❞ لقد طالما رأيناهـ يعرض علينا هذا الجيش، يعرضهـ كما يعرض المعلم الظالم عصاهـ على التلاميذ، والطاغية الجبار سيفهـ. يقولون لنا انظروا إلى قوة فرنسا واحذروا أن تفتحوا باسم الحرية أفواهكم، وإلا نزلت هذهـ السيوف على أعناقكم، وضربت هذهـ المدافع دوركم، وكان هؤلاء الجند الذين هم أبناؤكم عوناً عليكم. ❝ ⏤علي الطنطاوي
❞ لقد طالما رأيناهـ يعرض علينا هذا الجيش، يعرضهـ كما يعرض المعلم الظالم عصاهـ على التلاميذ، والطاغية الجبار سيفهـ. يقولون لنا انظروا إلى قوة فرنسا واحذروا أن تفتحوا باسم الحرية أفواهكم، وإلا نزلت هذهـ السيوف على أعناقكم، وضربت هذهـ المدافع دوركم، وكان هؤلاء الجند الذين هم أبناؤكم عوناً عليكم . ❝
❞ وقفت أمام قبر الرسول الكريم مُنكس الرأس حياءً و قد هَرَبَت مِني الكلمات ..
كُلّي حياء منك يا رسول الله ..
أحسنت التبليغ عن ربك وما أحسنّـــا .. وأحسنت النصح لأمتِكَ وما نصحنـــا .. وحملت كتابك بقوة وما حملنـــا .. وانتصرت للحق وما انتصرنـــا ..
واكتفى بعضنا بلحيته ، وقال هي سنَّتَك .. وقصّر البعض جلبابه ، وقال هو أمرك .. واستسهلوا السهل ، وخانوا الأهل ، واكتفوا من الدين بقشرته ، ومن الجهاد بسيرته .. وقعدوا وقعدنا معهم ..
ورَكِب أكتافنا الدون والسُوقة ورِعاع الناس وشذاذ الآفاق ، وسفحوا دماءنا واستباحوا أرضنا وشتتوا شملنا .
يا شفيع العالمين وجاه الضعفاء والمنكسرين ، إشفع لنا عند ربك لعله يتوب علينا ويرضَى .. فقد وعَدَنا ووعده الحق أننا سندخل المسجد كما دخلناه أول مرة ، وسندمر كل ما رفعت إسرائيل من بناء ، وكل ما شيَّدَت من هياكِل .. فلا توبة لنا إلا بتوبته ، ولا رضا إلا برضاه ..
ولا مدخل إلى شفاعته إلا من بابِك ، ولا قُربَى إلا من رِحابك .
ادع لنا ألا يطول علينا الليل وألا يدركنا الويل .
والسلام عليك يا محمد وصلــوات اللــّــه عليك يوم وُلِدتَ ويومَ مُت ويومَ تُبعَثُ حيّا .
والسلام على الكِرام البررة .. سادة البشر وأئمة الدنيا .. أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ .. والنجوم الزواهر من صحابتك الذين عاشوا تحت ظلال السيوف ..
وادع لنا نحن جندك في مصر الذين قلت عنّا :
أننا خير أجناد الأرض ، وأننا في رباط إلى أن تقوم الساعة ..
أن نكون عند حسن ظنِك .. وأن نكون مصداقاً لنبوءتك وآية لرسالتك .
والسلام عليك إلى يوم يقوم الأشهاد .
د. مصطفى محمود رحمه الله ..
مقال : أمام قبر الرسول
من كتاب : الغد المشتعل. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ وقفت أمام قبر الرسول الكريم مُنكس الرأس حياءً و قد هَرَبَت مِني الكلمات ..
كُلّي حياء منك يا رسول الله ..
أحسنت التبليغ عن ربك وما أحسنّـــا .. وأحسنت النصح لأمتِكَ وما نصحنـــا .. وحملت كتابك بقوة وما حملنـــا .. وانتصرت للحق وما انتصرنـــا ..
واكتفى بعضنا بلحيته ، وقال هي سنَّتَك .. وقصّر البعض جلبابه ، وقال هو أمرك .. واستسهلوا السهل ، وخانوا الأهل ، واكتفوا من الدين بقشرته ، ومن الجهاد بسيرته .. وقعدوا وقعدنا معهم ..
ورَكِب أكتافنا الدون والسُوقة ورِعاع الناس وشذاذ الآفاق ، وسفحوا دماءنا واستباحوا أرضنا وشتتوا شملنا .
يا شفيع العالمين وجاه الضعفاء والمنكسرين ، إشفع لنا عند ربك لعله يتوب علينا ويرضَى .. فقد وعَدَنا ووعده الحق أننا سندخل المسجد كما دخلناه أول مرة ، وسندمر كل ما رفعت إسرائيل من بناء ، وكل ما شيَّدَت من هياكِل .. فلا توبة لنا إلا بتوبته ، ولا رضا إلا برضاه ..
ولا مدخل إلى شفاعته إلا من بابِك ، ولا قُربَى إلا من رِحابك .
ادع لنا ألا يطول علينا الليل وألا يدركنا الويل .
والسلام عليك يا محمد وصلــوات اللــّــه عليك يوم وُلِدتَ ويومَ مُت ويومَ تُبعَثُ حيّا .
والسلام على الكِرام البررة .. سادة البشر وأئمة الدنيا .. أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ .. والنجوم الزواهر من صحابتك الذين عاشوا تحت ظلال السيوف ..
وادع لنا نحن جندك في مصر الذين قلت عنّا :
أننا خير أجناد الأرض ، وأننا في رباط إلى أن تقوم الساعة ..
أن نكون عند حسن ظنِك .. وأن نكون مصداقاً لنبوءتك وآية لرسالتك .
والسلام عليك إلى يوم يقوم الأشهاد .
د. مصطفى محمود رحمه الله ..
مقال : أمام قبر الرسول
من كتاب : الغد المشتعل . ❝
❞ - وما رأيك في كلام القرآن عن العلم الإلهي ؟ :
( إن الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدرى نفس ماذا تكسب غداً و ما تدرى نفس بأي أرض تموت ) 34- لقمان
يقول القرآن إن الله اختص نفسه بهذا العلم لا يعلمه غيره :
( و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) 51- الأنعام
فما بالك الآن بالطبيب الذي يستطيع أن يعلم ما بالأرحام ، ويستطيع أن يتنبأ إن كان ذكراً أم أنثى .. و ما بالك بالعلماء الذين أنزلوا المطر الصناعي بالأساليب الكيماوية .
- لم يتكلم القرآن عن إنزال المطر وإنما عن إنزال الغيث ، و هو المطر الغزير الكثيف الذي ينزل بكميات تكفى لتغيير مصير أمة و إغاثتها و نقلها من حال الجدب إلى حال الخصب و الرخاء .. و المطر بهذه الكميات لا يمكن إنزاله بتجربة .
أما علم الله لما في الأرحام فهو علم كلي محيط و ليس فقط علماً بجنس المولود هل هو ذكر أو أنثى ، و إنما علم بمن يكون ذلك المولود و ما شأنه و ماذا سيفعل في الدنيا ، و ما تاريخه من يوم يولد إلى يوم يموت : و هو أمر لا يستطيع أن يعلمه طبيب .
- و ما حكاية كرسي الله الذي تقولون إنه وسع السموات والأرض .. و عرش الله الذي يحمله ثمانية .
- إن عقلك يسع السموات والأرض و أنت البشر الذي لا تذكر .. فكيف لا يسعها كرسي الله .. و الأرض و الشمس و الكواكب و النجوم وا لمجرات محمولة بقوة الله في الفضاء .. فكيف تعجب لحمل عرش ..
- و ما هو الكرسي و ما العرش ؟
- قل لي ما الإلكترون أقل لك ما الكرسي ؟ قل لي ما الكهرباء ؟ قل لي ما الجاذبية ؟ قل لي ما الزمان ؟ إنك لا تعرف ماهية أي شيء لتسألني ما الكرسي و ما العرش ؟ إن العالم مملوء بالأسرار و هذه بعض أسراره .
- و النملة التي تكلمت في القرآن و حذرت بقية النمل من قدوم سليمان و جيشه :
( قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده ) 18- النمل
- لو قرأت القليل عن علم الحشرات الآن لما سألت هذا السؤال .. إن علم الحشرات حافل بدراسات مستفيضة عن لغة النمل و لغة النحل .
و لغة النمل الآن حقيقة مؤكدة .. فما كان من الممكن أن تتوزع الوظائف في خلية من مئات الألوف و يتم التنظيم و تنقل الأوامر و التعليمات بين هذا الحشد الحاشد لولا أن هناك لغة للتفاهم ، و لا محل للعجب في أن نملة عرفت سليمان .. ألم يعرف الإنسان الله ؟
- و كيف يمحو الله ما يكتب في لوح قضائه :
( يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب ) 38- الرعد
أيخطيء ربكم كما نخطيء في الحساب فنمحو و نثبت .. أم يراجع نفسه كما نراجع أنفسنا ؟!
- الله يمحو السيئة بأن يلهمك بالحسنة ويقول في كتابه :
( إن الحسنات يذهبن السيئات ) 114- هود
و يقول عن عباده الصالحين : ( و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة ) 73- الأنبياء
و بذلك يمحو الله دون أن يمحو و هذا سر الآية 39 من سورة الرعد التي ذكرتها .
- و ما رأيك في الآية ؟
( و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) 56- الذاريات
هل كان الله في حاجة لعبادتنا ؟!
- بل نحن المحتاجون لعبادته .. أتعبد المرأة الجميلة حباً بأمر تكليف ، أم أنك تلتذ بهذا الحب و تنتشي و تسعد لتذوقك لجمالها ؟
كذلك الله و هو الأجمل من كل جميل إذا عرفت جلاله و جماله و قدره عبدته ، و وجدت في عبادتك له غاية السعادة و النشوة .
إن العبادة عندنا لا تكون إلا عن معرفة .. والله لا يعبد إلا بالعلم .. و معرفة الله هي ذروة المعارف كلها ، و نهاية رحلة طويلة من المعارف تبدأ منذ الميلاد و أول ما يعرف الطفل عند ميلاده هو ثدي أمه ، و تلك أول لذة ، ثم يتعرف على أمه وأبيه و عائلته و مجتمعه و بيئته ، ثم يبدأ في استغلال هذه البيئة لمنفعته ، فإذا هي ثدي آخر كبير يدر عليه الثراء و المغانم و الملذات ، فهو يخرج من الأرض الذهب و الماس ، و من البحر اللآليء ، و من الزرع الفواكه و الثمار ، و تلك هي اللذة الثانية في رحلة المعرفة .
ثم ينتقل من معرفته لبيئته الأرضية ليخرج إلى السموات و يضع رجله على القمر ، و يطلق سفائنه إلى المريخ في ملاحة نحو المجهول ليستمتع بلذة أخرى أكبر هي لذة استطلاع الكون ، ثم يرجع ذلك الملاح ليسأل نفسه .. و من أنا الذي عرفت هذا كله .. ليبدأ رحلة معرفة جديدة إلى نفسه .. بهدف معرفة نفسه و التحكم في طاقاتها و إدارتها لصالحه و صالح الآخرين ، و تلك لذة أخرى ..
ثم تكون ذروة المعارف بعد معرفة النفس هي معرفة الرب الذي خلق تلك النفس .. و بهذه المعرفة الأخيرة يبلغ الإنسان ذروة السعادات ، لأنه يلتقى بالكامل المتعال الأجمل من كل جميل .. تلك هي رحلة العابد على طريق العبادة .. و كلها ورود و مسرات ..
و إذا كانت في الحياة مشقة ، فلأن قاطف الورود لابد أن تدمي يديه الأشواك .. و الطامع في ذرى اللانهاية لابد أن يكدح إليها .. و لكن وصول العابد إلى معرفة ربه و انكشاف الغطاء عن عينيه .. ما أروعه .
يقول الصوفي لابس الخرقة : " نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف "
تلك هي لذة العبادة الحقة .. و هي من نصيب العابد .. و لكن الله في غنى عنها و عن العالمين .. و نحن لا نعبده بأمر تكليف و لكنا نعبده لأننا عرفنا جماله و جلاله .. و نحن لا نجد في عبادته ذلاً بل تحرراً و كرامة .. تحرراً من كل عبوديات الدنيا .. تحرراً من الشهوات و الغرائز و الأطماع و المال .. و نحن نخاف الله فلا نعود نخاف أحداً بعده و لا نعود نعبأ بأحد ..
خوف الله شجاعة .. و عبادته حرية .. و الذل له كرامة .. و معرفته يقين و تلك هي العبادة ..
نحن الذين نجني أرباحها و مسراتها .. أما الله فهو الغني عن كل شيء .. إنما خلقنا الله ليعطينا لا ليأخذ منا .. خلقنا ليخلع علينا من كمالاته فهو السميع البصير ، و قد أعطانا سمعاً و بصراً و هو العليم الخبير ، و قد أعطانا العقل لنتزود من علمه ، و الحواس لنتزود من خبرته و هو يقول لعبده المقرب في الحديث القدسى : ( عبد أطعني أجعلك ربانيا تقول للشيء كن فيكون ) ..
ألم يفعل هذا لعيسى عليه السلام .. فكان عيسى يحي الموتى بإذنه و يخلق من الطين طيراً بإذنه و يشفى الأعمى و الأبرص بإذنه .
العبودية لله إذن هي عكس العبودية في مفهومنا .. فالعبودية في مفهومنا هي أن يأخذ السيد خير العبد ، أما العبودية لله فهي على العكس ، أن يعطى السيد عبده ما لا حدود له من النعم ، و يخلع عليه ما لا نهاية من الكمالات .. فحينما يقول الله : ( و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فمعناها الباطن ما خلقت الجن والإنس إلا لأعطيهم و أمنحهم حباً و خيراً ، و كرامة و عزة ، و أخلع عليهم ثوب التشريف و الخلافة .
فالسيد الرب غني مستغن عن عبادتنا .. و نحن المحتاجون إلى هذه العبادة و الشرف ، و المواهب و الخيرات التي لا حد لها .
فالله الكريم سمح لنا أن ندخل عليه في أي وقت بلا ميعاد ، و نبقى في حضرته ما شئنا و ندعوه ما وسعنا .. بمجرد أن نبسط سجادة الصلاة و نقول "الله أكبر" نصبح في حضرته نطلب منه ما نشاء .
أين هو الملك الذي نستطيع أن ندخل عليه بلا ميعاد و نلبث في حضرته ما نشاء ؟!
و في ذلك يقول مولانا العبد الصالح الشيخ محمد متولي الشعراوي في شعر جميل :
حسب نفسي عزاً إنني عبد
يحتفل بي بلا مواعيد رب
هو في قدسه الأعز و لكن
أنا ألقى متى وحين أحب
و يقول : أرونى صنعة تعرض على صانعها خمس مرات في اليوم "يقصد الصلوات الخمس " و تتعرض للتلف !
و هذه بعض المعاني الباطنة في الآية التي أثارت شكوكك : ( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ) و لو تأملتها لما أثارت فيك إلا الذهول و الإعجاب .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ وما رأيك في كلام القرآن عن العلم الإلهي ؟ :
( إن الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدرى نفس ماذا تكسب غداً و ما تدرى نفس بأي أرض تموت ) 34 لقمان
يقول القرآن إن الله اختص نفسه بهذا العلم لا يعلمه غيره :
( و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) 51 الأنعام
فما بالك الآن بالطبيب الذي يستطيع أن يعلم ما بالأرحام ، ويستطيع أن يتنبأ إن كان ذكراً أم أنثى .. و ما بالك بالعلماء الذين أنزلوا المطر الصناعي بالأساليب الكيماوية .
لم يتكلم القرآن عن إنزال المطر وإنما عن إنزال الغيث ، و هو المطر الغزير الكثيف الذي ينزل بكميات تكفى لتغيير مصير أمة و إغاثتها و نقلها من حال الجدب إلى حال الخصب و الرخاء .. و المطر بهذه الكميات لا يمكن إنزاله بتجربة .
أما علم الله لما في الأرحام فهو علم كلي محيط و ليس فقط علماً بجنس المولود هل هو ذكر أو أنثى ، و إنما علم بمن يكون ذلك المولود و ما شأنه و ماذا سيفعل في الدنيا ، و ما تاريخه من يوم يولد إلى يوم يموت : و هو أمر لا يستطيع أن يعلمه طبيب .
و ما حكاية كرسي الله الذي تقولون إنه وسع السموات والأرض .. و عرش الله الذي يحمله ثمانية .
إن عقلك يسع السموات والأرض و أنت البشر الذي لا تذكر .. فكيف لا يسعها كرسي الله .. و الأرض و الشمس و الكواكب و النجوم وا لمجرات محمولة بقوة الله في الفضاء .. فكيف تعجب لحمل عرش ..
و ما هو الكرسي و ما العرش ؟
قل لي ما الإلكترون أقل لك ما الكرسي ؟ قل لي ما الكهرباء ؟ قل لي ما الجاذبية ؟ قل لي ما الزمان ؟ إنك لا تعرف ماهية أي شيء لتسألني ما الكرسي و ما العرش ؟ إن العالم مملوء بالأسرار و هذه بعض أسراره .
و النملة التي تكلمت في القرآن و حذرت بقية النمل من قدوم سليمان و جيشه :
( قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده ) 18 النمل
لو قرأت القليل عن علم الحشرات الآن لما سألت هذا السؤال .. إن علم الحشرات حافل بدراسات مستفيضة عن لغة النمل و لغة النحل .
و لغة النمل الآن حقيقة مؤكدة .. فما كان من الممكن أن تتوزع الوظائف في خلية من مئات الألوف و يتم التنظيم و تنقل الأوامر و التعليمات بين هذا الحشد الحاشد لولا أن هناك لغة للتفاهم ، و لا محل للعجب في أن نملة عرفت سليمان .. ألم يعرف الإنسان الله ؟
و كيف يمحو الله ما يكتب في لوح قضائه :
( يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب ) 38 الرعد
أيخطيء ربكم كما نخطيء في الحساب فنمحو و نثبت .. أم يراجع نفسه كما نراجع أنفسنا ؟!
الله يمحو السيئة بأن يلهمك بالحسنة ويقول في كتابه :
( إن الحسنات يذهبن السيئات ) 114 هود
و يقول عن عباده الصالحين : ( و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة ) 73 الأنبياء
و بذلك يمحو الله دون أن يمحو و هذا سر الآية 39 من سورة الرعد التي ذكرتها .
و ما رأيك في الآية ؟
( و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) 56 الذاريات
هل كان الله في حاجة لعبادتنا ؟!
بل نحن المحتاجون لعبادته .. أتعبد المرأة الجميلة حباً بأمر تكليف ، أم أنك تلتذ بهذا الحب و تنتشي و تسعد لتذوقك لجمالها ؟
كذلك الله و هو الأجمل من كل جميل إذا عرفت جلاله و جماله و قدره عبدته ، و وجدت في عبادتك له غاية السعادة و النشوة .
إن العبادة عندنا لا تكون إلا عن معرفة .. والله لا يعبد إلا بالعلم .. و معرفة الله هي ذروة المعارف كلها ، و نهاية رحلة طويلة من المعارف تبدأ منذ الميلاد و أول ما يعرف الطفل عند ميلاده هو ثدي أمه ، و تلك أول لذة ، ثم يتعرف على أمه وأبيه و عائلته و مجتمعه و بيئته ، ثم يبدأ في استغلال هذه البيئة لمنفعته ، فإذا هي ثدي آخر كبير يدر عليه الثراء و المغانم و الملذات ، فهو يخرج من الأرض الذهب و الماس ، و من البحر اللآليء ، و من الزرع الفواكه و الثمار ، و تلك هي اللذة الثانية في رحلة المعرفة .
ثم ينتقل من معرفته لبيئته الأرضية ليخرج إلى السموات و يضع رجله على القمر ، و يطلق سفائنه إلى المريخ في ملاحة نحو المجهول ليستمتع بلذة أخرى أكبر هي لذة استطلاع الكون ، ثم يرجع ذلك الملاح ليسأل نفسه .. و من أنا الذي عرفت هذا كله .. ليبدأ رحلة معرفة جديدة إلى نفسه .. بهدف معرفة نفسه و التحكم في طاقاتها و إدارتها لصالحه و صالح الآخرين ، و تلك لذة أخرى ..
ثم تكون ذروة المعارف بعد معرفة النفس هي معرفة الرب الذي خلق تلك النفس .. و بهذه المعرفة الأخيرة يبلغ الإنسان ذروة السعادات ، لأنه يلتقى بالكامل المتعال الأجمل من كل جميل .. تلك هي رحلة العابد على طريق العبادة .. و كلها ورود و مسرات ..
و إذا كانت في الحياة مشقة ، فلأن قاطف الورود لابد أن تدمي يديه الأشواك .. و الطامع في ذرى اللانهاية لابد أن يكدح إليها .. و لكن وصول العابد إلى معرفة ربه و انكشاف الغطاء عن عينيه .. ما أروعه .
يقول الصوفي لابس الخرقة : " نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف "
تلك هي لذة العبادة الحقة .. و هي من نصيب العابد .. و لكن الله في غنى عنها و عن العالمين .. و نحن لا نعبده بأمر تكليف و لكنا نعبده لأننا عرفنا جماله و جلاله .. و نحن لا نجد في عبادته ذلاً بل تحرراً و كرامة .. تحرراً من كل عبوديات الدنيا .. تحرراً من الشهوات و الغرائز و الأطماع و المال .. و نحن نخاف الله فلا نعود نخاف أحداً بعده و لا نعود نعبأ بأحد ..
خوف الله شجاعة .. و عبادته حرية .. و الذل له كرامة .. و معرفته يقين و تلك هي العبادة ..
نحن الذين نجني أرباحها و مسراتها .. أما الله فهو الغني عن كل شيء .. إنما خلقنا الله ليعطينا لا ليأخذ منا .. خلقنا ليخلع علينا من كمالاته فهو السميع البصير ، و قد أعطانا سمعاً و بصراً و هو العليم الخبير ، و قد أعطانا العقل لنتزود من علمه ، و الحواس لنتزود من خبرته و هو يقول لعبده المقرب في الحديث القدسى : ( عبد أطعني أجعلك ربانيا تقول للشيء كن فيكون ) ..
ألم يفعل هذا لعيسى عليه السلام .. فكان عيسى يحي الموتى بإذنه و يخلق من الطين طيراً بإذنه و يشفى الأعمى و الأبرص بإذنه .
العبودية لله إذن هي عكس العبودية في مفهومنا .. فالعبودية في مفهومنا هي أن يأخذ السيد خير العبد ، أما العبودية لله فهي على العكس ، أن يعطى السيد عبده ما لا حدود له من النعم ، و يخلع عليه ما لا نهاية من الكمالات .. فحينما يقول الله : ( و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فمعناها الباطن ما خلقت الجن والإنس إلا لأعطيهم و أمنحهم حباً و خيراً ، و كرامة و عزة ، و أخلع عليهم ثوب التشريف و الخلافة .
فالسيد الرب غني مستغن عن عبادتنا .. و نحن المحتاجون إلى هذه العبادة و الشرف ، و المواهب و الخيرات التي لا حد لها .
فالله الكريم سمح لنا أن ندخل عليه في أي وقت بلا ميعاد ، و نبقى في حضرته ما شئنا و ندعوه ما وسعنا .. بمجرد أن نبسط سجادة الصلاة و نقول "الله أكبر" نصبح في حضرته نطلب منه ما نشاء .
أين هو الملك الذي نستطيع أن ندخل عليه بلا ميعاد و نلبث في حضرته ما نشاء ؟!
و في ذلك يقول مولانا العبد الصالح الشيخ محمد متولي الشعراوي في شعر جميل :
حسب نفسي عزاً إنني عبد
يحتفل بي بلا مواعيد رب
هو في قدسه الأعز و لكن
أنا ألقى متى وحين أحب
و يقول : أرونى صنعة تعرض على صانعها خمس مرات في اليوم "يقصد الصلوات الخمس " و تتعرض للتلف !
و هذه بعض المعاني الباطنة في الآية التي أثارت شكوكك : ( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ) و لو تأملتها لما أثارت فيك إلا الذهول و الإعجاب .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
❞ قام المعاند ˝هيوسفوروس˝ بأعظم كارثة حَلّت بتاريخ الخليقة، يوم تكبّرَ وأبَى أن يتريّث ليحصل على كامل المعرفة. تمرّد وثار، وانتشرَت ثورته في أرجاء السماوات...
صليلُ السيوف في حرب السماوات البعيدة ليس كمثله على الأرض. اليوم أضرمت الثورةُ نيرانَها في أرجاء عِلّيين.
طرقاتٌ مزعجة أخذتني من نومي العميق. نظرتُ إلى ساعة الحائط.. بالكاد أرى عقاربها تجاوزَت منتصف الليل، وصوت بندولها كأنه يرفص داخل رأسي. أهذه بالفعل طرقات أم تهيؤات؟ ليست أضغاث أحلام، فأنا يقظٌ بالفعل. مرت لحظات ولا شيء هناك، فحاولتُ العودة للنوم، لكن الطرقات مجددًا لم تسمح لي بذلك. اعتدلتُ جالسًا، أنصت وأنتظر. هل أنزل عن سريري لأرى من هو، أم لن يعود، وعليَّ أن أخلد إلى النوم؟ من ذا الذي يجرؤ على طرق الباب في مثل هذا الوقت من الليل؟!. ❝ ⏤محمد آدم
❞ قام المعاند ˝هيوسفوروس˝ بأعظم كارثة حَلّت بتاريخ الخليقة، يوم تكبّرَ وأبَى أن يتريّث ليحصل على كامل المعرفة. تمرّد وثار، وانتشرَت ثورته في أرجاء السماوات...
صليلُ السيوف في حرب السماوات البعيدة ليس كمثله على الأرض. اليوم أضرمت الثورةُ نيرانَها في أرجاء عِلّيين.
طرقاتٌ مزعجة أخذتني من نومي العميق. نظرتُ إلى ساعة الحائط.. بالكاد أرى عقاربها تجاوزَت منتصف الليل، وصوت بندولها كأنه يرفص داخل رأسي. أهذه بالفعل طرقات أم تهيؤات؟ ليست أضغاث أحلام، فأنا يقظٌ بالفعل. مرت لحظات ولا شيء هناك، فحاولتُ العودة للنوم، لكن الطرقات مجددًا لم تسمح لي بذلك. اعتدلتُ جالسًا، أنصت وأنتظر. هل أنزل عن سريري لأرى من هو، أم لن يعود، وعليَّ أن أخلد إلى النوم؟ من ذا الذي يجرؤ على طرق الباب في مثل هذا الوقت من الليل؟! . ❝
❞ فلما انصَرَف رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى المدينة ، لم يكن إلا أن وضع سلاحه ، فجاءه جبريل ، فقال : أوضعت السلاح ، والله إن الملائكة لم تضع أسلحتها ؟! فانهض بمن معك إلى بني قريظة ، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم وأقذف في قلوبهم الرعب ، فسار جبريل في موكبه من الملائكة ، ورسول الله ﷺ على أثره في موكبه من المهاجرين والأنصار ، وقال ﷺ لأصحابه يومئذ ( لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُم العَصْرَ إِلَّا في بني قُرَيْظَةَ ) ، فبادروا إلى امتثال أمره ونهضوا من فورهم ، فأدركتهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم : لا نصليها إلا في بني قريظة كما أمرنا ، فصلوها بعد عشاء الآخرة ، وقال بعضُهم : لم يُرِدْ ﷺ منا ذلك ، وإنما أراد سُرعة الخروج ، فَصَلَّوْها في الطريق ، فلم يُعنف واحدة من الطائفتين ، وأعطى رسول الله ﷺ الراية علي بن أبي طالب ، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، ونازل حصون بني قريظة ، وحصرهم خمساً وعشرين ليلة ، ولما اشتد عليهم الحِصَارُ ، عرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد ثلاث خصال🔸️إما أن يُسْلِمُوا ويدخُلوا مع محمد في دينه🔸️وإما أن يقتلوا ذراريهم ، ويخرجوا إليه بالسيوف مُصلتة يناجِزُونه حتى يظفروا به ، ️أو يُقتلوا عن آخرهم🔸️وإما أن يهجموا على رسول الله ﷺ وأصحابه ويكبسوهم يوم السبت ، لأنهم قد أمِنُوا أن يُقاتلوهم فيه ، فأبوا عليه أن يُجِيبُوهُ إلى واحدة منهن ، فبعثوا إليه أن أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر نستشيره ، فلما رأوه ، قاموا في وجهه يبكون ، وقالوا : يا أبا لُبابة ! كيف ترى لنا أن ننزل على حكم محمد ؟ فقال : نعم ، وأشار بيده إلى حلقه يقول : إنه الذبح ، ثم عَلِمَ مِن فوره أنه قد خان الله ورسوله ، فمضى على وجهه ، ولم يَرْجع إلى رسول الله ﷺ حتى أتى مسجد المدينة ، فربط نفسه بسارية المسجد ، وحلف ألا يحله إلا رسول الله ﷺ بيده ، وأنه لا يدخل أرض بني قريظة أبداً ، فلما بلغ رسول الله ﷺ ذلك ، قال ( دَعُوهُ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) ، ثم تاب الله عليه ، وحله رسول الله ﷺ بيده ، ثم إنهم نزلوا على حكم رسول الله ﷺ فقامت إليه الأوس ، فقالوا : يا رَسُولَ الله ! قد فعلت في بني قَيْنُقاع ما قد عَلِمْتَ وهم حلفاء إخواننا الخزرج ، وهؤلاء موالينا ، فأحسن فيهم فقال ﷺ ( أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُم فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُم؟ ) قالوا : بلى قال ( فَذَاكَ إلى سَعْدِ بْنِ مُعَاذ ) قالوا : قد رضينا ، فأرسل إلى سعد بن معاذ وكان في المدينة لم يخرج معهم لجُرح به ، فأُرْكِبَ حماراً وجاء إلى رسول الله ﷺ فجعلوا يقولون له وهم كَنَفتَاهُ ، يا سَعْدًا أجمل إلى مواليك ، فأحسن فيهم ، فإن رسول الله ﷺ قد حكمك في فِيهِم لِتُحْسِنَ فيهم ، وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئاً ، فلما أكثروا عليه ، قال : لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم ، فلما سَمِعُوا ذلِكَ رجع بعضهم إلى المدينة ، فنعى إليهم القوم ، فلما انتهى سعد إلى النبي ﷺ قال ﷺ للصحابة ( قُومُوا إِلَى سَيِّدكُم ) فلما أنزلوه ، قالوا : يا سعدا إن هؤلاء القوم قد نزلوا على حكمك ، قال : وحكمي نافذ عليهم ؟ قالوا : نعم ، قال : وعلى المسلمين ؟ قالوا : نعم ، قال : على من ها هنا وأعرض بوجهه ، وأشار إلى ناحية رسول الله ﷺ إجلالاً له وتعظيماً؟ قال ﷺ ( نعم ، وعَليَّ ) قال : فإني أحكم فيهم أن يُقتل الرِّجَالُ ، وتُسْبَى الذَّرِّيَّةُ ، وتُقسم الأموال ، فقال رسول الله ﷺ ( لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَات ) ، وأسلم منهم تلك الليلة نفر قبل النزول ، وهرب عمرو بن سعد ، فانطلق فلم يُعلم أين ذهب ، وكان قد أبي الدخول معهم في نقض العهد ، فلما حكم فيهم بذلك ، أمر رسول الله ﷺ بقتل كُلِّ من جرت عليه الموسى منهم ، ومن لم يُنبتُ اُلحق بالذرية ، فحفر لهم خنادق في سوق المدينة ، وضُرِبَتْ أعناقهم ، وكانوا ما بين الستمئة إلى السبعمئة ، ولم يقتل من النساء أحد سوى امرأة واحدة كانت طَرَحَتْ على رأس سويد بن الصامت رُحى ، فقتلته ، وجعل يُذهب بهم إلى الخنادق أرسالاً أرسالاً ، فقالوا لرئيسهم كعب بن أسد يا كعب ما تراه يُصنع بنا ؟ فقال : أفي كل موطن لا تعقِلُونَ ؟ أما ترون الداعي لا يَنزِعُ ، والذاهب منكم لا يرجعُ ، هو والله القتل ، فهذا كُلُّه في يهود المدينة ، وكانت غزوة كل طائفة منهم عَقِبَ كُلِّ غزوة من الغزوات الكبار ، فغزوة بني قينقاع عقب بدر ، وغزوة بني النضير عقب غزوة أُحد ، وغزوة بني قريظة عقب الخندق. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ فلما انصَرَف رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى المدينة ، لم يكن إلا أن وضع سلاحه ، فجاءه جبريل ، فقال : أوضعت السلاح ، والله إن الملائكة لم تضع أسلحتها ؟! فانهض بمن معك إلى بني قريظة ، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم وأقذف في قلوبهم الرعب ، فسار جبريل في موكبه من الملائكة ، ورسول الله ﷺ على أثره في موكبه من المهاجرين والأنصار ، وقال ﷺ لأصحابه يومئذ ( لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُم العَصْرَ إِلَّا في بني قُرَيْظَةَ ) ، فبادروا إلى امتثال أمره ونهضوا من فورهم ، فأدركتهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم : لا نصليها إلا في بني قريظة كما أمرنا ، فصلوها بعد عشاء الآخرة ، وقال بعضُهم : لم يُرِدْ ﷺ منا ذلك ، وإنما أراد سُرعة الخروج ، فَصَلَّوْها في الطريق ، فلم يُعنف واحدة من الطائفتين ، وأعطى رسول الله ﷺ الراية علي بن أبي طالب ، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، ونازل حصون بني قريظة ، وحصرهم خمساً وعشرين ليلة ، ولما اشتد عليهم الحِصَارُ ، عرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد ثلاث خصال🔸️إما أن يُسْلِمُوا ويدخُلوا مع محمد في دينه🔸️وإما أن يقتلوا ذراريهم ، ويخرجوا إليه بالسيوف مُصلتة يناجِزُونه حتى يظفروا به ، ️أو يُقتلوا عن آخرهم🔸️وإما أن يهجموا على رسول الله ﷺ وأصحابه ويكبسوهم يوم السبت ، لأنهم قد أمِنُوا أن يُقاتلوهم فيه ، فأبوا عليه أن يُجِيبُوهُ إلى واحدة منهن ، فبعثوا إليه أن أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر نستشيره ، فلما رأوه ، قاموا في وجهه يبكون ، وقالوا : يا أبا لُبابة ! كيف ترى لنا أن ننزل على حكم محمد ؟ فقال : نعم ، وأشار بيده إلى حلقه يقول : إنه الذبح ، ثم عَلِمَ مِن فوره أنه قد خان الله ورسوله ، فمضى على وجهه ، ولم يَرْجع إلى رسول الله ﷺ حتى أتى مسجد المدينة ، فربط نفسه بسارية المسجد ، وحلف ألا يحله إلا رسول الله ﷺ بيده ، وأنه لا يدخل أرض بني قريظة أبداً ، فلما بلغ رسول الله ﷺ ذلك ، قال ( دَعُوهُ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) ، ثم تاب الله عليه ، وحله رسول الله ﷺ بيده ، ثم إنهم نزلوا على حكم رسول الله ﷺ فقامت إليه الأوس ، فقالوا : يا رَسُولَ الله ! قد فعلت في بني قَيْنُقاع ما قد عَلِمْتَ وهم حلفاء إخواننا الخزرج ، وهؤلاء موالينا ، فأحسن فيهم فقال ﷺ ( أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُم فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُم؟ ) قالوا : بلى قال ( فَذَاكَ إلى سَعْدِ بْنِ مُعَاذ ) قالوا : قد رضينا ، فأرسل إلى سعد بن معاذ وكان في المدينة لم يخرج معهم لجُرح به ، فأُرْكِبَ حماراً وجاء إلى رسول الله ﷺ فجعلوا يقولون له وهم كَنَفتَاهُ ، يا سَعْدًا أجمل إلى مواليك ، فأحسن فيهم ، فإن رسول الله ﷺ قد حكمك في فِيهِم لِتُحْسِنَ فيهم ، وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئاً ، فلما أكثروا عليه ، قال : لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم ، فلما سَمِعُوا ذلِكَ رجع بعضهم إلى المدينة ، فنعى إليهم القوم ، فلما انتهى سعد إلى النبي ﷺ قال ﷺ للصحابة ( قُومُوا إِلَى سَيِّدكُم ) فلما أنزلوه ، قالوا : يا سعدا إن هؤلاء القوم قد نزلوا على حكمك ، قال : وحكمي نافذ عليهم ؟ قالوا : نعم ، قال : وعلى المسلمين ؟ قالوا : نعم ، قال : على من ها هنا وأعرض بوجهه ، وأشار إلى ناحية رسول الله ﷺ إجلالاً له وتعظيماً؟ قال ﷺ ( نعم ، وعَليَّ ) قال : فإني أحكم فيهم أن يُقتل الرِّجَالُ ، وتُسْبَى الذَّرِّيَّةُ ، وتُقسم الأموال ، فقال رسول الله ﷺ ( لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَات ) ، وأسلم منهم تلك الليلة نفر قبل النزول ، وهرب عمرو بن سعد ، فانطلق فلم يُعلم أين ذهب ، وكان قد أبي الدخول معهم في نقض العهد ، فلما حكم فيهم بذلك ، أمر رسول الله ﷺ بقتل كُلِّ من جرت عليه الموسى منهم ، ومن لم يُنبتُ اُلحق بالذرية ، فحفر لهم خنادق في سوق المدينة ، وضُرِبَتْ أعناقهم ، وكانوا ما بين الستمئة إلى السبعمئة ، ولم يقتل من النساء أحد سوى امرأة واحدة كانت طَرَحَتْ على رأس سويد بن الصامت رُحى ، فقتلته ، وجعل يُذهب بهم إلى الخنادق أرسالاً أرسالاً ، فقالوا لرئيسهم كعب بن أسد يا كعب ما تراه يُصنع بنا ؟ فقال : أفي كل موطن لا تعقِلُونَ ؟ أما ترون الداعي لا يَنزِعُ ، والذاهب منكم لا يرجعُ ، هو والله القتل ، فهذا كُلُّه في يهود المدينة ، وكانت غزوة كل طائفة منهم عَقِبَ كُلِّ غزوة من الغزوات الكبار ، فغزوة بني قينقاع عقب بدر ، وغزوة بني النضير عقب غزوة أُحد ، وغزوة بني قريظة عقب الخندق . ❝