❞ في قصر فرعون!
أنتِ أيضاً صحابيَّة!
عندكِ شغف رهيب لمعرفة أخبار الأمم السَّابقة
,
تجدين في هذا تثبيتاً لقلبكِ
,
وتعزيةً لروحكِ
,
وتزدادين يقيناً أنَّ هذا الدِّين واحد عند الله
,
بدأ بآدم عليه السَّلام وخُتم بمحمدٍ ﷺ!
تختلفُ الشَّرائع
, وتتفاوتُ العبادات
,
أما الدِّين فواحد لا يتغيَّر عنوانه قول ربِّكِ:
˝إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ˝
وها هو نبيُّكِ وحبيبُكِ ﷺ يَسرجُ لكِ صهوة صوته العذب
,
وها أنتِ تمتطين ظهر الكلام
,
وتعودين أدراجكِ إلى ماضٍ سحيق لم تعيشيه
,
وتطَّلعين على غيبٍ لم تشهديه!
يقولُ لكِ حبيبكِ ومصطفاكِ وقُرَّة عينيكِ:
لم يكذبْ إبراهيم عليه السَّلام إلا ثلاث كذباتٍ
ثنتين في ذات الله!
قوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ˝﴾
وقوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾
وبينما هو ذات يومٍ وسارة
إذ أتى على جبَّارٍ من الجبابرة
فقيل له: إنَّ ها هُنا رجلاً مع امرأةٍ من أحسن الناس
,
فأرسلَ إليه فسأله عنها
, فقال: من هذه؟
قال: أختي!
فأتى سارة فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيركِ
,
وإنَّ هذا سألني فأخبرته عنكِ أنكِ أختي
,
فلا تُكذبيني!
فأرسلَ إليهما
, فلما دخلتْ عليه ذهبَ يتناولها بيده
,
فأُخِذ!
فقال لها: ادعي الله أن يُطلقَ يدي
, ولا أضُرّكِ
فدعتْ
, فأُطلِقَ!
ثم جاءَ يتناولها الثانية
, فأُخِذَ مثلها أو أشدَّ
,
فدعا بعض صحبته
, فقال:
إنكم لم تأتوني بإنسانٍ
, إنما أتيتموني بشيطان!
فأتتْ إبراهيم وهو يُصلي
, وقالتْ:
كفَّ الله يدَ الفاجر
, وأخدمني هاجر!
والقصّة أيتها الصحابيّة باختصار:
أنَّ إبراهيم عليه السّلام عندما أخرجه قومه من العراق
,
توجه بزوجته سارة إلى مصر
,
وكانتْ سارة أجمل امرأة في تاريخ البشرية
,
حتى ليُقال أن جمال يوسف عليه السلام بعِرْقٍ منها فهي جدَّتُه!
وكان فرعون في ذلك الوقت زير نساء
,
لا يرى امرأة جميلة إلا أرادها لنفسه
,
وكان قد أمر جنوده إذا رأوا امرأةً جميلة أن يخبروه بها
,
فأخبره جنوده بجمال سارة
,
فأرسل فرعون إلى إبراهيم عليه السلام يطلبه
,
فلما حضر عنده سأله عنها
,
فقال له إبراهيم عليه السَّلام: هي أختي!
لأنه يعلمُ أنه لو قال إنها زوجته
,
فسيقتله
, ويأخذها منه!
ولما حضر إبراهيم وسارة إلى قصر فرعون
,
أمر فرعون أن تُحملَ إليه
فلما أراد أن يمدَّ يده عليها تخشَّبتْ يده!
فطلبَ منها أن تدعو الله له أن يفكه ولن يقربها
,
لأنه علم أنها وإبراهيم عليه السلام موحدين يعبدون الله
,
فدعتْ له
, فشُفيَ
,
ولكنه حنثَ بوعده
, وقام يحاولُ أن يمدَّ يده عليها
,
فأصابه أشد مما أصابه في المرّة الأولى
,
فنادى على خدمه وأخبرهم أنَّ هذه شيطانة لا إنسانة!
وأمرَ أن يطلقوها ويعطوها هاجر هديةً لها
,
فعادتْ إلى إبراهيم عليه السلام وهو يصلي
, وأخبرته بالأمر
,
وقيل إنَّ الله سبحانه قد كشفَ الحجاب لإبراهيم عليه السلام
,
فكان يرى ما يحدث بين فرعون وسارة
تعزيةً لخليله إبراهيم
,
وطمأنة لقلبه أن عِرضه مُصان!
يا صحابية
,
إنَّ الكذبَ الوارد في القصة ليس هو الكذب الذي تعرفينه
,
ذاك الكذب الذي يقلب الحقَّ باطلاً
,
وإنما هو إخبار بغير الحقيقة للضرورة
,
والإسلام العظيم دين الواقعية والحياة بامتياز
,
لذلك أباح الكذب في ثلاثة مواضع!
كذب المسلمُ على أعدائه
,
فليس من المنطق أن يأخذ الكفار أسيراً مسلماً
,
ويسألوه عن أسرار المسلمين فيخبرهم!
وكذب المسلم لإصلاح ذات البين
فعندما تقعُ الخلافات بين الناس يجب حلَّها
,
فإذا وقع بين صديقتيكِ خلاف
,
جئتِ إلى صديقة منهما وقلتِ لها:
فلانة تُحبكِ
, ونادمة على ما كان منها
,
وقد قالتْ عنكِ كلاماً جميلاً
,
دعينا لا نتحدث عما حدث
, ونصلح الذي كان
,
وتقولين للأخرى مثل ذلك وبهذا ينتهي الخلاف
,
ولكِ أجر الصلح وليس عليكِ إثم الكذب!
وأباح الإسلام العظيم كذب الرجل على امرأته
,
وكذب المرأة على زوجها
,
إذا ما تعلَّقَ الأمر بجبر الخواطر
, ومراعاة المشاعر
,
يقولُ الرجل لزوجته: أنتِ أجمل امرأة في الدنيا
,
وهو يعرفُ أنَّ هناك من هي أجمل منها
,
وهي تعرفُ كذلك
,
ولكن هذا ليس مضمار الحقيقة
,
لأن الحقيقة هنا تكسر القلب!
وقد يمدح ثوباً لبسته وهو لا يُعجبه
وتسريحة شعرٍ وهي لا تروق له
,
وطبخة جديدة وهو لم يستطِبْها
,
وكل هذا داخل في باب جبر الخواطر
,
وجبر الخواطر عبادة!
وما يُقال في حق الزوج
, يُقال في حق الزوجة أيضاً!
سألَ رجلٌ زوجته إن كانتْ تُحبُّه
, وناشدها الله أن تصدقه
,
فقالتْ: أما إنكَ ناشدتني الله
, فلا أُحبُكَ!
فشكاها إلى عمر بن الخطاب
,
فأرسل عُمر في طلبها
, وأنَّبها على ما كان منها
فقالتْ له: يا أمير المؤمنين
, أتريدني أن أكذب عليه؟!
فقال لها: نعم اكذبي عليه
, أَكُلُّ البيوت بُنيت على الحُب
,
ألا إنَّ الناس يتعاملون بالمروءة والذمة!
يا صحابية
,
صرتِ تعرفين الآن أن ما كان عليه إبراهيم عليه السّلام
,
إنما كان من باب حُسن التدبير والحيلة
,
وكذلك قوله ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾
كان كي لا يخرج معهم إلى عبادة غير الله
,
وقوله ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾
كان من باب إقامة الحُجة عليهم
,
وكي يريهم أن هذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله
إنما هي عاجزة لا تضر ولا تنفع!
فلا تكوني فظّة بدعوى أنكِ تقولين الحقيقة!
عند جبر الخواطر ˝الدبلوماسية˝ هي المطلوبة
,
وعندما تقع الخلافات كوني رسول خير
,
ولا تمشي بالنميمة بين المتخاصمين
, فتصبين الزيت على النار
وتذكري: لا يدخل الجنة نمَّام!
يا صحابية
,
من أرادتْ العِفَّة عفَّها الله
,
إنَّ الله أعدل من يراك تطلبين الستر فيفضحك
,
وأجلَّ من أن تطلبي الخير فيوقعكِ في الشَّر
,
أصلحي قلبكِ ونيّتكِ ثم اتركيها على الله
,
كل الأسباب بيده سبحانه
,
شُلَّتْ يد فرعون لأنها امتدتْ إلى امرأة عفيفة
,
فكوني مع الله يكُنْ معكِ!
يا صحابية
,
الجمال
, المال
, والمنصب نِعَم يجب أن تُصان
,
الجمال يُصان بستره وعدم كشفه إلا لصاحبه
,
والمال يُصان بالحمد ومساعدة الفقراء
,
والمنصب يُصان بخدمة الناس
,
كوني جميلة
, واهتمي بأنوثتكِ
,
ضعي مساحيق التجميل
,
والبسي أجمل الثياب
,
واستخدمي أجمل العطور
,
ولكن في موضعها
, موضعها فقط!
تعلمي
, واحصلي على الشهادات
, وتاجري إن شئتِ
,
كوني ثرية ولكن دون كبر وكفران النعمة!
وانجحي في وظيفتكِ
, واسعي لمنصب أعلى
,
ولكن لا تنسي أبداً أنَّ الذي رفعكِ
,
قادرٌ على أن يُنزلكِ بدعوة مظلوم!
يا صحابية
,
مهما كنتِ جميلة وثرية وناجحة
,
كوني دوماً في كنف زوجكِ
,
ولا تتكبري عليه
, أو تنتقصي من رجولته!
ما هذا دأبُ الصالحات
, ولا أخلاقهُنَّ
,
مهما بلغتِ من الجمال فلن تصلي إلى جمال سارة
,
وقد كانت في كنف إبراهيم عليه السلام
,
زوجة مُحبَّة
, ورفيقة درب!
ومهما بلغتِ من الثراء
فلن تصلي إلى ثراء خديجة رضي الله عنها
وقد جعلتْ كل مالها في يد زوجها
,
وأعطته حين حرمه الناس
,
وصدقته حين كذَّبه الناس
,
وآمنتْ به حين كفرَ به الناس!
مالكِ لكِ لا شكَّ
,
وهذا حقكِ الذي لا يجادلك فيه أحد
,
ولكن البيوت التي يكون فيها جيبان
,
وهذا لكَ وهذا لي
,
العيشُ فيها لا يُطاق!. ❝