الفصل السادس 💬 أقوال محمد حسن عبد الجابر 📖 رواية إيجيكوين
- 📖 من ❞ رواية إيجيكوين ❝ محمد حسن عبد الجابر 📖
█ الفصل السادس كتاب إيجيكوين مجاناً PDF اونلاين 2024 عندما تصبح أحداث الحياة الأرض أقرب إلى عالم الخيال عندها يمكن للخيال العلمي أن ينزل ويلامس أرض الواقع ويضيف لونه ليطغى ويرتبط بها بحيث يكتسب الوضع الجديد طابعًا مألوفًا يختلط بأحداثه مع بدرجاته فمن الضروري يتم التعامل المعاصر وإن كان خارجًا عن المألوف
وعندما ينشأ الحب مثل هذا الجو يجب يكون مستوى القول يصنع المعجزات والمقصود بالمعجزات هنا فيما يتعلق بالجانب الرومانسي للرواية ليس الأحداث التي تنسب التدخل الإلهي المباشر
بدلاً من تشير كلمة معجزة صمود البطل للظروف والعقبات ساهمت المساعدة الإلهية المقام الأول ثم قدراتهم الخاملة للتغلب عليها وتحملها قدر المستطاع إذا تعريف المعجزة هو أنها قطع واضح يحدث قوانين الطبيعة فإن ما حدث وصفه بأنه شبيه بالمعجزة !! كنت أنوي كتابة ملخص لرواية (إيجيكوين) بالأسلوب التقليدي لكن الكلمات رفضت تتلاءم بعضها
تصارعت الرواية ذهني وخلاصة قرأته للتو إذن تصارعت
إذن
- 6 -
خضعت الروبوتات ( المخبولة) و التى أصابها فيروس ( جنون الروبوتات ) و تم صيانتها على يد المهندس المصرى محمود طايع ، للمراقبة و الملاحظة أثناء عملها على حسب نوع النشاط الذى تم تسخيرها من أجله ..
يتم كتابة تقارير يومية بحالة هذه الروبوتات التى تعمل فى مصانع و شركات متنوعة بالجانب الشرقى لـ ( مدينتنا ) .. يتم أرسال هذه التقارير بصفة دورية لمكتب الجزيرى ليقوم بفحصها و دراستها و متابعة الحالة الفنية لهم .. مضى أسبوعان على صيانة الروبوتات المصابة و أنخراطها مرة أخرى فى العمل ، بعد الأطلاع على التقارير و الحالة العامة لهذه الروبوتات خلال الأسبوعان الماضيين .. سادت حالة من الأطمئنان و زادت الثقة في مراكز صيانة ( مدينتنا ) و بالأحرى أرتفع شأن محمود
مهنياً و أرتقت مكانته لدرجات أعلى ..
كانت هذه الثقة المستمدة من واقع الأحداث الماضية وراء الدافع فى أن يستقر الجزيرى بدعم من الماظة و المنفلوطى على أرسال إيميل للشركة اليابانية الموردة للروبوتات ، يكون فيه نص الرسالة لاذعاً ..
بالفعل تم أرسال الإيميل و كانت به عبارات زجر و توبيخ لما أرتكبه مهندسون شركتهم تجاه روبوتات ( مدينتنا ) مما أثر على عجلة الأنتاج !!
بعد ساعة زمن واحدة من أرسال إيميل مصرى يكشف التلاعب اليابانى .. تم الرد بـ إيميل يابانى لكشف سوء الفهم المصرى الذى وقع جراء ما حدث الفترة الماضية .. جاء نص الإيميل اليابانى كالتالى :
ما حدث كان ضمن خطة الدورة التدريبية .. و هذا كان يمثل الجزء الأخير من الأختبار الذى وضعه المدربين اليابانيين ..
*************************
داخل منزل طايع قد تغير الوضع فى أكثر من موضع ، بعد أن وافق طايع مرغماً من تلقاء نفسه على شغل وظيفة محاسب فى محل أبو كرش ..
كانت الحاجة زكية تقف كعادتها فى المطبخ وسط الأبخرة الكثيفة .. كانت الأغانى تصدح من غرفة محمود .. اللون الجديد الذى يصبغ الأغانى بغرفة محمود هو اللون الرومانسى .. لقد أستشعرت الحاجة زكية التغيير الذى طرأ على منزلها و أسرتها الصغيرة .. زوجها طايع يذهب مرغما للعمل مع شخص لا يطيقه و لكن هذا أفضل وضعا من البقاء فى المنزل دون عمل ، أبنها محمود قد تغير مزاجه و أصبح يستمع لأغانى رومانسية و هيمنت عليه حالة من الهيام و الغرام ..
لاحظت الحاجة زكية التغيرات التى طرأت على حياتها الأسرية ، لكن حالة محمود العاطفية قد أسترعت أنتباه والدته و شغلت مساحة كبيرة من ذهنها ..
أنهت الحاجة زكية طهى الطعام و خرجت من المطبخ و لم يأتى طايع بعد .. و هذا طبقاً لمواعيد العمل الجديدة بمحل أبو كرش ، تجولت بنظراتها فى المنزل و لم يكن معها فيه غير محمود .. لذلك لم تجد غير غرفة محمود تصلح لتطرق بابها و هى تنادى عليه أفتح يا مسهوك !!
فتح محمود باب الغرفة و هو يبتسم لها و قال : مسهوك أرحم من فاشل .. أمتى بقى هتفتكرى أن أسمى محمود .. دة أنتى اللى مسميانى !!
مددت الحاجة زكية ساقيها فوق سرير محمود و طلبت منه أن يخبرها عن مبرر للحالة العاطفية التى أصابته تزامناً مع الوظيفة الجديدة .. و سألته :
هل تحب صاحبة العمل الجديد ؟؟
فضحك محمود و قال لها : لا .. الأبنة !!
كاد محمود أن يفصح لوالدته عن الجزء الخفى فى حياته ، لكن كسر مجئ والده طايع هذه اللحظة و فض هذه الجلسة ، لا سيما و أن طايع كان فى حالة يرثى لها و كانت تصرفاته توحى بالغضب و كلماته
تؤكد بأنه مصاب بحالة نفسية مأزومة ..
سألته الحاجة زكية و قد تملكها القلق : مالك يا حاااج خير ؟
رد طايع بصوتاً أجش : و هيجى منين الخير و أنا شغال مع أبو كرش
اللى بالع فى كرشه كل الخير !
انا لا يمكن أكمل فى المحل دة ..
دة عايزنى أقبل أوضاع غلط فى الشغل و يقولى :
مشى حالك حالك يمشى .. أو امشى !!
***************************
كان الجزيرى يتفقد الجيميل و يستطلع الإيميلات المرسلة له ، فأستوقفه إيميل الشركة اليابانية ،
و قد جاء نص الإيميل المرسل من الشركة اليابانية كالتالى :
ما حدث كان ضمن خطة الدورة التدريبية .. و هذا كان يمثل
الجزء الأخير من الأختبار الذى وضعه المدربين اليابانيين ..
فذهب إليهم الرد على هذا الإيميل كالأتى :
و ماذا بعد أجتياز الجزء الأخير من الأختبار بنجاح ؟!!
فتم الرد من الشركة اليابانية على إيميل الجزيرى بمفاجأة جديدة :
تم أهداءكم دورة مكثفة مجانية فى كيفية صناعة الروبوتات ، هذه المنحة لفردا واحداً .. و ستقام الدورة بمقر شركتنا فى اليابان ..
برجاء التأكيد للتجهيز و شكراً لكم على تعاملكم معنا ..
تمكن اليابانيين من أرباك الجزيرى و أصابته بحالة من التفكير الضبابى ، تواصل الجزيرى هاتفياً بالماظة و المنفلوطى و عرض عليهم التطورات بشأن الشركة اليابانية ، فكان جوابهم حاسماً و قاطعاً بأستغلال هذه الفرصة أياً كانت نواياهم و أرسال المهندس محمود طايع للأستفادة من هذه الدورة و أن ينهل قدر المستطاع من خبراتهم لينقلها لزملائه فى مراكز صيانة ( مول المستقبل ) و بدء تنفيذ الخطوة المستقبلية التى طالما حلم بها الماظة منذ بادئ الأمر ..
*****************
كما أقر خبراء الحياة .. أن فى حياة كل إنسان موقف
لا تعود الحياة بعده كما كانت من قبل ..
ظهر أيضاً خبراء فى الحب و أفترضوا .. أن فى حياة كل أنسان شخص
لا تكون الحياة فى وجوده كما كانت من قبل ..
ظهور محمود فى حياة جميلة و كذلك وجود جميلة فى حياة محمود ،
أحدث فارقاً ظاهراً للجميع حتى لضعاف البصر ..
لقد غيرت جميلة أسمها المستعار ( وردة الجنة ذبلت فى جحيم الحياة ) بعد أن لازمها لسنوات .. ليصبح ( وردة الجنة تتفتح ) ..
ظهور محمود فى حياة جميلة كان له فضلاً كبيراً فى تبديل أسمها المستعار .. كما أن محمود قد صارح جميلة أن ظهورها فى حياته له الفضل أيضاً فى أن يغير أسم صفحته من ( موطن الفاشلين ) إلى ( معاً نصنع النجاح ) ..
و أخبرها أنه كان يقصدها عندما سجل الأسم الجديد
و أن - معاً - تعود عليهما هما الأثنان !!
كان محمود يعيش أزهى أيامه الرومانسية و لم يسبق له قط أن مر بمثل هذه الحالة أو تذوق مثل هذه المشاعر التى تغمره الأن ، و قد لاحظت والدته زكية ذلك و قد علقت عليه ..
كذلك جميلة كانت تنتابها حالة من الغرام كانت أقوى من
قدرتها على أخفائها أمام والدها الجزيرى ..
الجزيرى كان لا يصارح جميلة مباشرةً بما يلاحظه ، لكن كلماته كانت تؤكد لجميلة أن والدها على دراية كاملة
بالتغيرات التى طرأت على شخصيتها و حياتها ..
صرح لها عن سعادته لأقبالها على خطوة تغيير أسمها المستعار و أخبرها أنه سيكون أسعد لو أخبرته الدافع وراء هذه الخطوة الإيجابية ..
أكدت له جميلة أن لقانون الحياة قوة قادرة على تغيير البشر !
رد عليها الجزيرى بلهجة أصطناع التأثر :
أنتى محقة فى ذلك .. بمناسبة تغيير البشر .. لقد تغير محمود .. و قرر أن يتخلى عن مراكز صيانة المدينة و وافق على عرض الشركة اليابانية ، و سيسافر للإنضمام لفريق عملهم !
قالت جميلة فى فزع : متى حدث هذا ؟!!
أبتسم الجزيرى و قد لمعت عيناه .. فأنتبهت جميلة أن والدها قد لاحظ أرتباكها .. حاولت جميلة أحتواء الموقف و التشويش على أندفاعها لكن كانت محاولتها دون جدوى ..
************************
كان للجزيرى عينان أقرب لعينان الصقر فى حدتهما و عقل أقرب ما يكون لعقل الثعلب فى مكره .. لقد كان الجزيرى ثاقب النظر لدرجة مكنته من كشف بوادر الحب فى فؤاد أبنته جميلة ، و كان يمتلك من الدهاء
ما يكفى لمحاربة هذه العلاقة و وأدها فى مهدها ..
تواصل الجزيرى سراً مع الشركة اليابانية دون علم الماظة أو المنفلوطى ، و أرسل إليهم إيميل يعرض عليهم فيه تطبيق نظام الأحتراف فى الصناعة كما يحدث فى الرياضة .. أرسل إيميل بما يفيد أن يستقر محمود فى العمل لديهم مدة لا تقل عن ثلاث سنوات و فى المقابل يقوموا بأرسال مهندس يابانى خبير فى صيانة الروبوتات و تصنيعها ليحل محل المهندس المصرى بمراكز صيانة المدينة .. و أكد لهم أنه سيتحمل كافة التكاليف المطلوبة لأتمام هذه المهمة !!
جاء رد الشركة اليابانية من خلال إيميل و كان على النحو التالى :
لا مانع من تطبيق فكرة الأحتراف و الأعارة ، لكن يتحتم موافقة جميع الأطراف .. سوف نعرض الأمر على المهندس المصرى عند مجيئه و فى حالة موافقته فنحن جاهزين لأرسال أحد المهندسين اليابانيين الخبراء فى هذا المجال ..
***************************
عندما يكون نظام العمل فى سياق العمل الجماعى و يكون الفريق بأكمله على قلب رجلاً واحداً .. تكون المحصلة النهائية ممتازة ..
لقد أدى القائمين على مشروع أستصلاح الأراضى الصحراوية كل ما بوسعهم لأنجاز الإجراءات اللازمة لأنجاح هذا المشروع ..
تمكن الماظة و الجزيرى من تسخير علاقاتهم القوية المتشعبة فى خدمة مشروع الزراعة بالمدينة .. لقد تم الأنتهاء أخيراً من بناء محطة معالجة مياه الصرف الصحى فى مدة لم تزيد عن خمسة أشهر ،
و هذا زمن قياسى لأنجاز مثل هذه المهمة !
كما تم خلال هذه المدة الحصول على الأعتمادات الفنية بعد الإنتهاء من مرحلة الفحص من الجهات المسئولة ، وذلك للتمكن من أستيراد المعدات الكهروميكانيكية لأستخدامها فى المعالجة الثلاثية ..
تم فتح باب التقدم لشغل وظائف عديدة و متنوعة فى هذا المشروع العملاق الذى سيبتلع أعداداً مهولة من مواطنين ( مدينتنا ) و سيساهم بشكل كبير فى حل أزمة البطالة التى ضربت المدينة ..
بدأ الأستقرار يعرف طريقه لـ ( مدينتنا ) ، كان الهدف الأساسي الظاهر لهذا المشروع هو المساهمة فى حل مشكلة البطالة بالمدينة .. لكن لعب مفكرين و رجال أعمال المدينة على أتجاه أخر غير معلن و هو التركيز على زراعة القمح و لكن أيضاً أعطاء مساحة عادلة لزراعة بعض الحبوب و الغلال الأخرى الصحراوية و كذلك الخضروات مثل : البطاطا و القرع العسلى و الباذنجان و البصل و الملوخية و الخيار و الفلفل و أيضًا البطيخ و الشمام التى يمكن زراعتها فى أراضى المدينة الصحراوية ، و ذلك لتوفير السلع الإستراتيجية التى لا تمكنهم من تحقيق الإكتفاء الذاتى للمدينة فحسب بل و بدء مرحلة التصدير أيضاً و النهوض بأقتصاد المدينة ..
*****************************
بعد مرور شهر ...
كان محمود قد عاد من اليابان بعد أن أنهى بنجاح المأمورية التى تم تكليفه بها ، و عاد لينقل الخبرات التى أكتسبها من الخبراء اليابانيين لزملائه المبتدئين المصريين .. لم يكتف بذلك فحسب بل شرع فى أولى خطوات تصنيع الروبوت !
كان محمود يجلس على مكتبه الذى تم تخصيصه له منذ أن تولى منصب مدير مراكز صيانة ( مول المستقبل ) ، كان يأخذ قسطاً من الراحة مع الأستمتاع بكأس ملئ بعصير المانجو و تغوص فيه قطع من المانجو .. جال فى خاطره صديقه خالد فقرر أن يتصل به هاتفياً .. رد عليه خالد و على غير العادة بادر محمود و طلب منه أن يقابله على المقهى الذى يجتمعان فيه على فترات متباعدة .. لبى خالد طلب صديقه و أتفق معه محمود على الموعد و كان بعد ساعة من الأتصال الهاتفى فأخبره خالد أن لا بئس فالوقت مناسباً له ..
على المقهى كان يجلس محمود قبل الموعد المحدد .. دقائق و ظهر خالد و هذا يعنى أن الساعة قد دقت السادسة مساءً .. أيقن محمود ذلك بعد النظر فى ساعته فهو يدرك مدى مصداقية مواعيد صديقه خالد ، لذلك داعبه محمود بعد مصافحته و قال له : سأطلق عليك أسم خالد اليابانى لدقة مواعيدك !!
أبتسم خالد و قال له : أراك منبهراً باليابانيين بعد سفرك لبلدهم ..
و سحب كلاً منهما مقعداً و جلس عليه و طلب خالد من صديقه
أن يخبره بتجربته فى السفر إلى اليابان ..
كان محمود يسرد له و خالد يستمع له مستمتعاً بما يسمعه و أبدى أعجابه لمحمود بتجربة الروبوتات برمتها .. كان خالد منبهراً بالتطورات التى تحدث فى مجال التكنولوجيا بالمدينة ، و بالأحرى بالأتجاه الذى سلكه رجال أعمال المدينة و تأسيس مراكز صيانة للروبوتات ..
ففاجأه محمود أن هذا كلاماً قديماً و أنه يعيش الأن مرحلة أنتقالية أخرى و أخبره أنه شرع فى تصنيع روبوت كامل ، أخبره خالد أن المنحة قد أتت بثمارها و قال له مازحاً : لو مكثت هناك أكثر من ذلك كنت ستعود إلينا لتطرح فكرة تصنيع سفن فضائية و بيعها للرماديون ..
ضحك محمود و أخبره أن الشركة اليابانية بالفعل قد عرضت عليه العمل لديها بعقد لمدة ثلاث سنوات ، و لكنه رفض فعرضت عليه الشركة اليابانية مرتب مغرى و لكنه رفض أيضاً و تمسك بتنفيذ حلمه فى وطنه الحبيب مصر ..
رد عليه خالد و قد لمعت عيناه بالأعجاب و قال لصديقه مازحاً :
سأمنحك إذاً لقب محمود الوطنى ..
و أستطرد خالد و قال له :
لكن حقآ خطوة تصنيع الروبوتات فى ( مدينتنا ) بمثابة إنجاز عظيم ..
أبتسم له محمود وقال له : ما نعتبره نحن إنجاز فهو بمثابة نشاط يومى فى دولة اليابان و العديد من الدول المتقدمة الأخرى .. هم لم يكتفوا بصناعة الروبوتات لإنجاز العديد من المهام الصعبة فقط ، بل يخططون لتصنيع روبوتات تمتلك مشاعر أنسانية ، تحب و تكره كالأنسان ..
هم يستعدون لأدراج الروبوتات فى الحياة مثلها كمثل البشر و سيسهلون
إتاحة الزواج من الروبوت فيما بعد !!
كان خالد يستمع لمحمود و قد شهق انبهاراً لما سمعه ..
ثم سأل محمود صديقه عن مشروع الزراعة الذى تحول من مجرد حلم قديم لخالد و أصبح الآن حقيقة ملموسة على أرض الواقع ، تحدث معه خالد بفخر عن نجاح المشروع فى خطواته الأولى و التطورات الإيجابية التى ظهرت بوادرها و أنهم يمضون قدماً فى الطريق الصواب ..
كان محمود سعيداً لنجاح صديقه و لكنه آفاقه من حلمه الواقعى عندما سأله عن أخبار طليقته و أخبره أن الوقت بات مناسباً لكى تنصلح بينهما الأمور و تعود لسابق عهدها .. تبدلت ملامح خالد و أخبر صديقه بنبرة أنفعال : لا أمان لامرأة تخلت عن زوجها فى أزمته .. لقد أنتهى هذا الموضوع للأبد ..
حزن محمود لصديقه و تمنى له التوفيق فى حياته القادمة .. و قال له على أستحياء أنه يريد منه طلباً و أخبره أنه لو تمكن من أنجازه
فلن ينسى له هذه الخدمة ..
قال له خالد فى لهفة : أوامر يا صديقى .. خير ؟
قال له محمود :
أرغب فى تعيين والدى فى وظيفة محاسب فى مشروعك الضخم ..
أبتسم له خالد و قال له : هذا أمراً سهلاً .. لقد توقعت ما هو أعقد من ذلك .. لكن أعذرنى فى سؤالى يا صديقى : لماذا لم تقوم بذلك و قد أصبحت مديراً لمراكز الصيانة و بالطبع تمتلك الصلاحية لتقوم بمثل هذا الأمر ؟!
رد محمود قائلاً : أنت محق يا صديقى فلدى الصلاحية لتنفيذ ذلك ..
و لكن سيكون الوضع محرجاً اذا قمت به لأنى وقتها سأكون مديراً
و والدى موظفاً تحت إدارتى ..
من المستحيل أن يقبل الحاج طايع مثل هذا الوضع !
************************
عند أستخدام إمكانية التصوير الجوى فوق مدينة ( مدينتنا ) و سمحنا لطائرة ريموت كنترول مزودة بكاميرا أن تلتقط صوراً للمدينة من الأعلى ، سنجد أن أكثر من نصف المدينة يعكس اللون الأزرق و لا سيما الجانب الشرقى للمدينة ..
هذا اللون الذى أكتسبته فيلات الجانب الشرقى فى أعلاها يرجع لذكاء رجل الأعمال أحمد الماظة مؤسس ( مدينتنا ) ، و الذى عزم على تثبيت ألواح شمسية عملاقة على أسطح فيلات الجانب الشرقى ..
الماظة يمتلك مصنعاً صغيراً فى الجانب الشرقى نشاطه هو شحن بطاريات الطاقة الشمسية ، و هذه البطاريات ذات دورة عميقة و هى تعمل على تخزين الطاقة الكهربائية التى تولدها الألواح الشمسية الفولتوضوئية أثناء النهار فى وقت سطوح الشمس .. سواء من الألواح الشمسية المثبتة على أسطح الفيلات أو من الألواح الشمسية العديدة الأخرى المثبتة بحرفية عالية
بالقرب من مصنع البطاريات الشمسية ..
بالطبع كان ثمن هذه الألواح الشمسية المثبتة على أسطح الفيلات غير مضاف على ثمن الفيلات المباعة ، لأن الماظة هو المستفيد من تثبيت هذه الألواح .. لكن كان لابد أيضاً من مهاداة أصحاب هذه الفيلات لموافقتهم على وجود هذه الألواح الشمسية فى محيط سكنهم ، لذلك قام الماظة بأنشاء محطة شحن كهرباء صغيرة يظهر دور هذه المحطة فى حالة أنقطاع التيار الكهربائي عن المدينة حيث تقوم بأنارة الجانب الشرقى بأكمله مجاناً
حتى عودة التيار الكهربائى مرة أخرى ..
أما بالنسبة لشحن بطاريات الطاقة الشمسية التى ينتجها المصنع فيقوم الماظة بتوريدها لبعض مصانع المدينة التى تحتاجها فى صناعاتها المختلفة ..
ما حدث من تطورات تكنولوجية فى ( مدينتنا ) قد نشط الحافز لدى الماظة لأن تستمر عجلة التكنولوجيا فى المدينة فى الدوران و الإبتكار ..
أخذت الفكرة وقتاً طويلاً لأن تختمر برأس الماظة
حتى بات الوقت مناسباً لتطبيقها ..
أستغل الماظة علاقاته الأخطبوطية و تواصل مع
( جهاز تنظيم مرفق الكهرباء و حماية المستهلك ) للحصول على تراخيص أنشاء محطة شحن كهرباء كبيرة فى الجانب الشرقى و مما سيسهل الوضع تواجد عدداً كبيراً من الألواح الشمسية بالجانب الشرقى ..
و تزامناً مع أستخراج التراخيص و الحصول عليها قام أيضاً الماظة بمراسلة شركة ( تيسلا ) فى فريمونت فى كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية
لأستيراد سيارات كهربائية !
ثم أعلن الماظة على جروب المدينة أنه سيتم أتاحة سيارات تعمل بالكهرباء من طراز ( تيسلا ٣ ) و سيتوفر منها ثلاث فئات مختلفة
و ستتباين أسعارها على النحو التالى :
50 الف دولار .. 58 الف دولار .. 69 الف دولار ..
على من يرغب فى تسجيل أسمه لحجز أحدى فئات سيارة ( تيسلا ٣ ) الكهربائية فليتقدم لمقر مصنع ( مدينتنا) لبطاريات الطاقة الشمسية لتأكيد الحجز ...
( مول المستقبل ) هو أحد أكبر مولات ( مدينتنا ) أن لم يكن أكبرهم بالفعل و لكنه أحدثهم تشييداً ، هو بالطبع يقع فى الجانب الشرقى ..
تم الإنتهاء من تشطيب الثلاثة طوابق الأولى من المول و تسليم المحلات المصنوعة بالكامل من الزجاج السيكوريت
لملاكها أو لمستأجريها على حسب التعاقد ..
أما بالنسبة للثلاث طوابق المتبقين لم يتم الإنتهاء من تشطيبهم بشكل كامل و تم تأجيل هذه المهمة سالفاً لأكثر من مرة ..
لقد وقع الإختيار من قبل رجال أعمال ( مدينتنا ) على ( مول المستقبل ) و بالأحرى تم الأتفاق على تخصيص هذه الطوابق الثلاثة المتبقية للمهمات المُقبلة ، من إقامة الدورات التدريبية إلى صيانة الروبوتات و .. إلخ .
بدأت تهيئة المكان كـ ورش فنية لممارسة الوظيفة الجديدة ..
صيانة الروبوتات ..
تم العمل على قدم وساق لإنجاز تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية فى زمن قياسى .. تم تكريس الوقت و مضاعفة المجهود حتى تم الإنتهاء بالفعل
من تنفيذ التصميم المعدل لهذه الطوابق بما يتماشى
مع المهمة الجديدة التى يتم تجهيزهم من أجلها ..
******************
تم التواصل مع المواطنين الذين سجلوا أسماءهم فى الدورة التدريبية للصيانة فور الإنتهاء من تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية بالمول ، و تم أخبارهم بضرورة الحضور فى الموعد الذى تم تحديده لبدء الدورات التدريبية ، هذا بعد الأتفاق مع المدربين اليابانيين و تخصيص فيلا لهم ليقيموا فيها حتى الإنتهاء من المدة المحددة للدورات ..
كان عدد هائل من المواطنين قد تقدموا بتسجيل أسماءهم فى الدورة و قد حضروا فعلياً فى اليوم المحدد لبدء الدورة .. تم تقسيمهم و توزيعهم و مع كل مجموعة مدرب متخصص لضمان وصول المعلومة بسهولة و يسر ..
أستغرقت الدورات التدريبية حوالى أسبوعاً حتى أنتهى المدربين اليابانيين من تدريب المواطنين المصريين نظرياً و عمليا على كيفية إكتشاف العطل الذى يصيب الروبوتات و كيفية التعامل معه لحل المشكلة ..
يتبقى امراً واحداً و هو الإختبار الذى سيحدد مصير المتدربين لتحديد من منهم جدير بالوظيفة .. هذا الأختبار تم وضعه و سيتم الإشراف عليه و تقييمه من قبل هؤلاء المدربين اليابانيين دون تدخل أى عنصر مصرى .. و ذلك لضمان شفافية الدورة و دقة أختيار من سيصلحون حقآ لهذه الوظيفة ..
*******************
داخل فيلا الجزيرى تجد الرفاهية و الرخاء متجسدان فى كل الأمور الحياتية
بكل ركن فيها .. تشعر بلذة النعيم و مذاق الراحة
فى غضون خمس دقائق من دخولك مملكة الجزيرى ..
على طاولة الطعام كان يجلس الجزيرى برفقة أبنته جميلة ، كانت تجلس على يمينه و هذا هو مقعدها المفضل على هذه السفرة و التى تمتد مساحتها لأمتار عديدة و تكسوها قشرة من الذهب الخالص بالكامل , حتى مقاعدها لم تخلو من هذه القشرة الذهبية .. شردت جميلة و ثبت ناظريها على المقعدين المواجهين لها ، على واحداً منهما والذى يقع على يسار الجزيرى أعتادت زوجته - رحمها الله - الجلوس عليه و المقعد المجاور لها كان يجلس نهاوند ..
لاحظ الجزيرى حالة جميلة و أنتبه الى عيناها
و هى تبدوان زجاجيتان أثر رشح الدموع بها ..
أنزعج و حاول التحكم فى نبرة صوته و هو يخاطبها مازحاً :
ماذا أصابك يا صغيرتى .. لماذا هذه الدموع ؟ هل البصل زائد فى السلطة ؟!
أبتسمت جميلة أبتسامة فاترة و قالت بصوت متحشرج و هى تنظر للمقعد الذى على يسار والدها .. لقد وحشتنى كثيراً .. حقآ أفتقدها ..
ترحم عليها الجزيرى و قد امتلأ بالحزن و الأسى أثر ذكرها على مسامعه ، و دعا لجميلة بالشفاء و العمر المديد .. فهى الحياة و الأمل الذى يحيا من أجله و قد مسح براحة يديه على شعرها برفق ..
قالت له جميلة : نهاوند وحشنى جداً.. وحشتنى لمتنا على السفرة و مناكفته ليا .. نفسى يرجع يعيش معانا تانى !
هنا أمتقع وجه الجزيرى و صارت نظراته صارمة و خاطب جميلة بصوتا أجش :
هو أختار حياته الضايعة و أنا أختارت حياتنا من غيره و علشان يدخل هنا تانى لازم ينضف .. و مش عايز أفتح الموضوع دة تانى يا جميلة .. فهمانى ؟؟
تسلل اليأس لقلب جميلة و تملكه بشأن شقيقها نهاوند و عودته للفيلا .. هى تعرف جيداً صرامة قرارات والدها .. حاولت جميلة ترطيب الجو بعد تعكيره و سألت والدها بخصوص العمل و الأتجاه الجديد الذى يسلكوه بخصوص الروبوتات و الدورات و الوظائف المرتبطة بها ..
رد الجزيرى بأبتسامة مصطنعة و قال لجميلة : تمت الدورة بنجاح و خضع الآلاف للأختبار الذى وضعه المدربين اليابانيين و لم ينجو بسلام من هذا الاختبار إلا حوالى نصف العدد المتقدم لهذه الدورة !!
قالت جميلة فى أندهاش : هل كان الأختبار تعجيزياً ؟!
رد الجزيرى فى حماس : بالعكس .. فهناك من تجاوزوا الإختبار فى سهولة كما يوجد شاب برع فى هذا الأختبار و تمكن من الحصول على الدرجات النهائية فيه بكل يسر .. أرى فى هذا الشاب مستقبلاً منيراً فى هذا المجال .. أثق فى ذلك ..
سألت جميلة و كلها فضول : ما أسم هذا الشاب ؟!
رد الجزيرى بنفس درجة الحماس :
أسمه محمود .. على ما أتذكر .. محمود طايع ..
****************
قرر الجزيرى رد عزومة فنجان القهوة الكولومبى لصديقه الماظة ، أتصل به هاتفياً و طلب منه المجئ لمكتبه بالمصنع لتناول فنجان القهوة معه
أن كان وقته يسمح بذلك ..
لم يتأخر الماظة على صديقه و أستجاب لدعوته و ذهب بالفعل لتناول فنجان القهوة مع الجزيرى فى مكتبه ..
جذب الماظة أطراف الحديث فيما يخص الدورة التدريبية و مستوى الأشخاص الذين أجتازوا هذه الدورة ولابد من العمل على رفع مستواهم و كفاءاتهم .. حتى دخل عليهم عامل البوفيه و هو من العناصر البشرية ، و هم قلائل جداً الباقين فى المصنع .. قدم القهوة لكلاً من الماظة و الجزيرى و بعد أن أنهى طقوس السرفيس أنصرف ، لم يرفع الماظة ناظريه عن فنجان القهوة .. كان الجزيرى يراقبه فى صمت حتى كسر الماظة الصمت بسؤاله : ايه القهوة دى ؟
رد الجزيرى : مالها يا صديقى ؟
رشف الماظة منها و قال : هى لذيذة بس مش فاهمها ! و شاكك فى حاجة كدة !
ضحك الجزيرى و قال له : سيبك من اللى فى دماغك .. المهم المذاق ؟
شحب وجه الماظة و قال له : يعنى اللى فى دماغى صح ؟ دة البن اللى حكيتلى عليه و قولتلى جبته معاك من أمريكا مع آخر سفرية ؟!
مازال الجزيرى مبتسماً أثر أشمئزاز الماظة من فنجان القهوة و قال له : الفنجان اللى قدامك دة سعره يعدى الـ ٥٠ دولار أمريكى !!
صعق الماظة و قال دون تعقل : مش دة البن اللى بيعملوه من
فضلات حيوان ( الكوبى لواك ) ؟!!
رد الجزيرى و قد أتسعت الأبتسامة على وجهه : بالظبط هو دة ..
تقلص وجه الماظة و هو يحاول أن يفهم فسأل الجزيرى : كيف لقهوة أن ُتصنع من فضلات حيوان و أن تصبح أبهظ قهوة بالعالم !
قال له الجزيرى : ( الكوبى لواك ) دة اللى هو ( قطط الزباد ) .. بتعيش فى شرق آسيا و بتتغذى على البن دة طعامها ، علشان كدة بيستخدموا فضلاتها لتصنيع أغلى أنواع البن فى العالم !!
و هنروح بعيد ليه أنت مش واخد بالك احنا فين ؟؟
ركز كدة هتلاقى أن فضلات النحل بتتاكل و من أشهى و أفيد الأطعمة !!
ثم رن هاتف الجزيرى فكسر جو التسامر السائد بينهما ، كان المتصل هو منير المنفلوطى .. أستجاب الجزيرى للأتصال لكنه لاحظ من نبرة صوت المنفلوطى أنه ليس على ما يرام فسأله ماذا أصابك ؟
فرد المنفلوطى بصوتاً مفزوعاً : قصدك ماذا أصاب الروبوتات .. الروبوتات هيست !!
فسأله الجزيرى مندهشاً : أزاى دة حصل ؟؟
عامة متقلقش بقى عندنا مركز صيانة جاهز للطوارئ ..
رد المنفلوطى بنفس حالة الفزع التى تملكته :
الروبوتات مش بتستجيب للتعليمات و الشغل بدأ يتعطل !
مازال الجزيرى مندهشاً و قال له : متقلقش هيتم السيطرة على الوضع .. لقد أصبح لدينا مراكز صيانة بها أمهر المهندسين و الفنيين ..
أنهى الجزيرى المكالمة و قبل أن يشارك الماظة فى الحوار أنهالت عليه الأتصالات من رجال أعمال المدينة يشكون نفس المشكلة
من تهييس الروبوتات بمصانعهم و شركاتهم !!
هنا أيقن الماظة و الجزيرى أن هناك حلقة مفقودة و غامضة .. و زاد يقينهما عندما دخل عليهما المسئول عن متابعة الروبوتات فى مصنع الجزيرى و كان يقف كالملسوع و صدره يعلو ويهبط بغير أنتظام و أخبر الجزيرى أن هناك أمراً غامضاً قد أصاب عدداً كبيراً من الروبوتات !!
*****************
نشأ مناخ رومانسى بين محمود و جميلة و أخذ ينمو من حولهما حتى تطورت العلاقة بينهما ، كاد محمود أن يتمكن من أقناع جميلة أن ترسل له رقم هاتفها ، لكنها رفضت فى بادئ الأمر فحاول محمود الأتصال بجميلة عبر الماسنجر مرات عديدة و لكن كانت تتحول كلها لدى جميلة فى النهاية إلى مكالمات فائتة ، حتى جاء يوم كانت جميلة على درجة مرتفعة من الأكتئاب فقبلت الأتصال و ردت على محمود عبر الماسنجر و لم يصدق محمود نفسه وقتها من الفرحة ..
و تطور الأمر فيما بعد ، و نجح محمود فى أن تتحول أتصالاته
من الماسنجر إلى الهاتف ..
و كان لذلك الفضل فى أن تتوطد بينهما العلاقة و أن يتجرأ محمود و يبدى لجميلة رغبته فى مقابلتها ! و أنه يتوق لرؤيتها وجها لوجه !!
أرتبكت جميلة على الفور أثر طلبه المفاجئ ، و بدا ذلك من صوتها عبر الهاتف و أكدت لمحمود أن هذا مستحيل يحدث و وبخته لأنه نسى أن من أشد العقبات لإتمام ذلك أنها قعيدة على كرسى متحرك !
كما أنها مستحيل أن تخرج من الفيلا بمفردها !
قالت له فى المكالمة الهاتفية : هذا جناااان !
رد محمود فى ثقة عالية : لدى خطة لتنفيذ ذلك بسهولة ..
قالت له جميلة بملء فيها : أنت حقاً مجنووووون !!
***********************
بعد أن ضربت ظاهرة ( جنون الروبوتات ) المدينة و أنتشرت الظاهرة بين الروبوتات المستخدمة فى مصانع و شركات الجانب الشرقى ، تم شحن و إرسال الروبوتات المخبولة إلى ( مول المستقبل ) حيث مراكز الصيانة المستجدة
و أول أختبار حقيقى لها !
تم أشراف الجزيرى و الماظة و المنفلوطى بأنفسهم على عمليات الصيانة للروبوتات ، كان يتجول كلاً منهم بمفرده فى طوابق الصيانة بالمول .. يتابعون بأنفسهم محاولات المهندسين البائسة التى لم تصل لشئ حتى بعد مرور عشر ساعات عمل تكاد تكون متواصلة !!
بدأ يشعر الثلاثة أنهم تورطوا فى تأسيس مراكز الصيانة التى كلفتهم مبالغ مالية كبيرة .. يمر الوقت دون جدوى تقريباً مما دعا الجزيرى لأقتراح فكرة التواصل مع الشركة اليابانية لإيجاد حل سريع حتى لا تتكبد مصانعهم و شركاتهم خسائر فادحة ، كان المنفلوطى مؤيداً للفكرة بينما أضاف الماظة ضرورة مراسلة الشركة اليابانية و أخبارها أن المبالغ التى تحملوها من تجهيزات لإجراء الدورة ذهبت هباءً و أنهم لم ينتفعوا بمجئ الخبراء اليابانيين بل خسروا ما دفعوه لهم أيضاً ..
حالة تخبط و أستياء سيطرت على رجال الأعمال و قد أجتمعوا فى مكتب الإدارة بالمول ، سمعوا طرقات على الباب فكان موظف الأمن .. دخل ليخبرهم أن هناك أحد المهندسين يود مقابلتهم لأمر بالغ الأهمية !
دخل المهندس و كانت نشوة الإنتصار تكسو وجهه .. كان يقف أمامهم و كانوا يفحصوه بنظراتهم ثم سمحوا له بالحديث ..
أخبرهم المهندس أنه أكتشف سبب العطل الذى أدى لهذه المشكلة .. هنا أعتدل الثلاثة في جلستهم و أنتبهوا لكلماته ، سأله الجزيرى فى شغف :
ما هو سبب العطل ؟!!
فاجأهم المهندس أن العطل مفتعل ! و أخبرهم أن هناك من تعمد نقل فيروس مصنع .. هذا الفيروس يظل خاملاً و ينشط بعد مدة معينة يحددها من صنع هذا الفيروس ، و هذا السبب لما حدث لهذه الروبوتات ..
جن جنون الماظة و قال له : و من فعل ذلك ؟
أخبره المهندس أنه بعد صعوبة بالغة تمكن من صيد هذا الفيروس الألكترونى و عند التعامل معه كانت الشفرة المستخدمة به بلغة معقدة و غير مفهومة ، بعد البحث عنها أكتشف أنها من حروف يابانية !
صعقت الصدمة رجال الأعمال الثلاثة و شرد الماظة ثم نظر بحدة للجزيرى و قال له : هل كان رفضنا للعرض اليابانى بتعيين مجموعة من الخبراء اليابانيين بأجور ثابتة فى مراكز الصيانة لدينا ، له علاقة بما حدث ؟!
رد عليه الجزيرى بعينان شاخصتان : الشعب اليابانى يتميز بأنه شعب منظم و مؤدب و خجول .. لكن معروف عن اليابانيين أيضاً أن ليس لديهم سياسة دوبلوماسية أو أقتصادية واضحة !!
أكد المنفلوطى شكوكهم عندما ذكرهم بطلب الخبراء اليابانيين بزيارة المصانع و الشركات بحجة التشييك على الروبوتات .. كان هذا الطلب بعد أعتذارهم عن إقتراح الشركة اليابانية بتثبيت خبراء يابانيين لديهم بمراكز الصيانة !
بعد أن أستنتجوا سيناريو لما حدث ، طلب الجزيرى من المهندس الذهاب معه و مشاهدة الروبوتات المُفيرسة بعد إصلاحها ..
بالفعل أنتقل الأربعة إلى موقع الحدث و شاهد الثلاثة بأنفسهم كيف تمكن المهندس المصرى من التفوق على نظيره اليابانى بعد أن حاول الأخير تضليلهم مما جعلهم ينبهرون بهذا المهندس !
سأله الجزيرى عن أسمه فأجاب المهندس :
محمود .. أسمى محمود طايع ..
أبتسم الجزيرى و قال : أتذكر اسمك .. لقد نجحت فى أجتياز الدورة بأمتياز .. أعلم ذلك ..
شارك الجزيرى الرأى مع الماظة و المنفلوطى فى تنصيبه لمحمود مديراً لمركز صيانة ( مول المستقبل ) .. فدعم الأثنان قرار الجزيرى بكل أقتناع ..
***********************
كان الأتجاه الذى سلكه رجال أعمال المدينة لمجابهة أزمة البطالة التى أجتاحت ( مدينتنا ) قد أنشطر إلى محورين ..
محور خاص بالصناعة و هو ما يخص الروبوتات و الصيانة و ما شابه .. و محور خاص بالزراعة فى محاولة لأستغلال الأراضى الصحراوية داخل ( مدينتنا ) و فى المحيط الخارجى للمدينة ..
تم التواصل من قبل اللجنة المتخصصة لفحص أفكار المشروعات مع خالد صاحب فكرة مشروع أستصلاح الأراضى الصحراوية و أستثمارها فى زراعة بعض المحاصيل الأساسية و من أهمها القمح ..
تم أخباره بالموافقة على دعم مشروعه و أنه لن يكون مشروعاً خاصاً به بل يخص المدينة بأكملها , تم تنصيب خالد على الإشراف العام على المشروع و متابعته له خطوة بخطوة لوضع حجر الأساس لهذا المشروع العملاق ..
تم تحديد و تخصيص المساحات التى وقع عليها الإختيار لتنفيذ المشروع عليها.. تم أختيار البذور السليمة بعناية فائقة لأستخدامها فى الزراعة .. تم أيضاً تجهيز الأسمدة اللازمة لهذه المهمة من
أسمدة نيتروجينية و أسمدة فوسفورية و أسمدة البوتاسيوم ..
كانت الأمور تسير ضمن خطة مُحكمة مدروسة لضمان نجاح المشروع ..
كانت فكرة معالجة مياه الصرف الصحى لأستخدامها فى الرى تحتاج لمجهود ضخم لأتمامها .. تم التواصل من رجال أعمال المدينة مع وزارة ( الموارد المائية و الرى ) لأنشاء محطة معالجة مياه الصرف الصحى ، لكنهم فوجئوا بأن أنشاء المحطة سيستغرق حوالى ستة أشهر لأتمامه
و هذه المدة تعتبر قياسية لأنجاز هذا الأمر !
لكنها ليست كذلك بالنسبة للقائمين على المشروع ..
كما أنهم مازالوا فى حاجة لأستيراد المعدات الكهروميكانيكية من الخارج لأستخدامها فى المعالجة الثلاثية و هذا بدوره يستغرق شهوراً طويلة للحصول على الأعتمادات الفنية التى تحتاج وقتاً طويلاً للفحص من الجهات المسئولة ..
بدأ عامل الوقت يمثل العاقبة لأتمام نجاح المشروع ناهيك عن الأموال الطائلة التى سيتطلبها تنفيذ هذا المشروع ، لكن كانت العرقلة الأكبر تكمُن فى الوقت المُستغرق لأنهاء أساسيات المشروع ..
************************
كان الجزيرى يشعر بالسلام النفسى و يجد أيضاً لذة فى مجالسة أبنته جميلة ..
كانا يجلسان على طقم راتان مكون من ترابيزة و ثلاثة مقاعد فى حديقة الفيلا ، كان مكان المقعد الرابع خالياً تأهباً لملأه بمقعد جميلة المتحرك الذى يعمل بالكهرباء .. أستقرت جميلة بمقعدها و أمامها كان يجلس والدها .. كانا يتناولان وجبة الإفطار و كانا يتسامران فطلبت جميلة من والدها الجزيرى طلباً كان قادراً على جعله متفاجئاً ..
جميلة كانت تنفذ خطوات الخطة التى وضعها محمود .. أخبرت جميلة والدها أنها ترغب فى كسر الملل الذى تعيش فيه و تشاهد الناس و تتعامل معهم .. أخبرته أنها ترغب فى الهروب من محبسها النفسى ..
لطالما كان يطلب منها الجزيرى ذلك كى تتحدى أزمتها و تتمكن من أن تخطيها و لكنها كانت تتملص منه فى كل مرة ، رحب الجزيرى برغبتها و عرض عليها أن يسافران للتنزه فى أوروبا ، لكنها نجحت للمرة الثانية على التوالى
فى أن تصيبه بالمفاجأة ..
طلبت منه جميلة أن يأخذها فى رحلة أستكشافية لـ ( مول المستقبل ) و لمراكز الصيانة بالتحديد بعد أن أخبرها بما حدث للروبوتات ..
لم يجد الجزيرى ما يمنع من موافقته على رغبتها و ايضاً لا تمنع موافقته من أن يبدى لها أندهاشه من تفضيلها ( مول المستقبل ) على السفر لأوروبا !!
****************
قام الجزيرى بزيارة مفاجئة لـ ( مول المستقبل ) برفقة جميلة .. كانت الزيارة حقاً مفاجأة لكل العاملين بالمول عدا محمود بالتأكيد ، و الذى كان ينتظر هذه الزيارة على أحر من الجمر .. أعترف محمود أمام نفسه أنه نجح فعلاً فى إدارة حالته النفسية لكنه فشل تماماً فى أدارة حالته العاطفية كما كان ينوى !
حدثت اللحظة المُنتظرة على شوق عميق و وصل الجزيرى مع جميلة لمركز الصيانة الذى يعمل به محمود ..
ظهر محمود للجزيرى فقام الأخير بتقديمه لجميلة ..
تلاقت نظراتهما فـ سرت قشعريرة فى جسد محمود و كأنه لمس سلك كهربائى عارى .. كان يبدو من الخارج ثابتاً لكن عيناه كانت تخبر بعكس ذلك تماماً !
بينما جميلة أستشعرت أنها ذاقت إكسير الحياة .. جريت فى عروقها أنتعاشة أشعرتها بأن مازال للحياة مذاق لذيذ .. لقد باحت عيناها بكل شئ !
كسر الجزيرى اللحظة التاريخية التى يمر بها كلاً من محمود و جميلة عندما سألهما : هل بينكما سابق معرفة ؟!
هنا أنتفضا الأثنان و أرتبكا .. برر محمود ما أصابه و قال للجزيرى :
هذا شرف بعيد المنال .. لكن أبنة حضرتك على وجهها أعتى آيات الجمال .. مما أجبرنى على الوقوف ساهماً .. ربنا يحفظها لحضرتك ..
**********************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الخامس
- 5 -
( مول المستقبل ) هو أحد أكبر مولات ( مدينتنا ) أن لم يكن أكبرهم بالفعل و لكنه أحدثهم تشييداً ، هو بالطبع يقع فى الجانب الشرقى ..
تم الإنتهاء من تشطيب الثلاثة طوابق الأولى من المول و تسليم المحلات المصنوعة بالكامل من الزجاج السيكوريت
لملاكها أو لمستأجريها على حسب التعاقد ..
أما بالنسبة للثلاث طوابق المتبقين لم يتم الإنتهاء من تشطيبهم بشكل كامل و تم تأجيل هذه المهمة سالفاً لأكثر من مرة ..
لقد وقع الإختيار من قبل رجال أعمال ( مدينتنا ) على ( مول المستقبل ) و بالأحرى تم الأتفاق على تخصيص هذه الطوابق الثلاثة المتبقية للمهمات المُقبلة ، من إقامة الدورات التدريبية إلى صيانة الروبوتات و .. إلخ .
بدأت تهيئة المكان كـ ورش فنية لممارسة الوظيفة الجديدة ..
صيانة الروبوتات ..
تم العمل على قدم وساق لإنجاز تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية فى زمن قياسى .. تم تكريس الوقت و مضاعفة المجهود حتى تم الإنتهاء بالفعل
من تنفيذ التصميم المعدل لهذه الطوابق بما يتماشى
مع المهمة الجديدة التى يتم تجهيزهم من أجلها ....... [المزيد]
: - 4 -
داخل سيارة الماظة لم يكن الوضع كما كان عليه قبل الظهور المفاجئ لنهاوند ، كان الماظة يقود فى صمت و بجانبه كان يجلس الجزيرى
كـ صنم .. لا ينطق و لا يحرك ساكناً.. فقط جفنه يمارس وظيفته و هذا كان الدليل الوحيد على أن الجزيرى ما زال على قيد الحياة ، حاول الماظة الأطمئنان على صديقه الذى أثار قلقه و لكن دون جدوى ، لم يستغرق الماظة وقتاً طويلاً للوصول لفيلته .. ركن سيارته و هو ينظر للجزيرى و قال له متصـعباً : طيش شباب يا صديقى و مصيره يعقل ..
تعالى ندخل نضرب فنجانين قهوة من البن المخصوص بتاعى ..
نزل الماظة و تبعه الجزيرى بخطوات ثقيلة و كأنه منوم مغناطيسياً و قبل أن يصل الماظة لبوابة الفيلا الرئيسية الضخمة الفخمة ، فتح هاتفه و أستخدم أبلكيشن خاص بالأكرة الديجيتال المثبتة بهذا الباب و تمكن من خلاله من فتح الأكرة فدخل الأثنان بمجرد وصولهما للبوابة ..
و بسقفة بسيطة مفتعلة من الماظة تم أضاءة الأنوار
و دبت الحياة فى الفيلا ..
كان - السمارت هوم سيستم - هو النظام الدارج فى فيلات الجانب الشرقى ، دخل الماظة مكتبه برفقة الجزيرى و بنفس السقفة البسيطة تم أنارة المكتب بالكامل و تشغيل التكييف و عودة الحياة للمكان تأهباً لراحة و رفاهية أصحاب المكان ..
هنا تمتم الجزيرى بوجه شاحب و قال :
نظام السمارت هوم بيسمع كلامنا أكتر من عيالنا ..
و من غير ما نتكلم كمان ..
و الله و طمرت فيه المصاريف أكتر من خلفتنا !!
لم يتوقع الماظة خروج هذه الكلمات المرحة من هذا الوجه العبوس
فأنفجر فى الضحك ..
طلب منه الجزيرى أن يتناقشوا فى العمل و فيما حضروا من أجله ، حاول الماظة مع الجزيرى فى تلطيف الوضع بينه و بين نهاوند ، لكن تكشمت ملامح الجزيرى و قال فى صرامة لقد تبرأت منه ولا أرغب
فى فتح هذا الموضوع المنتهى مرة أخرى ..
من سمات رجال الأعمال .. فن أستثمار الوقت و عدم ضياعه فيما لا يفيد و بالأحرى عندما يكونون ناجحين أمثال الماظة و الجزيرى ..
قال الماظة مخاطباً الجزيرى و هو يرشف من فنجان القهوة :
كانت تراودنى فكرة بعد أدخال الروبوتات فى مصنعك و لم تسنح الفرصة لمناقشتها معك و لكن جاء أوانها ..
نظر له الجزيرى فى أهتمام و قال له : عظيم البن الكولومبى دة !
و طلب من الماظة أن يستعرض فكرته ..
الماظة : لابد من تخصيص مكان يتم فيه إعداد دورات تدريبية على يد خبراء يابانيين لأحتراف صيانة الروبوتات تحسباً لأى أعطال ستحدث للروبوتات ، و بدلاً من أستغراق وقتاً طويلاً لصيانتها من قبل الشركة الموردة .. يحترف شباب المدينة هذه المهارة .. هذا سيجدى نفعاً كبيراً لمصانع و شركات المدينة و سيحل نسبة
ليست بهينة من مشكلة البطالة التى ضربت ( مدينتنا ) ..
رد الجزيرى و قد بدأت الفكرة تختمر برأسه :
الفكرة جيدة لكن التكلفة لن تكون كذلك ..
أنهى الماظة فنجانه ثم قال للجزيرى :
تكلفة الدورات التدريبية سيتحملها المواطنيين الراغبين فى شغل الوظيفة التى سينالوها بعد تخطى أختبار هذه الدورات .. أما بالنسبة لتخصيص مركز للصيانة و تهيئته لمثل هذه الوظيفة الجديدة بتفرعاتها و صرف مرتبات شهرية للموظفين .. هذا سيتم مناصفة بين رجال أعمال المدينة الذين قاموا بأستبدال العنصر البشرى بروبوت و هذا مقابل
صيانات دورية شهرية لكل الروبوتات العاملة بكياناتهم ..
رد الجزيرى و بدأ يهيمن عليه التردد : مجرد صيانة الروبوتات قد لا يحفز الكثير من رجال الأعمال للفكرة .. فالروبوتات مازالت حديثة
و بحالة الزيرو .. ما الذى يدفعهم لهذه التضحية ؟
رد الماظة دون تردد : هذه التضحية المادية البسيطة أهون من التضحية بالكيانات نفسها .. اليوم تمكنت القوات الأمنية من السيطرة على الوضع و أحتواء الموقف , ناهيك عن التهديدات الأمنية من التدخلات الخارجية .. غدا لا يعلم أحداً ماذا ستكون العواقب أن لم نقدم حلولاً سريعة ، حتى لو رُفضت لكنها ستكون بمثابة مسكنات للمواطنين .. أو قد تلاقى الفكرة قبولاً فتحقق إقبالاً و تكون علاجاً شافياً للمدينة ..
و أضيفك من الشعر بيت .. أنا أخطط لأن تتطور مراكز الصيانة لمراكز تصنيع روبوتات جديدة لتصبح هذه الروبوتات فيما بعد واحدة من صادرات ( مدينتنا ) و فى المستقبل القريب !
******************
سقطت الكرة عن عمد فى ملعب رجال الأعمال ، كان يتحتم عليهم جميعاً تكوين فريقاً واحداً لمجابهة مشكلة البطالة التى فرضوها على المدينة دون عمد .. و كان يتحتم عليهم أيضاً أحراز هدفاً فى وقتاً مبكراً قبل الوصول للوقت الضائع فيضيع معه الجميع ..
تواصل الماظة هاتفياً أثناء أجتماعه بالجزيرى بمجموعة رجال أعمال المدينة بحكم معرفته بهم جميعاً منذ أن أبتاعوا منه منشئاتهم و فيلاتهم ..
أخبرهم أن غداً سيتم عقد أجتماع عاجل مع جميع رجال أعمال المدينة فى مكتب الجزيرى بمصنعه و أكد عليهم أهمية الحضور ..
و بالفعل فى اليوم التالى و فى مكتب الجزيرى تم عقد أجتماع مغلق و تم فيه طرح مشكلة البطالة فى ( مدينتنا ) بأبعادها الخطيرة و ضرورة ألتزامهم بالوعد الذى أخذوه على أنفسهم أمام القيادات الأمنية ، لحسن الحظ لم يكن لديهم أى أفكار أو أى حلول للموقف المفاجئ الذى تورطوا فيه , لذلك كان الطريق ممهداً أمام الماظة لعرض الفكرة الوحيدة لديهم فى الأجتماع ، رغم أقتناع الكثير من الحاضرين لكن خرج عليهم بعض المتمردين و بشدة على تحمل مرتبات شهرية دون الإستفادة القريبة من هذه التكاليف ، هذا ما توقعه الجزيرى و قد أخبر به الماظة بالأمس .. لذلك جائت لحظة تدخله و كانت حاسمة فجذب أنتباه الحاضرين أن جميعهم ساهم فيما وصل إليه الوضع الراهن لذلك عليهم تحمل أعباء تجاوز هذه المحنة ، كما أخبرهم الجزيرى أن هذا الحل لا يتسبب فى الخسارة بل فى المكسب البعيد و قد يكون أتقانه السبب
فى فتح طاقة القدر و الخير للجميع ..
ما بين مؤيد و معارض و بعد أن طالت المباحثات و المداولات ..
لكن فى نهاية المطاف أقتنع جميع الحاضرين من رجال الأعمال من خطورة الموقف الذى يمرون به و من ضرورة تقديم حل سريع
حتى لو كان فنكوشاً ..
*******************
التكنولوجيا سلاح ذو حدين و بالأحرى عالم الأنترنت ، فعلى سبيل المثال لا الحصر .. الواتس آب .. جروبات الواتس آب تمكنك من مخاطبة عدد هائل من الناس و بأقل مجهود ، و تتمكن من أخبارهم بما تريد وقت ما ترغب و دون فرض قيود عليهم بألزامهم بالحضور
فى مكان و زمان محددان ..
عند أستخدام الحد النافع لسلاح الأنترنت داخل ( مدينتنا ) يصبح الأمر سهلاً ، قام الماظة بتسخير جروب الواتس الخاص بالمدينة ليكون المايك الذى يخاطب من خلاله مواطنى ( مدينتنا ) لتصل الرسالة لآلاف المواطنين من قاطنى المدينة ..
نوه أولاً الماظة على الجروب أنه فى خلال ساعة سوف يتم أذاعة فيديو تم تسجيله من قبل رجال أعمال المدينة يتم فيه شرح الأتجاه الجديد الذى يسعون فيه لتحقيق التوازن فى المدينة قدر المستطاع ..
وبالفعل بعد حوالى ساعة كان ٩٠٪ من أعضاء الجروب ينتظرون على أحر من الجمر مشاهدة هذا الفيديو الذى توقعوا
أن يكون لهم طوق النجاة ..
تم تشيير الفيديو على الجروب و تم النقر عليه ألاف النقرات من آلاف الأشخاص المتلهفين لمشاهدة الفيديو ..
كان الآلاف يتابعون فى نهم و كأنهم يشاهدون المبارة الفاصلة لصعود منتخب مصر لكأس العالم !!
أنتهى عرض الفيديو و تمثل الوضع بين أعضاء الجروب و كأنهم معتقلين سياسيين فمن وجد فى نفسه القدرة على التقدم للدورات و شغل هذه الوظيفة كمن حصل على عفو رئاسى و عاد للحياة ، و من لم تتناسب أمكانياته سواء المادية أو المهنية مع هذه الفكرة عاد معبئاً بخيبة الأمل لمحبسه النفسى مرة أخرى و لكنه كان يترك بصمته الغاضبة
فى كومنت على الجروب ..
كان يتابع رجال الأعمال تطورات الأحداث بين المواطنين .. ما بين داعمين للفكرة و ما بين محبطين لها ، حتى داعمى الفكرة أنشقوا لمن رحب بها على حالها و لمن أرتبط ترحيبه بها إذا تحولت الدورات
لدورات مدعمة ..
حالة تخبط و أنقسامات ضربت مواطنى المدينة و لكن ماحدث كان بمثابة صمام أمان لرجال أعمال ( مدينتنا ) لأن فى التفرقة سيادة و سيطرة !
*****************
لم يخطئ المتنبى عندما قال ( مصائب قوم عند قوم فوائد ) ..
لم يكن محمود من المتضررين مما حدث فى مصانع و شركات الجانب الشرقى و لكنه سيكون من المنتفعين من الضرر الذى لحق بهم ..
كان محمود أول المتقدمين بتسجيل أسمائهم فى أستمارة الألتحاق بالدورات كما قام بأرسال الـ ( سى فى ) الخاص به على الأميل المذكور فى أخر الفيديو الذى قلب جروب المدينة رأساً على عقب ..
هو يدخر مبلغاً مالياً ليعينه على تكاليف الزواج حين يأتي النصيب و لكن نصيبه من العمل جاء أولاً ، فكان المبلغ المالى سنداً له ليبادر بتسجيل أسمه فى الدورة و يحجز له مكاناً فى حياته الجديدة ..
دبت الحماسة فى عروق محمود فأنتعش الأمل بداخله ، جائت هذه الدورات بمثابة طوق النجاة من الغرق فى بحر الفشل .. هذه الوظيفة فى صميم مجاله و ستنمى من مهاراته و يشعر أنه سيحقق فيها ذاته ..
تقمص محمود دور الطالب الذى موعد أمتحانه النهائى قد أقترب و عليه مراجعة كل ما مضى من دراسة و التجهيز و الأستعداد
للأختبار النهائى الذى سيرسم مستقبله ..
أعتكف محمود فى غرفته أياماً حتى تمكن من الأنتهاء من مراجعة ما درسه فى هندسة البرمجيات و مجال البرمجة و كل ما يخص هذا العالم .. بعد أن أنهى محمود الجانب النظرى كان عليه أن يمارس الشق العملى بل و يبرع فيه على سبيل التدرب ليثبت لنفسه أنه جدير بهذه الوظيفة الجديدة ، كان الجانب العملى بالنسبة له هو
أستعادة صفحته ( موطن الفاشلين ) ..
حاول محمود مراراً وتكراراً فك شفرة الحماية لصفحته المسلوبة لكن بائت كل محاولاته بالفشل ، لم ييئس محمود و حاول فى اليوم التالى و لكنه لم ينجح أيضاً و لكنه أحتفظ بأصراره لأيام حتى جاء يوم تمكن فيه من فك الشفرة و الأستحواذ على الصفحة و فرض سيطرته عليها مرة أخرى ..
أصيب محمود بنشوة النصر .. و ظل يردد فى همس :
لقد فعلتها .. لقد فعلتها ..
عزم محمود على تغيير أسم الصفحة من ( موطن الفاشلين )
لــ ( معاً نصنع النجاح ) ..
و كتب فى مقدمة الصفحة بالبنط العريض :
لكى تنهض لا بد من أن تسقط أولاً ..
*************
الفكرة المطروحة فى الفيديو المذاع على جروب ( مدينتنا ) نجحت فى تفتيت كتلة الغضب إلى بروتونات موجبة مجبورة و إلكترونات سالبة مقهورة ، كان محمود و أمثاله ممن سجلوا أسمائهم فى الدورات المقترحة يقومون بدور البروتونات ، أما من فقدوا المقدرة و لم تسمح لهم أمكانياتهم بالتسجيل و الألتحاق بهذه الدورات هم من يمثلون الألكترونات السالبة الغاضبة ، و هم شريحة عريضة من مواطنين ( مدينتنا ) و قرروا التعبير عن غضبهم مبدئياً على الجروب , بتوجيه رسالة صريحة لرجال أعمال المدينة أنهم يطالبون بفرصة تناسب أمكانياتهم و تتوافق مع ظروفهم و ليس شرطاً أن تخدم مصالحهم الشخصية
كـ فكرة مراكز صيانة الروبوتات ..
**********************
وصلت الرسالة لرجال الأعمال و الذين بدورهم كانوا يتابعون الموقف بشغف لرصد ردود الأفعال ، كان المأزق الذى وقعت فيه المدينة لا يحتمل البطء أو التطويل و لسوء الحظ لم يمتلك رجال الأعمال فى خزائن أفكارهم أى حلول أخرى فى هذه الفترة القصيرة ، لكن كان عليهم صد الإتهام المصوب إليهم من قبل إلكترونات المدينة و أن يتنصلوا أيضاً من مسئولية توفير فرصة ثانية مناسبة فى هذا التوقيت ..
لذلك أقترح رجال الأعمال بعد عقد أجتماع أخر و كان طارئاً ، فتح باب أستقبال أفكار مشاريع و سيتم عرضها على لجنة متخصصة و هذه اللجنة لها رؤيتها و من خلالها ستحدد المشاريع المثمرة و التى يمكن دعمها من قبل رجال أعمال المدينة لتنفيذها على أرض الواقع
مقابل نسبة من أرباح المشروع ستذهب لصالح
الداعمين من رجال أعمال ( مدينتنا ) ..
كان لهذا التصريح فى فيديو ثاني على جروب ( مدينتنا ) أثر بالغ على شريحة المعترضين .. فـ للوهلة الأولى شعروا أنهم تائهين هائمين على وجوههم و لكنهم أدركوا أن عليهم أن يشتغلوا على أنفسهم جيداً الفترة المقبلة بعد أن نجح رجال أعمال المدينة في
إسقاط و إبقاء الكرة فى ملعب هؤلاء المعترضين ..
*******************
أنتفع خالد مثل صديقه محمود من الزوبعة التى ظهرت فى ( مدينتنا ) و أنطبقت عليه أيضاً المقولة الشهيرة للمتنبى
( مصائب قوم عند قوم فوائد) ..
خالد يمتلك محل فى الجانب الغربى لبيع الأعلاف و الحاصلات الزراعية لكن سخونية الأسعار وصلت لدرجة الغليان فكانت
تكوى الجميع و لا تبرد .. مما أضعف الحركة الأقتصادية و ضرب الكساد الجانب الغربى و أصاب الركود المدينة بأكملها ..
تلفت أغلب البضاعة فى محل خالد و الباقى خسر فى ثمنه قبل أن يصيبه التلف و أصبح خالد فى عداد العاطلين ..
الفيديو الثاني الذى شيره رجال أعمال المدينة على الجروب كان له الفضل فى أن يدب الأمل و يجرى فى عروق آلاف المحبطين
و كان خالد واحداً منهم ..
لقد تقدم آلاف المواطنين بآلاف الأفكار لألاف المشاريع !!
كادت اللجنة المتخصصة و التى كونها فريق رجال أعمال المدينة لفحص أفكار المشاريع المرسلة و فلترتها ، أن تعلن أنسحابها من هذه المهمة لضعف الكثير من أفكار المشاريع المُرسلة و هناك الأكثر من الأفكار التى تخدم أصحابها و لن تجدى نفعآ للمدينة ، حتى سقطت فكرة مشروع خالد فى أياد اللجنة و هى التى دفعتهم لأن يتراجعوا عن ما كانوا ينوون ..
خالد خريج كلية زراعة بتقدير أمتياز و لكن عاكسته الظروف المفتعلة لأن يتعين معيداً بها و لكنه قدم مشروع تخرج كامل أبهر به أساتذته و لكن لم ينال تطبيقه عملياً أى أهتمام وقتها ..
دون أن يتكبد خالد عناء التخطيط لفكرة مشروع .. فقط أخرج نسخة من مشروع التخرج من درج مكتبه و أرسله على الأميل المذكور فى الفيديو ..
فحصت اللجنة مشروع خالد و الذى يوضح كيفية أستصلاح الأراضى الصحراوية لزراعتها من خلال تكرير مياه الصرف الصحى لأستخدامها فى الرى و كيفية أختيار البذور السليمة لتحقيق جودة المحصول و أوضح فى مشروعه المفصل ما يمكن زراعته فى الأرض الصحراوية مثل : البرسيم و الشعير و القمح و بعض الخضروات مثل الطماطم و الباذنجان .. و ركز خالد فى مشروعه على زراعة القمح ، فبجانب تكرير مياه الصرف الصحى للرى و أختيار البذور السليمة لم ينس أهمية إضافة السماد مثل الأسمدة النيتروجينية و الأسمدة الفوسفورية و أسمدة البوتاسيوم لضمان جودة محصول القمح ..
سبب جذب مشروع خالد لأنتباه اللجنة المتخصصة هو أن المشروع تنطبق مواصفاته على أرض المدينة التى يقطنون بها .. ما أكثر الأراضى الصحراوية داخل المدينة وخارجها مما يسهل تنفيذ فكرة مشروع خالد ، كما أنها أيضاً ستحتاج فى تنفيذها لعدداً هائلاً من المواطنين مما يبتلع نسبة ضخمة من البطالة فى المدينة .. كما أن نجاحها له بعد آخر جوهرى و هو تحقيق الأكتفاء الذاتى لـ ( مدينتنا ) من القمح ، العالم مقبل الفترة القادمة على أزمة قمح عالمية .. فيمكن الإستفادة من
فائض المحصول و تصديره لخارج المدينة ..
******************
تبدلت حالة محمود من شخصاً مفعماً بالفشل و اليأس لشخصاً أخر مشحوناً بطاقة أيجابية و ذلك بعد التسجيل فى الدورات المُعلنة ، و أرتفع معدل طاقته الإيجابية أكثر بعد أستعادة صفحته المُهكرة ..
تمكن محمود من إدارة حالته النفسية مرة أخرى و التحكم فيها ، هو الآن يسعى لأدارة حالته العاطفية و يسعى جاهداً للتحكم فيها .. لكن هذا لا يوقف رغبته الجامحة فى تناول هاتفه و فتح المحادثة الخاصة بجميلة و لاحظ محمود ظهور النقطة الخضراء بجانب أسمها لكن تحجمت رغبته الجامحة بمجرد أن فتح المحادثة .. و فقط ظل ينظر لها ساهماً !
ظهرت جملة فجأة مرسلة من جميلة و قد نجحت
فى أنتشال محمود من شروده ..
كتبت جميلة : مبرووك رجوع الصفحة .. و مبروك تغيير أسمها ..
لم يتوقع محمود الرسالة لأنه هو الذى يبادر بالمراسلة فى كل مرة ، لكن يبدو أن طاقته الإيجابية تجذب له كل ما هو أيجابى
فى الفترة الراهنة وفقاً لقانون الجذب ..
أخبرها أنه قام بالتسجيل فى الدورات التى يدعمها والدها و مجموعة رجال أعمال المدينة كما أخبرها أنه أستعد لها كى يكون في كامل فورمته المهنية .. كان يحكى و يستفيض دون أن يشعر ، جميلة كانت تقرأ كل كلماته فى إهتمام دون أن تقاطعه ..
محمود كان يشعر بالأرتياح و هو يسرد لها ما قام به الفترة الماضية و جميلة كانت تشعر بالأهتمام و الرغبة فى سماع المزيد ..
توقف محمود عن الكتابة فسألته جميلة : ماذا بك ؟؟
كتب لها محمود على أستحياء :
لقد طلبت منك سابقاً قبل ان أعرف أسمك ان أرى صورتك و قد رفضتى .. هل بعد أن عرفت أنك جميلة الجزيرى يحق لى أن أعيد طلبى ؟
و لو فعلت .. هل سيتغير موقفك ؟؟
لحظة صمت طالت دون أن يكتب الطرفان لبعضهما .. بدأ القلق يتسلل لقلب محمود فهو لا يرغب إطلاقاً فى أن يخسر هذه العلاقة ..
تفاجأ محمود بأرسال جميلة لصورتها !
لم يتوقع محمود المفاجأة .. و لم يتوقع الصورة عندما رآها ..
سطعت جميلة فى الصورة أمام ناظري محمود الذى لم يتوقع
أن يصل جمالها إلى هذه الدرجة !
كاد وهج جمالها أن يضئ الصورة ..
مما أجبر محمود كعادة جميلة معه أن تتركه يحملق لشاشة هاتفه
و عيناه مفتوحتان عن أخرهما ..
*******************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الرابع
- 4 -
داخل سيارة الماظة لم يكن الوضع كما كان عليه قبل الظهور المفاجئ لنهاوند ، كان الماظة يقود فى صمت و بجانبه كان يجلس الجزيرى
كـ صنم .. لا ينطق و لا يحرك ساكناً.. فقط جفنه يمارس وظيفته و هذا كان الدليل الوحيد على أن الجزيرى ما زال على قيد الحياة ، حاول الماظة الأطمئنان على صديقه الذى أثار قلقه و لكن دون جدوى ، لم يستغرق الماظة وقتاً طويلاً للوصول لفيلته .. ركن سيارته و هو ينظر للجزيرى و قال له متصـعباً : طيش شباب يا صديقى و مصيره يعقل ..
تعالى ندخل نضرب فنجانين قهوة من البن المخصوص بتاعى ..
نزل الماظة و تبعه الجزيرى بخطوات ثقيلة و كأنه منوم مغناطيسياً و قبل أن يصل الماظة لبوابة الفيلا الرئيسية الضخمة الفخمة ، فتح هاتفه و أستخدم أبلكيشن خاص بالأكرة الديجيتال المثبتة بهذا الباب و تمكن من خلاله من فتح الأكرة فدخل الأثنان بمجرد وصولهما للبوابة ..
و بسقفة بسيطة مفتعلة من الماظة تم أضاءة الأنوار
و دبت الحياة فى الفيلا ..
كان - السمارت هوم سيستم - هو النظام الدارج فى فيلات الجانب الشرقى ، دخل الماظة مكتبه برفقة الجزيرى و بنفس السقفة ....... [المزيد]