالها قبل زواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها.
زواجها من النبي
كان رحيل السيدة خديجة رضي الله عنها مثير أحزان كبرى في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وخاصَّة أن رحيلها تزامن مع رحيل عمِّه أبي طالب -كما سبق أن أشرنا- حتى سُمِّي هذا العام بعام الحزن.
وفي هذا الجو المعتم حيث الحزن والوَحدة، وافتقاد مَنْ يرعى شئون البيت والأولاد، أشفق عليه أصحابه رضوان الله عليهم، فبعثوا إليه خولة بنت حكيم السلمية -رضي الله عنها- امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنه، ورفيقة سودة في الهجرة إلى الحبشة، تسأله أن يتزوج.
وقالت له: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَاكَ قَدْ دَخَلَتْكَ خَلَّةٌ لِفَقْدِ خَدِيجَةَ».
قال: «أَجَلْ أُمُّ الْعِيَالِ، وَرَبَّةُ الْبَيْتِ».
فقالت: «أَلا أَخْطُبُ عَلَيْكَ؟»، قال: «بَلَى أَمَا إِنَّكُنَّ مَعْشَرَ النِّسَاءِ أَرْفَقُ بِذَلِكَ.» فسألها: «وَمَن؟» قالت: «إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا» فقال: «وَمَنِ البِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّب؟» فذكرت له البكر عائشة بنت أبي بكر والثيب سودة بنت زمعة
فقال: «فَاذْكُرِيْهِمَا عَلَيّ».
فلمَّا انتهت عدة سودة خطبتها خولة على النبي
فقالت: «أمري إليك يا رسول الله.» فقال النبي: «مري رجلا من قومك يزوجك» فأمَّرت حاطب بن عمرو أخا السكران، فتزوجها.
وكان زواجها في رمضان سنة عشرة من البعثة النبوية، وبنى بسودة بمكّة، ثم بَنَى بعائشة بعد ذلك حين قدم المدينة.
وتعدُّ السيدة سودة أوَّل امرأة تزوَّجها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، وكانت قد بلغت من العمر حينئذٍ الخامسة والخمسين، بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمسين من عمره، ولما سمع الناس في مكة بأمر هذا الزواج عجبوا؛ لأن السيدة سودة لم تكن بذات جمال ولا حسب، ولا مطمع فيها للرجال، وقد أيقنوا أنه إنما ضمَّها رفقًا بحالها، وشفقة عليها، وحفظًا لإسلامها، وجبرًا لخاطرها بعد وفاة زوجها إثر عودتهما من الحبشة، وكأنهم علموا أنه زواج تمَّ لأسباب إنسانيَّة.
وحين حانت الهجرة إلى المدينة المنورة أمر النبي محمد زيد بن حارثة وأبا رافع الأنصاري أن يأخذا أهل بيته ليهاجروا إلى المدينة، فأخذا سودة ومعها فاطمة الزهراء وأم كلثوم بنت محمد وأم أيمن وأسامة بن زيد.
صفات السيدة سودة
وتُطالعنا سيرة السيدة سودة -رضي الله عنها- بأنها قد جمعت ملامح عظيمة وخصالاً طيبة، كان منها أنها كانت معطاءة تُكْثِر من الصدقة،
عُرفت بكرمها، فأرسل إليها عمر بن الخطاب بِغرَارة من دَراهم ففرقتها على الفقراء كلها.
وقد وَهَبَتْ رضي الله عنها يومها لعائشة؛ ففي صحيح مسلم أنها: ˝لَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ: يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ˝.
وفي ذلك نزلت الأية: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾ سورة النساء الآية.
قالت عنها عائشة: «ما من الناس أحد أحبّ إليّ أن أكون في مِسْلَاخه من سَوْدة؛ إن بها إلا حدّة فيها كانت تسرع منها الفيئة.» كانتْ مِن العابِداتِ الزَّاهِداتِ؛ ولذلِكَ تمنَّتْ عائِشةُ رضِيَ الله عنها أنْ تَكونَ في مِسْلاخِ سَوْدةَ، أي أن تُصبِحَ كأنَّها هيَ في العِبادةِ.
وقد ضمَّتْ إلى تلك الصفات لطافةً في المعشر، ودعابةً في الرُّوح؛ مما جعلها تنجح في إذكاء السعادة والبهجة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى ابن سعد في طبقاته عن إبراهيم، قال: قالت سودة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صليت خلفك البارحة فركعت بي حتى أمسكتُ بأنفي مخافة أن يقطر الدم. قال: فضحك.
مكانة سودة
وكانت سودة ممن نزل فيها آيات الحجاب، فخرجت ذات مرة ليلًا لقضاء حوائجها وكانت امرأة طويلة جسيمة تفرُعُ النساء جسمًا لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب فعرفها فقال: عرَفناكِ يا سَودَةُ، حِرصًا على أن يَنزِلَ الحجابُ، فنزلت الآيات: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) سورة الأحزاب.
وروت سودة خمسة أحاديث؛ منها في الصحيحين حديث واحد عن البخاري، وروى عنها عبد الله بن عباس، ويحيى بن عبد الله الأنصاري.
فروى لها ابن الزبير أنها قالت: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع أن يحج قال: ˝أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه قبل منك˝ قال: نعم، قال: فالله أرحم حج عن أبيك».
شهدت سودة غزوة خيبر مع النبي وأطعمها النبي من الغنائم ثمانين وَسْقًا تمرًا وعشرين وَسْقًا شعيًرا، ويقال قمح. وشهدت معه حجة الوداع، واستأذنته أن تصلي الصبح بمنى ليلة المزدلفة فأذن لها، فعن عائشة: «استأذنت سودة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة المزدلفة أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة، يعني ثقيلة، فأذن لها، ولأن أكون استأذنته أحبّ إليّ من معروج به.» ولم تحج سودة بعدها ولزمت بيتها حتى وفاتها، فكانت تقول: «لا أحج بعدها أبدًا»، وتقول: «حججت واعتمرت فأنا أقر في بيتي، كما أمرني الله عز وجل»، وكانت زوجات النبي يحججن إلا سودة بنت زمعة وزينب بنت جحش، قالتا: «لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وفاتها
توفيت أم المؤمنين سودة بنت زمعة -رضي الله عنها- سنة 54هـ في شوال، بالمدينة المنورة في خلافة معاوية.
❞ وفي غزوة خيبر سُمَّ رسولُ الله ﷺ ، أهدت له زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مِشْكَم شاة مشويَّةً قد سَمَّتها ، وسألت : أي اللحم أحبُّ إليه ؟ فقالوا : الذراع ، فأكثرت من السُمّ في الذراع ، فلما انتهش ﷺ من ذراعها ، أخبره الذراع بأنه مسموم ، فلفظ الأكلة ، ثم قال ﷺ ( اجْمَعُوا لي مَنْ ههنا من اليَهُودِ ) ، فجمعوا له ، فقال لهم ( إِنِّي سَائِلُكُم عَن شَيءٍ ، فَهَلْ أَنتُمْ صَادِقِي فيه ؟ ) قالوا : نَعَمْ ، يا أبا القاسم ، فقال لهم رسول الله ﷺ ( مَنْ أَبُوكُم؟ ) قالوا : أبونا فلان ، قال ( كَذَبْتُمْ أَبُوكُم فُلان ) ، قالوا : صدقت وبَرِرْتَ ، قال ﷺ ( هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شيءٍ إِنْ سَأَلْتُكُم عَنْهُ ؟ ) قالوا : نعم يا أبا القاسم ، وإن كذَبْنَاكَ ، عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا ! فقال رسول الله ﷺ ( مَنْ أَهْلُ النَّار ؟ ) فقالوا : نكون فيها يسيراً ، ثم تَخْلُفُوننا فيها ، فقال لهم رسول الله ﷺ ( اخْسَؤوا فيها ، فَوَاللَّهُ لَا نَخْلُفُكُم فيها أَبَداً ) ، ثم قال ﷺ ( هَلْ أَنتُم صَادِقِي عَن شَيْءٍ إِن سَأَلْتُكُم عَنْهُ ؟ ) قالوا : نعم ، قال ( أَجَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمّاً ؟ ) قالوا : نعم ، قال ( فَمَا حَمَلَكُم على ذلكَ ؟ ) قالوا : أردنا إن كنت كاذباً نستريح منك ، وإن كنت نبياً لم يضرك ، وجيء بالمرأة إلى رسول الله ﷺ ، فقالت : أردتُ قتلَكَ ، فقال ﷺ ( ما كان الله لِيُسَلِّطَكِ عَلَيَّ ) ، قالوا : ألا نقتلها ؟ قال ( لا ) ، ولم يتعرض لها ، ولم يُعاقبها ، واحتجم على الكاهل ، وأمر من أكل منها فاحتجم ، فمات بعضُهم ، واُختلف في قتل المرأة ، فقال الزهري: أسلمت ، فتركها ذكره عبد الرزاق ، عن معمر ، عنه ، ثم قال معمر : والناس تقول : قتلها النبي ﷺ ، وقد أُختلف : هل أكل النبي ﷺ منها أو لم يأكل ؟ وأكثر الروايات ، أنه أكل منها ، وبقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى قال ﷺ في وجعه الذي مات فيه ( مَا زِلْتُ أَجِدُ مِن الأكْلَةِ التي أَكَلْتُ مِن الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَر ، فَهَذَا أوانُ انْقِطَاعِ الأبْهَرِ منِّي ) ، قال الزهري : فتوفي رسول الله ﷺ شهيداً. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ وفي غزوة خيبر سُمَّ رسولُ الله ﷺ ، أهدت له زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مِشْكَم شاة مشويَّةً قد سَمَّتها ، وسألت : أي اللحم أحبُّ إليه ؟ فقالوا : الذراع ، فأكثرت من السُمّ في الذراع ، فلما انتهش ﷺ من ذراعها ، أخبره الذراع بأنه مسموم ، فلفظ الأكلة ، ثم قال ﷺ ( اجْمَعُوا لي مَنْ ههنا من اليَهُودِ ) ، فجمعوا له ، فقال لهم ( إِنِّي سَائِلُكُم عَن شَيءٍ ، فَهَلْ أَنتُمْ صَادِقِي فيه ؟ ) قالوا : نَعَمْ ، يا أبا القاسم ، فقال لهم رسول الله ﷺ ( مَنْ أَبُوكُم؟ ) قالوا : أبونا فلان ، قال ( كَذَبْتُمْ أَبُوكُم فُلان ) ، قالوا : صدقت وبَرِرْتَ ، قال ﷺ ( هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شيءٍ إِنْ سَأَلْتُكُم عَنْهُ ؟ ) قالوا : نعم يا أبا القاسم ، وإن كذَبْنَاكَ ، عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا ! فقال رسول الله ﷺ ( مَنْ أَهْلُ النَّار ؟ ) فقالوا : نكون فيها يسيراً ، ثم تَخْلُفُوننا فيها ، فقال لهم رسول الله ﷺ ( اخْسَؤوا فيها ، فَوَاللَّهُ لَا نَخْلُفُكُم فيها أَبَداً ) ، ثم قال ﷺ ( هَلْ أَنتُم صَادِقِي عَن شَيْءٍ إِن سَأَلْتُكُم عَنْهُ ؟ ) قالوا : نعم ، قال ( أَجَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمّاً ؟ ) قالوا : نعم ، قال ( فَمَا حَمَلَكُم على ذلكَ ؟ ) قالوا : أردنا إن كنت كاذباً نستريح منك ، وإن كنت نبياً لم يضرك ، وجيء بالمرأة إلى رسول الله ﷺ ، فقالت : أردتُ قتلَكَ ، فقال ﷺ ( ما كان الله لِيُسَلِّطَكِ عَلَيَّ ) ، قالوا : ألا نقتلها ؟ قال ( لا ) ، ولم يتعرض لها ، ولم يُعاقبها ، واحتجم على الكاهل ، وأمر من أكل منها فاحتجم ، فمات بعضُهم ، واُختلف في قتل المرأة ، فقال الزهري: أسلمت ، فتركها ذكره عبد الرزاق ، عن معمر ، عنه ، ثم قال معمر : والناس تقول : قتلها النبي ﷺ ، وقد أُختلف : هل أكل النبي ﷺ منها أو لم يأكل ؟ وأكثر الروايات ، أنه أكل منها ، وبقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى قال ﷺ في وجعه الذي مات فيه ( مَا زِلْتُ أَجِدُ مِن الأكْلَةِ التي أَكَلْتُ مِن الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَر ، فَهَذَا أوانُ انْقِطَاعِ الأبْهَرِ منِّي ) ، قال الزهري : فتوفي رسول الله ﷺ شهيداً. ❝