❞ هُناك من البشر من يُشبه الغَيمات، يَستثقِل وجوده معنا وهو الأكثر خِفة ونقاوة، لطيفٌ عند مروره، وإن جَادَ كان عَطاؤه كالغيث، وإن لم يجُد بشيء فدِفء ظِلاله الحانية يكفي.. ❝ ⏤حنان لاشين
❞ هُناك من البشر من يُشبه الغَيمات، يَستثقِل وجوده معنا وهو الأكثر خِفة ونقاوة، لطيفٌ عند مروره، وإن جَادَ كان عَطاؤه كالغيث، وإن لم يجُد بشيء فدِفء ظِلاله الحانية يكفي. ❝
❞ إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى؛ فمن اتقَى ربَّه ارتَقَى درجات، وطابَ مآلُه بعد الممات.
أيها المسلمون: إذا أراد الله أن يُكرِم عبدَه بمعرفته وجمعِ قلبه على محبَّته؛ شرَحَ صدرَه لقَبول صفاته، ومن صفاته سبحانه: الكرم بكثرة الخير وجَزيلِ العطاء، ومن نُعوته: الشُّكر يشكُر القليلَ من العمل بمُضاعَفَة الثواب أضعافًا كثيرة: (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 34].
وأقلُّ ما يُضاعِفُ به الحسنةَ عشرُ حسنات، وشكرَ المؤمنين بجنَّاتِ النعيم، والمُسلمُ لا يحتقِرُ أيَّ عملٍ صالحٍ، فلا يدري ما الذي يُدخِلُه الجنةَ منه، ومن وصايا النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: \"لا تحقِرنَّ من المعروف شيئًا\". رواه مسلم.
قال ابن حجر -رحمه الله-: \"ينبغي للمرءِ أن لا يزهَدَ في قليلٍ من الخيرِ أن يأتيَه، ولا في قليلٍ من الشرِّ أن يجتنِبَه؛ فإنه لا يعلَم الحسنةَ التي يرحمُه الله بها، ولا السيئةَ التي سخَطُ عليه بها\".
وخصَّ سبحانه أعمالاً يسيرةً بثوابٍ جزيلٍ مُضاعَفٍ عنده؛ فالتوحيدُ دينُ الفِطرة، وجزاءُ أهله الجنة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: \"من لقِيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا دخلَ الجنةَ\". رواه مسلم. ومن كان آخرَ كلامِهِ من الدنيا: لا إله إلا الله دخلَ الجنةَ.
وأثابَ سبحانه على فروعٍ في العباداتِ يتكرَّرُ عملُها في اليوم والليلة بتكفيرِ الخطايا وفتحِ أبوابِ الجِنان؛ فجعلَ الطُّهورَ شطرَ الإيمان، والسِّواكَ مرضاةً له سبحانه، ومن توضَّأَ فأحسنَ الوضوءَ خرجَت خطاياهُ من جسدِهِ حتى تخرُج من تحت أظفاره، ومن فرَغَ من الوضوءِ وقال: \"أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبدُ الله ورسوله؛ إلا فُتِحَت له أبوابُ الجنةِ الثمانية يدخُلُ من أيِّها شاء\". رواه مسلم. و\"من توضَّأَ فأحسَنَ الوضوءَ، ثم صلَّى ركعتين يُقبِلُ عليهما بقلبِهِ ووجهِهِ وجبَتْ له الجَنَّة\". رواه النسائي.
وجعلَ خُطوات الماشِي إلى الصلاة إحداهما تحُطُّ خطيئةً، والأخرى ترفَعُ درجةً، والمُنادِي بالأذان يُغفَرُ له مدُّ صوته ويشهدُ له كلُّ رَطبٍ ويابِسٍ، ومن سمِعَ المُؤذِّنَ وقال مِثلَ قوله كان له كأجرِه، \"وإذا قال المُؤذِّن: أشهدُ أن محمدًا رسول الله، فقال من سمِعَه: وأنا أشهدُ، رضِيتُ بالله ربًّا، وبمُحمَّدٍ رسولاً، وبالإسلام دينًا؛ غُفِرَ له ذنبُه\". رواه مسلم.
ولفضلِ الصلاةِ وعُلُوِّ منزلتها كان ثوابُ الأعمال فيها عظيمًا؛ فمن غدَا إلى المسجدِ أو راحَ أعدَّ الله له في الجنةِ نُزُلاً كلما غدَا أو راحَ، وصلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين درجة، ومن صلَّى الصُّبحَ فهو في ذِمَّةِ الله وحِفظِهِ حتى يُمسِي.
ومن حافَظَ على صلاةِ العصر ضُوعِفَ له أجرُه مرتين؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: \"إن هذه الصلاةَ عُرِضَت على من كان قبلَكم فضيَّعُوها، فمن حافَظَ عليها كان له أجرُه مرتين\". رواه مسلم.
ومن صلَّى العشاءَ في جماعةٍ فكأنَّما قامَ نصفَ الليل، ومن صلَّى الصبحَ في جماعةٍ فكأنَّما صلَّى الليلَ كلَّه.
وركعتان قبل الفجرِ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ومن صلَّى اثنتَيْ عشرة ركعة في يومٍ وليلةٍ بنَى الله له بيتًا في الجنة، وركعتان في الضُّحَى تُؤدِّي شُكرَ نعمةِ جميع مفاصِلِ الإنسان.
وشرَعَ سبحانه أذكارًا في الصلاةِ جامِعة أُجُورُها مُضاعَفة؛ صلَّى رجلٌ خلفَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فلما رفعَ رأسَه من الركوعِ قال: ربَّنا ولك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، فقال -عليه الصلاة والسلام-: \"رأيتُ بِضعةً وثلاثين مَلَكًا يبتدِرُونها أيُّهم يكتُبُها أول\". رواه البخاري.
والتأمينُ مع الإمام آخر الفاتِحة يُغفَرُ لصاحبِهِ إن وافقَ تأمينَ الملائكة.
\"ومن قرأَ آيةَ الكُرسي عقِبَ كل صلاةٍ لم يمنَعه دخول الجنةِ إلا أن يموت\". رواه النسائي.
ومن قال حين ينصرِفُ من المغرب: اللهم أجِرني من النار. سبعَ مراتٍ؛ نجَّاه الله منها إن ماتَ من ليلته، وإن قالَها بعد الصُّبحِ ومات من يومه؛ نجَّاه الله منها.
وكتابُه سبحانه مُبارَكٌ، من دنا منه ارتفَع، ومن قرأَ حرفًا منه فله بكلِّ حرفٍ حسنة، والحسنةُ بعشرِ أمثالها، و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص: 1] تعدِلُ ثُلُثَ القرآن، ومن أحبَّها دخلَ الجنة؛ قال رجلٌ من الأنصار: يا رسول الله: إني أُحِبُّها. فقال: \"حُبُّك إياها أدخَلَك الجنةَ\". رواه البخاري.
و\"يُقال يوم القيامة لقارئِ القرآن: اقرأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ تُرتِّلُ في الدنيا؛ فإن منزِلَك عند آخر آيةٍ تقرؤُها\". رواه أبو داود.
والإسلامُ عظَّمَ أواصِرَ الأُخُوَّة والمودَّة بين المُسلمين، ورتَّبَ الأُجورَ الوَفيرةَ لمن قوَّاها؛ فما من مُسلِمَين يلتقِيَان فيتصافَحَان إلا غُفِر لهما.
و\"إذا عادَ المُسلمُ أخاه المُسلمَ لم يزَل في خُرْفَة الجنة\". قيل: يا رسول الله: وما خُرْفَة الجنة؟! قال: \"جَنَاها\". رواه مسلم.
والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ، ومن شهِدَ جنازةً حتى يُصلَّى عليها فله قِيراطٌ. والقِيراطُ مِثلُ جبل أُحُد، ومن شهِدَها حتى تُدفَنَ فله قِيراطان.
ومن أحسنَ إلى المُسلمين ونصرَ دينَ الله نجَا وارتَقَى؛ فمن بنَى لله مسجِدًا بنى الله له بيتًا في الجنة، ومن كفَلَ يتيمًا كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، \"والساعِي على الأرملَة والمِسكين كالقائمِ الذي لا يفتُر، وكالصائمِ الذي لا يُفطِرُ\". متفق عليه.
والمُتصدِّقُ تعظُمُ صدقتُه عند الله؛ فالتمرةُ يأخُذُها سبحانه ويُربِّيها حتى تكونَ مِثلَ الجبل، ومن أخفَى صدقتَه ولو قلَّت أظلَّه الله تحت ظِلِّ عرشِه.
ومن قال لصانِعِ المعروفِ: جزاكَ اللهُ خيرًا؛ فقد أبلَغَ في الثناءِ.
وإصلاحُ ذاتِ البَيْن من الرحِمِ وغيرها أفضلُ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقة.
ولعظيمِ حُرمة المُسلم عند الله مَنْ أبعدَ عنه ما يُؤذِيه أدخلَه الله الجنةَ؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: \"لقد رأيتُ رجلاً يتقلَّبُ في الجنةِ في شجرةٍ قطَعَها من ظهر الطريقِ كانت تُؤذِي الناسَ\". رواه مسلم.
بل من أحسَنَ إلى البهائمِ فإن اللهَ يشكُرُه؛ \"رأى رجلٌ كلبًا يلهَثُ من العَطَشِ فسقاهُ ماءً، فشكرَ اللهُ له فغفَرَ له\". رواه البخاري.
وتكرَّم سبحانه باصطِفاءِ كلماتٍ معدودةٍ من الأذكارِ جعلَ ثوابَها عظيمًا؛ فالحمدُ لله تملأُ المِيزان، ومن قالَ: سبحان الله العظيمِ وبحمده؛ غُرِسَت له نخلةٌ في الجنةِ.
وسُبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، خفيفتان على اللسان، خفيفتان في المِيزان، حبيبتان إلى الرحمن.
ومن قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائةَ مرَّةٍ؛ حُطَّت خطاياه وإن كانت مِثلَ زَبَد البحرِ.
و\"من قال: سبحان الله مائةَ مرَّة؛ كُتِبَت له ألفُ حسنة، أو حُطَّت عنه ألفُ خطيئةٍ\". رواه مسلم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله كنزٌ من كنوز الجنة، وسُبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبرُ أحبُّ الكلام إلى الله؛ قال عنها -عليه الصلاة والسلام-: \"أحبُّ إليَّ مما طلَعَت عليه الشمسُ\". متفق عليه.
وقال لجُويرية -رضي الله عنها- وكانت تذكُرُ اللهَ من بعد الفجرِ إلى ارتِفاعِ الضُّحَى: \"لقد قلتُ بعدَكِ أربعَ كلماتٍ ثلاثَ مرَّاتٍ لو وزِنَت بما قُلتِي مُنذُ اليوم لوَزَنتهُنَّ: سُبحان الله وبحمده عددَ خلقِه، ورِضا نفسِه، وزِنةَ عرشِهِ، ومِدادَ كلماته\". رواه مسلم.
ومن صلَّى على النبي -صلى الله عليه وسلم- مرَّةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
ونِعمُ الله علينا تَتْرَى، نِعَمٌ نازِلة، وأخرى عند الخلقِ باقِية، ومن قال حين يُصبِحُ: \"اللهم ما أصبحَ بي من نعمةٍ فمنك وحدكَ لا شريك لك، فلك الحمدُ ولك الشكر؛ فقد أدَّى شُكرَ يومه، ومن قال مِثلَ ذلك حين يُمسِي فقد أدَّى شُكرَ ليلته\". رواه أبو داود.
والله سبحانه يُحبُّ المُسلِمَ ويُكرِمَه ويُدافِعَ عنه، وشَرَعَ أسبابًا لحِفظِه من أعدائِه؛ فأنزلَ آياتٍ قصيرةٍ تحفَظُ المرءَ في ليله ونهارِهِ ومنزلِهِ ومنامِه؛ فالمُعوِّذتان ما تحصَّنَ مُتحصِّنٌ بمثلِهِما في صباحِهِ ومسائه، ومن قرأَ الآيتين من أواخر سورة البقرة كفَتَاه من كل شرٍّ، ومن قرأَ آيةَ الكُرسي قبل نومِهِ؛ لم يزَلْ عليه من الله حافِظٌ حتى يُصبِح.
وشرعَ سبحانه أدعيةً من دعا بها ولو ماشِيًا حفِظَه الله من كل مكروهٍ: \"فمن نزلَ منزلاً وقال: أعوذُ بكلمات الله التامَّات من شرِّ ما خلَق لم يضُرَّه شيءٌ حتى يرتحِلَ من منزلهِ ذلك\". رواه مسلم.
و\"من خرجَ من داره فقال: بسم الله، توكَّلتُ على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله؛ قالت له الملائِكةُ: كُفِيتَ وُوفِيتَ، وتنحَّى عنه الشيطانُ\". رواه الترمذي.
وبِدعاءٍ مع عملٍ صالحٍ من قالَه أدخلَه الله الجنةَ، وأعاذَه الله من النار؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: \"من سألَ اللهَ الجنةَ ثلاثَ مرَّاتٍ قالت الجنةُ: اللهم أدخِله الجنةَ، ومن استَجَارَ من النار ثلاثَ مرَّاتٍ، قالت النارُ: اللهم أجِره من النار\". رواه الترمذي.
واللهُ سبحانه يُنعِمُ على العبد بنِعَمه السابِغة، وإذا تمتَّعَ بها وشكَرَ اللهَ عليها غفَرَ له ذنبَه؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: \"من أكلَ طعامًا فقال: الحمدُ لله الذي أطعمَني هذا ورَزَقنيه من غير حولٍ مني ولا قوةٍ؛ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِهِ\". رواه الترمذي.
وبسَطَ سبحانه نفَحَاتِه في مجالسِ الناسِ بعد لغَطِهم فيها لتكون صحائِفُهم بيضاء نقيَّة: \"فمن جلَسَ في مجلسٍ كثُرَ فيه لغَطُه، فقال قبل أن يقوم من مجلسِهِ ذلك: سبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفِرُك وأتوبُ إليك؛ إلا غُفِرَ له ما كان في مجلِسِه ذلك\". رواه الترمذي.
واللهُ بمنِّهِ جعلَ أزمانًا فاضِلَةً، منها ما لا تُردُّ فيه دعوةٌ؛ ففي كل ليلةٍ يتفضَّلُ سبحانه على عبادِهِ بإعطائِهم ما سَأَلُوه؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: \"إن في الليلِ لسَاعةً لا يُوافِقُها رجلٌ مُسلمٌ يسألُ اللهَ خيرًا من أمر الدنيا والآخِرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة\". رواه مسلم.
و\"في آخرِ كلِّ ليلةٍ ينزِلُ ربُّنا إلى السماءِ الدنيا، فيقول: من يدعُوني فأستجيبَ له، ومن يسألُني فأُعطِيَه، من يستغفِرني فأغفِرَ له\". متفق عليه.
وتكرَّم في آخر ساعةٍ من الجُمُعة بإجابةِ دعواتِ عباده.
وفي كل عامٍ خصَّ ليلةَ القدرِ العملُ فيها خيرٌ من ألفِ شهر، ومن قامَها إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه.
وصومُ يوم عرفة يُكفِّرُ سنتين، وصيامُ عاشوراء يُكفِّرُ السنةَ الماضِية، وصيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ كصِيامِ سنةٍ، وعُمرةٌ في رمضان تعدِلُ حجَّةً.
وفضَّلَ -جل وعلا- أماكنَ خصَّها بمزيدِ مُضاعفَةِ الحسنات؛ فصلاةُ المسجد الحرام خيرٌ من مائةِ ألفِ صلاةٍ، وصلاةٌ في مسجدِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- خيرٌ من ألفِ صلاةٍ، وصلاةٌ في المسجدِ الأقصى خير من خمسمائةِ صلاةٍ، ومن تطهَّرَ في بيته ثم أتَى مسجدَ قُباء فصلَّى ركعتين كان له كأجرِ عُمرة.
وفي زمنِ الفِتَنِ وتلاطُمِ المِحَن يُضاعِفُ -عز وجل- ثوابَ الأعمال؛ فالقابِضُ على دينه في آخر الزمانِ له أجرُ خمسين من الصحابة، \"وعبادةٌ في الهَرْجِ -أي: الفتنِ- كهِجرةٍ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-\". رواه مسلم.
ومن عجَزَ عن عملٍ أو قولٍ لعُذرٍ وهو صادقُ النيَّةِ في ذلك أعطاه الله بكرمِهِ أجرَ العاملين وإن لم يعمَلْه؛ \"فمن سألَ اللهَ الشهادةَ بصدقٍ بلَّغَه الله منازِلَ الشُّهَداء وإن ماتَ على فِراشِه\". رواه مسلم.
ومن تمنَّى أن عندَه مالاً ليتصدَّقَ به نالَهُ أجرُ المُتصدِّقين، ومن أحبَّ أحدًا حُشِرَ معه وإن لم يكُن مِثلَه؛ قال أنسٌ -رضي الله عنه-: \"ما فرِحْنا بعد الإسلام فرَحًا أشدَّ من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: \"إنك مع من أحببتَ\". قال أنس: \"فأنا أُحِبُّ اللهَ ورسولَه وأبا بكرٍ وعُمر، وأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم\".
وإذا سافرَ العبدُ أو مرِضَ كتبَ اللهُ بفضلهِ أجرَه صحيحًا مُقيمًا.
والهمُّ والحُزنُ يحُطُّ الخطايا والأوزار؛ بل لعظيمِ فضلِ اللهِ من همَّ بحسنةٍ ولم يعمَلها كُتِبَت له حسنةٌ كامِلة، ومن همَّ بسيئةٍ فلم يعمَلْها كتبَها اللهُ عندَه حسنةً كامِلة.
وبعدُ:
أيها المسلمون: فالمُوفَّقُ مَنْ فقهَ كرمَ اللهِ وشُكرَه، وعمِلَ بمُقتضَى صفاتِه، وسابَقَ إلى الصالحات ليكونَ من السابقين إلى دخول الجنات، ومن نوَّعَ أعمالَه الصالِحة تنوَّعَت لذَّاتُهُ في الآخرة، والعملُ يتضاعَفُ بالإخلاصِ، ومن علامةِ قَبُولِ الحسنةِ الحسنةُ بعدها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 40].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون: من رحمةِ الله بعباده أن بعثَ إليهم رُسُلاً مُبشِّرين ومُنذِرين، ولم يشُقَّ سبحانه على خلقِهِ بالابتِداعِ في الدين؛ بل بيَّن لهم ما يُحبُّه ويرتضِيه، وعلَّقَ القَبولَ بإخلاصِ العمل وطاعةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في مُتابَعتِه، ومن ابتدَعَ فقد كلَّفَ نفسَه ما لم يأذَن به الله، وعملُه مردودٌ ولا يجنِي منه سِوَى العَناءِ والإثمِ؛ قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: \"اتَّبِعوا ولا تبتدِعُوا؛ فقد كُفِيتُم\".
وكان عُمرُ -رضي الله عنه- يهُمُّ بالأمر ويعزِمُ عليه، فإذا قِيلَ له: لم يفعلهُ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؛ انتَهَى.
والمؤمنُ يجمعُ بين الإخلاصِ والاتباعِ، ويُكثِرُ من العملِ الصالحِ ما استطاعَ.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّهِ، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اجعل أعمالَنا كلَّها صالِحة، واجعلها لوجهِك خالِصة، ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئًا.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم يا قويُّ يا عزيزُ يا عظيمُ يا ملِكُ يا قديرُ، اللهم انصُر المُستضعَفين من المُسلمين في الشام، اللهم كُن لهم وليًّا ونصيرًا، ومُعينًا وظَهيرًا، اللهم أيِّدهم بجنودٍ من عندك يا ربَّ العالمين، اللهم اربِط على قلوبِهم، وسدِّد رميَهم، وكُن معهم بملائكتِك يا رب العالمين.
اللهم أدِر دائرةَ السَّوءِ على عدُوِّك وعدوِّهم، اللهم اجعل كيدَهم في نُحورهم، وألقِ الرُّعبَ في قلوبهم، واجعل بأسَهم بينهم، وجُندَهم وعتادَهم عليهم، وشتِّت شملَهم، واجعلهم عِبرةً للمُعتبِرين يا عظيمُ يا قويُّ يا عزيزُ.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقَراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لِما فيه رِضاكَ يا رب العالمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المصدر
https://khutabaa.com/ar. ❝ ⏤لا حول ولا قوة الا بالله
❞ إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى؛ فمن اتقَى ربَّه ارتَقَى درجات، وطابَ مآلُه بعد الممات.
أيها المسلمون: إذا أراد الله أن يُكرِم عبدَه بمعرفته وجمعِ قلبه على محبَّته؛ شرَحَ صدرَه لقَبول صفاته، ومن صفاته سبحانه: الكرم بكثرة الخير وجَزيلِ العطاء، ومن نُعوته: الشُّكر يشكُر القليلَ من العمل بمُضاعَفَة الثواب أضعافًا كثيرة: (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 34].
وأقلُّ ما يُضاعِفُ به الحسنةَ عشرُ حسنات، وشكرَ المؤمنين بجنَّاتِ النعيم، والمُسلمُ لا يحتقِرُ أيَّ عملٍ صالحٍ، فلا يدري ما الذي يُدخِلُه الجنةَ منه، ومن وصايا النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: ˝لا تحقِرنَّ من المعروف شيئًا˝. رواه مسلم.
قال ابن حجر -رحمه الله-: ˝ينبغي للمرءِ أن لا يزهَدَ في قليلٍ من الخيرِ أن يأتيَه، ولا في قليلٍ من الشرِّ أن يجتنِبَه؛ فإنه لا يعلَم الحسنةَ التي يرحمُه الله بها، ولا السيئةَ التي سخَطُ عليه بها˝.
وخصَّ سبحانه أعمالاً يسيرةً بثوابٍ جزيلٍ مُضاعَفٍ عنده؛ فالتوحيدُ دينُ الفِطرة، وجزاءُ أهله الجنة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: ˝من لقِيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا دخلَ الجنةَ˝. رواه مسلم. ومن كان آخرَ كلامِهِ من الدنيا: لا إله إلا الله دخلَ الجنةَ.
وأثابَ سبحانه على فروعٍ في العباداتِ يتكرَّرُ عملُها في اليوم والليلة بتكفيرِ الخطايا وفتحِ أبوابِ الجِنان؛ فجعلَ الطُّهورَ شطرَ الإيمان، والسِّواكَ مرضاةً له سبحانه، ومن توضَّأَ فأحسنَ الوضوءَ خرجَت خطاياهُ من جسدِهِ حتى تخرُج من تحت أظفاره، ومن فرَغَ من الوضوءِ وقال: ˝أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبدُ الله ورسوله؛ إلا فُتِحَت له أبوابُ الجنةِ الثمانية يدخُلُ من أيِّها شاء˝. رواه مسلم. و˝من توضَّأَ فأحسَنَ الوضوءَ، ثم صلَّى ركعتين يُقبِلُ عليهما بقلبِهِ ووجهِهِ وجبَتْ له الجَنَّة˝. رواه النسائي.
وجعلَ خُطوات الماشِي إلى الصلاة إحداهما تحُطُّ خطيئةً، والأخرى ترفَعُ درجةً، والمُنادِي بالأذان يُغفَرُ له مدُّ صوته ويشهدُ له كلُّ رَطبٍ ويابِسٍ، ومن سمِعَ المُؤذِّنَ وقال مِثلَ قوله كان له كأجرِه، ˝وإذا قال المُؤذِّن: أشهدُ أن محمدًا رسول الله، فقال من سمِعَه: وأنا أشهدُ، رضِيتُ بالله ربًّا، وبمُحمَّدٍ رسولاً، وبالإسلام دينًا؛ غُفِرَ له ذنبُه˝. رواه مسلم.
ولفضلِ الصلاةِ وعُلُوِّ منزلتها كان ثوابُ الأعمال فيها عظيمًا؛ فمن غدَا إلى المسجدِ أو راحَ أعدَّ الله له في الجنةِ نُزُلاً كلما غدَا أو راحَ، وصلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين درجة، ومن صلَّى الصُّبحَ فهو في ذِمَّةِ الله وحِفظِهِ حتى يُمسِي.
ومن حافَظَ على صلاةِ العصر ضُوعِفَ له أجرُه مرتين؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: ˝إن هذه الصلاةَ عُرِضَت على من كان قبلَكم فضيَّعُوها، فمن حافَظَ عليها كان له أجرُه مرتين˝. رواه مسلم.
ومن صلَّى العشاءَ في جماعةٍ فكأنَّما قامَ نصفَ الليل، ومن صلَّى الصبحَ في جماعةٍ فكأنَّما صلَّى الليلَ كلَّه.
وركعتان قبل الفجرِ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ومن صلَّى اثنتَيْ عشرة ركعة في يومٍ وليلةٍ بنَى الله له بيتًا في الجنة، وركعتان في الضُّحَى تُؤدِّي شُكرَ نعمةِ جميع مفاصِلِ الإنسان.
وشرَعَ سبحانه أذكارًا في الصلاةِ جامِعة أُجُورُها مُضاعَفة؛ صلَّى رجلٌ خلفَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فلما رفعَ رأسَه من الركوعِ قال: ربَّنا ولك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ˝رأيتُ بِضعةً وثلاثين مَلَكًا يبتدِرُونها أيُّهم يكتُبُها أول˝. رواه البخاري.
والتأمينُ مع الإمام آخر الفاتِحة يُغفَرُ لصاحبِهِ إن وافقَ تأمينَ الملائكة.
˝ومن قرأَ آيةَ الكُرسي عقِبَ كل صلاةٍ لم يمنَعه دخول الجنةِ إلا أن يموت˝. رواه النسائي.
ومن قال حين ينصرِفُ من المغرب: اللهم أجِرني من النار. سبعَ مراتٍ؛ نجَّاه الله منها إن ماتَ من ليلته، وإن قالَها بعد الصُّبحِ ومات من يومه؛ نجَّاه الله منها.
وكتابُه سبحانه مُبارَكٌ، من دنا منه ارتفَع، ومن قرأَ حرفًا منه فله بكلِّ حرفٍ حسنة، والحسنةُ بعشرِ أمثالها، و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص: 1] تعدِلُ ثُلُثَ القرآن، ومن أحبَّها دخلَ الجنة؛ قال رجلٌ من الأنصار: يا رسول الله: إني أُحِبُّها. فقال: ˝حُبُّك إياها أدخَلَك الجنةَ˝. رواه البخاري.
و˝يُقال يوم القيامة لقارئِ القرآن: اقرأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ تُرتِّلُ في الدنيا؛ فإن منزِلَك عند آخر آيةٍ تقرؤُها˝. رواه أبو داود.
والإسلامُ عظَّمَ أواصِرَ الأُخُوَّة والمودَّة بين المُسلمين، ورتَّبَ الأُجورَ الوَفيرةَ لمن قوَّاها؛ فما من مُسلِمَين يلتقِيَان فيتصافَحَان إلا غُفِر لهما.
و˝إذا عادَ المُسلمُ أخاه المُسلمَ لم يزَل في خُرْفَة الجنة˝. قيل: يا رسول الله: وما خُرْفَة الجنة؟! قال: ˝جَنَاها˝. رواه مسلم.
والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ، ومن شهِدَ جنازةً حتى يُصلَّى عليها فله قِيراطٌ. والقِيراطُ مِثلُ جبل أُحُد، ومن شهِدَها حتى تُدفَنَ فله قِيراطان.
ومن أحسنَ إلى المُسلمين ونصرَ دينَ الله نجَا وارتَقَى؛ فمن بنَى لله مسجِدًا بنى الله له بيتًا في الجنة، ومن كفَلَ يتيمًا كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، ˝والساعِي على الأرملَة والمِسكين كالقائمِ الذي لا يفتُر، وكالصائمِ الذي لا يُفطِرُ˝. متفق عليه.
والمُتصدِّقُ تعظُمُ صدقتُه عند الله؛ فالتمرةُ يأخُذُها سبحانه ويُربِّيها حتى تكونَ مِثلَ الجبل، ومن أخفَى صدقتَه ولو قلَّت أظلَّه الله تحت ظِلِّ عرشِه.
ومن قال لصانِعِ المعروفِ: جزاكَ اللهُ خيرًا؛ فقد أبلَغَ في الثناءِ.
وإصلاحُ ذاتِ البَيْن من الرحِمِ وغيرها أفضلُ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقة.
ولعظيمِ حُرمة المُسلم عند الله مَنْ أبعدَ عنه ما يُؤذِيه أدخلَه الله الجنةَ؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: ˝لقد رأيتُ رجلاً يتقلَّبُ في الجنةِ في شجرةٍ قطَعَها من ظهر الطريقِ كانت تُؤذِي الناسَ˝. رواه مسلم.
بل من أحسَنَ إلى البهائمِ فإن اللهَ يشكُرُه؛ ˝رأى رجلٌ كلبًا يلهَثُ من العَطَشِ فسقاهُ ماءً، فشكرَ اللهُ له فغفَرَ له˝. رواه البخاري.
وتكرَّم سبحانه باصطِفاءِ كلماتٍ معدودةٍ من الأذكارِ جعلَ ثوابَها عظيمًا؛ فالحمدُ لله تملأُ المِيزان، ومن قالَ: سبحان الله العظيمِ وبحمده؛ غُرِسَت له نخلةٌ في الجنةِ.
وسُبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، خفيفتان على اللسان، خفيفتان في المِيزان، حبيبتان إلى الرحمن.
ومن قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائةَ مرَّةٍ؛ حُطَّت خطاياه وإن كانت مِثلَ زَبَد البحرِ.
و˝من قال: سبحان الله مائةَ مرَّة؛ كُتِبَت له ألفُ حسنة، أو حُطَّت عنه ألفُ خطيئةٍ˝. رواه مسلم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله كنزٌ من كنوز الجنة، وسُبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبرُ أحبُّ الكلام إلى الله؛ قال عنها -عليه الصلاة والسلام-: ˝أحبُّ إليَّ مما طلَعَت عليه الشمسُ˝. متفق عليه.
وقال لجُويرية -رضي الله عنها- وكانت تذكُرُ اللهَ من بعد الفجرِ إلى ارتِفاعِ الضُّحَى: ˝لقد قلتُ بعدَكِ أربعَ كلماتٍ ثلاثَ مرَّاتٍ لو وزِنَت بما قُلتِي مُنذُ اليوم لوَزَنتهُنَّ: سُبحان الله وبحمده عددَ خلقِه، ورِضا نفسِه، وزِنةَ عرشِهِ، ومِدادَ كلماته˝. رواه مسلم.
ومن صلَّى على النبي -صلى الله عليه وسلم- مرَّةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
ونِعمُ الله علينا تَتْرَى، نِعَمٌ نازِلة، وأخرى عند الخلقِ باقِية، ومن قال حين يُصبِحُ: ˝اللهم ما أصبحَ بي من نعمةٍ فمنك وحدكَ لا شريك لك، فلك الحمدُ ولك الشكر؛ فقد أدَّى شُكرَ يومه، ومن قال مِثلَ ذلك حين يُمسِي فقد أدَّى شُكرَ ليلته˝. رواه أبو داود.
والله سبحانه يُحبُّ المُسلِمَ ويُكرِمَه ويُدافِعَ عنه، وشَرَعَ أسبابًا لحِفظِه من أعدائِه؛ فأنزلَ آياتٍ قصيرةٍ تحفَظُ المرءَ في ليله ونهارِهِ ومنزلِهِ ومنامِه؛ فالمُعوِّذتان ما تحصَّنَ مُتحصِّنٌ بمثلِهِما في صباحِهِ ومسائه، ومن قرأَ الآيتين من أواخر سورة البقرة كفَتَاه من كل شرٍّ، ومن قرأَ آيةَ الكُرسي قبل نومِهِ؛ لم يزَلْ عليه من الله حافِظٌ حتى يُصبِح.
وشرعَ سبحانه أدعيةً من دعا بها ولو ماشِيًا حفِظَه الله من كل مكروهٍ: ˝فمن نزلَ منزلاً وقال: أعوذُ بكلمات الله التامَّات من شرِّ ما خلَق لم يضُرَّه شيءٌ حتى يرتحِلَ من منزلهِ ذلك˝. رواه مسلم.
و˝من خرجَ من داره فقال: بسم الله، توكَّلتُ على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله؛ قالت له الملائِكةُ: كُفِيتَ وُوفِيتَ، وتنحَّى عنه الشيطانُ˝. رواه الترمذي.
وبِدعاءٍ مع عملٍ صالحٍ من قالَه أدخلَه الله الجنةَ، وأعاذَه الله من النار؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: ˝من سألَ اللهَ الجنةَ ثلاثَ مرَّاتٍ قالت الجنةُ: اللهم أدخِله الجنةَ، ومن استَجَارَ من النار ثلاثَ مرَّاتٍ، قالت النارُ: اللهم أجِره من النار˝. رواه الترمذي.
واللهُ سبحانه يُنعِمُ على العبد بنِعَمه السابِغة، وإذا تمتَّعَ بها وشكَرَ اللهَ عليها غفَرَ له ذنبَه؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: ˝من أكلَ طعامًا فقال: الحمدُ لله الذي أطعمَني هذا ورَزَقنيه من غير حولٍ مني ولا قوةٍ؛ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِهِ˝. رواه الترمذي.
وبسَطَ سبحانه نفَحَاتِه في مجالسِ الناسِ بعد لغَطِهم فيها لتكون صحائِفُهم بيضاء نقيَّة: ˝فمن جلَسَ في مجلسٍ كثُرَ فيه لغَطُه، فقال قبل أن يقوم من مجلسِهِ ذلك: سبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفِرُك وأتوبُ إليك؛ إلا غُفِرَ له ما كان في مجلِسِه ذلك˝. رواه الترمذي.
واللهُ بمنِّهِ جعلَ أزمانًا فاضِلَةً، منها ما لا تُردُّ فيه دعوةٌ؛ ففي كل ليلةٍ يتفضَّلُ سبحانه على عبادِهِ بإعطائِهم ما سَأَلُوه؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: ˝إن في الليلِ لسَاعةً لا يُوافِقُها رجلٌ مُسلمٌ يسألُ اللهَ خيرًا من أمر الدنيا والآخِرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة˝. رواه مسلم.
و˝في آخرِ كلِّ ليلةٍ ينزِلُ ربُّنا إلى السماءِ الدنيا، فيقول: من يدعُوني فأستجيبَ له، ومن يسألُني فأُعطِيَه، من يستغفِرني فأغفِرَ له˝. متفق عليه.
وتكرَّم في آخر ساعةٍ من الجُمُعة بإجابةِ دعواتِ عباده.
وفي كل عامٍ خصَّ ليلةَ القدرِ العملُ فيها خيرٌ من ألفِ شهر، ومن قامَها إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه.
وصومُ يوم عرفة يُكفِّرُ سنتين، وصيامُ عاشوراء يُكفِّرُ السنةَ الماضِية، وصيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ كصِيامِ سنةٍ، وعُمرةٌ في رمضان تعدِلُ حجَّةً.
وفضَّلَ -جل وعلا- أماكنَ خصَّها بمزيدِ مُضاعفَةِ الحسنات؛ فصلاةُ المسجد الحرام خيرٌ من مائةِ ألفِ صلاةٍ، وصلاةٌ في مسجدِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- خيرٌ من ألفِ صلاةٍ، وصلاةٌ في المسجدِ الأقصى خير من خمسمائةِ صلاةٍ، ومن تطهَّرَ في بيته ثم أتَى مسجدَ قُباء فصلَّى ركعتين كان له كأجرِ عُمرة.
وفي زمنِ الفِتَنِ وتلاطُمِ المِحَن يُضاعِفُ -عز وجل- ثوابَ الأعمال؛ فالقابِضُ على دينه في آخر الزمانِ له أجرُ خمسين من الصحابة، ˝وعبادةٌ في الهَرْجِ -أي: الفتنِ- كهِجرةٍ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-˝. رواه مسلم.
ومن عجَزَ عن عملٍ أو قولٍ لعُذرٍ وهو صادقُ النيَّةِ في ذلك أعطاه الله بكرمِهِ أجرَ العاملين وإن لم يعمَلْه؛ ˝فمن سألَ اللهَ الشهادةَ بصدقٍ بلَّغَه الله منازِلَ الشُّهَداء وإن ماتَ على فِراشِه˝. رواه مسلم.
ومن تمنَّى أن عندَه مالاً ليتصدَّقَ به نالَهُ أجرُ المُتصدِّقين، ومن أحبَّ أحدًا حُشِرَ معه وإن لم يكُن مِثلَه؛ قال أنسٌ -رضي الله عنه-: ˝ما فرِحْنا بعد الإسلام فرَحًا أشدَّ من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ˝إنك مع من أحببتَ˝. قال أنس: ˝فأنا أُحِبُّ اللهَ ورسولَه وأبا بكرٍ وعُمر، وأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم˝.
وإذا سافرَ العبدُ أو مرِضَ كتبَ اللهُ بفضلهِ أجرَه صحيحًا مُقيمًا.
والهمُّ والحُزنُ يحُطُّ الخطايا والأوزار؛ بل لعظيمِ فضلِ اللهِ من همَّ بحسنةٍ ولم يعمَلها كُتِبَت له حسنةٌ كامِلة، ومن همَّ بسيئةٍ فلم يعمَلْها كتبَها اللهُ عندَه حسنةً كامِلة.
وبعدُ:
أيها المسلمون: فالمُوفَّقُ مَنْ فقهَ كرمَ اللهِ وشُكرَه، وعمِلَ بمُقتضَى صفاتِه، وسابَقَ إلى الصالحات ليكونَ من السابقين إلى دخول الجنات، ومن نوَّعَ أعمالَه الصالِحة تنوَّعَت لذَّاتُهُ في الآخرة، والعملُ يتضاعَفُ بالإخلاصِ، ومن علامةِ قَبُولِ الحسنةِ الحسنةُ بعدها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون: من رحمةِ الله بعباده أن بعثَ إليهم رُسُلاً مُبشِّرين ومُنذِرين، ولم يشُقَّ سبحانه على خلقِهِ بالابتِداعِ في الدين؛ بل بيَّن لهم ما يُحبُّه ويرتضِيه، وعلَّقَ القَبولَ بإخلاصِ العمل وطاعةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في مُتابَعتِه، ومن ابتدَعَ فقد كلَّفَ نفسَه ما لم يأذَن به الله، وعملُه مردودٌ ولا يجنِي منه سِوَى العَناءِ والإثمِ؛ قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ˝اتَّبِعوا ولا تبتدِعُوا؛ فقد كُفِيتُم˝.
وكان عُمرُ -رضي الله عنه- يهُمُّ بالأمر ويعزِمُ عليه، فإذا قِيلَ له: لم يفعلهُ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؛ انتَهَى.
والمؤمنُ يجمعُ بين الإخلاصِ والاتباعِ، ويُكثِرُ من العملِ الصالحِ ما استطاعَ.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّهِ، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اجعل أعمالَنا كلَّها صالِحة، واجعلها لوجهِك خالِصة، ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئًا.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم يا قويُّ يا عزيزُ يا عظيمُ يا ملِكُ يا قديرُ، اللهم انصُر المُستضعَفين من المُسلمين في الشام، اللهم كُن لهم وليًّا ونصيرًا، ومُعينًا وظَهيرًا، اللهم أيِّدهم بجنودٍ من عندك يا ربَّ العالمين، اللهم اربِط على قلوبِهم، وسدِّد رميَهم، وكُن معهم بملائكتِك يا رب العالمين.
اللهم أدِر دائرةَ السَّوءِ على عدُوِّك وعدوِّهم، اللهم اجعل كيدَهم في نُحورهم، وألقِ الرُّعبَ في قلوبهم، واجعل بأسَهم بينهم، وجُندَهم وعتادَهم عليهم، وشتِّت شملَهم، واجعلهم عِبرةً للمُعتبِرين يا عظيمُ يا قويُّ يا عزيزُ.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقَراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
❞ ولا يدفع المدد الهابط مثل الكِبْر، لأن الغيث لا يقرّ إلا على الأرض المنخفضة لا فوق رؤوس الجبال.. فكذلك قلوب المتكبرين تنتقل عنها الرحمة وتنزل إلى قلوب المتواضعين. ❝ ⏤أحمد بن عطاء الله السكندري
❞ ولا يدفع المدد الهابط مثل الكِبْر، لأن الغيث لا يقرّ إلا على الأرض المنخفضة لا فوق رؤوس الجبال. فكذلك قلوب المتكبرين تنتقل عنها الرحمة وتنزل إلى قلوب المتواضعين. ❝
❞ - وما رأيك في كلام القرآن عن العلم الإلهي ؟ :
( إن الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدرى نفس ماذا تكسب غداً و ما تدرى نفس بأي أرض تموت ) 34- لقمان
يقول القرآن إن الله اختص نفسه بهذا العلم لا يعلمه غيره :
( و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) 51- الأنعام
فما بالك الآن بالطبيب الذي يستطيع أن يعلم ما بالأرحام ، ويستطيع أن يتنبأ إن كان ذكراً أم أنثى .. و ما بالك بالعلماء الذين أنزلوا المطر الصناعي بالأساليب الكيماوية .
- لم يتكلم القرآن عن إنزال المطر وإنما عن إنزال الغيث ، و هو المطر الغزير الكثيف الذي ينزل بكميات تكفى لتغيير مصير أمة و إغاثتها و نقلها من حال الجدب إلى حال الخصب و الرخاء .. و المطر بهذه الكميات لا يمكن إنزاله بتجربة .
أما علم الله لما في الأرحام فهو علم كلي محيط و ليس فقط علماً بجنس المولود هل هو ذكر أو أنثى ، و إنما علم بمن يكون ذلك المولود و ما شأنه و ماذا سيفعل في الدنيا ، و ما تاريخه من يوم يولد إلى يوم يموت : و هو أمر لا يستطيع أن يعلمه طبيب .
- و ما حكاية كرسي الله الذي تقولون إنه وسع السموات والأرض .. و عرش الله الذي يحمله ثمانية .
- إن عقلك يسع السموات والأرض و أنت البشر الذي لا تذكر .. فكيف لا يسعها كرسي الله .. و الأرض و الشمس و الكواكب و النجوم وا لمجرات محمولة بقوة الله في الفضاء .. فكيف تعجب لحمل عرش ..
- و ما هو الكرسي و ما العرش ؟
- قل لي ما الإلكترون أقل لك ما الكرسي ؟ قل لي ما الكهرباء ؟ قل لي ما الجاذبية ؟ قل لي ما الزمان ؟ إنك لا تعرف ماهية أي شيء لتسألني ما الكرسي و ما العرش ؟ إن العالم مملوء بالأسرار و هذه بعض أسراره .
- و النملة التي تكلمت في القرآن و حذرت بقية النمل من قدوم سليمان و جيشه :
( قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده ) 18- النمل
- لو قرأت القليل عن علم الحشرات الآن لما سألت هذا السؤال .. إن علم الحشرات حافل بدراسات مستفيضة عن لغة النمل و لغة النحل .
و لغة النمل الآن حقيقة مؤكدة .. فما كان من الممكن أن تتوزع الوظائف في خلية من مئات الألوف و يتم التنظيم و تنقل الأوامر و التعليمات بين هذا الحشد الحاشد لولا أن هناك لغة للتفاهم ، و لا محل للعجب في أن نملة عرفت سليمان .. ألم يعرف الإنسان الله ؟
- و كيف يمحو الله ما يكتب في لوح قضائه :
( يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب ) 38- الرعد
أيخطيء ربكم كما نخطيء في الحساب فنمحو و نثبت .. أم يراجع نفسه كما نراجع أنفسنا ؟!
- الله يمحو السيئة بأن يلهمك بالحسنة ويقول في كتابه :
( إن الحسنات يذهبن السيئات ) 114- هود
و يقول عن عباده الصالحين : ( و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة ) 73- الأنبياء
و بذلك يمحو الله دون أن يمحو و هذا سر الآية 39 من سورة الرعد التي ذكرتها .
- و ما رأيك في الآية ؟
( و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) 56- الذاريات
هل كان الله في حاجة لعبادتنا ؟!
- بل نحن المحتاجون لعبادته .. أتعبد المرأة الجميلة حباً بأمر تكليف ، أم أنك تلتذ بهذا الحب و تنتشي و تسعد لتذوقك لجمالها ؟
كذلك الله و هو الأجمل من كل جميل إذا عرفت جلاله و جماله و قدره عبدته ، و وجدت في عبادتك له غاية السعادة و النشوة .
إن العبادة عندنا لا تكون إلا عن معرفة .. والله لا يعبد إلا بالعلم .. و معرفة الله هي ذروة المعارف كلها ، و نهاية رحلة طويلة من المعارف تبدأ منذ الميلاد و أول ما يعرف الطفل عند ميلاده هو ثدي أمه ، و تلك أول لذة ، ثم يتعرف على أمه وأبيه و عائلته و مجتمعه و بيئته ، ثم يبدأ في استغلال هذه البيئة لمنفعته ، فإذا هي ثدي آخر كبير يدر عليه الثراء و المغانم و الملذات ، فهو يخرج من الأرض الذهب و الماس ، و من البحر اللآليء ، و من الزرع الفواكه و الثمار ، و تلك هي اللذة الثانية في رحلة المعرفة .
ثم ينتقل من معرفته لبيئته الأرضية ليخرج إلى السموات و يضع رجله على القمر ، و يطلق سفائنه إلى المريخ في ملاحة نحو المجهول ليستمتع بلذة أخرى أكبر هي لذة استطلاع الكون ، ثم يرجع ذلك الملاح ليسأل نفسه .. و من أنا الذي عرفت هذا كله .. ليبدأ رحلة معرفة جديدة إلى نفسه .. بهدف معرفة نفسه و التحكم في طاقاتها و إدارتها لصالحه و صالح الآخرين ، و تلك لذة أخرى ..
ثم تكون ذروة المعارف بعد معرفة النفس هي معرفة الرب الذي خلق تلك النفس .. و بهذه المعرفة الأخيرة يبلغ الإنسان ذروة السعادات ، لأنه يلتقى بالكامل المتعال الأجمل من كل جميل .. تلك هي رحلة العابد على طريق العبادة .. و كلها ورود و مسرات ..
و إذا كانت في الحياة مشقة ، فلأن قاطف الورود لابد أن تدمي يديه الأشواك .. و الطامع في ذرى اللانهاية لابد أن يكدح إليها .. و لكن وصول العابد إلى معرفة ربه و انكشاف الغطاء عن عينيه .. ما أروعه .
يقول الصوفي لابس الخرقة : " نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف "
تلك هي لذة العبادة الحقة .. و هي من نصيب العابد .. و لكن الله في غنى عنها و عن العالمين .. و نحن لا نعبده بأمر تكليف و لكنا نعبده لأننا عرفنا جماله و جلاله .. و نحن لا نجد في عبادته ذلاً بل تحرراً و كرامة .. تحرراً من كل عبوديات الدنيا .. تحرراً من الشهوات و الغرائز و الأطماع و المال .. و نحن نخاف الله فلا نعود نخاف أحداً بعده و لا نعود نعبأ بأحد ..
خوف الله شجاعة .. و عبادته حرية .. و الذل له كرامة .. و معرفته يقين و تلك هي العبادة ..
نحن الذين نجني أرباحها و مسراتها .. أما الله فهو الغني عن كل شيء .. إنما خلقنا الله ليعطينا لا ليأخذ منا .. خلقنا ليخلع علينا من كمالاته فهو السميع البصير ، و قد أعطانا سمعاً و بصراً و هو العليم الخبير ، و قد أعطانا العقل لنتزود من علمه ، و الحواس لنتزود من خبرته و هو يقول لعبده المقرب في الحديث القدسى : ( عبد أطعني أجعلك ربانيا تقول للشيء كن فيكون ) ..
ألم يفعل هذا لعيسى عليه السلام .. فكان عيسى يحي الموتى بإذنه و يخلق من الطين طيراً بإذنه و يشفى الأعمى و الأبرص بإذنه .
العبودية لله إذن هي عكس العبودية في مفهومنا .. فالعبودية في مفهومنا هي أن يأخذ السيد خير العبد ، أما العبودية لله فهي على العكس ، أن يعطى السيد عبده ما لا حدود له من النعم ، و يخلع عليه ما لا نهاية من الكمالات .. فحينما يقول الله : ( و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فمعناها الباطن ما خلقت الجن والإنس إلا لأعطيهم و أمنحهم حباً و خيراً ، و كرامة و عزة ، و أخلع عليهم ثوب التشريف و الخلافة .
فالسيد الرب غني مستغن عن عبادتنا .. و نحن المحتاجون إلى هذه العبادة و الشرف ، و المواهب و الخيرات التي لا حد لها .
فالله الكريم سمح لنا أن ندخل عليه في أي وقت بلا ميعاد ، و نبقى في حضرته ما شئنا و ندعوه ما وسعنا .. بمجرد أن نبسط سجادة الصلاة و نقول "الله أكبر" نصبح في حضرته نطلب منه ما نشاء .
أين هو الملك الذي نستطيع أن ندخل عليه بلا ميعاد و نلبث في حضرته ما نشاء ؟!
و في ذلك يقول مولانا العبد الصالح الشيخ محمد متولي الشعراوي في شعر جميل :
حسب نفسي عزاً إنني عبد
يحتفل بي بلا مواعيد رب
هو في قدسه الأعز و لكن
أنا ألقى متى وحين أحب
و يقول : أرونى صنعة تعرض على صانعها خمس مرات في اليوم "يقصد الصلوات الخمس " و تتعرض للتلف !
و هذه بعض المعاني الباطنة في الآية التي أثارت شكوكك : ( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ) و لو تأملتها لما أثارت فيك إلا الذهول و الإعجاب .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞
- وما رأيك في كلام القرآن عن العلم الإلهي ؟ :
( إن الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدرى نفس ماذا تكسب غداً و ما تدرى نفس بأي أرض تموت ) 34- لقمان
يقول القرآن إن الله اختص نفسه بهذا العلم لا يعلمه غيره :
( و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) 51- الأنعام
فما بالك الآن بالطبيب الذي يستطيع أن يعلم ما بالأرحام ، ويستطيع أن يتنبأ إن كان ذكراً أم أنثى . و ما بالك بالعلماء الذين أنزلوا المطر الصناعي بالأساليب الكيماوية .
- لم يتكلم القرآن عن إنزال المطر وإنما عن إنزال الغيث ، و هو المطر الغزير الكثيف الذي ينزل بكميات تكفى لتغيير مصير أمة و إغاثتها و نقلها من حال الجدب إلى حال الخصب و الرخاء . و المطر بهذه الكميات لا يمكن إنزاله بتجربة .
أما علم الله لما في الأرحام فهو علم كلي محيط و ليس فقط علماً بجنس المولود هل هو ذكر أو أنثى ، و إنما علم بمن يكون ذلك المولود و ما شأنه و ماذا سيفعل في الدنيا ، و ما تاريخه من يوم يولد إلى يوم يموت : و هو أمر لا يستطيع أن يعلمه طبيب .
- و ما حكاية كرسي الله الذي تقولون إنه وسع السموات والأرض . و عرش الله الذي يحمله ثمانية .
- إن عقلك يسع السموات والأرض و أنت البشر الذي لا تذكر . فكيف لا يسعها كرسي الله . و الأرض و الشمس و الكواكب و النجوم وا لمجرات محمولة بقوة الله في الفضاء . فكيف تعجب لحمل عرش .
- و ما هو الكرسي و ما العرش ؟
- قل لي ما الإلكترون أقل لك ما الكرسي ؟ قل لي ما الكهرباء ؟ قل لي ما الجاذبية ؟ قل لي ما الزمان ؟ إنك لا تعرف ماهية أي شيء لتسألني ما الكرسي و ما العرش ؟ إن العالم مملوء بالأسرار و هذه بعض أسراره .
- و النملة التي تكلمت في القرآن و حذرت بقية النمل من قدوم سليمان و جيشه :
( قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده ) 18- النمل
- لو قرأت القليل عن علم الحشرات الآن لما سألت هذا السؤال . إن علم الحشرات حافل بدراسات مستفيضة عن لغة النمل و لغة النحل .
و لغة النمل الآن حقيقة مؤكدة . فما كان من الممكن أن تتوزع الوظائف في خلية من مئات الألوف و يتم التنظيم و تنقل الأوامر و التعليمات بين هذا الحشد الحاشد لولا أن هناك لغة للتفاهم ، و لا محل للعجب في أن نملة عرفت سليمان . ألم يعرف الإنسان الله ؟
- و كيف يمحو الله ما يكتب في لوح قضائه :
( يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب ) 38- الرعد
أيخطيء ربكم كما نخطيء في الحساب فنمحو و نثبت . أم يراجع نفسه كما نراجع أنفسنا ؟!
- الله يمحو السيئة بأن يلهمك بالحسنة ويقول في كتابه :
( إن الحسنات يذهبن السيئات ) 114- هود
و يقول عن عباده الصالحين : ( و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة ) 73- الأنبياء
و بذلك يمحو الله دون أن يمحو و هذا سر الآية 39 من سورة الرعد التي ذكرتها .
- و ما رأيك في الآية ؟
( و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) 56- الذاريات
هل كان الله في حاجة لعبادتنا ؟!
- بل نحن المحتاجون لعبادته . أتعبد المرأة الجميلة حباً بأمر تكليف ، أم أنك تلتذ بهذا الحب و تنتشي و تسعد لتذوقك لجمالها ؟
كذلك الله و هو الأجمل من كل جميل إذا عرفت جلاله و جماله و قدره عبدته ، و وجدت في عبادتك له غاية السعادة و النشوة .
إن العبادة عندنا لا تكون إلا عن معرفة . والله لا يعبد إلا بالعلم . و معرفة الله هي ذروة المعارف كلها ، و نهاية رحلة طويلة من المعارف تبدأ منذ الميلاد و أول ما يعرف الطفل عند ميلاده هو ثدي أمه ، و تلك أول لذة ، ثم يتعرف على أمه وأبيه و عائلته و مجتمعه و بيئته ، ثم يبدأ في استغلال هذه البيئة لمنفعته ، فإذا هي ثدي آخر كبير يدر عليه الثراء و المغانم و الملذات ، فهو يخرج من الأرض الذهب و الماس ، و من البحر اللآليء ، و من الزرع الفواكه و الثمار ، و تلك هي اللذة الثانية في رحلة المعرفة .
ثم ينتقل من معرفته لبيئته الأرضية ليخرج إلى السموات و يضع رجله على القمر ، و يطلق سفائنه إلى المريخ في ملاحة نحو المجهول ليستمتع بلذة أخرى أكبر هي لذة استطلاع الكون ، ثم يرجع ذلك الملاح ليسأل نفسه . و من أنا الذي عرفت هذا كله . ليبدأ رحلة معرفة جديدة إلى نفسه . بهدف معرفة نفسه و التحكم في طاقاتها و إدارتها لصالحه و صالح الآخرين ، و تلك لذة أخرى .
ثم تكون ذروة المعارف بعد معرفة النفس هي معرفة الرب الذي خلق تلك النفس . و بهذه المعرفة الأخيرة يبلغ الإنسان ذروة السعادات ، لأنه يلتقى بالكامل المتعال الأجمل من كل جميل . تلك هي رحلة العابد على طريق العبادة . و كلها ورود و مسرات .
و إذا كانت في الحياة مشقة ، فلأن قاطف الورود لابد أن تدمي يديه الأشواك . و الطامع في ذرى اللانهاية لابد أن يكدح إليها . و لكن وصول العابد إلى معرفة ربه و انكشاف الغطاء عن عينيه . ما أروعه .
يقول الصوفي لابس الخرقة : ˝ نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف ˝
تلك هي لذة العبادة الحقة . و هي من نصيب العابد . و لكن الله في غنى عنها و عن العالمين . و نحن لا نعبده بأمر تكليف و لكنا نعبده لأننا عرفنا جماله و جلاله . و نحن لا نجد في عبادته ذلاً بل تحرراً و كرامة . تحرراً من كل عبوديات الدنيا . تحرراً من الشهوات و الغرائز و الأطماع و المال . و نحن نخاف الله فلا نعود نخاف أحداً بعده و لا نعود نعبأ بأحد .
خوف الله شجاعة . و عبادته حرية . و الذل له كرامة . و معرفته يقين و تلك هي العبادة .
نحن الذين نجني أرباحها و مسراتها . أما الله فهو الغني عن كل شيء . إنما خلقنا الله ليعطينا لا ليأخذ منا . خلقنا ليخلع علينا من كمالاته فهو السميع البصير ، و قد أعطانا سمعاً و بصراً و هو العليم الخبير ، و قد أعطانا العقل لنتزود من علمه ، و الحواس لنتزود من خبرته و هو يقول لعبده المقرب في الحديث القدسى : ( عبد أطعني أجعلك ربانيا تقول للشيء كن فيكون ) .
ألم يفعل هذا لعيسى عليه السلام . فكان عيسى يحي الموتى بإذنه و يخلق من الطين طيراً بإذنه و يشفى الأعمى و الأبرص بإذنه .
العبودية لله إذن هي عكس العبودية في مفهومنا . فالعبودية في مفهومنا هي أن يأخذ السيد خير العبد ، أما العبودية لله فهي على العكس ، أن يعطى السيد عبده ما لا حدود له من النعم ، و يخلع عليه ما لا نهاية من الكمالات . فحينما يقول الله : ( و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فمعناها الباطن ما خلقت الجن والإنس إلا لأعطيهم و أمنحهم حباً و خيراً ، و كرامة و عزة ، و أخلع عليهم ثوب التشريف و الخلافة .
فالسيد الرب غني مستغن عن عبادتنا . و نحن المحتاجون إلى هذه العبادة و الشرف ، و المواهب و الخيرات التي لا حد لها .
فالله الكريم سمح لنا أن ندخل عليه في أي وقت بلا ميعاد ، و نبقى في حضرته ما شئنا و ندعوه ما وسعنا . بمجرد أن نبسط سجادة الصلاة و نقول ˝الله أكبر˝ نصبح في حضرته نطلب منه ما نشاء .
أين هو الملك الذي نستطيع أن ندخل عليه بلا ميعاد و نلبث في حضرته ما نشاء ؟!
و في ذلك يقول مولانا العبد الصالح الشيخ محمد متولي الشعراوي في شعر جميل :
حسب نفسي عزاً إنني عبد
يحتفل بي بلا مواعيد رب
هو في قدسه الأعز و لكن
أنا ألقى متى وحين أحب
و يقول : أرونى صنعة تعرض على صانعها خمس مرات في اليوم ˝يقصد الصلوات الخمس ˝ و تتعرض للتلف !
و هذه بعض المعاني الباطنة في الآية التي أثارت شكوكك : ( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ) و لو تأملتها لما أثارت فيك إلا الذهول و الإعجاب .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله). ❝