█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ إن الإلحاد فكرة جاهلة تستعصي على الفَّهم , خاصة في عصر المعرفة والتخطيط والكشوفات الهائلة , فقد يكون الإلحاد قراراً سياسياً كما في عصر الشيوعية , أو أزمة نفسية عند أقوام لم تسعفهم سكينتهم النفسية بالوصول إلى استقرار وهدوء يسمح لهم بالإيمان, أو مغالطة ذهنية صادرة عن اللامبالاة , وهو مابينهُ القرآن بقول الخالق البديع تعالى " والذينَ كفروا عما أُنذِرُوا مُعرضونَ " الأحقاف:3 , أمَّا أن يكون الإلحاد حُكماً عقليَّا فلا .
ولقد أدركتُ بالتجربة الصغيرة أن من أعظم مهمات الداعية الحقِّ تحبيبَ الله إلى عباده بالقدوة الحسنة, والقول الليِّن, والخلق الكريم, فإن الكثير من النفوس المؤوفة المضطربة تحتاج إلى جرعات سكينة واستقرار, ليعود إليها الإيمان دون كبير جهد . ❝
❞ في قصر فرعون!
أنتِ أيضاً صحابيَّة!
عندكِ شغف رهيب لمعرفة أخبار الأمم السَّابقة،
تجدين في هذا تثبيتاً لقلبكِ،
وتعزيةً لروحكِ،
وتزدادين يقيناً أنَّ هذا الدِّين واحد عند الله،
بدأ بآدم عليه السَّلام وخُتم بمحمدٍ ﷺ!
تختلفُ الشَّرائع، وتتفاوتُ العبادات،
أما الدِّين فواحد لا يتغيَّر عنوانه قول ربِّكِ:
˝إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ˝
وها هو نبيُّكِ وحبيبُكِ ﷺ يَسرجُ لكِ صهوة صوته العذب،
وها أنتِ تمتطين ظهر الكلام،
وتعودين أدراجكِ إلى ماضٍ سحيق لم تعيشيه،
وتطَّلعين على غيبٍ لم تشهديه!
يقولُ لكِ حبيبكِ ومصطفاكِ وقُرَّة عينيكِ:
لم يكذبْ إبراهيم عليه السَّلام إلا ثلاث كذباتٍ
ثنتين في ذات الله!
قوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ˝﴾
وقوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾
وبينما هو ذات يومٍ وسارة
إذ أتى على جبَّارٍ من الجبابرة
فقيل له: إنَّ ها هُنا رجلاً مع امرأةٍ من أحسن الناس،
فأرسلَ إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟
قال: أختي!
فأتى سارة فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيركِ،
وإنَّ هذا سألني فأخبرته عنكِ أنكِ أختي،
فلا تُكذبيني!
فأرسلَ إليهما، فلما دخلتْ عليه ذهبَ يتناولها بيده،
فأُخِذ!
فقال لها: ادعي الله أن يُطلقَ يدي، ولا أضُرّكِ
فدعتْ، فأُطلِقَ!
ثم جاءَ يتناولها الثانية، فأُخِذَ مثلها أو أشدَّ،
فدعا بعض صحبته، فقال:
إنكم لم تأتوني بإنسانٍ، إنما أتيتموني بشيطان!
فأتتْ إبراهيم وهو يُصلي، وقالتْ:
كفَّ الله يدَ الفاجر، وأخدمني هاجر!
والقصّة أيتها الصحابيّة باختصار:
أنَّ إبراهيم عليه السّلام عندما أخرجه قومه من العراق،
توجه بزوجته سارة إلى مصر،
وكانتْ سارة أجمل امرأة في تاريخ البشرية،
حتى ليُقال أن جمال يوسف عليه السلام بعِرْقٍ منها فهي جدَّتُه!
وكان فرعون في ذلك الوقت زير نساء،
لا يرى امرأة جميلة إلا أرادها لنفسه،
وكان قد أمر جنوده إذا رأوا امرأةً جميلة أن يخبروه بها،
فأخبره جنوده بجمال سارة،
فأرسل فرعون إلى إبراهيم عليه السلام يطلبه،
فلما حضر عنده سأله عنها،
فقال له إبراهيم عليه السَّلام: هي أختي!
لأنه يعلمُ أنه لو قال إنها زوجته،
فسيقتله، ويأخذها منه!
ولما حضر إبراهيم وسارة إلى قصر فرعون،
أمر فرعون أن تُحملَ إليه
فلما أراد أن يمدَّ يده عليها تخشَّبتْ يده!
فطلبَ منها أن تدعو الله له أن يفكه ولن يقربها،
لأنه علم أنها وإبراهيم عليه السلام موحدين يعبدون الله،
فدعتْ له، فشُفيَ،
ولكنه حنثَ بوعده، وقام يحاولُ أن يمدَّ يده عليها،
فأصابه أشد مما أصابه في المرّة الأولى،
فنادى على خدمه وأخبرهم أنَّ هذه شيطانة لا إنسانة!
وأمرَ أن يطلقوها ويعطوها هاجر هديةً لها،
فعادتْ إلى إبراهيم عليه السلام وهو يصلي، وأخبرته بالأمر،
وقيل إنَّ الله سبحانه قد كشفَ الحجاب لإبراهيم عليه السلام،
فكان يرى ما يحدث بين فرعون وسارة
تعزيةً لخليله إبراهيم،
وطمأنة لقلبه أن عِرضه مُصان!
يا صحابية،
إنَّ الكذبَ الوارد في القصة ليس هو الكذب الذي تعرفينه،
ذاك الكذب الذي يقلب الحقَّ باطلاً،
وإنما هو إخبار بغير الحقيقة للضرورة،
والإسلام العظيم دين الواقعية والحياة بامتياز،
لذلك أباح الكذب في ثلاثة مواضع!
كذب المسلمُ على أعدائه،
فليس من المنطق أن يأخذ الكفار أسيراً مسلماً،
ويسألوه عن أسرار المسلمين فيخبرهم!
وكذب المسلم لإصلاح ذات البين
فعندما تقعُ الخلافات بين الناس يجب حلَّها،
فإذا وقع بين صديقتيكِ خلاف،
جئتِ إلى صديقة منهما وقلتِ لها:
فلانة تُحبكِ، ونادمة على ما كان منها،
وقد قالتْ عنكِ كلاماً جميلاً،
دعينا لا نتحدث عما حدث، ونصلح الذي كان،
وتقولين للأخرى مثل ذلك وبهذا ينتهي الخلاف،
ولكِ أجر الصلح وليس عليكِ إثم الكذب!
وأباح الإسلام العظيم كذب الرجل على امرأته،
وكذب المرأة على زوجها،
إذا ما تعلَّقَ الأمر بجبر الخواطر، ومراعاة المشاعر،
يقولُ الرجل لزوجته: أنتِ أجمل امرأة في الدنيا،
وهو يعرفُ أنَّ هناك من هي أجمل منها،
وهي تعرفُ كذلك،
ولكن هذا ليس مضمار الحقيقة،
لأن الحقيقة هنا تكسر القلب!
وقد يمدح ثوباً لبسته وهو لا يُعجبه
وتسريحة شعرٍ وهي لا تروق له،
وطبخة جديدة وهو لم يستطِبْها،
وكل هذا داخل في باب جبر الخواطر،
وجبر الخواطر عبادة!
وما يُقال في حق الزوج، يُقال في حق الزوجة أيضاً!
سألَ رجلٌ زوجته إن كانتْ تُحبُّه، وناشدها الله أن تصدقه،
فقالتْ: أما إنكَ ناشدتني الله، فلا أُحبُكَ!
فشكاها إلى عمر بن الخطاب،
فأرسل عُمر في طلبها، وأنَّبها على ما كان منها
فقالتْ له: يا أمير المؤمنين، أتريدني أن أكذب عليه؟!
فقال لها: نعم اكذبي عليه، أَكُلُّ البيوت بُنيت على الحُب،
ألا إنَّ الناس يتعاملون بالمروءة والذمة!
يا صحابية،
صرتِ تعرفين الآن أن ما كان عليه إبراهيم عليه السّلام،
إنما كان من باب حُسن التدبير والحيلة،
وكذلك قوله ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾
كان كي لا يخرج معهم إلى عبادة غير الله،
وقوله ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾
كان من باب إقامة الحُجة عليهم،
وكي يريهم أن هذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله
إنما هي عاجزة لا تضر ولا تنفع!
فلا تكوني فظّة بدعوى أنكِ تقولين الحقيقة!
عند جبر الخواطر ˝الدبلوماسية˝ هي المطلوبة،
وعندما تقع الخلافات كوني رسول خير،
ولا تمشي بالنميمة بين المتخاصمين، فتصبين الزيت على النار
وتذكري: لا يدخل الجنة نمَّام!
يا صحابية،
من أرادتْ العِفَّة عفَّها الله،
إنَّ الله أعدل من يراك تطلبين الستر فيفضحك،
وأجلَّ من أن تطلبي الخير فيوقعكِ في الشَّر،
أصلحي قلبكِ ونيّتكِ ثم اتركيها على الله،
كل الأسباب بيده سبحانه،
شُلَّتْ يد فرعون لأنها امتدتْ إلى امرأة عفيفة،
فكوني مع الله يكُنْ معكِ!
يا صحابية،
الجمال، المال، والمنصب نِعَم يجب أن تُصان،
الجمال يُصان بستره وعدم كشفه إلا لصاحبه،
والمال يُصان بالحمد ومساعدة الفقراء،
والمنصب يُصان بخدمة الناس،
كوني جميلة، واهتمي بأنوثتكِ،
ضعي مساحيق التجميل،
والبسي أجمل الثياب،
واستخدمي أجمل العطور،
ولكن في موضعها، موضعها فقط!
تعلمي، واحصلي على الشهادات، وتاجري إن شئتِ،
كوني ثرية ولكن دون كبر وكفران النعمة!
وانجحي في وظيفتكِ، واسعي لمنصب أعلى،
ولكن لا تنسي أبداً أنَّ الذي رفعكِ،
قادرٌ على أن يُنزلكِ بدعوة مظلوم!
يا صحابية،
مهما كنتِ جميلة وثرية وناجحة،
كوني دوماً في كنف زوجكِ،
ولا تتكبري عليه، أو تنتقصي من رجولته!
ما هذا دأبُ الصالحات، ولا أخلاقهُنَّ،
مهما بلغتِ من الجمال فلن تصلي إلى جمال سارة،
وقد كانت في كنف إبراهيم عليه السلام،
زوجة مُحبَّة، ورفيقة درب!
ومهما بلغتِ من الثراء
فلن تصلي إلى ثراء خديجة رضي الله عنها
وقد جعلتْ كل مالها في يد زوجها،
وأعطته حين حرمه الناس،
وصدقته حين كذَّبه الناس،
وآمنتْ به حين كفرَ به الناس!
مالكِ لكِ لا شكَّ،
وهذا حقكِ الذي لا يجادلك فيه أحد،
ولكن البيوت التي يكون فيها جيبان،
وهذا لكَ وهذا لي،
العيشُ فيها لا يُطاق! . ❝
❞ تأثير لا إله إلا الله عند الموت
قال الإمام إبن القيّم رحمه الله :
لشهادة { أن لا إله إلا الله } عند الموت تأثير عظيم في تكفير السيئات و إحباطها ؛ لأنّها شهادةٌ من عبد موقن بها عارف بمضمونها ، قد ماتت منه الشهوات و لانت نفسه المتمرّدة ، و انقادت بعد إبائها و استعصائها و أقبلت بعد إعراضها و زالت بعد عِزِّها ، و خرج منها حرصها على الدنيا و فضولها ، و استُذِلَّت بين يدي ربّها و فاطرها و مولاها الحقّ أَذَلَّ ما كانت و أَرجَى ما كانت لعفوه و مغفرته و رحمته .
و تجرّد منها التّوحيد بانقطاع أسباب الشّرك و تحقق بطلانه ، فزالت منها تلك المنازعات التي كانت مشغولةً بها ، و اجتمع همُّها على من أيقنت بالقُدوم عليه و المصير إليه ، فَوَجَّهَ العبد وَجهَهُ بِكُلِّيَّتِه إليه ، و أقبل بقلبه و روحه و همّه عليه ، فاستسلم وحده ظاهراً و باطناً ، و استوى سرُّه و علانيّتُه فقال لا إله إلا الله مُخلصًا من قلبه ، و قد تخلّص قلبه من التعلّق بغيره و الإلتفات إلى ما سواه .
قد خرجت الدنيا كلّها من قلبه و شارف القدوم على ربه ، و خمدت نيرانُ شهوته ، و امتلأ قلبه من الآخرة فصارت نصب عينيه ، و صارت الدنيا وراء ظهره ، فكانت تلك الشّهادةُ الخالصةُ خاتمة عمله ، فطهّرته من ذنوبه ، و أدخلته على ربّه ، لأنّه لقي ربّه بشهادةٍ صادقةٍ خالصةٍ ، وافق ظاهرها باطنها و سرُّها علانيّتها .
فلو حصلت له الشّهادة على هذا الوجه في أيّام الصّحّة لاستوحش من الدنيا و أهلها ، و فَرَّ إلى الله من النّاس ، و أنس به دون ما سواه ، لكنّه شهد بها بقلبٍ مشحونٍ بالشّهوات و حُبِّ الحياة و أسبابها و نَفسٍ مملوءةٍ بطلبِ الحُظوظ والإلتفات إلى غير الله ، فلو تجرّدت كتجرّدها عند الموت لكان لها نبأٌ آخرٌ و عيشٌ آخرٌ سوى عيشها البهيمي !
و الله المستعان ˝
[ الفوائد ] . ❝
❞ سألت نفسي عن أسعد لحظة عشتها .. ؟؟
ومـر بخاطري شريط طويل من المَشاهِد ..
لحظة رأيت أول قصة تُنشر لي، ولحظة تخرجت من كلية الطب، ولحظة حصلت على جائزة الدولة في الأدب ..
ونشوة الحــب الأول و السفـر الأول والخروج إلى العالَم الكبير متجوِلًا بين ربوع غابات إفريقيا العذراء، وطائراً إلى ألمانيا وإيطاليا والنمسا وسويسرا وإنجلترا وفرنسا وأمريكا ..
ولحظت قبضت أول ألف جنيه .. ولحظة وضعت أول لبنة في المركز الإسلامي بالدقي ..
إستعرضت كل هذه المَشاهد وقلت في سِري .. لا .. ليست هذه ..
بل هي لحظة أخرى ذات مساء من عشرين عامًا إختلط فيها الفرح بالدمع بالشكر بالبهجة بالحبور حينما سجَدتُ لله فشعرت أن كل شيء في بدني يسجد ..
عظامي تسجد .. أحشائي تسجد .. عقلي يسجد .. ضميري يسجد .. روحي تسجد ..
حينما سَكَت داخلي القلق، وكَفَّ الإحتجاج، ورأيت الحكمة في العذاب فارتضيته، ورأيت كل فعل الله خير، وكل تصريفه عدل، وكل قضائه رحمة، وكل بلائه حب ..
لحظتها أحسست وأنا أسجد أني أعود إلى وطني الحقيقي الذي جئت منه وأدركت هويّتي وانتسابي وعرفت مَن أنا .. وأنه لا أنا .. بل هو .. ولا غيره ..
إنتهى الكِبر وتبخر العِناد وسَكَن التمرد وانجابت غشاوات الظلمة وكأنما كنت أختنق تحت الماء ثم أخرجت رأسي فجأة من اللُجّة لأرى النور وأشاهد الدنيا وآخذ شهيقًا عميقًا وأتنفس بحرية وانطلاق .. وأي حرية .. وأي انطلاق ..
يا إلهي .. لكأنما كنت مبعَدًا منفيّاً .. مطرودًا أو سجينًا مكبلًا معتقلًا في الأصفاد ثم فُكَ سجني .. وكأنما كنت أدور كالدابة على عينيها .. حجاب ثم رُفِع الحجاب .
نعم .. لحظتها فقط تحررت .
نعم .. تلك كانت الحرية الحقّة .. حينما بلغت غاية العبودية لله .. وفككت عن يديَّ القيود التي تقيدني بالدنيا وآلهتها المزَيفة .. المال والمجد والشهرة والجاه والسلطة واللذة و الغَلَبة والقوة ..
وشعرت أني لم أعد محتاجًا لأحد ولا لشيء لأني أصبحت في كنَف مَلِك الملوك الذي يملك كل شيء .
كنت كفَرخْ الطَير الذي عاد إلى حضن أمه ..
كانت لحظة ولكن بطول الأبَد .. تأبدت في الشعور وفي الوجدان وألقَت بظلِها على ما بقيَ من عمر ولكنها لم تتكرر ..
فما أكثر ما سجدت بعد ذلك دون أن أبلغ هذا التَجَرُد والخُلوص .. وما أكثر ما حاولت دون جدوى .. فما تأتي تلك اللحظات بجهد العبد .. بل بفضل الرب ..
وإنما هو الذي يتقرب إلينا وهو الذي يتحبب إلينا .. وما نتعرف عليه إلا به .. وما نعبده لحظة تمام العِبادة إلا بمعونته .. وما ندخل عليه إلا بإذنه .. فهو العزيز المنيع الجناب الذي لا يُدخَل إليه بالدعاوَى و الأقاويل .
ولقد عرفت آنذاك أن تلك هي السعادة الحقّة .. وتلك هي جنة الأرض .. التي لا يساويها أي كسب مادي أو معنوي .
يقول الله لنبيه عليه الصلاة والسلام .. { واسجد واقترب } العَلَق – 19 .
صدق الله العظيم ..
وما كل ساجدٍ بمقترِب إلا إذا خلع النعلين .. فألقى بالدنيا وراءه ثم ألقى بنفسه خلفها .. ودخل مسَلِّم القلب .. عريان المشاعر .. خاشع الفؤاد .. ساجد الأعضاء ..
حينئذٍ يكون القرب .. وتكون السجدة .
ولَكَم أتمنى أن اعاوِد تلك السجدة ... أو تعاودني تلك السجدة ..
ويتفضَل عليَّ الله بالقرب، ويأذن لي بالعبادة حق العبادة .. وأقول في نفسي أحيانًا .. لعلّي لم أعد أخلَع النعلين كما يجب وكما يليق بجلال المقام الأسمَى ..
ولعل الدنيا عادت فأخذتني في دوامتها، وعاد الحجاب فانسدَل على العينين، وعادت البشرية فناءت بثقلها وكثافتها على النفس الكليلة ..
ولكني لا أكُف عن الأمل .. وأسأل الله أن يشفع الأمل بالعمل .. سبحانه وَسِعَتْ رحمته كل شيء .
**************
من كتاب / السؤال الحائر
للدكتور / مصطفى محمود ( رحمه الله ) . ❝
❞ الدكتور عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
مقالة:
الإمام ابن أبي ذئب[1]
الحمد لله الذي أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ بِه المرسلينَ فقالَ جلَّ من قائل: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾[الحجر: 94]، والصَّلاة والسَّلام على إمام المرسلين، الصَّادق الأمين الناطق بالحق المبين القائل: ˝أفضلُ الجهادِ كلمةُ عدلٍ عند سلطان جائرٍ˝[2]، أمَّا بعد:
فهذه مقتطفات من أخبار علمٍ من أعلام الأمَّة، وعالمٍ من علمائها، وأمام من أئمَّتها، إمام عالم جمع بين العلم وقول الحقِّ والشجاعة، حتَّى شهدَ له أقرانه ومن بعدهم بأنَّه إمام وقته، وتناقل الأئمَّة أخباره، حتَّى صار مثلا يُقتدى به في العلم وقول الحق، وهو: ˝الإمام ابن أبي ذئب˝ هذا الإمام الذي غفل عن ذكره أهل العلم، حتَّى نسيه العامَّة، وهو الذي لا يهاب الملوك، حتَّى هابته الملوك، فأردت أن أكتب هذه المقالة فيها شيء من أخبار هذا الإمام الجليل، إحياءً لذكره وتشريفًا له، ولكي نقتبس من أخباره الدروس والعبر.
ترجمة الإمام ابن أبي ذئب:
يقول الحافظ أبو سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبْر الرَّبعي: اسم ابن أبي ذئب: هشام بن شعبة بن عبد الله بن أبي قيس بن عُبدُ وَدّ بن (نصر) أو (مضر) بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لؤي[3]فقيه أهل المدينة[4] وزاهدهم[5].
وأمُّه: بريهة بنت عبدالرَّحمن بن الحارث بن أبي ذئب[6].
قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: كان ابن أبي ذئب رجلًا صالحًا قوَّالًا بالحقِّ، وكان يُشبَّهُ بسعيد بن المسيَّب، وكان قليل الحديث[7].
وقال الحافظ أبو سليمان[8]: وُلد ابن أبي ذئب في المحرَّم من سنة إحدى وثمانين[9]، ومات بالكوفة[10]، ودفن بها سنة تسع وخمسن ومائة[11].
من أخبار ابن أبي ذئب:
1 - قال الحافظ أبو سليمان بسنده إلى أبي نعيم، قال: حججتُ سنة حجَّ أبو جعفر[12]، وأنا ابن إحدى وعشرين سنة، ومعه ابن أبي ذئب، ومالك بن أنس[13]، فدعا ابن أبي ذئب، فأقعده معه على دار الندوة عند غروب الشمس، فقال له: ما تقول في الحسن بن زيد بن الحسن بن فاطمة[14]؟
قال: أما إنَّه يتحرَّى العدل.
قال: فما تقول فيَّ مرَّتين أو ثلاثًا؟
قال: وربِّ هذه البنية إنَّك لجائر.
قال: فأخذ الربيع[15] بلحيته.
فقال أبو جعفر: كُفَّ يا بن اللَّخناء[16]، وأمر له بثلاثمائة دينار.
2 - وقال ابن أبي فُديك[17] قال: سمعت ابن أبي ذئب يحدِّث سفيان الثوري[18] قال لأبي جعفر: أنا لك خير من ابنك المهدي[19].
فقال سفيان: سبحان الله، وحلَّ لك أن تقول: المهدي.
فقال ابن أبي ذئب: كلُّنا مهديٌّ هدانا الله عزَّ وجلَّ.
3 - وقال الإمام أحمد بن حنبل[20]: كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند السلطان، فيسكت مالك ويتكلَّم ابن أبي ذئب، ولقد دخل على أبي جعفر فصدقه فأمر له بشيء فلم يقبله.
4 - قال الحافظ أبو سليمان بسنده إلى داود ابن أبي العباس، عن أبيه، عن جدِّه قال: بعث بي المنصور إلى ابن أبي ذئب أسأله عن مسألة فقال: ما هي؟ فذكرها له، فقال: لا يراني الله عزَّ وجلَّ أُفتي جبَّارا مثله في مسألة فيها ضرر على المسلمين.
قال فرجعت إلى المنصور مغضبا، فعرف في وجهي.
فقال: لقد جئت بغير الوجه الذي ذهبت به.
فقلت: تبعث بي إلى مجنون؟ وأخبرته.
فقال المنصور: الذي لقيته أنا منه العام في الطواف أشد من هذا، كنت في شوق إلى أن أراه، فبين أنا أطوف إذا قال لي المسيَّب[21]: أليس كنت تسأل عن ابن أبي ذئب؟ فقلت: بلى، فقال: هو ذا يطوف، فأتيته فقلت: السلام عليكم ورحمة الله، وناولته يدي، فبرق عينيه في وجهي وقال: من أنت؟ فلقد أخذت يدي أخذ جبَّار، قلت: أو ما تعرفني؟ قال: لا، قلت: أنا أبو جعفر المنصور، قال: فجذب يده من يدي وقال: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولهُ ﴾ [المجادلة: 22]، قال: قلت: يا أمير المؤمنين ما صنعت به؟ قال: ما عسيتُ أن أفعل برجل اللهُ في قلبه عظيم.
5 - وقال الإمام الشافعي[22]: قدمَ أبو جعفر المنصور المدينة حاجًّا فأتته الوفود من كلِّ بلد يشكون إليه الأمراء، فأتاه أهل اليمن يشكون معن بن زائدة[23]، وأتاه بنو أبي عمرو الغفاري من أهل المدينة يشكون أميرهم الحسن بن زيد[24]، فقال وفد اليمن لأبي جعفر المنصور، وقد أُحضر ابن أبي ذئب والعلماء فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنَّ معن بن زائدة قد تعدَّى علينا وأساء فينا السيرة، وقد رضينا بابن أبي ذئب، فقال له أبو جعفر: ما تقول في معن بن زائدة؟
قالا: قولي فيه وعلمي به أنَّه عدوُّ الله، يقتل المسلمين بغير حق والمعاهدين، ويحكم بغير ما أُنزلَ، ويُفسد العباد والبلاد.
قال: ثمَّ تقدَّم الغفَّاريون يشكون الحسن بن زيد وسيرته فيهم وقالوا: قد رضينا بان أبي ذئب، فأطبق عليه ابن أبي ذئب وذكره بسوء.
فقال الحسن بن زيد: يا أمير المؤمنين، ذكرني بما قد ذكر فإن رأى أمير المؤمنين أن يسأله عن حال أمير المؤمنين عنده؟ فقال أبو جعفر: ما تقول فيَّ يا ابن أبي ذئب؟
فقال: اعفني.
قال: قد عزمت عليك.
قال: اعفني.
قال: لست أفعل.
قال: فبكى ابن أبي ذئب، ثمَّ قال: تسألني عن نفسك، أنت أعلم بنفسك مني، وما عسى أن أقول فيك ممَّا فيك، أنت والله الرجل الذي أمْرَرَ على المسلمين أمرهم، ظلمتهم، واعتديت عليهم، وسفكت الدماء الحرام، وأخذت الأموال من غير حلِّها ووضعتها في غير حقِّها، وأهلكت المسلمين، والفقراء، واليتامى، والمساكين.
قال محمد بن إبراهيم[25] وبين يدي أبي جعفر عمود، فجمع الناس عليهم ثيابهم مخافة أن يتلطَّخ عليهم من دمه ودماغه، فلم يهجه بشيء وانصرف النَّاس، فقال عمٌّ لأبي جعفر: يا أمير المؤمنين، إنَّ هذا المجلس قد حضره أهل الآفاق وينصرفون إلى البلاد فيُخبرون بما كان إلى أمير المؤمنين من الجرأة، فلو قتلت هذا الكلب لئلَّا يجترئ عليك غيره من الناس.
فقال له أبو جعفر: ويحك، هذا رجل قد بلغت منه صعوبة العبادة، وقد سمع الحديث: ˝إنَّ أفضلَ الجهاد كلمة عدل قالها عند سلطانٍ جائر يُقتل عليها˝[26]، فطمع أن أقتله، أفيراني أقتله وأريحه ممَّا هو فيه من صعوبة العبادة؟ ولا والله ما أهيجه أبدا حتَّى أموت أو يموت.
6 - وقال محمد بن إبراهيم الإمام: حضرت أبا جعفر المنصور بالمدينة وعنده ابن أبي ذئب، فقال له أبو جعفر المنصور: يا ابن أبي ذئب أخبرني بحالات النَّاس.
فقال: يا أمير المؤمنين؛ هلك النَّاس، وضاعت أمورهم، فلو اتَّقيت الله فيهم، وقسمت فيئهم فيهم؟
فقال: ويلٌ لك يا ابن أبي ذئب، لولا ما بعثنا بذلك الفيء من البعوث وسددنا به الثغور لأُتيت في منزلك وأُخذت بعنقك وذُبحت كما يُذبح الجمل.
فقال ابن أبي ذئب: يا أمير المؤمنين، قد بعث البعوث وسدَّ الثغور وقسم فيئهم فيهم غيرك.
قال: ويلك؛ ومن ذلك؟
قال: عُمر ابن الخطَّاب؛ فأطرق أبو جعفر إطراقة، ثمَّ رفع رأسه فقال: إنَّ عمر ابن الخطَّاب رحمه الله عمل لزمان وعملنا لزمان.
فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ الحقَّ لا تنقله الأزمان عن مواضعه ولا تغيُّره عن وجه.
قال: أحسبك يا بن أبي ذئب طعَّانا على السلطان.
قال: لا تقل ذاك يا أمير المؤمنين، فَوَالَّذي يُمسك السماء أن تقع على الأرض إلَّا بإذنه لصلاحُكَ أحبُّ إليَّ من صلاح نفسي، وذاك أنَّ صلاحي لنفسي لا يعدوها، وصلاحك لجميع المسلمين.
قال: فأطرق أبو جعفر وإنَّ المسيب والحرس قيامٌ على رأس أبي جعفر بأيديهم السيوف المسلَّلة.
قال: ثمَّ رفع رأسه وقال: من أراد أن ينظر إلى خير أهل الأرض اليوم، فلينظر إلى هذا الرجل، وأومأَ إلى ابن أبي ذئب.
7 - وقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: بَلَغَ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَأْخُذْ بِحَدِيْثِ: البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ، فَقَالَ: يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَوْرَعُ وَأَقْوَلُ بِالحَقِّ مِنْ مَالِكٍ[27].
وصلَّى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم والحمد لله ربِّ العالمين.
------------------------------
الهامش
[1] الاعتماد الأوَّل بعد الله تعالى هو: كتاب الحافظ أبي سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبْر الرَّبعي (298 - 379 هـ): الجزء فيه من أخبار ابن أبي ذئب، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ثمَّ بقيَّة المصادر.
[2] أخرجه أبو داود (4344)، والترمذي واللفظ له (2174)، وابن ماجه (4011).
[3] تاريخ بغداد 297/2، وتهذيب الكمال 630/25.
[4] نسب قريش ص 423 - جمهرة أنساب العرب ص 168.
[5] انظر ترجمته في الطبقات الكبير 558/7 - وتاريخ ابن معين 525/2 - ونسب قريش ص 423 - وطبقات خليفة ص 273 - وتاريخ خليفة ص 469 - والتاريخ الكبير 152/1 - والتاريخ الأوسط 102/2 - والمعارف لابن قتيبة ص 485 - وجمهرة نسب قريش وأخبارها 936/2 - والمعرفة والتاريخ 146/1.
[6] نسب قريش ص 423 - جمهرة نسب قريش وأخبارها 936/2 - وتاريخ بغداد 297/2 - تهذيب الكمال 630/25.
[7] مسند ابن الجعد 1021/2 - وتاريخ بغداد 298/2 - وتهذيب الكمال 635/25 - وسير أعلام النبلاء 465/7.
[8] سبقت ترجمته في الباب رقم 1.
[9] تاريخ مولد العلماء ص 83 - ورجال صحيح البخاري 663/2 - و)جمهرة أنساب العرب 168.
[10] الطبقات الكبير 563/8.
[11] تاريخ الخليفة ص 429 - ورجال صحيح البخاري 663/2 - وجمهرة انساب العرب 168.
[12] أبو جعفر: هو أو جعفر المنصور الهاشمي العباسي ثاني خلفاء بني العباس ولد سنة 95 هـ وتوفي سنة 179 هـ، ينُظر في ذلك: سير أعلام النبلاء 83/3، والأعلام 117/40.
[13] مالك ابن أنس: هو أبو عبدالله الأصبحي الحميري إمام دار الهجرة ولد سنة 93 هـ، وتفي سنة 158 هـ، ينظر في ذلك: سير أعلام النبلاء 48/8.
[14] الحسن وهو: ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبو محمد الهاشمي أمير المدينة ولد 83 هـ، وتفي 168 هـ، يُنظر في ذلك: الأعلام 191/2.
[15] الربيع: هو ابن يونس محمد، أبو الفضل الأموي مولاهم، الوزير والحاجب الكبير للخليفة أبي جعفر المنصور العباسي، ولد سنة 111 هـ، وتوفي سنة 169 هـ؛ يُنظر في ذلك: سير أعلام النبلاء 335/7 - والأعلام 15/3.
[16] اللخناء: التي لم تختن، وقيل: اللخن النتن، ينظر في ذلك: لسان العرب مادة لخن.
[17] ابن أبي فديك: هو محمد بن إسماعيل بن مسلم، أبو إسماعيل الديلمي مولاهم المدني، الإمام المحدث، المتوفي سنة 200 هـ. يُنظر في ذلك: سير أعلام النبلاء 486/9.
[18] سفيان الثوري: هو ابن سعيد بن مسروق، أبو عبد الله الثوري الكوفي، شيخ الإسلام إمام الحفَّاظ، وسيِّدُ العلماء العاملين في ومانه، ولد سنة 97 هـ، وتوفي 161 هـ. يُنظر في ذلك: سير أعلام النبلاء 229/7.
[19] المهدي: هو الخليفة محمد بن الخليفة أبي جعفر المنصور، ولد سنة 127 هـ، توفي سنة 169 هـ؛ يُنظر في ذلك: سير أعلام النبلاء 400/7.
[20] أحمد بن حنبل: هو ابن محمد أبو عبد الله الشيباني، الإمام حقًّا وشيخ الإسلام صدقا إمام أهل السنَّة، ولد سنة 164، توفي سنة 241؛ يُنظر في ذلك: سير أعلام النبلاء 177/11.
[21] المسيب: هو ابن زهير بن عمرو، أبو مسلم الضبي، كان قائدا شرطة المنصور والمهدي، ولد سنة 100 هـ، وتوفي سنة 175 هـ؛ ينظر في ذلك: الأعلام 225/7.
[22] الشافعي: وهو محمد بن إدريس بن العباس، أبو عبد الله القرشي المطلبي الشافعي فقيه الملة وعالم عصره، ولد سنة 150 هـ، وتوفي سنة 204 هـ؛ يُنظر في ذلك: سير أعلام النبلاء 5/10.
[23] معن هو ابن زائدة بن عبد الله الشيباني، أمير العرب، توفي سنة 152 هـ؛ يُنظر في ذلك: سير أعلام النبلاء 97/7، والأعلام 237/3.
[24] تقدَّمت ترجمته في رقم 12.
[25] هو محمد بن إبراهيم الإمام، أمير عباسيٌّ هاشميٌّ وُلِّي إمارة الحج أيام الخليفة أبي جعفر المنصور، توفي سنة 185؛ ينظر في ذلك: الأعلام 293/6.
[26] الحديث عن أبي داود 4344 من غير ˝يقتل عليها˝.
[27] قال الإمام الذهبي في السير (7/ 142 - 143) عند ترجمة ابن أبي ذئب - وقد رواه عنه أيضًا تلميذه حربٌ الكرمانيُّ في ˝مسائله˝(ص/481)؛ فقال: سمعته؛ يقول: ˝بلغ ابن أبي ذئب أنَّ مالك بن أنسٍ؛ قال: ليس البيِّعان بالخيار؟ فقال ابن أبي ذئب: يستتاب مالك، فإن تاب وإلاَّ ضربت عنقه.˝
وكذا هو عند ابن مفلح في ˝المقصد الأرشد˝(2/306) وابن أبي يعلى في ˝طبقات الحنابلة˝(2/56) عن عمر بن محمَّد بن بكَّار القلافلائيِّ أبي جعفرٍ حدَّث بمسائل أبي إسحاق إبراهيم بن هانىء النَّيسابوريِّ؛ قال: سمعت أبا عبد الله؛ يقول: فذكره.
وأيضًا من رواية الفضل بن زياد أبو العبَّاس القطَّان البغداديُّ عنه كما في ˝المقصد الأرشد˝(2/312) عن أبي بكرٍ الخلاَّل.
وفي روايةٍ عن ابنه عبد الله كما في ˝العلل˝(1275)؛ قال: سمعته؛ يقول: ˝قالوا لابن أبي ذئب: إنَّ مالكا؛ يقول: ليس البيِّعان بالخيار، فقال ابن أبي ذئب: هذا خبر موطوء في المدينة. قال أبي: وكان مالك؛ يقول: ليس البيِّعان بالخيار. سمعت أبي؛ يقول: قال ابن أبي ذئب: يستتاب مالك فإن تاب، وإلاَّ ضربت عنقه.
وأخرجه الفسويُّ في ˝المعرفة والتَّاريخ˝(1/686) ومن طريقه الخطيب البغداديُّ في ˝تاريخه˝(3/515) وابن أبي يعلى في ˝طبقاته˝(1/251) عن الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل؛ قال: بلغ ابن أبي ذئب أنَّ مالكا لم يأخذ بحديث البيِّعين بالخيار؛ قال: يستتاب وإلاَّ ضربت عنقه. ومالك لم يرد الحديث ولكن تأوَّله على غير ذلك.
وقد ذكرها أيضًا الإمام الذَّهبيُّ في ˝تذهيب التَّهذيب˝(8/190).
وأخرجه أيضا الإمام أبو إسماعيل الأنصاريُّ الهرويُّ في ˝ذم الكلام˝(885)؛ قال: أخبرنا محمَّد بن موسى، حدَّثنا محمَّد بن يعقوب، حدَّثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل، سمعت أبي؛ يقول: قيل لابن أبي ذئب: مالك بن أنس؛ يقول: ليس البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا. فقال: يستتاب مالك؛ فإن تاب وإلاَّ ضربت عنقه.
قلت: فمدار هذه الرِّواية ـ كما رأينا آنفًا ـ هي فقط على الإمام أحمد، ومنه اشتهرت بواسطة تلامذته: الفضل بن زياد وحربٌ الكرمانيُّ وابن هانئ النَّيسابوريُّ وابنه عبد الله؛ وهؤلاء جميعهم أئمَّة ثقات أثبات. إلاَّ أنَّ علَّتها الانقطاع كما هو ملاحظٌ فيها؛ فالإمام أحمد لم يسندها، ولعلَّها لم تصح كما قال ذلك الذَّهبيُّ في السِّير، ولكنَّ الناظر إلى نمط حياة ابن أبي ذئب وشجاعته وقوله للحق لا يستغرب ذلك . ❝