ملخص كتاب ❞ هكذا علمتنى الحياة❝ ، بقلم هايدى
الحمد لله الذي قدّر كل شيء فأحسن قدره، وابتلى الإنسان بما يسرّه وما يسوؤه ليُحسن في الحالتين شكره وصبره…
وبعد فهذه خطرات بدأت تسجيلها وأنا في مستشفى المواساة بدمشق في شهر ذي القعدة من عام 1381 للهجرة الموافق لشهر نيسان (إبريل) من عام1962 للميلاد، وكنت بدأت تسجيلها لنفسي حين رأيتني في عُزلة عن الأهل والولد، والتدريس والتأليف، وتلك هي عادتي في السجون والأمراض والأسفار، غير أني فقدت كل ما دونته من قبل، فلما بدأت بتسجيل خواطري في هذه المرّة، وكان يزورني بعض إخواني فيراني مُكبَّاً على الكتابة، أبدى عجبه من أمري، فقد أجمع كل الأطباء الذين يُشرفون على علاجي في بلادنا وفي بلاد الغرب أن من الواجب أن أركن إلى الراحة التامة، فلا أقرأ ولا أكتب، ولا أُشغل بالي بمشكلات الحياة وهمومها، حتى يقدر لي الشفاء من مرض كان سببه الأول – إرهاق الأعصاب بما لا تتحمله، وقد صبرت أعصابي على إرهاقي لها بضع عشرة سنة حتى ناءت بحمل ما أُحمّلها من هموم وأحزان، فكان منها أن أعلنت احتجاجها بإيقافي عن النشاط والعمل إيقافاً تاماً بضعة شهور، ثم استطعت من بعدها أن أعود إلى نشاطي الفكري، حتى إذا دخلت المستشفى أخيراً بعد اشتداد الآلام، كان من المفروض أن أقف مضطراً عن الكتابة، لولا أني وجدت نفسي مسوقاً إلى تسجيل خواطري التي لم يكن لي يد في إيقاف تواردها. وأقربُ ما يكون الإنسان إلى التفكير، أبعد ما يكون عن الشواغل والمزعجات.
فلما رأى مني بعض أصدقائي ذلك، قرأت لهم بعض ما كتبت فاستحسنوه، وكان أمر بعضهم أن أخذ يتردد عليّ يومياً ليسمع ما استجد من خواطري، ثم غادرت المستشفى فتابعت تسجيل هذه الخواطر في فترات متقطعة كانت تدفعني إليها مناسبات الأحداث. إلى أن تجمّع لي منها قدرٍ كافٍ رأيت من الخير الاستجابة إلى رغبات بعض إخواني في نشرها رجاء النفع والفائدة.