📘 ❞ إيجيكوين ❝ رواية ــ محمد حسن عبد الجابر اصدار 2023
كتب الروايات والقصص - 📖 ❞ رواية إيجيكوين ❝ ــ محمد حسن عبد الجابر 📖
█ _ محمد حسن عبد الجابر 2023 حصريا رواية إيجيكوين عن جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 2024 إيجيكوين: عندما تصبح أحداث الحياة الأرض أقرب إلى عالم الخيال عندها يمكن للخيال العلمي أن ينزل ويلامس أرض الواقع ويضيف لونه ليطغى ويرتبط بها بحيث يكتسب الوضع الجديد طابعًا مألوفًا يختلط بأحداثه مع بدرجاته فمن الضروري يتم التعامل المعاصر وإن كان خارجًا المألوف
وعندما ينشأ الحب مثل هذا الجو يجب يكون مستوى القول يصنع المعجزات والمقصود بالمعجزات هنا فيما يتعلق بالجانب الرومانسي للرواية ليس الأحداث التي تنسب التدخل الإلهي المباشر
بدلاً من تشير كلمة معجزة صمود البطل للظروف والعقبات ساهمت المساعدة الإلهية المقام الأول ثم قدراتهم الخاملة للتغلب عليها وتحملها قدر المستطاع إذا تعريف المعجزة هو أنها قطع واضح يحدث قوانين الطبيعة فإن ما حدث وصفه بأنه شبيه بالمعجزة !! كنت أنوي كتابة ملخص لرواية (إيجيكوين) بالأسلوب التقليدي لكن الكلمات رفضت تتلاءم بعضها
تصارعت الرواية ذهني وخلاصة قرأته للتو إذن تصارعت
إذن
كتب الروايات والقصص مجاناً PDF اونلاين هي سرد نثري طويل يصف شخصيات خيالية وأحداثاً شكل قصة متسلسلة كما أكبر الأجناس القصصية حيث الحجم وتعدد الشخصيات وتنوع وقد ظهرت أوروبا بوصفها جنساً أدبياً مؤثراً القرن الثامن عشر والرواية حكاية تعتمد السرد بما فيه وصف وحوار وصراع بين وما ينطوي عليه ذلك تأزم وجدل وتغذيه
كتب قصص اطفال روايات متنوعه وروايات بوليسية عالمية ادب ساخر ساخره لاعظم الكتاب مضحكه واقعيه قصائد وخواطر طويلة قصيرة قصيره
عن رواية إيجيكوين:
عندما تصبح أحداث الحياة على الأرض أقرب إلى عالم الخيال .. عندها يمكن للخيال العلمي أن ينزل ويلامس أرض الواقع ويضيف لونه ليطغى على أحداث الحياة ويرتبط بها ، بحيث يكتسب الوضع الجديد طابعًا مألوفًا .. عندما يختلط الواقع بأحداثه مع الخيال بدرجاته ، فمن الضروري أن يتم التعامل مع الواقع المعاصر ، وإن كان خارجًا عن المألوف.
وعندما ينشأ الحب في مثل هذا الجو ، يجب أن يكون الحب على مستوى القول - الحب يصنع المعجزات - والمقصود بالمعجزات هنا فيما يتعلق بالجانب الرومانسي للرواية ليس الأحداث التي تنسب إلى التدخل الإلهي المباشر. .
بدلاً من، تشير كلمة معجزة إلى صمود البطل للظروف والعقبات التي ساهمت في المساعدة الإلهية في المقام الأول ، ثم قدراتهم الخاملة. للتغلب عليها وتحملها قدر المستطاع .. إذا كان تعريف المعجزة هو أنها قطع واضح يحدث في قوانين الطبيعة .. فإن ما حدث على أرض الواقع يمكن وصفه بأنه شبيه بالمعجزة. !! كنت أنوي كتابة ملخص لرواية (إيجيكوين) بالأسلوب التقليدي .. لكن الكلمات رفضت أن تتلاءم مع بعضها ..
تصارعت أحداث الرواية في ذهني وخلاصة القول هو ما قرأته للتو. إذن ما حدث على أرض الواقع من الأحداث يمكن وصفه بأنه شبيه بالمعجزة !! كنت أنوي كتابة ملخص لرواية (إيجيكوين) بالأسلوب التقليدي .. لكن الكلمات رفضت أن تتلاءم مع بعضها .. تصارعت أحداث الرواية في ذهني وخلاصة القول هو ما قرأته للتو.
إذن ما حدث على أرض الواقع من الأحداث يمكن وصفه بأنه شبيه بالمعجزة !! كنت أنوي كتابة ملخص لرواية (إيجيكوين) بالأسلوب التقليدي .. لكن الكلمات رفضت أن تتلاءم مع بعضها .. تصارعت أحداث الرواية في ذهني وخلاصة القول هو ما قرأته للتو.
( مول المستقبل ) هو أحد أكبر مولات ( مدينتنا ) أن لم يكن أكبرهم بالفعل و لكنه أحدثهم تشييداً ، هو بالطبع يقع فى الجانب الشرقى ..
تم الإنتهاء من تشطيب الثلاثة طوابق الأولى من المول و تسليم المحلات المصنوعة بالكامل من الزجاج السيكوريت
لملاكها أو لمستأجريها على حسب التعاقد ..
أما بالنسبة للثلاث طوابق المتبقين لم يتم الإنتهاء من تشطيبهم بشكل كامل و تم تأجيل هذه المهمة سالفاً لأكثر من مرة ..
لقد وقع الإختيار من قبل رجال أعمال ( مدينتنا ) على ( مول المستقبل ) و بالأحرى تم الأتفاق على تخصيص هذه الطوابق الثلاثة المتبقية للمهمات المُقبلة ، من إقامة الدورات التدريبية إلى صيانة الروبوتات و .. إلخ .
بدأت تهيئة المكان كـ ورش فنية لممارسة الوظيفة الجديدة ..
صيانة الروبوتات ..
تم العمل على قدم وساق لإنجاز تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية فى زمن قياسى .. تم تكريس الوقت و مضاعفة المجهود حتى تم الإنتهاء بالفعل
من تنفيذ التصميم المعدل لهذه الطوابق بما يتماشى
مع المهمة الجديدة التى يتم تجهيزهم من أجلها ..
******************
تم التواصل مع المواطنين الذين سجلوا أسماءهم فى الدورة التدريبية للصيانة فور الإنتهاء من تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية بالمول ، و تم أخبارهم بضرورة الحضور فى الموعد الذى تم تحديده لبدء الدورات التدريبية ، هذا بعد الأتفاق مع المدربين اليابانيين و تخصيص فيلا لهم ليقيموا فيها حتى الإنتهاء من المدة المحددة للدورات ..
كان عدد هائل من المواطنين قد تقدموا بتسجيل أسماءهم فى الدورة و قد حضروا فعلياً فى اليوم المحدد لبدء الدورة .. تم تقسيمهم و توزيعهم و مع كل مجموعة مدرب متخصص لضمان وصول المعلومة بسهولة و يسر ..
أستغرقت الدورات التدريبية حوالى أسبوعاً حتى أنتهى المدربين اليابانيين من تدريب المواطنين المصريين نظرياً و عمليا على كيفية إكتشاف العطل الذى يصيب الروبوتات و كيفية التعامل معه لحل المشكلة ..
يتبقى امراً واحداً و هو الإختبار الذى سيحدد مصير المتدربين لتحديد من منهم جدير بالوظيفة .. هذا الأختبار تم وضعه و سيتم الإشراف عليه و تقييمه من قبل هؤلاء المدربين اليابانيين دون تدخل أى عنصر مصرى .. و ذلك لضمان شفافية الدورة و دقة أختيار من سيصلحون حقآ لهذه الوظيفة ..
*******************
داخل فيلا الجزيرى تجد الرفاهية و الرخاء متجسدان فى كل الأمور الحياتية
بكل ركن فيها .. تشعر بلذة النعيم و مذاق الراحة
فى غضون خمس دقائق من دخولك مملكة الجزيرى ..
على طاولة الطعام كان يجلس الجزيرى برفقة أبنته جميلة ، كانت تجلس على يمينه و هذا هو مقعدها المفضل على هذه السفرة و التى تمتد مساحتها لأمتار عديدة و تكسوها قشرة من الذهب الخالص بالكامل , حتى مقاعدها لم تخلو من هذه القشرة الذهبية .. شردت جميلة و ثبت ناظريها على المقعدين المواجهين لها ، على واحداً منهما والذى يقع على يسار الجزيرى أعتادت زوجته - رحمها الله - الجلوس عليه و المقعد المجاور لها كان يجلس نهاوند ..
لاحظ الجزيرى حالة جميلة و أنتبه الى عيناها
و هى تبدوان زجاجيتان أثر رشح الدموع بها ..
أنزعج و حاول التحكم فى نبرة صوته و هو يخاطبها مازحاً :
ماذا أصابك يا صغيرتى .. لماذا هذه الدموع ؟ هل البصل زائد فى السلطة ؟!
أبتسمت جميلة أبتسامة فاترة و قالت بصوت متحشرج و هى تنظر للمقعد الذى على يسار والدها .. لقد وحشتنى كثيراً .. حقآ أفتقدها ..
ترحم عليها الجزيرى و قد امتلأ بالحزن و الأسى أثر ذكرها على مسامعه ، و دعا لجميلة بالشفاء و العمر المديد .. فهى الحياة و الأمل الذى يحيا من أجله و قد مسح براحة يديه على شعرها برفق ..
قالت له جميلة : نهاوند وحشنى جداً.. وحشتنى لمتنا على السفرة و مناكفته ليا .. نفسى يرجع يعيش معانا تانى !
هنا أمتقع وجه الجزيرى و صارت نظراته صارمة و خاطب جميلة بصوتا أجش :
هو أختار حياته الضايعة و أنا أختارت حياتنا من غيره و علشان يدخل هنا تانى لازم ينضف .. و مش عايز أفتح الموضوع دة تانى يا جميلة .. فهمانى ؟؟
تسلل اليأس لقلب جميلة و تملكه بشأن شقيقها نهاوند و عودته للفيلا .. هى تعرف جيداً صرامة قرارات والدها .. حاولت جميلة ترطيب الجو بعد تعكيره و سألت والدها بخصوص العمل و الأتجاه الجديد الذى يسلكوه بخصوص الروبوتات و الدورات و الوظائف المرتبطة بها ..
رد الجزيرى بأبتسامة مصطنعة و قال لجميلة : تمت الدورة بنجاح و خضع الآلاف للأختبار الذى وضعه المدربين اليابانيين و لم ينجو بسلام من هذا الاختبار إلا حوالى نصف العدد المتقدم لهذه الدورة !!
قالت جميلة فى أندهاش : هل كان الأختبار تعجيزياً ؟!
رد الجزيرى فى حماس : بالعكس .. فهناك من تجاوزوا الإختبار فى سهولة كما يوجد شاب برع فى هذا الأختبار و تمكن من الحصول على الدرجات النهائية فيه بكل يسر .. أرى فى هذا الشاب مستقبلاً منيراً فى هذا المجال .. أثق فى ذلك ..
سألت جميلة و كلها فضول : ما أسم هذا الشاب ؟!
رد الجزيرى بنفس درجة الحماس :
أسمه محمود .. على ما أتذكر .. محمود طايع ..
****************
قرر الجزيرى رد عزومة فنجان القهوة الكولومبى لصديقه الماظة ، أتصل به هاتفياً و طلب منه المجئ لمكتبه بالمصنع لتناول فنجان القهوة معه
أن كان وقته يسمح بذلك ..
لم يتأخر الماظة على صديقه و أستجاب لدعوته و ذهب بالفعل لتناول فنجان القهوة مع الجزيرى فى مكتبه ..
جذب الماظة أطراف الحديث فيما يخص الدورة التدريبية و مستوى الأشخاص الذين أجتازوا هذه الدورة ولابد من العمل على رفع مستواهم و كفاءاتهم .. حتى دخل عليهم عامل البوفيه و هو من العناصر البشرية ، و هم قلائل جداً الباقين فى المصنع .. قدم القهوة لكلاً من الماظة و الجزيرى و بعد أن أنهى طقوس السرفيس أنصرف ، لم يرفع الماظة ناظريه عن فنجان القهوة .. كان الجزيرى يراقبه فى صمت حتى كسر الماظة الصمت بسؤاله : ايه القهوة دى ؟
رد الجزيرى : مالها يا صديقى ؟
رشف الماظة منها و قال : هى لذيذة بس مش فاهمها ! و شاكك فى حاجة كدة !
ضحك الجزيرى و قال له : سيبك من اللى فى دماغك .. المهم المذاق ؟
شحب وجه الماظة و قال له : يعنى اللى فى دماغى صح ؟ دة البن اللى حكيتلى عليه و قولتلى جبته معاك من أمريكا مع آخر سفرية ؟!
مازال الجزيرى مبتسماً أثر أشمئزاز الماظة من فنجان القهوة و قال له : الفنجان اللى قدامك دة سعره يعدى الـ ٥٠ دولار أمريكى !!
صعق الماظة و قال دون تعقل : مش دة البن اللى بيعملوه من
فضلات حيوان ( الكوبى لواك ) ؟!!
رد الجزيرى و قد أتسعت الأبتسامة على وجهه : بالظبط هو دة ..
تقلص وجه الماظة و هو يحاول أن يفهم فسأل الجزيرى : كيف لقهوة أن ُتصنع من فضلات حيوان و أن تصبح أبهظ قهوة بالعالم !
قال له الجزيرى : ( الكوبى لواك ) دة اللى هو ( قطط الزباد ) .. بتعيش فى شرق آسيا و بتتغذى على البن دة طعامها ، علشان كدة بيستخدموا فضلاتها لتصنيع أغلى أنواع البن فى العالم !!
و هنروح بعيد ليه أنت مش واخد بالك احنا فين ؟؟
ركز كدة هتلاقى أن فضلات النحل بتتاكل و من أشهى و أفيد الأطعمة !!
ثم رن هاتف الجزيرى فكسر جو التسامر السائد بينهما ، كان المتصل هو منير المنفلوطى .. أستجاب الجزيرى للأتصال لكنه لاحظ من نبرة صوت المنفلوطى أنه ليس على ما يرام فسأله ماذا أصابك ؟
فرد المنفلوطى بصوتاً مفزوعاً : قصدك ماذا أصاب الروبوتات .. الروبوتات هيست !!
فسأله الجزيرى مندهشاً : أزاى دة حصل ؟؟
عامة متقلقش بقى عندنا مركز صيانة جاهز للطوارئ ..
رد المنفلوطى بنفس حالة الفزع التى تملكته :
الروبوتات مش بتستجيب للتعليمات و الشغل بدأ يتعطل !
مازال الجزيرى مندهشاً و قال له : متقلقش هيتم السيطرة على الوضع .. لقد أصبح لدينا مراكز صيانة بها أمهر المهندسين و الفنيين ..
أنهى الجزيرى المكالمة و قبل أن يشارك الماظة فى الحوار أنهالت عليه الأتصالات من رجال أعمال المدينة يشكون نفس المشكلة
من تهييس الروبوتات بمصانعهم و شركاتهم !!
هنا أيقن الماظة و الجزيرى أن هناك حلقة مفقودة و غامضة .. و زاد يقينهما عندما دخل عليهما المسئول عن متابعة الروبوتات فى مصنع الجزيرى و كان يقف كالملسوع و صدره يعلو ويهبط بغير أنتظام و أخبر الجزيرى أن هناك أمراً غامضاً قد أصاب عدداً كبيراً من الروبوتات !!
*****************
نشأ مناخ رومانسى بين محمود و جميلة و أخذ ينمو من حولهما حتى تطورت العلاقة بينهما ، كاد محمود أن يتمكن من أقناع جميلة أن ترسل له رقم هاتفها ، لكنها رفضت فى بادئ الأمر فحاول محمود الأتصال بجميلة عبر الماسنجر مرات عديدة و لكن كانت تتحول كلها لدى جميلة فى النهاية إلى مكالمات فائتة ، حتى جاء يوم كانت جميلة على درجة مرتفعة من الأكتئاب فقبلت الأتصال و ردت على محمود عبر الماسنجر و لم يصدق محمود نفسه وقتها من الفرحة ..
و تطور الأمر فيما بعد ، و نجح محمود فى أن تتحول أتصالاته
من الماسنجر إلى الهاتف ..
و كان لذلك الفضل فى أن تتوطد بينهما العلاقة و أن يتجرأ محمود و يبدى لجميلة رغبته فى مقابلتها ! و أنه يتوق لرؤيتها وجها لوجه !!
أرتبكت جميلة على الفور أثر طلبه المفاجئ ، و بدا ذلك من صوتها عبر الهاتف و أكدت لمحمود أن هذا مستحيل يحدث و وبخته لأنه نسى أن من أشد العقبات لإتمام ذلك أنها قعيدة على كرسى متحرك !
كما أنها مستحيل أن تخرج من الفيلا بمفردها !
قالت له فى المكالمة الهاتفية : هذا جناااان !
رد محمود فى ثقة عالية : لدى خطة لتنفيذ ذلك بسهولة ..
قالت له جميلة بملء فيها : أنت حقاً مجنووووون !!
***********************
بعد أن ضربت ظاهرة ( جنون الروبوتات ) المدينة و أنتشرت الظاهرة بين الروبوتات المستخدمة فى مصانع و شركات الجانب الشرقى ، تم شحن و إرسال الروبوتات المخبولة إلى ( مول المستقبل ) حيث مراكز الصيانة المستجدة
و أول أختبار حقيقى لها !
تم أشراف الجزيرى و الماظة و المنفلوطى بأنفسهم على عمليات الصيانة للروبوتات ، كان يتجول كلاً منهم بمفرده فى طوابق الصيانة بالمول .. يتابعون بأنفسهم محاولات المهندسين البائسة التى لم تصل لشئ حتى بعد مرور عشر ساعات عمل تكاد تكون متواصلة !!
بدأ يشعر الثلاثة أنهم تورطوا فى تأسيس مراكز الصيانة التى كلفتهم مبالغ مالية كبيرة .. يمر الوقت دون جدوى تقريباً مما دعا الجزيرى لأقتراح فكرة التواصل مع الشركة اليابانية لإيجاد حل سريع حتى لا تتكبد مصانعهم و شركاتهم خسائر فادحة ، كان المنفلوطى مؤيداً للفكرة بينما أضاف الماظة ضرورة مراسلة الشركة اليابانية و أخبارها أن المبالغ التى تحملوها من تجهيزات لإجراء الدورة ذهبت هباءً و أنهم لم ينتفعوا بمجئ الخبراء اليابانيين بل خسروا ما دفعوه لهم أيضاً ..
حالة تخبط و أستياء سيطرت على رجال الأعمال و قد أجتمعوا فى مكتب الإدارة بالمول ، سمعوا طرقات على الباب فكان موظف الأمن .. دخل ليخبرهم أن هناك أحد المهندسين يود مقابلتهم لأمر بالغ الأهمية !
دخل المهندس و كانت نشوة الإنتصار تكسو وجهه .. كان يقف أمامهم و كانوا يفحصوه بنظراتهم ثم سمحوا له بالحديث ..
أخبرهم المهندس أنه أكتشف سبب العطل الذى أدى لهذه المشكلة .. هنا أعتدل الثلاثة في جلستهم و أنتبهوا لكلماته ، سأله الجزيرى فى شغف :
ما هو سبب العطل ؟!!
فاجأهم المهندس أن العطل مفتعل ! و أخبرهم أن هناك من تعمد نقل فيروس مصنع .. هذا الفيروس يظل خاملاً و ينشط بعد مدة معينة يحددها من صنع هذا الفيروس ، و هذا السبب لما حدث لهذه الروبوتات ..
جن جنون الماظة و قال له : و من فعل ذلك ؟
أخبره المهندس أنه بعد صعوبة بالغة تمكن من صيد هذا الفيروس الألكترونى و عند التعامل معه كانت الشفرة المستخدمة به بلغة معقدة و غير مفهومة ، بعد البحث عنها أكتشف أنها من حروف يابانية !
صعقت الصدمة رجال الأعمال الثلاثة و شرد الماظة ثم نظر بحدة للجزيرى و قال له : هل كان رفضنا للعرض اليابانى بتعيين مجموعة من الخبراء اليابانيين بأجور ثابتة فى مراكز الصيانة لدينا ، له علاقة بما حدث ؟!
رد عليه الجزيرى بعينان شاخصتان : الشعب اليابانى يتميز بأنه شعب منظم و مؤدب و خجول .. لكن معروف عن اليابانيين أيضاً أن ليس لديهم سياسة دوبلوماسية أو أقتصادية واضحة !!
أكد المنفلوطى شكوكهم عندما ذكرهم بطلب الخبراء اليابانيين بزيارة المصانع و الشركات بحجة التشييك على الروبوتات .. كان هذا الطلب بعد أعتذارهم عن إقتراح الشركة اليابانية بتثبيت خبراء يابانيين لديهم بمراكز الصيانة !
بعد أن أستنتجوا سيناريو لما حدث ، طلب الجزيرى من المهندس الذهاب معه و مشاهدة الروبوتات المُفيرسة بعد إصلاحها ..
بالفعل أنتقل الأربعة إلى موقع الحدث و شاهد الثلاثة بأنفسهم كيف تمكن المهندس المصرى من التفوق على نظيره اليابانى بعد أن حاول الأخير تضليلهم مما جعلهم ينبهرون بهذا المهندس !
سأله الجزيرى عن أسمه فأجاب المهندس :
محمود .. أسمى محمود طايع ..
أبتسم الجزيرى و قال : أتذكر اسمك .. لقد نجحت فى أجتياز الدورة بأمتياز .. أعلم ذلك ..
شارك الجزيرى الرأى مع الماظة و المنفلوطى فى تنصيبه لمحمود مديراً لمركز صيانة ( مول المستقبل ) .. فدعم الأثنان قرار الجزيرى بكل أقتناع ..
***********************
كان الأتجاه الذى سلكه رجال أعمال المدينة لمجابهة أزمة البطالة التى أجتاحت ( مدينتنا ) قد أنشطر إلى محورين ..
محور خاص بالصناعة و هو ما يخص الروبوتات و الصيانة و ما شابه .. و محور خاص بالزراعة فى محاولة لأستغلال الأراضى الصحراوية داخل ( مدينتنا ) و فى المحيط الخارجى للمدينة ..
تم التواصل من قبل اللجنة المتخصصة لفحص أفكار المشروعات مع خالد صاحب فكرة مشروع أستصلاح الأراضى الصحراوية و أستثمارها فى زراعة بعض المحاصيل الأساسية و من أهمها القمح ..
تم أخباره بالموافقة على دعم مشروعه و أنه لن يكون مشروعاً خاصاً به بل يخص المدينة بأكملها , تم تنصيب خالد على الإشراف العام على المشروع و متابعته له خطوة بخطوة لوضع حجر الأساس لهذا المشروع العملاق ..
تم تحديد و تخصيص المساحات التى وقع عليها الإختيار لتنفيذ المشروع عليها.. تم أختيار البذور السليمة بعناية فائقة لأستخدامها فى الزراعة .. تم أيضاً تجهيز الأسمدة اللازمة لهذه المهمة من
أسمدة نيتروجينية و أسمدة فوسفورية و أسمدة البوتاسيوم ..
كانت الأمور تسير ضمن خطة مُحكمة مدروسة لضمان نجاح المشروع ..
كانت فكرة معالجة مياه الصرف الصحى لأستخدامها فى الرى تحتاج لمجهود ضخم لأتمامها .. تم التواصل من رجال أعمال المدينة مع وزارة ( الموارد المائية و الرى ) لأنشاء محطة معالجة مياه الصرف الصحى ، لكنهم فوجئوا بأن أنشاء المحطة سيستغرق حوالى ستة أشهر لأتمامه
و هذه المدة تعتبر قياسية لأنجاز هذا الأمر !
لكنها ليست كذلك بالنسبة للقائمين على المشروع ..
كما أنهم مازالوا فى حاجة لأستيراد المعدات الكهروميكانيكية من الخارج لأستخدامها فى المعالجة الثلاثية و هذا بدوره يستغرق شهوراً طويلة للحصول على الأعتمادات الفنية التى تحتاج وقتاً طويلاً للفحص من الجهات المسئولة ..
بدأ عامل الوقت يمثل العاقبة لأتمام نجاح المشروع ناهيك عن الأموال الطائلة التى سيتطلبها تنفيذ هذا المشروع ، لكن كانت العرقلة الأكبر تكمُن فى الوقت المُستغرق لأنهاء أساسيات المشروع ..
************************
كان الجزيرى يشعر بالسلام النفسى و يجد أيضاً لذة فى مجالسة أبنته جميلة ..
كانا يجلسان على طقم راتان مكون من ترابيزة و ثلاثة مقاعد فى حديقة الفيلا ، كان مكان المقعد الرابع خالياً تأهباً لملأه بمقعد جميلة المتحرك الذى يعمل بالكهرباء .. أستقرت جميلة بمقعدها و أمامها كان يجلس والدها .. كانا يتناولان وجبة الإفطار و كانا يتسامران فطلبت جميلة من والدها الجزيرى طلباً كان قادراً على جعله متفاجئاً ..
جميلة كانت تنفذ خطوات الخطة التى وضعها محمود .. أخبرت جميلة والدها أنها ترغب فى كسر الملل الذى تعيش فيه و تشاهد الناس و تتعامل معهم .. أخبرته أنها ترغب فى الهروب من محبسها النفسى ..
لطالما كان يطلب منها الجزيرى ذلك كى تتحدى أزمتها و تتمكن من أن تخطيها و لكنها كانت تتملص منه فى كل مرة ، رحب الجزيرى برغبتها و عرض عليها أن يسافران للتنزه فى أوروبا ، لكنها نجحت للمرة الثانية على التوالى
فى أن تصيبه بالمفاجأة ..
طلبت منه جميلة أن يأخذها فى رحلة أستكشافية لـ ( مول المستقبل ) و لمراكز الصيانة بالتحديد بعد أن أخبرها بما حدث للروبوتات ..
لم يجد الجزيرى ما يمنع من موافقته على رغبتها و ايضاً لا تمنع موافقته من أن يبدى لها أندهاشه من تفضيلها ( مول المستقبل ) على السفر لأوروبا !!
****************
قام الجزيرى بزيارة مفاجئة لـ ( مول المستقبل ) برفقة جميلة .. كانت الزيارة حقاً مفاجأة لكل العاملين بالمول عدا محمود بالتأكيد ، و الذى كان ينتظر هذه الزيارة على أحر من الجمر .. أعترف محمود أمام نفسه أنه نجح فعلاً فى إدارة حالته النفسية لكنه فشل تماماً فى أدارة حالته العاطفية كما كان ينوى !
حدثت اللحظة المُنتظرة على شوق عميق و وصل الجزيرى مع جميلة لمركز الصيانة الذى يعمل به محمود ..
ظهر محمود للجزيرى فقام الأخير بتقديمه لجميلة ..
تلاقت نظراتهما فـ سرت قشعريرة فى جسد محمود و كأنه لمس سلك كهربائى عارى .. كان يبدو من الخارج ثابتاً لكن عيناه كانت تخبر بعكس ذلك تماماً !
بينما جميلة أستشعرت أنها ذاقت إكسير الحياة .. جريت فى عروقها أنتعاشة أشعرتها بأن مازال للحياة مذاق لذيذ .. لقد باحت عيناها بكل شئ !
كسر الجزيرى اللحظة التاريخية التى يمر بها كلاً من محمود و جميلة عندما سألهما : هل بينكما سابق معرفة ؟!
هنا أنتفضا الأثنان و أرتبكا .. برر محمود ما أصابه و قال للجزيرى :
هذا شرف بعيد المنال .. لكن أبنة حضرتك على وجهها أعتى آيات الجمال .. مما أجبرنى على الوقوف ساهماً .. ربنا يحفظها لحضرتك ..
**********************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الخامس
- 5 -
( مول المستقبل ) هو أحد أكبر مولات ( مدينتنا ) أن لم يكن أكبرهم بالفعل و لكنه أحدثهم تشييداً ، هو بالطبع يقع فى الجانب الشرقى ..
تم الإنتهاء من تشطيب الثلاثة طوابق الأولى من المول و تسليم المحلات المصنوعة بالكامل من الزجاج السيكوريت
لملاكها أو لمستأجريها على حسب التعاقد ..
أما بالنسبة للثلاث طوابق المتبقين لم يتم الإنتهاء من تشطيبهم بشكل كامل و تم تأجيل هذه المهمة سالفاً لأكثر من مرة ..
لقد وقع الإختيار من قبل رجال أعمال ( مدينتنا ) على ( مول المستقبل ) و بالأحرى تم الأتفاق على تخصيص هذه الطوابق الثلاثة المتبقية للمهمات المُقبلة ، من إقامة الدورات التدريبية إلى صيانة الروبوتات و .. إلخ .
بدأت تهيئة المكان كـ ورش فنية لممارسة الوظيفة الجديدة ..
صيانة الروبوتات ..
تم العمل على قدم وساق لإنجاز تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية فى زمن قياسى .. تم تكريس الوقت و مضاعفة المجهود حتى تم الإنتهاء بالفعل
من تنفيذ التصميم المعدل لهذه الطوابق بما يتماشى
مع المهمة الجديدة التى يتم تجهيزهم من أجلها ....... [المزيد]
التقليد الأعمى هو النقل الحرفى لكثير من أفعال دول الغرب و محاولة
تطبيقها فى مجتمعاتنا الشرقية رغم تناقضها معها و مع ذلك
تنال أعجاب الكثير و يدعموها !
التقليد المبصر هو مصطلح ظهر حديثاً فى ( مدينتنا ) و يعزى الفضل فى ذلك للجزيرى نتيجة أستبداله للعنصر البشرى بنظيره الألى و تحقيق أنتاج مضاعف لما كان عليه الوضع سالفاً فى مصنعه ..
مما حفز بعضاً من رجال أعمال ( مدينتنا ) للفكرة وراقت لهم كثيرآ بعد ضمان نجاحها من مراقبة تجربة الجزيرى ..
واحداً من هؤلاء الرجال الذين راقت لهم تجربة الجزيرى يدعى منير المنفلوطى و يمتلك مصنع التونة الشهير بـ ( مدينتنا ) و قد أستخدم حيلة خفض مرتبات العمال للنصف بـ داعى خسارة المصنع و عدم توافر بعض الخامات الأساسية مما أجبر عدد كبير من عمال المصنع على تقديم أستقالاتهم و الرحيل للبحث عن لقمة عيش فى مصنع أخر أو شركة أخرى ..
أما القلائل المتبقين و لم يغادروا المصنع فقد تمكن المنفلوطى من أقناعهم أن وضع العمل أصبح من سئ لأسوأ لا سيما بعد رحيل كم هائل من العمال و مغادرتهم المصنع مما أدى لشلل كلى فى دورة العمل ..
المنفلوطى كان يقلد الجزيرى و لكنه يقلد و هو يحسب جيداً لخطواته المقبلة حالماً أن يضاعف أنتاجه فـ تتضاعف ثروته دون الأهتمام لمن سيدهسهم فى طريقه لهدفه ، هو يؤمن فى أعماقه أن العواطف فى البيزنس تقضى على صاحبها و تعرقل خطوات تقدمه !
و عليه قام المنفلوطى بالتواصل مع نفس الشركة اليابانية التى تعامل معها الجزيرى و تعاقد معهم منير المنفلوطى على توريد روبوتات و لكن هذه المرة كانت بقيمة أثنان مليون دولار !!
التقليد سواء كان أعمى أو مبصر يتحول فى معظم النهايات لوباء ..
فهو يمر بمراحل تطور الفيروس من :
ظهور فأنتقال فأنتشار ثم توغل و أكتساح ..
ظاهرة أستبدال العنصر البشرى بـ روبوت بدأت فى الظهور بفضل الجزيرى ثم تطورت لمرحلة الأنتقال و فعلها المنفلوطى ، و أما من يتناول منه الشعلة و تبدأ مرحلة الأنتشار و التوغل ، أو وأد الفتنة فى مهدها و
وقف الزحف الألى على ( مدينتنا) ..
************
محمود كان قابعاً فى غرقته يجلس على كرسيه الخشبى الهزاز يهتز معه و هو ينظر إلى لا شئ .. يسبح بخياله فى أحلامه التى رسمها و بدأ فى تلوينها بمثابة حصوله على أول دفعة محولة لحسابه من الإعلانات الممولة التى جرت كنهر على صفحته و أغدقته بالأموال .. الأن يجلس شارداً مفعماً بالبؤس و يتمنى لو لم يكن قد عرف مذاق تخمة النقود ، فالجوع بعد شبع مؤلم أكثر من الجوع ذاته !
كان موعد الغداء قد حان فى منزل طايع و هذا يعنى أن الحاجة زكية تقف وسط الأبخرة الخانقة فى المطبخ تعد الطعام فى حين أن الحاج طايع فى وضعه الجديد يجلس ساهماً فى غرفة نومه يفكر طويلاً فى ماذا بعد أنتهاء مكافأة نهاية الخدمة التى عوض بها المنفلوطى أخر مجموعة رحلت من العمال
بعد تصفية المصنع و كان طايع واحداً منهم ..
ألتهم التفكير عقله و كان متخبطاً ماذا سيفعل الفترة المقبلة ، دار حوار ذهنى بداخل رأسه عبارة عن سلسلة من التساؤلات .. هل يقدم على فرصة عمل فى مصنع أخر و لكنه لا يدرى إلى أى مدى سينتشر وباء الروبوتات فقد يكتسح كل المصانع .. هل يفكر فى تبنى مشروعاً صغيراً يدر عليه دخلاً مادياً يتيح له المعيشة لكن أين المبلغ المالى الذى سيبدأ به ؟؟
تآكل عقله من الفكر حتى جاء صوت الحاجة زكية من الصالة .. الغدا جاهز يــا حااااج فأفاقه الصوت من كآبته .. ثم تكرر صوت الحاجة زكية و لكن هذه المرة كانت تنادى على محمود .. الغدا يـا فـااااااشــل ..
و هنا أنتبهت أن الكلمة فى هذا الوضع الذى يملؤه التوتر قد يتم ترجمتها خطئاً من قبل زوجها طايع .. خرج محمود أولاً من غرفته و ألتقى بوالدته و أثار قلقها أكثر و قال لها :
أبقى حددى بعد كدة و أنتى بتقولى يا فاشل
لحسن تتفهمى غلط .. دى فيها طلاق دى ..
ردت زكية بعد أن مطت شفتها السفلى فى أسى :
على رأيك بدل عاطل واحد بقوا أتنين ..
هنا خرج عليهم الحاج طايع فـ سـاد الصمت فى الصالة و جلس ثلاثتهم على طاولة السفرة يتناولون وجبتهم فى صمت تام على عكس الوضع سابقاً عندما كان يتناقش طايع فى أمور العمل مع الحاجة زكية ..
كسرت الحاجة زكية الهدوء المريع الذى سيطر على المكان و قالت للحاج طايع : بقولك يا حاج .. المعلم أبو كرش هيفتح محل جديد و محتاج محاسب شاطر يمسك حسابات المحل .. أيه رأيـ ـ ـ
و قبل أن تكمل زكية الكلمة كان وجه طايع قد أحتقن غيظاً و هو ينظر إليها فى زجر ، فقامت زكية عن مقعدها و هى تحمد الله فى أيحاء منها أنها قد أنهت طعامها و سدت جوعها ..
*******************
فى ظل الظروف العصيبة التى يمر بها منزل طايع حيث وجود رب الأسرة فى المنزل دون عمل يتطرق الأمر إلى مشكلات مفتعلة وغير مفتعلة و جو محمل بالأضطرابات يسود المنزل ، و عليه أضطر محمود أن يفعل أشياء على دون رغبة منه لكنه يعتبرها الملاذ للفرار من المنزل و الذى تحول لثكنة عسكرية ..
محمود يمقت مجالسة أصدقائه على المقهى حيث سحب كثيفة من أدخنة الشيش و السجائر و ضوضاء لعب الطاولة و هبد الدومينو و ما شابه ، لكن أصبح هذا الوضع بالنسبة له أهون من تواجده فى المنزل ..
أجرى خالد أتصالاً هاتفياً بصديقه محمود و هما صديقان منذ سنوات طويلة من الطراز اللذان قد لا تجمعهما الظروف لشهور و لكن عند لقائهما يبدوان و كأنهما كانا بصحبة بعضهما بالأمس و هو ممن هاجر إلى ( مدينتنا ) كما فعل محمود .. هذا الطراز من الصداقة الأصيلة موجود و منتشر و يفرض وجوده ..
عبر خالد فى أتصاله الهاتفى بمحمود عن أنه يرغب فى مقابلته على المقهى و هو يعلم أن محمود سيتملص منه لذلك أخبره أن هناك أمر هام يتعلق بحياته يود أخباره به على سبيل الفضفضة ..
لم يضيع محمود هذه الفرصة حيث أصبح
ما كان يفر منه سابقاً هو فرصة يجب أن تقتنص حالياً !
أستجاب محمود لرغبة صديقه و ذهب للمقهى الذى ينتظره فيه خالد و بالفعل وجد خالد فى أنتظاره فهو من طراز نادر من الأصدقاء و الذى يلتزم بمواعيده ..
بعد العناق و القبلات جلس محمود بصحبة صديقه خالد و هو يسأله الأسئلة الروتينية عن أخباره و أحواله و أسرته فجاء رد غير روتينى من خالد و أخبر محمود أنه أنفصل عن زوجته و طلقها و ترك معها الأولاد .. هذه الكلمات صعقت محمود لأنه يعرف أن خالد أنضج صديق له و يمتاز بالحكمة و لديه قدر وافر من الدبلوماسية ، لكن برر له خالد أن ظروف المعيشة باتت صعبة و متطلبات و أحتياجات أسرته تتفاقم و لم تتحمل زوجته الوضع المادى و الذى أصبح غير ملائم للظروف المعيشية المستجدة فطلبت منه الطلاق و هو قد لبى ..
واساه محمود و أبدى حزنه على ما حدث له و أيقن محمود فى أعماقه أنه ليس الأسوأ حظاً فى هذا العالم .. سأل خالد صديقه عن أحواله و عن ( موطن الفاشلين ) الذى فشل ، أجابه محمود بحمده لله على كل حال و أخبره أنه لا يرغب التحدث فى هذا الأمر ، جبر خالد خاطره ببعض العبارات التى تقال فى مثل هذه المواقف مثل ربنا يعوضك و ربنا يوفقك و جمل من هذا القبيل .. ثم أستأذن خالد ليذهب للحمام كى يلبى نداء الطبيعة ، فى حين فتح محمود هاتفه و أستغل مجانية الواى فاى المتاحة بالمقهى و فتح الفيس الخاص به على سبيل التسلية إلى أن يعود صديقه ..
شرع محمود فى تفقد الفيس و أخذ يقلب فى بوستاته دون أكتراث إلى أن يعود خالد ، تارة يقرأ بوست لأحد الأصدقاء و تارة أخرى يفوت العشرات من البوستات حتى أستوقفه بوست ليس لأصدقاء الصفحة و لكن كان لـ ( وردة الجنة ) و كان محمود قد أصر على متابعة صفحتها عندما أكتشف عدم أمكانية أضافتها كصديق و قد أغلقت هذه الصلاحية عن عمد ، كان البوست حزين فكانت
( وردة الجنة التى ذبلت فى جحيم الحياة ) قد أدرجت على صفحتها بوست لأحياء الذكرى الخامسة لوفاة والدتها و كانت تدعى لها بالرحمة و تطلب من قارئى البوست فضلاً و ليس أمراً أن يدعون لوالدتها و أن يصبر الله قلبها المكلوم .. أدرك محمود أن هذه فرصة ثمينة و مدخلاً جيداً لتوطيد التعارف بينهما و عليه أرسل لها رسالة كتابية يعزيها فيها و يناوشها لجذب الكلمات منها فكتب لها بعد تقديم واجب العزاء و الدعاء :
يبدو أنك أكتسبتى هذا الأسم المستعار منذ خمس سنوات ..
فتم الرد برسالة كتابية : أنا بحب الذكاء مش الأستذكاء ..
عاد خالد و جلس على مقعده دون أن يشعر به محمود ، كان الأخير منهمكاً فى مناوشته مع وردة الجنة و مازال جهله بعالم وردة الجنة مستمراً إلى أن أنتزع منها أعترافاً أن حقاً لوفاة والدتها نصيب كبير من أتخاذ أسمها المستعار ..
طال الحوار بينهما حتى مل خالد من الجلوس بمفرده فصاح فى محمود و طلب منه ترك هاتفه فهذه المقابلة تتكرر بينهما على فترات متباعدة ، أعتذر له محمود و طلب منه أن يمهله دقائق فقد أقترب من معرفة أسم الفتاة , فتعجب خالد وسأله أى فتاة التى تتحدث معها و أنت عدو للجنس الناعم بجميع أعماره ؟!
لم ينتبه محمود أصلاً لتنمر خالد عليه و غرق فى المحادثة مرة أخرى و قد وصلت لذروتها عندما سأل الفتاة عن أسمها الحقيقى و قد أشارت له فى معمعة المحادثة أنها ستخبره به ، لقد أنسجم الحوار بينهما فكان محمود يجيد فن أدارة الحوار .. هو يحملق فى الشاشة لملاحظته أنها تكتب له بعد أعادة سؤاله لها عن أسمها .. كان ينتظر و كله لهفة لمعرفة أسم هذه الفتاة و التى تبدو له أنها مختلفة عن باقى جنسها .. توقفت عن الكتابة و ظهر الرد فجأة أمامه ..
أسمى جميلة .. جميلة الجزيرى ..
مازالت هذه الفتاة قادرة فى نهاية كل محادثة مع محمود على أن تتركه و هو يحدق لشاشة موبايله و عيناه مفتوحتان عن أخرهما ..
*********************
مضت شهور قليلة على خطوة الجزيرى الجريئة فى أستبدال العنصر البشرى بنظيره الألى .. شهوراً قليلة كانت كفيلة لأن تحول الفيروس لوباء .. لقد أكتسحت الروبوتات جميع مصانع و شركات الجانب الشرقى فى ( مدينتنا ) و تم تسريح العاملين بهذه الكيانات مما تسبب فى أحتقان الوضع فى الجانب الغربى و تحويله لكتلة غاضبة عاطلة ..
بات الوضع سيئاً للغاية بعد أن طبق رجال أعمال المدينة نظرية مضاعفة الأنتاج بأستخدام الروبوتات و فضلوا مصالحهم الشخصية على حساب العمال و الموظفين أصحاب البيوت ..
تحول الوضع فى الجانب الغربى لبركان خامد لكن بدأ يوحى ظاهره بما فى باطنه كان جوفه يفور بحمم الغضب التى تحفر لنفسها مخارج لتنطلق منها و تخرج عن سكونها ..
الصورة العامة للوضع فى الجانب الغربى بالأحرى فى هذه الفترة بعد أن بات الوضع الأقتصادى خيالياً و أصبحت الأسعار حرة طليقة لا يسيطر عليها أحد و تتنامى بتضخم مرضى ملحوظ ، أصبح الحال عبارة عن تزايد فى عدد حالات الطلاق .. بدء ظاهرة العنف التى تتطور للجريمة فى أحياناً كثيرة .. ظهر عم ضياء مرة أخرى الذى لا يكف عن الأعتراض و حث المتضررين الذين يقعون فى طريقه على المطالبة بتغيير الأوضاع .. ظهر العديد من الشخصيات أمثال عم ضياء و سلكوا نفس الأتجاه و أنشغلوا بالبحث عن المتضررين لحشدهم .. كان التجاوب معهم أيجابياً للغاية فكان مواطنين الجانب الغربى على أهبة الأستعداد النفسى للثورة ، فقط كانوا ينتظرون من يحركهم و يوجههم ..
أتفق عم ضياء و أمثاله من مجلس قيادة الثورة فى ( مدينتنا ) على حشد مواطنين الجانب الغربى فى ( ميدان العاصمة ) و هو أكبر ميدان فى الجانب الشرقى و يسع لأكثر من عشرة ألاف شخص ..
هكذا دغدغ مجلس قيادة ثورة ( مدينتنا ) الطبقة السطحية لبركان الغضب لدى المواطنين مما أدى لتهتك قشرة الصبر لديهم فأنطلقت حمم الغضب لتملأ الأجواء و تم بالفعل فى اليوم الذى تم تحديده من قبل ( مجلس قيادة ثورة المدينة ) الحشد و التجمهر للأعتصام فى ( ميدان العاصمة ) مما دق ناقوس الخطر و بشدة فى الجانب الشرقى فأدى ذلك لزلزلة أرض الأستقرار تحت أقدام رجال أعمال ( مدينتنا ) و بدأ مواطنين الجانب الشرقى يطالبون بحفظ الأمن و الأمان للجانب الشرقى و للمدينة بأكملها بعد أن أنتقل التوتر و القلق من الجانب الغربى للجانب الشرقى ليعم المدينة بأكملها و قد حذر العديد من مواطنيها العقلاء و أكدوا على ضرورة السيطرة على الوضع قبل أن تنتشر الفوضى فتطول كل مكان !!
*******************
تحركت قوات الشرطة من مركز شرطة ( مدينتنا ) و أتجهت إلى ( ميدان العاصمة ) بالجانب الشرقى فور وصول البلاغ الأول عن وجود أعتصام بالميدان الرئيسى للمدينة و قد تم أعلان المعتصمين عن أستمرار الأعتصام لأيام أو لأسابيع و ربما لشهور و هذا يتوقف على مدى الأستجابة لمطالبهم ..
بدا ذلك جلياً من اليفط التى يرفعها المعتصمين .. مئات البلاغات توالت تباعاً على مركز الشرطة مما دعا لطلب تعزيزات أمنية تحسباً لأي تطورات قد تطرأ ..
وصلت قوات الأمن للميدان و قد بدا المشهد مهيباً بالنسبة لهم لذلك تم الأتصال بالقيادات لتعجيل التعزيزات الأمنية ، كما حضر عدد لا بأس به من رتب أمنية لمحاولة أحتواء الوضع القائم .. تم مخاطبة ألاف المعتصمين مرات عديدة و لكنهم لم يستجيبوا لفض الأعتصام و عرضوا مطالبهم بكل سلمية و شرطهم الوحيد لفض الأعتصام هو تلبية مطالبهم و هو أيضاً مطلب وحيد وهو أيجاد مصدر رزق أخر بدلاً من الذى خسروه .. أمرتهم القوات الأمنية بالتفرق و سيتم بحث المشكلة مع المسؤلين و أيجاد حل فى أقرب فرصة لأن حلول مثل هذه النوعية من المشكلات يتطلب بالتأكيد لأكثر من يوم و أكدوا لهم أنهم لم و لن يوافقوا على أستمرار الأعتصام فى الشارع لأنه يهدد الأمن العام ..
لم يبالى المعتصمين بالكلام بل أكدوا أنهم لن يعودوا لمنازلهم إلا بعد الألتزام أمامهم بوعود حقيقية واقعية تضمن لهم توفير فرص عمل
تعينهم على المعيشة ..
لم يكن أمام القوات الأمنية خيارات ، فكان الأمر محسوماً لهم فالمعتصمين ليس لهم أى أغراض غير مقبولة كما أنهم سلميين و يحافظون على ذلك فلا خيار أمامهم أذن غير الأجتماع بكبار رجال أعمال المدينة المتسببين فيما وصل إليه الوضع الراهن لألزامهم بأيجاد حل يطفأ لهيب الغضب الذى أصاب المعتصمين ..
بالفعل بعد مرور ساعاتان تم عقد أجتماع عاجل بفيلا أحمد الماظة بحضور كلاً من رجل الأعمال الجزيرى و رجل الأعمال المنفلوطى و عدد لا بأس به من رجال أعمال المدينة المساهمين فى أضطراب الوضع الراهن , و حضر الأجتماع عدد من القيادات الأمنية العليا و التى دعت لهذا الأجتماع و قد لخصوا للحضور من رجال الأعمال الوضع الحالى و المستقبلى لأمن المدينة فلابد من إيجاد حلول جذرية و سريعة لمعاونة المتضررين بدلاً من تطور الأمور و اللجوء لتدخل مكاتب العمل من خارج المدينة و فرض عقوبات قد تغرمهم بتعويضات كبيرة مما يؤدى لعرقلة عجلة العمل بمصانعهم و شركاتهم ..
بعد شد و جذب بين الطرفين .. طرف رجال الأعمال و الطرف الآخر و هو القوات الأمنية و قد شاعت موجة غضب بين رجال الأعمال لما أعتبروه من تهديد صريح لهم و كادت أن تتدهور لغة الحوار و التفاهم بين الطرفين لكن كان فى كلاً من الطرفين رجلاً رشيداً أستطاع ان يتمسك بنقط التفاهم فى الحوار و وصلوا لضرورة إيجاد فرص عمل بديلة للمعتصمين و لكن طلب الرجل الرشيد فى رجال الأعمال و كان أحمد الماظة من الرجل الرشيد فى قوات الأمن أن يمنحوهم أسبوعاً على الأقل ليتمكنوا من حل هذه المشكلة ..
وافقت القوات الأمنية و لكنها أشترطت على بعض رجال الأعمال مرافقتهم لموقع الأعتصام للتأكيد على جدية حل المشكلة أمام المعتصمين و بالفعل كان الرجل الرشيد فى القوات الأمنية رشيداً و مقنعاً لثوار لقمة العيش حيث تعهد أمامهم أنه فى غضون أسبوع سيتوفر حل مرضى للجميع و عليه فيتوجب عليهم فض الأعتصام و أن يعودوا أدراجهم لمنازلهم و إن لم يحدث تغيير بعد أسبوع و هذا مستحيلاً .. فهم يعرفون طريق الميدان فلهم الحق للأعتصام وقتها و سيكون أعتصامهم تحت حماية القوات الأمنية !!
بعد الخطبة المعسولة من هذا القائد و بعد تأكيد رجال الأعمال الحاضرين على كلامه لم يكن أمام الثوار أى أختيار غير الإستجابة لمناشدة القائد الأمنى و بالفعل بدأت جموع المتضررين فى التفرق شيئاً فشيئاً حتى تلاشت تماماً فعادت للميدان رئته ليتنفس بحريته مرة أخرى ..
هم رجال الأعمال أيضاً بالرحيل و كذلك قوات الأمن ، فعزم أحمد الماظة على الجزيرى بتناول فنجان قهوة بمكتبه الخاص فى فيلته بأرض الرخاء فرحب الجزيرى بذلك و أستقل الماظة سيارته برفقة الجزيرى و توجها إلى أرض الرخاء مع سماع أغنية لكوكب الشرق و كلاً منهما يحمل سيجار سميك بين أصبعيه فى أنسجام مع الجو العام حتى تفاجأ الماظة بظهور مفاجئ لسيارة حاولت تفادى التصادم معه و توقفت على فاصل سم واحد تقريباً مع سيارته ، نزل من السيارة المتهورة شاب قد ضربه مخدر الحشيش بقوة و يؤكد هذا سيجارة الحشيش التى نزل بها و نزلت من سيارة الشاب فتاة شبه عارية تترنح أثر سيجارة حشيش أيضاً كانت تسحب منها ثم تنفث سحب كثيفة من الدخان ، كان الشاب يقف فى حالة عدم أتزان و يوجه إتهامات بصورة غير لائقة لألماظة حتى نزل ألماظة من سيارته ليتحقق من الشاب المسطول لكن الجزيرى داخل السيارة كان قد تحقق بالفعل من هذا الشاب أنه .. نهاوند ..
نزل الجزيرى من السيارة و عيناه ثاقبتان لا يرفعهما عن نهاوند
حتى تلاقت نظراتهما ، هنا تحقق الماظة أنه نهاوند الجزيرى ..
الماظة بالطبع يعلم أن فيلا نهاوند تقع فى نفس محيط فيلته و الطريق المؤدى لكلا الفيلتين واحد لكنه لم يكن يعلم أنه سيقابله بهذه الطريقة و فى هذا التوقيت ..
نظرات الجزيرى لنهاوند كانت ثاقبة و مؤثرة بقوة سكب جردل من الماء المثلج على رأس نهاوند الذى أبتلع لسانه و تمنى
لو أنشقت الأرض من تحته و أبتلعته فى هذه اللحظة ..
أشاح الجزيرى بوجهه بما يعنى أنه ليس هناك فائدة ، ثم أدار ظهره لنهاوند و عاد للسيارة و هو يقول لألماظة :
يلا نمشى من هنا ..
*****************
كانت لأجابة فتاة ( وردة الجنة ) على سؤال محمود عن أسمها
واقع السحر عليه .. هو لم يتوقع أطلاقا أن ( موطن الفاشلين ) المنهار كان يخبئ بين مواطنيه شخصيات بارزة أمثال أبنة الجزيرى أنجح رجال أعمال ( مدينتنا ) .. راودته الأسئلة و سيطرت عليه الحيرة و سأل نفسه كيف لهذه البرنسيسة أن تطأ قدميها أرض الفقراء و البائسين الفاشلين
و تتعامل على أنها واحدة منهم ؟؟
هل جميلة تعمل صحفية أم أنه فضول منها أو قد يكون بدافع التسلية أم أن هناك أغراض أخرى لم تفصح عنها بعد ؟؟
كان يسأل دون أن يتلقى أي أجابة و مع ذلك أستمر هذا التحقيق الذاتى لكنه أنتبه و أجاب على واحد من عشرات الأسئلة التى وجهها لنفسه و أخبر نفسه أنها كانت تشارك ببوستات عديدة و كانت البوستات يشوبها الحزن و يتخللها بصيصاً من الأمل ، فعاد يحلل الموقف و لكن بأسئلة جديدة فيسأل ذاته كيف لهذه الفتاة و العالم بين يديها أن تكون حزينة بائسة
و تشعر بالأمان فى ( موطن الفاشلين ) !!
هى غامضة و كان لغموضها الفضل فى خلق كيمياء من المشاعر و الأحاسيس بداخله تجاهها و تتطور طرديا مع كل محادثة معها ، لكن الأن بعد معرفة أنها من الجانب الشرقى و بالأحرى أبنة رجل الأعمال الناجح الجزيرى ، فلابد من ترجيح كفة المنطق على كفة الكيمياء التى تكونت بداخله حتى
لا يرسب فى هذا الأختبار .. أختبار جميلة الجزيرى ..
بعد هذا التحقيق المجهد الذى قام به محمود مع ذاته قرر أستدعاء الطرف الأخر لسماع أقواله ليهتدى لحقيقة الأمر فى قضيته الخاصة .. بالفعل فتح محمود الماسنجر و دخل مباشرة على المحادثة الخاصة بجميلة و لحسن الحظ كانت النقطة الخضراء بجانب أسمها مضيئة مما حمسه على فتح المحادثة و محاورتها و مازالت الأسئلة طازجة برأسه ..
ألقى السلام أولاً فـ ردت جميلة السلام ثم أرسلت له أيموشن ضحك فأرسل إليها أيموشن تعجب فأجابته بسؤال و كتبت له :
أين ذهبت بعد معرفة أسمى ؟ أنا ظننت أنك قرأتها لوسيفر و ليس جميلة .. و كان هذا سبب فزعك !
فأجابها : كيف ملاك مثلك يقارن ب شيطان .. و بدأ تجاذب أطراف الحديث حتى وصل محمود لنقطة مناسبة لأنطلاق أسئلته و عند هذه اللحظة أنهال محمود على جميلة بحيرته و تخبطه و كان ينتظر الهداية فى أجاباتها ليهدى ضالته ..
أخبرته جميلة أن ليس للثروة و لا للجاه مذاق بعد فقدان والدتها لا سيما فى حالتها و قد كانت والدتها هى الدنيا و ما فيها .. كانت فى ناظريها الثروة و القوة و الحنان و الأمان .. كانت الصديقة و الأم و الأخت و السند كانت مرتبطة بها أرتباط مرضى , لذلك لم تتحمل مغادرتها للحياة و لم تقوى على مفارقتها .. كان لخبر الوفاة أثر قوى عليها أدى وقتها لأرتفاع ضغط الدم مما زاد من التأثير و الضغط على الأوعية الدموية فوصل الأمر إلى تمزق الأوعية الدموية مما أدى لأصابتها بالشلل و أخبرته أنها أصبحت بعدما فقدت والدتها
جليسة كرسى متحرك !
مازالت جميلة قادرة على جعل محمود فى نهاية كل محادثة معها أن يحدق لشاشة موبايله و عيناه مفتوحتان عن أخرهما !!!
*******************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الثالث
- 3 -
التقليد الأعمى هو النقل الحرفى لكثير من أفعال دول الغرب و محاولة
تطبيقها فى مجتمعاتنا الشرقية رغم تناقضها معها و مع ذلك
تنال أعجاب الكثير و يدعموها !
التقليد المبصر هو مصطلح ظهر حديثاً فى ( مدينتنا ) و يعزى الفضل فى ذلك للجزيرى نتيجة أستبداله للعنصر البشرى بنظيره الألى و تحقيق أنتاج مضاعف لما كان عليه الوضع سالفاً فى مصنعه ..
مما حفز بعضاً من رجال أعمال ( مدينتنا ) للفكرة وراقت لهم كثيرآ بعد ضمان نجاحها من مراقبة تجربة الجزيرى ..
واحداً من هؤلاء الرجال الذين راقت لهم تجربة الجزيرى يدعى منير المنفلوطى و يمتلك مصنع التونة الشهير بـ ( مدينتنا ) و قد أستخدم حيلة خفض مرتبات العمال للنصف بـ داعى خسارة المصنع و عدم توافر بعض الخامات الأساسية مما أجبر عدد كبير من عمال المصنع على تقديم أستقالاتهم و الرحيل للبحث عن لقمة عيش فى مصنع أخر أو شركة أخرى ..
أما القلائل المتبقين و لم يغادروا المصنع فقد تمكن المنفلوطى من أقناعهم أن وضع العمل أصبح من سئ لأسوأ لا سيما بعد رحيل كم هائل من العمال و مغادرتهم المصنع مما أدى لشلل كلى فى دورة ....... [المزيد]
: - 4 -
داخل سيارة الماظة لم يكن الوضع كما كان عليه قبل الظهور المفاجئ لنهاوند ، كان الماظة يقود فى صمت و بجانبه كان يجلس الجزيرى
كـ صنم .. لا ينطق و لا يحرك ساكناً.. فقط جفنه يمارس وظيفته و هذا كان الدليل الوحيد على أن الجزيرى ما زال على قيد الحياة ، حاول الماظة الأطمئنان على صديقه الذى أثار قلقه و لكن دون جدوى ، لم يستغرق الماظة وقتاً طويلاً للوصول لفيلته .. ركن سيارته و هو ينظر للجزيرى و قال له متصـعباً : طيش شباب يا صديقى و مصيره يعقل ..
تعالى ندخل نضرب فنجانين قهوة من البن المخصوص بتاعى ..
نزل الماظة و تبعه الجزيرى بخطوات ثقيلة و كأنه منوم مغناطيسياً و قبل أن يصل الماظة لبوابة الفيلا الرئيسية الضخمة الفخمة ، فتح هاتفه و أستخدم أبلكيشن خاص بالأكرة الديجيتال المثبتة بهذا الباب و تمكن من خلاله من فتح الأكرة فدخل الأثنان بمجرد وصولهما للبوابة ..
و بسقفة بسيطة مفتعلة من الماظة تم أضاءة الأنوار
و دبت الحياة فى الفيلا ..
كان - السمارت هوم سيستم - هو النظام الدارج فى فيلات الجانب الشرقى ، دخل الماظة مكتبه برفقة الجزيرى و بنفس السقفة البسيطة تم أنارة المكتب بالكامل و تشغيل التكييف و عودة الحياة للمكان تأهباً لراحة و رفاهية أصحاب المكان ..
هنا تمتم الجزيرى بوجه شاحب و قال :
نظام السمارت هوم بيسمع كلامنا أكتر من عيالنا ..
و من غير ما نتكلم كمان ..
و الله و طمرت فيه المصاريف أكتر من خلفتنا !!
لم يتوقع الماظة خروج هذه الكلمات المرحة من هذا الوجه العبوس
فأنفجر فى الضحك ..
طلب منه الجزيرى أن يتناقشوا فى العمل و فيما حضروا من أجله ، حاول الماظة مع الجزيرى فى تلطيف الوضع بينه و بين نهاوند ، لكن تكشمت ملامح الجزيرى و قال فى صرامة لقد تبرأت منه ولا أرغب
فى فتح هذا الموضوع المنتهى مرة أخرى ..
من سمات رجال الأعمال .. فن أستثمار الوقت و عدم ضياعه فيما لا يفيد و بالأحرى عندما يكونون ناجحين أمثال الماظة و الجزيرى ..
قال الماظة مخاطباً الجزيرى و هو يرشف من فنجان القهوة :
كانت تراودنى فكرة بعد أدخال الروبوتات فى مصنعك و لم تسنح الفرصة لمناقشتها معك و لكن جاء أوانها ..
نظر له الجزيرى فى أهتمام و قال له : عظيم البن الكولومبى دة !
و طلب من الماظة أن يستعرض فكرته ..
الماظة : لابد من تخصيص مكان يتم فيه إعداد دورات تدريبية على يد خبراء يابانيين لأحتراف صيانة الروبوتات تحسباً لأى أعطال ستحدث للروبوتات ، و بدلاً من أستغراق وقتاً طويلاً لصيانتها من قبل الشركة الموردة .. يحترف شباب المدينة هذه المهارة .. هذا سيجدى نفعاً كبيراً لمصانع و شركات المدينة و سيحل نسبة
ليست بهينة من مشكلة البطالة التى ضربت ( مدينتنا ) ..
رد الجزيرى و قد بدأت الفكرة تختمر برأسه :
الفكرة جيدة لكن التكلفة لن تكون كذلك ..
أنهى الماظة فنجانه ثم قال للجزيرى :
تكلفة الدورات التدريبية سيتحملها المواطنيين الراغبين فى شغل الوظيفة التى سينالوها بعد تخطى أختبار هذه الدورات .. أما بالنسبة لتخصيص مركز للصيانة و تهيئته لمثل هذه الوظيفة الجديدة بتفرعاتها و صرف مرتبات شهرية للموظفين .. هذا سيتم مناصفة بين رجال أعمال المدينة الذين قاموا بأستبدال العنصر البشرى بروبوت و هذا مقابل
صيانات دورية شهرية لكل الروبوتات العاملة بكياناتهم ..
رد الجزيرى و بدأ يهيمن عليه التردد : مجرد صيانة الروبوتات قد لا يحفز الكثير من رجال الأعمال للفكرة .. فالروبوتات مازالت حديثة
و بحالة الزيرو .. ما الذى يدفعهم لهذه التضحية ؟
رد الماظة دون تردد : هذه التضحية المادية البسيطة أهون من التضحية بالكيانات نفسها .. اليوم تمكنت القوات الأمنية من السيطرة على الوضع و أحتواء الموقف , ناهيك عن التهديدات الأمنية من التدخلات الخارجية .. غدا لا يعلم أحداً ماذا ستكون العواقب أن لم نقدم حلولاً سريعة ، حتى لو رُفضت لكنها ستكون بمثابة مسكنات للمواطنين .. أو قد تلاقى الفكرة قبولاً فتحقق إقبالاً و تكون علاجاً شافياً للمدينة ..
و أضيفك من الشعر بيت .. أنا أخطط لأن تتطور مراكز الصيانة لمراكز تصنيع روبوتات جديدة لتصبح هذه الروبوتات فيما بعد واحدة من صادرات ( مدينتنا ) و فى المستقبل القريب !
******************
سقطت الكرة عن عمد فى ملعب رجال الأعمال ، كان يتحتم عليهم جميعاً تكوين فريقاً واحداً لمجابهة مشكلة البطالة التى فرضوها على المدينة دون عمد .. و كان يتحتم عليهم أيضاً أحراز هدفاً فى وقتاً مبكراً قبل الوصول للوقت الضائع فيضيع معه الجميع ..
تواصل الماظة هاتفياً أثناء أجتماعه بالجزيرى بمجموعة رجال أعمال المدينة بحكم معرفته بهم جميعاً منذ أن أبتاعوا منه منشئاتهم و فيلاتهم ..
أخبرهم أن غداً سيتم عقد أجتماع عاجل مع جميع رجال أعمال المدينة فى مكتب الجزيرى بمصنعه و أكد عليهم أهمية الحضور ..
و بالفعل فى اليوم التالى و فى مكتب الجزيرى تم عقد أجتماع مغلق و تم فيه طرح مشكلة البطالة فى ( مدينتنا ) بأبعادها الخطيرة و ضرورة ألتزامهم بالوعد الذى أخذوه على أنفسهم أمام القيادات الأمنية ، لحسن الحظ لم يكن لديهم أى أفكار أو أى حلول للموقف المفاجئ الذى تورطوا فيه , لذلك كان الطريق ممهداً أمام الماظة لعرض الفكرة الوحيدة لديهم فى الأجتماع ، رغم أقتناع الكثير من الحاضرين لكن خرج عليهم بعض المتمردين و بشدة على تحمل مرتبات شهرية دون الإستفادة القريبة من هذه التكاليف ، هذا ما توقعه الجزيرى و قد أخبر به الماظة بالأمس .. لذلك جائت لحظة تدخله و كانت حاسمة فجذب أنتباه الحاضرين أن جميعهم ساهم فيما وصل إليه الوضع الراهن لذلك عليهم تحمل أعباء تجاوز هذه المحنة ، كما أخبرهم الجزيرى أن هذا الحل لا يتسبب فى الخسارة بل فى المكسب البعيد و قد يكون أتقانه السبب
فى فتح طاقة القدر و الخير للجميع ..
ما بين مؤيد و معارض و بعد أن طالت المباحثات و المداولات ..
لكن فى نهاية المطاف أقتنع جميع الحاضرين من رجال الأعمال من خطورة الموقف الذى يمرون به و من ضرورة تقديم حل سريع
حتى لو كان فنكوشاً ..
*******************
التكنولوجيا سلاح ذو حدين و بالأحرى عالم الأنترنت ، فعلى سبيل المثال لا الحصر .. الواتس آب .. جروبات الواتس آب تمكنك من مخاطبة عدد هائل من الناس و بأقل مجهود ، و تتمكن من أخبارهم بما تريد وقت ما ترغب و دون فرض قيود عليهم بألزامهم بالحضور
فى مكان و زمان محددان ..
عند أستخدام الحد النافع لسلاح الأنترنت داخل ( مدينتنا ) يصبح الأمر سهلاً ، قام الماظة بتسخير جروب الواتس الخاص بالمدينة ليكون المايك الذى يخاطب من خلاله مواطنى ( مدينتنا ) لتصل الرسالة لآلاف المواطنين من قاطنى المدينة ..
نوه أولاً الماظة على الجروب أنه فى خلال ساعة سوف يتم أذاعة فيديو تم تسجيله من قبل رجال أعمال المدينة يتم فيه شرح الأتجاه الجديد الذى يسعون فيه لتحقيق التوازن فى المدينة قدر المستطاع ..
وبالفعل بعد حوالى ساعة كان ٩٠٪ من أعضاء الجروب ينتظرون على أحر من الجمر مشاهدة هذا الفيديو الذى توقعوا
أن يكون لهم طوق النجاة ..
تم تشيير الفيديو على الجروب و تم النقر عليه ألاف النقرات من آلاف الأشخاص المتلهفين لمشاهدة الفيديو ..
كان الآلاف يتابعون فى نهم و كأنهم يشاهدون المبارة الفاصلة لصعود منتخب مصر لكأس العالم !!
أنتهى عرض الفيديو و تمثل الوضع بين أعضاء الجروب و كأنهم معتقلين سياسيين فمن وجد فى نفسه القدرة على التقدم للدورات و شغل هذه الوظيفة كمن حصل على عفو رئاسى و عاد للحياة ، و من لم تتناسب أمكانياته سواء المادية أو المهنية مع هذه الفكرة عاد معبئاً بخيبة الأمل لمحبسه النفسى مرة أخرى و لكنه كان يترك بصمته الغاضبة
فى كومنت على الجروب ..
كان يتابع رجال الأعمال تطورات الأحداث بين المواطنين .. ما بين داعمين للفكرة و ما بين محبطين لها ، حتى داعمى الفكرة أنشقوا لمن رحب بها على حالها و لمن أرتبط ترحيبه بها إذا تحولت الدورات
لدورات مدعمة ..
حالة تخبط و أنقسامات ضربت مواطنى المدينة و لكن ماحدث كان بمثابة صمام أمان لرجال أعمال ( مدينتنا ) لأن فى التفرقة سيادة و سيطرة !
*****************
لم يخطئ المتنبى عندما قال ( مصائب قوم عند قوم فوائد ) ..
لم يكن محمود من المتضررين مما حدث فى مصانع و شركات الجانب الشرقى و لكنه سيكون من المنتفعين من الضرر الذى لحق بهم ..
كان محمود أول المتقدمين بتسجيل أسمائهم فى أستمارة الألتحاق بالدورات كما قام بأرسال الـ ( سى فى ) الخاص به على الأميل المذكور فى أخر الفيديو الذى قلب جروب المدينة رأساً على عقب ..
هو يدخر مبلغاً مالياً ليعينه على تكاليف الزواج حين يأتي النصيب و لكن نصيبه من العمل جاء أولاً ، فكان المبلغ المالى سنداً له ليبادر بتسجيل أسمه فى الدورة و يحجز له مكاناً فى حياته الجديدة ..
دبت الحماسة فى عروق محمود فأنتعش الأمل بداخله ، جائت هذه الدورات بمثابة طوق النجاة من الغرق فى بحر الفشل .. هذه الوظيفة فى صميم مجاله و ستنمى من مهاراته و يشعر أنه سيحقق فيها ذاته ..
تقمص محمود دور الطالب الذى موعد أمتحانه النهائى قد أقترب و عليه مراجعة كل ما مضى من دراسة و التجهيز و الأستعداد
للأختبار النهائى الذى سيرسم مستقبله ..
أعتكف محمود فى غرفته أياماً حتى تمكن من الأنتهاء من مراجعة ما درسه فى هندسة البرمجيات و مجال البرمجة و كل ما يخص هذا العالم .. بعد أن أنهى محمود الجانب النظرى كان عليه أن يمارس الشق العملى بل و يبرع فيه على سبيل التدرب ليثبت لنفسه أنه جدير بهذه الوظيفة الجديدة ، كان الجانب العملى بالنسبة له هو
أستعادة صفحته ( موطن الفاشلين ) ..
حاول محمود مراراً وتكراراً فك شفرة الحماية لصفحته المسلوبة لكن بائت كل محاولاته بالفشل ، لم ييئس محمود و حاول فى اليوم التالى و لكنه لم ينجح أيضاً و لكنه أحتفظ بأصراره لأيام حتى جاء يوم تمكن فيه من فك الشفرة و الأستحواذ على الصفحة و فرض سيطرته عليها مرة أخرى ..
أصيب محمود بنشوة النصر .. و ظل يردد فى همس :
لقد فعلتها .. لقد فعلتها ..
عزم محمود على تغيير أسم الصفحة من ( موطن الفاشلين )
لــ ( معاً نصنع النجاح ) ..
و كتب فى مقدمة الصفحة بالبنط العريض :
لكى تنهض لا بد من أن تسقط أولاً ..
*************
الفكرة المطروحة فى الفيديو المذاع على جروب ( مدينتنا ) نجحت فى تفتيت كتلة الغضب إلى بروتونات موجبة مجبورة و إلكترونات سالبة مقهورة ، كان محمود و أمثاله ممن سجلوا أسمائهم فى الدورات المقترحة يقومون بدور البروتونات ، أما من فقدوا المقدرة و لم تسمح لهم أمكانياتهم بالتسجيل و الألتحاق بهذه الدورات هم من يمثلون الألكترونات السالبة الغاضبة ، و هم شريحة عريضة من مواطنين ( مدينتنا ) و قرروا التعبير عن غضبهم مبدئياً على الجروب , بتوجيه رسالة صريحة لرجال أعمال المدينة أنهم يطالبون بفرصة تناسب أمكانياتهم و تتوافق مع ظروفهم و ليس شرطاً أن تخدم مصالحهم الشخصية
كـ فكرة مراكز صيانة الروبوتات ..
**********************
وصلت الرسالة لرجال الأعمال و الذين بدورهم كانوا يتابعون الموقف بشغف لرصد ردود الأفعال ، كان المأزق الذى وقعت فيه المدينة لا يحتمل البطء أو التطويل و لسوء الحظ لم يمتلك رجال الأعمال فى خزائن أفكارهم أى حلول أخرى فى هذه الفترة القصيرة ، لكن كان عليهم صد الإتهام المصوب إليهم من قبل إلكترونات المدينة و أن يتنصلوا أيضاً من مسئولية توفير فرصة ثانية مناسبة فى هذا التوقيت ..
لذلك أقترح رجال الأعمال بعد عقد أجتماع أخر و كان طارئاً ، فتح باب أستقبال أفكار مشاريع و سيتم عرضها على لجنة متخصصة و هذه اللجنة لها رؤيتها و من خلالها ستحدد المشاريع المثمرة و التى يمكن دعمها من قبل رجال أعمال المدينة لتنفيذها على أرض الواقع
مقابل نسبة من أرباح المشروع ستذهب لصالح
الداعمين من رجال أعمال ( مدينتنا ) ..
كان لهذا التصريح فى فيديو ثاني على جروب ( مدينتنا ) أثر بالغ على شريحة المعترضين .. فـ للوهلة الأولى شعروا أنهم تائهين هائمين على وجوههم و لكنهم أدركوا أن عليهم أن يشتغلوا على أنفسهم جيداً الفترة المقبلة بعد أن نجح رجال أعمال المدينة في
إسقاط و إبقاء الكرة فى ملعب هؤلاء المعترضين ..
*******************
أنتفع خالد مثل صديقه محمود من الزوبعة التى ظهرت فى ( مدينتنا ) و أنطبقت عليه أيضاً المقولة الشهيرة للمتنبى
( مصائب قوم عند قوم فوائد) ..
خالد يمتلك محل فى الجانب الغربى لبيع الأعلاف و الحاصلات الزراعية لكن سخونية الأسعار وصلت لدرجة الغليان فكانت
تكوى الجميع و لا تبرد .. مما أضعف الحركة الأقتصادية و ضرب الكساد الجانب الغربى و أصاب الركود المدينة بأكملها ..
تلفت أغلب البضاعة فى محل خالد و الباقى خسر فى ثمنه قبل أن يصيبه التلف و أصبح خالد فى عداد العاطلين ..
الفيديو الثاني الذى شيره رجال أعمال المدينة على الجروب كان له الفضل فى أن يدب الأمل و يجرى فى عروق آلاف المحبطين
و كان خالد واحداً منهم ..
لقد تقدم آلاف المواطنين بآلاف الأفكار لألاف المشاريع !!
كادت اللجنة المتخصصة و التى كونها فريق رجال أعمال المدينة لفحص أفكار المشاريع المرسلة و فلترتها ، أن تعلن أنسحابها من هذه المهمة لضعف الكثير من أفكار المشاريع المُرسلة و هناك الأكثر من الأفكار التى تخدم أصحابها و لن تجدى نفعآ للمدينة ، حتى سقطت فكرة مشروع خالد فى أياد اللجنة و هى التى دفعتهم لأن يتراجعوا عن ما كانوا ينوون ..
خالد خريج كلية زراعة بتقدير أمتياز و لكن عاكسته الظروف المفتعلة لأن يتعين معيداً بها و لكنه قدم مشروع تخرج كامل أبهر به أساتذته و لكن لم ينال تطبيقه عملياً أى أهتمام وقتها ..
دون أن يتكبد خالد عناء التخطيط لفكرة مشروع .. فقط أخرج نسخة من مشروع التخرج من درج مكتبه و أرسله على الأميل المذكور فى الفيديو ..
فحصت اللجنة مشروع خالد و الذى يوضح كيفية أستصلاح الأراضى الصحراوية لزراعتها من خلال تكرير مياه الصرف الصحى لأستخدامها فى الرى و كيفية أختيار البذور السليمة لتحقيق جودة المحصول و أوضح فى مشروعه المفصل ما يمكن زراعته فى الأرض الصحراوية مثل : البرسيم و الشعير و القمح و بعض الخضروات مثل الطماطم و الباذنجان .. و ركز خالد فى مشروعه على زراعة القمح ، فبجانب تكرير مياه الصرف الصحى للرى و أختيار البذور السليمة لم ينس أهمية إضافة السماد مثل الأسمدة النيتروجينية و الأسمدة الفوسفورية و أسمدة البوتاسيوم لضمان جودة محصول القمح ..
سبب جذب مشروع خالد لأنتباه اللجنة المتخصصة هو أن المشروع تنطبق مواصفاته على أرض المدينة التى يقطنون بها .. ما أكثر الأراضى الصحراوية داخل المدينة وخارجها مما يسهل تنفيذ فكرة مشروع خالد ، كما أنها أيضاً ستحتاج فى تنفيذها لعدداً هائلاً من المواطنين مما يبتلع نسبة ضخمة من البطالة فى المدينة .. كما أن نجاحها له بعد آخر جوهرى و هو تحقيق الأكتفاء الذاتى لـ ( مدينتنا ) من القمح ، العالم مقبل الفترة القادمة على أزمة قمح عالمية .. فيمكن الإستفادة من
فائض المحصول و تصديره لخارج المدينة ..
******************
تبدلت حالة محمود من شخصاً مفعماً بالفشل و اليأس لشخصاً أخر مشحوناً بطاقة أيجابية و ذلك بعد التسجيل فى الدورات المُعلنة ، و أرتفع معدل طاقته الإيجابية أكثر بعد أستعادة صفحته المُهكرة ..
تمكن محمود من إدارة حالته النفسية مرة أخرى و التحكم فيها ، هو الآن يسعى لأدارة حالته العاطفية و يسعى جاهداً للتحكم فيها .. لكن هذا لا يوقف رغبته الجامحة فى تناول هاتفه و فتح المحادثة الخاصة بجميلة و لاحظ محمود ظهور النقطة الخضراء بجانب أسمها لكن تحجمت رغبته الجامحة بمجرد أن فتح المحادثة .. و فقط ظل ينظر لها ساهماً !
ظهرت جملة فجأة مرسلة من جميلة و قد نجحت
فى أنتشال محمود من شروده ..
كتبت جميلة : مبرووك رجوع الصفحة .. و مبروك تغيير أسمها ..
لم يتوقع محمود الرسالة لأنه هو الذى يبادر بالمراسلة فى كل مرة ، لكن يبدو أن طاقته الإيجابية تجذب له كل ما هو أيجابى
فى الفترة الراهنة وفقاً لقانون الجذب ..
أخبرها أنه قام بالتسجيل فى الدورات التى يدعمها والدها و مجموعة رجال أعمال المدينة كما أخبرها أنه أستعد لها كى يكون في كامل فورمته المهنية .. كان يحكى و يستفيض دون أن يشعر ، جميلة كانت تقرأ كل كلماته فى إهتمام دون أن تقاطعه ..
محمود كان يشعر بالأرتياح و هو يسرد لها ما قام به الفترة الماضية و جميلة كانت تشعر بالأهتمام و الرغبة فى سماع المزيد ..
توقف محمود عن الكتابة فسألته جميلة : ماذا بك ؟؟
كتب لها محمود على أستحياء :
لقد طلبت منك سابقاً قبل ان أعرف أسمك ان أرى صورتك و قد رفضتى .. هل بعد أن عرفت أنك جميلة الجزيرى يحق لى أن أعيد طلبى ؟
و لو فعلت .. هل سيتغير موقفك ؟؟
لحظة صمت طالت دون أن يكتب الطرفان لبعضهما .. بدأ القلق يتسلل لقلب محمود فهو لا يرغب إطلاقاً فى أن يخسر هذه العلاقة ..
تفاجأ محمود بأرسال جميلة لصورتها !
لم يتوقع محمود المفاجأة .. و لم يتوقع الصورة عندما رآها ..
سطعت جميلة فى الصورة أمام ناظري محمود الذى لم يتوقع
أن يصل جمالها إلى هذه الدرجة !
كاد وهج جمالها أن يضئ الصورة ..
مما أجبر محمود كعادة جميلة معه أن تتركه يحملق لشاشة هاتفه
و عيناه مفتوحتان عن أخرهما ..
*******************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الرابع
- 4 -
داخل سيارة الماظة لم يكن الوضع كما كان عليه قبل الظهور المفاجئ لنهاوند ، كان الماظة يقود فى صمت و بجانبه كان يجلس الجزيرى
كـ صنم .. لا ينطق و لا يحرك ساكناً.. فقط جفنه يمارس وظيفته و هذا كان الدليل الوحيد على أن الجزيرى ما زال على قيد الحياة ، حاول الماظة الأطمئنان على صديقه الذى أثار قلقه و لكن دون جدوى ، لم يستغرق الماظة وقتاً طويلاً للوصول لفيلته .. ركن سيارته و هو ينظر للجزيرى و قال له متصـعباً : طيش شباب يا صديقى و مصيره يعقل ..
تعالى ندخل نضرب فنجانين قهوة من البن المخصوص بتاعى ..
نزل الماظة و تبعه الجزيرى بخطوات ثقيلة و كأنه منوم مغناطيسياً و قبل أن يصل الماظة لبوابة الفيلا الرئيسية الضخمة الفخمة ، فتح هاتفه و أستخدم أبلكيشن خاص بالأكرة الديجيتال المثبتة بهذا الباب و تمكن من خلاله من فتح الأكرة فدخل الأثنان بمجرد وصولهما للبوابة ..
و بسقفة بسيطة مفتعلة من الماظة تم أضاءة الأنوار
و دبت الحياة فى الفيلا ..
كان - السمارت هوم سيستم - هو النظام الدارج فى فيلات الجانب الشرقى ، دخل الماظة مكتبه برفقة الجزيرى و بنفس السقفة ....... [المزيد]
: - 6 -
خضعت الروبوتات ( المخبولة) و التى أصابها فيروس ( جنون الروبوتات ) و تم صيانتها على يد المهندس المصرى محمود طايع ، للمراقبة و الملاحظة أثناء عملها على حسب نوع النشاط الذى تم تسخيرها من أجله ..
يتم كتابة تقارير يومية بحالة هذه الروبوتات التى تعمل فى مصانع و شركات متنوعة بالجانب الشرقى لـ ( مدينتنا ) .. يتم أرسال هذه التقارير بصفة دورية لمكتب الجزيرى ليقوم بفحصها و دراستها و متابعة الحالة الفنية لهم .. مضى أسبوعان على صيانة الروبوتات المصابة و أنخراطها مرة أخرى فى العمل ، بعد الأطلاع على التقارير و الحالة العامة لهذه الروبوتات خلال الأسبوعان الماضيين .. سادت حالة من الأطمئنان و زادت الثقة في مراكز صيانة ( مدينتنا ) و بالأحرى أرتفع شأن محمود
مهنياً و أرتقت مكانته لدرجات أعلى ..
كانت هذه الثقة المستمدة من واقع الأحداث الماضية وراء الدافع فى أن يستقر الجزيرى بدعم من الماظة و المنفلوطى على أرسال إيميل للشركة اليابانية الموردة للروبوتات ، يكون فيه نص الرسالة لاذعاً ..
بالفعل تم أرسال الإيميل و كانت به عبارات زجر و توبيخ لما أرتكبه مهندسون شركتهم تجاه روبوتات ( مدينتنا ) مما أثر على عجلة الأنتاج !!
بعد ساعة زمن واحدة من أرسال إيميل مصرى يكشف التلاعب اليابانى .. تم الرد بـ إيميل يابانى لكشف سوء الفهم المصرى الذى وقع جراء ما حدث الفترة الماضية .. جاء نص الإيميل اليابانى كالتالى :
ما حدث كان ضمن خطة الدورة التدريبية .. و هذا كان يمثل الجزء الأخير من الأختبار الذى وضعه المدربين اليابانيين ..
*************************
داخل منزل طايع قد تغير الوضع فى أكثر من موضع ، بعد أن وافق طايع مرغماً من تلقاء نفسه على شغل وظيفة محاسب فى محل أبو كرش ..
كانت الحاجة زكية تقف كعادتها فى المطبخ وسط الأبخرة الكثيفة .. كانت الأغانى تصدح من غرفة محمود .. اللون الجديد الذى يصبغ الأغانى بغرفة محمود هو اللون الرومانسى .. لقد أستشعرت الحاجة زكية التغيير الذى طرأ على منزلها و أسرتها الصغيرة .. زوجها طايع يذهب مرغما للعمل مع شخص لا يطيقه و لكن هذا أفضل وضعا من البقاء فى المنزل دون عمل ، أبنها محمود قد تغير مزاجه و أصبح يستمع لأغانى رومانسية و هيمنت عليه حالة من الهيام و الغرام ..
لاحظت الحاجة زكية التغيرات التى طرأت على حياتها الأسرية ، لكن حالة محمود العاطفية قد أسترعت أنتباه والدته و شغلت مساحة كبيرة من ذهنها ..
أنهت الحاجة زكية طهى الطعام و خرجت من المطبخ و لم يأتى طايع بعد .. و هذا طبقاً لمواعيد العمل الجديدة بمحل أبو كرش ، تجولت بنظراتها فى المنزل و لم يكن معها فيه غير محمود .. لذلك لم تجد غير غرفة محمود تصلح لتطرق بابها و هى تنادى عليه أفتح يا مسهوك !!
فتح محمود باب الغرفة و هو يبتسم لها و قال : مسهوك أرحم من فاشل .. أمتى بقى هتفتكرى أن أسمى محمود .. دة أنتى اللى مسميانى !!
مددت الحاجة زكية ساقيها فوق سرير محمود و طلبت منه أن يخبرها عن مبرر للحالة العاطفية التى أصابته تزامناً مع الوظيفة الجديدة .. و سألته :
هل تحب صاحبة العمل الجديد ؟؟
فضحك محمود و قال لها : لا .. الأبنة !!
كاد محمود أن يفصح لوالدته عن الجزء الخفى فى حياته ، لكن كسر مجئ والده طايع هذه اللحظة و فض هذه الجلسة ، لا سيما و أن طايع كان فى حالة يرثى لها و كانت تصرفاته توحى بالغضب و كلماته
تؤكد بأنه مصاب بحالة نفسية مأزومة ..
سألته الحاجة زكية و قد تملكها القلق : مالك يا حاااج خير ؟
رد طايع بصوتاً أجش : و هيجى منين الخير و أنا شغال مع أبو كرش
اللى بالع فى كرشه كل الخير !
انا لا يمكن أكمل فى المحل دة ..
دة عايزنى أقبل أوضاع غلط فى الشغل و يقولى :
مشى حالك حالك يمشى .. أو امشى !!
***************************
كان الجزيرى يتفقد الجيميل و يستطلع الإيميلات المرسلة له ، فأستوقفه إيميل الشركة اليابانية ،
و قد جاء نص الإيميل المرسل من الشركة اليابانية كالتالى :
ما حدث كان ضمن خطة الدورة التدريبية .. و هذا كان يمثل
الجزء الأخير من الأختبار الذى وضعه المدربين اليابانيين ..
فذهب إليهم الرد على هذا الإيميل كالأتى :
و ماذا بعد أجتياز الجزء الأخير من الأختبار بنجاح ؟!!
فتم الرد من الشركة اليابانية على إيميل الجزيرى بمفاجأة جديدة :
تم أهداءكم دورة مكثفة مجانية فى كيفية صناعة الروبوتات ، هذه المنحة لفردا واحداً .. و ستقام الدورة بمقر شركتنا فى اليابان ..
برجاء التأكيد للتجهيز و شكراً لكم على تعاملكم معنا ..
تمكن اليابانيين من أرباك الجزيرى و أصابته بحالة من التفكير الضبابى ، تواصل الجزيرى هاتفياً بالماظة و المنفلوطى و عرض عليهم التطورات بشأن الشركة اليابانية ، فكان جوابهم حاسماً و قاطعاً بأستغلال هذه الفرصة أياً كانت نواياهم و أرسال المهندس محمود طايع للأستفادة من هذه الدورة و أن ينهل قدر المستطاع من خبراتهم لينقلها لزملائه فى مراكز صيانة ( مول المستقبل ) و بدء تنفيذ الخطوة المستقبلية التى طالما حلم بها الماظة منذ بادئ الأمر ..
*****************
كما أقر خبراء الحياة .. أن فى حياة كل إنسان موقف
لا تعود الحياة بعده كما كانت من قبل ..
ظهر أيضاً خبراء فى الحب و أفترضوا .. أن فى حياة كل أنسان شخص
لا تكون الحياة فى وجوده كما كانت من قبل ..
ظهور محمود فى حياة جميلة و كذلك وجود جميلة فى حياة محمود ،
أحدث فارقاً ظاهراً للجميع حتى لضعاف البصر ..
لقد غيرت جميلة أسمها المستعار ( وردة الجنة ذبلت فى جحيم الحياة ) بعد أن لازمها لسنوات .. ليصبح ( وردة الجنة تتفتح ) ..
ظهور محمود فى حياة جميلة كان له فضلاً كبيراً فى تبديل أسمها المستعار .. كما أن محمود قد صارح جميلة أن ظهورها فى حياته له الفضل أيضاً فى أن يغير أسم صفحته من ( موطن الفاشلين ) إلى ( معاً نصنع النجاح ) ..
و أخبرها أنه كان يقصدها عندما سجل الأسم الجديد
و أن - معاً - تعود عليهما هما الأثنان !!
كان محمود يعيش أزهى أيامه الرومانسية و لم يسبق له قط أن مر بمثل هذه الحالة أو تذوق مثل هذه المشاعر التى تغمره الأن ، و قد لاحظت والدته زكية ذلك و قد علقت عليه ..
كذلك جميلة كانت تنتابها حالة من الغرام كانت أقوى من
قدرتها على أخفائها أمام والدها الجزيرى ..
الجزيرى كان لا يصارح جميلة مباشرةً بما يلاحظه ، لكن كلماته كانت تؤكد لجميلة أن والدها على دراية كاملة
بالتغيرات التى طرأت على شخصيتها و حياتها ..
صرح لها عن سعادته لأقبالها على خطوة تغيير أسمها المستعار و أخبرها أنه سيكون أسعد لو أخبرته الدافع وراء هذه الخطوة الإيجابية ..
أكدت له جميلة أن لقانون الحياة قوة قادرة على تغيير البشر !
رد عليها الجزيرى بلهجة أصطناع التأثر :
أنتى محقة فى ذلك .. بمناسبة تغيير البشر .. لقد تغير محمود .. و قرر أن يتخلى عن مراكز صيانة المدينة و وافق على عرض الشركة اليابانية ، و سيسافر للإنضمام لفريق عملهم !
قالت جميلة فى فزع : متى حدث هذا ؟!!
أبتسم الجزيرى و قد لمعت عيناه .. فأنتبهت جميلة أن والدها قد لاحظ أرتباكها .. حاولت جميلة أحتواء الموقف و التشويش على أندفاعها لكن كانت محاولتها دون جدوى ..
************************
كان للجزيرى عينان أقرب لعينان الصقر فى حدتهما و عقل أقرب ما يكون لعقل الثعلب فى مكره .. لقد كان الجزيرى ثاقب النظر لدرجة مكنته من كشف بوادر الحب فى فؤاد أبنته جميلة ، و كان يمتلك من الدهاء
ما يكفى لمحاربة هذه العلاقة و وأدها فى مهدها ..
تواصل الجزيرى سراً مع الشركة اليابانية دون علم الماظة أو المنفلوطى ، و أرسل إليهم إيميل يعرض عليهم فيه تطبيق نظام الأحتراف فى الصناعة كما يحدث فى الرياضة .. أرسل إيميل بما يفيد أن يستقر محمود فى العمل لديهم مدة لا تقل عن ثلاث سنوات و فى المقابل يقوموا بأرسال مهندس يابانى خبير فى صيانة الروبوتات و تصنيعها ليحل محل المهندس المصرى بمراكز صيانة المدينة .. و أكد لهم أنه سيتحمل كافة التكاليف المطلوبة لأتمام هذه المهمة !!
جاء رد الشركة اليابانية من خلال إيميل و كان على النحو التالى :
لا مانع من تطبيق فكرة الأحتراف و الأعارة ، لكن يتحتم موافقة جميع الأطراف .. سوف نعرض الأمر على المهندس المصرى عند مجيئه و فى حالة موافقته فنحن جاهزين لأرسال أحد المهندسين اليابانيين الخبراء فى هذا المجال ..
***************************
عندما يكون نظام العمل فى سياق العمل الجماعى و يكون الفريق بأكمله على قلب رجلاً واحداً .. تكون المحصلة النهائية ممتازة ..
لقد أدى القائمين على مشروع أستصلاح الأراضى الصحراوية كل ما بوسعهم لأنجاز الإجراءات اللازمة لأنجاح هذا المشروع ..
تمكن الماظة و الجزيرى من تسخير علاقاتهم القوية المتشعبة فى خدمة مشروع الزراعة بالمدينة .. لقد تم الأنتهاء أخيراً من بناء محطة معالجة مياه الصرف الصحى فى مدة لم تزيد عن خمسة أشهر ،
و هذا زمن قياسى لأنجاز مثل هذه المهمة !
كما تم خلال هذه المدة الحصول على الأعتمادات الفنية بعد الإنتهاء من مرحلة الفحص من الجهات المسئولة ، وذلك للتمكن من أستيراد المعدات الكهروميكانيكية لأستخدامها فى المعالجة الثلاثية ..
تم فتح باب التقدم لشغل وظائف عديدة و متنوعة فى هذا المشروع العملاق الذى سيبتلع أعداداً مهولة من مواطنين ( مدينتنا ) و سيساهم بشكل كبير فى حل أزمة البطالة التى ضربت المدينة ..
بدأ الأستقرار يعرف طريقه لـ ( مدينتنا ) ، كان الهدف الأساسي الظاهر لهذا المشروع هو المساهمة فى حل مشكلة البطالة بالمدينة .. لكن لعب مفكرين و رجال أعمال المدينة على أتجاه أخر غير معلن و هو التركيز على زراعة القمح و لكن أيضاً أعطاء مساحة عادلة لزراعة بعض الحبوب و الغلال الأخرى الصحراوية و كذلك الخضروات مثل : البطاطا و القرع العسلى و الباذنجان و البصل و الملوخية و الخيار و الفلفل و أيضًا البطيخ و الشمام التى يمكن زراعتها فى أراضى المدينة الصحراوية ، و ذلك لتوفير السلع الإستراتيجية التى لا تمكنهم من تحقيق الإكتفاء الذاتى للمدينة فحسب بل و بدء مرحلة التصدير أيضاً و النهوض بأقتصاد المدينة ..
*****************************
بعد مرور شهر ...
كان محمود قد عاد من اليابان بعد أن أنهى بنجاح المأمورية التى تم تكليفه بها ، و عاد لينقل الخبرات التى أكتسبها من الخبراء اليابانيين لزملائه المبتدئين المصريين .. لم يكتف بذلك فحسب بل شرع فى أولى خطوات تصنيع الروبوت !
كان محمود يجلس على مكتبه الذى تم تخصيصه له منذ أن تولى منصب مدير مراكز صيانة ( مول المستقبل ) ، كان يأخذ قسطاً من الراحة مع الأستمتاع بكأس ملئ بعصير المانجو و تغوص فيه قطع من المانجو .. جال فى خاطره صديقه خالد فقرر أن يتصل به هاتفياً .. رد عليه خالد و على غير العادة بادر محمود و طلب منه أن يقابله على المقهى الذى يجتمعان فيه على فترات متباعدة .. لبى خالد طلب صديقه و أتفق معه محمود على الموعد و كان بعد ساعة من الأتصال الهاتفى فأخبره خالد أن لا بئس فالوقت مناسباً له ..
على المقهى كان يجلس محمود قبل الموعد المحدد .. دقائق و ظهر خالد و هذا يعنى أن الساعة قد دقت السادسة مساءً .. أيقن محمود ذلك بعد النظر فى ساعته فهو يدرك مدى مصداقية مواعيد صديقه خالد ، لذلك داعبه محمود بعد مصافحته و قال له : سأطلق عليك أسم خالد اليابانى لدقة مواعيدك !!
أبتسم خالد و قال له : أراك منبهراً باليابانيين بعد سفرك لبلدهم ..
و سحب كلاً منهما مقعداً و جلس عليه و طلب خالد من صديقه
أن يخبره بتجربته فى السفر إلى اليابان ..
كان محمود يسرد له و خالد يستمع له مستمتعاً بما يسمعه و أبدى أعجابه لمحمود بتجربة الروبوتات برمتها .. كان خالد منبهراً بالتطورات التى تحدث فى مجال التكنولوجيا بالمدينة ، و بالأحرى بالأتجاه الذى سلكه رجال أعمال المدينة و تأسيس مراكز صيانة للروبوتات ..
ففاجأه محمود أن هذا كلاماً قديماً و أنه يعيش الأن مرحلة أنتقالية أخرى و أخبره أنه شرع فى تصنيع روبوت كامل ، أخبره خالد أن المنحة قد أتت بثمارها و قال له مازحاً : لو مكثت هناك أكثر من ذلك كنت ستعود إلينا لتطرح فكرة تصنيع سفن فضائية و بيعها للرماديون ..
ضحك محمود و أخبره أن الشركة اليابانية بالفعل قد عرضت عليه العمل لديها بعقد لمدة ثلاث سنوات ، و لكنه رفض فعرضت عليه الشركة اليابانية مرتب مغرى و لكنه رفض أيضاً و تمسك بتنفيذ حلمه فى وطنه الحبيب مصر ..
رد عليه خالد و قد لمعت عيناه بالأعجاب و قال لصديقه مازحاً :
سأمنحك إذاً لقب محمود الوطنى ..
و أستطرد خالد و قال له :
لكن حقآ خطوة تصنيع الروبوتات فى ( مدينتنا ) بمثابة إنجاز عظيم ..
أبتسم له محمود وقال له : ما نعتبره نحن إنجاز فهو بمثابة نشاط يومى فى دولة اليابان و العديد من الدول المتقدمة الأخرى .. هم لم يكتفوا بصناعة الروبوتات لإنجاز العديد من المهام الصعبة فقط ، بل يخططون لتصنيع روبوتات تمتلك مشاعر أنسانية ، تحب و تكره كالأنسان ..
هم يستعدون لأدراج الروبوتات فى الحياة مثلها كمثل البشر و سيسهلون
إتاحة الزواج من الروبوت فيما بعد !!
كان خالد يستمع لمحمود و قد شهق انبهاراً لما سمعه ..
ثم سأل محمود صديقه عن مشروع الزراعة الذى تحول من مجرد حلم قديم لخالد و أصبح الآن حقيقة ملموسة على أرض الواقع ، تحدث معه خالد بفخر عن نجاح المشروع فى خطواته الأولى و التطورات الإيجابية التى ظهرت بوادرها و أنهم يمضون قدماً فى الطريق الصواب ..
كان محمود سعيداً لنجاح صديقه و لكنه آفاقه من حلمه الواقعى عندما سأله عن أخبار طليقته و أخبره أن الوقت بات مناسباً لكى تنصلح بينهما الأمور و تعود لسابق عهدها .. تبدلت ملامح خالد و أخبر صديقه بنبرة أنفعال : لا أمان لامرأة تخلت عن زوجها فى أزمته .. لقد أنتهى هذا الموضوع للأبد ..
حزن محمود لصديقه و تمنى له التوفيق فى حياته القادمة .. و قال له على أستحياء أنه يريد منه طلباً و أخبره أنه لو تمكن من أنجازه
فلن ينسى له هذه الخدمة ..
قال له خالد فى لهفة : أوامر يا صديقى .. خير ؟
قال له محمود :
أرغب فى تعيين والدى فى وظيفة محاسب فى مشروعك الضخم ..
أبتسم له خالد و قال له : هذا أمراً سهلاً .. لقد توقعت ما هو أعقد من ذلك .. لكن أعذرنى فى سؤالى يا صديقى : لماذا لم تقوم بذلك و قد أصبحت مديراً لمراكز الصيانة و بالطبع تمتلك الصلاحية لتقوم بمثل هذا الأمر ؟!
رد محمود قائلاً : أنت محق يا صديقى فلدى الصلاحية لتنفيذ ذلك ..
و لكن سيكون الوضع محرجاً اذا قمت به لأنى وقتها سأكون مديراً
و والدى موظفاً تحت إدارتى ..
من المستحيل أن يقبل الحاج طايع مثل هذا الوضع !
************************
عند أستخدام إمكانية التصوير الجوى فوق مدينة ( مدينتنا ) و سمحنا لطائرة ريموت كنترول مزودة بكاميرا أن تلتقط صوراً للمدينة من الأعلى ، سنجد أن أكثر من نصف المدينة يعكس اللون الأزرق و لا سيما الجانب الشرقى للمدينة ..
هذا اللون الذى أكتسبته فيلات الجانب الشرقى فى أعلاها يرجع لذكاء رجل الأعمال أحمد الماظة مؤسس ( مدينتنا ) ، و الذى عزم على تثبيت ألواح شمسية عملاقة على أسطح فيلات الجانب الشرقى ..
الماظة يمتلك مصنعاً صغيراً فى الجانب الشرقى نشاطه هو شحن بطاريات الطاقة الشمسية ، و هذه البطاريات ذات دورة عميقة و هى تعمل على تخزين الطاقة الكهربائية التى تولدها الألواح الشمسية الفولتوضوئية أثناء النهار فى وقت سطوح الشمس .. سواء من الألواح الشمسية المثبتة على أسطح الفيلات أو من الألواح الشمسية العديدة الأخرى المثبتة بحرفية عالية
بالقرب من مصنع البطاريات الشمسية ..
بالطبع كان ثمن هذه الألواح الشمسية المثبتة على أسطح الفيلات غير مضاف على ثمن الفيلات المباعة ، لأن الماظة هو المستفيد من تثبيت هذه الألواح .. لكن كان لابد أيضاً من مهاداة أصحاب هذه الفيلات لموافقتهم على وجود هذه الألواح الشمسية فى محيط سكنهم ، لذلك قام الماظة بأنشاء محطة شحن كهرباء صغيرة يظهر دور هذه المحطة فى حالة أنقطاع التيار الكهربائي عن المدينة حيث تقوم بأنارة الجانب الشرقى بأكمله مجاناً
حتى عودة التيار الكهربائى مرة أخرى ..
أما بالنسبة لشحن بطاريات الطاقة الشمسية التى ينتجها المصنع فيقوم الماظة بتوريدها لبعض مصانع المدينة التى تحتاجها فى صناعاتها المختلفة ..
ما حدث من تطورات تكنولوجية فى ( مدينتنا ) قد نشط الحافز لدى الماظة لأن تستمر عجلة التكنولوجيا فى المدينة فى الدوران و الإبتكار ..
أخذت الفكرة وقتاً طويلاً لأن تختمر برأس الماظة
حتى بات الوقت مناسباً لتطبيقها ..
أستغل الماظة علاقاته الأخطبوطية و تواصل مع
( جهاز تنظيم مرفق الكهرباء و حماية المستهلك ) للحصول على تراخيص أنشاء محطة شحن كهرباء كبيرة فى الجانب الشرقى و مما سيسهل الوضع تواجد عدداً كبيراً من الألواح الشمسية بالجانب الشرقى ..
و تزامناً مع أستخراج التراخيص و الحصول عليها قام أيضاً الماظة بمراسلة شركة ( تيسلا ) فى فريمونت فى كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية
لأستيراد سيارات كهربائية !
ثم أعلن الماظة على جروب المدينة أنه سيتم أتاحة سيارات تعمل بالكهرباء من طراز ( تيسلا ٣ ) و سيتوفر منها ثلاث فئات مختلفة
و ستتباين أسعارها على النحو التالى :
50 الف دولار .. 58 الف دولار .. 69 الف دولار ..
على من يرغب فى تسجيل أسمه لحجز أحدى فئات سيارة ( تيسلا ٣ ) الكهربائية فليتقدم لمقر مصنع ( مدينتنا) لبطاريات الطاقة الشمسية لتأكيد الحجز ...
*********************. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل السادس
- 6 -
خضعت الروبوتات ( المخبولة) و التى أصابها فيروس ( جنون الروبوتات ) و تم صيانتها على يد المهندس المصرى محمود طايع ، للمراقبة و الملاحظة أثناء عملها على حسب نوع النشاط الذى تم تسخيرها من أجله ..
يتم كتابة تقارير يومية بحالة هذه الروبوتات التى تعمل فى مصانع و شركات متنوعة بالجانب الشرقى لـ ( مدينتنا ) .. يتم أرسال هذه التقارير بصفة دورية لمكتب الجزيرى ليقوم بفحصها و دراستها و متابعة الحالة الفنية لهم .. مضى أسبوعان على صيانة الروبوتات المصابة و أنخراطها مرة أخرى فى العمل ، بعد الأطلاع على التقارير و الحالة العامة لهذه الروبوتات خلال الأسبوعان الماضيين .. سادت حالة من الأطمئنان و زادت الثقة في مراكز صيانة ( مدينتنا ) و بالأحرى أرتفع شأن محمود
مهنياً و أرتقت مكانته لدرجات أعلى ..
كانت هذه الثقة المستمدة من واقع الأحداث الماضية وراء الدافع فى أن يستقر الجزيرى بدعم من الماظة و المنفلوطى على أرسال إيميل للشركة اليابانية الموردة للروبوتات ، يكون فيه نص الرسالة لاذعاً ..
بالفعل تم أرسال الإيميل و كانت به عبارات زجر و توبيخ ....... [المزيد]
❞ حوار صحفي لجريدة قافية للثقافة والفنون مع الكاتب محمد حسن عبد الجابر
:
جريدة قافية للثقافه والفنون
لقاء صحفي مع أ/ محمد حسن عبد الجابر
أغسطس 21, 2023
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أتقدم أنا المحررة الصحفية/ وسام محمد من جريدة قافية بعمل حوار صحفي مع المُبدع/
نتشرف باسمك.
محمد حسن عبد الجابر
سنك: 38
محافظتك: الإسكندرية
صف ذاتك بنبذة قصيرة.
كاتب وروائي وحاصل على بكالوريوس تربية شعبة الرياضيات..
ما هي موهبتك؟
الكتابة... مقالات وقصص قصيرة وروايات
من كان السبب في اكتشاف تلك الموهبة؟
موضوع تعبير في حصة عربي عندما كنت في الصف الأول الإعدادي نال إعجاب مدرس اللغة العربية كثيرا... مما حفزني لأن أكرر التجربة وأسعى لتطويرها... وبفضل الله نجحت في ذلك...
حكمة اتخذتها نهجًا لك في حياتك؟
أعتزل ما يؤذيك وأعمل ما يرضيك... شرط أن يرضى الله أولا
ما الذي تطمح في الوصول إليه خارج وداخل الوسط الأدبي؟
طموحاتي بلا سقف لصعوبتها ولكن ليس لاستحالتها بعون الله... أسعى لأن تنال مؤلفاتي إعجاب من يقرؤها وأن تصل للعالمية ويتم ترجمتها لمختلف لغات العالم وأن يتم تحويلها لأعمال فنية
من هو قدوتك من داخل الوسط الأدبي وخارجه؟
تأثرت بالعديد من الأدباء سواء المصريون أو الأدباء الغربيون... لكن يبقى د/ أحمد خالد توفيق أقربهم إلى قلبي
هل قابلتك عقبات أثناء سعيك؟ وكيف قُمت بتخطيها؟
واجهتني عقبات لا حصر لها، لكنها كانت تنمى عزيمتي وإصراري على النجاح عند تخطى الواحدة تلو الأخرى...
تخطيت هذه العقبات وما زلت أتخطى غيرها بالثقة في الله وقد حدث ويحدث...
ما هي إنجازاتك التي قُمت بتحقيقها؟
تم نشر بعض من مقالاتي في عدد من المجلات كمجلة الشباب ومجلة حريتي، وفي عدد من الصحف كجريدة المصري اليوم والدستور واليوم السابع وصحف أخرى، ونشرت عددا من القصص القصيرة في مجلات ومواقع إلكترونية، حصلت على المركز الثاني في مسابقة أدبية كان التصويت عليها على مستوى الوطن العربي برعاية مؤسسة الأهرام الصحفية...
صدرت لي رواية بعنوان (أخطبوط بسبع أيادي)
ورواية بعنوان (إيجيكوين)...
شاركنا شيئًا من موهبتك.
- اقتباس من رواية أخطبوط بسبع أيادي
سيعود طارق من غيبوبته المؤقتة، لكنه سيستغرق بعض الوقت ليستوعب ما هو فيه، وسيحتاج الكثير من الوقت ليصدق ما حدث معه...
أنهت فريدة ما عزمت عليه بنجاح دون الاكتراث للتجمهر الضخم الذي تكون حول الشجرة الراسخة، لملمت معداتها هي وماسة وتوجهت في هدوء داخل المحل وكأنها كانت تعزف مقطوعة موسيقية أو كانت ترقص سلو مع صديقتها... دخلت تاركة طارقا مقيدا على الشجرة يلقى
مصيره دون الاهتمام بما يصير له بعد ذلك...
- اقتباس من رواية إيجيكوين
أعلن محمود أنه بكل شفافية وشجاعة أول فاشل في التاريخ يعترف أنه فاشل... ليس ذلك فحسب... أعلن محمود أنه قد وصل لآخر ليفل في جيم الفشل ولن يصل إليه أحد مثله ومن يرى نفسه فاشل بائس فلينضم لدولتنا!!
ما فعله محمود هي خطوات ما قبل الانتحار لمن يقدم عليه، فيجلد المنتحر نفسه ذاتيا داخليا فيرتفع إفراز الأدرينالين في جسمه فينهى حياته...
ما فعله محمود أنه قام بجلد ذاته لكن جهرا...
لقد أنتحر محمود ألكترونيا!!
نصيحة تُريد تقدميها لشخصٍ مبتدئ؟
لكل إنسان موهبة يتميز بها..قم بتحديد موهبتك أولا وبعد أن تكتشف نفسك نمى هذه الموهبة وتمسك بها.. ولا تيأس
نتشرف برأيك في جريدة قافية ومُلهم.
جريدة أدبية هادفة تدعم الثقافة..وفقكم الله لمزيد من النجاح
أيوجد سؤال تود إضافته؟
شكرا فقد كانت الأسئلة كافية
وإلى هنا وانتهى لقائنا كان معكم الصحفية: وسام محمد، ولنا لقاءٍ آخر بإذن الله عندما تقوم بتحقيق جميع أحلامك، ونتمنى لك دوام التوفيق والنجاح.
إن شاء الله وفي انتظار هذا اللقاء يوما
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
حوار صحفي لجريدة قافية للثقافة والفنون مع الكاتب محمد حسن عبد الجابر
جريدة قافية للثقافه والفنون
لقاء صحفي مع أ/ محمد حسن عبد الجابر
أغسطس 21, 2023
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أتقدم أنا المحررة الصحفية/ وسام محمد من جريدة قافية بعمل حوار صحفي مع المُبدع/
نتشرف باسمك.
محمد حسن عبد الجابر
سنك: 38
محافظتك: الإسكندرية
صف ذاتك بنبذة قصيرة.
كاتب وروائي وحاصل على بكالوريوس تربية شعبة الرياضيات..
ما هي موهبتك؟
الكتابة... مقالات وقصص قصيرة وروايات
من كان السبب في اكتشاف تلك الموهبة؟
موضوع تعبير في حصة عربي عندما كنت في الصف الأول الإعدادي نال إعجاب مدرس اللغة العربية كثيرا... مما حفزني لأن أكرر التجربة وأسعى لتطويرها... وبفضل الله نجحت في ذلك...
حكمة اتخذتها نهجًا لك في حياتك؟
أعتزل ما يؤذيك وأعمل ما يرضيك... شرط أن يرضى الله أولا
ما الذي تطمح في الوصول إليه خارج وداخل الوسط الأدبي؟
طموحاتي بلا سقف لصعوبتها ولكن ليس لاستحالتها بعون الله... أسعى لأن تنال مؤلفاتي إعجاب من يقرؤها وأن تصل للعالمية ويتم ترجمتها لمختلف لغات العالم وأن يتم تحويلها لأعمال فنية
من هو قدوتك من داخل الوسط الأدبي وخارجه؟
تأثرت بالعديد من ....... [المزيد]
: - 1 -
على طريق أسكندرية – القاهرة الصحراوى و تقريباً عند منتصف المسافة بين المحافظتين تقع هذه المدينة السكنية و تفرض وجودها و كأنها بقعة جغرافية معترف بها على الخريطة .. تشغل المدينة مساحة شاسعة على الطريق و تمتد للداخل لمساحات فسيحة , هى ليست مجرد مدينة سكنية فحسب و التى قام بتنفيذها على أرض الواقع رجل الأعمال الشاب أحمد ألماظة ..
هى مدينة تم تأسيسها و دعمها بخدمات على الطراز الذى يناسب طبقة الأثرياء و شريحة الشباب و كوكب النساء , خدمات تتماشى مع أغلب فئات المجتمع ..
لو لم يتعثر أحمد ألماظة و يتزلزل مادياً أثناء تنفيذ هذه المدينة أكبر مشروع له فى حياته المهنية لكان باع بالثمن الثمين الذى حدده سواء للوحدات السكنية أو للمحال التجارية دون التنازل عن مليماً واحداً للسعر الذى وضعه لهما .. لكن تحقيق جميع الأمال دائماً يكون محال ..
ألماظة على قدر كبير من النضج التسويقى و يمتلك قسطاً وافراً من الدهاء و لكن أحياناً تنقلب النعم لنقم لأصحابها و أحياناً أخرى تمضى قدماً , و يعزى الفضل فى التحول لطريقة أستخدام هذه النعم ..
ألماظة كان مرغماً بعد أن مضى مئات العقود مع مئات المشتريين من الطبقة الرائقة مادياً بالثمن الذى حدده لوحداتهم , أن ينحدر بالسعر حتى كاد الأقتراب من هاوية - الخسارة القريبة - لباقى الوحدات الأخرى فى المدينة .. و ذلك ليجنى أى نقود تمكنه من أستكمال نموها و أن يصل بها للمرحلة النهائية و ينتهى من هذا المشروع الذى أستنزف طاقته المادية المحددة للمشروع ..
هذه التعثرات و التدهورات المادية التى مر بها ألماظة ترجع لتخبط الأسعار لجميع السلع و المنتجات و عدم أستقرارها لفترة زمنية طالت مدتها !
كان فكر صائب لألماظة عندما نفذ هذه الخطوة فنجح بالفعل فى بيع أغلب الوحدات المتبقية و أنهى تشطيبها فى مستوى أقل بكثير من الوحدات الأولى و لكن تغاضى ممتلكيها عن ذلك مقابل فرصة أقتناص سعرها و المغرى أكثر لهم تواجد وحداتهم السكنية على مقربة من منازل الأثرياء الفخمة كما أنها أيضاً قريبة من مراكز خدمات و أحياء محيطة بمنازل الأثرياء
و قد تعامل معها ممتلكين الوحدات الثانية على أنها أماكن ترفيهية ..
ما فعله ألماظة دون تخطيط منه لكنه كان تخطيط القدر , أنه جمع فى هذه المدينة طبقة الأثرياء مع طائفة الشباب حديثى الزواج بالأضافة لطائفة قدامى المتزوجون من الطبقة المتوسطة و طبقات متحورة أخرى .. و شبه أنعزالهم عن أى حياة سكنية خارج هذه المدينة و قد منحها ألماظة أسم مدينة ( مدينتنا ) سيرغمهم على تفاعل جميع هذه الطبقات مع بعضهم البعض ليتصدوا لصعوبات الحياة الجمة التى يتوقعون أن يواجهوها فى تجربتهم فى الأقامة بمدينة ( مدينتنا ) و قد أتخذت جميع طبقات مواطنيها هذا المكان على أنه ملجأ لهم يهرعون إليه هرباً من ضوضاء الحياة فى العالم الخارجى و أزدحام الحياة و التى تزداد سوقية و فجاجة ..
*******************************
كان التخطيط العمرانى لـ ( مدينتنا ) يتسم بالعنصرية فعمل أحمد ألماظة من البداية على أن يمنح الأثرياء الجانب الشرقى للمدينة لما تتمتع بها هذه الرقعة الواسعة من المدينة من ظروف مناخية ممتازة و موقع جغرافى رائع , بينما خصص الجانب الغربى للمدينة لباقى الطبقات الأخرى و بالطبع يقل مستوى الرفاهية سواء الجغرافى أو المناخى عن نظيره فى الجانب الشرقى ..
لم يختلف أحد و لن يحمل أحداً أعتراضاً على عنصرية التخطيط العمرانى للمدينة فجميعهم قانعين أن هذه عدالة شعرية طبقاً لما دفعوه مقابل أستلام وحداتهم السكنية ..
محمود طايع هو شاب فى مقتبل العمر يبدو عليه أنه قضى حوالى ثلاثون عاماً فى هذه الحياة .. بارع فى مجال البرمجيات و لديه مهارات متنوعة أخرى , كان يقبض بأنامله على أطراف ملف يزخر بأوراق تبدو فى الأغلب أنها شهادات الكورسات و السى فى الخاص به .. كان مظهره يوحى بذلك فكان يحمل الملف دون أكتراث و يكاد يجر قدميه أثر حالة نفسية مأزومة و كأن أبواب العالم قد أوصدت فى وجهه و أصبح أسير ذاته ..
كان محمود يمشى وقت الظهيرة فى الجانب الشرقى لـ ( مدينتنا ) هائماً على وجهه مفعماً بالبؤس .. لم يتمكن حتى من أقتناص مجرد وظيفة روتينية فى أحدى شركات الجانب الشرقى , بدا ذلك جلياً من مظهره و من حافظة الأوراق المهنية التى يحملها فى وهن .. سمع محمود صوت الأذان يأتى من مكان ما ثم بدأت الأصوات تتنامى من حوله و تتداخل لتعدد المساجد فمال قلبه و أنجذب لدخول أقرب مسجد و كان تقريباً أكبر مساجد المدينة ..
توضأ محمود و أستعد لصلاة الظهر فى جماعة و بالفعل صلى محمود و أفرغ ما فى قلبه فى حوار روحانى مع رب العباد و ما أن أنتهت صلاة الظهر حتى طلب الأمام من المصليين عدم المغادرة لأداء صلاة الجنازة على أمرأة متوفية فما كان على محمود غير أن يلبى النداء و تموقع المصليين بينما الأمام يلقى على مسامعهم كيفية صلاة الجنازة و بدأت الصلاة و أستمرت بشكل طبيعى إلى أن جائت الركعة الثالثة و التى تخص الدعاء للمتوفى !
فعل محمود ما يفعله جميع المصليين و ما أعتاد هو فعله فى جميع صلوات الجنازات التى حضرها على مدار حياته .. لقد تفوهت شفتيه فى تمتمة شبه مسموعة و هو يدعى للمتوفية أن يتغمدها الله برحمته و يبدلها داراً خيراً من دارها و زوجاً خيراً من زوجها .. هنا كانت ولادة المأزق .. يتفاجأ محمود بأحد المصليين و الذى يقف أمامه فى الصلاة مباشرة قد خرج من صلاته و أستدار ليصبح وجهه فى مواجهة وجه محمود و بدأ يخاطب محمود و هو
مشتاط غضباً و أخذ يوبخه : ليه بتدعيلها بزوج خيراً منى ؟؟
تعرف أيه عنى أنت وحش ؟؟ تعرفنا أصلاً ؟؟
محمود أصابه الذعر و قد خرج من خشوع الصلاة بل خرج من صلاة الجنازة ذاتها هو و كل من حوله بعد أن تسلل الهرج فسلم الأمام و أنهى الصلاة ليلتفت و يستوعب ماذا حدث خلف ظهره أثناء الصلاة ..
كان محمود ينظر بعينان مذهولتان للزوج الثائر و كان يحاول تفادى الرذاذ المنطلق من فمه و رد عليه بنبرة هادئة : أهدى يا حاج .. انا معرفكش .. انا بدعى زى ما أتعلمت فى الخطب الدينية
ما أقصدش حضرتك بالأخص يعنى .. سامحنى ..
أستطرد الزوج بنفس ثورته و كأنه لم يسمع محمود من الأساس : دخلك أيه بينا أنت علشان تدعى لمراتى بزوج تانى أحسن منى ؟!
هنا تدخل الشيخ الذى كان يصلى بهم و حاول تهدئة الزوج الثائر و قد شاعت على وجه الشيخ أبتسامة معسولة بعد أستيعابه للموقف فأشتكى له الزوج الثائر و هو يعيد على مسامع الشيخ الرواية للمرة الألف تقريباً فشد الشيخ من أزره و هو يربت على كتفه و يبدى له أعجابه بغيرته و وفائه لزوجته و أخبره ضرورة الألتزام فى الصلاة و حفظ قدسيتها و أخبرهم بأعادة صلاة الجنازة فقاطعه الزوج الثائر : و محدش يقول زوجاً خيراً من زوجها !!
كانت الأبتسامة المعسولة ترتسم على وجه الشيخ كلما كرر الزوج الأرمل جملته , كان الشيخ يوزع نظراته بين الزوج و محمود و باقى المصليين و يعد الزوج بصوت مرتفع عمداً ليخبر المصليين أن لا أحد سيذكر هذا الجزء من الدعاء .. فأومأ الزوج برأسه يعلن تأكيد كلام الشيخ , فأضاف الشيخ و قال للمصليين أدعوا فى سركم أحسن ..
*****************************
فى الجانب الغربى للمدينة كانت تتواجد الأسواق التقليدية لبيع الخضروات و الفواكه و تنتشر المحال التجارية التى تبيع السلع الغذائية المحلية , من كان يريد السلع المستوردة كان عليه أن يمر للجانب الشرقى و يذهب للهايبرات الكبرى و المولات ليبتاع ما تشتهيه نفسه من أجود المنتجات و أبهظها ثمناً ..
لم ينكر و لن ينسى أحداً حالة الكساد الأقتصادى التى أكتسحت البلاد بل العالم أجمع بعد جائحة كورونا و ما تعانيه البلاد من حالة ركود قد أصابت بالطبع
مدينة ( مدينتنا ) و طالتها فلم ينجو أحداً من طوفان الأنكماش الأقتصادى .. الأسواق باتت شبه مهجورة .. المحال التجارية تجد تكدس على قلة منها و البقية لم يلمس غبار الأحذية بلاطها .. و يعزى الفضل فى ذلك لشقين :
الشق الأول و هو يخص التجار الذين يتعاملون فى تجارتهم و كأنها تجارة مع الله فيعملون بحديث من غشنا فليس منا و يتقون الله فى تجارتهم و فى حياتهم و لذلك يجعل الله لهم دوماً مخرج من أزماتهم و فى ذروة هذه الأزمة الأقتصادية محالهم التجارية لا تخلو من الزبائن و البركة لا تغادرها !
الشق الثانى خاص بـ تجار كانت محالهم التجارية ستنال نفس نظافة بلاط المحال الخاوية من الزبائن المجاورة لهم لولا أنهم لجأوا لأقذر حيلة أقتصادية فى التاريخ و هى أحتكار بعض السلع لتعطيش السوق لها ثم طرحها فى الأسواق بعد أختفائها و يسعرونها على أهوائهم و يتعاملون متوهمون
أن بيدهم المنح و المنع !!
كانت هذه الأجواء المستجدة على المدينة كفيلة لأن تخلق فى الجانب الغربى صراعات عديدة و متنوعة .. ناهيك عن الحقد و الغيرة و كأن الرزق يُجذب بالحسد !!
صراعات بين أصحاب المحال التجارية الخاوية مع التجار الذين يمارسون التجارة الأسلامية و محالهم التجارية مكتظة بالزبائن .. صراعات بين المواطنين قليلى الحيلة مع التجار الذين ترسخت فيهم غريزة الطمع الذين يحتكرون السلع فيحتقرهم الناس !
لقد تسللت لمدينة ( مدينتنا ) السوقية والفجاجة التى هرب منها مواطنين ( مدينتنا ) من الخارج , يبدو أنهما أصبحا من قوانين الحياة و لكل قانون قوة !
***************************************
غادر محمود المسجد بعد أن صلى الظهر و صلى أغرب صلاة جنازة فى حياته لا يعلم أن كان سيكررها مرة أخرى أم لا .. طمئن نفسه أنه يملك طرق عديدة أخرى لعمل الخير و أقتناص الحسنات غير صلوات الجنازات ..
سأل محمود نفسه فى حوار ذاتى داخلى هل المرحلة العصيبة التى يمر بها هذه الأشهر بدون عمل و بدون حب و بدون أى شئ هل ستتبع مقولة ( ما تضيق إلا لما تفرج ) أم أنها سترجح مقولة ( المشاكل لا تأتى فرادى ) و ستستمر ؟؟
حتى لو أجابه عقله الباطن بالمقولة الأولى كانت حالته النفسية العامة سترجح و تميل للثانية لما يمر به فى هذه المرحلة الأنتقالية فى حياته من أزمات و كبوات ..
ترجل محمود هائماً على وجهه شارداً لفترة زمنية لا بأس بها حتى وصل للجانب الغربى للمدينة دون أن يشعر بمشقة سيره لمسافة طويلة ..
أنتبه محمود أنه وصل لمحيط سكنه من صوت المشاجرة القائمة بين أحد المواطنين مع أحد تجار الحوائج .. نظر لتجمهر الناس من حولهما فى موقف مكرر يومياً مع أختلاف الأشخاص لكن دون جدوى .. فلا المواطن يقبل الأستغلال و لا التاجر ينتوى أن يفقد حتى قرش مكسب من القيمة التى سعرها لمنتجاته .. مشهد بات فى ناظرى محمود مملاً أكثر منه مؤلماً .. أستمر محمود فى خطواته يشاهد المشاجرات و الصراعات و الحالة العامة التى خيمت على وجوه أهل الجانب الغربى و كأنه يشحن طاقته السلبية حتى أمتلأت عن أخرها بوصوله لوحدته السكنية فأختفى عن الشارع و صعد لمنزله حاملاً اليأس على كتفيه يوحى لمن تقع عليه عيناه أنه ينوى عمل شئ ما
لكنه شخصياً مازال عاجزاً عن معرفته !
********************
دخل محمود الشقة بكل يسر فلم يتكبد عناء طرق الباب لقد كان مفتوحاً عن أخره واصل سيره بالداخل سامعاً أصواتاً متداخلة داخل شقته عندما ميزها أكتشف فيها رنين صوت والدته مع امرأة ما , كاد أن لا يبالى لكن أصطدمت قدميه بكرتونة عملاقة تحوى سلعاً غذائية متنوعة من سكر و أرز و عبوات صلصة و زجاجات زيت طعام .. تعثرت قدمى محمود أثر أصطدامهما بالكرتونة فأختل توازنه و بدأ فى عمل حركات السقوط البهلوانية محاولاً التعلق بأى قشاية تظهر أمامه فكانت الحاجة نورا هى القشاية التى برزت فجأة لكنها لم تتحمل تشبثه بها فأنهارت قدماها و سقطت فوق محمود أرضاً .. هنا ساهمت الحاجة زكية و الدة محمود فى الموقف و قد ظهرت مؤخراً و صرخت مؤازرة للحاجة نورا و كأنها تحاول أنقاذها من خلال صرخاتها !
نهض محمود مرتبكاً ليحاول مساعدة الحاجة نورا و قد أقتربت الحاجة زكية تشارك محمود المساعدة و هما يحاولان تجاهل تمتمة الحاجة نورا التى تحمل سباً و قذفاً لما ألحقه بها محمود ..
ذهبت الحاجة زكية من أمامها بحجة أحضار كوباً من الماء و قد جذبت محمود من ذراعه و دخلا المطبخ و حدثته الحاجة زكية فى توبيخ :
كنت فين كل دة يا فاشل ؟؟ و أيه اللى هببته فى الولية دة ؟؟ عارف مين دى ؟؟
لم يدب الحماس فى جسد محمود من الصباح الباكر لكنه تحرك فى عروقه عند سؤال والدته فقال لها : أيوة بقى منا عايز أعرف مين الست دى ؟؟ و أيه اللى جابها عندنا بالكرتونة دى ؟
ردت الحاجة زكية بكل طلاقة : دى مرات المعلم أبو كرش ..
أكبر تجار أحتكار السلع فى المدينة ..
حدق محمود فى ذهول فى والدته و قال : مالك يا أمى ؟؟
هو البيت بقى مركز التجار الأشرار .. أنا مش فاهم حاجة ؟!
أستطردت والدته بنفس الطلاقة و الثقة : هى بتاخد البضاعة من جوزها بسعر الجملة و تحسبهالى بسعر الجملة .. فقاطعها محمود و قال :
ليه ماسكة عليها ذلة ؟؟
والدته : لا .. بس بطلب من ابوك يجيب من مصنع التونة اللى شغال فيه كراتين تونة و بحسبها بسعر الجملة و بنبدل مع بعض بعد حسبة بسيطة تقديرية للكمية المتبادلة على حسب سعرها جملة و بعد كدة هى بتاجر فى كراتين التونة دى لأنها من أجود ألأصناف و كل شوية بتقل فى المحلات و مطلوبة كتير فى الجانب الشرقى للمدينة .. هى بتسعرها سياحى و تبيعها من غير المعلم أبو كرش ما يعرف و بتحوش فلوسها و تشترى بيهم دهب ..
و أنا كدة بكون أشتريت خزين البيت بسعر الجملة ..
قال لها محمود فى فزلكة : و أيه اللى يضمن أنها بتبلغك سعر الجملة الحقيقى لبضاعتها اللى بتقايضك بيها ؟؟ دى مرات أبو كرش !
ردت الحاجة زكية بكل ثقة : و أنا مرات طايع .. أنا بقى بسأل على سعر البضاعة فى المحلات بس بروح عند تجار الخير مش عند أبو كرش و أمثاله و بكتب الأسعار .. بعد كدة بنقص أتنين جنيه من السعر و يبقى كدة بنحط سعر تقريبى لسعرها جملة .. غير أن البضاعة
اللى بتنقص فى المحلات هى بتوفرهالى ..
أرتسمت على وجه محمود أبتسامة فاترة و قال لوالدته :
بتحاربى الغلاء بطريقتك يا زكية !
جاء صوت من الخارج كان عالياً و ممطوطاً : مـــــــــــ ــــيــــــ ــــــــة ..
فأنتفضا محمود و والدته و خرجت الحاجة زكية
تحاول أسراع خطواتها حاملة كوباً من الماء ..
*****************************
مشى محمود بخطوات ثقيلة قاصداً غرفته .. كان يستظل بسحابة من الفشل و يتجرع كؤوساً من الأحباط بعد أن مكث شهوراً يبحث عن فرصة عمل مقبولة و هو مهندس برمجيات ناهيك عن أنه يجيد لغتين و لديه مهارات أخرى رغم ذلك لم يتغير الوضع المادى له فتغير الوضع النفسى له للأسوأ .. دخل غرفته و هو خائر العزم يمشى بنفس خطوات من أقدم على الأنتحار .. خطوات أشبه بخطوات الزومبى .. كان يتحرك و كأن أحداً يوجهه من على بعد بالريموت .. حتى جلس على سريره و مدد قدماه و أصبح فى وضع الزاوية 90 , رفع هاتفه و شرع فى فعل شئ ما على شاشته .. يبدو أنه ينوى الأنتحار فبدأ فى ممارسة طقوس الأنتحار المعتادة .. كل المنتحرين فى هذا العصر يكتبون رسالتهم الأخيرة على الفيس أولاً قبل التنفيذ و كأنها محاولة بائسة أخيرة منهم لأيجاد أى مُنقذ !
أستغرق محمود حوالى نصف ساعة فى وضع الزاوية القائمة و هو منهمك مع هاتفه , أنتهى محمود أخيراً مما يفعل و بدأ مرحلة جنى ثمار ما غرس ..
بدأ محمود متابعة صفحة الفيس التى أنشأها منذ لحظات بعنوان ( موطن الفاشلين ) و قد أعلن عنها و سوق لها أيضاً بلينك الصفحة و قد قام بتشييره فى العديد من الجروبات مع وصف مبسط لفكرة الصفحة .. وصف يلخص تقييم محمود لنفسه بمصفوفة صغيرة تضم شهاداته و خبراته مع الوظائف التى شغلها سابقاً و التى لا تطلب من الأصل شهادات للقيام بها .. حتى هذه الوظائف السطحية باتت له كـ حلم زجاجة ماء لتائه فى الصحراء .. يعلن على الصفحة أنه فشل فى حياته المهنية فشل فى حياته العاطفية فشل فى حياته الأجتماعية أعلن محمود أنه بكل شفافية و شجاعة أول فاشل فى التاريخ يعترف أنه فاشل .. ليس ذلك فحسب .. أعلن محمود أنه قد وصل لأخر ليفل فى جيم الفشل و لن يصل إليه أحد مثله و من يرى نفسه فاشل بائس فلينضم لدولتنا !!
ما فعله محمود هى خطوات ما قبل الأنتحار لمن يقدم عليه , فيجلد المنتحر نفسه ذاتياً داخلياً فيرتفع أفراز الأدرينالين فى جسمه فينهى حياته ..
ما فعله محمود أنه قام بجلد ذاته لكن جهراً ..
لقد أنتحر محمود ألكترونياً !!
***************************************
أنتهت الحاجة زكية من طهى الطعام و تنظيمه على السفرة لتناول وجبة الغذاء , كان موعد الغذاء ثابتاً كباقى الوجبات فلكل منها وقتاً محدداً كما جرت العادة فى منزل طايع و أسرته , طايع يقدس النظام و يطبقه فى ممارسة شئون حياته .. عاد من عمله فى مصنع التونة الشهير فى الجانب الشرقى للمدينة , أتخذ مقعده على طاولة الطعام و جلست جواره الحاجة زكية و ندهت بصوت عال على محمود : الغدا هيبرد يا فــاشــل ..
قال طايع لزكية وقد ملأ شدقيه بالأرز : بطلى تناديه بفاشل ..
أنتى قربتى تنسينى أسمه ..
خرج محمود من غرفته بنفس حالته التى دخل بها الغرفة , سحب مقعداً ليجالسهم على المائدة و لم ينطق سوى بألقاء السلام على والده و أوحى لهما أنه يأكل حتى لا يسأله أحد عن ما به .. واضعاً هاتفه المحمول
على المائدة بجوار طبق الأرز الخاص به ..
عادة طايع كباقى عادات أغلب المصريين , بدأ يتناقش مع زوجته زكية فى بعض أمور العمل و ضغوط الحياة أثناء تناول وجبة الغذاء .. دور الزوجة فى هذه المواقف يكون تبسيط الأمور و تهوين الوضع رغم عدم أقتناعها ! أستطرد طايع و هو يعرض على زكية مشاكل العمل : فى عجز فى بعض الخامات فى المصنع و دة هيأثر على مسيرة الأنتاج الفترة الجاية .. حاولى تحافظى على كراتين التونة اللى جبتهالك يا زكية علشان مش هنعرف نجيب زيها الفترة اللى جاية ..
هنا سقطت الملعقة من بين أنامل زكية و أحدثت رنيناً لأحتكاكها بطبق الأرز
فأنتبه لها محمود و تلاقت نظراتهما فى حوار تراجيدى كوميدى صامت ..
لم يقطع تبادل نظراتهما غير صوت طايع المرتفع وهو يفور غضباً موجهاً غضبه لمحمود يوبخه و يأمره بأن يغلق هاتفه المزعج الذى لم يتوقف منذ لحظة جلوسه عن أصدار أصوات مستفزة - صوت أشعارات الفيس - !!
تناول محمود هاتفه فى عجلة ليغلق أتصاله بشبكة الواى فاى لكنه ما أن تناول هاتفه حتى أصابه الذهول و أتسعت عيناه و هو ينظر للهاتف و قام عن مقعده فى محاولة لمغادرة المائدة مما لفت أنتباه والده طايع الذى خاطبه بصوت أجش يأمره بأن يكمل طعامه فرد عليه محمود و هو شارد .. الحمد الله .. الحمد الله ..
محمود كان لا يدرك هل حقاً يقول الحمد الله لوالده مكتفياً بما سقط فى جوفه من قلائل الطعام أم يقولها لنفسه لأن صفحته على الفيس التى أنشأها منذ حوالى ساعة فقط قد أجتذبت ما يقرب من حوالى مائة ألف متابع !!
( موطن الفاشلين ) سكنه ما يقرب من مائة ألف فاشل حتى اللحظة الراهنة قابلين للزيادة .. حمد الله فى سره على أنه نجح أخيراً فى شئ ما !
بعد ثوان معدودة أكتشف محمود أن أول أمر ينجح فيه هو الفشل !!!
لقد نجح فى أجتذاب مائة ألف فاشل و تم تنصيبه تلقائياً كزعيماً لهم !
سأل محمود نفسه متحيراً .. و قد جال بخاطره لحظة أنشاء هذه الصفحة أنه كان مجرد يفرغ شحناته السلبية بهذه الوسيلة !
الأن ماذا سأفعل مع ( موطن الفاشلين ) و ما الذى سأقدمه لهم ؟؟
- 1 -
على طريق أسكندرية – القاهرة الصحراوى و تقريباً عند منتصف المسافة بين المحافظتين تقع هذه المدينة السكنية و تفرض وجودها و كأنها بقعة جغرافية معترف بها على الخريطة .. تشغل المدينة مساحة شاسعة على الطريق و تمتد للداخل لمساحات فسيحة , هى ليست مجرد مدينة سكنية فحسب و التى قام بتنفيذها على أرض الواقع رجل الأعمال الشاب أحمد ألماظة ..
هى مدينة تم تأسيسها و دعمها بخدمات على الطراز الذى يناسب طبقة الأثرياء و شريحة الشباب و كوكب النساء , خدمات تتماشى مع أغلب فئات المجتمع ..
لو لم يتعثر أحمد ألماظة و يتزلزل مادياً أثناء تنفيذ هذه المدينة أكبر مشروع له فى حياته المهنية لكان باع بالثمن الثمين الذى حدده سواء للوحدات السكنية أو للمحال التجارية دون التنازل عن مليماً واحداً للسعر الذى وضعه لهما .. لكن تحقيق جميع الأمال دائماً يكون محال ..
ألماظة على قدر كبير من النضج التسويقى و يمتلك قسطاً وافراً من الدهاء و لكن أحياناً تنقلب النعم لنقم لأصحابها و أحياناً أخرى تمضى قدماً , و يعزى الفضل فى التحول لطريقة أستخدام هذه النعم ..
ألماظة كان ....... [المزيد]
: 2 -
لهواة النظام وعشاق الدقة بتفاصيلها الغير منتهية .. عليهم القيام بجولة داخل مصنع الجزيرى ستشعرهم بأنهم داخل نموذج مكبر لخلية نحل متكاملة ، سير العمل بالمصنع يأخذ نفس نهج منظومة عمل خلية النحل و لكنه خلية بشرية لصناعة و تعبئة عسل النحل .. يعمل عمال المصنع على أيصال منتج المصنع و هو ( عسل نحل مدينتنا ) إلى أعلى جودة له ليكون فى أبهى صوره التسويقية ، حيث أن الجزيرى واحد من أثقل رجال أعمال ( مدينتنا ) و الذى يسعى
لأقتناص لقب أغنى رجل فى ( مدينتنا ) ..
نجح العمال فى الحفاظ على نفس درجة حماستهم فى العمل بالمصنع لسنوات و أستمرت حتى بدايات عام ٢٠٢٢ و قد بدأت أسعار السلع و المنتجات رحلة الصعود المتواصل مع ثبات مرتباتهم و عدم مرافقتها لرحلة صعود الأسعار لتواكبها .. أثر ذلك بالسلب على نفسية العمال فتأثر أدائهم فى العمل لا سيما و قد بائت كل محاولاتهم فى طلب الزيادة للمرتبات بالفشل حيث تم تأجيل ذلك لأكثر من مرة مع وعود جوفاء عامة ، مما سمح لبذور الأنقلاب أن تتناثر فى أجواء المصنع فتنبت شيئآ فشيئآ حتى تعمقت جذورها و أشتدت و فى أنتظار فقط من يداعب فتيل قنبلة التمرد فيجذبه لينفجر الغضب و يصب على رأس الجزيرى !!
كان الجو العام فى المصنع هادئا الهدوء الذى يسبق العاصفة إلى أن جاء خبر وفاة زميلهم فنى الكهرباء أثناء قيامه بتبديل أسبوتات الأضاءة فى سقف المصنع .. وقع الخبر كالصاعقة على مسامع زملائه لحبهم الجم له و بعد أن أنتزعوا حقيقة السبب المؤدى للوفاة !
لقد توفى فنى الكهرباء غرقاً بعد أن أنزلقت قدماه و أختل توازنه و سقط من أعلى السلم الخشبى ليهوي داخل سطل عملاق معبأ عن أخره بعسل النحل و يصل عمق هذا السطل لأكثر من مترين !!
أستطاع موظف ال IT بالمصنع أقتطاع الفيديو خفية الخاص بغرق زميلهم فى العسل و الأحتفاظ به بعد أن سجل الفيديو لحظات المعاناة المؤلمة التى مر بها الفنى حتى الوفاة !
تم تسريب الفيديو بين عمال المصنع و تم تداوله بينهم كأنتشار النار فى الهشيم , و مما أشعل النار فى قلوب العمال تسريب أيضاً خبر تستيف أوراق الواقعة على أنها وفاة طبيعية خارج المصنع وذلك
لعدم ألحاق الضرر بمصنع الجزيرى ..
كانت واقعة غرق العامل فى العسل بتطوراتها السريعة هى بمثابة جذب فتيل التمرد و الغضب لدى العمال ، سرعان ما تجمهر العمال وبزغ من بينهم من يصلح لتزعمهم و قاموا بوقفة أحتجاجية أتفقوا فيها على مطالبة الجزيرى بحق زميلهم و حقوقهم المؤجلة
و أعلنوا أنهم لم و لن يتنازلوا عنها ..
فى غضون لحظات نقلت الشخصيات ( المعصفرة ) بالمصنع التطورات للجزيرى الذى أتخذ الأمر على محمل الجد و ذهب لموقع الأحتجاج و بعد أن أستمع لهم أخبرهم أن ليست هذه هى الوسيلة التى تليق بأن يعرضوا عليه طلباتهم .. أمرهم أن يتفرقوا و يتموقعوا على ماكيناتهم و سينظر فى موضوع زيادة المرتبات .. رفض العمال و أشتاطوا غضباً و أصروا على موقفهم بروح الثوار مما أستفز الجزيرى أكثر فأخبرهم فى صرامة كاسحة أن لديهم ساعة واحدة من الزمن لفض هذه الوقفة الأحتجاجية و أستئناف عملهم أو مغادرتهم المصنع دون رجعة !!
★★★★★★★★
أكتشف محمود أن ( موطن الفاشلين ) الذى أسسه
هو حقآ أكبر نجاح قد حققه !!
لقد تفاقمت أعداد الفاشلين المنضمين لموطنهم الجديد و وصلت لحوالى نصف مليون ، مما رشح هذه الصفحة لتصدر مواقع البحث الألكترونى لتمر بأزهى أوان لها منذ أنشائها ..
لم تكن الصفحة محط أنظار الفاشلين فحسب بل كانت أيضاً محط أهتمام نوع أخر من رواد السوشيال ميديا.. كان يتابع الصفحة بل و أنضم إليها عدد هائل من الأطباء النفسيين تحت أسامى مستعارة تتيح لهم التوغل فى ( موطن الفاشلين ) دون أن يكشفهم أحد .. لقد كانوا يتابعون بوستات الفاشلين الذين يقومون بتشييرها و تعرض لمحات من حياتهم السوداوية , و كان هؤلاء الأطباء ينبهرون بضخامة تفاعل الفاشلين مع بعضهم البعض و كلاً منهم يشارك ببوست أقوى من الذى سلفه
و كأنه مزاد على أكثر حياة بائسة !!
لقد راق كثيرا لهؤلاء الأطباء النفسيين المخفيين هذه الأحداث المتطورة بين رواد الصفحة و وجدوا فيها بيئة ملائمة تخدم مجال عملهم و تدعمه .. وعليه فقط فكر عدد لا بأس به من هؤلاء الأطباء فى نفس الفكرة و قاموا بالتواصل مع شركات دعاية للأعلان عن عياداتهم و أساليبهم المتطورة و الحديثة فى علاج و تطوير الذات على هذه الصفحة .. موطن الفاشلين ..
سرعان ما تم التواصل مع محمود من قبل شركات الدعايا و عرضوا عليه فكرة الأعلان على صفحة ( موطن الفاشلين ) لأطباء يعالجون
بطرق تنمية و تطوير الذات ..
تملص محمود فى بادئ الأمر و أبدى عدم ترحيبه بالفكرة فتنفيذها قد يقلل من مصداقية الصفحة فهى صفحة حرة و ملك لروادها ..
أسهل طريقة للأقناع هى ذكر المقابل المادى للخدمة و هذا ما أتبعته شركات الدعايا مع محمود الذى أصابه التخبط عندما أدرك أن المقابل المادى حقآ مجزى فلم يتماسك طويلاً و أعلن موافقته على الأعلانات الممولة التى فى غضون أيام تدفقت كفيضان أكتسح
موطن الفاشلين ...
***********************
مضت ساعة سلحفية داخل مصنع الجزيرى مرت على العمال و كأنها دهرآ و على الجزيرى أيضآ ..
الأنتظار فى حد ذاته يعصر العقل و أحياناً يعتصر القلب ..
بزغ الجزيرى فى مكان ما فى الأعلى يتيح له مخاطبة المتجمهرين من العمال المتمردين .. لحظة صمت ضربت الثوار بمثابة
ظهور الجزيرى لهم بعد تهديده الحاسم ..
رمقهم بنظرات خاطفة صارمة و خاطبهم بصوت أجش
و هو يسألهم ماذا نويتم ؟؟
كانوا يتجمهرون فى خطوط دائرية و فى مركزهم كان يقبع زعيمهم و ينادونه بعم ضياء الذى برز لمواجهة الجزيرى و قد رفع ناظريه للأعلى ليرد فى ثقة على سؤال الجزيرى ..
نوينا على أن لا نفرط فى حق زميلنا الشهيد و لن نتهاون فى حقوقنا
و لن نتراجع عن مطالبنا ..
رد الجزيرى فى حزم لحسم الموقف و قال له أسمعها قولآ واحداً منهم .. نظر عم ضياء لهم كأنه عازف يقود الأوركسترا حتى خرجت منهم سيمفونية الغضب التى أكدت على كلام عم ضياء ..
أنطلقت عبارات مقتضبة من الجزيرى على سياق .. أذن فلتصلكم حقوقكم المادية عن هذا الشهر و لتغادروا المصنع بعدها دون رجعة !!
عبارات قصيرة ثقيلة أنهى بها الجزيرى الموقف دون تردد أو تهاون .. قرار لم يتوقعه أحداً من الثوار أن يستغنى الجزيرى عن جميع عمال المصنع فى آن واحد .. لقد حول عم ضياء الوضع لظلمات لهم .. بينما تعامل الجزيرى مع الأمر بكل بساطة و كأنه يدهس سيجارته بعد أنهائها !
أرسل الجزيرى بعد ذلك من يتواصل مع أهل فنى الكهرباء الذى توفى غارقآ فى العسل و تم مراضية أسرته مع ضمان مبلغ شهرى كبير سيصلهم كل أول شهر شرط أن يغلقوا ملف الوفاة نهائيآ و عدم التجاوب مع أى محرض يحمل فيدوهات لن تجدى لهم نفعاً ،
بل ستبتر يد العون الممدودة لهم ..
و بخطوات ممنهجة لم يهدر الجزيرى الوقت بل كان يبرم أتفاقاً مع شركة يابانية لتوريد روبوتات بتكلفة مليون دولار ليقفوا على خطوط الأنتاج بمصنعه لأستمرار عجلة الأنتاج بل وضع خطة لمضاعفته !!!
******************
إذا وضعتك الظروف فى غرفة معتمة فلا شك أن ظهور شعاع نور فيها سيلفت نظرك و يجذب أنتباهك ..
محمود كان تائهآ فى ( موطن الفاشلين ) كان يشاهد و يتابع فى صمت بوستات أعضاء الصفحة التى توحى و كأنها لوحات أدبية لكنها سوداوية كانت تشعر محمود بالظلام الدامس ..
فى ظل هذه العتمة المعنوية كانت بوستات تشوبها بصيصاً من الأمل تنزل تباعآ لنفس الأسم .. أختلاف لونها المضئ لفت نظر محمود ليس فقط ذلك .. بل أسم صاحبة البوستات هو من جذب أنتباهه أكثر !
( وردة الجنة .. ذبلت فى جحيم الحياة ) كان محمود يتابع هذا الأسم المستعار منذ فترة طويلة و يتفحص بوستاته و هى مكتوبة من حروف تملؤها الشجن ويكسوها قشرة من الأمل !
قرر محمود كسر الحاجز الزجاجى الفاصل بينهما و فتح محادثة معها و تردد كثيرآ قبل أن يكتب لها : السلام عليكم ..
كانت شارة أدمن الصفحة تظهر جنب أسم محمود مما أوهم محمود أنه بمجرد ألقاء السلام على من يحدثه من أعضاء الصفحة سيقتنص عضو الصفحة هذه الفرصة سريعاً ، عاد محمود و ألقى السلام مرة أخرى و أيضآ لم يستقبل أجابة .. فعاد للمحادثة و كتب :
هو أنا مش بقول السلام عليكم ؟!
فجائت أجابة كتابية من وردة الجنة الذابلة : بـس يــاض ..
عقد محمود حاجبيه و كتب و هو يمسح حروفاً و يعود لكتابتها ثم كتب لها : أطوارك غريبة .. حتى صفحتك لما فتحتها غرقت فى بحر غموضها .. ممكن أعرف حكايتك ؟؟
ردت الفتاة : بس يا بابا .. و تانى مرة متفتحش حاجة متخصكش ..
ظهر غضب محمود فى كتابته للفتاة : و بعدين فى لماضتك دى ؟
أنتى منين عايز أفهم ؟ أسكندرية و لا القاهرة و لا منين ؟
الفتاة : هريحك و أرد علشان أجابتى هتحيرك ..
انا لا من أسكندرية و لا من القاهرة .. أنا من النص ..
أستخدم محمود دهائه فى المحاورة :
مهو لو عرفت أنتى منين بجد .. هتخيلك و هقولك حاجات
عن شخصيتك تبهرك .. جربى و أعتبريها لعبة للتسلية ..
الفتاة فى ثقة : أزاى زعيم الفاشلين هينجح فى حاجة ؟
أنا من مدينة تتوسط المحافظتين .. مدينة أسمها ( مدينتنا ) .. لما تعرفها أبقى أتخيلنى و أبهرنى المرة الجاية .. دلوقت أنا لازم أقفل .. سلااااام ...
نظر محمود طويلاً بعينان مفتوحتان عن أخرهما لشاشة موبايله بعد أن قرأ كلمات الفتاة صاحبة أسم .. ( وردة الجنة.. ذبلت فى جحيم الحياة ) ..
*************
أرض الرخاء هى أرقى بقاع ( مدينتنا ) تقع بالطبع فى الجانب الشرقى فى أقصاه .. تم تخصيصها لصفوة أثرياء المدينة ..
أحدث تصميمات عصرية لفيلات ستجدها فى أرض الرخاء .. واحدة من التصميمات المبهرة كانت من نصيب فيلا تضج دومآ بالحياة .. هذه الفيلا يقوم صاحبها و هو شاب فى أواخر العشرينات يدعى نهاوند ، بتأجيرها لأقامة حفلات الزفاف و أعياد الميلاد و ماشابه و هذا بمقابل مادى باهظ ..
فى حالة عدم و جود حفلات يقيم هو حفلاته الخاصة مع أصدقائه و صديقاته ليكسر بهذه الحفلات سكون الليل إلى أن تعود الشمس من غيابها مرة أخرى ..
فى هذا اليوم كان جدول الأعمال خالى من أى حفلات ، لذلك دعا نهاوند أصدقائه و صديقاته لقضاء سهرة ساخنة فى فيلته .. نهاوند كان يقدر المخدرات لا سيما الحشيش بينما أصدقائه لا يحبذونه فمنهم من يدمن الخمور و الويسكى و منهن
من غرزت أقدامهن فى حبوب الهلوسة الخطيرة !
نهاوند يسعى دائماً لأستخدام الطرق التى تيسر عليه المعيشة فهو على أستعداد لأن يبذل جهداً كبيراً كتلة واحدة مقابل أن تمنحه كتلة الجهد هذه أطول فترة راحة ممكنة فيما بعد ..
حتى فى أمور الهلس يطبق نهاوند نظريته فى الحياة.. فعلى سبيل المثال أبتاع نهاوند مبشرة خضروات و قد بحث عنها جاهداً حتى حصل على واحدة أستانلس فتحاتها أوسع قليلا من خرم الأبرة !
و أتفق مع ديلر و أبتاع منه كيس حشيش كامل يزن حوالى ٢٥٠جراماً و قام ببشره على المبشرة لتحويله لبودر بنى
و قام بتعبئته فى برطمان زجاجى كبير !!
و عند أحتياجه لتعاطى المخدرات فقط يفتح البرطمان و يأخذ المقدار المناسب ليستخدمه حسب طريقة تعاطيه للحشيش ..
نهاوند يعيش فى الحياة بهدف الحصول على اللذة و الغرق فى المتعة و هذه أحدى الأسباب الرئيسية لخلافه مع والده ..
هجم الليل فى موعده و خيم بظلامه على المدينة .. عكس الحال داخل فيلا نهاوند فالأضاءات الليد المتناثرة هنا و هناك تشعرك
أنك فى وضح النهار .. أنتشر أصدقاء نهاوند و صديقاته فى الفيلا و كلاً يغنى على ليلاه .. فهناك من يرفع زجاجة الويسكى و يجرع منها فى همجية و هنا فتاة تبتلع حباية يدسها فى فمها شاب يرقص معها و يدس واحدة فى فمه هو أيضاً..
الجميع كان فى حالة لذة صارخة و نشوة عارمة ..
نهاوند كان يجلس بمرافقة فتاة ممشوقة القوام يغطى شعرها الأسود الداكن كتفيها و تتلوى على أنغام الموسيقى بينما هو كان ممسكآ بسيجارة الحشيش بين أصبعيه و يسحب منها ببطء فينفث بعدها سحابات كثيفة من الدخان ، كان يجلس بالقرب منهما شاب سكير مع فتاة تشبهه ..
جميع الحاضرون يعرفون الخلاف القائم بين نهاوند و والده رجل الأعمال منذ سنوات قريبة و على أثره أنتقل نهاوند للعيش بمفرده فى هذه الفيلا التى سجلها له والده بأسمه قبل نشوب الخلاف بينهما ..
لكن تأثير الخمور قد ضرب هذا الشاب السكير بقوة الذى يجلس على مقربة من نهاوند و جعله يتطاول فى حديثه مع نهاوند و هو يخاطبه فقال :
شفت أبوك عمل أيه .. سرح العمال اللى عنده فى المصنع و هيجيب مكانهم روبوتات .. ثم ضحك ضحكاً مريعاً و أستطرد السكير مخاطباً نهاوند .. ليك حق تطفش منه وتقاطعه و تيجى تعيش هنا .. و أصدر ضحكة مقززة أخرى ثم رفع الزجاجة على فمه التى كان قابضاً عليها بيديه و ظل يشرب منها و كأنها مياه غازية !
كان نهاوند قد أعتدل فى جلسته و ما أن أنهى صديقه الثمل حديثه حتى قام نهاوند عن مقعده و أقترب منه فأطفأ سيجارة الحشيش بأسقاطها داخل زجاجة الخمر الممسك بها و قال له :
خلافى مع والدى لن يمنحك الحق فى التطاول على الجزيرى باشا .. ثم كال له لكمة عنيفة كانت قد حولت الصخب من حولهما لصمت الموتى .. ترقب الجميع الموقف بعدها ، و مع تأثير المخدرات كانوا يشعرون أنهم أثقل وزناً و لم يستغرق الموقف أكثر من خمس دقائق قد أنتهى بطرد نهاوند للسكير المتطاول على والده ثم عاد الوضع لما كان عليه و صدحت الموسيقى مرة أخرى من مكان ما و أحيت معها
الشرب و الضحك و الرقص و كأن شيئاً لم يكن ..
***************************
محمود طايع هو بالفعل بارع فى مجال البرمجيات ولكنه ليس الأبرع فيه .. صفحته (موطن الفاشلين ) حالها كحال الجروبات الخاصة بالنساء فقط .. فتجد هذه الجروبات سرية للبنات لكنها فى الحقيقة تزخر بالرجال المتنكرين فى أسماء مستعارة لسيدات ، هذا على سبيل المثال ..
( موطن الفاشلين ) هو بالفعل مأوى للفاشلين و المحبطين و للهاربين من الحياة بسننها و قوانينها المعقدة .. لكن لا مانع من تواجد بعض الفضوليين فى هذه الصفحة لمتابعة ظهور فكرة جديدة كـ ( موطن الفاشلين ) و محاولة تقليدها و هناك من يندس بينهم لأغراض صحفية و منهم لأغراض مهنية كما فعل بعض الأطباء النفسيين ..
كما أن مواطنين الصفحة من الفاشلين لم تولدهم أمهاتهم فاشلين .. بل من المؤكد أن لديهم مواهب أو أنهم أتقنوا مهارات أو وظايف على مدار حياتهم السابقة ، لكن ضغوطات الحياة تمكنت منهم و سحقت حماسهم و دهست طموحاتهم فأصبحوا على ما هم عليه الأن فهاجروا إلى ( موطن الفاشلين ) بمجرد ظهوره ..
فى الأونة الأخيرة ظهرت مجموعة من الفاشلين المخلصين فى ( موطن الفاشلين ) كانت تقوم بتشيير بوستات على الصفحة تدين فيها الأطباء النفسيين و تستنكر أنتشار
الدعايا و الأعلانات الممولة على صفحة موطنهم !
لاقت هذه البوستات الكثير من التفاعل معها سواء بـ لايك أو كومنت مؤيد للبوست ، و بدأت تجذب و بشدة أنتباه معظم مواطنين الصفحة و بدا ذلك جلياً من تنامى التفاعل مع بوستات الفاشلين المتضجرين ..
مما حفز أحد أعضاء الصفحة من فئة الفاشلين المخلصين لأن يستجمع خبراته المغمورة بعقله الباطن و يلملم نفسه و يستفاد من إلاعيبه السابقة فى تهكير الأجهزة و أختراق المواقع و يكرس ذلك ليتمكن من تقديم المساعدة لنفسه أولاً و لأعضاء الصفحة من الفاشلين و المحطمين نفسياً ..
كانت البوستات تتوالى و كانت بمثابة حطب نار الأنتفاضة ..
بالفعل نجحت هذه البوستات فى أطلاق الشرارة الأولى بداخل الفاشل الهاكرز حتى تحولت لجحيم فى رأسه و قرر أن يطلق سراحها .. تحول هذا الهاكرز لتنين بشرى يُخرج فحيح الغضب من مسامه .. أصبح عزمه معقودا على التنفيذ حتى حدد يوم رد الأعتبار ..
على الصعيد الأخر كان محمود يتعامل مع البوستات الأنتقادية و الضجر على صفحته كما تعامل مبارك وحاشيته مع ثوار يناير .. التجاهل .. ظن محمود أن ما يحدث فى ( موطن الفاشلين ) مجرد زوبعة فى فنجان و ستتبخر و تذهب لحالها ، و توهم أن الحماية التى غلف بها الصفحة منحتها قوة ستجعل الصفحة تدوم رغم أى مناوشات تدور معها !
كما أنه كان يؤمن فى أعماق نفسه أن ما يتحصل عليه من دخل مادى ضخم بفضل الأعلانات الممولة على ( موطن الفاشلين ) لن يتنازل عنه و لن يفرط فيه و رأى أن التجاهل فن و هذا أوانه ..
فى اليوم المحدد بذهن الفاشل الهاكرز بدأ فى ممارسة خطته الهجومية .. أستغرق من الوقت ما أستغرقه و فى النهاية تمت السيطرة التامة على الصفحة من حذف للأعلانات الممولة و تعطيل نشر بوستات جديدة و وقف التفاعل مع البوستات القديمة .. أى تم شل حركة الصفحة بالكامل .. لم يكتف الفاشل الهاكرز بذلك بل كتب بالبنط العريض على الصفحة الرئيسية :
لقد تم أحتلال موطن الفاشلين ..
هذه الصفحة أكذوبة.. فمن أنشأها يتاجر بفشل أعضائها ..
لا للمصالح الشخصية ..
علم محمود بما حدث من خلال ( عصفورة النت ) و هى أشعارات الفيس التى تخبر صاحبها بكل همسة تحدث فيما يشارك به .. فتح محمود ليفهم ما التعديلات التى حدثت لصفحته دون أن يفعلها ، لكن أصابته الصدمة عندما وجد نفسه كباقى أعضاء الصفحة يفتح ليقرأ فقط ما تم كتابته على الصفحة .. حاول محمود أن يستغل براعته فى مجاله لأستعادة صفحته لكنه فشل فشلآ ذريعآ و أدرك أنه عاد مرة أخرى لنقطة الصفر ..
أيقن محمود وقتها أن هناك من هو أبرع منه فى المجال و أنه
كان مخطئا عندما ظن أن فى التجاهل نجاة ..
*****************************************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الثاني
2 -
لهواة النظام وعشاق الدقة بتفاصيلها الغير منتهية .. عليهم القيام بجولة داخل مصنع الجزيرى ستشعرهم بأنهم داخل نموذج مكبر لخلية نحل متكاملة ، سير العمل بالمصنع يأخذ نفس نهج منظومة عمل خلية النحل و لكنه خلية بشرية لصناعة و تعبئة عسل النحل .. يعمل عمال المصنع على أيصال منتج المصنع و هو ( عسل نحل مدينتنا ) إلى أعلى جودة له ليكون فى أبهى صوره التسويقية ، حيث أن الجزيرى واحد من أثقل رجال أعمال ( مدينتنا ) و الذى يسعى
لأقتناص لقب أغنى رجل فى ( مدينتنا ) ..
نجح العمال فى الحفاظ على نفس درجة حماستهم فى العمل بالمصنع لسنوات و أستمرت حتى بدايات عام ٢٠٢٢ و قد بدأت أسعار السلع و المنتجات رحلة الصعود المتواصل مع ثبات مرتباتهم و عدم مرافقتها لرحلة صعود الأسعار لتواكبها .. أثر ذلك بالسلب على نفسية العمال فتأثر أدائهم فى العمل لا سيما و قد بائت كل محاولاتهم فى طلب الزيادة للمرتبات بالفشل حيث تم تأجيل ذلك لأكثر من مرة مع وعود جوفاء عامة ، مما سمح لبذور الأنقلاب أن تتناثر فى أجواء المصنع فتنبت شيئآ فشيئآ حتى تعمقت جذورها و ....... [المزيد]