الفصل الرابع 💬 أقوال محمد حسن عبد الجابر 📖 رواية إيجيكوين
- 📖 من ❞ رواية إيجيكوين ❝ محمد حسن عبد الجابر 📖
█ الفصل الرابع كتاب إيجيكوين مجاناً PDF اونلاين 2024 عندما تصبح أحداث الحياة الأرض أقرب إلى عالم الخيال عندها يمكن للخيال العلمي أن ينزل ويلامس أرض الواقع ويضيف لونه ليطغى ويرتبط بها بحيث يكتسب الوضع الجديد طابعًا مألوفًا يختلط بأحداثه مع بدرجاته فمن الضروري يتم التعامل المعاصر وإن كان خارجًا عن المألوف
وعندما ينشأ الحب مثل هذا الجو يجب يكون مستوى القول يصنع المعجزات والمقصود بالمعجزات هنا فيما يتعلق بالجانب الرومانسي للرواية ليس الأحداث التي تنسب التدخل الإلهي المباشر
بدلاً من تشير كلمة معجزة صمود البطل للظروف والعقبات ساهمت المساعدة الإلهية المقام الأول ثم قدراتهم الخاملة للتغلب عليها وتحملها قدر المستطاع إذا تعريف المعجزة هو أنها قطع واضح يحدث قوانين الطبيعة فإن ما حدث وصفه بأنه شبيه بالمعجزة !! كنت أنوي كتابة ملخص لرواية (إيجيكوين) بالأسلوب التقليدي لكن الكلمات رفضت تتلاءم بعضها
تصارعت الرواية ذهني وخلاصة قرأته للتو إذن تصارعت
إذن
- 4 -
داخل سيارة الماظة لم يكن الوضع كما كان عليه قبل الظهور المفاجئ لنهاوند ، كان الماظة يقود فى صمت و بجانبه كان يجلس الجزيرى
كـ صنم .. لا ينطق و لا يحرك ساكناً.. فقط جفنه يمارس وظيفته و هذا كان الدليل الوحيد على أن الجزيرى ما زال على قيد الحياة ، حاول الماظة الأطمئنان على صديقه الذى أثار قلقه و لكن دون جدوى ، لم يستغرق الماظة وقتاً طويلاً للوصول لفيلته .. ركن سيارته و هو ينظر للجزيرى و قال له متصـعباً : طيش شباب يا صديقى و مصيره يعقل ..
تعالى ندخل نضرب فنجانين قهوة من البن المخصوص بتاعى ..
نزل الماظة و تبعه الجزيرى بخطوات ثقيلة و كأنه منوم مغناطيسياً و قبل أن يصل الماظة لبوابة الفيلا الرئيسية الضخمة الفخمة ، فتح هاتفه و أستخدم أبلكيشن خاص بالأكرة الديجيتال المثبتة بهذا الباب و تمكن من خلاله من فتح الأكرة فدخل الأثنان بمجرد وصولهما للبوابة ..
و بسقفة بسيطة مفتعلة من الماظة تم أضاءة الأنوار
و دبت الحياة فى الفيلا ..
كان - السمارت هوم سيستم - هو النظام الدارج فى فيلات الجانب الشرقى ، دخل الماظة مكتبه برفقة الجزيرى و بنفس السقفة البسيطة تم أنارة المكتب بالكامل و تشغيل التكييف و عودة الحياة للمكان تأهباً لراحة و رفاهية أصحاب المكان ..
هنا تمتم الجزيرى بوجه شاحب و قال :
نظام السمارت هوم بيسمع كلامنا أكتر من عيالنا ..
و من غير ما نتكلم كمان ..
و الله و طمرت فيه المصاريف أكتر من خلفتنا !!
لم يتوقع الماظة خروج هذه الكلمات المرحة من هذا الوجه العبوس
فأنفجر فى الضحك ..
طلب منه الجزيرى أن يتناقشوا فى العمل و فيما حضروا من أجله ، حاول الماظة مع الجزيرى فى تلطيف الوضع بينه و بين نهاوند ، لكن تكشمت ملامح الجزيرى و قال فى صرامة لقد تبرأت منه ولا أرغب
فى فتح هذا الموضوع المنتهى مرة أخرى ..
من سمات رجال الأعمال .. فن أستثمار الوقت و عدم ضياعه فيما لا يفيد و بالأحرى عندما يكونون ناجحين أمثال الماظة و الجزيرى ..
قال الماظة مخاطباً الجزيرى و هو يرشف من فنجان القهوة :
كانت تراودنى فكرة بعد أدخال الروبوتات فى مصنعك و لم تسنح الفرصة لمناقشتها معك و لكن جاء أوانها ..
نظر له الجزيرى فى أهتمام و قال له : عظيم البن الكولومبى دة !
و طلب من الماظة أن يستعرض فكرته ..
الماظة : لابد من تخصيص مكان يتم فيه إعداد دورات تدريبية على يد خبراء يابانيين لأحتراف صيانة الروبوتات تحسباً لأى أعطال ستحدث للروبوتات ، و بدلاً من أستغراق وقتاً طويلاً لصيانتها من قبل الشركة الموردة .. يحترف شباب المدينة هذه المهارة .. هذا سيجدى نفعاً كبيراً لمصانع و شركات المدينة و سيحل نسبة
ليست بهينة من مشكلة البطالة التى ضربت ( مدينتنا ) ..
رد الجزيرى و قد بدأت الفكرة تختمر برأسه :
الفكرة جيدة لكن التكلفة لن تكون كذلك ..
أنهى الماظة فنجانه ثم قال للجزيرى :
تكلفة الدورات التدريبية سيتحملها المواطنيين الراغبين فى شغل الوظيفة التى سينالوها بعد تخطى أختبار هذه الدورات .. أما بالنسبة لتخصيص مركز للصيانة و تهيئته لمثل هذه الوظيفة الجديدة بتفرعاتها و صرف مرتبات شهرية للموظفين .. هذا سيتم مناصفة بين رجال أعمال المدينة الذين قاموا بأستبدال العنصر البشرى بروبوت و هذا مقابل
صيانات دورية شهرية لكل الروبوتات العاملة بكياناتهم ..
رد الجزيرى و بدأ يهيمن عليه التردد : مجرد صيانة الروبوتات قد لا يحفز الكثير من رجال الأعمال للفكرة .. فالروبوتات مازالت حديثة
و بحالة الزيرو .. ما الذى يدفعهم لهذه التضحية ؟
رد الماظة دون تردد : هذه التضحية المادية البسيطة أهون من التضحية بالكيانات نفسها .. اليوم تمكنت القوات الأمنية من السيطرة على الوضع و أحتواء الموقف , ناهيك عن التهديدات الأمنية من التدخلات الخارجية .. غدا لا يعلم أحداً ماذا ستكون العواقب أن لم نقدم حلولاً سريعة ، حتى لو رُفضت لكنها ستكون بمثابة مسكنات للمواطنين .. أو قد تلاقى الفكرة قبولاً فتحقق إقبالاً و تكون علاجاً شافياً للمدينة ..
و أضيفك من الشعر بيت .. أنا أخطط لأن تتطور مراكز الصيانة لمراكز تصنيع روبوتات جديدة لتصبح هذه الروبوتات فيما بعد واحدة من صادرات ( مدينتنا ) و فى المستقبل القريب !
******************
سقطت الكرة عن عمد فى ملعب رجال الأعمال ، كان يتحتم عليهم جميعاً تكوين فريقاً واحداً لمجابهة مشكلة البطالة التى فرضوها على المدينة دون عمد .. و كان يتحتم عليهم أيضاً أحراز هدفاً فى وقتاً مبكراً قبل الوصول للوقت الضائع فيضيع معه الجميع ..
تواصل الماظة هاتفياً أثناء أجتماعه بالجزيرى بمجموعة رجال أعمال المدينة بحكم معرفته بهم جميعاً منذ أن أبتاعوا منه منشئاتهم و فيلاتهم ..
أخبرهم أن غداً سيتم عقد أجتماع عاجل مع جميع رجال أعمال المدينة فى مكتب الجزيرى بمصنعه و أكد عليهم أهمية الحضور ..
و بالفعل فى اليوم التالى و فى مكتب الجزيرى تم عقد أجتماع مغلق و تم فيه طرح مشكلة البطالة فى ( مدينتنا ) بأبعادها الخطيرة و ضرورة ألتزامهم بالوعد الذى أخذوه على أنفسهم أمام القيادات الأمنية ، لحسن الحظ لم يكن لديهم أى أفكار أو أى حلول للموقف المفاجئ الذى تورطوا فيه , لذلك كان الطريق ممهداً أمام الماظة لعرض الفكرة الوحيدة لديهم فى الأجتماع ، رغم أقتناع الكثير من الحاضرين لكن خرج عليهم بعض المتمردين و بشدة على تحمل مرتبات شهرية دون الإستفادة القريبة من هذه التكاليف ، هذا ما توقعه الجزيرى و قد أخبر به الماظة بالأمس .. لذلك جائت لحظة تدخله و كانت حاسمة فجذب أنتباه الحاضرين أن جميعهم ساهم فيما وصل إليه الوضع الراهن لذلك عليهم تحمل أعباء تجاوز هذه المحنة ، كما أخبرهم الجزيرى أن هذا الحل لا يتسبب فى الخسارة بل فى المكسب البعيد و قد يكون أتقانه السبب
فى فتح طاقة القدر و الخير للجميع ..
ما بين مؤيد و معارض و بعد أن طالت المباحثات و المداولات ..
لكن فى نهاية المطاف أقتنع جميع الحاضرين من رجال الأعمال من خطورة الموقف الذى يمرون به و من ضرورة تقديم حل سريع
حتى لو كان فنكوشاً ..
*******************
التكنولوجيا سلاح ذو حدين و بالأحرى عالم الأنترنت ، فعلى سبيل المثال لا الحصر .. الواتس آب .. جروبات الواتس آب تمكنك من مخاطبة عدد هائل من الناس و بأقل مجهود ، و تتمكن من أخبارهم بما تريد وقت ما ترغب و دون فرض قيود عليهم بألزامهم بالحضور
فى مكان و زمان محددان ..
عند أستخدام الحد النافع لسلاح الأنترنت داخل ( مدينتنا ) يصبح الأمر سهلاً ، قام الماظة بتسخير جروب الواتس الخاص بالمدينة ليكون المايك الذى يخاطب من خلاله مواطنى ( مدينتنا ) لتصل الرسالة لآلاف المواطنين من قاطنى المدينة ..
نوه أولاً الماظة على الجروب أنه فى خلال ساعة سوف يتم أذاعة فيديو تم تسجيله من قبل رجال أعمال المدينة يتم فيه شرح الأتجاه الجديد الذى يسعون فيه لتحقيق التوازن فى المدينة قدر المستطاع ..
وبالفعل بعد حوالى ساعة كان ٩٠٪ من أعضاء الجروب ينتظرون على أحر من الجمر مشاهدة هذا الفيديو الذى توقعوا
أن يكون لهم طوق النجاة ..
تم تشيير الفيديو على الجروب و تم النقر عليه ألاف النقرات من آلاف الأشخاص المتلهفين لمشاهدة الفيديو ..
كان الآلاف يتابعون فى نهم و كأنهم يشاهدون المبارة الفاصلة لصعود منتخب مصر لكأس العالم !!
أنتهى عرض الفيديو و تمثل الوضع بين أعضاء الجروب و كأنهم معتقلين سياسيين فمن وجد فى نفسه القدرة على التقدم للدورات و شغل هذه الوظيفة كمن حصل على عفو رئاسى و عاد للحياة ، و من لم تتناسب أمكانياته سواء المادية أو المهنية مع هذه الفكرة عاد معبئاً بخيبة الأمل لمحبسه النفسى مرة أخرى و لكنه كان يترك بصمته الغاضبة
فى كومنت على الجروب ..
كان يتابع رجال الأعمال تطورات الأحداث بين المواطنين .. ما بين داعمين للفكرة و ما بين محبطين لها ، حتى داعمى الفكرة أنشقوا لمن رحب بها على حالها و لمن أرتبط ترحيبه بها إذا تحولت الدورات
لدورات مدعمة ..
حالة تخبط و أنقسامات ضربت مواطنى المدينة و لكن ماحدث كان بمثابة صمام أمان لرجال أعمال ( مدينتنا ) لأن فى التفرقة سيادة و سيطرة !
*****************
لم يخطئ المتنبى عندما قال ( مصائب قوم عند قوم فوائد ) ..
لم يكن محمود من المتضررين مما حدث فى مصانع و شركات الجانب الشرقى و لكنه سيكون من المنتفعين من الضرر الذى لحق بهم ..
كان محمود أول المتقدمين بتسجيل أسمائهم فى أستمارة الألتحاق بالدورات كما قام بأرسال الـ ( سى فى ) الخاص به على الأميل المذكور فى أخر الفيديو الذى قلب جروب المدينة رأساً على عقب ..
هو يدخر مبلغاً مالياً ليعينه على تكاليف الزواج حين يأتي النصيب و لكن نصيبه من العمل جاء أولاً ، فكان المبلغ المالى سنداً له ليبادر بتسجيل أسمه فى الدورة و يحجز له مكاناً فى حياته الجديدة ..
دبت الحماسة فى عروق محمود فأنتعش الأمل بداخله ، جائت هذه الدورات بمثابة طوق النجاة من الغرق فى بحر الفشل .. هذه الوظيفة فى صميم مجاله و ستنمى من مهاراته و يشعر أنه سيحقق فيها ذاته ..
تقمص محمود دور الطالب الذى موعد أمتحانه النهائى قد أقترب و عليه مراجعة كل ما مضى من دراسة و التجهيز و الأستعداد
للأختبار النهائى الذى سيرسم مستقبله ..
أعتكف محمود فى غرفته أياماً حتى تمكن من الأنتهاء من مراجعة ما درسه فى هندسة البرمجيات و مجال البرمجة و كل ما يخص هذا العالم .. بعد أن أنهى محمود الجانب النظرى كان عليه أن يمارس الشق العملى بل و يبرع فيه على سبيل التدرب ليثبت لنفسه أنه جدير بهذه الوظيفة الجديدة ، كان الجانب العملى بالنسبة له هو
أستعادة صفحته ( موطن الفاشلين ) ..
حاول محمود مراراً وتكراراً فك شفرة الحماية لصفحته المسلوبة لكن بائت كل محاولاته بالفشل ، لم ييئس محمود و حاول فى اليوم التالى و لكنه لم ينجح أيضاً و لكنه أحتفظ بأصراره لأيام حتى جاء يوم تمكن فيه من فك الشفرة و الأستحواذ على الصفحة و فرض سيطرته عليها مرة أخرى ..
أصيب محمود بنشوة النصر .. و ظل يردد فى همس :
لقد فعلتها .. لقد فعلتها ..
عزم محمود على تغيير أسم الصفحة من ( موطن الفاشلين )
لــ ( معاً نصنع النجاح ) ..
و كتب فى مقدمة الصفحة بالبنط العريض :
لكى تنهض لا بد من أن تسقط أولاً ..
*************
الفكرة المطروحة فى الفيديو المذاع على جروب ( مدينتنا ) نجحت فى تفتيت كتلة الغضب إلى بروتونات موجبة مجبورة و إلكترونات سالبة مقهورة ، كان محمود و أمثاله ممن سجلوا أسمائهم فى الدورات المقترحة يقومون بدور البروتونات ، أما من فقدوا المقدرة و لم تسمح لهم أمكانياتهم بالتسجيل و الألتحاق بهذه الدورات هم من يمثلون الألكترونات السالبة الغاضبة ، و هم شريحة عريضة من مواطنين ( مدينتنا ) و قرروا التعبير عن غضبهم مبدئياً على الجروب , بتوجيه رسالة صريحة لرجال أعمال المدينة أنهم يطالبون بفرصة تناسب أمكانياتهم و تتوافق مع ظروفهم و ليس شرطاً أن تخدم مصالحهم الشخصية
كـ فكرة مراكز صيانة الروبوتات ..
**********************
وصلت الرسالة لرجال الأعمال و الذين بدورهم كانوا يتابعون الموقف بشغف لرصد ردود الأفعال ، كان المأزق الذى وقعت فيه المدينة لا يحتمل البطء أو التطويل و لسوء الحظ لم يمتلك رجال الأعمال فى خزائن أفكارهم أى حلول أخرى فى هذه الفترة القصيرة ، لكن كان عليهم صد الإتهام المصوب إليهم من قبل إلكترونات المدينة و أن يتنصلوا أيضاً من مسئولية توفير فرصة ثانية مناسبة فى هذا التوقيت ..
لذلك أقترح رجال الأعمال بعد عقد أجتماع أخر و كان طارئاً ، فتح باب أستقبال أفكار مشاريع و سيتم عرضها على لجنة متخصصة و هذه اللجنة لها رؤيتها و من خلالها ستحدد المشاريع المثمرة و التى يمكن دعمها من قبل رجال أعمال المدينة لتنفيذها على أرض الواقع
مقابل نسبة من أرباح المشروع ستذهب لصالح
الداعمين من رجال أعمال ( مدينتنا ) ..
كان لهذا التصريح فى فيديو ثاني على جروب ( مدينتنا ) أثر بالغ على شريحة المعترضين .. فـ للوهلة الأولى شعروا أنهم تائهين هائمين على وجوههم و لكنهم أدركوا أن عليهم أن يشتغلوا على أنفسهم جيداً الفترة المقبلة بعد أن نجح رجال أعمال المدينة في
إسقاط و إبقاء الكرة فى ملعب هؤلاء المعترضين ..
*******************
أنتفع خالد مثل صديقه محمود من الزوبعة التى ظهرت فى ( مدينتنا ) و أنطبقت عليه أيضاً المقولة الشهيرة للمتنبى
( مصائب قوم عند قوم فوائد) ..
خالد يمتلك محل فى الجانب الغربى لبيع الأعلاف و الحاصلات الزراعية لكن سخونية الأسعار وصلت لدرجة الغليان فكانت
تكوى الجميع و لا تبرد .. مما أضعف الحركة الأقتصادية و ضرب الكساد الجانب الغربى و أصاب الركود المدينة بأكملها ..
تلفت أغلب البضاعة فى محل خالد و الباقى خسر فى ثمنه قبل أن يصيبه التلف و أصبح خالد فى عداد العاطلين ..
الفيديو الثاني الذى شيره رجال أعمال المدينة على الجروب كان له الفضل فى أن يدب الأمل و يجرى فى عروق آلاف المحبطين
و كان خالد واحداً منهم ..
لقد تقدم آلاف المواطنين بآلاف الأفكار لألاف المشاريع !!
كادت اللجنة المتخصصة و التى كونها فريق رجال أعمال المدينة لفحص أفكار المشاريع المرسلة و فلترتها ، أن تعلن أنسحابها من هذه المهمة لضعف الكثير من أفكار المشاريع المُرسلة و هناك الأكثر من الأفكار التى تخدم أصحابها و لن تجدى نفعآ للمدينة ، حتى سقطت فكرة مشروع خالد فى أياد اللجنة و هى التى دفعتهم لأن يتراجعوا عن ما كانوا ينوون ..
خالد خريج كلية زراعة بتقدير أمتياز و لكن عاكسته الظروف المفتعلة لأن يتعين معيداً بها و لكنه قدم مشروع تخرج كامل أبهر به أساتذته و لكن لم ينال تطبيقه عملياً أى أهتمام وقتها ..
دون أن يتكبد خالد عناء التخطيط لفكرة مشروع .. فقط أخرج نسخة من مشروع التخرج من درج مكتبه و أرسله على الأميل المذكور فى الفيديو ..
فحصت اللجنة مشروع خالد و الذى يوضح كيفية أستصلاح الأراضى الصحراوية لزراعتها من خلال تكرير مياه الصرف الصحى لأستخدامها فى الرى و كيفية أختيار البذور السليمة لتحقيق جودة المحصول و أوضح فى مشروعه المفصل ما يمكن زراعته فى الأرض الصحراوية مثل : البرسيم و الشعير و القمح و بعض الخضروات مثل الطماطم و الباذنجان .. و ركز خالد فى مشروعه على زراعة القمح ، فبجانب تكرير مياه الصرف الصحى للرى و أختيار البذور السليمة لم ينس أهمية إضافة السماد مثل الأسمدة النيتروجينية و الأسمدة الفوسفورية و أسمدة البوتاسيوم لضمان جودة محصول القمح ..
سبب جذب مشروع خالد لأنتباه اللجنة المتخصصة هو أن المشروع تنطبق مواصفاته على أرض المدينة التى يقطنون بها .. ما أكثر الأراضى الصحراوية داخل المدينة وخارجها مما يسهل تنفيذ فكرة مشروع خالد ، كما أنها أيضاً ستحتاج فى تنفيذها لعدداً هائلاً من المواطنين مما يبتلع نسبة ضخمة من البطالة فى المدينة .. كما أن نجاحها له بعد آخر جوهرى و هو تحقيق الأكتفاء الذاتى لـ ( مدينتنا ) من القمح ، العالم مقبل الفترة القادمة على أزمة قمح عالمية .. فيمكن الإستفادة من
فائض المحصول و تصديره لخارج المدينة ..
******************
تبدلت حالة محمود من شخصاً مفعماً بالفشل و اليأس لشخصاً أخر مشحوناً بطاقة أيجابية و ذلك بعد التسجيل فى الدورات المُعلنة ، و أرتفع معدل طاقته الإيجابية أكثر بعد أستعادة صفحته المُهكرة ..
تمكن محمود من إدارة حالته النفسية مرة أخرى و التحكم فيها ، هو الآن يسعى لأدارة حالته العاطفية و يسعى جاهداً للتحكم فيها .. لكن هذا لا يوقف رغبته الجامحة فى تناول هاتفه و فتح المحادثة الخاصة بجميلة و لاحظ محمود ظهور النقطة الخضراء بجانب أسمها لكن تحجمت رغبته الجامحة بمجرد أن فتح المحادثة .. و فقط ظل ينظر لها ساهماً !
ظهرت جملة فجأة مرسلة من جميلة و قد نجحت
فى أنتشال محمود من شروده ..
كتبت جميلة : مبرووك رجوع الصفحة .. و مبروك تغيير أسمها ..
لم يتوقع محمود الرسالة لأنه هو الذى يبادر بالمراسلة فى كل مرة ، لكن يبدو أن طاقته الإيجابية تجذب له كل ما هو أيجابى
فى الفترة الراهنة وفقاً لقانون الجذب ..
أخبرها أنه قام بالتسجيل فى الدورات التى يدعمها والدها و مجموعة رجال أعمال المدينة كما أخبرها أنه أستعد لها كى يكون في كامل فورمته المهنية .. كان يحكى و يستفيض دون أن يشعر ، جميلة كانت تقرأ كل كلماته فى إهتمام دون أن تقاطعه ..
محمود كان يشعر بالأرتياح و هو يسرد لها ما قام به الفترة الماضية و جميلة كانت تشعر بالأهتمام و الرغبة فى سماع المزيد ..
توقف محمود عن الكتابة فسألته جميلة : ماذا بك ؟؟
كتب لها محمود على أستحياء :
لقد طلبت منك سابقاً قبل ان أعرف أسمك ان أرى صورتك و قد رفضتى .. هل بعد أن عرفت أنك جميلة الجزيرى يحق لى أن أعيد طلبى ؟
و لو فعلت .. هل سيتغير موقفك ؟؟
لحظة صمت طالت دون أن يكتب الطرفان لبعضهما .. بدأ القلق يتسلل لقلب محمود فهو لا يرغب إطلاقاً فى أن يخسر هذه العلاقة ..
تفاجأ محمود بأرسال جميلة لصورتها !
لم يتوقع محمود المفاجأة .. و لم يتوقع الصورة عندما رآها ..
سطعت جميلة فى الصورة أمام ناظري محمود الذى لم يتوقع
أن يصل جمالها إلى هذه الدرجة !
كاد وهج جمالها أن يضئ الصورة ..
مما أجبر محمود كعادة جميلة معه أن تتركه يحملق لشاشة هاتفه
و عيناه مفتوحتان عن أخرهما ..
: - 1 -
على طريق أسكندرية – القاهرة الصحراوى و تقريباً عند منتصف المسافة بين المحافظتين تقع هذه المدينة السكنية و تفرض وجودها و كأنها بقعة جغرافية معترف بها على الخريطة .. تشغل المدينة مساحة شاسعة على الطريق و تمتد للداخل لمساحات فسيحة , هى ليست مجرد مدينة سكنية فحسب و التى قام بتنفيذها على أرض الواقع رجل الأعمال الشاب أحمد ألماظة ..
هى مدينة تم تأسيسها و دعمها بخدمات على الطراز الذى يناسب طبقة الأثرياء و شريحة الشباب و كوكب النساء , خدمات تتماشى مع أغلب فئات المجتمع ..
لو لم يتعثر أحمد ألماظة و يتزلزل مادياً أثناء تنفيذ هذه المدينة أكبر مشروع له فى حياته المهنية لكان باع بالثمن الثمين الذى حدده سواء للوحدات السكنية أو للمحال التجارية دون التنازل عن مليماً واحداً للسعر الذى وضعه لهما .. لكن تحقيق جميع الأمال دائماً يكون محال ..
ألماظة على قدر كبير من النضج التسويقى و يمتلك قسطاً وافراً من الدهاء و لكن أحياناً تنقلب النعم لنقم لأصحابها و أحياناً أخرى تمضى قدماً , و يعزى الفضل فى التحول لطريقة أستخدام هذه النعم ..
ألماظة كان مرغماً بعد أن مضى مئات العقود مع مئات المشتريين من الطبقة الرائقة مادياً بالثمن الذى حدده لوحداتهم , أن ينحدر بالسعر حتى كاد الأقتراب من هاوية - الخسارة القريبة - لباقى الوحدات الأخرى فى المدينة .. و ذلك ليجنى أى نقود تمكنه من أستكمال نموها و أن يصل بها للمرحلة النهائية و ينتهى من هذا المشروع الذى أستنزف طاقته المادية المحددة للمشروع ..
هذه التعثرات و التدهورات المادية التى مر بها ألماظة ترجع لتخبط الأسعار لجميع السلع و المنتجات و عدم أستقرارها لفترة زمنية طالت مدتها !
كان فكر صائب لألماظة عندما نفذ هذه الخطوة فنجح بالفعل فى بيع أغلب الوحدات المتبقية و أنهى تشطيبها فى مستوى أقل بكثير من الوحدات الأولى و لكن تغاضى ممتلكيها عن ذلك مقابل فرصة أقتناص سعرها و المغرى أكثر لهم تواجد وحداتهم السكنية على مقربة من منازل الأثرياء الفخمة كما أنها أيضاً قريبة من مراكز خدمات و أحياء محيطة بمنازل الأثرياء
و قد تعامل معها ممتلكين الوحدات الثانية على أنها أماكن ترفيهية ..
ما فعله ألماظة دون تخطيط منه لكنه كان تخطيط القدر , أنه جمع فى هذه المدينة طبقة الأثرياء مع طائفة الشباب حديثى الزواج بالأضافة لطائفة قدامى المتزوجون من الطبقة المتوسطة و طبقات متحورة أخرى .. و شبه أنعزالهم عن أى حياة سكنية خارج هذه المدينة و قد منحها ألماظة أسم مدينة ( مدينتنا ) سيرغمهم على تفاعل جميع هذه الطبقات مع بعضهم البعض ليتصدوا لصعوبات الحياة الجمة التى يتوقعون أن يواجهوها فى تجربتهم فى الأقامة بمدينة ( مدينتنا ) و قد أتخذت جميع طبقات مواطنيها هذا المكان على أنه ملجأ لهم يهرعون إليه هرباً من ضوضاء الحياة فى العالم الخارجى و أزدحام الحياة و التى تزداد سوقية و فجاجة ..
*******************************
كان التخطيط العمرانى لـ ( مدينتنا ) يتسم بالعنصرية فعمل أحمد ألماظة من البداية على أن يمنح الأثرياء الجانب الشرقى للمدينة لما تتمتع بها هذه الرقعة الواسعة من المدينة من ظروف مناخية ممتازة و موقع جغرافى رائع , بينما خصص الجانب الغربى للمدينة لباقى الطبقات الأخرى و بالطبع يقل مستوى الرفاهية سواء الجغرافى أو المناخى عن نظيره فى الجانب الشرقى ..
لم يختلف أحد و لن يحمل أحداً أعتراضاً على عنصرية التخطيط العمرانى للمدينة فجميعهم قانعين أن هذه عدالة شعرية طبقاً لما دفعوه مقابل أستلام وحداتهم السكنية ..
محمود طايع هو شاب فى مقتبل العمر يبدو عليه أنه قضى حوالى ثلاثون عاماً فى هذه الحياة .. بارع فى مجال البرمجيات و لديه مهارات متنوعة أخرى , كان يقبض بأنامله على أطراف ملف يزخر بأوراق تبدو فى الأغلب أنها شهادات الكورسات و السى فى الخاص به .. كان مظهره يوحى بذلك فكان يحمل الملف دون أكتراث و يكاد يجر قدميه أثر حالة نفسية مأزومة و كأن أبواب العالم قد أوصدت فى وجهه و أصبح أسير ذاته ..
كان محمود يمشى وقت الظهيرة فى الجانب الشرقى لـ ( مدينتنا ) هائماً على وجهه مفعماً بالبؤس .. لم يتمكن حتى من أقتناص مجرد وظيفة روتينية فى أحدى شركات الجانب الشرقى , بدا ذلك جلياً من مظهره و من حافظة الأوراق المهنية التى يحملها فى وهن .. سمع محمود صوت الأذان يأتى من مكان ما ثم بدأت الأصوات تتنامى من حوله و تتداخل لتعدد المساجد فمال قلبه و أنجذب لدخول أقرب مسجد و كان تقريباً أكبر مساجد المدينة ..
توضأ محمود و أستعد لصلاة الظهر فى جماعة و بالفعل صلى محمود و أفرغ ما فى قلبه فى حوار روحانى مع رب العباد و ما أن أنتهت صلاة الظهر حتى طلب الأمام من المصليين عدم المغادرة لأداء صلاة الجنازة على أمرأة متوفية فما كان على محمود غير أن يلبى النداء و تموقع المصليين بينما الأمام يلقى على مسامعهم كيفية صلاة الجنازة و بدأت الصلاة و أستمرت بشكل طبيعى إلى أن جائت الركعة الثالثة و التى تخص الدعاء للمتوفى !
فعل محمود ما يفعله جميع المصليين و ما أعتاد هو فعله فى جميع صلوات الجنازات التى حضرها على مدار حياته .. لقد تفوهت شفتيه فى تمتمة شبه مسموعة و هو يدعى للمتوفية أن يتغمدها الله برحمته و يبدلها داراً خيراً من دارها و زوجاً خيراً من زوجها .. هنا كانت ولادة المأزق .. يتفاجأ محمود بأحد المصليين و الذى يقف أمامه فى الصلاة مباشرة قد خرج من صلاته و أستدار ليصبح وجهه فى مواجهة وجه محمود و بدأ يخاطب محمود و هو
مشتاط غضباً و أخذ يوبخه : ليه بتدعيلها بزوج خيراً منى ؟؟
تعرف أيه عنى أنت وحش ؟؟ تعرفنا أصلاً ؟؟
محمود أصابه الذعر و قد خرج من خشوع الصلاة بل خرج من صلاة الجنازة ذاتها هو و كل من حوله بعد أن تسلل الهرج فسلم الأمام و أنهى الصلاة ليلتفت و يستوعب ماذا حدث خلف ظهره أثناء الصلاة ..
كان محمود ينظر بعينان مذهولتان للزوج الثائر و كان يحاول تفادى الرذاذ المنطلق من فمه و رد عليه بنبرة هادئة : أهدى يا حاج .. انا معرفكش .. انا بدعى زى ما أتعلمت فى الخطب الدينية
ما أقصدش حضرتك بالأخص يعنى .. سامحنى ..
أستطرد الزوج بنفس ثورته و كأنه لم يسمع محمود من الأساس : دخلك أيه بينا أنت علشان تدعى لمراتى بزوج تانى أحسن منى ؟!
هنا تدخل الشيخ الذى كان يصلى بهم و حاول تهدئة الزوج الثائر و قد شاعت على وجه الشيخ أبتسامة معسولة بعد أستيعابه للموقف فأشتكى له الزوج الثائر و هو يعيد على مسامع الشيخ الرواية للمرة الألف تقريباً فشد الشيخ من أزره و هو يربت على كتفه و يبدى له أعجابه بغيرته و وفائه لزوجته و أخبره ضرورة الألتزام فى الصلاة و حفظ قدسيتها و أخبرهم بأعادة صلاة الجنازة فقاطعه الزوج الثائر : و محدش يقول زوجاً خيراً من زوجها !!
كانت الأبتسامة المعسولة ترتسم على وجه الشيخ كلما كرر الزوج الأرمل جملته , كان الشيخ يوزع نظراته بين الزوج و محمود و باقى المصليين و يعد الزوج بصوت مرتفع عمداً ليخبر المصليين أن لا أحد سيذكر هذا الجزء من الدعاء .. فأومأ الزوج برأسه يعلن تأكيد كلام الشيخ , فأضاف الشيخ و قال للمصليين أدعوا فى سركم أحسن ..
*****************************
فى الجانب الغربى للمدينة كانت تتواجد الأسواق التقليدية لبيع الخضروات و الفواكه و تنتشر المحال التجارية التى تبيع السلع الغذائية المحلية , من كان يريد السلع المستوردة كان عليه أن يمر للجانب الشرقى و يذهب للهايبرات الكبرى و المولات ليبتاع ما تشتهيه نفسه من أجود المنتجات و أبهظها ثمناً ..
لم ينكر و لن ينسى أحداً حالة الكساد الأقتصادى التى أكتسحت البلاد بل العالم أجمع بعد جائحة كورونا و ما تعانيه البلاد من حالة ركود قد أصابت بالطبع
مدينة ( مدينتنا ) و طالتها فلم ينجو أحداً من طوفان الأنكماش الأقتصادى .. الأسواق باتت شبه مهجورة .. المحال التجارية تجد تكدس على قلة منها و البقية لم يلمس غبار الأحذية بلاطها .. و يعزى الفضل فى ذلك لشقين :
الشق الأول و هو يخص التجار الذين يتعاملون فى تجارتهم و كأنها تجارة مع الله فيعملون بحديث من غشنا فليس منا و يتقون الله فى تجارتهم و فى حياتهم و لذلك يجعل الله لهم دوماً مخرج من أزماتهم و فى ذروة هذه الأزمة الأقتصادية محالهم التجارية لا تخلو من الزبائن و البركة لا تغادرها !
الشق الثانى خاص بـ تجار كانت محالهم التجارية ستنال نفس نظافة بلاط المحال الخاوية من الزبائن المجاورة لهم لولا أنهم لجأوا لأقذر حيلة أقتصادية فى التاريخ و هى أحتكار بعض السلع لتعطيش السوق لها ثم طرحها فى الأسواق بعد أختفائها و يسعرونها على أهوائهم و يتعاملون متوهمون
أن بيدهم المنح و المنع !!
كانت هذه الأجواء المستجدة على المدينة كفيلة لأن تخلق فى الجانب الغربى صراعات عديدة و متنوعة .. ناهيك عن الحقد و الغيرة و كأن الرزق يُجذب بالحسد !!
صراعات بين أصحاب المحال التجارية الخاوية مع التجار الذين يمارسون التجارة الأسلامية و محالهم التجارية مكتظة بالزبائن .. صراعات بين المواطنين قليلى الحيلة مع التجار الذين ترسخت فيهم غريزة الطمع الذين يحتكرون السلع فيحتقرهم الناس !
لقد تسللت لمدينة ( مدينتنا ) السوقية والفجاجة التى هرب منها مواطنين ( مدينتنا ) من الخارج , يبدو أنهما أصبحا من قوانين الحياة و لكل قانون قوة !
***************************************
غادر محمود المسجد بعد أن صلى الظهر و صلى أغرب صلاة جنازة فى حياته لا يعلم أن كان سيكررها مرة أخرى أم لا .. طمئن نفسه أنه يملك طرق عديدة أخرى لعمل الخير و أقتناص الحسنات غير صلوات الجنازات ..
سأل محمود نفسه فى حوار ذاتى داخلى هل المرحلة العصيبة التى يمر بها هذه الأشهر بدون عمل و بدون حب و بدون أى شئ هل ستتبع مقولة ( ما تضيق إلا لما تفرج ) أم أنها سترجح مقولة ( المشاكل لا تأتى فرادى ) و ستستمر ؟؟
حتى لو أجابه عقله الباطن بالمقولة الأولى كانت حالته النفسية العامة سترجح و تميل للثانية لما يمر به فى هذه المرحلة الأنتقالية فى حياته من أزمات و كبوات ..
ترجل محمود هائماً على وجهه شارداً لفترة زمنية لا بأس بها حتى وصل للجانب الغربى للمدينة دون أن يشعر بمشقة سيره لمسافة طويلة ..
أنتبه محمود أنه وصل لمحيط سكنه من صوت المشاجرة القائمة بين أحد المواطنين مع أحد تجار الحوائج .. نظر لتجمهر الناس من حولهما فى موقف مكرر يومياً مع أختلاف الأشخاص لكن دون جدوى .. فلا المواطن يقبل الأستغلال و لا التاجر ينتوى أن يفقد حتى قرش مكسب من القيمة التى سعرها لمنتجاته .. مشهد بات فى ناظرى محمود مملاً أكثر منه مؤلماً .. أستمر محمود فى خطواته يشاهد المشاجرات و الصراعات و الحالة العامة التى خيمت على وجوه أهل الجانب الغربى و كأنه يشحن طاقته السلبية حتى أمتلأت عن أخرها بوصوله لوحدته السكنية فأختفى عن الشارع و صعد لمنزله حاملاً اليأس على كتفيه يوحى لمن تقع عليه عيناه أنه ينوى عمل شئ ما
لكنه شخصياً مازال عاجزاً عن معرفته !
********************
دخل محمود الشقة بكل يسر فلم يتكبد عناء طرق الباب لقد كان مفتوحاً عن أخره واصل سيره بالداخل سامعاً أصواتاً متداخلة داخل شقته عندما ميزها أكتشف فيها رنين صوت والدته مع امرأة ما , كاد أن لا يبالى لكن أصطدمت قدميه بكرتونة عملاقة تحوى سلعاً غذائية متنوعة من سكر و أرز و عبوات صلصة و زجاجات زيت طعام .. تعثرت قدمى محمود أثر أصطدامهما بالكرتونة فأختل توازنه و بدأ فى عمل حركات السقوط البهلوانية محاولاً التعلق بأى قشاية تظهر أمامه فكانت الحاجة نورا هى القشاية التى برزت فجأة لكنها لم تتحمل تشبثه بها فأنهارت قدماها و سقطت فوق محمود أرضاً .. هنا ساهمت الحاجة زكية و الدة محمود فى الموقف و قد ظهرت مؤخراً و صرخت مؤازرة للحاجة نورا و كأنها تحاول أنقاذها من خلال صرخاتها !
نهض محمود مرتبكاً ليحاول مساعدة الحاجة نورا و قد أقتربت الحاجة زكية تشارك محمود المساعدة و هما يحاولان تجاهل تمتمة الحاجة نورا التى تحمل سباً و قذفاً لما ألحقه بها محمود ..
ذهبت الحاجة زكية من أمامها بحجة أحضار كوباً من الماء و قد جذبت محمود من ذراعه و دخلا المطبخ و حدثته الحاجة زكية فى توبيخ :
كنت فين كل دة يا فاشل ؟؟ و أيه اللى هببته فى الولية دة ؟؟ عارف مين دى ؟؟
لم يدب الحماس فى جسد محمود من الصباح الباكر لكنه تحرك فى عروقه عند سؤال والدته فقال لها : أيوة بقى منا عايز أعرف مين الست دى ؟؟ و أيه اللى جابها عندنا بالكرتونة دى ؟
ردت الحاجة زكية بكل طلاقة : دى مرات المعلم أبو كرش ..
أكبر تجار أحتكار السلع فى المدينة ..
حدق محمود فى ذهول فى والدته و قال : مالك يا أمى ؟؟
هو البيت بقى مركز التجار الأشرار .. أنا مش فاهم حاجة ؟!
أستطردت والدته بنفس الطلاقة و الثقة : هى بتاخد البضاعة من جوزها بسعر الجملة و تحسبهالى بسعر الجملة .. فقاطعها محمود و قال :
ليه ماسكة عليها ذلة ؟؟
والدته : لا .. بس بطلب من ابوك يجيب من مصنع التونة اللى شغال فيه كراتين تونة و بحسبها بسعر الجملة و بنبدل مع بعض بعد حسبة بسيطة تقديرية للكمية المتبادلة على حسب سعرها جملة و بعد كدة هى بتاجر فى كراتين التونة دى لأنها من أجود ألأصناف و كل شوية بتقل فى المحلات و مطلوبة كتير فى الجانب الشرقى للمدينة .. هى بتسعرها سياحى و تبيعها من غير المعلم أبو كرش ما يعرف و بتحوش فلوسها و تشترى بيهم دهب ..
و أنا كدة بكون أشتريت خزين البيت بسعر الجملة ..
قال لها محمود فى فزلكة : و أيه اللى يضمن أنها بتبلغك سعر الجملة الحقيقى لبضاعتها اللى بتقايضك بيها ؟؟ دى مرات أبو كرش !
ردت الحاجة زكية بكل ثقة : و أنا مرات طايع .. أنا بقى بسأل على سعر البضاعة فى المحلات بس بروح عند تجار الخير مش عند أبو كرش و أمثاله و بكتب الأسعار .. بعد كدة بنقص أتنين جنيه من السعر و يبقى كدة بنحط سعر تقريبى لسعرها جملة .. غير أن البضاعة
اللى بتنقص فى المحلات هى بتوفرهالى ..
أرتسمت على وجه محمود أبتسامة فاترة و قال لوالدته :
بتحاربى الغلاء بطريقتك يا زكية !
جاء صوت من الخارج كان عالياً و ممطوطاً : مـــــــــــ ــــيــــــ ــــــــة ..
فأنتفضا محمود و والدته و خرجت الحاجة زكية
تحاول أسراع خطواتها حاملة كوباً من الماء ..
*****************************
مشى محمود بخطوات ثقيلة قاصداً غرفته .. كان يستظل بسحابة من الفشل و يتجرع كؤوساً من الأحباط بعد أن مكث شهوراً يبحث عن فرصة عمل مقبولة و هو مهندس برمجيات ناهيك عن أنه يجيد لغتين و لديه مهارات أخرى رغم ذلك لم يتغير الوضع المادى له فتغير الوضع النفسى له للأسوأ .. دخل غرفته و هو خائر العزم يمشى بنفس خطوات من أقدم على الأنتحار .. خطوات أشبه بخطوات الزومبى .. كان يتحرك و كأن أحداً يوجهه من على بعد بالريموت .. حتى جلس على سريره و مدد قدماه و أصبح فى وضع الزاوية 90 , رفع هاتفه و شرع فى فعل شئ ما على شاشته .. يبدو أنه ينوى الأنتحار فبدأ فى ممارسة طقوس الأنتحار المعتادة .. كل المنتحرين فى هذا العصر يكتبون رسالتهم الأخيرة على الفيس أولاً قبل التنفيذ و كأنها محاولة بائسة أخيرة منهم لأيجاد أى مُنقذ !
أستغرق محمود حوالى نصف ساعة فى وضع الزاوية القائمة و هو منهمك مع هاتفه , أنتهى محمود أخيراً مما يفعل و بدأ مرحلة جنى ثمار ما غرس ..
بدأ محمود متابعة صفحة الفيس التى أنشأها منذ لحظات بعنوان ( موطن الفاشلين ) و قد أعلن عنها و سوق لها أيضاً بلينك الصفحة و قد قام بتشييره فى العديد من الجروبات مع وصف مبسط لفكرة الصفحة .. وصف يلخص تقييم محمود لنفسه بمصفوفة صغيرة تضم شهاداته و خبراته مع الوظائف التى شغلها سابقاً و التى لا تطلب من الأصل شهادات للقيام بها .. حتى هذه الوظائف السطحية باتت له كـ حلم زجاجة ماء لتائه فى الصحراء .. يعلن على الصفحة أنه فشل فى حياته المهنية فشل فى حياته العاطفية فشل فى حياته الأجتماعية أعلن محمود أنه بكل شفافية و شجاعة أول فاشل فى التاريخ يعترف أنه فاشل .. ليس ذلك فحسب .. أعلن محمود أنه قد وصل لأخر ليفل فى جيم الفشل و لن يصل إليه أحد مثله و من يرى نفسه فاشل بائس فلينضم لدولتنا !!
ما فعله محمود هى خطوات ما قبل الأنتحار لمن يقدم عليه , فيجلد المنتحر نفسه ذاتياً داخلياً فيرتفع أفراز الأدرينالين فى جسمه فينهى حياته ..
ما فعله محمود أنه قام بجلد ذاته لكن جهراً ..
لقد أنتحر محمود ألكترونياً !!
***************************************
أنتهت الحاجة زكية من طهى الطعام و تنظيمه على السفرة لتناول وجبة الغذاء , كان موعد الغذاء ثابتاً كباقى الوجبات فلكل منها وقتاً محدداً كما جرت العادة فى منزل طايع و أسرته , طايع يقدس النظام و يطبقه فى ممارسة شئون حياته .. عاد من عمله فى مصنع التونة الشهير فى الجانب الشرقى للمدينة , أتخذ مقعده على طاولة الطعام و جلست جواره الحاجة زكية و ندهت بصوت عال على محمود : الغدا هيبرد يا فــاشــل ..
قال طايع لزكية وقد ملأ شدقيه بالأرز : بطلى تناديه بفاشل ..
أنتى قربتى تنسينى أسمه ..
خرج محمود من غرفته بنفس حالته التى دخل بها الغرفة , سحب مقعداً ليجالسهم على المائدة و لم ينطق سوى بألقاء السلام على والده و أوحى لهما أنه يأكل حتى لا يسأله أحد عن ما به .. واضعاً هاتفه المحمول
على المائدة بجوار طبق الأرز الخاص به ..
عادة طايع كباقى عادات أغلب المصريين , بدأ يتناقش مع زوجته زكية فى بعض أمور العمل و ضغوط الحياة أثناء تناول وجبة الغذاء .. دور الزوجة فى هذه المواقف يكون تبسيط الأمور و تهوين الوضع رغم عدم أقتناعها ! أستطرد طايع و هو يعرض على زكية مشاكل العمل : فى عجز فى بعض الخامات فى المصنع و دة هيأثر على مسيرة الأنتاج الفترة الجاية .. حاولى تحافظى على كراتين التونة اللى جبتهالك يا زكية علشان مش هنعرف نجيب زيها الفترة اللى جاية ..
هنا سقطت الملعقة من بين أنامل زكية و أحدثت رنيناً لأحتكاكها بطبق الأرز
فأنتبه لها محمود و تلاقت نظراتهما فى حوار تراجيدى كوميدى صامت ..
لم يقطع تبادل نظراتهما غير صوت طايع المرتفع وهو يفور غضباً موجهاً غضبه لمحمود يوبخه و يأمره بأن يغلق هاتفه المزعج الذى لم يتوقف منذ لحظة جلوسه عن أصدار أصوات مستفزة - صوت أشعارات الفيس - !!
تناول محمود هاتفه فى عجلة ليغلق أتصاله بشبكة الواى فاى لكنه ما أن تناول هاتفه حتى أصابه الذهول و أتسعت عيناه و هو ينظر للهاتف و قام عن مقعده فى محاولة لمغادرة المائدة مما لفت أنتباه والده طايع الذى خاطبه بصوت أجش يأمره بأن يكمل طعامه فرد عليه محمود و هو شارد .. الحمد الله .. الحمد الله ..
محمود كان لا يدرك هل حقاً يقول الحمد الله لوالده مكتفياً بما سقط فى جوفه من قلائل الطعام أم يقولها لنفسه لأن صفحته على الفيس التى أنشأها منذ حوالى ساعة فقط قد أجتذبت ما يقرب من حوالى مائة ألف متابع !!
( موطن الفاشلين ) سكنه ما يقرب من مائة ألف فاشل حتى اللحظة الراهنة قابلين للزيادة .. حمد الله فى سره على أنه نجح أخيراً فى شئ ما !
بعد ثوان معدودة أكتشف محمود أن أول أمر ينجح فيه هو الفشل !!!
لقد نجح فى أجتذاب مائة ألف فاشل و تم تنصيبه تلقائياً كزعيماً لهم !
سأل محمود نفسه متحيراً .. و قد جال بخاطره لحظة أنشاء هذه الصفحة أنه كان مجرد يفرغ شحناته السلبية بهذه الوسيلة !
الأن ماذا سأفعل مع ( موطن الفاشلين ) و ما الذى سأقدمه لهم ؟؟
- 1 -
على طريق أسكندرية – القاهرة الصحراوى و تقريباً عند منتصف المسافة بين المحافظتين تقع هذه المدينة السكنية و تفرض وجودها و كأنها بقعة جغرافية معترف بها على الخريطة .. تشغل المدينة مساحة شاسعة على الطريق و تمتد للداخل لمساحات فسيحة , هى ليست مجرد مدينة سكنية فحسب و التى قام بتنفيذها على أرض الواقع رجل الأعمال الشاب أحمد ألماظة ..
هى مدينة تم تأسيسها و دعمها بخدمات على الطراز الذى يناسب طبقة الأثرياء و شريحة الشباب و كوكب النساء , خدمات تتماشى مع أغلب فئات المجتمع ..
لو لم يتعثر أحمد ألماظة و يتزلزل مادياً أثناء تنفيذ هذه المدينة أكبر مشروع له فى حياته المهنية لكان باع بالثمن الثمين الذى حدده سواء للوحدات السكنية أو للمحال التجارية دون التنازل عن مليماً واحداً للسعر الذى وضعه لهما .. لكن تحقيق جميع الأمال دائماً يكون محال ..
ألماظة على قدر كبير من النضج التسويقى و يمتلك قسطاً وافراً من الدهاء و لكن أحياناً تنقلب النعم لنقم لأصحابها و أحياناً أخرى تمضى قدماً , و يعزى الفضل فى التحول لطريقة أستخدام هذه النعم ..
ألماظة كان ....... [المزيد]