❞ مصر "سياحة تاريخية" - خطبة للشيخ محمد الغزالي(*)
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير.
وأشهد أن محمدا رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
■ الدين والحضارة:
أما بعد: فإن الله جل شأنه ذكر بلدنا هذا- مصر- فى مواطن كثيرة من كتابه العزيز، وهذا يشير إلى أن بلدنا هذا- مصر- قديم التاريخ موصول الحضارة، تعتبر المدنية التى نبتت على شاطئه من أعرق المدنيات على ظهر الأرض، ويبدو أن الحياة الرتيبة فى هذا الوادى، وأن الاستقرار الذى يصبغ جوه وأحواله عموما أعان على تكوين حضارة فى بلدنا هذا.. حضارة تغلغلت فى تاريخ الإنسانية وتركت أثرا واضحا نضح على ما حولها، وأفاد الآخرون منه إفادة غير منكورة .
وكانت الحضارة المصرية على الإجمال حضارة متدينة، يظهر أن تربة هذا الوادى لا يصلح فيها الإلحاد ولا يتشبث بها إلا الإيمان .
كان الناس فى أودية كثيرة من قارات الأرض يبحثون عن لقمة الخبز، وجهدهم أن يصلوا إليها ، فإذا وصلوا إليها استراحوا واطمأنوا، أما المصريون القدماء ، فكان جهدهم كيف يعبدون ربهم، كيف يرضونه جهدهم، كيف يؤمنون لقاءه يوم يلقونه، كيف يمهدون للدار الآخرة بالعمل الصالح فى هذه الدنيا .
ومع أن حضارة المصريين الأقدمين اختلط الإيمان فيها بين توحيد وتعديد، فإنها على الإجمال كما قلت لكم كانت حضارة متدينة، وكان الشرك فيها إن حدث فاستجابة للرأى السائد يومئذ فى الدنيا، وهو رأى يرفضه الإسلام بداهة.
هذا الرأى أساسه أن الاتصال بالله الواحد صعب وأنه لابد من وسطاء يمهدون له أو يوصلون إليه، وبداهة رفض الإسلام هذا المعنى لأنه أعطى كل امرئ الحق إذا عبد الله أن يقف بين يدى ربه يقول له: (الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم) ، وإذا أذنب أن يقف أمام ربه نادما مستغفرا بقوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) .
لكن أجيالا ضلت طريقها لم تحسن الصلة بالله، وكان المصريون الأقدمون عموما أهل توحيد حينا، وأهل تعديد حينا آخر،. وإن كان التوحيد قد غلب عليهم فى فترات كثيرة من حياتهم وتاريخهم.
■ المصريون والرومان:
ثم وقع شىء لابد أن يذكر، فقد هجم الرومان على مصر، وكان الرومان يومئذ وثنيين واحتلوا هذا البلد قرابة ستة قرون !!.
كانت مدة طويلة كليل الشتاء البارد المظلم، وكان مجىء الرومان إلى مصر فى موجة من موجات المد التى تجعل بعض الأجناس يستغل خصائصه، ويمتطى قواه كى يستعبد غيره ويستخلص لنفسه خيره، ويجعل من نفسه سيدا، ومن الناس عبيدا !!.
كان الرومان لما دخلوا مصر على هذا النحو، ووقعت أمور نذكرها .
فى أثناء احتلال الرومان لمصر ظهرت المسيحية، وقيل إن عيسى ابن مريم وأمه جاءا إلى بلدنا هذا، فارين من بطش الرومان، ومن ضغط حكامهم ، أو من عسف الحاكم هناك ومن ضغطه ، ورجع بعد أن نمى عوده، وأخذ يؤدى دعوته فى فلسطين.
لكن المصريين كانوا قد اعتنقوا النصرانية، ولما اعتنق المصريون النصرانية ضاق الرومان بهم، وغضبوا منهم؛ لآن الرومان عباد أصنام ؛ لأن الوثنية الرومانية كانت تصبغ الحكم صبغة شديدة، حاول الرومان أن يردوا المصريين عن المسيحية التى اعتنقوها ولكن المصريين أبوا وتشبثوا بدينهم الذى اختاروه لأنفسهم.
وبدأ عصر من العسف والطغيان والمذابح حتى قيل إنه ما من قرية فى مصر أو مدينة إلا سفك فيها الدم وكثر فيها القتلى !! .
أبى المصريون أن يتركوا الديانة النصرانية التى اختاروها لأنفسهم، وبدأ بهذا العصر الذى يسمى " عصر الشهداء " بدأ التاريخ المسيحى فى مصر، وهو تاريخ يشرف أهله؛ لأن أهله قاوموا عبادة الأصنام، ودفعوا ثمن المقاومة من دمهم وأبوا إباء شديدا أن يتحولوا عن التوحيد وعن الكتاب السماوى الذى جاءهم، ثم شاء الله بعد ذلك أن يدخل الرومان المسيحية !!.
ولكن الرومان لما دخلوا المسيحية دخلوها على نحو غريب، حتى قال بعض المفسرين: لا يدرى أتنصر الرومان أم ترومت النصرانية؟!. .
أيا ما كان الأمر فقد تحول الرومان إلى النصرانية واعتبرت الديانة الرسمية لهم، لكن المذهب أو الفهم الذى استقر الرومان عليه كان فهما آخر غير الفهم الذى استقر عند المصريين.
وحدث نزاع نظرى تحول إلى جدل مر، وإلى أخذ ورد طويلين، ئم رأى الرومان وعلى رأسهم هرقل أن يفرض المذهب الرومانى ومذهب الكنيسة الكاثوليكية على المصريين !!.
وهنا قاوم المصريون الرومان وبدأوا عصرا يشبه العصر الأول، عصر الاضطهاد، والاستشهاد، إلا أن هذا العصر الجديد لم يطل.
■ المصريون والإسلام:
فقد شاء الله أن يخرج من قلب جزيرة العرب مد إسلامي عريض انتشر فى أنحاء العالم انتشار السنا بعد ليل معتكر، انتشار الرحمة بعد عصر ملىء بالقسوة والمرارة!!.
ونال المصريين شىء من هذه الرحمة، فإذا عمرو بن العاص يقرع أبواب البلاد وهى فى حال منكرة من الاضطهاد والفوضى !!.
كان بطريرك الأقباط محبوسا ، وكان أخوه قد قتل بعد أن عذب بالنار، وكان رجلا بدينا فتقاطر دهنه على النار، ثم رمى به فى أمواج البحر الأبيض فمات غرقا .
لما دخل عمرو بن العاص عرض دينه عرضا عاديا !!
الناس لا تفهم كيف عرض عمرو الإسلام؟
إن الإسلام لا يعرض فى مجالس مناظرة، وهو فى مجالس المناظرة قادر على أن يقهر الخصم، وأن يعلن الدليل، ولكن الإسلام عرض نفسه حُكْما عادلا ومجتمعا فاضلا ، ونفوسا بلغ من صفائها وعفتها أن قال الرافعى فيها: " ربما خافت البنت على نفسها من أبيها، ولكنها لا تخاف على نفسها من الفاتح العربى المسلم "!!.
دخل الإسلام مصر حرية عقل وضمير، وتوازن مجتمع لا تطغى فيه طبقة على أخرى.
دخل الإسلام مصر، وأمام المسلمين قول نبيهم عليه الصلاة والسلام لهم:" إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع " .
دخل الإسلام مصر فكان أول ما محاه التعصب الدينى، وقال للأقباط: كنائسكم لكم تعبدون الله فيها على رأيكم وفهمكم لا يجبركم أحد على رأى أو على مذهب، أو على معتقد، وأطلق سراح البطريرك المحبوس حتى قيل: وأعان الأقباط فى بناء بعض الكنائس .
والعجيب أن عمرو بن العاص رضى الله عنه الذى دخل مصر فبنى هذا المسجد - مسجد عمرو بن العاص - للركع السجود، والذى أقام حكما ذوب فيه الفوارق بين الأجناس والألوان، عندما أخذت ابنه نشوة من نشوات النصر، أو نزوة من نزوات العرب، أو قوة من قوى الجاهلية فأساء إلى أحد الأقباط، وكان القبطى ماكرا لبيبا ، فذهب إلى الرجل الذى أرسل عَمْرا ، ذهب إلى عُمَر نفسه وشكى له !!
فجاء عمر صاحب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتلميذه، جاء بالقبطى المظلوم وبابن عمرو بن العاص ابن الحا كم وقال لعمرو: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.. !؟
ثم قال للقبطى: خذ حقك من ابن الأكرمين !!
ثم قال فى فترة من فترات الغضب لله: " لو شئت أدرت السوط على صلعة عمرو بن العاص !!.
هذا حكم النبوة، هذا حكم الإسلام .!!
كان الإسلام يومئذ عقيدة تعرض نفسها ، على أى شىء تعتمد؟ على صفاء حقائقها، على نضارة عقائدها وغزارة فضائلها، ووفرة المثل الرفيعة التى تدعو إليها.
والرجل يوم يكون صاحب ثروة طائلة من الصدق والشرف والرحمة والوفاء والعفة فإنه يطمئن إلى أن ثروته هذه ستوطئ له الأكناف، وتفتح له القلوب، وتضئ له النواصى.
ولذلك ما فكر الإسلام فى بلد دخله أن يقيد الحريات، لِمَ يقيدها؟ والحرية عونه الأول على غرس الإيمان وتصحيح المعتقد، ما فكر الإسلام يوما أن يقيم حكما استثنائيا، ولِمَ يقيمه؟ والعدالة هدفه، وهو يعلم أن الله عز وجل إنما ينصر أو يهزم بمقدار قوة الصلة به أو ضعف هذه الصلة.
ظل المسلمون الذين جاءوا إلى مصر وهم أربعة آلاف مع عمرو لحقهم عدد قليل بعد ذلك من الناس بعد أن قوضوا الحكم الروماني ، ظلوا على هذا النحو قلة، ولكن المصريين أخذوا يغلغلون البصر فى الدين الجديد، وفى المبادىء التى قام عليها، وبدأوا يدخلون فيه، وظل المصريون يدخلون فى الإسلام خلال القرن الأول، وخلال القرن الثانى ، ولم يتحول الإسلام فى مصر إلى كثرة فى السكان إلا فى القرن الثالث تقريبا !!، والأساس هو ما قلت لكم: دين لا يعرف قط إلا مخاطبة العقل الحر، وإيقاظ الضمير النائم ، وما يعتمد فى نشر مبادئه على عصا أو على إكراه.
■ نسل الفاتحين أم نسل السكان الأصليين؟:
يخطىء المسلمون فى مصر الآن خطأين: الخطأ الأول: أن عددا منهم لا أدرى أهو عدد كبير أم صغير؟، يقول بشىء من الغباء: إننا عرب، يقصد بذلك أنه نسل الفاتحين، هذا كذب، هذا كذب!! ولعل مركب النقص هو الذى يدفع إلى هذا الزعم !! فنحن فى الحقيقة أبناء المصريين الذين أسلموا !! ربما كان هناك عدد من أبناء العرب الذين وفدوا، لكن هذا العدد قليل !! أما الكثرة الكبرى من المصريين فهم أبناء المصريين الذين دخلوا فى الإسلام.
وعندما يقول المصريون إنهم أبناء الفاتحين يعطون غيرهم حجة مكذوبة أنهم أبناء مصر وأن غيرهم وافد وطارىء ، وهذا غير صحيح !! يجب أن نعرف الحقائق فإن أكثرنا غافل.
أريد أن أقول لكم: إن شيخ الأزهر العباسى المهدى كان أبوه قبطيا!! ويوجد بين أئمة المساجد الآن وبين مفتشى المساجد وبين علماء الأزهر رجال آباؤهم أو أجدادهم من الأقباط!!.
فالقول بأن المصريين أبناء الفاتحين غلط فاحش ما ينبغى أن يقال، هذا خطأ يرتكب !!.
■ فتح عربي أم تحرير إسلامي؟:
الخطأ الثانى: الذى يرتكبه المسلمون أنهم يسمون مجىء عمرو بن العاص الى مصر: الفتح العربى لمصر !!.
كان هذا التعبير سليما يوم كانت كلمة فتح تعنى شيئا آخر غير المفهوم الذى عرف به الآن فى العالم، فكلمة الفتح الآن تساوى الغزو، والحقيقة أن الوصف الدقيق لمجىء العرب إلى مصر هو تحرير العرب للمصريين!!.
الجيش الذى انطلق من المدينة عبأه أبناء محمد عليه الصلاة و السلام فى عقيدته، وحملوه راية التوحيد، لم ينطلق كى يُكره على إيمان، وإنما انطلق كى يحرر شعوبا مستعبدة أو كما قال أحد القادة لحاشية كسرى : تقولون: لم جئتم؟ " جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد " !!
لم نجيء لنستعبد الخلق، والدين لله ، هذا ما ينبغى أن يعرف، وهنا أريد أن أشرح هذا المعنى، وألقى الضوء عليه:
توجد الآن فى أفريقيا شعوب ترسف فى قيود الهوان مسروقة تحت الشمس !!
توجد شعوب تترنح تحت ضربات الأقوياء الذين ألهبوا الجلود بسياطهم، وكمموا الأفواه حتى لا تصيح من الألم !!.
توجد الآن فى جنوب أفريقيا وفى روديسيا، وفى مستعمرات البرتغال الثلاث فى وسط أفريقيا وغربها، وتوجد تحت راية حكومات مستقلة للأسف، توجد جماهير كثيفة تضرع إلى الله أن يرسل إليها من يفك الأغلال عنها، ومن يكسر أبواب السجون التى قبعت وراءها فهى لا تعرف فى قيودها وسجونها إلا الهوان والبأساء والضراء !!
لو أن جيشا ذهب إلى الملونين فى جنوب أفريقيا ليسقط الحكم القائم، ويقيم حكم مساواة ورشد، لو أن جيشا ذهب إلى مستعمرات المستعبدين تحت الحكم الكاثوليكى البرتغالى وأسقط الراية التى هناك، وأقام راية أخرى تعطى الملونين من الزنوج، والمظلومين من المسلمين الحقوق العادية للبشر العاديين، أيسمى هذا غزوا؟ أيسمى هذا فتحا استعماريا ؟ أيسمى هذا افتياتا على الأمم؟ !!.
إن العرب لما خرجوا من جزيرتهم إلى مصر أو الشام لم يخرجوا مستعمرين أو طلاب دنيا، لماذا؟ لأن طلب الدنيا فى دينهم - على هذا النحو - جريمة .
رجل قال لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إنى أقف المواقف أريد وجه الله وأحب أن يُرى موطنى " ؟ فلم يرد عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئاً حتى نزلت هذه الآية (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) .
اعتبر الرياء شركا، اعتبر القتال طلبا للدنيا جريمة . وقال فى تعريف الجهاد: " من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " .
هذا هو الإسلام، فالذين جاءوا إلى مصر أو ذهبوا إلى سوريا، ما جاءوا وما ذهبوا كى يقال: إنهم فتحوا أو إنهم غلبوا أو إنهم ملكوا.. لا .. لا، كانوا يعملون لله، ويؤدون حق الله ، وكانت الآخرة أحب إليهم من الدنيا، وكان الموت فى سبيل الله أحلى مذاقا فى أفواههم من أن يعودوا إلى زوجاتهم وأولادهم، كانوا أصحاب عقائد. وإذا حلا لبعض المستشرقين أن يتساءل ما الذى جاء بالعرب إلى أفريقيا أو إلى آسيا؟.
فلنقل له قبل ذلك: وما الذى جاء بالرومان إلى مصر، والى آسيا الصغرى، وإلى الشمال الأفريقى كله؟!.
قبل أن تسأل: ما الذى جاء بالعرب ليحرروا، إسأل نفسك ما الذى جاء بأجدادك هنا ليستعبدوا؟!. لا تقل لم جاء العرب مصر؟ سل نفسك أولا لم جاء الرومان مصر؟ إن المحرر لا يسأل عن فعله، وإنما يسأل المستعبد عما صنع !! ثم إن الجزية التى يتحدث البعض عنها ما كانت أكثر من توازن اقتصادى بين المسلمين وغيرهم.
كان المسلم مكلفا بدفع الزكاة، وكان مكلفا بدفع ما يقيم عدة الحرب، وجهاز القتال، ولم يكن أهل الذمة مكلفين لا بقتال ولا بمساهمة فى قتال ولا بالإعداد له بقرش ولا بدفع زكاة !!.
فإذا كان المسلمون سيأخذون القليل فى نظير أن ينهضوا هم بالحماية فأى عيب فى ذلك؟.
ويقول التاريخ: إن أبا عبيدة بن الجراح لما وصل إلى " حمص " وأخذ من أهلها الجزية أكرهته بعض العمليات العسكرية على أن ينسحب فقرر رد الجزية إلى الناس، فقالوا: ما هذا ؟.
لقد تعودوا أن الحكام يأخذون ولا يردون، تعودوا لحكام يغصبون ولا يعدلون، فوجدوا حاكما أخذ منهم بالأمس جنيها وهو يرده اليوم !!
فقال لهم: لقد أخذنا منكم هذه الجزية فى نظير أن ندفع عنكم أما إذ عجزنا عن الدفاع فلا يحق لنا أن نأخذها فقالوا لابى عبيدة: استبق المال معك، وسنقاتل الرومان معكم معشر العرب جنبا إلى جنب، فما عانينا من ظلمهم يجعلنا نتفق معكم على قتالهم !!.
إن التاريخ ملىء بالإشاعات الكاذبة، ومن الإشاعات التى روج المسلمون لها للأسف أن الإسلام دخل مع الفاتحين وأنه دين الفاتحين وهذا غير صحيح.
حمل الفاتحون العقيدة لكنهم ما فرضوها ولا أكرهوا أحدا عليها، وكان المسلمون قلة فى القرنين الأولين من الفتح،. ثم بدأوا يكونون كثرة بالاقتناع الفردى، ولا يجرؤ أحد أن يقول: إن المصريين أكرههم الإسلام على الدخول فيه، فإن المصريين وفق تاريخهم الثابت عنهم قاوموا الرومان، وقتلوا فى كل قرية، ولم يفرطوا فى دينهم، وقاتلوا الرومان مرة أخرى حتى جاء الفتح العربى فأنقذهم من بطشهم، فلم يدخلون فى الإسلام دون أن يسفك دم؟ إنما دخلوا لان الله شرح بالإسلام صدورهم !!.
فماذا كانت علاقة الإسلام بغيره من الديانات بعد أن أصبح دين الكثرة هنا؟.
المسلمون فى أرض الله كلها ناس طيبون وسمحاء، والتعصب لا يعرف طريقا إلى قلوبهم، والحروب الدينية التى جعلت سطح أوربا ملوثا بالدم مليئا بالفتن، هذه الحروب لا يعرفها العالم الإسلامي ، إن العالم الإسلامى عاش على فهم أنه يمكن أن يتعاون اثنان بينهما اختلاف دين على أمر ما !!.
وقد حدث أن النبى عليه الصلاة والسلام وهو يهاجر استأجر الدليل على الطريق استأجره مشركا.
وهذا الدين قال: يمكن أن تتسع غرفة - متران فى ثلاثة أمتار - لرجل وامرأة على غير دينه تكون يهودية أو نصرانية !!
فإذا اتسعت حجرة لدينين أفلا تتسع الأرض الفضاء لدينين؟!
■ الاستعمار الثقافي:
مشى الإسلام فى بلدنا على هذا النحو يعيش بسماحته، ويعيش بقدرته الذاتية على الحياة، إلى أن نكب بالاستعمار الأوربى، وحدث ما حدث فى تاريخ يطول، ثم بدأنا ننتعش ونعود، لكننا عندما حاولنا أن نعود وجدنا الاستعمار قد نكبنا بنكبتين من لونين مختلفين!!.
فى عهد مضى نكبنا بالمادية الحيوانية، والمادية الحيوانية فلسفة تجعل الشباب يعيشون بحثا عن الشهوات، تجعل الناس يكدحون لمأرب خسيس أو غرض قريب، المادية الحيوانية تجعل العيش فى الأرض للأرض، وهى مادية قصد بها تكوين جيل مقطوع عن دينه يبحث عن الأهواء والدنايا فقط !!.
وقاومنا هذه المادية مقاومة نجحنا فيها حينا وفشلنا فيها حينا، ثم جاءت مادية أخرى هى المادية الجدلية الحمراء، هى مادية تجعل الناس يفتحون أفواههم بوقاحة يقولون: لا ألوهية والحياة مادة !! لكن شاء الله أن يتلاشى هذا الزحف، وأن يتضعضع ويضطرب. عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952م كانت قلوب الناس أجمعين معها، لماذا؟ كان القادة يرفعون المصاحف، وكانوا تحت علم مكتوب عليه: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) .
وكان العمل للعروبة والإسلام واضحا فى هذه الخطط، ثم شاء الله أن تسرق الثورة !! وأن تجىء مراكز قوة تنال من ديننا، ومن عقلنا، ومن تفكيرنا، وبدأت المادية بألوانها تنضح علينا من كل ناحية حتى ظن أن الصلاة جريمة وأن الاتصال بالله منكر وأن العودة إلى الإسلام طريق الهلاك !.
■ الاعتصام بالدين:
أيها المسلمون: الذى أريد أن أقوله بعد هذه السياحة التاريخية المتقطعة :
إن التمسك بالدين ضرورة حياة لكم ، وإن الذى يتصور التمسك بالدين طريقا إلى السجن مخطئ جدا، وإن الذى يتصور التمسك بالدين طريقا إلى السجن، ثم يترك دينه فهو مجرم !! فالسجن أولى من ترك الدين !!.
ومع هذا فنحن لا نقول ما قال يوسف: (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) ، فإننا لا ندعى الآن إلى منكر، لا ندعى الآن إلى ضلالة، إننى أهيب بالشباب، بالجيل الناشئ ألا يهاب العودة إلى دينه، أن يكون جريئا فى التمسك بإيمانه وانطلاقه تحت راية التوحيد، غير متهيب ولا متوجس، ولا قلق ولا جزوع، يجب أن يعلم أن راية الإيمان لابد أن تمشى القوافل تحتها حثيثة كثيفة لا تخاف ولا تخشى.
ثم أقول للمسلمين شيئا آخر: إن الضعيف لا يقويه أن يهدم غيره، إن الضعيف سيبقى ضعيفا ، ولو أن غيره تلاشى من الأرض، ولو أن أعداء الإسلام اختفوا جميعا من هذه الدنيا وبقى المسلمون على الوضع الذى هم عليه الآن نظريا ونفسيا وخلقيا فإن الأرض لا تصلح بهم ولا يستحقون التمكين فيها !!. إنني أقول للمسلمين استرجعوا دينكم بحقائقه، عيب أن يكون الشباب المسلم أو الطالب المسلم متأخرا فى ثقافته أو فى دراسته، وغيره قوى فى دراسته، أو فى معرفته وعلومه !!.
عيب أن يكون التاجر المسلم ضعيفا فى عمله، مضطربا فى أسلوبه، غاشا فى سلعه، ثم يحسد الآخرين إذا نجحوا أو تقدموا، لا، إن العقيدة تحتاج إلى خدمة من نوع جديد، حدث منذ بضع سنين لا تتجاوز الأصابع أن صدر أمر إلى المسيحيين فى القدس أن يشتروا الأرض من المسلمين.
كانت رغبة فى أن يوضع الطابع الصليبى على القدس القديمة، و بدأ ناس من المسلمين يبيعون دورهم، المتر الذى يساوى خمسين عرض عليهم فيه مائة، مئتان!! وقال المفتون يومئذ: إن المسلم الذى يبيع شبرا من أرضه يعتبر مرتدا لأن الشبر الذى يبيعه من أرضه يكون موطىء قدم لحملة صليبية جديدة على بلادنا.
ألا فليستيقظ المسلمون. إن يقظة المسلمين لا تعنى أكثر من أن يتمسكوا بدينهم، ويحترموا أخوتهم، ثم الآخرون ممن ليسوا على ديننا سوف يعيشون معنا كما عاشوا على امتداد القرون، لهم ما لنا وعليهم ما علينا !! بل ربما قلنا: " لهم ما لنا من الحقوق وأكثر !! وعليهم ما علينا من واجبات بل أقل " !!.
إننا نحن المسلمين ليس فى تاريخنا الطويل أننا أصحاب تعصب، ولكن فى تاريخنا الطويل أننا أصحاب طيبة قد تبلغ حد الغفلة والجهل!! أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله (..الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون * ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد) .
وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا رسول الله، إمام الأنبياء، وسيد المصلحين . اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
■ لزوم الوحدة:
أما بعد: عباد الله أوصيكم ونفسى بتقوى الله عز وجل، واعلموا أيها الأخوة أن بلدنا هذا يحتاج إلى مرحلة من الاستقرار، يمكن فيها أن يتم بناء على العقيدة والخلق، على الإيمان والشرف، على الإسلام ومبادئه وشرائعه .
نحن بحاجة إلى هذه الفترة، ووحدتنا الوطنية سلاح لنا، وأنا أخشى أن يكون أعداؤنا قد حرضوا البعض على أن يحدث أى تعكير لهذه الوحدة لحساب غيرنا لا لحسابنا، إن أى تعكير لهذه الوحدة الآن ليس لحسابنا، والذى يعكر هذه الوحدة معروف، لأنه يعمل لحساب الاستعمار الأجنبى!!.
إننا نوصيكم مشددين ألا يستفزكم أحد، وأن تضبطوا أعصابكم، وفى الوقت الذى أكلفكم فيه بضبط الأعصاب، وامتلاك النفس، أقول لكم: إن الوسائل التى تنجحون بها دينكم وتملكون بها السيادة على أرضكم فى أيديكم ولا تحتاج إلى مشقة طويلة ولا إلى جهد العباقرة، تحتاج إلى جهد الرجل العادى ، ويوم ينقص المسلمين جهد الرجل العادى لينجحوا فهم أهل لأن يضيعوا !! وهم أهل لأن يتلاشوا وتخلص الإنسانية منهم لأنهم ليسوا أهلا للحياة !!.
إن تماسك المسلمين لا يحتاج إلى عبقرية ، وإنما يحتاج إلى اليقظة العادية؟ إلى السيرة التى لا غفلة فيها ولا استكانة ولا فوضى ولا تواكل !!هذا ما ألفت النظر إليه.
" اللهم أصلح لنا ديننا الذى هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التى فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التى إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا فى كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر " .
(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) .
عباد الله : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) . أقم الصلاة .
. ❝ ⏤أبو زكريا يحي بن شرف النووي
❞ مصر ˝سياحة تاريخية˝ - خطبة للشيخ محمد الغزالي(*)
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير.
وأشهد أن محمدا رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
■ الدين والحضارة:
أما بعد: فإن الله جل شأنه ذكر بلدنا هذا- مصر- فى مواطن كثيرة من كتابه العزيز، وهذا يشير إلى أن بلدنا هذا- مصر- قديم التاريخ موصول الحضارة، تعتبر المدنية التى نبتت على شاطئه من أعرق المدنيات على ظهر الأرض، ويبدو أن الحياة الرتيبة فى هذا الوادى، وأن الاستقرار الذى يصبغ جوه وأحواله عموما أعان على تكوين حضارة فى بلدنا هذا. حضارة تغلغلت فى تاريخ الإنسانية وتركت أثرا واضحا نضح على ما حولها، وأفاد الآخرون منه إفادة غير منكورة .
وكانت الحضارة المصرية على الإجمال حضارة متدينة، يظهر أن تربة هذا الوادى لا يصلح فيها الإلحاد ولا يتشبث بها إلا الإيمان .
كان الناس فى أودية كثيرة من قارات الأرض يبحثون عن لقمة الخبز، وجهدهم أن يصلوا إليها ، فإذا وصلوا إليها استراحوا واطمأنوا، أما المصريون القدماء ، فكان جهدهم كيف يعبدون ربهم، كيف يرضونه جهدهم، كيف يؤمنون لقاءه يوم يلقونه، كيف يمهدون للدار الآخرة بالعمل الصالح فى هذه الدنيا .
ومع أن حضارة المصريين الأقدمين اختلط الإيمان فيها بين توحيد وتعديد، فإنها على الإجمال كما قلت لكم كانت حضارة متدينة، وكان الشرك فيها إن حدث فاستجابة للرأى السائد يومئذ فى الدنيا، وهو رأى يرفضه الإسلام بداهة.
هذا الرأى أساسه أن الاتصال بالله الواحد صعب وأنه لابد من وسطاء يمهدون له أو يوصلون إليه، وبداهة رفض الإسلام هذا المعنى لأنه أعطى كل امرئ الحق إذا عبد الله أن يقف بين يدى ربه يقول له: (الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم) ، وإذا أذنب أن يقف أمام ربه نادما مستغفرا بقوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) .
لكن أجيالا ضلت طريقها لم تحسن الصلة بالله، وكان المصريون الأقدمون عموما أهل توحيد حينا، وأهل تعديد حينا آخر،. وإن كان التوحيد قد غلب عليهم فى فترات كثيرة من حياتهم وتاريخهم.
■ المصريون والرومان:
ثم وقع شىء لابد أن يذكر، فقد هجم الرومان على مصر، وكان الرومان يومئذ وثنيين واحتلوا هذا البلد قرابة ستة قرون !!.
كانت مدة طويلة كليل الشتاء البارد المظلم، وكان مجىء الرومان إلى مصر فى موجة من موجات المد التى تجعل بعض الأجناس يستغل خصائصه، ويمتطى قواه كى يستعبد غيره ويستخلص لنفسه خيره، ويجعل من نفسه سيدا، ومن الناس عبيدا !!.
كان الرومان لما دخلوا مصر على هذا النحو، ووقعت أمور نذكرها .
فى أثناء احتلال الرومان لمصر ظهرت المسيحية، وقيل إن عيسى ابن مريم وأمه جاءا إلى بلدنا هذا، فارين من بطش الرومان، ومن ضغط حكامهم ، أو من عسف الحاكم هناك ومن ضغطه ، ورجع بعد أن نمى عوده، وأخذ يؤدى دعوته فى فلسطين.
لكن المصريين كانوا قد اعتنقوا النصرانية، ولما اعتنق المصريون النصرانية ضاق الرومان بهم، وغضبوا منهم؛ لآن الرومان عباد أصنام ؛ لأن الوثنية الرومانية كانت تصبغ الحكم صبغة شديدة، حاول الرومان أن يردوا المصريين عن المسيحية التى اعتنقوها ولكن المصريين أبوا وتشبثوا بدينهم الذى اختاروه لأنفسهم.
وبدأ عصر من العسف والطغيان والمذابح حتى قيل إنه ما من قرية فى مصر أو مدينة إلا سفك فيها الدم وكثر فيها القتلى !! .
أبى المصريون أن يتركوا الديانة النصرانية التى اختاروها لأنفسهم، وبدأ بهذا العصر الذى يسمى ˝ عصر الشهداء ˝ بدأ التاريخ المسيحى فى مصر، وهو تاريخ يشرف أهله؛ لأن أهله قاوموا عبادة الأصنام، ودفعوا ثمن المقاومة من دمهم وأبوا إباء شديدا أن يتحولوا عن التوحيد وعن الكتاب السماوى الذى جاءهم، ثم شاء الله بعد ذلك أن يدخل الرومان المسيحية !!.
ولكن الرومان لما دخلوا المسيحية دخلوها على نحو غريب، حتى قال بعض المفسرين: لا يدرى أتنصر الرومان أم ترومت النصرانية؟!. .
أيا ما كان الأمر فقد تحول الرومان إلى النصرانية واعتبرت الديانة الرسمية لهم، لكن المذهب أو الفهم الذى استقر الرومان عليه كان فهما آخر غير الفهم الذى استقر عند المصريين.
وحدث نزاع نظرى تحول إلى جدل مر، وإلى أخذ ورد طويلين، ئم رأى الرومان وعلى رأسهم هرقل أن يفرض المذهب الرومانى ومذهب الكنيسة الكاثوليكية على المصريين !!.
وهنا قاوم المصريون الرومان وبدأوا عصرا يشبه العصر الأول، عصر الاضطهاد، والاستشهاد، إلا أن هذا العصر الجديد لم يطل.
■ المصريون والإسلام:
فقد شاء الله أن يخرج من قلب جزيرة العرب مد إسلامي عريض انتشر فى أنحاء العالم انتشار السنا بعد ليل معتكر، انتشار الرحمة بعد عصر ملىء بالقسوة والمرارة!!.
ونال المصريين شىء من هذه الرحمة، فإذا عمرو بن العاص يقرع أبواب البلاد وهى فى حال منكرة من الاضطهاد والفوضى !!.
كان بطريرك الأقباط محبوسا ، وكان أخوه قد قتل بعد أن عذب بالنار، وكان رجلا بدينا فتقاطر دهنه على النار، ثم رمى به فى أمواج البحر الأبيض فمات غرقا .
لما دخل عمرو بن العاص عرض دينه عرضا عاديا !!
الناس لا تفهم كيف عرض عمرو الإسلام؟
إن الإسلام لا يعرض فى مجالس مناظرة، وهو فى مجالس المناظرة قادر على أن يقهر الخصم، وأن يعلن الدليل، ولكن الإسلام عرض نفسه حُكْما عادلا ومجتمعا فاضلا ، ونفوسا بلغ من صفائها وعفتها أن قال الرافعى فيها: ˝ ربما خافت البنت على نفسها من أبيها، ولكنها لا تخاف على نفسها من الفاتح العربى المسلم ˝!!.
دخل الإسلام مصر حرية عقل وضمير، وتوازن مجتمع لا تطغى فيه طبقة على أخرى.
دخل الإسلام مصر، وأمام المسلمين قول نبيهم عليه الصلاة والسلام لهم:˝ إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع ˝ .
دخل الإسلام مصر فكان أول ما محاه التعصب الدينى، وقال للأقباط: كنائسكم لكم تعبدون الله فيها على رأيكم وفهمكم لا يجبركم أحد على رأى أو على مذهب، أو على معتقد، وأطلق سراح البطريرك المحبوس حتى قيل: وأعان الأقباط فى بناء بعض الكنائس .
والعجيب أن عمرو بن العاص رضى الله عنه الذى دخل مصر فبنى هذا المسجد - مسجد عمرو بن العاص - للركع السجود، والذى أقام حكما ذوب فيه الفوارق بين الأجناس والألوان، عندما أخذت ابنه نشوة من نشوات النصر، أو نزوة من نزوات العرب، أو قوة من قوى الجاهلية فأساء إلى أحد الأقباط، وكان القبطى ماكرا لبيبا ، فذهب إلى الرجل الذى أرسل عَمْرا ، ذهب إلى عُمَر نفسه وشكى له !!
فجاء عمر صاحب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتلميذه، جاء بالقبطى المظلوم وبابن عمرو بن العاص ابن الحا كم وقال لعمرو: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. !؟
ثم قال للقبطى: خذ حقك من ابن الأكرمين !!
ثم قال فى فترة من فترات الغضب لله: ˝ لو شئت أدرت السوط على صلعة عمرو بن العاص !!.
هذا حكم النبوة، هذا حكم الإسلام .!!
كان الإسلام يومئذ عقيدة تعرض نفسها ، على أى شىء تعتمد؟ على صفاء حقائقها، على نضارة عقائدها وغزارة فضائلها، ووفرة المثل الرفيعة التى تدعو إليها.
والرجل يوم يكون صاحب ثروة طائلة من الصدق والشرف والرحمة والوفاء والعفة فإنه يطمئن إلى أن ثروته هذه ستوطئ له الأكناف، وتفتح له القلوب، وتضئ له النواصى.
ولذلك ما فكر الإسلام فى بلد دخله أن يقيد الحريات، لِمَ يقيدها؟ والحرية عونه الأول على غرس الإيمان وتصحيح المعتقد، ما فكر الإسلام يوما أن يقيم حكما استثنائيا، ولِمَ يقيمه؟ والعدالة هدفه، وهو يعلم أن الله عز وجل إنما ينصر أو يهزم بمقدار قوة الصلة به أو ضعف هذه الصلة.
ظل المسلمون الذين جاءوا إلى مصر وهم أربعة آلاف مع عمرو لحقهم عدد قليل بعد ذلك من الناس بعد أن قوضوا الحكم الروماني ، ظلوا على هذا النحو قلة، ولكن المصريين أخذوا يغلغلون البصر فى الدين الجديد، وفى المبادىء التى قام عليها، وبدأوا يدخلون فيه، وظل المصريون يدخلون فى الإسلام خلال القرن الأول، وخلال القرن الثانى ، ولم يتحول الإسلام فى مصر إلى كثرة فى السكان إلا فى القرن الثالث تقريبا !!، والأساس هو ما قلت لكم: دين لا يعرف قط إلا مخاطبة العقل الحر، وإيقاظ الضمير النائم ، وما يعتمد فى نشر مبادئه على عصا أو على إكراه.
■ نسل الفاتحين أم نسل السكان الأصليين؟:
يخطىء المسلمون فى مصر الآن خطأين: الخطأ الأول: أن عددا منهم لا أدرى أهو عدد كبير أم صغير؟، يقول بشىء من الغباء: إننا عرب، يقصد بذلك أنه نسل الفاتحين، هذا كذب، هذا كذب!! ولعل مركب النقص هو الذى يدفع إلى هذا الزعم !! فنحن فى الحقيقة أبناء المصريين الذين أسلموا !! ربما كان هناك عدد من أبناء العرب الذين وفدوا، لكن هذا العدد قليل !! أما الكثرة الكبرى من المصريين فهم أبناء المصريين الذين دخلوا فى الإسلام.
وعندما يقول المصريون إنهم أبناء الفاتحين يعطون غيرهم حجة مكذوبة أنهم أبناء مصر وأن غيرهم وافد وطارىء ، وهذا غير صحيح !! يجب أن نعرف الحقائق فإن أكثرنا غافل.
أريد أن أقول لكم: إن شيخ الأزهر العباسى المهدى كان أبوه قبطيا!! ويوجد بين أئمة المساجد الآن وبين مفتشى المساجد وبين علماء الأزهر رجال آباؤهم أو أجدادهم من الأقباط!!.
فالقول بأن المصريين أبناء الفاتحين غلط فاحش ما ينبغى أن يقال، هذا خطأ يرتكب !!.
■ فتح عربي أم تحرير إسلامي؟:
الخطأ الثانى: الذى يرتكبه المسلمون أنهم يسمون مجىء عمرو بن العاص الى مصر: الفتح العربى لمصر !!.
كان هذا التعبير سليما يوم كانت كلمة فتح تعنى شيئا آخر غير المفهوم الذى عرف به الآن فى العالم، فكلمة الفتح الآن تساوى الغزو، والحقيقة أن الوصف الدقيق لمجىء العرب إلى مصر هو تحرير العرب للمصريين!!.
الجيش الذى انطلق من المدينة عبأه أبناء محمد عليه الصلاة و السلام فى عقيدته، وحملوه راية التوحيد، لم ينطلق كى يُكره على إيمان، وإنما انطلق كى يحرر شعوبا مستعبدة أو كما قال أحد القادة لحاشية كسرى : تقولون: لم جئتم؟ ˝ جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ˝ !!
لم نجيء لنستعبد الخلق، والدين لله ، هذا ما ينبغى أن يعرف، وهنا أريد أن أشرح هذا المعنى، وألقى الضوء عليه:
توجد الآن فى أفريقيا شعوب ترسف فى قيود الهوان مسروقة تحت الشمس !!
توجد شعوب تترنح تحت ضربات الأقوياء الذين ألهبوا الجلود بسياطهم، وكمموا الأفواه حتى لا تصيح من الألم !!.
توجد الآن فى جنوب أفريقيا وفى روديسيا، وفى مستعمرات البرتغال الثلاث فى وسط أفريقيا وغربها، وتوجد تحت راية حكومات مستقلة للأسف، توجد جماهير كثيفة تضرع إلى الله أن يرسل إليها من يفك الأغلال عنها، ومن يكسر أبواب السجون التى قبعت وراءها فهى لا تعرف فى قيودها وسجونها إلا الهوان والبأساء والضراء !!
لو أن جيشا ذهب إلى الملونين فى جنوب أفريقيا ليسقط الحكم القائم، ويقيم حكم مساواة ورشد، لو أن جيشا ذهب إلى مستعمرات المستعبدين تحت الحكم الكاثوليكى البرتغالى وأسقط الراية التى هناك، وأقام راية أخرى تعطى الملونين من الزنوج، والمظلومين من المسلمين الحقوق العادية للبشر العاديين، أيسمى هذا غزوا؟ أيسمى هذا فتحا استعماريا ؟ أيسمى هذا افتياتا على الأمم؟ !!.
إن العرب لما خرجوا من جزيرتهم إلى مصر أو الشام لم يخرجوا مستعمرين أو طلاب دنيا، لماذا؟ لأن طلب الدنيا فى دينهم - على هذا النحو - جريمة .
رجل قال لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ˝ إنى أقف المواقف أريد وجه الله وأحب أن يُرى موطنى ˝ ؟ فلم يرد عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئاً حتى نزلت هذه الآية (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) .
اعتبر الرياء شركا، اعتبر القتال طلبا للدنيا جريمة . وقال فى تعريف الجهاد: ˝ من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله ˝ .
هذا هو الإسلام، فالذين جاءوا إلى مصر أو ذهبوا إلى سوريا، ما جاءوا وما ذهبوا كى يقال: إنهم فتحوا أو إنهم غلبوا أو إنهم ملكوا. لا . لا، كانوا يعملون لله، ويؤدون حق الله ، وكانت الآخرة أحب إليهم من الدنيا، وكان الموت فى سبيل الله أحلى مذاقا فى أفواههم من أن يعودوا إلى زوجاتهم وأولادهم، كانوا أصحاب عقائد. وإذا حلا لبعض المستشرقين أن يتساءل ما الذى جاء بالعرب إلى أفريقيا أو إلى آسيا؟.
فلنقل له قبل ذلك: وما الذى جاء بالرومان إلى مصر، والى آسيا الصغرى، وإلى الشمال الأفريقى كله؟!.
قبل أن تسأل: ما الذى جاء بالعرب ليحرروا، إسأل نفسك ما الذى جاء بأجدادك هنا ليستعبدوا؟!. لا تقل لم جاء العرب مصر؟ سل نفسك أولا لم جاء الرومان مصر؟ إن المحرر لا يسأل عن فعله، وإنما يسأل المستعبد عما صنع !! ثم إن الجزية التى يتحدث البعض عنها ما كانت أكثر من توازن اقتصادى بين المسلمين وغيرهم.
كان المسلم مكلفا بدفع الزكاة، وكان مكلفا بدفع ما يقيم عدة الحرب، وجهاز القتال، ولم يكن أهل الذمة مكلفين لا بقتال ولا بمساهمة فى قتال ولا بالإعداد له بقرش ولا بدفع زكاة !!.
فإذا كان المسلمون سيأخذون القليل فى نظير أن ينهضوا هم بالحماية فأى عيب فى ذلك؟.
ويقول التاريخ: إن أبا عبيدة بن الجراح لما وصل إلى ˝ حمص ˝ وأخذ من أهلها الجزية أكرهته بعض العمليات العسكرية على أن ينسحب فقرر رد الجزية إلى الناس، فقالوا: ما هذا ؟.
لقد تعودوا أن الحكام يأخذون ولا يردون، تعودوا لحكام يغصبون ولا يعدلون، فوجدوا حاكما أخذ منهم بالأمس جنيها وهو يرده اليوم !!
فقال لهم: لقد أخذنا منكم هذه الجزية فى نظير أن ندفع عنكم أما إذ عجزنا عن الدفاع فلا يحق لنا أن نأخذها فقالوا لابى عبيدة: استبق المال معك، وسنقاتل الرومان معكم معشر العرب جنبا إلى جنب، فما عانينا من ظلمهم يجعلنا نتفق معكم على قتالهم !!.
إن التاريخ ملىء بالإشاعات الكاذبة، ومن الإشاعات التى روج المسلمون لها للأسف أن الإسلام دخل مع الفاتحين وأنه دين الفاتحين وهذا غير صحيح.
حمل الفاتحون العقيدة لكنهم ما فرضوها ولا أكرهوا أحدا عليها، وكان المسلمون قلة فى القرنين الأولين من الفتح،. ثم بدأوا يكونون كثرة بالاقتناع الفردى، ولا يجرؤ أحد أن يقول: إن المصريين أكرههم الإسلام على الدخول فيه، فإن المصريين وفق تاريخهم الثابت عنهم قاوموا الرومان، وقتلوا فى كل قرية، ولم يفرطوا فى دينهم، وقاتلوا الرومان مرة أخرى حتى جاء الفتح العربى فأنقذهم من بطشهم، فلم يدخلون فى الإسلام دون أن يسفك دم؟ إنما دخلوا لان الله شرح بالإسلام صدورهم !!.
فماذا كانت علاقة الإسلام بغيره من الديانات بعد أن أصبح دين الكثرة هنا؟.
المسلمون فى أرض الله كلها ناس طيبون وسمحاء، والتعصب لا يعرف طريقا إلى قلوبهم، والحروب الدينية التى جعلت سطح أوربا ملوثا بالدم مليئا بالفتن، هذه الحروب لا يعرفها العالم الإسلامي ، إن العالم الإسلامى عاش على فهم أنه يمكن أن يتعاون اثنان بينهما اختلاف دين على أمر ما !!.
وقد حدث أن النبى عليه الصلاة والسلام وهو يهاجر استأجر الدليل على الطريق استأجره مشركا.
وهذا الدين قال: يمكن أن تتسع غرفة - متران فى ثلاثة أمتار - لرجل وامرأة على غير دينه تكون يهودية أو نصرانية !!
فإذا اتسعت حجرة لدينين أفلا تتسع الأرض الفضاء لدينين؟!
■ الاستعمار الثقافي:
مشى الإسلام فى بلدنا على هذا النحو يعيش بسماحته، ويعيش بقدرته الذاتية على الحياة، إلى أن نكب بالاستعمار الأوربى، وحدث ما حدث فى تاريخ يطول، ثم بدأنا ننتعش ونعود، لكننا عندما حاولنا أن نعود وجدنا الاستعمار قد نكبنا بنكبتين من لونين مختلفين!!.
فى عهد مضى نكبنا بالمادية الحيوانية، والمادية الحيوانية فلسفة تجعل الشباب يعيشون بحثا عن الشهوات، تجعل الناس يكدحون لمأرب خسيس أو غرض قريب، المادية الحيوانية تجعل العيش فى الأرض للأرض، وهى مادية قصد بها تكوين جيل مقطوع عن دينه يبحث عن الأهواء والدنايا فقط !!.
وقاومنا هذه المادية مقاومة نجحنا فيها حينا وفشلنا فيها حينا، ثم جاءت مادية أخرى هى المادية الجدلية الحمراء، هى مادية تجعل الناس يفتحون أفواههم بوقاحة يقولون: لا ألوهية والحياة مادة !! لكن شاء الله أن يتلاشى هذا الزحف، وأن يتضعضع ويضطرب. عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952م كانت قلوب الناس أجمعين معها، لماذا؟ كان القادة يرفعون المصاحف، وكانوا تحت علم مكتوب عليه: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) .
وكان العمل للعروبة والإسلام واضحا فى هذه الخطط، ثم شاء الله أن تسرق الثورة !! وأن تجىء مراكز قوة تنال من ديننا، ومن عقلنا، ومن تفكيرنا، وبدأت المادية بألوانها تنضح علينا من كل ناحية حتى ظن أن الصلاة جريمة وأن الاتصال بالله منكر وأن العودة إلى الإسلام طريق الهلاك !.
■ الاعتصام بالدين:
أيها المسلمون: الذى أريد أن أقوله بعد هذه السياحة التاريخية المتقطعة :
إن التمسك بالدين ضرورة حياة لكم ، وإن الذى يتصور التمسك بالدين طريقا إلى السجن مخطئ جدا، وإن الذى يتصور التمسك بالدين طريقا إلى السجن، ثم يترك دينه فهو مجرم !! فالسجن أولى من ترك الدين !!.
ومع هذا فنحن لا نقول ما قال يوسف: (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) ، فإننا لا ندعى الآن إلى منكر، لا ندعى الآن إلى ضلالة، إننى أهيب بالشباب، بالجيل الناشئ ألا يهاب العودة إلى دينه، أن يكون جريئا فى التمسك بإيمانه وانطلاقه تحت راية التوحيد، غير متهيب ولا متوجس، ولا قلق ولا جزوع، يجب أن يعلم أن راية الإيمان لابد أن تمشى القوافل تحتها حثيثة كثيفة لا تخاف ولا تخشى.
ثم أقول للمسلمين شيئا آخر: إن الضعيف لا يقويه أن يهدم غيره، إن الضعيف سيبقى ضعيفا ، ولو أن غيره تلاشى من الأرض، ولو أن أعداء الإسلام اختفوا جميعا من هذه الدنيا وبقى المسلمون على الوضع الذى هم عليه الآن نظريا ونفسيا وخلقيا فإن الأرض لا تصلح بهم ولا يستحقون التمكين فيها !!. إنني أقول للمسلمين استرجعوا دينكم بحقائقه، عيب أن يكون الشباب المسلم أو الطالب المسلم متأخرا فى ثقافته أو فى دراسته، وغيره قوى فى دراسته، أو فى معرفته وعلومه !!.
عيب أن يكون التاجر المسلم ضعيفا فى عمله، مضطربا فى أسلوبه، غاشا فى سلعه، ثم يحسد الآخرين إذا نجحوا أو تقدموا، لا، إن العقيدة تحتاج إلى خدمة من نوع جديد، حدث منذ بضع سنين لا تتجاوز الأصابع أن صدر أمر إلى المسيحيين فى القدس أن يشتروا الأرض من المسلمين.
كانت رغبة فى أن يوضع الطابع الصليبى على القدس القديمة، و بدأ ناس من المسلمين يبيعون دورهم، المتر الذى يساوى خمسين عرض عليهم فيه مائة، مئتان!! وقال المفتون يومئذ: إن المسلم الذى يبيع شبرا من أرضه يعتبر مرتدا لأن الشبر الذى يبيعه من أرضه يكون موطىء قدم لحملة صليبية جديدة على بلادنا.
ألا فليستيقظ المسلمون. إن يقظة المسلمين لا تعنى أكثر من أن يتمسكوا بدينهم، ويحترموا أخوتهم، ثم الآخرون ممن ليسوا على ديننا سوف يعيشون معنا كما عاشوا على امتداد القرون، لهم ما لنا وعليهم ما علينا !! بل ربما قلنا: ˝ لهم ما لنا من الحقوق وأكثر !! وعليهم ما علينا من واجبات بل أقل ˝ !!.
إننا نحن المسلمين ليس فى تاريخنا الطويل أننا أصحاب تعصب، ولكن فى تاريخنا الطويل أننا أصحاب طيبة قد تبلغ حد الغفلة والجهل!! أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله (.الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون * ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد) .
وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا رسول الله، إمام الأنبياء، وسيد المصلحين . اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
■ لزوم الوحدة:
أما بعد: عباد الله أوصيكم ونفسى بتقوى الله عز وجل، واعلموا أيها الأخوة أن بلدنا هذا يحتاج إلى مرحلة من الاستقرار، يمكن فيها أن يتم بناء على العقيدة والخلق، على الإيمان والشرف، على الإسلام ومبادئه وشرائعه .
نحن بحاجة إلى هذه الفترة، ووحدتنا الوطنية سلاح لنا، وأنا أخشى أن يكون أعداؤنا قد حرضوا البعض على أن يحدث أى تعكير لهذه الوحدة لحساب غيرنا لا لحسابنا، إن أى تعكير لهذه الوحدة الآن ليس لحسابنا، والذى يعكر هذه الوحدة معروف، لأنه يعمل لحساب الاستعمار الأجنبى!!.
إننا نوصيكم مشددين ألا يستفزكم أحد، وأن تضبطوا أعصابكم، وفى الوقت الذى أكلفكم فيه بضبط الأعصاب، وامتلاك النفس، أقول لكم: إن الوسائل التى تنجحون بها دينكم وتملكون بها السيادة على أرضكم فى أيديكم ولا تحتاج إلى مشقة طويلة ولا إلى جهد العباقرة، تحتاج إلى جهد الرجل العادى ، ويوم ينقص المسلمين جهد الرجل العادى لينجحوا فهم أهل لأن يضيعوا !! وهم أهل لأن يتلاشوا وتخلص الإنسانية منهم لأنهم ليسوا أهلا للحياة !!.
إن تماسك المسلمين لا يحتاج إلى عبقرية ، وإنما يحتاج إلى اليقظة العادية؟ إلى السيرة التى لا غفلة فيها ولا استكانة ولا فوضى ولا تواكل !!هذا ما ألفت النظر إليه.
˝ اللهم أصلح لنا ديننا الذى هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التى فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التى إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا فى كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ˝ .
(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) .
عباد الله : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) . أقم الصلاة. ❝
❞ الله الله في الخَلوات الخَلوات ، البواطن البواطن ، النيّات النيّات ، فإنَّ عليكُم عيناً من الله ناظرة ، وإياكم والإغترار بحلمهِ وكرمهِ فكم قد إستدرج ، وكونوا على مُراقبة الخطايا مُجتهدين في محوها ، وما ينفع كالتضرّع مع الحمَّية عن الخطايا .. ❝ ⏤أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي
❞ الله الله في الخَلوات الخَلوات ، البواطن البواطن ، النيّات النيّات ، فإنَّ عليكُم عيناً من الله ناظرة ، وإياكم والإغترار بحلمهِ وكرمهِ فكم قد إستدرج ، وكونوا على مُراقبة الخطايا مُجتهدين في محوها ، وما ينفع كالتضرّع مع الحمَّية عن الخطايا. ❝
❞ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
صراط الذين أنعمت عليهم
صراط بدل من الأول بدل الشيء من الشيء ; كقولك : جاءني زيد أبوك . ومعناه : أدم هدايتنا ، فإن الإنسان قد يهدى إلى الطريق ثم يقطع به . وقيل : هو صراط آخر ، ومعناه العلم بالله جل وعز والفهم عنه ; قاله جعفر بن محمد . ولغة القرآن الذين في الرفع والنصب والجر ، وهذيل تقول : ( اللذون ) في الرفع ، ومن العرب من يقول : ( اللذو ) ، ومنهم من يقول ( الذي ) وسيأتي .
وفي ( عليهم ) عشر لغات ; قرئ بعامتها : " عليهم " بضم الهاء وإسكان الميم . " وعليهم " بكسر الهاء وإسكان الميم . و " عليهمي " بكسر الهاء والميم وإلحاق ياء بعد الكسرة . و " عليهمو " بكسر الهاء وضم الميم وزيادة واو بعد الضمة . و " عليهمو " بضم الهاء والميم كلتيهما وإدخال واو بعد الميم و " عليهم " بضم الهاء والميم من غير زيادة واو . وهذه الأوجه الستة مأثورة عن الأئمة من القراء . وأوجه أربعة منقولة عن العرب غير محكية عن القراء : " عليهمي " بضم الهاء وكسر الميم وإدخال ياء بعد الميم ; حكاها الحسن البصري عن العرب . و " عليهم " بضم الهاء وكسر الميم من غير زيادة ياء . و " عليهم " بكسر الهاء وضم الميم من غير إلحاق واو . و " عليهم " بكسر الهاء والميم ولا ياء بعد الميم . وكلها صواب ; قاله ابن الأنباري .
قرأ عمر بن الخطاب وابن الزبير رضي الله عنهما " صراط من أنعمت عليهم " . واختلف الناس في المنعم عليهم ; فقال الجمهور من المفسرين : إنه أراد صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . وانتزعوا ذلك من قوله تعالى : ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . فالآية تقتضي أن هؤلاء على صراط مستقيم ، وهو المطلوب في آية الحمد ; وجميع ما قيل إلى هذا يرجع ، فلا معنى لتعديد الأقوال والله المستعان .
وفي هذه الآية رد على القدرية والمعتزلة والإمامية ، لأنهم يعتقدون أن إرادة الإنسان كافية في صدور أفعاله منه ، طاعة كانت أو معصية ; لأن الإنسان عندهم خالق لأفعاله ، فهو غير محتاج في صدورها عنه إلى ربه ; وقد أكذبهم الله تعالى في هذه الآية إذ سألوه الهداية إلى الصراط المستقيم ; فلو كان الأمر إليهم والاختيار بيدهم دون ربهم لما سألوه الهداية ، ولا كرروا السؤال في كل صلاة ; وكذلك تضرعهم إليه في دفع المكروه ، وهو ما يناقض الهداية حيث قالوا : صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين . فكما سألوه أن يهديهم سألوه ألا يضلهم ، وكذلك يدعون فيقولون : ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا الآية .
غير المغضوب عليهم ولا الضالين
اختلف في المغضوب عليهم و الضالين من هم ؟ فالجمهور أن المغضوب عليهم اليهود ، والضالين النصارى ; وجاء ذلك مفسرا عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم وقصة إسلامه ، أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ، والترمذي في جامعه . وشهد لهذا التفسير أيضا قوله سبحانه في اليهود : وباءوا بغضب من الله . وقال : وغضب الله عليهم وقال في النصارى : قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل . وقيل : المغضوب عليهم المشركون . و الضالين المنافقون .
وقيل : المغضوب عليهم هو من أسقط فرض هذه السورة في الصلاة ; و الضالين عن بركة قراءتها . حكاه السلمي في حقائقه والماوردي في تفسيره ; وليس بشيء . قال الماوردي : وهذا وجه مردود ، لأن ما تعارضت فيه الأخبار وتقابلت فيه الآثار وانتشر فيه الخلاف ، لم يجز أن يطلق عليه هذا الحكم . وقيل : المغضوب عليهم باتباع البدع ; و الضالين عن سنن الهدى .
قلت : وهذا حسن ; وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم أولى وأعلى وأحسن . و ( عليهم ) في موضع رفع ، لأن المعنى غضب عليهم . والغضب في اللغة الشدة . ورجل غضوب أي شديد الخلق . والغضوب : الحية الخبيثة لشدتها . والغضبة : الدرقة من جلد البعير يطوى بعضها على بعض ; سميت بذلك لشدتها . ومعنى الغضب في صفة الله تعالى إرادة العقوبة ، فهو صفة ذات ، وإرادة الله تعالى من صفات ذاته ; أو نفس العقوبة ، ومنه الحديث : إن الصدقة لتطفئ غضب الرب فهو صفة فعل .
ولا الضالين الضلال في كلام العرب هو الذهاب عن سنن القصد وطريق الحق ; ومنه : ضل اللبن في الماء أي غاب . ومنه : أئذا ضللنا في الأرض أي غبنا بالموت وصرنا ترابا ; قال :
ألم تسأل فتخبرك الديار عن الحي المضلل أين ساروا
والضلضلة : حجر أملس يردده الماء في الوادي . وكذلك الغضبة : صخرة في الجبل مخالفة لونه ، قال : أو غضبة في هضبة ما أمنعا
قرأ عمر بن الخطاب وأبي بن كعب " غير المغضوب عليهم وغير الضالين " وروي عنهما في الراء النصب والخفض في الحرفين ; فالخفض على البدل من ( الذين ) أو من الهاء والميم في ( عليهم ) ; أو صفة للذين والذين معرفة ولا توصف المعارف بالنكرات ولا النكرات بالمعارف ، إلا أن الذين ليس بمقصود قصدهم فهو عام ; فالكلام بمنزلة قولك : إني لأمر بمثلك فأكرمه ; أو لأن ( غير ) تعرفت لكونها بين شيئين لا وسط بينهما ، كما تقول : الحي غير الميت ، والساكن غير المتحرك ، والقائم غير القاعد ، قولان : الأول للفارسي ، والثاني للزمخشري . والنصب في الراء على وجهين : على الحال من الذين ، أو من الهاء والميم في عليهم ، كأنك قلت : أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم . أو على الاستثناء ، كأنك قلت : إلا المغضوب عليهم . ويجوز النصب بأعني ; وحكي عن الخليل .
( لا ) في قوله ولا الضالين اختلف فيها ، فقيل هي زائدة ; قاله الطبري . ومنه قوله تعالى : ما منعك ألا تسجد . وقيل : هي تأكيد دخلت لئلا يتوهم أن الضالين معطوف على الذين ، حكاه مكي والمهدوي . وقال الكوفيون : " لا " بمعنى غير ، وهي قراءة عمر وأبي ; وقد تقدم .
الأصل في الضالين : الضاللين حذفت حركة اللام الأولى ثم أدغمت اللام في اللام فاجتمع ساكنان مدة الألف واللام المدغمة . وقرأ أيوب السختياني : ولا الضألين بهمزة غير ممدودة ; كأنه فر من التقاء الساكنين وهي لغة . حكى أبو زيد قال : سمعت عمرو بن عبيد يقرأ : " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن " فظننته قد لحن حتى سمعت من العرب : دأبة وشأبة . قال أبو الفتح : وعلى هذه اللغة قول كثير :
إذا ما العوالي بالعبيط احمأرت
نجز تفسير سورة الحمد ; ولله الحمد والمنة .. ❝ ⏤عبدالعزيز بن داخل المطيري
❞ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
صراط الذين أنعمت عليهم
صراط بدل من الأول بدل الشيء من الشيء ; كقولك : جاءني زيد أبوك . ومعناه : أدم هدايتنا ، فإن الإنسان قد يهدى إلى الطريق ثم يقطع به . وقيل : هو صراط آخر ، ومعناه العلم بالله جل وعز والفهم عنه ; قاله جعفر بن محمد . ولغة القرآن الذين في الرفع والنصب والجر ، وهذيل تقول : ( اللذون ) في الرفع ، ومن العرب من يقول : ( اللذو ) ، ومنهم من يقول ( الذي ) وسيأتي .
وفي ( عليهم ) عشر لغات ; قرئ بعامتها : ˝ عليهم ˝ بضم الهاء وإسكان الميم . ˝ وعليهم ˝ بكسر الهاء وإسكان الميم . و ˝ عليهمي ˝ بكسر الهاء والميم وإلحاق ياء بعد الكسرة . و ˝ عليهمو ˝ بكسر الهاء وضم الميم وزيادة واو بعد الضمة . و ˝ عليهمو ˝ بضم الهاء والميم كلتيهما وإدخال واو بعد الميم و ˝ عليهم ˝ بضم الهاء والميم من غير زيادة واو . وهذه الأوجه الستة مأثورة عن الأئمة من القراء . وأوجه أربعة منقولة عن العرب غير محكية عن القراء : ˝ عليهمي ˝ بضم الهاء وكسر الميم وإدخال ياء بعد الميم ; حكاها الحسن البصري عن العرب . و ˝ عليهم ˝ بضم الهاء وكسر الميم من غير زيادة ياء . و ˝ عليهم ˝ بكسر الهاء وضم الميم من غير إلحاق واو . و ˝ عليهم ˝ بكسر الهاء والميم ولا ياء بعد الميم . وكلها صواب ; قاله ابن الأنباري .
قرأ عمر بن الخطاب وابن الزبير رضي الله عنهما ˝ صراط من أنعمت عليهم ˝ . واختلف الناس في المنعم عليهم ; فقال الجمهور من المفسرين : إنه أراد صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . وانتزعوا ذلك من قوله تعالى : ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . فالآية تقتضي أن هؤلاء على صراط مستقيم ، وهو المطلوب في آية الحمد ; وجميع ما قيل إلى هذا يرجع ، فلا معنى لتعديد الأقوال والله المستعان .
وفي هذه الآية رد على القدرية والمعتزلة والإمامية ، لأنهم يعتقدون أن إرادة الإنسان كافية في صدور أفعاله منه ، طاعة كانت أو معصية ; لأن الإنسان عندهم خالق لأفعاله ، فهو غير محتاج في صدورها عنه إلى ربه ; وقد أكذبهم الله تعالى في هذه الآية إذ سألوه الهداية إلى الصراط المستقيم ; فلو كان الأمر إليهم والاختيار بيدهم دون ربهم لما سألوه الهداية ، ولا كرروا السؤال في كل صلاة ; وكذلك تضرعهم إليه في دفع المكروه ، وهو ما يناقض الهداية حيث قالوا : صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين . فكما سألوه أن يهديهم سألوه ألا يضلهم ، وكذلك يدعون فيقولون : ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا الآية .
غير المغضوب عليهم ولا الضالين
اختلف في المغضوب عليهم و الضالين من هم ؟ فالجمهور أن المغضوب عليهم اليهود ، والضالين النصارى ; وجاء ذلك مفسرا عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم وقصة إسلامه ، أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ، والترمذي في جامعه . وشهد لهذا التفسير أيضا قوله سبحانه في اليهود : وباءوا بغضب من الله . وقال : وغضب الله عليهم وقال في النصارى : قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل . وقيل : المغضوب عليهم المشركون . و الضالين المنافقون .
وقيل : المغضوب عليهم هو من أسقط فرض هذه السورة في الصلاة ; و الضالين عن بركة قراءتها . حكاه السلمي في حقائقه والماوردي في تفسيره ; وليس بشيء . قال الماوردي : وهذا وجه مردود ، لأن ما تعارضت فيه الأخبار وتقابلت فيه الآثار وانتشر فيه الخلاف ، لم يجز أن يطلق عليه هذا الحكم . وقيل : المغضوب عليهم باتباع البدع ; و الضالين عن سنن الهدى .
قلت : وهذا حسن ; وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم أولى وأعلى وأحسن . و ( عليهم ) في موضع رفع ، لأن المعنى غضب عليهم . والغضب في اللغة الشدة . ورجل غضوب أي شديد الخلق . والغضوب : الحية الخبيثة لشدتها . والغضبة : الدرقة من جلد البعير يطوى بعضها على بعض ; سميت بذلك لشدتها . ومعنى الغضب في صفة الله تعالى إرادة العقوبة ، فهو صفة ذات ، وإرادة الله تعالى من صفات ذاته ; أو نفس العقوبة ، ومنه الحديث : إن الصدقة لتطفئ غضب الرب فهو صفة فعل .
ولا الضالين الضلال في كلام العرب هو الذهاب عن سنن القصد وطريق الحق ; ومنه : ضل اللبن في الماء أي غاب . ومنه : أئذا ضللنا في الأرض أي غبنا بالموت وصرنا ترابا ; قال :
ألم تسأل فتخبرك الديار عن الحي المضلل أين ساروا
والضلضلة : حجر أملس يردده الماء في الوادي . وكذلك الغضبة : صخرة في الجبل مخالفة لونه ، قال : أو غضبة في هضبة ما أمنعا
قرأ عمر بن الخطاب وأبي بن كعب ˝ غير المغضوب عليهم وغير الضالين ˝ وروي عنهما في الراء النصب والخفض في الحرفين ; فالخفض على البدل من ( الذين ) أو من الهاء والميم في ( عليهم ) ; أو صفة للذين والذين معرفة ولا توصف المعارف بالنكرات ولا النكرات بالمعارف ، إلا أن الذين ليس بمقصود قصدهم فهو عام ; فالكلام بمنزلة قولك : إني لأمر بمثلك فأكرمه ; أو لأن ( غير ) تعرفت لكونها بين شيئين لا وسط بينهما ، كما تقول : الحي غير الميت ، والساكن غير المتحرك ، والقائم غير القاعد ، قولان : الأول للفارسي ، والثاني للزمخشري . والنصب في الراء على وجهين : على الحال من الذين ، أو من الهاء والميم في عليهم ، كأنك قلت : أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم . أو على الاستثناء ، كأنك قلت : إلا المغضوب عليهم . ويجوز النصب بأعني ; وحكي عن الخليل .
( لا ) في قوله ولا الضالين اختلف فيها ، فقيل هي زائدة ; قاله الطبري . ومنه قوله تعالى : ما منعك ألا تسجد . وقيل : هي تأكيد دخلت لئلا يتوهم أن الضالين معطوف على الذين ، حكاه مكي والمهدوي . وقال الكوفيون : ˝ لا ˝ بمعنى غير ، وهي قراءة عمر وأبي ; وقد تقدم .
الأصل في الضالين : الضاللين حذفت حركة اللام الأولى ثم أدغمت اللام في اللام فاجتمع ساكنان مدة الألف واللام المدغمة . وقرأ أيوب السختياني : ولا الضألين بهمزة غير ممدودة ; كأنه فر من التقاء الساكنين وهي لغة . حكى أبو زيد قال : سمعت عمرو بن عبيد يقرأ : ˝ فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن ˝ فظننته قد لحن حتى سمعت من العرب : دأبة وشأبة . قال أبو الفتح : وعلى هذه اللغة قول كثير :
إذا ما العوالي بالعبيط احمأرت
نجز تفسير سورة الحمد ; ولله الحمد والمنة. ❝
❞ و لا تيأس مهما بلغت أوزارك و لا تقنط مهما بلغت خطاياك.. فما جعل الله التوبة إلا للخطاة و ما أرسل الأنبياء إلا للضالين و ما جعل المغفرة إلا للمذنبين و ما سمى نفسه الغفار التواب العفو الكريم إلا من أجل أنك تخطئ فيغفر.
جدد استغفارك كل لحظة تجدد معرفتك و تجدد العهد بينك و بين ربك و تصل ما انقطع بغفلتك.
و اعلم أن الله لا يمل دعاء الداعين.. و أنه يحب السائلين الطالبين الضارعين الرافعي الأكف على بابه.. و إنما يمقت الله المتكبر المستغني المختال المعجب بنفسه الذي يظن أنه استوفى الطاعة و بلغ غاية التقوى و قارب الكمال.. ذلك الذي يكلم الناس من عل و يصافحهم بأطراف الأنامل.
ثم بعد التوبة و الاستغفار و التخلي عن الذنوب و التبرؤ من الحول و الطول.. يأتي التحبب و التقرب و التخلق و التحقق.
حاول أن تتحلى بأخلاق سيدك.. فإذا كان هو الكريم الحليم الصبور الشكور العفو الغفور.. فحاول أن يكون لك من هذه الصفات نصيب.
فإذا غالبتك نفسك الأمارة.. اسجد و ابك و تضرع و توسل.. و قل بين دموعك:
يا من عطفت على الطين فنفخت فيه من جمالك و كمالك.
يا من أخرجت النور من الظلمة.
يا من تكرمت على العدم
أخرجني من كثافتي و حررني من طينتي و خلصني من ظلمتي و قوني على ضعفي و أعني على نفسي.. فلا أحد سواك يستطيع أن يفعل هذا.. أنت يا صانعي بيديك.
ثم يقول سادتنا الأكابر :
إن الجهاد يطول فلا تتعجل الثمر.. فكلما عظمت الأهداف طال الطريق.. فلا تبرح الباب.. و أطل السجود.. و أدم البكاء.. فإنك لا تطلب نيشاناً أو جائزة و إنما تطلب وجه صاحب العرش العظيم.
تطلب رب السماوات.
تطلب العزيز الذي لا يرام.
و ذلك مطلب لا يبلغه طالب إلا بعد أن يبتلى و يمتحن و يتحقق إخلاصه.. و يشهد الملائكة منزلته و يرى الملأ الأعلى بينته.
فكيف يصحب الملائكة المقربين إلا النفر الكرام الذين تخلقوا بأخلاقهم.
و كيف تصعد إلى السماوات إلا بعد أن تلقي بمتاعك الأرضي و أثقالك.. ثم تلقي بنفسك الحيوانية من حالق.. ثم تلقي بغرورك و أنانيتك و شهواتك و أطماعك.. و تتجرد من دواعي بشريتك.. و تعود كما خلقك الله نوراً من نوره.
حينئذ تبلغ الحرية حقاً.. و تشاكل الأبرار و الشهداء و القديسين و الملائكة.
و ذلك معراج يحتاج إلى عمر بطوله و إلى زاد من التقوى و المحبة و الطاعة و صبر على البلاء و لا يقدر على هذا إلا آحاد.
و لهذا خلقت الجنة.
و لهذا كانت الأكثرية ترتع في النار من الآن.
. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ و لا تيأس مهما بلغت أوزارك و لا تقنط مهما بلغت خطاياك. فما جعل الله التوبة إلا للخطاة و ما أرسل الأنبياء إلا للضالين و ما جعل المغفرة إلا للمذنبين و ما سمى نفسه الغفار التواب العفو الكريم إلا من أجل أنك تخطئ فيغفر.
جدد استغفارك كل لحظة تجدد معرفتك و تجدد العهد بينك و بين ربك و تصل ما انقطع بغفلتك.
و اعلم أن الله لا يمل دعاء الداعين. و أنه يحب السائلين الطالبين الضارعين الرافعي الأكف على بابه. و إنما يمقت الله المتكبر المستغني المختال المعجب بنفسه الذي يظن أنه استوفى الطاعة و بلغ غاية التقوى و قارب الكمال. ذلك الذي يكلم الناس من عل و يصافحهم بأطراف الأنامل.
ثم بعد التوبة و الاستغفار و التخلي عن الذنوب و التبرؤ من الحول و الطول. يأتي التحبب و التقرب و التخلق و التحقق.
حاول أن تتحلى بأخلاق سيدك. فإذا كان هو الكريم الحليم الصبور الشكور العفو الغفور. فحاول أن يكون لك من هذه الصفات نصيب.
فإذا غالبتك نفسك الأمارة. اسجد و ابك و تضرع و توسل. و قل بين دموعك:
يا من عطفت على الطين فنفخت فيه من جمالك و كمالك.
يا من أخرجت النور من الظلمة.
يا من تكرمت على العدم
أخرجني من كثافتي و حررني من طينتي و خلصني من ظلمتي و قوني على ضعفي و أعني على نفسي. فلا أحد سواك يستطيع أن يفعل هذا. أنت يا صانعي بيديك.
ثم يقول سادتنا الأكابر :
إن الجهاد يطول فلا تتعجل الثمر. فكلما عظمت الأهداف طال الطريق. فلا تبرح الباب. و أطل السجود. و أدم البكاء. فإنك لا تطلب نيشاناً أو جائزة و إنما تطلب وجه صاحب العرش العظيم.
تطلب رب السماوات.
تطلب العزيز الذي لا يرام.
و ذلك مطلب لا يبلغه طالب إلا بعد أن يبتلى و يمتحن و يتحقق إخلاصه. و يشهد الملائكة منزلته و يرى الملأ الأعلى بينته.
فكيف يصحب الملائكة المقربين إلا النفر الكرام الذين تخلقوا بأخلاقهم.
و كيف تصعد إلى السماوات إلا بعد أن تلقي بمتاعك الأرضي و أثقالك. ثم تلقي بنفسك الحيوانية من حالق. ثم تلقي بغرورك و أنانيتك و شهواتك و أطماعك. و تتجرد من دواعي بشريتك. و تعود كما خلقك الله نوراً من نوره.
حينئذ تبلغ الحرية حقاً. و تشاكل الأبرار و الشهداء و القديسين و الملائكة.
و ذلك معراج يحتاج إلى عمر بطوله و إلى زاد من التقوى و المحبة و الطاعة و صبر على البلاء و لا يقدر على هذا إلا آحاد.
و لهذا خلقت الجنة.