█ _ أدهم شرقاوي 2022 حصريا كتاب أنتِ أيضا صحابية عن كلمات للنشر والتوزيع 2024 صحابية: أنت الحضن الحنون الذي نأوي إليه هاربين من مشقة الحياة الكتف لا نستغني الإتكاء عليه رغم رقته! العكاز الإستناد نعومته! مصنع الرجال مهد الأبطال! لست ضلعا قاصراً أبداً مخلوقاً ضعيفاً يستحق الشفقة أنت نصف المجتمع التي تلدين تربين النصف الآخر كل رجل جاء إلى الدنيا كان يوماً جنيناً بطنك يأكل صحتك عافيتك ملك أو زعيم مفكر ثري ناجح قطعة لحم صغيرة بين يديك نبي ربيتيه صنعتيه عظيم فارفعي رأسك عالياً! المرأة والإسلام مجاناً PDF اونلاين هذا القسم يتحدث وحقوقها وكيف كرمها الإسلام وأعطاها مكانة عالية لم تكن عليها قبل
❞ أعمالٌ منزليّة!
أنتِ أيضاً صحابيّة!
تريدين أن تدخلي بيوت أخواتكِ الصحابيات،
كي تشاهدي حياتهنَّ عن قُربٍ!
فلطالما سألتِ نفسكِ: كيف هي أيامهُنَّ؟
أتراهُنَّ يُشبهننا، أيعملن، ويطبخنَ، ويكنسنَ؟
أكانت تدور بينهن وبين أزواجهنَّ تلك الأحاديث التي
تدور في بيوتنا اليوم؟
وها أنتِ على موعد لدخول منزلٍ كان النبيُّ ﷺ يُحبُّه
وكان كثيراً ما يأتيه زائراً، ومتفقداً، ومتحبباً
أنتِ الآن في بيت فاطمة الزهراء سيدة أهل الجنَّة،
فاطمة تشكو إلى زوجها علي بن أبي طالب،
شدة تعبها، وكثرة إرهاقها من عملها في البيت،
هي الآن تخبره كيف جرَّتْ بالرَّحى حتى أثَّرتْ في يدها،
وكيف استقتْ بالقِربة حتى أثَّرتْ في عُنقها،
وكيف كنستْ البيت حتى اغبرَّتْ ثيابها!
فقال لها: لقد جيء لأبيكِ بسبي
فلو ذهبتِ إليه وسألتهِ خادماً!
فذهبتْ فاطمة إلى النبيِّ ﷺ فوجدتْ عنده أُناساً،
فلم تُحدثه بحاجتها أمامهم،
ولكنها أخبرتْ عائشة بسبب مجيئها،
وعادت إلى بيتها،
فلما انتهى النبيُّ ﷺ مما كان فيه،
أخبرته عائشة بتعب فاطمة من عمل البيت،
وطلبها خادماً، فذهبَ إلى بيتها ﷺ،
وكانتْ وزوجها قد أخذا مضجعهما للنوم،
فاستأذن، ثم دخل عليهما وقال ﷺ:
ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟
إذا أتيتما مضجعكما فكبِّرا ثلاثاً وثلاثين،
وسبِّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين
فهو خير لكما من خادم!
يا صحابيَّة،
هذه سيدة نساء أهل الجنة،
تطحنُ الحبوب بالرحى حتى يُؤثر ذلك في يدها،
وتستقي الماء وتحمله في القِربة حتى تجد أثرها في رقبتها،
وتكنسُ بيتها حتى تتسخ ثيابها من هذا،
فهل انتقص بهذا قدرها عند زوجها، أو أبيها، أو ربها
فلا تستمعي لهذه الأصوات الناعقة التي تريد هدم البيوت،
والتي تُصور عمل المرأة في بيتها كأنه نوع من الرق،
هؤلاء يحاولون باسم الحرية أن يمزقوا الأسرة!
ويحاولون باسم المساواة أن يرموا الأولاد في الشارع!
أين العبودية في أن تعمل المرأة في بيتها؟!
وأين الرق في أن تطبخ لأولادها وزوجها؟!
وأين الامتهان في أن ترعى مصالح أسرتها؟!
لم تكن فاطمة ممتهنة وهي تطحن الحب لتطبخه،
ولم تكن مهانة وهي تحضر الماء لبيتها،
ولم تكن ناقصة في إنسانيتها وهي تكنس وتُنظف،
زوجها كان فقيراً لا يستطيع أن يحضر لها خادماً،
فماذا تفعل؟
أتلقي أولادها في الشارع وترجع إلى بيت أبيها؟
أهذا هو التحرر والشجاعة والمساواة؟
أم هو التخلي، وعدم تحمل المسؤولية، وعدم فهم الحياة؟
وأبوها لم يعطِها خادماً لأنه لو فعل،
فعليه أن يُعطي كل بنات المسلمين مثلها وهو لا يستطيع!
فماذا تفعل؟
تعقُّ أباها وتتهمه بمعاونة زوجها عليها،
أهذه هي الحرية، والتنوير، والأفكار المتقدمة؟
أم هو العقوق، والقسوة، والأنانية!
فلا تجعلي أذنيك مكب نفايات لأفكارهم القذرة!
لقد نظروا في هذه الأمّة فغاظهم
كيف أن بيوت المسلمين للآن قائمة ولم تُهدم،
غاظهم مشهد زوجة صبورة رغم كل شيء،
وغاظهم مشهد أب يكد ويكدح ليواري كرامة أسرته،
غاظتهم بيوت تُقام فيها الصلوات وتجتمع على مائدة الإفطار،
غاظهم الحجاب وعفته،
ولن يهدموا كل هذا إلا حين يُخرجوا المرأة من بيتها،
لأنها عماد الأسرة، ومصدر استقرارها!
يا صحابيّة،
إن قلتِ إن عمل البيت شاق،
فهذا القول نبصمُ لكِ عليه بالأصابع العشرة!
وإن قلتِ إنه مُنهك،
فهذا القول نردده معكِ ولا نشك فيه!
ولكن أليست هذه هي الحياة، ولكل إنسان دوره فيها؟
أليس لكل عملٍ مشقته؟
بربكِ، انظري حولكِ واخبريني أيوجد عمل بلا مشقة؟!
هؤلاء يحفرون في صخر الحياة بحثاً عن رغيف،
حتى تلك الوظائف التي تبدو لكِ سهلة،
فإن فيها مشقة وإن غابتْ عنكِ،
حرس الرئاسة يقفون الساعات الطِوال،
والموظفون في البنوك، والدوائر، والأعمال المكتبية،
أغلبهم يعاني من ˝الديسك˝، وأوجاع العظام والمفاصل
أعملُ الجندي سهل؟
أم عمل الطبيب الذي يستدعونه من عز نومه لحالة طارئة؟
حتى الساسة يقضمُ القلق أطرافهم!
لا راحة في هذا الكوكب يا صحابيّة!
كل إنجاز لا بد معه من تعب،
وكل عملٍ عظيم لا بد أن يصحبه إرهاق!
دعكِ من الناس الآن وانظري في الكون حولكِ،
ألا يبني العصفور عشه قشةً قشةً؟
ألا يسافر النحل المسافات بحثاً عن رحيق؟
ألا يعمل النمل ليل نهار؟
كل مافي الكون يعمل، ويبذلُ جهداً، ويشعرُ بالتعب،
وأنتِ ابنة هذا الكون وهذا الكوكب فاعملي كتب الله أجركِ!
يا صحابيَّة،
لا شيء في أن تحصل المرأة على خادمة،
ونبيل هو الزوج الذي يستطيع إحضار من يساعد زوجته ويفعل،
وليست نهاية الدنيا إن لم تحصل المرأة على خادمة!
ولا نهاية الزواج إن عملت المرأة في بيتها،
هذا واجبها الذي إن قامت به نالتْ الأجر،
تماماً كما هو واجب الزوج العمل خارج البيت،
وتأمين المال، وهو مأجور إن قام بهذا،
فاحتسبي الأجر في كل ما تقومين به،
وغيري نظرتك لنفسكِ!
أنتِ لستِ خادمة حين تقومين برعاية أسرتكِ،
أنتِ سيدة البيت، وصمام أمانه!
أنتِ حافظته من بعد الله، وبدونك يضيع وينحلّ
لا تنظري إلى الجهد المبذول فقط!
ولكن انظري إلى الأثر يهُن عليكِ المسير،
سلال الغسيل الممتلئة تعني ملابس نظيفة لأولادك،
والمجلى الممتلئ بالأواني يعني طعاماً شهياً لأسرتكِ،
الكركبة في البيت تعني أنه مكان آمن للأولاد،
إنهم يشعرون بالحب، ولا يخافون العقوبة، وهم أهم من الأثاث!
إذا أردتِ أن تعرفي عظمة ما تفعلينه،
تخيلي حال البيت لو توقفتِ يوماً عن فعله!
واحتسبي الأجر كما قلتُ لكِ سابقاً
تحسسي الملائكة تكتبُ في صحيفتك كل عمل تقومين به،
تحسسي أجر في كل كبد رطبة صدقة!
كل لقمة يأكلها أولادكِ وزوجكِ لكِ فيها أجر!
كل إفطار في رمضان لكِ أجر الصائمين كلهم!
ألستِ من قام بإطعامهم فلكِ كأجور الجميع؟!
تحسسي في كل ثوب نظيف يرتديه أولادك وزوجك صدقة!
وفي كل حرفٍ تعلمينه لولد أجر!
وفي كل إحسانٍ تعطينه لزوجٍ أجر!
نحن في عبادة دوماً إذا أصلحنا نوايانا،
ورضينا بما قسمه الله تعالى لنا،
مواقف الحياة العادية تصبحُ عبادة إذا خلصت النوايا،
تخيلي الحجاب مثلاً،
إذا ذهبتْ العائلة في نُزهة وكنتِ معهم،
هم في المُباح وأنتِ في العبادة!
وعليه قيسي كل شؤون الحياة! . ❝
❞ اللهمَّ لا تجعلني مثله!
أنتِ أيضاً صحابيَّة!
لم ترتوي بعدُ من قصص الأولين،
بكِ عطشٌ إلى أخبارهم يزيدُ مع كل حكاية،
ومن غيرُ المؤيد بالوحي يروي لكِ ما حدث فعلاً؟!
وها أنتِ اليوم مع خبرٍ جديد، وحكايةٍ ماتعةٍ،
وها هو نبيُّكِ وحبيبكِ ﷺ يصحبكِ،
إلى الزمن الغابر على متنٍ قصة!
يقولُ لكِ بصوته العذب:
كانت امرأةٌ تُرضعُ ابناً لها من بني إسرائيل،
فمرَّ بها راكبٌ ذو شارةٍ،
فقالتْ: اللهم اجعلْ ابني مثلها!
فتركَ ثديها وأقبلَ على الراكب وقال: اللهمَّ لا تجعلني مثله!
ثم أقبل على ثديها يمصه،
وجعلَ النبيُّ ﷺ يمصُّ اصبعه ليجعلكِ تعيشين القصة،
وكأنها ترينها أمامكِ الآن!
ثم مُرَّ بأمةٍ تُضربُ،
فقالتْ: اللهم لا تجعل ابني مثلها!
فتركَ ثديها وقال، اللهمَّ اجعلني مثلها!
فقالتْ: ولِمَ ذاكَ؟
فقال: الراكبُ جبارٌ من الجبابرة،
وهذه الأمة يقولون سرقتِ، زنيتِ، ولم تفعل!
يا صحابيَّة،
القصص التي جاء بها الوحيُّ قرآناً أو سُنَّةً،
ليست للمتعة والتسلية وإن كانت ماتعة مسلية،
وإنما هي لتصديق بوقوعها أولاً،
وللعظة، والإعتبار، والعمل بها ثانياً!
فإبراهيم عليه السلام أُلقيَ في النار ولم يحترق حقاً!
وموسى عليه السلام شقَّ البحر بعصاه واقعاً!
ويونس عليه السلام مكث في بطن الحوت يقيناً!
وسليمان عليه السلام حكمَ الجن والإنس والطير فعلاً!
ونوح عليه السلام ركبَ السفينة في موجٍ كالجبال صدقاً!
والسكين لم تذبح إسماعيل عليه السلام أبداً!
والقصص النبوي كالقصص القرآني وحي لا مراء فيه،
فهو ليس مبالغات أبي زيد الهلالي،
ولا مهاترات جلجامش وبحثه عن نبتة الخلود،
ولا تخاريف الإلياذة الإغريقية، أو الشاهنامة الفارسية،
وعندما يُحدُّثكِ نبيُّكِ ﷺ بغرائب الأحاديث،
فكوني على يقين أنَّ هذا وقع فعلاً، والإيمان به واجب!
وإن الطفل الرَّضيع في هذه القصة قد تكلم حقاً في المهد!
تماماً كما تكلم عيسى عليه السلام يوم جاءت به أمه تحمله!
نحن أمة الإيمان بالغيب قبل الصلاة والصيام!
نؤمن بالجنة، والنار،
والصراط، والملائكة، والجن،
ومعجزات الأنبياء
وكل هذا غيب لم نشهده،
وإن لم نؤمن به فلا يصح بعد ذلك لا صلاة ولا صيام!
يا صحابيَّة،
لا تنخدعي بالمظاهر، فهي واللهِ خدَّاعة!
ولا تحكمي على الأشياء بظواهرها فقط فهذا من سوء الفطن!
إنكِ لو سرتِ في طرقات المدينة أيام أبي بكرٍ،
ورأيته بثيابه المتواضعة والأطفال يركضون خلفه ينادونه: يا أبتِ!
لقلتِ يا له من رجل بسيط،
هذا وهو خير الناس بعد الأنبياء!
صاحب رسول الله ﷺ، ورفيقه في الغار،
مؤدب المرتدين، والمدافع عن لا إله إلا الله!
ولو أنكِ مشيتِ في طرقات المدينة أيام خلافة عمر بن الخطاب،
ورأيته يسير بثوبه المرقَّع،
لقلتِ: مسكين لا يجدُ ثوباً أنيقاً،
هذا وهو الذي يهربُ الشيطان منه،
فاروق هذه الأمة، وهازم الإمبراطوريات العظمى،
الرجل الذي أرسى العدل، وأقام الشَّرع!
ولو أنكِ رأيتِ عبد الله بن مسعودٍ يصعدُ شجرةً،
لضحكتِ من دقة ساقيه ونحولها كما ضحك الصحابة،
ولكن النبيَّ ﷺ أخبرهم،
أنَّ هاتين الساقين أثقلُ في الميزان من جبل أُحد!
ولو أنكِ دخلتِ المسجد النبوي،
ورأيتِ حذيفة بن اليمان، وأبا هريرة في أهل الصُّفة،
والصُّفة مكان في المسجد للمساكين الذين لا يجدون طعاماً!
لقلتِ: يا للمساكين!
هذا وحذيفة بن اليمان صاحب سر رسول الله ﷺ!
وأبو هريرة أكثر الصحابة روايةً للحديث!
يا صحابيَّة،
ليس كل مشهورٍ يُغبطُ على ما هو فيه،
البعض على شهرتهم وثرائهم يستحقون الشفقة!
كان أبو جهل يصول ويجول، ويزبد ويرعدُ،
وقد نال بخزي وسام فرعون هذه الأمة!
ولا كل مجهول يُزدرى على ما هو فيه!
البعض على عدم شهرتهم ليتنا كنا مثلهم،
كان البراء بن مالك أشعث أغبر، ذي طمرين،
مدفوع بالأبواب، لا يأبه به أحد،
ولكنه لو أقسم على الله لأبرَّه!
الشهرة فتنة إلا ما كان منها للهِ،
والمال فتنة إلا ما كان منه في سبيل الله،
والعلم فتنة إلا ما كان هدايةً في ذات الله،
فلا تمدي عينيكِ إلى ما أُعطي غيركِ من الدنيا!
وهو نهاية المطاف متاع زائل، وعذاب مؤجل،
الفارس في هذه القصة كان في الظاهر مُهاباً!
ولكنه في الحقيقة كان ظالماً جباراً،
والأمة كانت في الظاهر متهمة مسكينة،
وهي في الحقيقة بريئة وحبيبة إلى الله،
فكوني ابنة الآخرة!
يا صحابيَّة،
نحن ندعو الله بأشياء فلا يعطينا إياها،
هذا لأنه يعلمُ ونحن لا نعلم!
حين يمنعنا اللهُ عطاءً فهذا لرحمته بنا،
كلنا تمنينا أشياء بشدة، وظننا أن حياتنا ستكون جحيماً بدونها،
ثم دعونا، وسألنا الله، فلم يستجب!
ثم مضت الأيام فاكتشفنا أن الجحيم كان لو أخذناها!
نحن البشر نظرنا محدود، وتفكيرنا قاصر،
ولا نرى من المشهد إلا جزءاً ضئيلاً نحسبه المشهد كله!
وإنكِ لو كنتِ من ركاب السفينة التي ثقبها الخضر،
لربما قلتِ: ألا يكفي أننا مساكين حتى نُصاب بتلف مصدر رزقنا؟
ثم تنكشف حجب الغيب ويتبين لكِ،
أنه لولا هذا الثقب لضاعت السفينة كلها!
ولو أنكِ كنتِ والدة الطفل الذي قتله الخضر،
لربما قلتِ: ما ذنبُ طفلٍ صغير أن يُقتل يا رب؟
ثم تنكشف الحُجب، وتنجلي الحقيقة، ويتبين لكِ،
أنه لو لم يمت لسلبَ منكِ دينكِ!
فسبحان من يُكدر علينا دنيانا أحياناً،
ليحفظ علينا ديننا الذي لو تكدر لن تنفعنا بعد ذلك الدنيا كلها!
يا صحابيَّة،
اُنظري إلى منع الله على أنه عطاء يستريحُ قلبكِ،
إنَّ الله تعالى يحمينا بطرقٍ لا نفهمها،
كان أحد الصالحين يقول:
إذا دعوتُ الله بمسألة فحرمتها،
كان فرحي بالحرمان أكثر من فرحي بالعطاء،
لأن العطاء اختياري لنفسي،
والحرمان اختيار الله لي!
فارفعي أكفكِ بالدعاء وسلي ربكِ ما شئتِ!
فإنه يُحِبُّ أن يسمعَ عبده يدعوه،
وفي الأثر أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام:
يا موسى، سلني علفَ دابتكَ، وشراكَ نعلكَ، وملحَ عجينتكَ!
فإن أخذتِ جواب دعائكِ، فاحمدي الله مرَّةً،
وإن مُنعتِ فاحمدي الله مرتين!
لأن الخير كل الخير كان أن تُمنعي!
وقد كان عمر بن الخطاب يقول:
لو كُشفت حُجب الغيب ما اختار إنسان قدراً،
غير الذي اختاره الله له!
فاحسني الظن بالله! . ❝
❞ أنتِ أيضاً صحابيَّة!
تركتِ بيتكِ في مكة،
وهاجرتِ إلى المدينة تابعةً قلبكِ ودينكِ ونبيّكِ ﷺ
كلُّ شيءٍ فيكِ يشتاقُ إلى مكة،
الحنين إلى الكعبة لا يهدأ،
وتنتظرين بفارغ الصبر تلك اللحظة التي
ستكحلين فيها عينيكِ برؤيتها مجدداً!
ويُخبركِ النبيُّ ﷺ أنه قد عزمَ على فتح مكة،
فيرقصُ قلبكِ فرحاً بهذا الخبر،
ولكنَّ النبيَّ ﷺ قد طلب منكم
أن تُبقوا هذا الأمر سراً!
فالحربُ نهاية المطاف خدعة،
والذي يملكُ عنصر المفاجأة نادراً ما يُهزم!
وقد أراد النبيُّ ﷺ فتحاً بأقل الخسائر،
نمتِ تلكَ الليلة وأنت تحلمين بتلك اللحظة،
التي ستُقبّلين فيها تُراب مكة،
وستشهدين الأصنام تُداس بالأقدام،
وسترين بلالاً يصعدُ على ظهر الكعبة،
منادياً ملء حنجرته أنَّ ˝الله أكبر˝!
ولكن طارئاً قد حدث هدَّدَ كل هذا الحلم بالانهيار،
يستدعي النبيُّ ﷺ ثلاثةً من خيرة أصحابه،
علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود
في مهمة عاجلة وخطيرة،
ويأمرهم بالتوجه إلى ˝روضة خاخ˝
وهناك سيجدون امرأةً تحملُ رسالة،
عليهم إحضارها فوراً مهما كلَّفَ الأمر!
وينطلقُ الفرسان الثلاثة على جناح السرعة،
وهناك يعثرون على المرأة التي أخبرهم عنها نبيهم ﷺ،
فلم ينطقْ مرةً ﷺ عن هوىً
كانت معيَّة الله تحفُّه، والوحي يؤيده!
طلبوا من المرأة أن تعطيهم الرسالة التي تحملها،
ولكنها أنكرتْ وجودها!
فقالوا لها: إما أن تُخرجي الكتاب، أو لنضعنَّ الثياب!
فلما عرفتْ أنهم قد عزموا تفتيشها،
أخرجت الرسالة من بين ضفائر شعرها حيث خبأتها!
فأخذوا الرسالة وعادوا بها إلى النبيِّ ﷺ،
وفي المدينة يفتحُ النبيُّ ﷺ الرسالة،
فإذا بها من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش،
يُعلمهم فيها أنَّ النبيَّ ﷺ قد عزمَ على فتح مكة!
في العلوم العسكرية يُعتبر هذا خرقاً أمنياً خطيراً،
وإن شئتِ فهذه خيانة عُظمى!
ويُبرر حاطبٌ للنبيِّ ﷺ فعلته هذه،
بأنَّ له أهلاً ضعافاً في مكة قد نالهم أذى قريش،
وأنه أراد أن يُخففوا عنهم،
وأنَّ الإيمان في قلبه كالجبال الرواسي لم يتزحزح قيد أُنملة!
ويقبلُ النبيُّ ﷺ عُذر حاطب بن أبي بلتعة،
ولكن عمر بن الخطاب الحازم في دين الله،
الشرس إذا تعلَّقَ الأمر بالإسلام،
يقولُ للنبيِّ ﷺ:
يا رسول الله، ائذنْ لي أن أضربَ عنق هذا المنافق!
فقال له النبيُّ ﷺ: لا يا عُمر،
إنه قد شهدَ بدراً، لعلَّ اللهَ اطلعَ على أهل بدر فقال:
اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم!
يا للوفاء يا رسول الله، يا للوفاء!
لم يُنسِه هذا التصرف الخاطئ ماضيَ صاحبه المشرق معه!
فلا تنسي أنتِ كلَّ معروف أُسديَ إليكِ،
عندما يقعُ خلافٌ بينكِ وبين زوجكِ،
لا تنسي تلك اللحظات الحلوة التي عشتماها معاً!
تذكري تلكَ المواقف التي طيَّبَ فيها خاطركِ،
تذكري الهدايا التي ملأ قلبكِ بها سعادة،
تذكري حنانه عليكِ يوم مرضتِ،
وتذكري مشواراً لم يكن يرغبُ فيه،
ولكنه ذهبَ لأنه يريدُ أن يُسعدكِ!
تذكري أنه إن بخلَ عليكِ مرةً،
فقد كان كريماً عليكِ مرَّاتٍ!
وإن لم يسمح له وقته باصطحابكِ إلى أهلكِ،
فقد فعلها عشرات المرات!
تذكري أنه إن غضبَ منكِ الآن،
فقد صفحَ عنكِ في غيرها!
تذكري اللقمة التي كان يضعها في فمكِ حُباً،
والكلمة التي كان يقولها لكِ شوقاً،
والحُرُّ من راعى وداد لحظة،
وقد كان نبيُّكِ لا ينسى المعروف،
فاقتدي به ولا تنسي المعروف أيضاً!
أخوكِ الذي غضبتِ منه الآن،
ألم تضحكان من قبل معاً وتبكيان معاً؟!
فلِمَ ستهون عليكِ تلكَ اللحظات الحلوة؟!
أختكِ التي حصل بينكِ وبينها خصام
ألم تكن يوماً حبَّة قلبكِ؟!
فما بالكِ تهدمين عمراً من المودة لأجل خصام عابر؟!
ابنكِ الذي قصَّر معكِ هذه المرَّة
ألم يبرَّكِ مراتٍ ومراتٍ؟!
أليس من النُّبلِ أن تهبي هذه لتلكَ؟!
حماتكِ التي أغضبتكِ الآن
ألم تكُنْ لكَ مرةً أُماً؟
أما كانتْ في صفّكِ مرَّةً؟
فلمَ تهون عليكِ العِشرة؟!
جارتكِ التي لم يُعجبكِ منها تصرفها هذه المرَّة
أما أعجبكِ تصرفها مرَّاتٍ؟!
أما أهدتكِ يوماً من طعامها؟
أما زارتكِ في مرضٍ؟
فلماذا تريدين من الناس أن يكونوا ملائكةً على الدَّوام؟!
كان نبيُّكِ ﷺ وفياً،
ولن تكوني صحابيَّةً إلا إذا كنتِ مثله!
جاءه يوماً موفدان من مسيلمة الكذاب،
فسألهما: هل تؤمنان أنه نبيٍّ؟!
فقالا: نعم!
فقال لهما: لولا أن الرُّسل لا تُقتل لقتلتكما!
كذَّباه في نبوته، واعترفا بنبوة غيره،
ومع هذا لم يخرجه غضبه من وفائه،
فإن كان المرسل الكافر لا يُقتل على كفره،
بل يؤمّنُ ويُكرم
أليس الزوج المسلم أحقُّ بالوفاء؟!
أليست الأخت والحماة والجارة والصديقة أحقُّ بالوفاء؟!
أرسلتْ قريشٌ أبا رافعٍ موفداً إلى النبيِّ ﷺ،
فلما جاء إلى المدينة دخلَ الإسلامُ إلى قلبه،
فأخبرَ النبيَّ ﷺ أنه يريدُ أن يبقى في المدينة،
فقال له النبيُّ ﷺ: إني لا أخيسُ بالعهد،
ولا أحبسُ الرُّسُلَ، ولكن ارجعْ إلى قومكَ،
فإن كان في نفسكَ الذي فيها الآن فارجِعْ!
وأنتِ أيضاً إن كنتِ صحابية فلا تخيسي بالعهد!
أنتِ عِرضُ رجلٍ فاحفظيه،
وأمان أولادكِ فالزميهم،
وسُمعة أبيكِ فحاربي لأجلها،
لا تحني رأس رجالٍ أحبوكِ وربوكِ لأجل لحظة طيش،
ولا لأجل شعور عابر،
من أمَّنكِ فأدِّي إليه أمانته!
يقول حُذيفة بن اليمان:
ما منعني أن أشهدَ بدراً إلا أني
خرجتُ أنا وأبي حسيل نريدُ النبيَّ ﷺ
فأخذنا كفار قريش، وقالوا: إنكم تريدون محمداً؟
فقلنا لهم: ما نريده، ما نريد إلا المدينة؟
فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفنَّ إلى المدينة
ولا نُقاتل معه!
فأتينا النبيَّ ﷺ وأخبرناه بالخبر
فقال: انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعينُ باللهَ عليهم!
هذا هو نبيّكِ ﷺ!
كان يفي بعهده للكافر الذي جاء لقتاله!
فإن كنتِ تريدين حيازة شرفَ أن تكوني صحابيَّة
فوفاءعهود المسلمين أولى!
فلا تنسي عهداً قطعته،
ولا معروفاً أُسديَ إليكِ،
ولا لحظةً حُلوة عشتها،
كوني وفيَّةً كما يليقُ بالصحابيَّة أن تكون! . ❝
❞ دعوة أُم!
أنتِ أيضاً صحابيَّة!
تؤنسكِ أحاديث الأولين وأخبار الأمم الغابرة،
فكيف إذا كانت أحاديثهم وأخبارهم بصوتِ نبيكِ وحبيبك ﷺ
وأنتِ الآن على موعد مع هذا الجمال والجلال،
يقولُ لكِ النبيُّ ﷺ:
كان جُريجُ رجلاً عابداً، فاتخذ صومعةً، فكان فيها،
فأتته أمه وهو يصلي...
فقالتْ: يا جُريج!
فقال: يا رب، أمي وصلاتي!
فأقبلَ على صلاته، فانصرفتْ أمه،
فلما كان الغد أتته وهو يصلي،
فقالتْ: يا جُريج!
فقال: أي رب، أمي وصلاتي!
فأقبلَ على صلاته،
فقالتْ: اللهمَّ لا تُمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات!
فتذاكر بنو إسرائيل جُريجاً وعبادته،
وكانتْ امرأةٌ بغيُّ يُتمثَّلُ بحسنها،
فقالتْ: إن شئتم لأفتننه!
فتعرَّضتْ له، فلم يلتفتْ إليها،
فأتتْ راعياً كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها،
فوقعَ عليها، فحملتْ!
فلما ولدتْ، قالتْ: هذا من جُريج!
فأتوه فاستنزلوه، وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه،
فقال: ما شأنكم؟
قالوا: زنيتَ بهذه البغيِّ، فولدتْ منكَ،
قال: أين الصَّبيُّ؟
فجاؤوا به...
فقال: دعوني حتى أُصلي! فصلَّى...،
فلما انصرفَ أتى الصَّبيَّ، فطعنَ بطنه،
وقال: يا غلام، من أبوك؟
قال: فلانٌ الرَّاعي!
فأقبلوا على جُريج يُقبلونه، ويتمسَّحون به!
وقالوا: نبني لكَ صومعتكَ من ذهبٍ!
قال: لا، أعيدوها من طينٍ كما كانتْ. ففعلوا!
يا صحابيَّة،
الجمالُ نعمة تُصان،
فلا تستخدمي جمالكِ وأنوثتكِ سلاح غواية!
فهذا فعل الغانيات لا فعل العفيفات،
الأنوثة والغنج يأخذان بقلوب الرجال،
فحافظي على نفسكِ أولاً، وعلى الناس ثانياً!
وقد قال الله لمن هُنَّ أطهر منكِ، زوجات النبيِّ ﷺ:
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾
عندما تُظهرين أنوثتكِ في غير موضعها،
وتكشفين دلالكِ أمام من ليس له،
فستكونين محطَّ طمع، ويُظنُّ بكِ أنكِ سهلة المنال!
اثبتي أمام البائع في السوق،
عرضكِ أغلى من دراهم يحسمها لكِ!
حافظي على رباطة جأشكِ أمام زملاء العمل،
سمعتُكِ لا تُقدَّر بثمن!
لا تفتحي الباب، أو شق منه،
ثم تشتكين إذا ما تسلل منه أحد!
معالجة الأسباب أهون عليكِ من معالجة النتائج!
لتذهب الوظائف إلى الجحيم،
إذا كان ثمنها شيءٌ يمسُّ شرفكِ!
ما كان لكِ من رزقٍ سيأتيكِ رغماً عن الدنيا كلها،
والرزق عند الله لا عند الناس،
وما كان عند اللهِ لا يُؤخذُ بمعصيته!
يا صحابيَّة،
إياكِ والدعاءُ على أولادكِ،
فربما صادفتْ دعوتكِ ساعة استجابة فتهلكينهم،
دعاء الوالدين فتَّاك!
كل ما أصاب جُريج الراهب كان بدعوة أمه،
دعتْ عليه أن ينظر في وجوه المومسات،
فوافقتْ دعوتها ساعة استجابة فأصابه ما قد علمتِ!
رأى عمر بن الخطاب شيخاً كبيراً في السن يده مشلولة،
فسأله: ما الذي أصابك؟
فقال: دعا عليَّ أبي في الجاهلية أن تُشَلَّ، فَشُلَّتْ!
فقال عمر: هذا دعاء الآباء في الجاهلية، فكيف في الإسلام؟!
وفي كتاب أزهار الرياض من أخبار القاضي عياض،
أن الزمخشري كان مقطوع الرِّجل،
فسُئلَ عن ذلك، فقال: هذا بدعاء أُمي!
ذلكَ أني كنتُ في صباي أمسكتُ عصفوراً،
وربطه بخيطٍ في رجله، فجذبته، فانقطعتْ رجله!
فتألمتْ أمي لذلك وقالتْ: قطعَ اللهُ رجلكَ كما قطعتَ رجله!
فلما كبرتُ وكنتُ في سفرٍ إلى بخارى لطلب العلم،
سقطتُ عن الدابة، فانكسرتْ رجلي، ووجبَ قطعها!
أمسكي عليكِ لسانكِ يرحمكِ الله،
الأولاد مُتعبون هذه حقيقة،
ولكن لكِ من كل هذا التعب أجر التربية!
والأولاد يأتون بتصرفاتٍ مستفزة هذا واقع،
ولكن الصبر باب من أبواب الجنة!
ثم إن الدعوة السيئة على الأولاد لو اُستجيبت،
فأنتِ أول من سيكتوي بنارها!
لو دعوتِ على ولدٍ أو بنتٍ بعدم التوفيق،
فسيأتي هذا الولد وهذه البنت عاقين،
ستحرمين نفسكِ من برِّهم في لحظة غضب،
عدم التوفيق شقاء!
وأي راحةٍ لكِ إذا شقيَ أولادكِ،
عودي نفسكِ الدعاء لهم لا عليهم،
استبدلي تلك الدعوات الساحقة الماحقة بأُخرى حلوة جميلة!
قولي للولد: هداكَ الله!
وقولي للبنت: أصلحكِ الله!
وأنتِ أول من سيقطف ثمار هدايتهم وصلاحهم!
يا صحابيَّة،
الصلاة مفزَعُ الصالحين منذ فجر التاريخ،
وعندما نزلتْ بجريج هذه التهمة،
قال: دعوني حتى أُصلي!
فأنجاه الله سبحانه، وبرَّأه من تُهمةٍ نُسبتْ إليه،
ليكن اللهُ ملاذكِ الآمن، وحصنكِ المنيع،
إذا ضاقتْ بكِ الحيلة تصدَّقي،
وإذا سُدَّتْ بوجهكِ الأبواب سارعي في الدعاء،
وإذا تعسَّرتْ الأمور فادخلي كهف الصلاة،
ما أنجى يونس عليه السلام من بطن الحوت إلا تسبيحه واستغفاره،
وما نجا إبراهيم عليه السلام من فرعون وجيشه،
إلا بحسن ظنه بالله!
وما نجا نوحٌ عليه السّلام بالسفينة المصنوعة من الخشب،
إلا لأنه قد ركبَ من قبل سفينة التوحيد!
وما نجا النبيُّ ﷺ وصاحبه يوم الهجرة،
إلا بالتوكل على الله واليقين بالله!
يا أبا بكر: ما ظنك باثنين الله ثالثهما!
يا صحابيَّة،
أهل المعاصي مرضى قلوب، فاحذريهم!
وإنهم يريدون لو كان الناس جميعاً مثلهم،
تلك الزانية أزعجها عفاف جُريج،
فأرادت أن يكون مثلها!
أنتِ بصلاحكِ وعفافكِ تذكرين الناقصين بنقصهم،
المرتشي يؤلمه الأمين لأنه بأمانته يخبره كم هو وضيع!
والزانية تؤلمها العفيفة لأنها بعفتها تخبرها كم هي رخيصة!
ومن قبل قال قوم لوطٍ: ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾
إن النجس والملوث يختنق بطهارة غيره!
يا صحابيَّة،
لا تُعيري سمعكِ للذين يقعون في أعراض الناس،
اُتهم جريج بالزنا وهو عفيف طاهر،
وصدَّقَ قومه التهمة رغم أنها جاءتْ من زانية استأجروها!
كم عفيفةٍ ظُلمت،
وكم أمينٍ اُتهم بالخيانة،
وكم مُتهم هو من تهمته بريء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام،
فإذا حُملتْ إلى مسامعكِ تُهمة،
فاجعليها تقفُ عندكِ ولا تنشريها!
فإن كانتْ التهمة حقاً فقد كنتِ رسول إبليس في نشر الفاحشة،
وإن كانتْ كاذبة فقد وقعتِ في أعراض الناس،
من سترَ سُتِر، والمرءُ لا يأخذُ إلا ما كان يُعطيه!
ومن تتبعَ عورات الناس، تتبعَ الله عورته!
اُتهمت الصِّديقة مريم بالزنا،
واُتهم الكليم موسى عليه السلام بأنه يريد أن يُظهر في الأرض الفساد!
واُتهم النبيُّ ﷺ بالكذب والسحر والجنون،
فإذا كان هؤلاء لم ينجوا من الناس،
فكيف يسلمُ الذين هم من دونهم وكلنا دونهم! . ❝
❞ في قصر فرعون!
أنتِ أيضاً صحابيَّة!
عندكِ شغف رهيب لمعرفة أخبار الأمم السَّابقة،
تجدين في هذا تثبيتاً لقلبكِ،
وتعزيةً لروحكِ،
وتزدادين يقيناً أنَّ هذا الدِّين واحد عند الله،
بدأ بآدم عليه السَّلام وخُتم بمحمدٍ ﷺ!
تختلفُ الشَّرائع، وتتفاوتُ العبادات،
أما الدِّين فواحد لا يتغيَّر عنوانه قول ربِّكِ:
˝إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ˝
وها هو نبيُّكِ وحبيبُكِ ﷺ يَسرجُ لكِ صهوة صوته العذب،
وها أنتِ تمتطين ظهر الكلام،
وتعودين أدراجكِ إلى ماضٍ سحيق لم تعيشيه،
وتطَّلعين على غيبٍ لم تشهديه!
يقولُ لكِ حبيبكِ ومصطفاكِ وقُرَّة عينيكِ:
لم يكذبْ إبراهيم عليه السَّلام إلا ثلاث كذباتٍ
ثنتين في ذات الله!
قوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ˝﴾
وقوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾
وبينما هو ذات يومٍ وسارة
إذ أتى على جبَّارٍ من الجبابرة
فقيل له: إنَّ ها هُنا رجلاً مع امرأةٍ من أحسن الناس،
فأرسلَ إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟
قال: أختي!
فأتى سارة فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيركِ،
وإنَّ هذا سألني فأخبرته عنكِ أنكِ أختي،
فلا تُكذبيني!
فأرسلَ إليهما، فلما دخلتْ عليه ذهبَ يتناولها بيده،
فأُخِذ!
فقال لها: ادعي الله أن يُطلقَ يدي، ولا أضُرّكِ
فدعتْ، فأُطلِقَ!
ثم جاءَ يتناولها الثانية، فأُخِذَ مثلها أو أشدَّ،
فدعا بعض صحبته، فقال:
إنكم لم تأتوني بإنسانٍ، إنما أتيتموني بشيطان!
فأتتْ إبراهيم وهو يُصلي، وقالتْ:
كفَّ الله يدَ الفاجر، وأخدمني هاجر!
والقصّة أيتها الصحابيّة باختصار:
أنَّ إبراهيم عليه السّلام عندما أخرجه قومه من العراق،
توجه بزوجته سارة إلى مصر،
وكانتْ سارة أجمل امرأة في تاريخ البشرية،
حتى ليُقال أن جمال يوسف عليه السلام بعِرْقٍ منها فهي جدَّتُه!
وكان فرعون في ذلك الوقت زير نساء،
لا يرى امرأة جميلة إلا أرادها لنفسه،
وكان قد أمر جنوده إذا رأوا امرأةً جميلة أن يخبروه بها،
فأخبره جنوده بجمال سارة،
فأرسل فرعون إلى إبراهيم عليه السلام يطلبه،
فلما حضر عنده سأله عنها،
فقال له إبراهيم عليه السَّلام: هي أختي!
لأنه يعلمُ أنه لو قال إنها زوجته،
فسيقتله، ويأخذها منه!
ولما حضر إبراهيم وسارة إلى قصر فرعون،
أمر فرعون أن تُحملَ إليه
فلما أراد أن يمدَّ يده عليها تخشَّبتْ يده!
فطلبَ منها أن تدعو الله له أن يفكه ولن يقربها،
لأنه علم أنها وإبراهيم عليه السلام موحدين يعبدون الله،
فدعتْ له، فشُفيَ،
ولكنه حنثَ بوعده، وقام يحاولُ أن يمدَّ يده عليها،
فأصابه أشد مما أصابه في المرّة الأولى،
فنادى على خدمه وأخبرهم أنَّ هذه شيطانة لا إنسانة!
وأمرَ أن يطلقوها ويعطوها هاجر هديةً لها،
فعادتْ إلى إبراهيم عليه السلام وهو يصلي، وأخبرته بالأمر،
وقيل إنَّ الله سبحانه قد كشفَ الحجاب لإبراهيم عليه السلام،
فكان يرى ما يحدث بين فرعون وسارة
تعزيةً لخليله إبراهيم،
وطمأنة لقلبه أن عِرضه مُصان!
يا صحابية،
إنَّ الكذبَ الوارد في القصة ليس هو الكذب الذي تعرفينه،
ذاك الكذب الذي يقلب الحقَّ باطلاً،
وإنما هو إخبار بغير الحقيقة للضرورة،
والإسلام العظيم دين الواقعية والحياة بامتياز،
لذلك أباح الكذب في ثلاثة مواضع!
كذب المسلمُ على أعدائه،
فليس من المنطق أن يأخذ الكفار أسيراً مسلماً،
ويسألوه عن أسرار المسلمين فيخبرهم!
وكذب المسلم لإصلاح ذات البين
فعندما تقعُ الخلافات بين الناس يجب حلَّها،
فإذا وقع بين صديقتيكِ خلاف،
جئتِ إلى صديقة منهما وقلتِ لها:
فلانة تُحبكِ، ونادمة على ما كان منها،
وقد قالتْ عنكِ كلاماً جميلاً،
دعينا لا نتحدث عما حدث، ونصلح الذي كان،
وتقولين للأخرى مثل ذلك وبهذا ينتهي الخلاف،
ولكِ أجر الصلح وليس عليكِ إثم الكذب!
وأباح الإسلام العظيم كذب الرجل على امرأته،
وكذب المرأة على زوجها،
إذا ما تعلَّقَ الأمر بجبر الخواطر، ومراعاة المشاعر،
يقولُ الرجل لزوجته: أنتِ أجمل امرأة في الدنيا،
وهو يعرفُ أنَّ هناك من هي أجمل منها،
وهي تعرفُ كذلك،
ولكن هذا ليس مضمار الحقيقة،
لأن الحقيقة هنا تكسر القلب!
وقد يمدح ثوباً لبسته وهو لا يُعجبه
وتسريحة شعرٍ وهي لا تروق له،
وطبخة جديدة وهو لم يستطِبْها،
وكل هذا داخل في باب جبر الخواطر،
وجبر الخواطر عبادة!
وما يُقال في حق الزوج، يُقال في حق الزوجة أيضاً!
سألَ رجلٌ زوجته إن كانتْ تُحبُّه، وناشدها الله أن تصدقه،
فقالتْ: أما إنكَ ناشدتني الله، فلا أُحبُكَ!
فشكاها إلى عمر بن الخطاب،
فأرسل عُمر في طلبها، وأنَّبها على ما كان منها
فقالتْ له: يا أمير المؤمنين، أتريدني أن أكذب عليه؟!
فقال لها: نعم اكذبي عليه، أَكُلُّ البيوت بُنيت على الحُب،
ألا إنَّ الناس يتعاملون بالمروءة والذمة!
يا صحابية،
صرتِ تعرفين الآن أن ما كان عليه إبراهيم عليه السّلام،
إنما كان من باب حُسن التدبير والحيلة،
وكذلك قوله ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾
كان كي لا يخرج معهم إلى عبادة غير الله،
وقوله ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾
كان من باب إقامة الحُجة عليهم،
وكي يريهم أن هذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله
إنما هي عاجزة لا تضر ولا تنفع!
فلا تكوني فظّة بدعوى أنكِ تقولين الحقيقة!
عند جبر الخواطر ˝الدبلوماسية˝ هي المطلوبة،
وعندما تقع الخلافات كوني رسول خير،
ولا تمشي بالنميمة بين المتخاصمين، فتصبين الزيت على النار
وتذكري: لا يدخل الجنة نمَّام!
يا صحابية،
من أرادتْ العِفَّة عفَّها الله،
إنَّ الله أعدل من يراك تطلبين الستر فيفضحك،
وأجلَّ من أن تطلبي الخير فيوقعكِ في الشَّر،
أصلحي قلبكِ ونيّتكِ ثم اتركيها على الله،
كل الأسباب بيده سبحانه،
شُلَّتْ يد فرعون لأنها امتدتْ إلى امرأة عفيفة،
فكوني مع الله يكُنْ معكِ!
يا صحابية،
الجمال، المال، والمنصب نِعَم يجب أن تُصان،
الجمال يُصان بستره وعدم كشفه إلا لصاحبه،
والمال يُصان بالحمد ومساعدة الفقراء،
والمنصب يُصان بخدمة الناس،
كوني جميلة، واهتمي بأنوثتكِ،
ضعي مساحيق التجميل،
والبسي أجمل الثياب،
واستخدمي أجمل العطور،
ولكن في موضعها، موضعها فقط!
تعلمي، واحصلي على الشهادات، وتاجري إن شئتِ،
كوني ثرية ولكن دون كبر وكفران النعمة!
وانجحي في وظيفتكِ، واسعي لمنصب أعلى،
ولكن لا تنسي أبداً أنَّ الذي رفعكِ،
قادرٌ على أن يُنزلكِ بدعوة مظلوم!
يا صحابية،
مهما كنتِ جميلة وثرية وناجحة،
كوني دوماً في كنف زوجكِ،
ولا تتكبري عليه، أو تنتقصي من رجولته!
ما هذا دأبُ الصالحات، ولا أخلاقهُنَّ،
مهما بلغتِ من الجمال فلن تصلي إلى جمال سارة،
وقد كانت في كنف إبراهيم عليه السلام،
زوجة مُحبَّة، ورفيقة درب!
ومهما بلغتِ من الثراء
فلن تصلي إلى ثراء خديجة رضي الله عنها
وقد جعلتْ كل مالها في يد زوجها،
وأعطته حين حرمه الناس،
وصدقته حين كذَّبه الناس،
وآمنتْ به حين كفرَ به الناس!
مالكِ لكِ لا شكَّ،
وهذا حقكِ الذي لا يجادلك فيه أحد،
ولكن البيوت التي يكون فيها جيبان،
وهذا لكَ وهذا لي،
العيشُ فيها لا يُطاق! . ❝
❞ إلى التي تزوجَّتْ ولم تُنجب،
فتعزَّتْ بعائشة رضي الله عنها،
وإلى التي طُلِّقَتْ فتعزتْ برقية، وأم كلثوم ابنتي النبيِّ 󠄩ﷺ
وإلى التي تأخر زواجها فظنَّتْ أن القطار قد فات،
فتعزَّتْ بخديجة رضي الله عنها في الأربعين تزوّجتْ سيد الرجال،
وإلى التي حيل بينها وبين حبيبها،
فتعزتْ بزينب ابنة النبي ﷺ،
وقد حيل بينها وبين أبي العاص بن الربيع،
وإلى التي لم تتزوج أبداً،
فتعزت بالصحابية الجليلة أم حكيم،
وإلى التي لم تتزوج بعد وفاة زوجها،
وتعزتْ بنائلة زوجة عثمان بن عفان وهي تقول:
لا أريدُ أن يبلى حُبُّ عثمان في قلبي!
وإلى التي تزوجتْ بعد وفاة زوجها،
لأنَّ هذا حلال وليس في الحلال عيب،
إلى المؤنسات الغاليات بنات خديجة بنت خويلد،
وأخوات عائشة بنت الصدِّيق،
وشقيقات فاطمة الزهراء،
إليكنَّ أُهدي هذا الكتاب! . ❝
❞ زيارة!
أنتِ أيضاً صحابيَّة،
تُحبين الصالحين في كل عَصْرٍ ومِصْرٍ،
تُحبين أولئك الذين سبقوكِ إلى قافلة التوحيد من الأمم السابقة،
وتُحبين أولئك الذين سيكونون على التوحيد ولم يولدوا بعد!
ربَّاكِ حبيبُكِ ونبيُّكِ ﷺ أنَّ الإسلام
دعوة ضاربة الجذور في تربة التاريخ!
وأن انتسابكِ لهذا الدين لم يبدأ بولادتكِ على الفطرة،
وإنما مع أول صراعٍ بين الحقِّ والباطل،
حين رفضَ إبليسُ اللعين السجود لأبيكِ آدم عليه السلام!
ولن ينتهي هذا الانتساب بموتكِ،
أنتِ ابنة عقيدة يسقطُ التكليف بها حين ينفخُ إسرافيل في الصور،
ولأنكِ سمعتِ النبيَّ ﷺ مرةً يقول:
وددتُ أني قد رأيتُ إخواننا
فقالوا له: يا رسول الله، ألسنا بإخوانك؟
فقال ﷺ: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد،
وأنا فرطهم على الحوض!
فقالوا: يا رسول الله، كيف تعرفُ من يأتي بعدك من أمتك؟
قال ﷺ: أرأيتم لو كان لرجلٍ خيلاً غُراً محجلة،
في خيلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يعرفُ خيله؟
قالوا: بلى يا رسول الله!
فقال ﷺ: فإنهم يأتون يوم القيامة غُراً محجلين من الوضوء!
يا صحابيَّة،
ها نفسكِ تتوقٍ لخبر قومٍ صالحين ما كانوا في عهد النبوة،
وها أنتِ اليوم مع الخبر فاستحضري قلبكِ!
كان الإمامُ أحمد بن حنبل تلميذاً للإمام الشافعي،
وكان أحمد يُكثرُ من ذِكر الشافعي أمام أهله ويُثني عليه،
وزار الشَّافعي يوماً تلميذه أحمد في بيته،
تناول الضيفُ الطعام، ومضى إلى فراشه،
ثم لما مضى الليل صلى بأهل البيت الفجرَ وعاد إلى فراشه،
وفي الصباح قالتْ ابنة الإمام أحمد لأبيها:
يا أبتاه، أهذا الشَّافعي الذي كنتَ تُحدثني عنه؟
فقال: نعم يا ابنتي!
فقالتْ: سمعتُكَ تُعظِّمه، وما رأيتُ له هذه الليلة صلاةً
ولا ذِكراً، ولا وِرْداً!
وقد لاحظتُ عليه أموراً ثلاثة!
فقال: وما هي يا بُنيَّة؟
فقالتْ: عندما قدَّمنا له الطعام أكل كثيراً على غير ما سمعته عنه،
ولم يقُمْ ليصلي من الليل شيئاً!
وعندما صلَّى بنا الفجر لم يتوضأ!
فأخبرَ الإمامُ أحمدُ الإمامَ الشَّافعيَّ بما قالته ابنته!
فقال له الشَّافعيُّ: يا أحمد لقد أكلتُ كثيراً لأني أعلم أن طعامكَ حلال،
والطعام الحلال دواء، وبي مرض!
فأكثرتُ من طعامكَ لا لأشبعَ، وإنما لأتداوى!
وأما أنني لم أقُمْ لصلاة الليل،
فلأني عندما وضعتُ رأسي لأنام،
نظرتُ فكأنَّ أمامي الكتاب والسُّنة،
ففتحَ اللهُ عليَّ باثنتين وسبعين مسألةً من علوم الفقه!
رتبتها في مصالح المسلمين، وحال التفكير فيها بيني وبين القيام!
وأما أنني صليتُ بكم الفجر بغير وضوء،
فواللهِ ما نامتْ عيني حتى أُجدد الوضوء،
فصليتُ بكم الفجر في وضوء العشاء!
ثم ودَّعه ومضى...
فقال الإمام أحمد لابنته: هذا الذي عمله الشافعي وهو مُستلقٍ،
أفضلُ مما عملته وأنا قائم!
يا صحابيَّة،
خُلقتِ للمعالي، فدعي عنكِ توافه الأمور!
علمتكِ ابنة الإمام أحمد درساً بليغاً في الحياة!
النظر إلى الجوهر لا إلى المظهر،
لم تتحدث عن عمامة الإمام الشافعي،
وما إذا كانت مناسبة للون ثيابه،
لم يلفتها لحيته ولا خاتمه،
كانت ترقبُ دينه وعبادته فقط!
فدعي عنكِ تفاهة المشاهير في مواقع التواصل،
ماذا يُفيدكِ متابعة كل ما تلبسه هذه ˝الفاشينستا˝
أو كل ما فعله هذا المطرب في يومه،
ما خُلقتِ لتعيشي في حياة الآخرين وإنما في حياتكِ!
في مواقع التواصل علم غزير، ومنافع كثيرة،
دروس في الفقه، والحديث، وعلم التفسير،
أفلام وثائقية نافعة ومفيدة!
محاضرات في شتى العلوم تجلبُ لكِ المعرفة إلى حِجركِ،
أعمال خير وإغاثة غيَّرتْ حياة الكثيرين نحو الأفضل،
فتعاملي مع الحياة بعقلية النحل لا عقلية الذباب،
إن النحل لا يقعُ إلا على الورد،
والذباب لا يقعُ إلا على القذارة !
ابحثي عما يُرققُ قلبكِ فإنما المرءُ بقلبه،
وعما يُنيرُ عقلكِ، فعقلكِ سلاحكِ!
يا صحابيَّة،
لستُ أقولُ لكِ كوني جاهلة بالموضة،
ولا دعي عنكِ الأناقة والتجمل!
وإنما أقول لكِ: المعرفة شيء والهوس شيءٌ آخر،
ولستُ أقولُ لكِ عيشي في عالم غير العالم،
وإنما أقول أن الماديات تفسدُ الروح،
ومتابعة تفاصيل حياة البعض قد تفسِدُ حياتكِ!
لأنها ستجعلكِ غير راضية عما قسمه اللهُ لكِ،
هؤلاء ليس لهم حديث إلا عما اشتروا أو باعوا،
أو عما أكلوا وإلى أين سافروا!
حياتهم أفلام تُعرض على أنها الحياة المثالية!
فتزدرين حياتكِ دون أن تشعري،
ستشعرين بالنقص لأنه ليس لديكِ شنطة فلانة ومجوهراتها،
وبالضيق لأنه ليس لديكِ أسفار فلان وترحالاته،
نحن حين ننظر إلى ما في أيدي الآخرين نستقل ما في أيدينا!
وتنمو في داخلنا بذرة عقدة النقص!
ثم من قال لكِ أن هؤلاء حياتهم مثالية؟
هؤلاء لا يجعلونكِ ترين من حياتهم إلا ما يريدون!
أكثر نسب الطلاق تجدينها عندهم،
وأكثر المشاكل على المال تجدينها بينهم،
وحين كانت فلانة تستعرض حياةً براقة،
كان عندها بيتٌ مهمل، وأسرة تضيع!
وحين كان فلان يعلمكِ كيف تأكلين، وماذا تشترين،
كان له بيت يضج بالإهمال!
أسوأ ما في حياة المظاهر هذه أنها تقتل فينا الإنسان!
وتنسينا تلك المهمة العظيمة التي خُلقنا لأجلها،
وذلك الامتحان الصعب الذي علينا اجتيازه! . ❝
❞ امرأةٌ من نوعٍ آخر!
أنتِ أيضاً صحابيَّة،
تُحبين أن تُرافقي نبيَّكِ وحبيبكِ ﷺ في أسفاره،
تعرفين أن السَّفر معه مُتعة،
رؤية وجهه تُنسيكِ عناء الطريق،
وحُلو حديثه يُبدّد مشقّة الدَّرب!
وها أنتِ الآن معه في سفرٍ،
وقد نزلَ ﷺ في ضيافة أعرابيٍّ فأكرمه وأحسن ضيافته،
ولأنَّ نبيُّكِ وحبيبُكِ ﷺ لا ينس معروفاً أُسديَ إليه،
قال ﷺ للأعرابي: يا أعرابيُّ ائتنا!
بأبي هو وأمي يريدُ أن يردَّ معروف الأعرابي،
وبالفعل لم تطلْ المُدّة بالأعرابي حتى جاء،
فقال له النبيُّ ﷺ: يا أعرابي سلني حاجتكَ!
فقال: ناقة نركبها، وأعنزٌ يحلبها أهلي!
ولأنه نبيُّ ﷺ يُحِبُّ معالي الأمور
قال للأعرابي كالمُعاتب: أعجزتَ أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل؟!
لا شكَّ أن الفضول يتملككِ الآن!
وتريدين أن تعرفي ما شأن عجوز بني إسرائيل؟
وهذا هو حال الصحابة أيضاً!
إنهم يسارعون بالسؤال: وما عجوز بني إسرائيل يا رسول الله؟
فأخبرهم أن يوسف عليه السلام كان قد أوصى قومه،
إذا خرجوا من مصر أن يحملوه معهم ليُدفن في فلسطين،
ومضت الأعوام، سنة وراء سنة، وقرن وراء قرن!
وأعلمَ موسى عليه السَّلام بني إسرائيل،
أنَّ وقت الخروج من مصر قد حان!
فأخبروه بوصية أخيه يوسف التي توارثوها جيلاً بعد جيل،
فسألهم عن قبر يوسف ليأخذ جثمانه وينفذ وصيته،
ولكن المفاجأة كانت أنه لا أحد يعرف مكان القبر!
إلا عجوزاً من بني إسرائيل عرفت هذا من أجدادها،
فطلب منها موسى عليه السلام أن تدله على مكان القبر،
فرفضتْ أن تخبره حتى يعطيها وعداً،
أن تكون رفيقته في الجنة!
فرفضَ موسى عليه السَّلام هذا الشرط،
لأنه لا يملك أن يُدخل الناس الجنة!
فأوحى الله تعالى إليه أن أعطِها ما طلبتْ!
فدلتهم على مستنقعٍ، وقالت:
جففوا الماء هذا، فإنَّ تحته قبر يوسف عليه السلام،
وهكذا كان!
يا صحابيّة،
إذا أسدى إليكِ أحدٌ معروفاً فلا تنسيه،
وابقي متحينة الفرصة لترديه،
هكذا كان دأبُ نبيُّكِ وحبيبُكِ ﷺ دوماً!
ضيافة عابرة من أعرابي لم يتركها واحدة عليه،
طلب من الأعرابي أن يأتيه ليكرمه،
احفظي للناس معروفهم وانتظري دورة الأيام،
فإذا حان دوركِ فكوني على الموعد!
وحتى إذا لم تُسعفكِ اللحظة أن تردي المعروف،
فكوني أرقى من أن تنكريه!
ناكر المعروف لا يحترمه أحد!
عندما رُجم النبيُّ ﷺ في الطائف،
وأراد العودة إلى مكة،
وجد أن زعماءها قرروا أن يمنعوه من دخولها،
فطلبَ من المطعم بن عديٍّ أن يجيره،
وكان المطعم بن عدي رجلاً شهماً رغم شركه وكفره،
فأجار النبيَّ ﷺ،
وأدخله إلى مكة تحت حمايته ورعايته،
وماتَ المطعم بن عديٍّ قبل أن يردَّ له النبيُّ ﷺ معروفه!
ولكنه بعد معركة بدر نظر في أسرى قريش،
وقال: لو أن المطعم بن عديٍّ كلمني في هؤلاء النتنى،
لأطلقتهم له!
انظري للوفاء يا صحابيَّة،
قوم جاؤوا لقتاله ولو اُتيحت لهم الفرصة لقتله لفعلوا،
ولكنه على استعداد أن يُطلق سراحهم!
لو طلب منه ذلك الرجل الذي أسدى إليه معروفاً!
يا صحابيّة،
الرَّبُ الذي كان يوحي إلى موسى عليه السَّلام،
كان قادراً أن يدله على مكان قبر يوسف عليه السَّلام،
ويوفر عليه عناء المفاوضات مع امرأة عجوز،
ولكن الرَّبَّ الرَّحيم الذي يُجازي على النوايا الحسنة،
علِمَ تعلّقَ هذه المرأة به وشوقها إلى الجنّة،
فلم يكشف لرسوله ما تعرفه هذه المرأة،
وإنما تركَ علمها مخفياً عن رسوله ليعطيها الجنّة!
ضعي الله في نيَّتكِ وقصدكِ،
اصدقي في طلب رضوانه وجنته،
وسيعطيكِ هذا على أيسر الطرق وأهون الأسباب!
الصدق مع الله فقط هو السر،
ولا أحد أكرم من الله يا صحابيَّة!
جاء أعرابيُّ لا يعرفه من الصحابة أحد،
فبايع النبيَّ ﷺ على الجهاد والهجرة،
وخرجَ معه في قتالٍ منَّ الله تعالى فيه بالنصر على المسلمين،
وقسم النبيُّ ﷺ الغنائم بين أصحابه،
وكان الأعرابي غائباً فتركَ له النبيُّ ﷺ نصيبه،
فلما جاء قيل له: ترك لكَ النبيُّ ﷺ هذا!
فأخذ الغنائم وذهبَ إلى النبي ﷺ وقال له:
ما هذا يا رسول الله؟
فقال له: قسمته لكَ!
فقال: يا رسول الله، ما على هذا بايعتُكَ!
ولكني بايعتُكَ على أن أُرمي بسهمٍ ها هنا
يخرج من ها هنا فأدخل الجنة وأشار إلى رقبته!
فقال له النبيُّ ﷺ: إن تصدق الله يصدقك!
ثم كانتْ غزوة أخرى خرج هذا الأعرابي فيها ،
فجيء به شهيداً والسَّهم مغروز في رقبته حيث أشار،
فقال النبيُّ ﷺ: أهو هو؟
فقالوا: نعم يا رسول الله!
فقال: صدقَ اللهَ، فصدقه اللهُ!
يا صحابيّة،
كوني طموحة واغتنمي الفُرص!
ولا تكوني كالأعرابي الذي سنحتْ له فرصة ذهبيّة،
بإمكانه أن يستغلها أحسن استغلال،
فطلبَ شيئاً زائلاً من دنيا زائلة!
صحيح أن اللهَ يُحِبُّ أن يُسأل،
وقد أوحى إلى موسى عليه السلام فقال:
يا موسى سلني علفَ دابتكَ، وملح عجينتك، وشِراك نعلك
ولكن الفكرة أن تُعلقي قلبكِ بالجنَّة!
كل ما حال بينكِ وبينها فاتركيه!
وكل ما أبعدكِ عنها فدعيه غير مأسوفٍ عليه!
ومن الله العوض!
يا صحابيّة،
اسألي عما لا تعرفينه،
لا عيب في هذا أبداً !
العيب أن يعتبر الإنسان نفسه علاَّمة زمانه،
فهذا موسى عليه السلام كليم الله،
يسأل عن مكان قبر يوسف عليه السلام لأنه لا يعرف مكانه،
لم يولد أحدٌ متعلماً!
ولكنا نجهل أشياء كثيرة،
فاعبدي الله على بينة،
اسألي عن أمور دينك لتعبدي الله عن علم!
اقرئي، وتثقفي، وازدادي علماً ومعرفة،
المعرفة قوة! . ❝
❞ أنتِ أيضاً صحابيَّة!
وها هو نبيُّكِ ﷺ، وحبيبكِ قد عاد من رحلته إلى السَّماء!
جالسةٌ أنتِ في جمع الصَّحابة
وكلُّكِ لهفة لتسمعي شيئاً من عجائب المعراج!
وها هو الذي حلَّ ضيفاً في سِدرة المنتهى،
يُسرِجُ لكِ صهوةَ الكلامِ بعذبِ صوته ويقول لكِ:
لمَّا كانت الليلة التي أُسريَ بي فيها،
أتتْ عليَّ رائحة طيِّبة،
فقلتُ: يا جبريلُ ما هذه الرائحة؟
فقال: بينما هي تُمشِّطُ ابنة فرعون ذات يوم
إذ سقطَ المشطُ من يدها، فقالت: بسم الله!
فقالتْ لها ابنة فرعون: أبي؟!
فقالتْ: لا، ولكن ربي وربُّ أبيكِ الله!
قالتْ: أأخبره بذلك؟
قالت: نعم!
فأخبرته، فدعاها،
فقال: يا فلانة وإنَّ لكِ ربَّاً غيري؟
قالتْ: نعم، ربي وربُّكَ الله!
فأمر بقِدْرٍ من نُحاسٍ فأُحميتْ
ثم أمرَ أن تُلقى هي وأولادها فيها!
قالتْ له: إنَّ لي إليكَ حاجة!
قال: وما حاجتكِ؟
قالتْ: أُحبُّ أن تجمع عظامي وعظام أولادي
في ثوبٍ واحدٍ وتدفننا!
قال: ذلكَ لكِ علينا من الحق!
فأمر بأولادها فأُلقوا بين يديها واحداً واحداً!
إلى أن انتهى ذلكَ إلى صبيٍّ لها رضيع،
وكأنها تقاعستْ من أجله،
فقال: يا أُمَّاه، اقتحمي،
فإنَّ عذابَ الدنيا أهون من عذاب الآخرة!
أرأيتِ ما يفعلُ الإيمان بالقلوب أيتها الصحابيَّة؟!
أرأيتِ كيف يُحوَّل المرء من كائنٍ ضعيفٍ
إلى جبلٍ ثابتٍ لا يركعُ إلا لربِّه،
إنها مجرَّد ماشطةٍ بين آلاف الخدم،
وفرعون الملكُ الجبَّار الذي يهابه الرجال الأشداء
وينادي في الناس كذباً وزوراً: ﴿أنا ربكم الأعلى﴾
فلا يجد من يخبره بكفره وافترائه
بلد كاملٌ منصاعٌ له عن آخره خوفاً ورهبة
ولكن الإيمان غيَّرَ كل هذه المعادلة!
الخادمة الضَّعيفة في مواجهة الملكِ الذي يحكم ظلماً،
والإله الذي يُعبدُ كُفراً،
مواجهة محسومة مسبقاً لولا الإيمان الذي قلبَ الموازين،
وقفتْ الماشطة بثباتٍ حيث يرتجفُ الرِّجال،
وقالتْ لفرعون قولاً لم يسبق أن سمعه من غيرها،
ربي وربُّكَ الله!
كل جيوش فرعون لم تُغنِ عنه شيئا،ً
كل جبروته ذهبَ أدراج الرياح،
وجلس صاغراً يأخذ درساً في التوحيد من ماشطة ابنته:
˝ربي وربُّكَ الله˝!
لولا الإيمان ما سمعنا بهذه المرأة،
ولطواها التاريخ كما طوى ملايين الناس،
ولكنه الإيمان أقوى جنود الله إذا ما تمكَّنَ من القلب!
أنتِ بالإيمان، جبل وإن كنتِ تفيضين أنوثة!
وأنتِ بالإيمان جيش، وإن كنتِ وحدكِ!
مع الإيمان لا شيء في الدُّنيا يستطيعُ هزيمتكِ،
إنه سلاحُكِ الأقوى، وسيفُكِ الأمضى!
تتأملين أنوثتكِ في المرآة
وأنتِ المفطورةُ على أن تُظهريها لتُشبعي جوع الحُب عندكِ،
ولكنَّ الإيمان الذي في قلبكِ يجعلكِ تقولين لنفسكِ؟
هذا الجمال يجب أن يُصان عن العيون،
هذه الأنوثة سأخبئها إلى حين يأتي صاحبها،
فيجدني كالدُّرة المُصانة التي لا تُعرضُ في الواجهات!
الذَّهب يُعرضُ على الرفوف أمام المارَّة،
أما الدُّررُ فتُخبأ إلى أن يأتي من يعرف قيمتها!
أنتِ بالإيمان أقوى!
يمرُّ بكِ الفقرُ الذي يمرُّ بالنَّاس فيسخطهم على قَدَرِ الله،
أما أنتِ فتقولين له:
إنَّ الله تعالى لم يحرمني عن قلَّة ما عنده،
فخزائن السماوات والأرض بيده،
ولكنها دار امتحان وقد ابتلاني اللهُ بكَ
لينظرَ أأصبرُ أم أكفر!
وأنا صابرة محتسبة فأقِمْ يا فقر ما شئتَ عندي،
فلستَ تقيمُ بأمركَ ولا ترحلُ بأمركَ،
إنَّ الأمر كله لله!
ثم تعزين نفسكِ بنبيِّكِ ﷺ، وحبيبكِ
تتذكرين كيف نام على الحصير حتى أثَّر في جنبه ﷺ،
فلم يكن عنده فراش وثير!
وتتذكرين كيف كان ﷺ يربطُ حجراً على بطنه من الجوع،
وكيف كانت تمرُّ الأيام ولا يوقَدُ في بيته ﷺ نار لطعام،
ليس له ﷺ، ولزوجاته من الطعام غير التمر والماء!
فتهون عليكِ نفسكِ أمام نفسه،
وتهمسين لنفسكِ: أنا أيضاً صحابيَّة،
وسأصبر كما صبر رسول الله ﷺ!
أنتِ بالإيمان جبل،
يمرُّ بكِ المرضُ الذي يمرُّ بالناس،
ويجعلهم غير راضين على قدر الله،
أما أنتِ فتقولين له:
إنَّ الله نظرَ إليَّ فأحبَّني،
وأراد أن يرفع درجتي في الجنّة،
فأرسلكَ إليَّ!
فواللهِ لن تجد مني يا مرض غير الحمد والصبر،
لستُ خيراً من أيوب عليه السلام إذ ابتلاه ربه،
ولستُ خيراً من نبيي وحبيبي ﷺ،
إذ كان ﷺ يربطُ رأسه من شدة الصُداع،
ويجهده التعب والوجع إذا راجعه أثر سُمِّ اليهودية،
الذي دسته له في كتف الشاة!
يا أيها المرضُ لم تأتِ بأمركِ،
ولن ترحلَ بأمركَ،
إنَّ الأمر كله للهِ،
فإن أقمتَ عندي فلن تجد إلا الصبر
وإن رحلتَ فلن تجدَ إلا الشُّكر
أنا أَمةُ الله، ومُلكه، وله، وطوع أمره، وبين يديه
وكل أقداره خير!
أنتِ بالإيمان غير!
يمرُّ بكِ فقدُ الأحبة الذي يمرُّ بالناس،
ويجعلهم يتذمرون فقد أحبابهم،
أما أنتِ فتقولين له:
لله ما أعطى، ولله ما أخذ، وكل شيءٍ عنده بقدر!
وتتعزين بنبيكِ وحبيبكِ ﷺ،
تتذكرين حزنه يوم فقد زوجته خديجة،
وتتذكرين وجعه يوم فقد عمه حمزة،
وتتذكرين دموعه يوم فقد ابنه الرضيع إبراهيم،
فتعلمين أنها أعمار مكتوبة، وآجال محددة،
وأننا سنمضي جميعاً نهاية المطاف،
وأننا لسنا إلا ودائع في هذه الدنيا،
وأن صاحب الوديعة من حقه أن يستردَّها متى شاء!
لم نُخلق للدنيا أيتها الصحابيَّة،
لسنا إلا عابرين في سفرٍ طويلٍ،
بيوتنا الحقيقية في الجنّة،
حيث سكن أبونا آدم عليه السلام وأُمنا حوَّاء يوماً،
إلى هناك ننتمي، وإلى هناك سنعود،
فاصبري،
فمن عرفَ ما يطلبُ هان عليه ما يبذل! . ❝
❞ أنتِ أيضاً صحابيَّة!
تخيّلي معي هذا المشهد، وعيشيه بقلبكِ وروحكِ؛
جالسةٌ أنتِ مع النبيِّ ﷺ
تُكحلين عينيكِ برؤية وجهه ﷺ
تفتحين قلبكِ على مصراعيه لتسمعي حديثه ﷺ
فالحبيبُ ﷺ يُسمعُ بالقلب لا بالأذن!
وتمرُّ جنازة فيثني الصحابة عليها خيراً،
لربما تسمعينهم يقولون:
كان هذا الميت صديقاً وفياً، وزوجاً مُحبّاً،
وابناً باراً، وجاراً كريماً،
كان يتصدَّقُ على المساكين،
ويسدُّ دَيْن المدينين،
كان يجبرُ الخواطرُ، ويربتُ على الأكتاف،
كثيراً ما مسح دمعة حزين،
ومدَّ يد المساعدة لمتعثر،
كان صديقاً للمصحف،
ومشَّاءً إلى المساجد!
فقال النبيُّ ﷺ: وجبتْ!
ومضى وقت قصير ومرَّتْ جنازة أخرى،
فأثنى الصحابة عليها شرّاً!
لربما تسمعينهم يقولون:
كان هذا الميت صديقاً غادراً، وزوجاً قاسياً،
وابناً عاقاً، وجاراً لا يُؤتمن،
لم يتصدّقْ يوماً على مسكين،
كان يكسرُ الخواطر بأفعاله،
ويجرح الكرامات بأقواله،
كان هاجر للقرآن، ولا تعرف قدماه طريق المسجد!
فقال النبيُّ ﷺ: وجبتْ!
فسأله الصحابة: ما وجبتْ يا رسول الله؟
فقال: من أثنيتم عليه خيراً وجبتْ له الجنة،
ومن أثنيتم عليه شرّاً وجبتْ له النار،
أنتم شهداء الله في الأرض!
أما الآنَ وقد سمعتِ كل هذا،
وعرفتِ أنكِ ستُحملين يوماً على الأكتاف إلى قبركِ،
وأن الناس الذين تتعاملين معهم اليوم،
هم شُهداء الله في الأرض،
فأصلحي شُهودكِ!
كوني ابنةً بارَّةً،
حتى إذا متِّ قال أبواكِ:
اللهمَّ ارحمْ بنتاً جبرتْ خواطرنا
وأحسنتْ معاملتنا
كانت تغضُّ صوتها، وتنتقي كلامها
وتُسابق جميع أخواتها في رضانا!
كوني زوجةً مُحبَّة،
حتى إذا متِّ قال زوجكِ:
اللهم ارحمْ زوجةً أحبتني كروحها،
صانتْ عِرضي، وأنارتْ بيتي،
عطفتْ على أولادي، واحترمتْ أهلي،
اللهم إنها كانتْ صابرة في الضَّراء،
شاكرة في السَّراء،
فاجعلْ قبرها روضةً من رياض الجنّة!
كوني أُماً رؤوماً،
حتى إذا متِّ قال أولادكِ:
اللهم ارحمْ أُماً حنوناً، وقلباً عطوفاً،
أفنتْ عمرها في سبيلنا، وقدمتنا على نفسها،
أمرتنا بالصلاة، ولاحقتنا على الصيام، وحفَّظتنا القرآن،
اللهمَّ إنها لم تُميِّزْ بيننا،
ولم توغر صدورنا على بعضٍ،
وتركتنا بعدها إخوة متحابين،
فاللهمَّ أكرِمْ نُزلها، وأنِرْ قبرها!
كوني أُختاً طيِّبة،
حتى إذا متِّ قال إخوتكِ:
اللهمَّ إنها كانتْ شقيقة الروح وقطعة القلب،
وصلتْنا حين قطعناها،
وأعطتنا حين منعناها،
ما سمعنا منها إلا خيراً، وما رأينا منها إلا خيراً
فاللهمَّ اجعلْ قبرها روضةً من رياض الجنَّة!
كوني كنَّةً حنوناً،
حتى إذا متِّ قالتْ حماتكِ:
اللهمَّ إنها كانتْ لي ابنةً أكثر من بناتي،
جبرتْ خاطري، وراعتْ مشاعري،
وأعانتْ ابني على برِّي،
اللهم كُنْ بها رحيماً كما كانتْ بي رحيمة!
كوني حماةً طيِّبة،
حتى إذا متِّ قالتْ كنتُكِ:
اللهمَّ إنها كانت لي أُماً مع أمي،
ساندتني حين ضعفتُ،
وواستني حين حزنتُ،
وأمرتْ ابنها بحُسن معاملتي،
ولم تُفضِّل أولاد غيري على أولادي،
اللهمَّ عاملها اليوم بما يليقُ بكرمكَ!
كوني جارةً مُحبَّة،
حتى إذا متِّ قالتْ جارتكِ:
اللهمَّ إنها كانت لي أُختاً
كانتْ في المصائب كتفاً
وفي النوائب عكازاً
ما كشفتْ لنا سراً،
ولا هتكتْ لنا عِرضاً،
كانتْ تزورُ مريضنا، وتُعزي في ميّتنا،
تُهدينا الطعام، وتُلقي علينا السَّلام،
فاللهم كُن لها جاراً وجواراً!
كوني صديقةً مأمونة،
حتى إذا متِّ قالتْ صديقتكِ:
اللهمَّ إنها كانتْ من نِعمكَ عليَّ،
كانتْ تُذكرني بكَ، وتحثني على طاعتكَ،
أهدتني مصحفاً هو رفيقي،
وسُبحةً هي دوماً في يدي،
لم تُفشِ لي سرِّاً،
كنتُ إذا اعوججتُ باللطفِ قوَّمتني،
وإن حزنتُ واستني في حزني،
وإن فرحتُ شاركتني في فرحي،
اللهمَّ إنها فتحتْ لي قلبها وبيتها،
فابنِ لها بيتاً في الجنة! . ❝