❞ تابع لغزوة حُنين ..
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبد الله ، قال : لما استقبلنا وادي حنين ، انحدرنا في وادٍ من أودية تهامة أجوف خطوط إنما ننحدر فيه انحداراً ، قال : وفي عماية الصبح ، وكان القوم سبقونا إلى الوادي ، فكَمَنُوا لنا في شعابه وأَحْنائه ومضايقه ، قد أجمعوا وتهيؤوا ، وأعدوا فوالله ما راعنا ـ ونحن منحطون ـ إلَّا الكتائب ، قد شدُّوا علينا شَدَّة رجل واحد ، وانشمر الناسُ راجعين لا يَلْوِي أحد منهم على أحد ، وانحاز رسول الله ﷺ ذات اليمين ، ثم قال ( إلى أَيْنَ أَيُّهَا النَّاسُ؟ هَلُمَّ إِلَيَّ أنا رَسُولُ الله أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ) ، وبقي مع رسول الله ﷺ نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته ، وفيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ، ومن أهل بيته علي والعباس وأبو سفيان بن الحارث وابنه والفضل بن العباس ، وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد ، وأيمن ابن أم أيمن ، وقُتِل يومئذ ، قال : ورجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام هوازن ، وهوازن خلفه ، إذا أدرك ، طعن برمحه ، وإذا فاته الناسُ رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه فبينا هو كذلك إذ أهوى عليه علي بن أبي طالب ، ورجل من الأنصار يُريدانه ، قال : فأتى علي مِنْ خَلْفِهِ ، فضرب عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، ووثب الأنصاري على الرجل ، فضربه ضربةً أطن قدمه بنصف ساقه ، فانجعف عن رحله ، قال : فاجتلد الناس ، قال : فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى عند رسول الله ﷺ ، قال ابن إسحاق : ولما انهزم المسلمون ، ورأى مَن كان مع رسول الله ﷺ مِن جُفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغنِ ، فقال أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وإن الأزلام لمعه في كنانته ، وصرخ جبلة بن الحنبل - وقال ابن هشام : صوابه كَلدَة : ألا بطل السِّحْرُ اليوم ، فقال له صفوان أخوه لأمه وكان بعد مشركاً : اسكت ، فضَّ الله فاك ، فوالله لأن يَرُبَّني رَجُلٌ مِن قريش ، أحبُّ إليَّ من أن يربني رجل من هوازن. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ تابع لغزوة حُنين .
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبد الله ، قال : لما استقبلنا وادي حنين ، انحدرنا في وادٍ من أودية تهامة أجوف خطوط إنما ننحدر فيه انحداراً ، قال : وفي عماية الصبح ، وكان القوم سبقونا إلى الوادي ، فكَمَنُوا لنا في شعابه وأَحْنائه ومضايقه ، قد أجمعوا وتهيؤوا ، وأعدوا فوالله ما راعنا ـ ونحن منحطون ـ إلَّا الكتائب ، قد شدُّوا علينا شَدَّة رجل واحد ، وانشمر الناسُ راجعين لا يَلْوِي أحد منهم على أحد ، وانحاز رسول الله ﷺ ذات اليمين ، ثم قال ( إلى أَيْنَ أَيُّهَا النَّاسُ؟ هَلُمَّ إِلَيَّ أنا رَسُولُ الله أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ) ، وبقي مع رسول الله ﷺ نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته ، وفيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ، ومن أهل بيته علي والعباس وأبو سفيان بن الحارث وابنه والفضل بن العباس ، وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد ، وأيمن ابن أم أيمن ، وقُتِل يومئذ ، قال : ورجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام هوازن ، وهوازن خلفه ، إذا أدرك ، طعن برمحه ، وإذا فاته الناسُ رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه فبينا هو كذلك إذ أهوى عليه علي بن أبي طالب ، ورجل من الأنصار يُريدانه ، قال : فأتى علي مِنْ خَلْفِهِ ، فضرب عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، ووثب الأنصاري على الرجل ، فضربه ضربةً أطن قدمه بنصف ساقه ، فانجعف عن رحله ، قال : فاجتلد الناس ، قال : فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى عند رسول الله ﷺ ، قال ابن إسحاق : ولما انهزم المسلمون ، ورأى مَن كان مع رسول الله ﷺ مِن جُفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغنِ ، فقال أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وإن الأزلام لمعه في كنانته ، وصرخ جبلة بن الحنبل - وقال ابن هشام : صوابه كَلدَة : ألا بطل السِّحْرُ اليوم ، فقال له صفوان أخوه لأمه وكان بعد مشركاً : اسكت ، فضَّ الله فاك ، فوالله لأن يَرُبَّني رَجُلٌ مِن قريش ، أحبُّ إليَّ من أن يربني رجل من هوازن. ❝
❞ 🔵 •• لا يستطيع العالم كله أن يمسّك بسوء لم يرده الله..
ولا يستطيع العالم كله أن يدفع عنك سوءاً قدره الله..
🔹-- *الصمد*
✿- إذا كان الضعف قد بنى حولك سجناً ضيقا لا تستطيع الخروج منه!
❀- إذا حاصرتك الحاجات، وداهمتك الخطوب، والتفت من حولك الهموم، وأخذت روحك في الهرب إلى المجهول! فأنت ساعتها بحاجة إلى أن تصمد إليه..
✿- اسم الله "الصمد" سيمدّك بكل ما تحتاجه لتكون قويّا في هذه الحياة، وتجابه واقعك بشموخ، وتتجاوز عقدك بعزيمة!
❀- ابدأ مع الصمد عهداً جديداً، ثم ثق أنّ الغد سيكون أفضل من اليوم.. وبكثير!!
🔹-- *في ظلال الصمدية* :
✿- الصمد اسم كما ترى بالغ الهيبة، قويّ الحروف، شامخ المعنى، قليل الورود والذكر، ذو جلالة خاصّة.
❀- وكأن الصمود له سبحانه أهم تجليّات الإخلاص في العبادة، فمن أكثر من استحضار معنى الإخلاص في عباداته، أكسب قلبه صفة الرضوخ إلى مولاه والصمود له وعدم الالتجاء إلا إليه.
✿- وها نحن ندلف إلى عالم الصمدية لنستلهم شيئاً من معاني الصمد:
--••🔹 *الصمد هو من تصمد إليه الخلائق* ، أي تلجأ إليه، هذا من أجلّ معاني هذا الاسم، لذا فسوف نُطوّف بهذا المعنى..
--••🔹الصمد هو المقصود في الرغائب، المستغاث به عند المصائب، والمفزوع إليه وقت النوائب.
-🖱- جاء ذكره في سورة من أعظم سُوَر المصحف، ومن أقصرها، وهي سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن الكريم:
( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ )
✿- يحتاج المخلوق إلى نصر فيقول: يا الله..
❀- يحتاج إلى إعانة فيقول: يا الله..
✿- يحتاج إلى حفظ فيقول: يا الله..
❀- يحتاج إلى هداية فيقول: يا الله..
✿- يحتاج إلى لطف فيقول: يا الله..
🔹-- *أمواج* :
✿- أحاطك بالاحتياجات لتحيط نفسك بأسمائه وصفاته، وهذا معنى الصمديّة.
❀- في كل لحظات حياتك أنك بحاجة إليه، فإن لم ترجع إليه اختياراً رجعت إليه اضطرارا.
✿- المزارع إذا تأخر وقت الحصاد، وقد تعاظمت حاجته للثمر، وصار الماء شحيحاً، نظر إلى السماء وقال: يا الله!
❀- ركاب السفينة إذا تلاطمت بهم الأمواج، وزعزعت فكرة الموت طمأنينة الحياة في نفوسهم قالوا: يا الله !
✿- إذا أعلن قائد الطائرة أن عجلاتها رفضت التحرّك ولذلك فسيأخذ جولة على المطار إلى أن تُحل المشكلة، ينسى ركاب الطائرة كل الشخصيات المهمة، ولا يتذكرون إلا الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه.
❀- وعيناك على رسّام القلب، تنظر إلى تلك الخطوط المتعرّجة ومريضك تخفت أنفاسه، وتتضاءل نبضاته، وتلك الخطوط تأخذ قليلاً قليلاً في الهبوط، لحظتها تنسى اسم الممرضة، ويتبخّر من رأسك وجه الطبيب وتقول في رجاء: يا الله كن معه !
🔹-- *أفكار الزيف* :
-🖱- جاء شيخٌ أعرابيٌّ اسمهُ الحُصينُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
كم تعبدُ يا حُصين؟
فقال: سبعةٌ، ستةٌ في الأرض وواحد في السماء،
فسأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم : من لرهبك؟
قال: الذي في السماء، قال من لرغبك؟ قال الذي في السماء،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فاترك الذين في الأرض واعبد الذي في السماء، فأسلم الحُصين.
✿- لقد اقتنع بسبب معنى الصمديّة لأن من تصمد إليه وقت الرهبة والرغبة هو وحده من يستحق أن تسجد له !
❀- إن الإيمان أسهل فكرة في الوجود، لا تحتاج إلى كتب، ولا إلى فلسفة، ولا إلى سبر وتقسيم، هي كلمة قلها بإخلاص، ثم اتركها لتشتت أفكار الزيف..
-🖱- يختصر القرآن ذلك فيقول:
(قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)
✿- كلمة "الله" وحدها .. كفيلة بإسكات أكبر أكاذيب الحياة..
❀- في عمق كل إنسان، وداخل كل خلية، وحول كل شريان أشياء تعرف الله جيداً، وتسجد له، وتسبّحه..
✿- إن الكافر وهو كافر إذا سمع القرآن يخضع ..
❀- ومن قصص السيرة الشهيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم على مشركي مكّة في المسجد الحرام، وما إن انتهى حتى سجدوا .. كلهم سجدوا.. حتى أولئك الذين طردوه وآذوه وخططوا لاغتياله سجدوا !
✿- تلك الأشياء التي في خلاياهم وشرايينهم تفجّرت فيها طاقة إيمانيّة رهيبة فجعلتهم يخرّون للأذقان سجداً..
🔹-- *الكواكب*
✿- خلق في نفوس عباده حاجة إلى حبّه سبحانه !
❀- هناك نوع من الحب المقدّس في قلوب العباد لا يشبعه إلا الانحناء له، والطواف ببيته، والوقوف بين يديه، والقيام من النوم لأجله، وبذل المهج في سبيله.
✿- الحياة بكل تجلياتها همس يقول لك: الذي تبحث عنه على عرشه يسمعك
-🖱- (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)..
❀- امرأة يخلو بها فاجر في إحدى الخلوات فيراودها عن نفسها، ولكنّها تأبى! فيقول حاثّا لها: لا يرانا إلا الكواكب، فترد بشموخ: فأين مكوكبها؟
🔵-- أين الله ؟!
✿- إن قلب صامد إلى الله، يراقبه، متيقن أنه عليم خبير سميع بصير محيط !
❀- وصمودك إليه بقلبك تماما كصمود المصلّي إلى الكعبة ليصلي إليها !
✿- هكذا يجب أن يكون القلب، يوزّع رغباته في كل الاتجاهات لكن الاتجاه الأمامي يجب أن يكون لله فقط..
❀- ضع يمين قلبك ما شئت ويساره ما شئت، ولكن أمامه لا تضع إلا مرضاة الله، إلا مراقبة الله، إلا حب الله.
🔹-- *وتنساه* ..
✿- إذا بحثت عن شيء فلم تجده فدعه، وانشغل بالله. هو الذي جعل ذلك الشيء يضيع لتصمد إليه وتلتجئ، لتقول: اللهم ردّ عليّ ضالّتي، فيردّها !
يريدك أن تنشغل به عن حاجتك، ولكنّك تنشغل بها، وتنساه!!
💭 ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام بالغ النفاسة في هذا المعنى، فتأمّله بقلبك، ثم اجعله بالقرب من أوجاعك، وكربك، وحاجاتك، يقول:
"العبد قد تنزل به النازلة فيكون مقصوده طلب حاجته، وتفريج كرباته، فيسعى في ذلك بالسؤال والتضرع، وإن كان ذلك من العبادة والطاعة، ثم يكون في أول الأمر قصده حصول ذلك المطلوب: من الرزق والنصر والعافية مطلقا، ثم الدعاء والتضرع يفتح له من أبواب الإيمان بالله عز وجل ومعرفته ومحبته، والتنعم بذكره ودعائه، ما يكون هو أحب إليه وأعظم قدراً عنده من تلك الحاجة التي همته، وهذا من رحمة الله بعباده، يسوقهم بالحاجات الدنيوية إلى المقاصد العلية الدينية".
✿- تنقطع الأمطار، وتصبح الدنيا قاحلة على عهد سليمان عليه السلام فيخرج هو وقومه وهم آلاف من الرجال والنساء والولدان، فيرى سليمان نملة خرجت رافعة يديها إلى السماء صامدة إلى ربّ السحاب، فعلم سليمان أن هذا الصمود، وهذا الذل لن يعقبه إلا هطول السماء بماء منهمر، فقال لقومه: ارجعوا فقد كُفيتم، فعادوا على صوت الرعود، ورذاذ المطر !
❀- في طفولتي كنت أسمع دعاء لأحد القرّاء فيهزني:
" *اللهم أوقفنا مطايا ببابك.. فلا تطردنا عن جنابك* "
هذا الإيقاف للمطايا بباب الكريم هو معنى الصمد.
🔹-- *اصمد إليه* :
✿- يجب أن تعلم أنه لو لم يأذن للدواء أن يؤدي مفعوله في جسدك لما ارتفع عنك ذلك المرض، *فاصمد إليه أن يشفيك* ..
❀- يجب أن توقن أنه لو لم يصرف تلك السيارة المتهورة عنك لكنت الآن في عداد الموتى، *فاصمد إليه أن يحفظك* ..
✿- يجب أن تتأكد أنه لو لم يحطك برعايته عندما ركبت البحر، لكنت الآن طُعماً لأسماك المحيط، *فاصمد إليه أن يكون معك* ..
🔵•• ولهذا تصمد إليه لترتاح، ليهدأ لُهاثك، لأنك بدونه تركض وتلهث وتتوتر.
✿- أنصت إلى أولئك الذين تعبث بهم سفينة، أو يرون الموت وهو مقبل عليهم، وتعصف بهم رياح التقلبات سوف تسمعهم بجميع أديانهم يلهجون باسمه: *يا الله* !
-🖱- (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
❀- جعل في داخلك حاجة لأن تقول اسمه، هناك أمن يعمّ كيانك إن قلت يا الله، فإذا لم تقلها اختياراً، قلتها اضطراراً، وإن لم تذكرها إيمانا، ذكرتها قهراً، وإذا لم تكن كلمتك في الرخاء، كانت صرختك في الشدة!
🔹-- *البوصلة*
✿- لماذا ننتظر جائحة تردنا إليه؟ ومصيبة تذكرنا باسمه؟ وكارثة نعود بها إلى المسجد.
❀- ألا يستحق أن نخضع ونلتجئ إليه دون جوائح وكوارث ومصائب؟
✿- هل كل ما أعطانا إياه من حياة وصحة وإيمان وأمان وسعادة قليل حتى لا ننكّس رؤوسنا إليه إلا ببليّة تنسينا كل أوهامنا، ولا يبقى في عقولنا معها إلا الله!.
🔷 *عدّل بوصلة قلبك باتجاهه ثم سر إليه ولو حبوًا على ركبتيك* ، 🔹-- ستصل
-🖱- (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ).
❀- إذا التجأت لفلان من الناس صباحاً قد يغلق بابه دونك في المساء.
✿- إذا نصرك على زيد قد لا ينصرك على عمرو.
❀- إذا أعطاك اليوم فسوف يمنعك في الغد.
*أما الله* .. فلا !
-🖱- (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ)
✿- يعطى بالليل والنهار، ينصرك على الجميع إن كنت مظلوما، لا يغلق بابه، يده سحاء الليل والنهار، أكرم الأكرمين، لذلك تصمد إليه كل الخلائق، فإذا جربت أن تصمد إلى غيره في حاجة رجعت خائبا، ولابد !.
❀- إذا طلبت غيره قد لا يجيبك، أو قد يجيبك ولكن يتأخر في تلبية طلبك، أو يلبيه ولكن ناقصا، أو يلبيه كاملا لكن مع ملعقة إهانة، وقد لا يهينك ولكنّ نفسك تنكسر له.
🔹-- *فرّغ قلبك من غيره*
✿- دخلت قديما مكتب وكيل إحدى الجامعات وقد كتبت له معروضاً في شأن من شؤون دراستي، ثم شرحت له بعض التفاصيل فقال لي: لا تكثّر (هرْج)!
❀- الناس لا يريدونك أن تكثر من الهرج! ولكن الله يحبك إن كثّرت من الهرج بين يديه! فهو يحب العبد اللحوح في الدعاء.. فلماذا تشكو لغيره وتتركه؟
-🖱- يقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس:
"إذا سألت فاسأل الله"
✿- ما دام أن هناك حاجة تستحق السؤال؛ فليكن الله هو من تسأله!
💭 أعجبتني مقولة نقلها أبو حامد الغزالي عن أحد العارفين يقول فيها عن اسم الله الأعظم:
*فرّغ قلبك من غيره ثم ادعه بأي اسم يجبك* ..
❀- وهذا فحوى معنى الصمد، اجعل في قلبك الله، ثم قل أي شيء من مرضاته سيكون: إلهيّ المسحة، وربّاني الصبغة..
✿- كل عارض يعرض إنّما هو رسالة تقول لك: لديك رب فالتجئ إليه..
••المرض رسالة لتذل له..
••والفقر برقيّة لتسجد له ..
••والضعف مكالمة تقول لك استجلب القوّة من القويّ..
••الحياة كلها تصرخ في وجهك: لديك رب، اصمد إليه!
❀- وفي حديث ابن عباس سالف الذكر يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:
"احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك".
🔵•• أمامك !!
✿- احفظه في نفسك وجوارحك وخطراتك، سيكون أمامك بحفظه ومعيته ونصرته.
❀- *الصمد لا تهدأ قلوب خلقه حتى تضع زوّادتها عند عتبة مُلكه*..
🔹-- *خطوات*
✿- انظر في أي اتجاه شئت، ولكن اجعل في قلبك عينين لا تنظران إلا إلى عظمته!.
❀- تحدّث بكل ما تريد، ولكن اجعل في قلبك لساناً لا ينطق إلا بذكره!
✿- استمع إلى الجميع، ولكن اصنع في قلبك سمعاً لا يدرك إلا كلامه!
❀- امش إلى حيث شئت، ولكن احفر في قلبك خطوات نهايتها عرش الملك!
✿- اصمد إليه بقلبك وروحك وتفكيرك وجسدك وإراداتك وأحلامك وأوهامك..
🔹إذا أمسكت قلماً فتساءل: هل يرضى سبحانه عما سأكتبه في هذه الورقة؟
🔹إذا هممت بكلمة تقولها فتساءل: هل سأقول شيئاً يرضيه؟
🔹إذا وقفت موقفاً تساءل: هل موقفي هذا محبوب عنده أم لا ؟
✿- اصنع منبّها وعلّقه في أعلى قلبك دقاته تقول:
ماذا يريد الله؟ ماذا يريد الله ؟ ماذا يريد الله؟
🔵•• اصمد إليه في كل حين، وإذا ما استيقظت في نصف الليل فتذكره، خيالاتك سوداء إذا لم تتذكره، عقلك خراب دون أن يمر اسمه على خطراتك، أحلامك مستنقعات فإذا جاء ذكر الحي الذي لا يموت عليها صارت أنهارا وأشجارا وعصافير شادية.
🔹-- *شموخ* ..
✿- إذا علّمت روحك الصمود إليه، فإنها مع الزمن ستستحي أن تكثر من الطلبات الدنيويّة لأنّها ليست الحيّز الذي خلقك له، كل آمالك أخروية..
💭قال الخليفة لابن عمر وهو يطوف حول الكعبة :سلني يا ابن عمر، فنظر إليه بشموخ الصامد إلى الله وقال: من أمر الدنيا أم الآخرة؟
•• فقال أما الآخرة فلله ولكن من شؤون الدنيا،
•• فقال: لم أسأل الدنيا من يملكها فكيف أسألها من لا يملكها؟!
❀- الصمود لله يحوّلك إلى عظيم، لا يبالي بمُلاك التراب..
الدنيا تخصص لا يقبل عليه الصامدون لله..
💭 قال أمير لابن تيمية، سمعنا أنك تريد ملكنا يا ابن تيمية! فرفع ابن تيمية رأسه بشموخ وقال: والله إن ملكك لا يساوي عندي فلسين!
✿- رجل يعرّض وجهه لله آناء الليل، كيف يذل لقطعة خزف أطراف النهار؟
🔹-- *حقيقة* ..
❀- *اللحظة التي تصمد فيها إليه لأجل حاجتك*، *هي نفسها اللحظة التي تصبح حاجتك ملك يمينك* !
🔵•• لا عبور لأي رغبة إلا من طريق الله، لا وجود لأي حاجة إلا في ساحة الله، لا إمكانيّة لحدوث شيء إلا بالله، فإنه وحده الذي لا حول في الوجود ولا قوة إلا به.
❀- لا يمكن لخليّة أن تتحرّك ولا لذرة أن تكون ولا لقطرة أن تتبخر ولا لورقة شجر أن تسقط إلا بحوله وقوّته!
✿- لا يستطيع العالم كلّه أن يمسّك بسوء لم يرده الله، ولا يستطيع العالم كله أن يدفع عنك سوءاً قدّره الله !
❀- إذن فاجعل وجهك إليه، وألجئ ظهرك إليه، وفوّض أمرك إليه .. فهو الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد..
🔷🔹 اللهم أصمد قلوبنا إليك، واجعلنا لا نطلب غيرك ولا نسأل سواك ولا نستغيث بأحد من خلقك يا الله..
من كتاب / لأنـك اللـه
للكاتب /أ. علي بن جابر الفيفي. ❝ ⏤على بن جابر الفيفى
❞ 🔵 •• لا يستطيع العالم كله أن يمسّك بسوء لم يرده الله.
ولا يستطيع العالم كله أن يدفع عنك سوءاً قدره الله.
🔹-- *الصمد*
✿- إذا كان الضعف قد بنى حولك سجناً ضيقا لا تستطيع الخروج منه!
❀- إذا حاصرتك الحاجات، وداهمتك الخطوب، والتفت من حولك الهموم، وأخذت روحك في الهرب إلى المجهول! فأنت ساعتها بحاجة إلى أن تصمد إليه.
✿- اسم الله ˝الصمد˝ سيمدّك بكل ما تحتاجه لتكون قويّا في هذه الحياة، وتجابه واقعك بشموخ، وتتجاوز عقدك بعزيمة!
❀- ابدأ مع الصمد عهداً جديداً، ثم ثق أنّ الغد سيكون أفضل من اليوم. وبكثير!!
🔹-- *في ظلال الصمدية* :
✿- الصمد اسم كما ترى بالغ الهيبة، قويّ الحروف، شامخ المعنى، قليل الورود والذكر، ذو جلالة خاصّة.
❀- وكأن الصمود له سبحانه أهم تجليّات الإخلاص في العبادة، فمن أكثر من استحضار معنى الإخلاص في عباداته، أكسب قلبه صفة الرضوخ إلى مولاه والصمود له وعدم الالتجاء إلا إليه.
✿- وها نحن ندلف إلى عالم الصمدية لنستلهم شيئاً من معاني الصمد:
- ••🔹 *الصمد هو من تصمد إليه الخلائق* ، أي تلجأ إليه، هذا من أجلّ معاني هذا الاسم، لذا فسوف نُطوّف بهذا المعنى.
- ••🔹الصمد هو المقصود في الرغائب، المستغاث به عند المصائب، والمفزوع إليه وقت النوائب.
- 🖱- جاء ذكره في سورة من أعظم سُوَر المصحف، ومن أقصرها، وهي سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن الكريم:
✿- أحاطك بالاحتياجات لتحيط نفسك بأسمائه وصفاته، وهذا معنى الصمديّة.
❀- في كل لحظات حياتك أنك بحاجة إليه، فإن لم ترجع إليه اختياراً رجعت إليه اضطرارا.
✿- المزارع إذا تأخر وقت الحصاد، وقد تعاظمت حاجته للثمر، وصار الماء شحيحاً، نظر إلى السماء وقال: يا الله!
❀- ركاب السفينة إذا تلاطمت بهم الأمواج، وزعزعت فكرة الموت طمأنينة الحياة في نفوسهم قالوا: يا الله !
✿- إذا أعلن قائد الطائرة أن عجلاتها رفضت التحرّك ولذلك فسيأخذ جولة على المطار إلى أن تُحل المشكلة، ينسى ركاب الطائرة كل الشخصيات المهمة، ولا يتذكرون إلا الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه.
❀- وعيناك على رسّام القلب، تنظر إلى تلك الخطوط المتعرّجة ومريضك تخفت أنفاسه، وتتضاءل نبضاته، وتلك الخطوط تأخذ قليلاً قليلاً في الهبوط، لحظتها تنسى اسم الممرضة، ويتبخّر من رأسك وجه الطبيب وتقول في رجاء: يا الله كن معه !
🔹-- *أفكار الزيف* :
- 🖱- جاء شيخٌ أعرابيٌّ اسمهُ الحُصينُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
كم تعبدُ يا حُصين؟
فقال: سبعةٌ، ستةٌ في الأرض وواحد في السماء،
فسأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم : من لرهبك؟
قال: الذي في السماء، قال من لرغبك؟ قال الذي في السماء،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فاترك الذين في الأرض واعبد الذي في السماء، فأسلم الحُصين.
✿- لقد اقتنع بسبب معنى الصمديّة لأن من تصمد إليه وقت الرهبة والرغبة هو وحده من يستحق أن تسجد له !
❀- إن الإيمان أسهل فكرة في الوجود، لا تحتاج إلى كتب، ولا إلى فلسفة، ولا إلى سبر وتقسيم، هي كلمة قلها بإخلاص، ثم اتركها لتشتت أفكار الزيف.
✿- كلمة ˝الله˝ وحدها . كفيلة بإسكات أكبر أكاذيب الحياة.
❀- في عمق كل إنسان، وداخل كل خلية، وحول كل شريان أشياء تعرف الله جيداً، وتسجد له، وتسبّحه.
✿- إن الكافر وهو كافر إذا سمع القرآن يخضع .
❀- ومن قصص السيرة الشهيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم على مشركي مكّة في المسجد الحرام، وما إن انتهى حتى سجدوا . كلهم سجدوا. حتى أولئك الذين طردوه وآذوه وخططوا لاغتياله سجدوا !
✿- تلك الأشياء التي في خلاياهم وشرايينهم تفجّرت فيها طاقة إيمانيّة رهيبة فجعلتهم يخرّون للأذقان سجداً.
🔹-- *الكواكب*
✿- خلق في نفوس عباده حاجة إلى حبّه سبحانه !
❀- هناك نوع من الحب المقدّس في قلوب العباد لا يشبعه إلا الانحناء له، والطواف ببيته، والوقوف بين يديه، والقيام من النوم لأجله، وبذل المهج في سبيله.
✿- الحياة بكل تجلياتها همس يقول لك: الذي تبحث عنه على عرشه يسمعك
- 🖱- (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى).
❀- امرأة يخلو بها فاجر في إحدى الخلوات فيراودها عن نفسها، ولكنّها تأبى! فيقول حاثّا لها: لا يرانا إلا الكواكب، فترد بشموخ: فأين مكوكبها؟
🔵-- أين الله ؟!
✿- إن قلب صامد إلى الله، يراقبه، متيقن أنه عليم خبير سميع بصير محيط !
❀- وصمودك إليه بقلبك تماما كصمود المصلّي إلى الكعبة ليصلي إليها !
✿- هكذا يجب أن يكون القلب، يوزّع رغباته في كل الاتجاهات لكن الاتجاه الأمامي يجب أن يكون لله فقط.
❀- ضع يمين قلبك ما شئت ويساره ما شئت، ولكن أمامه لا تضع إلا مرضاة الله، إلا مراقبة الله، إلا حب الله.
🔹-- *وتنساه* .
✿- إذا بحثت عن شيء فلم تجده فدعه، وانشغل بالله. هو الذي جعل ذلك الشيء يضيع لتصمد إليه وتلتجئ، لتقول: اللهم ردّ عليّ ضالّتي، فيردّها !
يريدك أن تنشغل به عن حاجتك، ولكنّك تنشغل بها، وتنساه!!
💭 ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام بالغ النفاسة في هذا المعنى، فتأمّله بقلبك، ثم اجعله بالقرب من أوجاعك، وكربك، وحاجاتك، يقول:
˝العبد قد تنزل به النازلة فيكون مقصوده طلب حاجته، وتفريج كرباته، فيسعى في ذلك بالسؤال والتضرع، وإن كان ذلك من العبادة والطاعة، ثم يكون في أول الأمر قصده حصول ذلك المطلوب: من الرزق والنصر والعافية مطلقا، ثم الدعاء والتضرع يفتح له من أبواب الإيمان بالله عز وجل ومعرفته ومحبته، والتنعم بذكره ودعائه، ما يكون هو أحب إليه وأعظم قدراً عنده من تلك الحاجة التي همته، وهذا من رحمة الله بعباده، يسوقهم بالحاجات الدنيوية إلى المقاصد العلية الدينية˝.
✿- تنقطع الأمطار، وتصبح الدنيا قاحلة على عهد سليمان عليه السلام فيخرج هو وقومه وهم آلاف من الرجال والنساء والولدان، فيرى سليمان نملة خرجت رافعة يديها إلى السماء صامدة إلى ربّ السحاب، فعلم سليمان أن هذا الصمود، وهذا الذل لن يعقبه إلا هطول السماء بماء منهمر، فقال لقومه: ارجعوا فقد كُفيتم، فعادوا على صوت الرعود، ورذاذ المطر !
❀- في طفولتي كنت أسمع دعاء لأحد القرّاء فيهزني:
˝ *اللهم أوقفنا مطايا ببابك. فلا تطردنا عن جنابك* ˝
هذا الإيقاف للمطايا بباب الكريم هو معنى الصمد.
🔹-- *اصمد إليه* :
✿- يجب أن تعلم أنه لو لم يأذن للدواء أن يؤدي مفعوله في جسدك لما ارتفع عنك ذلك المرض، *فاصمد إليه أن يشفيك* .
❀- يجب أن توقن أنه لو لم يصرف تلك السيارة المتهورة عنك لكنت الآن في عداد الموتى، *فاصمد إليه أن يحفظك* .
✿- يجب أن تتأكد أنه لو لم يحطك برعايته عندما ركبت البحر، لكنت الآن طُعماً لأسماك المحيط، *فاصمد إليه أن يكون معك* .
🔵•• ولهذا تصمد إليه لترتاح، ليهدأ لُهاثك، لأنك بدونه تركض وتلهث وتتوتر.
✿- أنصت إلى أولئك الذين تعبث بهم سفينة، أو يرون الموت وهو مقبل عليهم، وتعصف بهم رياح التقلبات سوف تسمعهم بجميع أديانهم يلهجون باسمه: *يا الله* !
❀- جعل في داخلك حاجة لأن تقول اسمه، هناك أمن يعمّ كيانك إن قلت يا الله، فإذا لم تقلها اختياراً، قلتها اضطراراً، وإن لم تذكرها إيمانا، ذكرتها قهراً، وإذا لم تكن كلمتك في الرخاء، كانت صرختك في الشدة!
🔹-- *البوصلة*
✿- لماذا ننتظر جائحة تردنا إليه؟ ومصيبة تذكرنا باسمه؟ وكارثة نعود بها إلى المسجد.
❀- ألا يستحق أن نخضع ونلتجئ إليه دون جوائح وكوارث ومصائب؟
✿- هل كل ما أعطانا إياه من حياة وصحة وإيمان وأمان وسعادة قليل حتى لا ننكّس رؤوسنا إليه إلا ببليّة تنسينا كل أوهامنا، ولا يبقى في عقولنا معها إلا الله!.
🔷 *عدّل بوصلة قلبك باتجاهه ثم سر إليه ولو حبوًا على ركبتيك* ، 🔹-- ستصل
✿- يعطى بالليل والنهار، ينصرك على الجميع إن كنت مظلوما، لا يغلق بابه، يده سحاء الليل والنهار، أكرم الأكرمين، لذلك تصمد إليه كل الخلائق، فإذا جربت أن تصمد إلى غيره في حاجة رجعت خائبا، ولابد !.
❀- إذا طلبت غيره قد لا يجيبك، أو قد يجيبك ولكن يتأخر في تلبية طلبك، أو يلبيه ولكن ناقصا، أو يلبيه كاملا لكن مع ملعقة إهانة، وقد لا يهينك ولكنّ نفسك تنكسر له.
🔹-- *فرّغ قلبك من غيره*
✿- دخلت قديما مكتب وكيل إحدى الجامعات وقد كتبت له معروضاً في شأن من شؤون دراستي، ثم شرحت له بعض التفاصيل فقال لي: لا تكثّر (هرْج)!
❀- الناس لا يريدونك أن تكثر من الهرج! ولكن الله يحبك إن كثّرت من الهرج بين يديه! فهو يحب العبد اللحوح في الدعاء. فلماذا تشكو لغيره وتتركه؟
- 🖱- يقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس:
˝إذا سألت فاسأل الله˝
✿- ما دام أن هناك حاجة تستحق السؤال؛ فليكن الله هو من تسأله!
💭 أعجبتني مقولة نقلها أبو حامد الغزالي عن أحد العارفين يقول فيها عن اسم الله الأعظم:
*فرّغ قلبك من غيره ثم ادعه بأي اسم يجبك* .
❀- وهذا فحوى معنى الصمد، اجعل في قلبك الله، ثم قل أي شيء من مرضاته سيكون: إلهيّ المسحة، وربّاني الصبغة.
✿- كل عارض يعرض إنّما هو رسالة تقول لك: لديك رب فالتجئ إليه.
••المرض رسالة لتذل له.
••والفقر برقيّة لتسجد له .
••والضعف مكالمة تقول لك استجلب القوّة من القويّ.
••الحياة كلها تصرخ في وجهك: لديك رب، اصمد إليه!
❀- وفي حديث ابن عباس سالف الذكر يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:
˝احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك˝.
🔵•• أمامك !!
✿- احفظه في نفسك وجوارحك وخطراتك، سيكون أمامك بحفظه ومعيته ونصرته.
❀- *الصمد لا تهدأ قلوب خلقه حتى تضع زوّادتها عند عتبة مُلكه*.
🔹-- *خطوات*
✿- انظر في أي اتجاه شئت، ولكن اجعل في قلبك عينين لا تنظران إلا إلى عظمته!.
❀- تحدّث بكل ما تريد، ولكن اجعل في قلبك لساناً لا ينطق إلا بذكره!
✿- استمع إلى الجميع، ولكن اصنع في قلبك سمعاً لا يدرك إلا كلامه!
❀- امش إلى حيث شئت، ولكن احفر في قلبك خطوات نهايتها عرش الملك!
✿- اصمد إليه بقلبك وروحك وتفكيرك وجسدك وإراداتك وأحلامك وأوهامك.
🔹إذا أمسكت قلماً فتساءل: هل يرضى سبحانه عما سأكتبه في هذه الورقة؟
🔹إذا هممت بكلمة تقولها فتساءل: هل سأقول شيئاً يرضيه؟
🔹إذا وقفت موقفاً تساءل: هل موقفي هذا محبوب عنده أم لا ؟
✿- اصنع منبّها وعلّقه في أعلى قلبك دقاته تقول:
ماذا يريد الله؟ ماذا يريد الله ؟ ماذا يريد الله؟
🔵•• اصمد إليه في كل حين، وإذا ما استيقظت في نصف الليل فتذكره، خيالاتك سوداء إذا لم تتذكره، عقلك خراب دون أن يمر اسمه على خطراتك، أحلامك مستنقعات فإذا جاء ذكر الحي الذي لا يموت عليها صارت أنهارا وأشجارا وعصافير شادية.
🔹-- *شموخ* .
✿- إذا علّمت روحك الصمود إليه، فإنها مع الزمن ستستحي أن تكثر من الطلبات الدنيويّة لأنّها ليست الحيّز الذي خلقك له، كل آمالك أخروية.
💭قال الخليفة لابن عمر وهو يطوف حول الكعبة :سلني يا ابن عمر، فنظر إليه بشموخ الصامد إلى الله وقال: من أمر الدنيا أم الآخرة؟
•• فقال أما الآخرة فلله ولكن من شؤون الدنيا،
•• فقال: لم أسأل الدنيا من يملكها فكيف أسألها من لا يملكها؟!
❀- الصمود لله يحوّلك إلى عظيم، لا يبالي بمُلاك التراب.
الدنيا تخصص لا يقبل عليه الصامدون لله.
💭 قال أمير لابن تيمية، سمعنا أنك تريد ملكنا يا ابن تيمية! فرفع ابن تيمية رأسه بشموخ وقال: والله إن ملكك لا يساوي عندي فلسين!
✿- رجل يعرّض وجهه لله آناء الليل، كيف يذل لقطعة خزف أطراف النهار؟
🔹-- *حقيقة* .
❀- *اللحظة التي تصمد فيها إليه لأجل حاجتك*، *هي نفسها اللحظة التي تصبح حاجتك ملك يمينك* !
🔵•• لا عبور لأي رغبة إلا من طريق الله، لا وجود لأي حاجة إلا في ساحة الله، لا إمكانيّة لحدوث شيء إلا بالله، فإنه وحده الذي لا حول في الوجود ولا قوة إلا به.
❀- لا يمكن لخليّة أن تتحرّك ولا لذرة أن تكون ولا لقطرة أن تتبخر ولا لورقة شجر أن تسقط إلا بحوله وقوّته!
✿- لا يستطيع العالم كلّه أن يمسّك بسوء لم يرده الله، ولا يستطيع العالم كله أن يدفع عنك سوءاً قدّره الله !
❀- إذن فاجعل وجهك إليه، وألجئ ظهرك إليه، وفوّض أمرك إليه . فهو الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
🔷🔹 اللهم أصمد قلوبنا إليك، واجعلنا لا نطلب غيرك ولا نسأل سواك ولا نستغيث بأحد من خلقك يا الله.
من كتاب / لأنـك اللـه
للكاتب /أ. علي بن جابر الفيفي. ❝
❞ للقرآن هيبة .. تجعل كل الموجودات تخضع له. إذا حضر القرآن فإن كل خبيث يرحل. يتعكر صفو الشياطين فتفر. سكينة تسري في كل شيء لامسته كلمات القرآن العظيم. وهذا سيكون أول حصادك منه، حتى قبل أن تفهمه أو تتدبره سيسيطر عليك بهيبته، ويفرض عليك سكينته، فيلين قلبك وتهدأ نفسك، سر عجيب .. حتى مشركو قريش خضعوا لهيبة القرآن رغمًا عنهم!
أخبار القرآن. ❝ ⏤إسلام جمال
❞ للقرآن هيبة . تجعل كل الموجودات تخضع له. إذا حضر القرآن فإن كل خبيث يرحل. يتعكر صفو الشياطين فتفر. سكينة تسري في كل شيء لامسته كلمات القرآن العظيم. وهذا سيكون أول حصادك منه، حتى قبل أن تفهمه أو تتدبره سيسيطر عليك بهيبته، ويفرض عليك سكينته، فيلين قلبك وتهدأ نفسك، سر عجيب . حتى مشركو قريش خضعوا لهيبة القرآن رغمًا عنهم!
❞ مصر "سياحة تاريخية" - خطبة للشيخ محمد الغزالي(*)
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير.
وأشهد أن محمدا رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
■ الدين والحضارة:
أما بعد: فإن الله جل شأنه ذكر بلدنا هذا- مصر- فى مواطن كثيرة من كتابه العزيز، وهذا يشير إلى أن بلدنا هذا- مصر- قديم التاريخ موصول الحضارة، تعتبر المدنية التى نبتت على شاطئه من أعرق المدنيات على ظهر الأرض، ويبدو أن الحياة الرتيبة فى هذا الوادى، وأن الاستقرار الذى يصبغ جوه وأحواله عموما أعان على تكوين حضارة فى بلدنا هذا.. حضارة تغلغلت فى تاريخ الإنسانية وتركت أثرا واضحا نضح على ما حولها، وأفاد الآخرون منه إفادة غير منكورة .
وكانت الحضارة المصرية على الإجمال حضارة متدينة، يظهر أن تربة هذا الوادى لا يصلح فيها الإلحاد ولا يتشبث بها إلا الإيمان .
كان الناس فى أودية كثيرة من قارات الأرض يبحثون عن لقمة الخبز، وجهدهم أن يصلوا إليها ، فإذا وصلوا إليها استراحوا واطمأنوا، أما المصريون القدماء ، فكان جهدهم كيف يعبدون ربهم، كيف يرضونه جهدهم، كيف يؤمنون لقاءه يوم يلقونه، كيف يمهدون للدار الآخرة بالعمل الصالح فى هذه الدنيا .
ومع أن حضارة المصريين الأقدمين اختلط الإيمان فيها بين توحيد وتعديد، فإنها على الإجمال كما قلت لكم كانت حضارة متدينة، وكان الشرك فيها إن حدث فاستجابة للرأى السائد يومئذ فى الدنيا، وهو رأى يرفضه الإسلام بداهة.
هذا الرأى أساسه أن الاتصال بالله الواحد صعب وأنه لابد من وسطاء يمهدون له أو يوصلون إليه، وبداهة رفض الإسلام هذا المعنى لأنه أعطى كل امرئ الحق إذا عبد الله أن يقف بين يدى ربه يقول له: (الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم) ، وإذا أذنب أن يقف أمام ربه نادما مستغفرا بقوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) .
لكن أجيالا ضلت طريقها لم تحسن الصلة بالله، وكان المصريون الأقدمون عموما أهل توحيد حينا، وأهل تعديد حينا آخر،. وإن كان التوحيد قد غلب عليهم فى فترات كثيرة من حياتهم وتاريخهم.
■ المصريون والرومان:
ثم وقع شىء لابد أن يذكر، فقد هجم الرومان على مصر، وكان الرومان يومئذ وثنيين واحتلوا هذا البلد قرابة ستة قرون !!.
كانت مدة طويلة كليل الشتاء البارد المظلم، وكان مجىء الرومان إلى مصر فى موجة من موجات المد التى تجعل بعض الأجناس يستغل خصائصه، ويمتطى قواه كى يستعبد غيره ويستخلص لنفسه خيره، ويجعل من نفسه سيدا، ومن الناس عبيدا !!.
كان الرومان لما دخلوا مصر على هذا النحو، ووقعت أمور نذكرها .
فى أثناء احتلال الرومان لمصر ظهرت المسيحية، وقيل إن عيسى ابن مريم وأمه جاءا إلى بلدنا هذا، فارين من بطش الرومان، ومن ضغط حكامهم ، أو من عسف الحاكم هناك ومن ضغطه ، ورجع بعد أن نمى عوده، وأخذ يؤدى دعوته فى فلسطين.
لكن المصريين كانوا قد اعتنقوا النصرانية، ولما اعتنق المصريون النصرانية ضاق الرومان بهم، وغضبوا منهم؛ لآن الرومان عباد أصنام ؛ لأن الوثنية الرومانية كانت تصبغ الحكم صبغة شديدة، حاول الرومان أن يردوا المصريين عن المسيحية التى اعتنقوها ولكن المصريين أبوا وتشبثوا بدينهم الذى اختاروه لأنفسهم.
وبدأ عصر من العسف والطغيان والمذابح حتى قيل إنه ما من قرية فى مصر أو مدينة إلا سفك فيها الدم وكثر فيها القتلى !! .
أبى المصريون أن يتركوا الديانة النصرانية التى اختاروها لأنفسهم، وبدأ بهذا العصر الذى يسمى " عصر الشهداء " بدأ التاريخ المسيحى فى مصر، وهو تاريخ يشرف أهله؛ لأن أهله قاوموا عبادة الأصنام، ودفعوا ثمن المقاومة من دمهم وأبوا إباء شديدا أن يتحولوا عن التوحيد وعن الكتاب السماوى الذى جاءهم، ثم شاء الله بعد ذلك أن يدخل الرومان المسيحية !!.
ولكن الرومان لما دخلوا المسيحية دخلوها على نحو غريب، حتى قال بعض المفسرين: لا يدرى أتنصر الرومان أم ترومت النصرانية؟!. .
أيا ما كان الأمر فقد تحول الرومان إلى النصرانية واعتبرت الديانة الرسمية لهم، لكن المذهب أو الفهم الذى استقر الرومان عليه كان فهما آخر غير الفهم الذى استقر عند المصريين.
وحدث نزاع نظرى تحول إلى جدل مر، وإلى أخذ ورد طويلين، ئم رأى الرومان وعلى رأسهم هرقل أن يفرض المذهب الرومانى ومذهب الكنيسة الكاثوليكية على المصريين !!.
وهنا قاوم المصريون الرومان وبدأوا عصرا يشبه العصر الأول، عصر الاضطهاد، والاستشهاد، إلا أن هذا العصر الجديد لم يطل.
■ المصريون والإسلام:
فقد شاء الله أن يخرج من قلب جزيرة العرب مد إسلامي عريض انتشر فى أنحاء العالم انتشار السنا بعد ليل معتكر، انتشار الرحمة بعد عصر ملىء بالقسوة والمرارة!!.
ونال المصريين شىء من هذه الرحمة، فإذا عمرو بن العاص يقرع أبواب البلاد وهى فى حال منكرة من الاضطهاد والفوضى !!.
كان بطريرك الأقباط محبوسا ، وكان أخوه قد قتل بعد أن عذب بالنار، وكان رجلا بدينا فتقاطر دهنه على النار، ثم رمى به فى أمواج البحر الأبيض فمات غرقا .
لما دخل عمرو بن العاص عرض دينه عرضا عاديا !!
الناس لا تفهم كيف عرض عمرو الإسلام؟
إن الإسلام لا يعرض فى مجالس مناظرة، وهو فى مجالس المناظرة قادر على أن يقهر الخصم، وأن يعلن الدليل، ولكن الإسلام عرض نفسه حُكْما عادلا ومجتمعا فاضلا ، ونفوسا بلغ من صفائها وعفتها أن قال الرافعى فيها: " ربما خافت البنت على نفسها من أبيها، ولكنها لا تخاف على نفسها من الفاتح العربى المسلم "!!.
دخل الإسلام مصر حرية عقل وضمير، وتوازن مجتمع لا تطغى فيه طبقة على أخرى.
دخل الإسلام مصر، وأمام المسلمين قول نبيهم عليه الصلاة والسلام لهم:" إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع " .
دخل الإسلام مصر فكان أول ما محاه التعصب الدينى، وقال للأقباط: كنائسكم لكم تعبدون الله فيها على رأيكم وفهمكم لا يجبركم أحد على رأى أو على مذهب، أو على معتقد، وأطلق سراح البطريرك المحبوس حتى قيل: وأعان الأقباط فى بناء بعض الكنائس .
والعجيب أن عمرو بن العاص رضى الله عنه الذى دخل مصر فبنى هذا المسجد - مسجد عمرو بن العاص - للركع السجود، والذى أقام حكما ذوب فيه الفوارق بين الأجناس والألوان، عندما أخذت ابنه نشوة من نشوات النصر، أو نزوة من نزوات العرب، أو قوة من قوى الجاهلية فأساء إلى أحد الأقباط، وكان القبطى ماكرا لبيبا ، فذهب إلى الرجل الذى أرسل عَمْرا ، ذهب إلى عُمَر نفسه وشكى له !!
فجاء عمر صاحب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتلميذه، جاء بالقبطى المظلوم وبابن عمرو بن العاص ابن الحا كم وقال لعمرو: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.. !؟
ثم قال للقبطى: خذ حقك من ابن الأكرمين !!
ثم قال فى فترة من فترات الغضب لله: " لو شئت أدرت السوط على صلعة عمرو بن العاص !!.
هذا حكم النبوة، هذا حكم الإسلام .!!
كان الإسلام يومئذ عقيدة تعرض نفسها ، على أى شىء تعتمد؟ على صفاء حقائقها، على نضارة عقائدها وغزارة فضائلها، ووفرة المثل الرفيعة التى تدعو إليها.
والرجل يوم يكون صاحب ثروة طائلة من الصدق والشرف والرحمة والوفاء والعفة فإنه يطمئن إلى أن ثروته هذه ستوطئ له الأكناف، وتفتح له القلوب، وتضئ له النواصى.
ولذلك ما فكر الإسلام فى بلد دخله أن يقيد الحريات، لِمَ يقيدها؟ والحرية عونه الأول على غرس الإيمان وتصحيح المعتقد، ما فكر الإسلام يوما أن يقيم حكما استثنائيا، ولِمَ يقيمه؟ والعدالة هدفه، وهو يعلم أن الله عز وجل إنما ينصر أو يهزم بمقدار قوة الصلة به أو ضعف هذه الصلة.
ظل المسلمون الذين جاءوا إلى مصر وهم أربعة آلاف مع عمرو لحقهم عدد قليل بعد ذلك من الناس بعد أن قوضوا الحكم الروماني ، ظلوا على هذا النحو قلة، ولكن المصريين أخذوا يغلغلون البصر فى الدين الجديد، وفى المبادىء التى قام عليها، وبدأوا يدخلون فيه، وظل المصريون يدخلون فى الإسلام خلال القرن الأول، وخلال القرن الثانى ، ولم يتحول الإسلام فى مصر إلى كثرة فى السكان إلا فى القرن الثالث تقريبا !!، والأساس هو ما قلت لكم: دين لا يعرف قط إلا مخاطبة العقل الحر، وإيقاظ الضمير النائم ، وما يعتمد فى نشر مبادئه على عصا أو على إكراه.
■ نسل الفاتحين أم نسل السكان الأصليين؟:
يخطىء المسلمون فى مصر الآن خطأين: الخطأ الأول: أن عددا منهم لا أدرى أهو عدد كبير أم صغير؟، يقول بشىء من الغباء: إننا عرب، يقصد بذلك أنه نسل الفاتحين، هذا كذب، هذا كذب!! ولعل مركب النقص هو الذى يدفع إلى هذا الزعم !! فنحن فى الحقيقة أبناء المصريين الذين أسلموا !! ربما كان هناك عدد من أبناء العرب الذين وفدوا، لكن هذا العدد قليل !! أما الكثرة الكبرى من المصريين فهم أبناء المصريين الذين دخلوا فى الإسلام.
وعندما يقول المصريون إنهم أبناء الفاتحين يعطون غيرهم حجة مكذوبة أنهم أبناء مصر وأن غيرهم وافد وطارىء ، وهذا غير صحيح !! يجب أن نعرف الحقائق فإن أكثرنا غافل.
أريد أن أقول لكم: إن شيخ الأزهر العباسى المهدى كان أبوه قبطيا!! ويوجد بين أئمة المساجد الآن وبين مفتشى المساجد وبين علماء الأزهر رجال آباؤهم أو أجدادهم من الأقباط!!.
فالقول بأن المصريين أبناء الفاتحين غلط فاحش ما ينبغى أن يقال، هذا خطأ يرتكب !!.
■ فتح عربي أم تحرير إسلامي؟:
الخطأ الثانى: الذى يرتكبه المسلمون أنهم يسمون مجىء عمرو بن العاص الى مصر: الفتح العربى لمصر !!.
كان هذا التعبير سليما يوم كانت كلمة فتح تعنى شيئا آخر غير المفهوم الذى عرف به الآن فى العالم، فكلمة الفتح الآن تساوى الغزو، والحقيقة أن الوصف الدقيق لمجىء العرب إلى مصر هو تحرير العرب للمصريين!!.
الجيش الذى انطلق من المدينة عبأه أبناء محمد عليه الصلاة و السلام فى عقيدته، وحملوه راية التوحيد، لم ينطلق كى يُكره على إيمان، وإنما انطلق كى يحرر شعوبا مستعبدة أو كما قال أحد القادة لحاشية كسرى : تقولون: لم جئتم؟ " جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد " !!
لم نجيء لنستعبد الخلق، والدين لله ، هذا ما ينبغى أن يعرف، وهنا أريد أن أشرح هذا المعنى، وألقى الضوء عليه:
توجد الآن فى أفريقيا شعوب ترسف فى قيود الهوان مسروقة تحت الشمس !!
توجد شعوب تترنح تحت ضربات الأقوياء الذين ألهبوا الجلود بسياطهم، وكمموا الأفواه حتى لا تصيح من الألم !!.
توجد الآن فى جنوب أفريقيا وفى روديسيا، وفى مستعمرات البرتغال الثلاث فى وسط أفريقيا وغربها، وتوجد تحت راية حكومات مستقلة للأسف، توجد جماهير كثيفة تضرع إلى الله أن يرسل إليها من يفك الأغلال عنها، ومن يكسر أبواب السجون التى قبعت وراءها فهى لا تعرف فى قيودها وسجونها إلا الهوان والبأساء والضراء !!
لو أن جيشا ذهب إلى الملونين فى جنوب أفريقيا ليسقط الحكم القائم، ويقيم حكم مساواة ورشد، لو أن جيشا ذهب إلى مستعمرات المستعبدين تحت الحكم الكاثوليكى البرتغالى وأسقط الراية التى هناك، وأقام راية أخرى تعطى الملونين من الزنوج، والمظلومين من المسلمين الحقوق العادية للبشر العاديين، أيسمى هذا غزوا؟ أيسمى هذا فتحا استعماريا ؟ أيسمى هذا افتياتا على الأمم؟ !!.
إن العرب لما خرجوا من جزيرتهم إلى مصر أو الشام لم يخرجوا مستعمرين أو طلاب دنيا، لماذا؟ لأن طلب الدنيا فى دينهم - على هذا النحو - جريمة .
رجل قال لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إنى أقف المواقف أريد وجه الله وأحب أن يُرى موطنى " ؟ فلم يرد عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئاً حتى نزلت هذه الآية (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) .
اعتبر الرياء شركا، اعتبر القتال طلبا للدنيا جريمة . وقال فى تعريف الجهاد: " من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " .
هذا هو الإسلام، فالذين جاءوا إلى مصر أو ذهبوا إلى سوريا، ما جاءوا وما ذهبوا كى يقال: إنهم فتحوا أو إنهم غلبوا أو إنهم ملكوا.. لا .. لا، كانوا يعملون لله، ويؤدون حق الله ، وكانت الآخرة أحب إليهم من الدنيا، وكان الموت فى سبيل الله أحلى مذاقا فى أفواههم من أن يعودوا إلى زوجاتهم وأولادهم، كانوا أصحاب عقائد. وإذا حلا لبعض المستشرقين أن يتساءل ما الذى جاء بالعرب إلى أفريقيا أو إلى آسيا؟.
فلنقل له قبل ذلك: وما الذى جاء بالرومان إلى مصر، والى آسيا الصغرى، وإلى الشمال الأفريقى كله؟!.
قبل أن تسأل: ما الذى جاء بالعرب ليحرروا، إسأل نفسك ما الذى جاء بأجدادك هنا ليستعبدوا؟!. لا تقل لم جاء العرب مصر؟ سل نفسك أولا لم جاء الرومان مصر؟ إن المحرر لا يسأل عن فعله، وإنما يسأل المستعبد عما صنع !! ثم إن الجزية التى يتحدث البعض عنها ما كانت أكثر من توازن اقتصادى بين المسلمين وغيرهم.
كان المسلم مكلفا بدفع الزكاة، وكان مكلفا بدفع ما يقيم عدة الحرب، وجهاز القتال، ولم يكن أهل الذمة مكلفين لا بقتال ولا بمساهمة فى قتال ولا بالإعداد له بقرش ولا بدفع زكاة !!.
فإذا كان المسلمون سيأخذون القليل فى نظير أن ينهضوا هم بالحماية فأى عيب فى ذلك؟.
ويقول التاريخ: إن أبا عبيدة بن الجراح لما وصل إلى " حمص " وأخذ من أهلها الجزية أكرهته بعض العمليات العسكرية على أن ينسحب فقرر رد الجزية إلى الناس، فقالوا: ما هذا ؟.
لقد تعودوا أن الحكام يأخذون ولا يردون، تعودوا لحكام يغصبون ولا يعدلون، فوجدوا حاكما أخذ منهم بالأمس جنيها وهو يرده اليوم !!
فقال لهم: لقد أخذنا منكم هذه الجزية فى نظير أن ندفع عنكم أما إذ عجزنا عن الدفاع فلا يحق لنا أن نأخذها فقالوا لابى عبيدة: استبق المال معك، وسنقاتل الرومان معكم معشر العرب جنبا إلى جنب، فما عانينا من ظلمهم يجعلنا نتفق معكم على قتالهم !!.
إن التاريخ ملىء بالإشاعات الكاذبة، ومن الإشاعات التى روج المسلمون لها للأسف أن الإسلام دخل مع الفاتحين وأنه دين الفاتحين وهذا غير صحيح.
حمل الفاتحون العقيدة لكنهم ما فرضوها ولا أكرهوا أحدا عليها، وكان المسلمون قلة فى القرنين الأولين من الفتح،. ثم بدأوا يكونون كثرة بالاقتناع الفردى، ولا يجرؤ أحد أن يقول: إن المصريين أكرههم الإسلام على الدخول فيه، فإن المصريين وفق تاريخهم الثابت عنهم قاوموا الرومان، وقتلوا فى كل قرية، ولم يفرطوا فى دينهم، وقاتلوا الرومان مرة أخرى حتى جاء الفتح العربى فأنقذهم من بطشهم، فلم يدخلون فى الإسلام دون أن يسفك دم؟ إنما دخلوا لان الله شرح بالإسلام صدورهم !!.
فماذا كانت علاقة الإسلام بغيره من الديانات بعد أن أصبح دين الكثرة هنا؟.
المسلمون فى أرض الله كلها ناس طيبون وسمحاء، والتعصب لا يعرف طريقا إلى قلوبهم، والحروب الدينية التى جعلت سطح أوربا ملوثا بالدم مليئا بالفتن، هذه الحروب لا يعرفها العالم الإسلامي ، إن العالم الإسلامى عاش على فهم أنه يمكن أن يتعاون اثنان بينهما اختلاف دين على أمر ما !!.
وقد حدث أن النبى عليه الصلاة والسلام وهو يهاجر استأجر الدليل على الطريق استأجره مشركا.
وهذا الدين قال: يمكن أن تتسع غرفة - متران فى ثلاثة أمتار - لرجل وامرأة على غير دينه تكون يهودية أو نصرانية !!
فإذا اتسعت حجرة لدينين أفلا تتسع الأرض الفضاء لدينين؟!
■ الاستعمار الثقافي:
مشى الإسلام فى بلدنا على هذا النحو يعيش بسماحته، ويعيش بقدرته الذاتية على الحياة، إلى أن نكب بالاستعمار الأوربى، وحدث ما حدث فى تاريخ يطول، ثم بدأنا ننتعش ونعود، لكننا عندما حاولنا أن نعود وجدنا الاستعمار قد نكبنا بنكبتين من لونين مختلفين!!.
فى عهد مضى نكبنا بالمادية الحيوانية، والمادية الحيوانية فلسفة تجعل الشباب يعيشون بحثا عن الشهوات، تجعل الناس يكدحون لمأرب خسيس أو غرض قريب، المادية الحيوانية تجعل العيش فى الأرض للأرض، وهى مادية قصد بها تكوين جيل مقطوع عن دينه يبحث عن الأهواء والدنايا فقط !!.
وقاومنا هذه المادية مقاومة نجحنا فيها حينا وفشلنا فيها حينا، ثم جاءت مادية أخرى هى المادية الجدلية الحمراء، هى مادية تجعل الناس يفتحون أفواههم بوقاحة يقولون: لا ألوهية والحياة مادة !! لكن شاء الله أن يتلاشى هذا الزحف، وأن يتضعضع ويضطرب. عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952م كانت قلوب الناس أجمعين معها، لماذا؟ كان القادة يرفعون المصاحف، وكانوا تحت علم مكتوب عليه: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) .
وكان العمل للعروبة والإسلام واضحا فى هذه الخطط، ثم شاء الله أن تسرق الثورة !! وأن تجىء مراكز قوة تنال من ديننا، ومن عقلنا، ومن تفكيرنا، وبدأت المادية بألوانها تنضح علينا من كل ناحية حتى ظن أن الصلاة جريمة وأن الاتصال بالله منكر وأن العودة إلى الإسلام طريق الهلاك !.
■ الاعتصام بالدين:
أيها المسلمون: الذى أريد أن أقوله بعد هذه السياحة التاريخية المتقطعة :
إن التمسك بالدين ضرورة حياة لكم ، وإن الذى يتصور التمسك بالدين طريقا إلى السجن مخطئ جدا، وإن الذى يتصور التمسك بالدين طريقا إلى السجن، ثم يترك دينه فهو مجرم !! فالسجن أولى من ترك الدين !!.
ومع هذا فنحن لا نقول ما قال يوسف: (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) ، فإننا لا ندعى الآن إلى منكر، لا ندعى الآن إلى ضلالة، إننى أهيب بالشباب، بالجيل الناشئ ألا يهاب العودة إلى دينه، أن يكون جريئا فى التمسك بإيمانه وانطلاقه تحت راية التوحيد، غير متهيب ولا متوجس، ولا قلق ولا جزوع، يجب أن يعلم أن راية الإيمان لابد أن تمشى القوافل تحتها حثيثة كثيفة لا تخاف ولا تخشى.
ثم أقول للمسلمين شيئا آخر: إن الضعيف لا يقويه أن يهدم غيره، إن الضعيف سيبقى ضعيفا ، ولو أن غيره تلاشى من الأرض، ولو أن أعداء الإسلام اختفوا جميعا من هذه الدنيا وبقى المسلمون على الوضع الذى هم عليه الآن نظريا ونفسيا وخلقيا فإن الأرض لا تصلح بهم ولا يستحقون التمكين فيها !!. إنني أقول للمسلمين استرجعوا دينكم بحقائقه، عيب أن يكون الشباب المسلم أو الطالب المسلم متأخرا فى ثقافته أو فى دراسته، وغيره قوى فى دراسته، أو فى معرفته وعلومه !!.
عيب أن يكون التاجر المسلم ضعيفا فى عمله، مضطربا فى أسلوبه، غاشا فى سلعه، ثم يحسد الآخرين إذا نجحوا أو تقدموا، لا، إن العقيدة تحتاج إلى خدمة من نوع جديد، حدث منذ بضع سنين لا تتجاوز الأصابع أن صدر أمر إلى المسيحيين فى القدس أن يشتروا الأرض من المسلمين.
كانت رغبة فى أن يوضع الطابع الصليبى على القدس القديمة، و بدأ ناس من المسلمين يبيعون دورهم، المتر الذى يساوى خمسين عرض عليهم فيه مائة، مئتان!! وقال المفتون يومئذ: إن المسلم الذى يبيع شبرا من أرضه يعتبر مرتدا لأن الشبر الذى يبيعه من أرضه يكون موطىء قدم لحملة صليبية جديدة على بلادنا.
ألا فليستيقظ المسلمون. إن يقظة المسلمين لا تعنى أكثر من أن يتمسكوا بدينهم، ويحترموا أخوتهم، ثم الآخرون ممن ليسوا على ديننا سوف يعيشون معنا كما عاشوا على امتداد القرون، لهم ما لنا وعليهم ما علينا !! بل ربما قلنا: " لهم ما لنا من الحقوق وأكثر !! وعليهم ما علينا من واجبات بل أقل " !!.
إننا نحن المسلمين ليس فى تاريخنا الطويل أننا أصحاب تعصب، ولكن فى تاريخنا الطويل أننا أصحاب طيبة قد تبلغ حد الغفلة والجهل!! أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله (..الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون * ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد) .
وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا رسول الله، إمام الأنبياء، وسيد المصلحين . اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
■ لزوم الوحدة:
أما بعد: عباد الله أوصيكم ونفسى بتقوى الله عز وجل، واعلموا أيها الأخوة أن بلدنا هذا يحتاج إلى مرحلة من الاستقرار، يمكن فيها أن يتم بناء على العقيدة والخلق، على الإيمان والشرف، على الإسلام ومبادئه وشرائعه .
نحن بحاجة إلى هذه الفترة، ووحدتنا الوطنية سلاح لنا، وأنا أخشى أن يكون أعداؤنا قد حرضوا البعض على أن يحدث أى تعكير لهذه الوحدة لحساب غيرنا لا لحسابنا، إن أى تعكير لهذه الوحدة الآن ليس لحسابنا، والذى يعكر هذه الوحدة معروف، لأنه يعمل لحساب الاستعمار الأجنبى!!.
إننا نوصيكم مشددين ألا يستفزكم أحد، وأن تضبطوا أعصابكم، وفى الوقت الذى أكلفكم فيه بضبط الأعصاب، وامتلاك النفس، أقول لكم: إن الوسائل التى تنجحون بها دينكم وتملكون بها السيادة على أرضكم فى أيديكم ولا تحتاج إلى مشقة طويلة ولا إلى جهد العباقرة، تحتاج إلى جهد الرجل العادى ، ويوم ينقص المسلمين جهد الرجل العادى لينجحوا فهم أهل لأن يضيعوا !! وهم أهل لأن يتلاشوا وتخلص الإنسانية منهم لأنهم ليسوا أهلا للحياة !!.
إن تماسك المسلمين لا يحتاج إلى عبقرية ، وإنما يحتاج إلى اليقظة العادية؟ إلى السيرة التى لا غفلة فيها ولا استكانة ولا فوضى ولا تواكل !!هذا ما ألفت النظر إليه.
" اللهم أصلح لنا ديننا الذى هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التى فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التى إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا فى كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر " .
(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) .
عباد الله : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) . أقم الصلاة .
. ❝ ⏤أبو زكريا يحي بن شرف النووي
❞ مصر ˝سياحة تاريخية˝ - خطبة للشيخ محمد الغزالي(*)
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير.
وأشهد أن محمدا رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
■ الدين والحضارة:
أما بعد: فإن الله جل شأنه ذكر بلدنا هذا- مصر- فى مواطن كثيرة من كتابه العزيز، وهذا يشير إلى أن بلدنا هذا- مصر- قديم التاريخ موصول الحضارة، تعتبر المدنية التى نبتت على شاطئه من أعرق المدنيات على ظهر الأرض، ويبدو أن الحياة الرتيبة فى هذا الوادى، وأن الاستقرار الذى يصبغ جوه وأحواله عموما أعان على تكوين حضارة فى بلدنا هذا. حضارة تغلغلت فى تاريخ الإنسانية وتركت أثرا واضحا نضح على ما حولها، وأفاد الآخرون منه إفادة غير منكورة .
وكانت الحضارة المصرية على الإجمال حضارة متدينة، يظهر أن تربة هذا الوادى لا يصلح فيها الإلحاد ولا يتشبث بها إلا الإيمان .
كان الناس فى أودية كثيرة من قارات الأرض يبحثون عن لقمة الخبز، وجهدهم أن يصلوا إليها ، فإذا وصلوا إليها استراحوا واطمأنوا، أما المصريون القدماء ، فكان جهدهم كيف يعبدون ربهم، كيف يرضونه جهدهم، كيف يؤمنون لقاءه يوم يلقونه، كيف يمهدون للدار الآخرة بالعمل الصالح فى هذه الدنيا .
ومع أن حضارة المصريين الأقدمين اختلط الإيمان فيها بين توحيد وتعديد، فإنها على الإجمال كما قلت لكم كانت حضارة متدينة، وكان الشرك فيها إن حدث فاستجابة للرأى السائد يومئذ فى الدنيا، وهو رأى يرفضه الإسلام بداهة.
هذا الرأى أساسه أن الاتصال بالله الواحد صعب وأنه لابد من وسطاء يمهدون له أو يوصلون إليه، وبداهة رفض الإسلام هذا المعنى لأنه أعطى كل امرئ الحق إذا عبد الله أن يقف بين يدى ربه يقول له: (الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم) ، وإذا أذنب أن يقف أمام ربه نادما مستغفرا بقوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) .
لكن أجيالا ضلت طريقها لم تحسن الصلة بالله، وكان المصريون الأقدمون عموما أهل توحيد حينا، وأهل تعديد حينا آخر،. وإن كان التوحيد قد غلب عليهم فى فترات كثيرة من حياتهم وتاريخهم.
■ المصريون والرومان:
ثم وقع شىء لابد أن يذكر، فقد هجم الرومان على مصر، وكان الرومان يومئذ وثنيين واحتلوا هذا البلد قرابة ستة قرون !!.
كانت مدة طويلة كليل الشتاء البارد المظلم، وكان مجىء الرومان إلى مصر فى موجة من موجات المد التى تجعل بعض الأجناس يستغل خصائصه، ويمتطى قواه كى يستعبد غيره ويستخلص لنفسه خيره، ويجعل من نفسه سيدا، ومن الناس عبيدا !!.
كان الرومان لما دخلوا مصر على هذا النحو، ووقعت أمور نذكرها .
فى أثناء احتلال الرومان لمصر ظهرت المسيحية، وقيل إن عيسى ابن مريم وأمه جاءا إلى بلدنا هذا، فارين من بطش الرومان، ومن ضغط حكامهم ، أو من عسف الحاكم هناك ومن ضغطه ، ورجع بعد أن نمى عوده، وأخذ يؤدى دعوته فى فلسطين.
لكن المصريين كانوا قد اعتنقوا النصرانية، ولما اعتنق المصريون النصرانية ضاق الرومان بهم، وغضبوا منهم؛ لآن الرومان عباد أصنام ؛ لأن الوثنية الرومانية كانت تصبغ الحكم صبغة شديدة، حاول الرومان أن يردوا المصريين عن المسيحية التى اعتنقوها ولكن المصريين أبوا وتشبثوا بدينهم الذى اختاروه لأنفسهم.
وبدأ عصر من العسف والطغيان والمذابح حتى قيل إنه ما من قرية فى مصر أو مدينة إلا سفك فيها الدم وكثر فيها القتلى !! .
أبى المصريون أن يتركوا الديانة النصرانية التى اختاروها لأنفسهم، وبدأ بهذا العصر الذى يسمى ˝ عصر الشهداء ˝ بدأ التاريخ المسيحى فى مصر، وهو تاريخ يشرف أهله؛ لأن أهله قاوموا عبادة الأصنام، ودفعوا ثمن المقاومة من دمهم وأبوا إباء شديدا أن يتحولوا عن التوحيد وعن الكتاب السماوى الذى جاءهم، ثم شاء الله بعد ذلك أن يدخل الرومان المسيحية !!.
ولكن الرومان لما دخلوا المسيحية دخلوها على نحو غريب، حتى قال بعض المفسرين: لا يدرى أتنصر الرومان أم ترومت النصرانية؟!. .
أيا ما كان الأمر فقد تحول الرومان إلى النصرانية واعتبرت الديانة الرسمية لهم، لكن المذهب أو الفهم الذى استقر الرومان عليه كان فهما آخر غير الفهم الذى استقر عند المصريين.
وحدث نزاع نظرى تحول إلى جدل مر، وإلى أخذ ورد طويلين، ئم رأى الرومان وعلى رأسهم هرقل أن يفرض المذهب الرومانى ومذهب الكنيسة الكاثوليكية على المصريين !!.
وهنا قاوم المصريون الرومان وبدأوا عصرا يشبه العصر الأول، عصر الاضطهاد، والاستشهاد، إلا أن هذا العصر الجديد لم يطل.
■ المصريون والإسلام:
فقد شاء الله أن يخرج من قلب جزيرة العرب مد إسلامي عريض انتشر فى أنحاء العالم انتشار السنا بعد ليل معتكر، انتشار الرحمة بعد عصر ملىء بالقسوة والمرارة!!.
ونال المصريين شىء من هذه الرحمة، فإذا عمرو بن العاص يقرع أبواب البلاد وهى فى حال منكرة من الاضطهاد والفوضى !!.
كان بطريرك الأقباط محبوسا ، وكان أخوه قد قتل بعد أن عذب بالنار، وكان رجلا بدينا فتقاطر دهنه على النار، ثم رمى به فى أمواج البحر الأبيض فمات غرقا .
لما دخل عمرو بن العاص عرض دينه عرضا عاديا !!
الناس لا تفهم كيف عرض عمرو الإسلام؟
إن الإسلام لا يعرض فى مجالس مناظرة، وهو فى مجالس المناظرة قادر على أن يقهر الخصم، وأن يعلن الدليل، ولكن الإسلام عرض نفسه حُكْما عادلا ومجتمعا فاضلا ، ونفوسا بلغ من صفائها وعفتها أن قال الرافعى فيها: ˝ ربما خافت البنت على نفسها من أبيها، ولكنها لا تخاف على نفسها من الفاتح العربى المسلم ˝!!.
دخل الإسلام مصر حرية عقل وضمير، وتوازن مجتمع لا تطغى فيه طبقة على أخرى.
دخل الإسلام مصر، وأمام المسلمين قول نبيهم عليه الصلاة والسلام لهم:˝ إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع ˝ .
دخل الإسلام مصر فكان أول ما محاه التعصب الدينى، وقال للأقباط: كنائسكم لكم تعبدون الله فيها على رأيكم وفهمكم لا يجبركم أحد على رأى أو على مذهب، أو على معتقد، وأطلق سراح البطريرك المحبوس حتى قيل: وأعان الأقباط فى بناء بعض الكنائس .
والعجيب أن عمرو بن العاص رضى الله عنه الذى دخل مصر فبنى هذا المسجد - مسجد عمرو بن العاص - للركع السجود، والذى أقام حكما ذوب فيه الفوارق بين الأجناس والألوان، عندما أخذت ابنه نشوة من نشوات النصر، أو نزوة من نزوات العرب، أو قوة من قوى الجاهلية فأساء إلى أحد الأقباط، وكان القبطى ماكرا لبيبا ، فذهب إلى الرجل الذى أرسل عَمْرا ، ذهب إلى عُمَر نفسه وشكى له !!
فجاء عمر صاحب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتلميذه، جاء بالقبطى المظلوم وبابن عمرو بن العاص ابن الحا كم وقال لعمرو: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. !؟
ثم قال للقبطى: خذ حقك من ابن الأكرمين !!
ثم قال فى فترة من فترات الغضب لله: ˝ لو شئت أدرت السوط على صلعة عمرو بن العاص !!.
هذا حكم النبوة، هذا حكم الإسلام .!!
كان الإسلام يومئذ عقيدة تعرض نفسها ، على أى شىء تعتمد؟ على صفاء حقائقها، على نضارة عقائدها وغزارة فضائلها، ووفرة المثل الرفيعة التى تدعو إليها.
والرجل يوم يكون صاحب ثروة طائلة من الصدق والشرف والرحمة والوفاء والعفة فإنه يطمئن إلى أن ثروته هذه ستوطئ له الأكناف، وتفتح له القلوب، وتضئ له النواصى.
ولذلك ما فكر الإسلام فى بلد دخله أن يقيد الحريات، لِمَ يقيدها؟ والحرية عونه الأول على غرس الإيمان وتصحيح المعتقد، ما فكر الإسلام يوما أن يقيم حكما استثنائيا، ولِمَ يقيمه؟ والعدالة هدفه، وهو يعلم أن الله عز وجل إنما ينصر أو يهزم بمقدار قوة الصلة به أو ضعف هذه الصلة.
ظل المسلمون الذين جاءوا إلى مصر وهم أربعة آلاف مع عمرو لحقهم عدد قليل بعد ذلك من الناس بعد أن قوضوا الحكم الروماني ، ظلوا على هذا النحو قلة، ولكن المصريين أخذوا يغلغلون البصر فى الدين الجديد، وفى المبادىء التى قام عليها، وبدأوا يدخلون فيه، وظل المصريون يدخلون فى الإسلام خلال القرن الأول، وخلال القرن الثانى ، ولم يتحول الإسلام فى مصر إلى كثرة فى السكان إلا فى القرن الثالث تقريبا !!، والأساس هو ما قلت لكم: دين لا يعرف قط إلا مخاطبة العقل الحر، وإيقاظ الضمير النائم ، وما يعتمد فى نشر مبادئه على عصا أو على إكراه.
■ نسل الفاتحين أم نسل السكان الأصليين؟:
يخطىء المسلمون فى مصر الآن خطأين: الخطأ الأول: أن عددا منهم لا أدرى أهو عدد كبير أم صغير؟، يقول بشىء من الغباء: إننا عرب، يقصد بذلك أنه نسل الفاتحين، هذا كذب، هذا كذب!! ولعل مركب النقص هو الذى يدفع إلى هذا الزعم !! فنحن فى الحقيقة أبناء المصريين الذين أسلموا !! ربما كان هناك عدد من أبناء العرب الذين وفدوا، لكن هذا العدد قليل !! أما الكثرة الكبرى من المصريين فهم أبناء المصريين الذين دخلوا فى الإسلام.
وعندما يقول المصريون إنهم أبناء الفاتحين يعطون غيرهم حجة مكذوبة أنهم أبناء مصر وأن غيرهم وافد وطارىء ، وهذا غير صحيح !! يجب أن نعرف الحقائق فإن أكثرنا غافل.
أريد أن أقول لكم: إن شيخ الأزهر العباسى المهدى كان أبوه قبطيا!! ويوجد بين أئمة المساجد الآن وبين مفتشى المساجد وبين علماء الأزهر رجال آباؤهم أو أجدادهم من الأقباط!!.
فالقول بأن المصريين أبناء الفاتحين غلط فاحش ما ينبغى أن يقال، هذا خطأ يرتكب !!.
■ فتح عربي أم تحرير إسلامي؟:
الخطأ الثانى: الذى يرتكبه المسلمون أنهم يسمون مجىء عمرو بن العاص الى مصر: الفتح العربى لمصر !!.
كان هذا التعبير سليما يوم كانت كلمة فتح تعنى شيئا آخر غير المفهوم الذى عرف به الآن فى العالم، فكلمة الفتح الآن تساوى الغزو، والحقيقة أن الوصف الدقيق لمجىء العرب إلى مصر هو تحرير العرب للمصريين!!.
الجيش الذى انطلق من المدينة عبأه أبناء محمد عليه الصلاة و السلام فى عقيدته، وحملوه راية التوحيد، لم ينطلق كى يُكره على إيمان، وإنما انطلق كى يحرر شعوبا مستعبدة أو كما قال أحد القادة لحاشية كسرى : تقولون: لم جئتم؟ ˝ جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ˝ !!
لم نجيء لنستعبد الخلق، والدين لله ، هذا ما ينبغى أن يعرف، وهنا أريد أن أشرح هذا المعنى، وألقى الضوء عليه:
توجد الآن فى أفريقيا شعوب ترسف فى قيود الهوان مسروقة تحت الشمس !!
توجد شعوب تترنح تحت ضربات الأقوياء الذين ألهبوا الجلود بسياطهم، وكمموا الأفواه حتى لا تصيح من الألم !!.
توجد الآن فى جنوب أفريقيا وفى روديسيا، وفى مستعمرات البرتغال الثلاث فى وسط أفريقيا وغربها، وتوجد تحت راية حكومات مستقلة للأسف، توجد جماهير كثيفة تضرع إلى الله أن يرسل إليها من يفك الأغلال عنها، ومن يكسر أبواب السجون التى قبعت وراءها فهى لا تعرف فى قيودها وسجونها إلا الهوان والبأساء والضراء !!
لو أن جيشا ذهب إلى الملونين فى جنوب أفريقيا ليسقط الحكم القائم، ويقيم حكم مساواة ورشد، لو أن جيشا ذهب إلى مستعمرات المستعبدين تحت الحكم الكاثوليكى البرتغالى وأسقط الراية التى هناك، وأقام راية أخرى تعطى الملونين من الزنوج، والمظلومين من المسلمين الحقوق العادية للبشر العاديين، أيسمى هذا غزوا؟ أيسمى هذا فتحا استعماريا ؟ أيسمى هذا افتياتا على الأمم؟ !!.
إن العرب لما خرجوا من جزيرتهم إلى مصر أو الشام لم يخرجوا مستعمرين أو طلاب دنيا، لماذا؟ لأن طلب الدنيا فى دينهم - على هذا النحو - جريمة .
رجل قال لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ˝ إنى أقف المواقف أريد وجه الله وأحب أن يُرى موطنى ˝ ؟ فلم يرد عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئاً حتى نزلت هذه الآية (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) .
اعتبر الرياء شركا، اعتبر القتال طلبا للدنيا جريمة . وقال فى تعريف الجهاد: ˝ من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله ˝ .
هذا هو الإسلام، فالذين جاءوا إلى مصر أو ذهبوا إلى سوريا، ما جاءوا وما ذهبوا كى يقال: إنهم فتحوا أو إنهم غلبوا أو إنهم ملكوا. لا . لا، كانوا يعملون لله، ويؤدون حق الله ، وكانت الآخرة أحب إليهم من الدنيا، وكان الموت فى سبيل الله أحلى مذاقا فى أفواههم من أن يعودوا إلى زوجاتهم وأولادهم، كانوا أصحاب عقائد. وإذا حلا لبعض المستشرقين أن يتساءل ما الذى جاء بالعرب إلى أفريقيا أو إلى آسيا؟.
فلنقل له قبل ذلك: وما الذى جاء بالرومان إلى مصر، والى آسيا الصغرى، وإلى الشمال الأفريقى كله؟!.
قبل أن تسأل: ما الذى جاء بالعرب ليحرروا، إسأل نفسك ما الذى جاء بأجدادك هنا ليستعبدوا؟!. لا تقل لم جاء العرب مصر؟ سل نفسك أولا لم جاء الرومان مصر؟ إن المحرر لا يسأل عن فعله، وإنما يسأل المستعبد عما صنع !! ثم إن الجزية التى يتحدث البعض عنها ما كانت أكثر من توازن اقتصادى بين المسلمين وغيرهم.
كان المسلم مكلفا بدفع الزكاة، وكان مكلفا بدفع ما يقيم عدة الحرب، وجهاز القتال، ولم يكن أهل الذمة مكلفين لا بقتال ولا بمساهمة فى قتال ولا بالإعداد له بقرش ولا بدفع زكاة !!.
فإذا كان المسلمون سيأخذون القليل فى نظير أن ينهضوا هم بالحماية فأى عيب فى ذلك؟.
ويقول التاريخ: إن أبا عبيدة بن الجراح لما وصل إلى ˝ حمص ˝ وأخذ من أهلها الجزية أكرهته بعض العمليات العسكرية على أن ينسحب فقرر رد الجزية إلى الناس، فقالوا: ما هذا ؟.
لقد تعودوا أن الحكام يأخذون ولا يردون، تعودوا لحكام يغصبون ولا يعدلون، فوجدوا حاكما أخذ منهم بالأمس جنيها وهو يرده اليوم !!
فقال لهم: لقد أخذنا منكم هذه الجزية فى نظير أن ندفع عنكم أما إذ عجزنا عن الدفاع فلا يحق لنا أن نأخذها فقالوا لابى عبيدة: استبق المال معك، وسنقاتل الرومان معكم معشر العرب جنبا إلى جنب، فما عانينا من ظلمهم يجعلنا نتفق معكم على قتالهم !!.
إن التاريخ ملىء بالإشاعات الكاذبة، ومن الإشاعات التى روج المسلمون لها للأسف أن الإسلام دخل مع الفاتحين وأنه دين الفاتحين وهذا غير صحيح.
حمل الفاتحون العقيدة لكنهم ما فرضوها ولا أكرهوا أحدا عليها، وكان المسلمون قلة فى القرنين الأولين من الفتح،. ثم بدأوا يكونون كثرة بالاقتناع الفردى، ولا يجرؤ أحد أن يقول: إن المصريين أكرههم الإسلام على الدخول فيه، فإن المصريين وفق تاريخهم الثابت عنهم قاوموا الرومان، وقتلوا فى كل قرية، ولم يفرطوا فى دينهم، وقاتلوا الرومان مرة أخرى حتى جاء الفتح العربى فأنقذهم من بطشهم، فلم يدخلون فى الإسلام دون أن يسفك دم؟ إنما دخلوا لان الله شرح بالإسلام صدورهم !!.
فماذا كانت علاقة الإسلام بغيره من الديانات بعد أن أصبح دين الكثرة هنا؟.
المسلمون فى أرض الله كلها ناس طيبون وسمحاء، والتعصب لا يعرف طريقا إلى قلوبهم، والحروب الدينية التى جعلت سطح أوربا ملوثا بالدم مليئا بالفتن، هذه الحروب لا يعرفها العالم الإسلامي ، إن العالم الإسلامى عاش على فهم أنه يمكن أن يتعاون اثنان بينهما اختلاف دين على أمر ما !!.
وقد حدث أن النبى عليه الصلاة والسلام وهو يهاجر استأجر الدليل على الطريق استأجره مشركا.
وهذا الدين قال: يمكن أن تتسع غرفة - متران فى ثلاثة أمتار - لرجل وامرأة على غير دينه تكون يهودية أو نصرانية !!
فإذا اتسعت حجرة لدينين أفلا تتسع الأرض الفضاء لدينين؟!
■ الاستعمار الثقافي:
مشى الإسلام فى بلدنا على هذا النحو يعيش بسماحته، ويعيش بقدرته الذاتية على الحياة، إلى أن نكب بالاستعمار الأوربى، وحدث ما حدث فى تاريخ يطول، ثم بدأنا ننتعش ونعود، لكننا عندما حاولنا أن نعود وجدنا الاستعمار قد نكبنا بنكبتين من لونين مختلفين!!.
فى عهد مضى نكبنا بالمادية الحيوانية، والمادية الحيوانية فلسفة تجعل الشباب يعيشون بحثا عن الشهوات، تجعل الناس يكدحون لمأرب خسيس أو غرض قريب، المادية الحيوانية تجعل العيش فى الأرض للأرض، وهى مادية قصد بها تكوين جيل مقطوع عن دينه يبحث عن الأهواء والدنايا فقط !!.
وقاومنا هذه المادية مقاومة نجحنا فيها حينا وفشلنا فيها حينا، ثم جاءت مادية أخرى هى المادية الجدلية الحمراء، هى مادية تجعل الناس يفتحون أفواههم بوقاحة يقولون: لا ألوهية والحياة مادة !! لكن شاء الله أن يتلاشى هذا الزحف، وأن يتضعضع ويضطرب. عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952م كانت قلوب الناس أجمعين معها، لماذا؟ كان القادة يرفعون المصاحف، وكانوا تحت علم مكتوب عليه: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) .
وكان العمل للعروبة والإسلام واضحا فى هذه الخطط، ثم شاء الله أن تسرق الثورة !! وأن تجىء مراكز قوة تنال من ديننا، ومن عقلنا، ومن تفكيرنا، وبدأت المادية بألوانها تنضح علينا من كل ناحية حتى ظن أن الصلاة جريمة وأن الاتصال بالله منكر وأن العودة إلى الإسلام طريق الهلاك !.
■ الاعتصام بالدين:
أيها المسلمون: الذى أريد أن أقوله بعد هذه السياحة التاريخية المتقطعة :
إن التمسك بالدين ضرورة حياة لكم ، وإن الذى يتصور التمسك بالدين طريقا إلى السجن مخطئ جدا، وإن الذى يتصور التمسك بالدين طريقا إلى السجن، ثم يترك دينه فهو مجرم !! فالسجن أولى من ترك الدين !!.
ومع هذا فنحن لا نقول ما قال يوسف: (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) ، فإننا لا ندعى الآن إلى منكر، لا ندعى الآن إلى ضلالة، إننى أهيب بالشباب، بالجيل الناشئ ألا يهاب العودة إلى دينه، أن يكون جريئا فى التمسك بإيمانه وانطلاقه تحت راية التوحيد، غير متهيب ولا متوجس، ولا قلق ولا جزوع، يجب أن يعلم أن راية الإيمان لابد أن تمشى القوافل تحتها حثيثة كثيفة لا تخاف ولا تخشى.
ثم أقول للمسلمين شيئا آخر: إن الضعيف لا يقويه أن يهدم غيره، إن الضعيف سيبقى ضعيفا ، ولو أن غيره تلاشى من الأرض، ولو أن أعداء الإسلام اختفوا جميعا من هذه الدنيا وبقى المسلمون على الوضع الذى هم عليه الآن نظريا ونفسيا وخلقيا فإن الأرض لا تصلح بهم ولا يستحقون التمكين فيها !!. إنني أقول للمسلمين استرجعوا دينكم بحقائقه، عيب أن يكون الشباب المسلم أو الطالب المسلم متأخرا فى ثقافته أو فى دراسته، وغيره قوى فى دراسته، أو فى معرفته وعلومه !!.
عيب أن يكون التاجر المسلم ضعيفا فى عمله، مضطربا فى أسلوبه، غاشا فى سلعه، ثم يحسد الآخرين إذا نجحوا أو تقدموا، لا، إن العقيدة تحتاج إلى خدمة من نوع جديد، حدث منذ بضع سنين لا تتجاوز الأصابع أن صدر أمر إلى المسيحيين فى القدس أن يشتروا الأرض من المسلمين.
كانت رغبة فى أن يوضع الطابع الصليبى على القدس القديمة، و بدأ ناس من المسلمين يبيعون دورهم، المتر الذى يساوى خمسين عرض عليهم فيه مائة، مئتان!! وقال المفتون يومئذ: إن المسلم الذى يبيع شبرا من أرضه يعتبر مرتدا لأن الشبر الذى يبيعه من أرضه يكون موطىء قدم لحملة صليبية جديدة على بلادنا.
ألا فليستيقظ المسلمون. إن يقظة المسلمين لا تعنى أكثر من أن يتمسكوا بدينهم، ويحترموا أخوتهم، ثم الآخرون ممن ليسوا على ديننا سوف يعيشون معنا كما عاشوا على امتداد القرون، لهم ما لنا وعليهم ما علينا !! بل ربما قلنا: ˝ لهم ما لنا من الحقوق وأكثر !! وعليهم ما علينا من واجبات بل أقل ˝ !!.
إننا نحن المسلمين ليس فى تاريخنا الطويل أننا أصحاب تعصب، ولكن فى تاريخنا الطويل أننا أصحاب طيبة قد تبلغ حد الغفلة والجهل!! أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله (.الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون * ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد) .
وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا رسول الله، إمام الأنبياء، وسيد المصلحين . اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
■ لزوم الوحدة:
أما بعد: عباد الله أوصيكم ونفسى بتقوى الله عز وجل، واعلموا أيها الأخوة أن بلدنا هذا يحتاج إلى مرحلة من الاستقرار، يمكن فيها أن يتم بناء على العقيدة والخلق، على الإيمان والشرف، على الإسلام ومبادئه وشرائعه .
نحن بحاجة إلى هذه الفترة، ووحدتنا الوطنية سلاح لنا، وأنا أخشى أن يكون أعداؤنا قد حرضوا البعض على أن يحدث أى تعكير لهذه الوحدة لحساب غيرنا لا لحسابنا، إن أى تعكير لهذه الوحدة الآن ليس لحسابنا، والذى يعكر هذه الوحدة معروف، لأنه يعمل لحساب الاستعمار الأجنبى!!.
إننا نوصيكم مشددين ألا يستفزكم أحد، وأن تضبطوا أعصابكم، وفى الوقت الذى أكلفكم فيه بضبط الأعصاب، وامتلاك النفس، أقول لكم: إن الوسائل التى تنجحون بها دينكم وتملكون بها السيادة على أرضكم فى أيديكم ولا تحتاج إلى مشقة طويلة ولا إلى جهد العباقرة، تحتاج إلى جهد الرجل العادى ، ويوم ينقص المسلمين جهد الرجل العادى لينجحوا فهم أهل لأن يضيعوا !! وهم أهل لأن يتلاشوا وتخلص الإنسانية منهم لأنهم ليسوا أهلا للحياة !!.
إن تماسك المسلمين لا يحتاج إلى عبقرية ، وإنما يحتاج إلى اليقظة العادية؟ إلى السيرة التى لا غفلة فيها ولا استكانة ولا فوضى ولا تواكل !!هذا ما ألفت النظر إليه.
˝ اللهم أصلح لنا ديننا الذى هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التى فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التى إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا فى كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ˝ .
(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) .
عباد الله : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) . أقم الصلاة. ❝
❞ عمل يسير وأجر كبير
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فضل الله على خلقه
عباد الله: ربنا كريم، ومن أسمائه تعالى المنان، يمن على عباده ، ومن أسمائه البر، والبر واسع العطاء، ومن أسمائه الوهاب يعطي بلا سؤال، ومن أسمائه الشكور فيعطي الأجر الكثير على العمل القليل، وهو كريم وهاب يهب واسع الفضل والعطاء بلا حدود ، وهذا الكرم من الله يدفع المؤمن إلى المزيد والمزيد من العمل؛ لأنه إذا علم بأن ربه بهذه الأسماء وهذه الصفات فالعبد يتحفز للعمل.
جاء رجل إلى النبي ﷺ مقنع بالحديد على مشارف المعركة، فقال: يا رسول الله أسلم أو أقاتل؟ ولم يكن الرجل قد أسلم، فقال: أسلم ثم قاتلفأسلم ثم قاتل فقتل فقال النبي ﷺ: عمل قليلاً وأجر كثيراً، فإنه ليس بينه وبين الجنة إلا هذه الشهادة وهذه الشهادة، الشهادة الأولى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والشهادة الثانية هذا القتل الذي حصل في المعركة فدخل الجنة ولم يسجد لله سجدة؛ لأنه لما أسلم كان أول واجب عليه حضور هذه المعركة.
التجارة الرابحة مع الله
عباد الله: بيننا وبين الله تجارة، والتجارة مع الله ما فيها خسارة، والتجارة مع الله أرباحها مضاعفة، هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍسورة الصف10، وهذه المضاعفات إلى عشرة، إلى مائة، إلى سبعمائة، إلى أكثر من ذلك، والله يضاعف لمن يشاء، أعمال قليلة من جهة الجهد والوقت، والأجر عظيم، وقد خرج النبي ﷺ بعد أن صلى الفجر وقعد وقام ليدخل بيته فوجد جويرية رضي الله عنها من بعد الفجر جالسة كما هي، سألها: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟قالت: نعم، قال: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليومطيلة الوقت هذا الماضي لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، كم تأخذ حتى تقولها ثلاثاً يا عبد الله؟
يا مسلم: الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يصل فيه رحمه، ويعرف حق الله من جهة الزكاة، والواجبات الأخرى كفارات، نفقات، يعرف حق الله، والآخر رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً لكنه قال: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله فهما في الأجر سواء، عجيب هذا ما عنده مال، وما الذي فعله؟ نية حسنة، وقال بلسانه: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله، بنيت المساجد، ورتبت لمحفظي القرآن الرواتب، وجعلت للأسر والعوائل هذه الرواتب الشهرية، ونشرت علماً، ودعوة ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، قال: فهما في الأجر سواء، يعني من جهة الأصل، أما من جهة المضاعفة فلا شك أن الفاعل يمتاز بميزة، لكن من جهة الأصل أصل الأجر قبل المضاعفة، هما سواء ما الذي رفعه هذه الرفعة، ما الذي أعطاه هذا الأجر؟ حسن نيته، ليست قضية عسيرة، وشاقة، ولا تأخذ وقتاً، لكنها جمع القلب والرجاء من الله .
إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم شركوكم في الأجر، لماذا؟ قال: حبسهم العذر؛ لأنهم فعلاً عندهم صدق نية، لو كانوا مستطيعين لخرجوا، الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرضكم تأخذ من الجهد؟ كم تأخذ من الوقت؟ الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه يتنافس عليها بضع وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً، عبد قالها مرة مؤتجراً مخلصاً يبتغي وجه الله، تنافس عليها أكثر من ثلاثين ملكاً أيهم يكتبها أولاً، ما هذا الكرم ما هذا الشرف، الله يرسل ملائكته من أجلنا، لتكتب أعمالنا، وترفع أقوالنا، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُسورة فاطر10.
عباد الله: ماذا يأخذ من الوقت والجهد أن يقول الإنسان بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، لكن ماذا له؟ تفتح أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل، تفتح أبواب الجنة الثمانية، الجنة التي عرضها السماوات والأرض، الثمانية كلها تفتح لأجل أنه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله بعد الوضوء، ما أكرمه ما أوهبه، ما أبره، ما أمنه سبحانه.
عباد الله: عندما يقول نبينا ﷺ: من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم ذنبه، كلمة (آمين) كم تأخذ لتقال؟ كم ثانية؟ آمين المد الطبيعي حركتين (آ) (مين) ست حركات، كم تأخذ حتى تقال؟ من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، على كلمة واحدة إذا قال الإمام في الأرض: آمين، قالت الملائكة في السماء: آمين، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة، لكن بعض الناس يشرد ذهنه فيفوته أجر عظيم، أو لا يقولها في الوقت الذي من السنة أن تقال فيه، أو يمد أكثر أو يقصر أكثر، من وافق تأمينه تأمين الملائكة.
يا مسلمون: والله إنها أعمال يسيرة وأجور عظيمة، وهكذا نجد أن النبي ﷺ يعلمنا أن بقيام ليلة القدر، اللهم بلغنا ليلة القدر، اللهم بلغنا رمضان، اللهم منَّ علينا ببلوغ رمضان، وأن نصوم ونقوم ونعبد كما تحب وترضى، قيام ليلة واحدة، الليلة كم يعني؟ عشر ساعات؟ إحدى عشر ساعة؟ اثنا عشر ساعة؟ ثم تقوم بعد صلاة العشاء، قيام ليلة ولا يشترط أن تقوم كل الليل، قيام ليلة أكثر من أجر عبادة ثلاثة وثمانين سنة، هل هناك كرم بعد هذا.
عباد الله: صيام يوم واحد، يوم عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين، والصيام كم ساعة؟ اثنا عشر ساعة، ثلاثة عشر ساعة، يكفر سنتين، إذا كان هذا في صيام النافلة عاشوراء وعرفة، يا ترى رمضان الواجب الفرض الركن كم يكفر.
أيها المسلمون: بالوضوء تخرج الخطايا حتى تخرج آخر خطيئة مع آخر قطرة ماء، لمن نوى واحتسب، وأتقن الوضوء، وكذلك نجد أنه إذا قعد بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد ارتفاعها صلى ركعتين، بعد الفجر إلى طلوع الشمس كم الوقت؟ كم ستجلس؟ ساعة ونصف، أجر حجة أجر عمرة تامة تامة تامة..
يا مسلم: عندما تذهب وأنت هنا إلى الحرم لتصلي فريضة واحدة كم يأخذ منك من الوقت والجهد؟ لكن يكتب الله لك بها مائة ألف صلاة من الصلاة في المساجد الأخرى، مائة ألف، وفي النبوي ألف، وصلاة ركعتين في مسجد قباء تعدل عمرة، الله أكبر، صلاة ركعتين كم تأخذ من الوقت في مسجد قباء تعدل عمرة، تشد الرحال إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، فإذا صرت في المدينة كان قباء بجانبك.
أيها المسلمون: عندما يقول ربنا : فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُسورة الزلزلة7، يعني: أن هذه الذرة الهباء الصغيرة جداً لا تضيع، حتى هذه لا تضيع، ولذلك لما جاءت مسكينة أو مسكين إلى عائشة وكان عندها عنقود عنب فأخذت حبات من العنب وأعطتها للمسكين حبات قليلة، تعجبت بعض النسوة عندها، فقالت عائشة لهن: تتعجبن تضحكن كم في هذه الحبات من مثاقيل الذر.
وهكذا سعد الصحابي لما جاء سائل وأعطاه تمرتين، وقبض يده، قال له: إن في التمرتين مثاقيل ذر كثيرة.
اللهم إنا نسألك أن توفقنا إلى ما تحب وترضى، وأن ترزقنا الاستمساك بالعروة الوثقى، أكرمنا يا كريم، ومن علينا يا منان، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله والرحمة المهداة الشافع المشفع يوم الدين، وحامل لواء الحمد في العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته وخلفائه وأزواجه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك وزد على عبدك ونبيك إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين سيدنا وحبيبنا وأسوتنا وقدوتنا، صل عليه وسلم صلاة تامة إلى يوم الدين.
عباد الله:
أسس وقواعد التجارة مع الله
الله يعامل عباده على أسس، التجارة مع الله لها شروط فيها بنود، فيها عقد، ومن أدرك شروط العقد حاز الأرباح العظيمة من وراء هذا العقد:
أولاً: لا أجر بلا توحيد، فإذا كان العبد موحداً لله نال الأجور العظيمة؛ لأن الأساس موجود، فالبناء عليه سهل، ويتصاعد بسرعة، فإذا كان أساسك قوياً كان البنيان عالياً مرتفعاً، ولذلك مهما عمل الكافر والمشرك من الأعمال الخيرية ليس له مقابل عليها في الآخرة يأخذه في الدنيا الآن، أولاد، صحة، منصب، شهرة، مال، يأخذه في الدنيا، حتى الكافر لو عمل أعمال خيرية يعطيه، لكن لا يعطيه في الآخرة؛ لأن سلعة الله غالية، والجنة لا يعطيها لكافر ولا مشرك، لا للشرك الأكبر ولا الأصغر ولا الخفي، اجتنبوا الشرك، يوم القيامة الكافر مهما كان عنده من أعمال خيرية، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًاسورة الفرقان23، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍسورة النور39 كسراب.
ثانياً: لا أجر بلا عمل، فالذين لا يعملون بماذا سيؤجرون، والأعمال منها أعمال قلب ومنها أعمال جوارح، وينبغي التفطن لهذا؛ لأن أعمال القلب فيها أجور عظيمة، الخشية، والإخلاص، والحياء من الله، والتوكل عليه، والخوف منه، ورجاء ثوابه، أعمال القلب عظيمة، وكذلك أعمال الجوارح، وهذه دليل على صحة هذه.
أيها المسلمون: إن من قواعد التعامل بين الله وخلقه أن الله يضاعف الأجر، والمضاعفة قال بعض العلماء: من خصائص هذه الأمة، يعني لم يكن العالمين في الأمم من قبلنا مثلنا في المضاعفة إلى مائة إلى سبعمائة إلى أضعاف أخرى، وهذا من منة الله علينا، احمد ربك أنه جعلك في هذه الأمة، ولم تكن في أمم سابقة، شرف وفخر أن نكون من أمة محمد بن عبد الله ﷺ فلا ذوبان في أعمال الكفار، وشخصيات الكفار، وأنظمة الكفار، نحن أمة مستقلة لنا تاريخ، لنا قائد، لنا كتاب، لنا دستور، لنا شخصية مستقلة واضحة بعقيدتها، وأخلاقها، وعباداتها.
أيها المسلمون: إنه لا بد من الإخلاص في العمل، ولو حصل رياء أو سمعة ذهب العمل، بل إنه جاء في الحديث أن من سمَّع سمَّع الله به يوم القيامة مسامع خلقه، وصغره وحقره؛ لأنه في الدنيا كان يريد الهالات الإعلامية، كان يريد الفخر، كان يريد الاستعلاء على العباد، كان يريد الشهرة، ما كان يريد وجه الله، فلا بد من الحذر من محبطات الأعمال؛ كالمن، والعجب، والرياء، ومنقصات الأعمال، مثل من اتخذ كلباً دون حاجة نقص من أجره كل يوم قيراطين.
كلما كان العمل أكثر نفعاً كلما كان أكثر أجراً، فالأعمال متعدية النفع؛ كالعلم، والدعوة إلى الله أجورها كبيرة جداً.
التحسر على فوات الأجر لو فاتتك جماعة المسجد، مثلاً التحسر على فوات الأجر يمكن أن ينتج أجراً؛ لأنه دليل الصدق.
الفاعل المباشر لا شك أنه أعظم أجراً ممن نوى فقط، ولكن من رحمة الله وكرم الله، أنه ينزل العاجز منزلة الفاعل في الأجر مع أنه ما عمل، لماذا؟ لأنه كان له عادة، ولذلك إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً، فمن رحمة الله وكرم الله أنه نزَّل العاجز منزلة الفاعل على حسب عادته التي كان عليها قبل أن يصاب بالعجز.
هذه التعويضات، لا تعويضات وقوانين الأرض هذه أعظم بكثير يا مسلم، يا عبد الله: المسلم يؤجر على الفعل والترك، حتى من كف شره عن الناس له أجر، فالترك لله يؤجر عليه وليس فقط الفعل لله، يؤجر على المباحات بحسن النية، لكن ليس هذا كل عمل المسلم أن يقول: أنام بنية الاستعانة، وآكل بنية الاستعانة على العبادة، وأستروح بنية الاستعانة، بقية العبادة، الاسترواحات بالنية الحسنة لها أجر، لكن بقي الشيء الذي من أجله استروحت لا تنسه.
كلما اشتدت المشقة عظم الأجر، لكن المشقة لا تتقصد، فالإنسان إذا كان عنده طريق صعب وطريق سهل إلى مكة لا يذهب من الطريق الصعب، الأجر لا يكتب على مشقة متعمدة منك، لكن إذا حصلت المشقة فذهبت إلى مكة فازدحم الطريق فأخذ وقتاً مضاعفاً قدر من الله عند ذلك يضاعف الأجر أجرك على قدر نصبك.
والأعمال الموافقة للسنة أجرها أكبر من أعمال أطول أو أشق، فمثلاً قصر الصلاة للمسافر أكثر أجراً من إتمامه لها، مع أن هذه اثنتين وهذه أربع، تخفيف سنة الفجر أكثر أجراً من تطويلها لماذا؟ لأنها سنة محمد ﷺ، بينما نجد من السنة في صلاة الفجر يوم الجمعة قراءة السجدة والإنسان وتأخذ وقتاً وجهداً، فإذن الشأن هو اتباع السنة سواءً ازدادت المشقة أو نقصت، المشي في الظلمات إلى المساجد الفجر والعشاء فيه أجر لمشقة الظلمة، ولا تزيلها الكهرباء كما قال العلماء، ولله الحمد، الأجر ما زال موجوداً في مشيك للفجر والعشاء حتى في هذا الزمان.
أيها المسلمون: الأكل من الأضحية والصدقة بالباقي أفضل من الصدقة بكل الأضحية؛ لأن من السنة الأكل من الأضحية ولو لقيمات، وهكذا نجد أن تكفير السيئات منصب على الصغائر؛ لأن الكبائر تحتاج إلى توبة خاصة، ونجده في كل حديث في غفر له يعني الصغائر، ولذلك لا بد من الانتباه للكبائر.
تعدد الأعمال وتعدد الأجور
ماذا تريد يا عبد الله من أنواع الأجور والميزات فهو موجود، تريد مغفرة الذنوب هناك أعمال لها، تريد نيل محبة الله هناك أعمال لها، تريد مرافقة النبي ﷺ والقرب منه فالذي يكفل يتيماً ويعول أرملة يكون بالقرب من النبي ﷺ في الجنة.
ثم ماذا تريد يا عبد الله من أنواع الأجور والميزات فهو موجود، تريد مغفرة الذنوب هناك أعمال لها، تريد نيل محبة الله هناك أعمال لها، تريد مرافقة النبي ﷺ والقرب منه فالذي يكفل يتيماً ويعول أرملة يكون بالقرب من النبي ﷺ في الجنة، هلا رأيت قضية استعراض النساء لاختيار الأجمل، من كظم غيظاً أنت تكون في الطريق في السيارة يعاكسك شخص، من كظم غيظاً ولو شاء أن ينفذه أنفذه ما عنده عجز يخيره الله من الحور العين يوم القيامة ما شاء، تكظم غيظاً عن خادم، عن سائق، عن مخطئ، عن إنسان تجاوز عليك، كظم غيظاً، هذه قضية اختيار الأجمل من النساء، تريد رفع المنزلة تواضع لله، تريد طول العمر وسعة الرزق صل رحمك، تريد أن تكون في حراسة الله صل الفجر، تريد أن تصلي عليك الملائكة صل على النبي ﷺ، انتظر في المسجد من المغرب إلى العشاء، رابط من صلاة إلى صلاة، الملائكة طيلة الوقت وأنت جالس تستغفر لك، تريد قصراً في الجنة اقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌسورة الإخلاص1عشر مرات يبنى لك قصر في الجنة، وهكذا تريد السلامة من حر النار والموقف أنظر معسراً، تريد العتق من النار ذب عن عرض أخيك في مجلس، كل شيء بمقابل، ما في أشياء تضيع عند الله فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُسورة الزلزلة8.
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، واجعلنا من أهله يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا الذنوب والسيئات، وكفر عنا الزلات، وضاعف لنا الحسنات، اللهم إنا نسألك أن تجعل أعمالنا خالصة لوجهك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك في يومنا هذا رحمة تلم بها شعثنا، وتغفر بها ذنبنا، وترفع بها شاهدنا، وتثقل بها موازيننا، وتغفر بها لموتانا، وتشفي بها مرضانا، وتهدي بها ضالنا، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم إنا نسألك المغفرة لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا عيباً إلا سترته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، يا أرحم الراحمين يا أكرم الأكرمين بلغنا رمضان وأعتقنا فيه من النيران، وأعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
1 - رواه البخاري2808
2 - رواه مسلم2726
3 - رواه ابن ماجه4228
4 - رواه البخاري4423
5 - رواه مسلم223
6 - رواه البخاري780 ومسلم410
7 - رواه الترمذي586
8 - رواه البخاري2996
9 - رواه بمعناه مسلم 1211
10 - رواه الترمذي2021. ❝ ⏤لا حول ولا قوة الا بالله
❞ عمل يسير وأجر كبير
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فضل الله على خلقه
عباد الله: ربنا كريم، ومن أسمائه تعالى المنان، يمن على عباده ، ومن أسمائه البر، والبر واسع العطاء، ومن أسمائه الوهاب يعطي بلا سؤال، ومن أسمائه الشكور فيعطي الأجر الكثير على العمل القليل، وهو كريم وهاب يهب واسع الفضل والعطاء بلا حدود ، وهذا الكرم من الله يدفع المؤمن إلى المزيد والمزيد من العمل؛ لأنه إذا علم بأن ربه بهذه الأسماء وهذه الصفات فالعبد يتحفز للعمل.
جاء رجل إلى النبي ﷺ مقنع بالحديد على مشارف المعركة، فقال: يا رسول الله أسلم أو أقاتل؟ ولم يكن الرجل قد أسلم، فقال: أسلم ثم قاتلفأسلم ثم قاتل فقتل فقال النبي ﷺ: عمل قليلاً وأجر كثيراً، فإنه ليس بينه وبين الجنة إلا هذه الشهادة وهذه الشهادة، الشهادة الأولى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والشهادة الثانية هذا القتل الذي حصل في المعركة فدخل الجنة ولم يسجد لله سجدة؛ لأنه لما أسلم كان أول واجب عليه حضور هذه المعركة.
التجارة الرابحة مع الله
عباد الله: بيننا وبين الله تجارة، والتجارة مع الله ما فيها خسارة، والتجارة مع الله أرباحها مضاعفة، هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍسورة الصف10، وهذه المضاعفات إلى عشرة، إلى مائة، إلى سبعمائة، إلى أكثر من ذلك، والله يضاعف لمن يشاء، أعمال قليلة من جهة الجهد والوقت، والأجر عظيم، وقد خرج النبي ﷺ بعد أن صلى الفجر وقعد وقام ليدخل بيته فوجد جويرية رضي الله عنها من بعد الفجر جالسة كما هي، سألها: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟قالت: نعم، قال: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليومطيلة الوقت هذا الماضي لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، كم تأخذ حتى تقولها ثلاثاً يا عبد الله؟
يا مسلم: الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يصل فيه رحمه، ويعرف حق الله من جهة الزكاة، والواجبات الأخرى كفارات، نفقات، يعرف حق الله، والآخر رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً لكنه قال: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله فهما في الأجر سواء، عجيب هذا ما عنده مال، وما الذي فعله؟ نية حسنة، وقال بلسانه: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله، بنيت المساجد، ورتبت لمحفظي القرآن الرواتب، وجعلت للأسر والعوائل هذه الرواتب الشهرية، ونشرت علماً، ودعوة ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، قال: فهما في الأجر سواء، يعني من جهة الأصل، أما من جهة المضاعفة فلا شك أن الفاعل يمتاز بميزة، لكن من جهة الأصل أصل الأجر قبل المضاعفة، هما سواء ما الذي رفعه هذه الرفعة، ما الذي أعطاه هذا الأجر؟ حسن نيته، ليست قضية عسيرة، وشاقة، ولا تأخذ وقتاً، لكنها جمع القلب والرجاء من الله .
إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم شركوكم في الأجر، لماذا؟ قال: حبسهم العذر؛ لأنهم فعلاً عندهم صدق نية، لو كانوا مستطيعين لخرجوا، الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرضكم تأخذ من الجهد؟ كم تأخذ من الوقت؟ الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه يتنافس عليها بضع وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً، عبد قالها مرة مؤتجراً مخلصاً يبتغي وجه الله، تنافس عليها أكثر من ثلاثين ملكاً أيهم يكتبها أولاً، ما هذا الكرم ما هذا الشرف، الله يرسل ملائكته من أجلنا، لتكتب أعمالنا، وترفع أقوالنا، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُسورة فاطر10.
عباد الله: ماذا يأخذ من الوقت والجهد أن يقول الإنسان بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، لكن ماذا له؟ تفتح أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل، تفتح أبواب الجنة الثمانية، الجنة التي عرضها السماوات والأرض، الثمانية كلها تفتح لأجل أنه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله بعد الوضوء، ما أكرمه ما أوهبه، ما أبره، ما أمنه سبحانه.
عباد الله: عندما يقول نبينا ﷺ: من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم ذنبه، كلمة (آمين) كم تأخذ لتقال؟ كم ثانية؟ آمين المد الطبيعي حركتين (آ) (مين) ست حركات، كم تأخذ حتى تقال؟ من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، على كلمة واحدة إذا قال الإمام في الأرض: آمين، قالت الملائكة في السماء: آمين، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة، لكن بعض الناس يشرد ذهنه فيفوته أجر عظيم، أو لا يقولها في الوقت الذي من السنة أن تقال فيه، أو يمد أكثر أو يقصر أكثر، من وافق تأمينه تأمين الملائكة.
يا مسلمون: والله إنها أعمال يسيرة وأجور عظيمة، وهكذا نجد أن النبي ﷺ يعلمنا أن بقيام ليلة القدر، اللهم بلغنا ليلة القدر، اللهم بلغنا رمضان، اللهم منَّ علينا ببلوغ رمضان، وأن نصوم ونقوم ونعبد كما تحب وترضى، قيام ليلة واحدة، الليلة كم يعني؟ عشر ساعات؟ إحدى عشر ساعة؟ اثنا عشر ساعة؟ ثم تقوم بعد صلاة العشاء، قيام ليلة ولا يشترط أن تقوم كل الليل، قيام ليلة أكثر من أجر عبادة ثلاثة وثمانين سنة، هل هناك كرم بعد هذا.
عباد الله: صيام يوم واحد، يوم عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين، والصيام كم ساعة؟ اثنا عشر ساعة، ثلاثة عشر ساعة، يكفر سنتين، إذا كان هذا في صيام النافلة عاشوراء وعرفة، يا ترى رمضان الواجب الفرض الركن كم يكفر.
أيها المسلمون: بالوضوء تخرج الخطايا حتى تخرج آخر خطيئة مع آخر قطرة ماء، لمن نوى واحتسب، وأتقن الوضوء، وكذلك نجد أنه إذا قعد بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد ارتفاعها صلى ركعتين، بعد الفجر إلى طلوع الشمس كم الوقت؟ كم ستجلس؟ ساعة ونصف، أجر حجة أجر عمرة تامة تامة تامة.
يا مسلم: عندما تذهب وأنت هنا إلى الحرم لتصلي فريضة واحدة كم يأخذ منك من الوقت والجهد؟ لكن يكتب الله لك بها مائة ألف صلاة من الصلاة في المساجد الأخرى، مائة ألف، وفي النبوي ألف، وصلاة ركعتين في مسجد قباء تعدل عمرة، الله أكبر، صلاة ركعتين كم تأخذ من الوقت في مسجد قباء تعدل عمرة، تشد الرحال إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، فإذا صرت في المدينة كان قباء بجانبك.
أيها المسلمون: عندما يقول ربنا : فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُسورة الزلزلة7، يعني: أن هذه الذرة الهباء الصغيرة جداً لا تضيع، حتى هذه لا تضيع، ولذلك لما جاءت مسكينة أو مسكين إلى عائشة وكان عندها عنقود عنب فأخذت حبات من العنب وأعطتها للمسكين حبات قليلة، تعجبت بعض النسوة عندها، فقالت عائشة لهن: تتعجبن تضحكن كم في هذه الحبات من مثاقيل الذر.
وهكذا سعد الصحابي لما جاء سائل وأعطاه تمرتين، وقبض يده، قال له: إن في التمرتين مثاقيل ذر كثيرة.
اللهم إنا نسألك أن توفقنا إلى ما تحب وترضى، وأن ترزقنا الاستمساك بالعروة الوثقى، أكرمنا يا كريم، ومن علينا يا منان، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله والرحمة المهداة الشافع المشفع يوم الدين، وحامل لواء الحمد في العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته وخلفائه وأزواجه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك وزد على عبدك ونبيك إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين سيدنا وحبيبنا وأسوتنا وقدوتنا، صل عليه وسلم صلاة تامة إلى يوم الدين.
عباد الله:
أسس وقواعد التجارة مع الله
الله يعامل عباده على أسس، التجارة مع الله لها شروط فيها بنود، فيها عقد، ومن أدرك شروط العقد حاز الأرباح العظيمة من وراء هذا العقد:
أولاً: لا أجر بلا توحيد، فإذا كان العبد موحداً لله نال الأجور العظيمة؛ لأن الأساس موجود، فالبناء عليه سهل، ويتصاعد بسرعة، فإذا كان أساسك قوياً كان البنيان عالياً مرتفعاً، ولذلك مهما عمل الكافر والمشرك من الأعمال الخيرية ليس له مقابل عليها في الآخرة يأخذه في الدنيا الآن، أولاد، صحة، منصب، شهرة، مال، يأخذه في الدنيا، حتى الكافر لو عمل أعمال خيرية يعطيه، لكن لا يعطيه في الآخرة؛ لأن سلعة الله غالية، والجنة لا يعطيها لكافر ولا مشرك، لا للشرك الأكبر ولا الأصغر ولا الخفي، اجتنبوا الشرك، يوم القيامة الكافر مهما كان عنده من أعمال خيرية، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًاسورة الفرقان23، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍسورة النور39 كسراب.
ثانياً: لا أجر بلا عمل، فالذين لا يعملون بماذا سيؤجرون، والأعمال منها أعمال قلب ومنها أعمال جوارح، وينبغي التفطن لهذا؛ لأن أعمال القلب فيها أجور عظيمة، الخشية، والإخلاص، والحياء من الله، والتوكل عليه، والخوف منه، ورجاء ثوابه، أعمال القلب عظيمة، وكذلك أعمال الجوارح، وهذه دليل على صحة هذه.
أيها المسلمون: إن من قواعد التعامل بين الله وخلقه أن الله يضاعف الأجر، والمضاعفة قال بعض العلماء: من خصائص هذه الأمة، يعني لم يكن العالمين في الأمم من قبلنا مثلنا في المضاعفة إلى مائة إلى سبعمائة إلى أضعاف أخرى، وهذا من منة الله علينا، احمد ربك أنه جعلك في هذه الأمة، ولم تكن في أمم سابقة، شرف وفخر أن نكون من أمة محمد بن عبد الله ﷺ فلا ذوبان في أعمال الكفار، وشخصيات الكفار، وأنظمة الكفار، نحن أمة مستقلة لنا تاريخ، لنا قائد، لنا كتاب، لنا دستور، لنا شخصية مستقلة واضحة بعقيدتها، وأخلاقها، وعباداتها.
أيها المسلمون: إنه لا بد من الإخلاص في العمل، ولو حصل رياء أو سمعة ذهب العمل، بل إنه جاء في الحديث أن من سمَّع سمَّع الله به يوم القيامة مسامع خلقه، وصغره وحقره؛ لأنه في الدنيا كان يريد الهالات الإعلامية، كان يريد الفخر، كان يريد الاستعلاء على العباد، كان يريد الشهرة، ما كان يريد وجه الله، فلا بد من الحذر من محبطات الأعمال؛ كالمن، والعجب، والرياء، ومنقصات الأعمال، مثل من اتخذ كلباً دون حاجة نقص من أجره كل يوم قيراطين.
كلما كان العمل أكثر نفعاً كلما كان أكثر أجراً، فالأعمال متعدية النفع؛ كالعلم، والدعوة إلى الله أجورها كبيرة جداً.
التحسر على فوات الأجر لو فاتتك جماعة المسجد، مثلاً التحسر على فوات الأجر يمكن أن ينتج أجراً؛ لأنه دليل الصدق.
الفاعل المباشر لا شك أنه أعظم أجراً ممن نوى فقط، ولكن من رحمة الله وكرم الله، أنه ينزل العاجز منزلة الفاعل في الأجر مع أنه ما عمل، لماذا؟ لأنه كان له عادة، ولذلك إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً، فمن رحمة الله وكرم الله أنه نزَّل العاجز منزلة الفاعل على حسب عادته التي كان عليها قبل أن يصاب بالعجز.
هذه التعويضات، لا تعويضات وقوانين الأرض هذه أعظم بكثير يا مسلم، يا عبد الله: المسلم يؤجر على الفعل والترك، حتى من كف شره عن الناس له أجر، فالترك لله يؤجر عليه وليس فقط الفعل لله، يؤجر على المباحات بحسن النية، لكن ليس هذا كل عمل المسلم أن يقول: أنام بنية الاستعانة، وآكل بنية الاستعانة على العبادة، وأستروح بنية الاستعانة، بقية العبادة، الاسترواحات بالنية الحسنة لها أجر، لكن بقي الشيء الذي من أجله استروحت لا تنسه.
كلما اشتدت المشقة عظم الأجر، لكن المشقة لا تتقصد، فالإنسان إذا كان عنده طريق صعب وطريق سهل إلى مكة لا يذهب من الطريق الصعب، الأجر لا يكتب على مشقة متعمدة منك، لكن إذا حصلت المشقة فذهبت إلى مكة فازدحم الطريق فأخذ وقتاً مضاعفاً قدر من الله عند ذلك يضاعف الأجر أجرك على قدر نصبك.
والأعمال الموافقة للسنة أجرها أكبر من أعمال أطول أو أشق، فمثلاً قصر الصلاة للمسافر أكثر أجراً من إتمامه لها، مع أن هذه اثنتين وهذه أربع، تخفيف سنة الفجر أكثر أجراً من تطويلها لماذا؟ لأنها سنة محمد ﷺ، بينما نجد من السنة في صلاة الفجر يوم الجمعة قراءة السجدة والإنسان وتأخذ وقتاً وجهداً، فإذن الشأن هو اتباع السنة سواءً ازدادت المشقة أو نقصت، المشي في الظلمات إلى المساجد الفجر والعشاء فيه أجر لمشقة الظلمة، ولا تزيلها الكهرباء كما قال العلماء، ولله الحمد، الأجر ما زال موجوداً في مشيك للفجر والعشاء حتى في هذا الزمان.
أيها المسلمون: الأكل من الأضحية والصدقة بالباقي أفضل من الصدقة بكل الأضحية؛ لأن من السنة الأكل من الأضحية ولو لقيمات، وهكذا نجد أن تكفير السيئات منصب على الصغائر؛ لأن الكبائر تحتاج إلى توبة خاصة، ونجده في كل حديث في غفر له يعني الصغائر، ولذلك لا بد من الانتباه للكبائر.
تعدد الأعمال وتعدد الأجور
ماذا تريد يا عبد الله من أنواع الأجور والميزات فهو موجود، تريد مغفرة الذنوب هناك أعمال لها، تريد نيل محبة الله هناك أعمال لها، تريد مرافقة النبي ﷺ والقرب منه فالذي يكفل يتيماً ويعول أرملة يكون بالقرب من النبي ﷺ في الجنة.
ثم ماذا تريد يا عبد الله من أنواع الأجور والميزات فهو موجود، تريد مغفرة الذنوب هناك أعمال لها، تريد نيل محبة الله هناك أعمال لها، تريد مرافقة النبي ﷺ والقرب منه فالذي يكفل يتيماً ويعول أرملة يكون بالقرب من النبي ﷺ في الجنة، هلا رأيت قضية استعراض النساء لاختيار الأجمل، من كظم غيظاً أنت تكون في الطريق في السيارة يعاكسك شخص، من كظم غيظاً ولو شاء أن ينفذه أنفذه ما عنده عجز يخيره الله من الحور العين يوم القيامة ما شاء، تكظم غيظاً عن خادم، عن سائق، عن مخطئ، عن إنسان تجاوز عليك، كظم غيظاً، هذه قضية اختيار الأجمل من النساء، تريد رفع المنزلة تواضع لله، تريد طول العمر وسعة الرزق صل رحمك، تريد أن تكون في حراسة الله صل الفجر، تريد أن تصلي عليك الملائكة صل على النبي ﷺ، انتظر في المسجد من المغرب إلى العشاء، رابط من صلاة إلى صلاة، الملائكة طيلة الوقت وأنت جالس تستغفر لك، تريد قصراً في الجنة اقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌسورة الإخلاص1عشر مرات يبنى لك قصر في الجنة، وهكذا تريد السلامة من حر النار والموقف أنظر معسراً، تريد العتق من النار ذب عن عرض أخيك في مجلس، كل شيء بمقابل، ما في أشياء تضيع عند الله فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُسورة الزلزلة8.
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، واجعلنا من أهله يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا الذنوب والسيئات، وكفر عنا الزلات، وضاعف لنا الحسنات، اللهم إنا نسألك أن تجعل أعمالنا خالصة لوجهك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك في يومنا هذا رحمة تلم بها شعثنا، وتغفر بها ذنبنا، وترفع بها شاهدنا، وتثقل بها موازيننا، وتغفر بها لموتانا، وتشفي بها مرضانا، وتهدي بها ضالنا، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم إنا نسألك المغفرة لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا عيباً إلا سترته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، يا أرحم الراحمين يا أكرم الأكرمين بلغنا رمضان وأعتقنا فيه من النيران، وأعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.