█ حصرياً جميع الاقتباسات من أعمال المُصمِّمة ❞ صابرين مهران ❝ أقوال فقرات هامة مراجعات 2024
❞ تلك الغجرية الشابة ذات (الملبس) الأسود اللامع، الذي يبدو دائمًا كأنه مبلل فوق جسد متناسق، يتدلى شعرها من تحت عصبة كشريط حول جبهتها، أسود مموج كثيف يضوع حولها برائحة عشبية. كنت أقف وأنا صبي لأراقبها بالساعات عند عم موريس حداد القرية. تكلمه قليلا ثم تصمت وتتابع عمل يديه. وهو يطرق شرائح النحاس وأعواد الحديد، ويبطط قطع الألومينيوم جاعلًا منها حليًّا ذات أشكال مختلفة، يمسكها من جديد بكلابات من الحديد ويلبث بها فوق النار لثوان ثم يغطسها في البئر، ويناولها إلى جورية، فتظل تضرب هذا في تلك، وتخبط هذه في ذاك، أو تمسكها بأطراف أصابعها وترعشها وتتسمع الرنين، ثم تطلب منه أن يزاوج حليتين ذواتي نغم معين فيشبكهما بسلك، ويعود ليقص من هذه أو يجوف تلك، أو يقوس ثالثة، وتعيد جورية اختبارها من جديد، حتى يتأتى لها الرنين الذي تريده . ❝
❞ تنقسم رواية بشاير اليوسفي إلى جزأين, الأول يحمل نفس عنوان الرواية بشاير اليوسفي, والثانى بعنوان المبدولون. يحكى الجزء الأول عن تجربة الشاب الراوى فى الجيش. ويتتبع الكاتب رضا البهات فى الكتابة تقنية تيار الوعي, حيث تبدأ الرواية بالفتى المجند ذى الأصول الريفية مسافراً بالقطار من قريته المتاخمة لمدينة المنصورة لمقر تجنيده بالسويس, فى عربة مزدحمة برفاقه العساكر وبأهل الريف, فى شتاء بعيدٍ الآن, فى آخر 1973, بُعَيد حرب أكتوبر. تصعد العربة امرأة تبيع اليوستفندى فى أوله, فتشيع فى المكان روح الألفة بين العساكر المجندين والفلاحات الشابات وفلاحة عجوز مسافرة للبحث عن ابنها الذى غاب فى الحرب ولم يزرها من زمن, حيث يشترك الجميع فى طقس التهام الفصوص الصغيرة الغنية بالعصير.. حتى يتغير المشهد حين يمر القطار على مقابر الشهداء الذين دفنهم زملاؤهم فى صحراء السويس أثناء المعركة, فيأخذ المنظر بطل الحكاية وراويها الواقف فى النافذة - يأخذه إلى تجربة إنسانية انحفرت فى وجدانه فى الأيام الأخيرة من الحرب أثناء اقتحام الدفرسوار وحصار السويس متذكراً رفاقه الذين استشهدوا فى أحضانه . ❝
❞ مقتطفات من الرواية:
الصلاةُ دموع، والذنبُ دموع، والغناءُ حَصَى الدمعِ في الصدورِ يتسامى صوبَ الفضاء، البهجةُ دموع، وخيبةُ رجاءِ الأم دموع، والسُّحُبُ قوافلُ دمعٍ تسعى إلى حيث يندَهُها اشتهاء، حتى الأبوةُ المتعَبَةُ وعَرَقُ الساعِدَين والجبهةِ تأويلٌ مُتْرَبٌ لدمعِ العين الصافي، مثلما أنَّ عطايا الجسدِ جميعَها دموعٍ تَلَزَّجَتْ بالحنين كي يكسبها قوامًا وألوانًا يؤهلانها حيزًا في الذاكرة، المطرُ دمعُ الله، والزروع تكاثِيفُ خضراءُ لِعَيْنَي الأرض، الدمعُ رصاصاتُ العجز، والنورُ دمعُ العتمة، والفتى دمعُ الفتاةِ العصي، وماءُ العين حِبْرُ الذاكرةِ في نشواتِها الخلسة، والمنيُّ دمعة القضيبِ بين يَدَيْ رحمٍ يعاتبه على ما ضَيَّعَ من وقت، الدموعُ ثواني الوقتِ وانكفاءاتُهُ، وسَيَلانُ شمعة البحر ما أضاءَتْ موضِعًا لقدمين، بينما الحَبَلُ وصرخاتُ الولادة والزغاريدُ ترجماتٌ دامعةٌ لِفِعْلِ الدِّمَاءِ في الدماء، حتى لمْ يَبْقَ شيء ضلَّ الدمعُ آيتَهُ إليه سوى حُزنِ النساء في الموت، فمن يصدقهن الآن وهن يُدَاوَلْنَه في العَلَنِ أطرافَ الطُّرَحِ وأذيالَ الجلاليب وفي السر يُهَيِّئْنَ على مسيلِهِ الأرحامَ والأبزاز، وإلَّا لماذا تربين للحياة عيونًا هكذا، وسيعةً تُسَاوِقُ نبض قلوبهن، تَرَيْنَ بها خلفَ الغيم ما تأجل من أفراح الأمس، أو لماذا أسلمَ الوجودُ لعيونهن بما ادَّعَت، مُقِرًّا بأنَّ النهرَ فيضٌ من دموعِ امرأة مكلومة، وأنَّ الرغيفَ دمعةٌ ساخنة مخبوءة في الطحين، وأن البحرَ في هيجانِ تلقفه لماء النهر، ليسَ غيرَ دموعِ الفراعين القُساةِ على ما سَيَّلُوا من دمع البشر، وما سوف يحطمون مِن جِبَاه . ❝
❞ لو أنها تمطر بمحطة مترو الأنفاق قليلاً
كلما اقترب المساء
ليتهم يسمحون بالتدخين ها هنا
للواقفين بين سُكرٍ وصَحو
تحت الجدارية الزرقاء والصفراء
فهي الآن خلف الباب في عربة الناس
تنظر في مرآة حقيبة اليد
وتطويها سريعًا
ليتها لا تقول:
˝لا تؤخرني عن العشاشرة˝ . ❝
❞ في المساء وعلى المقهى الذي يلتقي فيه أصدقاءه من المثقفين والشعراء راح يحكي عن فتاة الصبح وعن الحب وكيف أننا مقبلون عن زمن تنعقد فيه السيادة للأنثى، كلما أحكمت قبضة القسوة والانعزال الشيطانية حول قلب الإنسان، المرأة ضمان الحياة الوحيد بإهاب خضرتها الأبدية المقدسة وكان ضمن الملتقين شاعرة شابة قالت: لكن هذه القبضة المحكمة بالقسوة أيضًا داخل المرأة وحول قلبها.
فبدا له العالم ثانية قدريًا مفعمًا بالشؤم والعدم وقال إننا نتعالى على مشاعرنا الطبيعية البسيطة، كالرقة والحنان والوفاء، وأنا كم كنت أنفر من اللمسات الصغيرة بحثًا عن ذلك الشئ الكبير الذي يجتاحني كإعصار ويهز شجرة وجودي باستمرار، لكنه لم يكن يأتي أبدًا، من أجل هذا الشئ نهتك جميعًا المساحة الفاصلة بين عالم الأسطورة والحياة، مأساتنا أننا نعيش الحياة بطريقة أسطورية، فانبرى له أحدهم قائلا:
مأساتك وحدك، إن مساحة فعالية أي إنسان تتحدد بقدر الجنون فيه،
لا بقدر العقل فما بالك بشاعر . ❝
❞ الحياة أغنية قصيرة وكل أغنية تشبه حياة مغنيها، حين عاد إلى بيته حاول أن يتذكر قائل هذه العبارة، واجتاحه إحساس بالنشوة ورشاقة العقل، وأحس أنه يتهيأ لحالة الكتابة، يعرف لونها ويعاني علاماتها قبل أن يكتب، ويهيّئ لها طقوسها التي تثقل عليه أحيانًا، لكن ما البأس إنها لا تخصه وحده، تشيكوف مثلًا كان يسدل ستائر الغرفة ويدعو خادمه لينظف المكتب من التراب، ثم يحلق ذقنه، ويرتدي ثياب الخروج كاملة ويتعطر، كأنه يتهيأ للقيا حبيبه، ثم يضيء سراج الحجرة ويسمك بالقلم فلا يدعه حتى ينتهي مما كان قد هم بإنجازه . ❝
❞ أو تقول:
˝إنني حُبلى˝
ليته لون أظافرها يكون مثلما أحب
لا ليس مهمًا لون أظافرها أو شكل الحجاب
ليت جارتها تحتمل العيال لساعة إضافية
كي تطيل البقاء
ــــــــــــــــــــــــــــ
لا غيمة تنزف أغانٍ أو طعامًا
أو تريق على الفضا حلمًا بأوطان جميلة
كل الغيوم إذا أضلت
أو تمزق ماؤها عند انعطافات السماء
سالت دمًا . ❝