❞ “مفتاح العلاقات الإنسانية المستمرة هو النضج، تلك المرحلة التي تتجاوز فيها بهجة البداية، وتشفى من صدمة عيوب الطرف الآخر، مثل الإبحار تمامًا، فرح الابتعاد عن الشاطئ بقارب صغير، وتجاوز الأمواج الضخمة التي يضرب البحر ذلك القاربَ بها، حتى يستقر أخيرًا في هدوء المحيط.”. ❝ ⏤هيثم دبور
❞ مفتاح العلاقات الإنسانية المستمرة هو النضج، تلك المرحلة التي تتجاوز فيها بهجة البداية، وتشفى من صدمة عيوب الطرف الآخر، مثل الإبحار تمامًا، فرح الابتعاد عن الشاطئ بقارب صغير، وتجاوز الأمواج الضخمة التي يضرب البحر ذلك القاربَ بها، حتى يستقر أخيرًا في هدوء المحيط.”. ❝
❞ ..فنحن مازلنا مع الله لم يظهر فينا غيره .. هو الظاهر بأسمائه وأفعاله في كل شيء .. ولكن من وراء ستار الأسباب ومن خلف نقاب الكثرة ..
وبرغم هذه الكثرة فإنه لا إله إلا الله .. لا فعال سواه ، ولا شاف ولا رازق ولا نافع ولا ضار ولا محيى ولا مميت , ولا جبار ولا مهیمن غيره .. إنها ذاته الواحدة الفاعلة أبدا وأزلا ..
ألا تبدو الطاقة الكهربائية في كل مصباح بشكل مختلف حسب نوع الفتيل المعدني داخله ..
ألا تبدو الكهرباء في مصابيح النيون بألوان وتألقات متفاوتة ..
حسب نوع الغازات في تلك الأنابيب المفرغة ..
ما أشبهها جميعا بنفوسنا التي تختلف استعدادتها فتختلف أفعالها مع أن الفاعل فيها واحد ..
مجرد مثال
والدنيا كلها مثال رامز للقدرة قدرة الواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء وإذا رأيت هذا الواحد من وراء الكثرة وإذا أنت لم تعبأ بهذه الكثرة وشعرت بنفسك تتعامل طول الوقت وجها لوجه
مع الله فلم تر شافيا لك غيره برغم تعاطيك الدواء واستسلامك لمبضع الجراح ، وإذا رأيته هو الذي يطعمك ويسقيك وشعرت
بنفسك تأكل من يده وتشرب من يده برغم كثرة المشارب والمطاعم التي تتردد عليها ، وإذا نسيت نفسك ولم تر غيره فأنت
المسلم الموحد على وجه التحقيق ..
وإنما يأتي فساد الأعمال من تصور الواحد منا أنه يأتيها وحده .. كما تصور قارون أنه صاحب العلم وصاحب العمل وصاحب الفضل وقال مختالا وهو يتحدث عن ماله وجاهه :
« إنما أوتيته على علم عندى » ..(۷۸ - القصص) ..
فلم يرى غیر نفسه ولم يشهد غير علمه الذاتي ونسی أنه
لا يملك علما ذاتيا ولا قدرة ذاتية ، وإنما قدرته وعلمه وذكاؤه
كانت كلها هبات سيده وهذا هو الشرك الخفي .. حينما يصبح اله الواحد نفسه وهواه وملكاته ..
« أفرأيت من اتخذ إلهه هواه »..(۲۳ - الجاثية )
ولهذا يتبرأ العارفون عن أعمالهم الصالحة ويسندونها إلى الله وتوفيقه
وأكثر من هذا يتبرأ الواحد من إرادته الخيرة ومن نياته الطيبة ويرى انها من أفضال سيده .. ثم يتبرأ من نفسه التي بين
جنبيه .. وينسى ذاته .. ويشهد أنه لا يملك من نفسه إلا العدم
وأن كل ماله من الله .. ولا يعود يختار .. وإنما يشهد الله يختار له
في كل لحظة .. ثم لا يعود يشهد إلا الله في كل شيء .. فذلك
هو التوحيد الكامل .. وهذه هي لا إله إلا الله حينها تصبح حياة ..
ونری دعاء أبي الحسن الشاذلي في هذه الحالة من الوجد :
رب خذني إليك مني ، وارزقني الفناء عني ، ولا تجعلني مفتونا بنفسي ، محجوبا بحسي ..
ونقرأ في المواقف والمخاطبات للنفری
ما يقوله الله لعبده العارف « ألق الاختيار ألقى المساءلة البته »
فثواب مثل هذا التوحيد الكامل الذي يلقى فيه العبد اختياره ويأخذه باختيار الله في كل شيء .. هو المغفرة الكاملة
وعدم المحاسبة . يقول الله في حديثه القدسي إلى المذنب :
لو جئتني بملء قراب الأرض خطايا ولقيتني لا تشرك بي شيئا
لوجدت عندي ملء قراب الأرض مغفرة ..
فتلك ثمرة التوحيد ، وهذا ثواب كلمة
لا إله إلا الله ، إذا جعلها الواحد منا حياته وسلوكه ومنهجه ونبضه وتنفسه وذوب قلبه .. وهذا ما أراده القرآن الكريم بإسلام الوجه لله سبحانه
وتعالى . وهذا ما أراده رسولنا العظيم محمد عليه الصلاة والسلام ، حينها سأله أحدهم أن يوجز له الدين الذي تلقاه عن
ربه في كلمتين .. فقال كلمته الجامعة :
« قل لا إله إلا الله ثم استقم » ..
الملة الحنيفية ملة أبينا إبراهيم الذي لم يعرف لنفسه إلها ولا خالقا ولا رازقا ولا شافيا ولا منقذا إلا الله .. والذي ألقى به في النار وظهر له جبريل يسأله حاجته .. فقال له النبي
العارف الموحد. أما لك فلا ..
إنه في ساعة الخوف والهول والفزع لا يسأل أحدا إلا ربه ..
لأنه لا يرى أحدا يملك له شيئا حتى ولو كان كبير الملائكة الروح القدس نفسه .. فلا فاعل في الكون إلا الله .. ولا يملك
أحد أن ينفع أو يضر إلا بإذنه
وتلك مرتبة عرفانية لا يصل إليها إلا نبی
وهذا معنى التوحيد
. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ فنحن مازلنا مع الله لم يظهر فينا غيره . هو الظاهر بأسمائه وأفعاله في كل شيء . ولكن من وراء ستار الأسباب ومن خلف نقاب الكثرة .
وبرغم هذه الكثرة فإنه لا إله إلا الله . لا فعال سواه ، ولا شاف ولا رازق ولا نافع ولا ضار ولا محيى ولا مميت , ولا جبار ولا مهیمن غيره . إنها ذاته الواحدة الفاعلة أبدا وأزلا .
ألا تبدو الطاقة الكهربائية في كل مصباح بشكل مختلف حسب نوع الفتيل المعدني داخله .
ألا تبدو الكهرباء في مصابيح النيون بألوان وتألقات متفاوتة .
حسب نوع الغازات في تلك الأنابيب المفرغة .
ما أشبهها جميعا بنفوسنا التي تختلف استعدادتها فتختلف أفعالها مع أن الفاعل فيها واحد .
مجرد مثال
والدنيا كلها مثال رامز للقدرة قدرة الواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء وإذا رأيت هذا الواحد من وراء الكثرة وإذا أنت لم تعبأ بهذه الكثرة وشعرت بنفسك تتعامل طول الوقت وجها لوجه
مع الله فلم تر شافيا لك غيره برغم تعاطيك الدواء واستسلامك لمبضع الجراح ، وإذا رأيته هو الذي يطعمك ويسقيك وشعرت
بنفسك تأكل من يده وتشرب من يده برغم كثرة المشارب والمطاعم التي تتردد عليها ، وإذا نسيت نفسك ولم تر غيره فأنت
المسلم الموحد على وجه التحقيق .
وإنما يأتي فساد الأعمال من تصور الواحد منا أنه يأتيها وحده . كما تصور قارون أنه صاحب العلم وصاحب العمل وصاحب الفضل وقال مختالا وهو يتحدث عن ماله وجاهه :
« إنما أوتيته على علم عندى » .(۷۸ - القصص) .
فلم يرى غیر نفسه ولم يشهد غير علمه الذاتي ونسی أنه
لا يملك علما ذاتيا ولا قدرة ذاتية ، وإنما قدرته وعلمه وذكاؤه
كانت كلها هبات سيده وهذا هو الشرك الخفي . حينما يصبح اله الواحد نفسه وهواه وملكاته .
« أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ».(۲۳ - الجاثية )
ولهذا يتبرأ العارفون عن أعمالهم الصالحة ويسندونها إلى الله وتوفيقه
وأكثر من هذا يتبرأ الواحد من إرادته الخيرة ومن نياته الطيبة ويرى انها من أفضال سيده . ثم يتبرأ من نفسه التي بين
جنبيه . وينسى ذاته . ويشهد أنه لا يملك من نفسه إلا العدم
وأن كل ماله من الله . ولا يعود يختار . وإنما يشهد الله يختار له
في كل لحظة . ثم لا يعود يشهد إلا الله في كل شيء . فذلك
هو التوحيد الكامل . وهذه هي لا إله إلا الله حينها تصبح حياة .
ونری دعاء أبي الحسن الشاذلي في هذه الحالة من الوجد :
رب خذني إليك مني ، وارزقني الفناء عني ، ولا تجعلني مفتونا بنفسي ، محجوبا بحسي .
ونقرأ في المواقف والمخاطبات للنفری
ما يقوله الله لعبده العارف « ألق الاختيار ألقى المساءلة البته » فثواب مثل هذا التوحيد الكامل الذي يلقى فيه العبد اختياره ويأخذه باختيار الله في كل شيء . هو المغفرة الكاملة
وعدم المحاسبة . يقول الله في حديثه القدسي إلى المذنب :
لو جئتني بملء قراب الأرض خطايا ولقيتني لا تشرك بي شيئا
لوجدت عندي ملء قراب الأرض مغفرة .
فتلك ثمرة التوحيد ، وهذا ثواب كلمة
لا إله إلا الله ، إذا جعلها الواحد منا حياته وسلوكه ومنهجه ونبضه وتنفسه وذوب قلبه . وهذا ما أراده القرآن الكريم بإسلام الوجه لله سبحانه
وتعالى . وهذا ما أراده رسولنا العظيم محمد عليه الصلاة والسلام ، حينها سأله أحدهم أن يوجز له الدين الذي تلقاه عن
ربه في كلمتين . فقال كلمته الجامعة :
« قل لا إله إلا الله ثم استقم » .
الملة الحنيفية ملة أبينا إبراهيم الذي لم يعرف لنفسه إلها ولا خالقا ولا رازقا ولا شافيا ولا منقذا إلا الله . والذي ألقى به في النار وظهر له جبريل يسأله حاجته . فقال له النبي
العارف الموحد. أما لك فلا .
إنه في ساعة الخوف والهول والفزع لا يسأل أحدا إلا ربه .
لأنه لا يرى أحدا يملك له شيئا حتى ولو كان كبير الملائكة الروح القدس نفسه . فلا فاعل في الكون إلا الله . ولا يملك
أحد أن ينفع أو يضر إلا بإذنه
وتلك مرتبة عرفانية لا يصل إليها إلا نبی
وهذا معنى التوحيد. ❝
❞ حوار صحفي مع كاتباتنا المتألقة Kholood Ayman و الفائزة بمسابقة \"إرتجال على صورة \" 😍⭐️
⭐️الاسم: خلود أيمن علي .
⭐️العمر: ثلاثين عاماً .
⭐️البلد: المنصورة .
⭐️المحافظة: الدقهلية .
⭐️مجال الدراسة: كلية التجارة جامعة المنصورة ، شُعبة اللغة الإنجليزية ، قسم محاسبة .
⭐️الموهبة: الكتابة .
⭐️الحالة الاجتماعية : عزباء .
1💫 كيف بدأت رحلتك مع الموهبة ؟ و كيف قمتِ بتطويرها ؟
اكتشفت ميولي نحو الكتابة في مراحل الجامعة حيث تساعدني على تفريغ تلك الطاقة والإفضاء عمَّا بداخلي من مشاعر أو أفكار تؤرقني في بعض الأحيان ، فهي وسيلة لتخفيف الضغط والعبء الواقع على كاهلي أغلب الوقت ولا أَجِد أمراً آخر يُنفِّس عني سِواها ...
2💫ما أهم أعمالك؟ و كيف تتأكدين أن عملك دقيق ؟
لي الكثير من المقالات التي تُنشَر إلكترونياً بشكلٍ دوري وأحاول الاستمرار عليها وكأنها عملٌ يُثري حياتي ويُضفي عليها قيمةً ويُكسِبها بريقاً يُميِّزها ، أقوم بتدقيقه ومراجعته عشرات المرات قبل النشر النهائي للتَحقُّق من عدم وجود أي ثغرات أو أخطاء فيه سواء أكانت بسيطةً أو فادحةً ، فتلك المهمة هي ما تُسعِدني كثيراً ، ولي كتابان جرعات تنفس الذي صدر عام ٢٠٢١ وعلى مشارف الحلم الذي صدر عام ٢٠٢٣ وأتمنى أنْ يكون لي إنجاز قادم بمشيئة الله ...
3💫ماالذي تحبينه في نفسك ؟
إصراري على إنجاز أعمالي بمزيدٍ من الحِرص والدقة مهما كانت بسيطةً ومحاولة وضع أهداف بديلة كل فترة كي أتخلَّص من الملل الذي قد يتسلل لنفسي وقتما أشعر بالفراغ ذات لحظة ...
4💫 ماهي البيئة المناسبة للعمل بالنسبة لكِ؟
الهدوء الطاغي هو ما يمنحني القدرة على الإبداع ويُلهِمني بمزيدٍ من الأفكار المُميَّزة ...
5💫هل لديك مواهب أخرى؟
بالطبع لكل منا ملَكات ومواهب جمَّة ولكنها بحاجة إلى التنقيب والنبش في الأعماق كي يتمكن من التوصل إليها مهما بلغ من العُمر ، أما عني فأحب القراءة كثيراً فهي ما تُزيد من حصيلتي اللغوية وتُكسَبني المزيد من المعلومات التي لم أكُنْ على دراية بها من قَبْل كما توسع آفاقي ومداركي وتُزيد وعيي ...
6💫ماهي أهم إنجازاتك؟
كتاب \" جرعات تنفس \" وهو كتاب في التنمية الذاتية يُحِث المرء على محاربة الظروف من أجل الوصول لذورة النجاح الذي يتمناه مهما بلغت الصعوبات التي يُواجهها ، التقبُّل لمشاعره المتقلِّبة التي تُشكِّل شخصيته التي ستخوض الحياة في المستقبل دون محاولة اختزال إياها أو التملُّص منها ، محاولة اتخاذ القرار عقب المرور بمزيد من المراحل كي يتمكن المرء من القيام بهذا الأمر لحَاله دون الاعتماد على أحد حتى لا يضع المسئولية كاملةً عليه إنْ اكتشف عدم ملاءمة القرار لحياته وطبيعة شخصيته ، قيمة الرضا في حياة كل منا وكيف يحاول التمسك به دون النظر لما يَحوز الغير فهو على علم بأن كل شخص قد حظَى بنصيبه أربعة وعشرين قيراطاً دون انتقاص ،
كتاب \" على مشارف الحلم \" وهو كتاب اجتماعي يناقش العديد من القضايا الأساسية التي يجب أنْ تتوافر لدى المرء مهما كانت حالته المادية وعلى رأسها الصحة وكيفية الحفاظ عليها ومنحها قَدْرها المُستَحق الذي يمكِّننا من ممارسة الحياة دون أنْ نشعر بالعجز عن القيام بأي نشاط فيها من خلال توفير العناية والرعاية اللازمة للجميع حينما يداهمهم أي مرض فهذا حقٌ مشروع لا بد أنْ ينالوه من أجل حياة كريمة سالمة ، التعليم وكيف يمكن تطويره بالقَدْر الذي يجعل الجميع يصل للنجاح دون أنْ يعانوا بفِعل التغير المفاجئ الذي طرأ على طرق التعليم المعتادة التي ساروا عليها لسنوات طويلة والتي قد تسبِّب فشلاً زريعاً في مسيرتهم التعليمية أكثر ممَّا هي عليه ، التعسر المالي وكيف يمكن للمرء إدراك دوره في منظومة الإنفاق قبل أنْ تصبح عبئاً عليه بعدما يكون المسئول الأول عنها حينما يصير رباً للأسرة في المستقبل ، الفساد وكيف يمكن القضاء عليه إنْ بدأ المرء بإقصائه من داخله في المقام الأول قبل أنْ يفرض رأيه على الآخرين أو يحاول انتشالهم منه رُغماً عن إرادتهم والكثير من الموضوعات الحيوية الأخرى التي تَمِس حياة الجميع وتعبِّر عنهم بدقةٍ متناهية ...
ولي لقاء تلفزيوني تحدثت فيه عن محتوى كتابيّ وكذلك لقاء إذاعي وقد مكَّناني من طرح أفكاري أمام مزيد من الجماهير المتنوعة وكانا نقلة نوعية في حياتي بالفِعل ...
7💫مَنْ الشخص أو الجهة التي كانت لها الدور الأكبر في دعمك و تطوير موهبتك؟
الشخص الأول الذي آمن بي هي أمي وقد شجعتني كثيراً في بداية مشواري وساعدتني على نشر أفكاري في كل مكان ...
8💫هل واجهت صعوبات ؟
بالطبع ، وما زٍلت أعاني من بعض الصعوبات أهمها إيجاد الدَعم الذي يُحفِّزني على الاستمرار في تلك المسيرة وتقديم المزيد من الأفكار المتجددة التي قد تساهم في تغيير بعض الأمور في المجتمع ولو على المدى البعيد ...
9💫ماهي طموحاتك المستقبلية؟
أنْ تكون لي مؤسسة تساعد في دعم المواهب وتقديم يد العون لهم من أجل تعزيز تلك الملَكات التي حباهم الله إياها وتقديم النصح وتوجيههم لنقاط الضعف والقوة التي يملكونها من أجل تطوير أنفسهم بقدر الإمكان وهذا أمر قد يبدو صعباً نوعاً ما ولكنه غير مُحال ...
10💫كيف ترين دور المواهب الشابة في المجتمع ؟ و ماهي رسالتك لهم؟
لكل منهم هدف بالطبع لا يمكنني إدراكه أو دمجه في عبارة واحدة ولكن أُفضِّل أنْ يحاول كل منهم تحقيق هذا الهدف بالفِعل ، رسالتي لهم ألا يتوقف أي منهم عن البحث عن معنى أو قيمة لحياته بحيث لا يعيش أهوجاً دون أنْ يُقدِّم أي إنجاز يُفيد به ذاته أو المجتمع مَن حوله ...
11💫إذا عُرض عليك أنْ تكون/ي جزءاً من فريق جريدة \"النجوم\" في أي مجال تحب/ي أنْ تكون/ي :
أحبِّذ أنْ أعمل في مجال الصحافة كي أجري المزيد من الحوارات مع أي شخص مؤثر في المجتمع على أي صعيد كان ...
12💫ما هو رأيك في جريدة \"النجوم\" و دورها في دعم المواهب ؟
لها دورٌ فعال في اتقاد الحماس في نفوس الكثيرين عقب فترة ركود تصيب معظم البشر إنْ لم يَحظوا بالدعم المُرتقَب الذي يُحفِّزهم على المواصلة وذلك من خلال تلك المسابقات التي تُعِدَّها بين الفينة والأخرى والتي تكون بمثابة شعلة الطاقة التي تدفع الكتَّاب للتفكير العميق من أجل بث تلك النصوص للمتلقِّين بكل جَرأة وإقدام ...
. 13💫ما رأيك في المحررة التي قامت معك في الحوار ؟
شخصية راقية ستكون لها مكانة مرموقة في المستقبل القريب .... ❝ ⏤Kholoodayman1994 Saafan
❞ حوار صحفي مع كاتباتنا المتألقة Kholood Ayman و الفائزة بمسابقة ˝إرتجال على صورة ˝ 😍⭐️
⭐️الاسم: خلود أيمن علي .
⭐️العمر: ثلاثين عاماً .
⭐️البلد: المنصورة .
⭐️المحافظة: الدقهلية .
⭐️مجال الدراسة: كلية التجارة جامعة المنصورة ، شُعبة اللغة الإنجليزية ، قسم محاسبة .
⭐️الموهبة: الكتابة .
⭐️الحالة الاجتماعية : عزباء .
1💫 كيف بدأت رحلتك مع الموهبة ؟ و كيف قمتِ بتطويرها ؟
اكتشفت ميولي نحو الكتابة في مراحل الجامعة حيث تساعدني على تفريغ تلك الطاقة والإفضاء عمَّا بداخلي من مشاعر أو أفكار تؤرقني في بعض الأحيان ، فهي وسيلة لتخفيف الضغط والعبء الواقع على كاهلي أغلب الوقت ولا أَجِد أمراً آخر يُنفِّس عني سِواها ..
2💫ما أهم أعمالك؟ و كيف تتأكدين أن عملك دقيق ؟
لي الكثير من المقالات التي تُنشَر إلكترونياً بشكلٍ دوري وأحاول الاستمرار عليها وكأنها عملٌ يُثري حياتي ويُضفي عليها قيمةً ويُكسِبها بريقاً يُميِّزها ، أقوم بتدقيقه ومراجعته عشرات المرات قبل النشر النهائي للتَحقُّق من عدم وجود أي ثغرات أو أخطاء فيه سواء أكانت بسيطةً أو فادحةً ، فتلك المهمة هي ما تُسعِدني كثيراً ، ولي كتابان جرعات تنفس الذي صدر عام ٢٠٢١ وعلى مشارف الحلم الذي صدر عام ٢٠٢٣ وأتمنى أنْ يكون لي إنجاز قادم بمشيئة الله ..
3💫ماالذي تحبينه في نفسك ؟
إصراري على إنجاز أعمالي بمزيدٍ من الحِرص والدقة مهما كانت بسيطةً ومحاولة وضع أهداف بديلة كل فترة كي أتخلَّص من الملل الذي قد يتسلل لنفسي وقتما أشعر بالفراغ ذات لحظة ..
4💫 ماهي البيئة المناسبة للعمل بالنسبة لكِ؟
الهدوء الطاغي هو ما يمنحني القدرة على الإبداع ويُلهِمني بمزيدٍ من الأفكار المُميَّزة ..
5💫هل لديك مواهب أخرى؟
بالطبع لكل منا ملَكات ومواهب جمَّة ولكنها بحاجة إلى التنقيب والنبش في الأعماق كي يتمكن من التوصل إليها مهما بلغ من العُمر ، أما عني فأحب القراءة كثيراً فهي ما تُزيد من حصيلتي اللغوية وتُكسَبني المزيد من المعلومات التي لم أكُنْ على دراية بها من قَبْل كما توسع آفاقي ومداركي وتُزيد وعيي ..
6💫ماهي أهم إنجازاتك؟
كتاب ˝ جرعات تنفس ˝ وهو كتاب في التنمية الذاتية يُحِث المرء على محاربة الظروف من أجل الوصول لذورة النجاح الذي يتمناه مهما بلغت الصعوبات التي يُواجهها ، التقبُّل لمشاعره المتقلِّبة التي تُشكِّل شخصيته التي ستخوض الحياة في المستقبل دون محاولة اختزال إياها أو التملُّص منها ، محاولة اتخاذ القرار عقب المرور بمزيد من المراحل كي يتمكن المرء من القيام بهذا الأمر لحَاله دون الاعتماد على أحد حتى لا يضع المسئولية كاملةً عليه إنْ اكتشف عدم ملاءمة القرار لحياته وطبيعة شخصيته ، قيمة الرضا في حياة كل منا وكيف يحاول التمسك به دون النظر لما يَحوز الغير فهو على علم بأن كل شخص قد حظَى بنصيبه أربعة وعشرين قيراطاً دون انتقاص ،
كتاب ˝ على مشارف الحلم ˝ وهو كتاب اجتماعي يناقش العديد من القضايا الأساسية التي يجب أنْ تتوافر لدى المرء مهما كانت حالته المادية وعلى رأسها الصحة وكيفية الحفاظ عليها ومنحها قَدْرها المُستَحق الذي يمكِّننا من ممارسة الحياة دون أنْ نشعر بالعجز عن القيام بأي نشاط فيها من خلال توفير العناية والرعاية اللازمة للجميع حينما يداهمهم أي مرض فهذا حقٌ مشروع لا بد أنْ ينالوه من أجل حياة كريمة سالمة ، التعليم وكيف يمكن تطويره بالقَدْر الذي يجعل الجميع يصل للنجاح دون أنْ يعانوا بفِعل التغير المفاجئ الذي طرأ على طرق التعليم المعتادة التي ساروا عليها لسنوات طويلة والتي قد تسبِّب فشلاً زريعاً في مسيرتهم التعليمية أكثر ممَّا هي عليه ، التعسر المالي وكيف يمكن للمرء إدراك دوره في منظومة الإنفاق قبل أنْ تصبح عبئاً عليه بعدما يكون المسئول الأول عنها حينما يصير رباً للأسرة في المستقبل ، الفساد وكيف يمكن القضاء عليه إنْ بدأ المرء بإقصائه من داخله في المقام الأول قبل أنْ يفرض رأيه على الآخرين أو يحاول انتشالهم منه رُغماً عن إرادتهم والكثير من الموضوعات الحيوية الأخرى التي تَمِس حياة الجميع وتعبِّر عنهم بدقةٍ متناهية ..
ولي لقاء تلفزيوني تحدثت فيه عن محتوى كتابيّ وكذلك لقاء إذاعي وقد مكَّناني من طرح أفكاري أمام مزيد من الجماهير المتنوعة وكانا نقلة نوعية في حياتي بالفِعل ..
7💫مَنْ الشخص أو الجهة التي كانت لها الدور الأكبر في دعمك و تطوير موهبتك؟
الشخص الأول الذي آمن بي هي أمي وقد شجعتني كثيراً في بداية مشواري وساعدتني على نشر أفكاري في كل مكان ..
8💫هل واجهت صعوبات ؟
بالطبع ، وما زٍلت أعاني من بعض الصعوبات أهمها إيجاد الدَعم الذي يُحفِّزني على الاستمرار في تلك المسيرة وتقديم المزيد من الأفكار المتجددة التي قد تساهم في تغيير بعض الأمور في المجتمع ولو على المدى البعيد ..
9💫ماهي طموحاتك المستقبلية؟
أنْ تكون لي مؤسسة تساعد في دعم المواهب وتقديم يد العون لهم من أجل تعزيز تلك الملَكات التي حباهم الله إياها وتقديم النصح وتوجيههم لنقاط الضعف والقوة التي يملكونها من أجل تطوير أنفسهم بقدر الإمكان وهذا أمر قد يبدو صعباً نوعاً ما ولكنه غير مُحال ..
10💫كيف ترين دور المواهب الشابة في المجتمع ؟ و ماهي رسالتك لهم؟
لكل منهم هدف بالطبع لا يمكنني إدراكه أو دمجه في عبارة واحدة ولكن أُفضِّل أنْ يحاول كل منهم تحقيق هذا الهدف بالفِعل ، رسالتي لهم ألا يتوقف أي منهم عن البحث عن معنى أو قيمة لحياته بحيث لا يعيش أهوجاً دون أنْ يُقدِّم أي إنجاز يُفيد به ذاته أو المجتمع مَن حوله ..
11💫إذا عُرض عليك أنْ تكون/ي جزءاً من فريق جريدة ˝النجوم˝ في أي مجال تحب/ي أنْ تكون/ي :
أحبِّذ أنْ أعمل في مجال الصحافة كي أجري المزيد من الحوارات مع أي شخص مؤثر في المجتمع على أي صعيد كان ..
12💫ما هو رأيك في جريدة ˝النجوم˝ و دورها في دعم المواهب ؟
لها دورٌ فعال في اتقاد الحماس في نفوس الكثيرين عقب فترة ركود تصيب معظم البشر إنْ لم يَحظوا بالدعم المُرتقَب الذي يُحفِّزهم على المواصلة وذلك من خلال تلك المسابقات التي تُعِدَّها بين الفينة والأخرى والتي تكون بمثابة شعلة الطاقة التي تدفع الكتَّاب للتفكير العميق من أجل بث تلك النصوص للمتلقِّين بكل جَرأة وإقدام ..
. 13💫ما رأيك في المحررة التي قامت معك في الحوار ؟
شخصية راقية ستكون لها مكانة مرموقة في المستقبل القريب. ❝
❞ خطر لي ذات مساء أن أقوم ببحث في سراديب ذاكرتي .. فأرصد في ورقة كل ما أحفظه من أرقام ..
رقم الباسبور ورقم العربة ورقم الشقة ورقم البطاقة العائلية وتليفونات من أعرف من الأصدقاء والزملاء .. وتليفونات المصالح والجرائد .. وأرقام جدول الضرب التي أحفظها غيباً وعمليات الجمع والطرح والقسمة الأولية التي أعرفها بالبداهة .. وتواريخ ميلادي وميلاد أولادي .. وثوابت الرياضة والطبيعة مثل النسبة التقريبية وسرعة الضوء وسرعة الصوت ومجموع زوايا المثلث ودرجة غليان الماء .. وما تعلمته في كلية الطب عن نسبة سكر الدم وعدد الكريات الحمراء وعدد الكريات البيضاء وحجم الدم وسرعة النبض وسرعة التنفس وجرعات العقاقير ..
وفي لحظات تجمعت تحت يدي عدة صفحات من مئات الأرقام .. تداعت في ذهني ولمعت كالبرق وكأني حاسب إلكتروني .. وكان المشهد مذهلاً .
كيف أحفظ هذا الكم الهائل من الأعداد .. كل عدد يبلغ طوله ستة أو سبعة أرقام ؟
وأين تختفي هذه الأرقام في تلافيف المخ ؟
وكيف يتم استدعاؤها فتلمع في الوعي كالبرق الخاطف ؟
وبأي أسلوب تصطف هذه الأرقام في أعداد متمايزة .. كل عدد له مذكرة تفسيرية ملحقة به تشرح دلالته ومعناه ؟
وكيف تتراكم المئات والمئات من هذه الأرقام في ذاكرتنا ولا تختلط ولايطمس بعضها بعضاً؟
وغير الأرقام .. هناك الأسماء والإصطلاحات والكلمات .. والأشكال والوجوه .. تزدحم بها رأسنا . وهناك معالم الطبيعة التي طُفنا بها والأماكن التي زرناها .. وهناك الروائح .. ومع كل رائحة صورة لامرأة عرفناها أو مشهد نذكره ولواعج وأشواق وقصص وسيناريو من آلاف اللقطات .. وهناك الطعوم .. والنكهات .. يأتي الطعم في الفم فيسيل اللعاب شوقاً أو يتحرك الغثيان إشمئزازاً .. ومع كل طعم .. يجري شريط يحكي عن وليمة دسمة ذات يوم أو جرعة دواء مريرة ومرض طويل ممض وأوجاع أليمة .. حتى لمسة النسيم الحريرية ورائحة أصداف الشاطئ تحفظها لنا الذاكرة فتهب علينا لفحات الهواء الرطيب مع ذكراها وكأننا نعيشها من جديد .
حتى الأصوات والهمسات والوشوشات والصخَب والصراخ والضجيج والعويل والنشيج .
وفاصل من موسيقى ..
ومقطع من أغنية ..
ولطمة على وجه ..
وقرقعة عصاً على الظهر ..
وحشرجة ألم ..
كل هذا تحفظه الذاكرة وتسجله في دقة شديدة وأمانة .. ومعه بطاقة بالتاريخ والمناسبة وأسماء الأشخاص وظروف الواقعة ومحضر بالأقوال .. معجزة .. إسمها الذاكرة .
إن معنا رقيباً حقيقياً يكتب بالورقة والقلم كل دبة نمل في قلوبنا ؟
وما نتخيل أحياناً أننا نسيناه نكتشف أننا لم ننسه وأنه موجود يظهر لنا فجأة في لحظة استرخاء أو حلم أو بعد كأس أو في عيادة طبيب نفسي .. وأحياناً يظهر في زلة لسان أو خطأ إملائي .
لا شيء يُنسَى أبداً .. ولا شيء يضيع .. والماضي مكتوب بالفعل لحظة بلحظة ودقة قلب بدقة قلب .
والسؤال الكبير بل اللغز المحير هو .. أين توجد هذه الصور .. أين هذا الأرشيف السري ؟
وهو سؤال حاول أن يجيب عليه أكثر من عالِم وأكثر من فيلسوف .
الفلاسفة الماديون قالوا إن الذاكرة في المخ .. وإنها ليست أكثر من تغيرات كيميائية كهربائية تحدث لمادة المخ نتيجة الفعل العصبي للحوادث تماماً كما يحدث لشريط ريكوردر عند التسجيل .. وإن هذه اللفائف المسجلة تُحفَظ بالمخ وإنها تدور تلقائياً لحظة محاولة التذكر فتعيد ما كان .. في أمانة ودِقة .
الذاكرة مجرد نقش وحفر على مادة الخلايا .
ومصيرها أن تَبلَى وتتآكل كما تبلى النقوش وتتآكل وينتهي شأنها حينما ينتهي الإنسان بالموت وتتآكل خلاياه .
رأي مريح وسهل ولكنه أوقع أصحابه في مطلب لم يستطيعوا الخروج منه ..
فإذا كانت الذاكرة هي مجرد طارئ مادي يطرأ على مادة الخلايا فينبغي أن تتلف الذاكرة لأي تلف مادي مناظر في الخلايا المخية .. وينبغي أن يكون هناك توازٍ بين الحادثين .. كل نقص في ذاكرة معينة لا بد أن يقابله تلف في الخلايا المختصة المقابلة .. وهو أمر لا يشاهَد في إصابات المخ وأمراضه .. بل ما يشاهد هو العكس .
يصاب مركز الكلمات فلا تصاب ذاكرة الكلمات بأي تلف , وإنما الذي يحدث هو عاهة في النطق .. في الأداء الحركي للعضلات التي تنطق الكلمات . إن الموتور هو الذي يتلف بتلف الخلايا .. أما الذاكرة .. أما صورة الكلمات في الذهن فتظل سليمة .
♦♦ وهذا دليل على أن وظيفة المخ ليست الذاكرة ولا التذكر .
وإنما المخ هو مجرد سنترال يعطي التوصيلة .
هو مجرد أداة تُعَبّر به الكلمة عن نفسها في وسط مادي فتصبح صوتًا مسموعًا .. كما يفعل الراديو حينما يحوّل الموجة اللاسلكية إلى نبض كهربائي مسموع .. فإذا أصيب الراديو بعطل فلا يكون معنى هذا العطل أن تتعطل موجة الأثير .. وإنما فقط يحدث شلل في جهاز النطق في الراديو . أما الموجة فتظل سليمة على حالها يمكن أن يلتقطها راديو آخر سليم .
وهذا حال الذاكرة .. فهي صور وأفكار ورُؤى مستقلة مسكنها ومستقرها الروح وليس المخ ولا الجسد بحال .. وما المخ إلا وسيلة لنقل هذه الصور لتصبح كلمات منطوقة مسموعة في عالم ماديّ .
فإذا أصيب المخ بتلف .. يصاب النطق بالتلف ولا تصاب الذاكرة لأن الذاكرة حكمها حكم الروح ولا يجري عليها ما يجري على الجسد .
التوازي مفقود بين الإثنين مما يدل على أننا أمام مستويين (جسد .. وروح ) لا مستوى واحد إسمه المادة .
وفي حوادث النسيان المرحلي .. الذي تنسى فيه مرحلة زمنية بعينها ( وهو الموضوع المحبب عند مؤلفي السينما المصريين ) .. ينسى المصاب فترة زمنية بعينها فتُمحى تمامًا من وعيه وتكشط من ذاكرته .
وكان يتحتم تبعًا للنظرية المادية أن نعثر على تلف مخي جزئي مقابل ومناظر للفترة المنسية .
لكن من الملاحَظ أن أغلب تلك الحالات هي حالات صدمة نفسية عامة وليست تلفًا جزئيًا محددًا .
مرة أخرى نجد أن التوازي مفقود بين حجم الحادث وبين حجم التلف المادي .
وفي حالات التلف المادي الشديد للمخ نتيجة الكسور أو الإلتهابات أو النمو السرطاني , حينما يبدأ النسيان الكامل يلاحظ دائمًا أن هذا النسيان يتخذ نظامًا خاصًا فتُنسَى في البداية أسماء الأعلام وآخر ما يُنسَى هي الكلمات الدالة على الأفعال .
وهذا التسلسل المنتظم في النسيان في مقابل إصابة غير منتظمة .. وفي مقابل تلف مشوش أصاب المخ كيفما اتفق , هو مرة أخرى عدم توازٍ له معنى .. فهنا إصابة في الذاكرة لا علاقة لها من حيث المدى والكم والنظام بالإصابة المادية للمخ .
وهكذا تتحطم النظرية المادية للذاكرة على حائط مسدود .
ونجد أنفسنا أمام ظاهرة متعالية على الجسد وعلى خلايا المخ .
وسوف تموت وتتعفن الخلايا المخية وتظل الذاكرة شاخصة حية بتفصيلاتها ودقائقها تذكرنا في حياتنا الروحية الثانية بكل ما فعلناه .
ولم يكن الجسد إلا جهازاً تنفيذيّاً للفعل وللإفصاح عن النوايا في عالم الدنيا المادي .. كان مجرد أداة للروح ومطية لها .
لم يكن المخ إلا سنترالًا .. وكابلات توصيل .
وكل دوره هو أن يعطي التوصيلة من عالم الروح إلى عالم المادة أو كما يقول برجسون DONNER LA COMMUNICATION ....... يعطي الخط .
كابلات الأعصاب تنقل مكنون الروح وتحوله إلى نبض إلكتروني لتنطق به عضلات اللسان على الطرف الآخر .. كما يفعل الراديو بالموجة اللاسلكية ..
وهكذا نتبادل الكلام كأجساد في عالم مادي .. فإذا ماتت أجسادنا عدنا أرواحًا .. لنتذاكر ما فعلناه في دنيانا لحظة بلحظة حيث كل حرف وكل فعل مسجل .
بل إن هناك نظريات علمية تمضي لأكثر من هذا فترى أن التحصيل هو في ذاته عملية تذكر لعلم قديم مكنوز ومسطور في الروح .. وليس تعلماً من السبورة .. فنحن لا نكتشف أن 2 × 2 = 4 من عدم , وإنما نولد بها .. وكل ما نفعله أننا نتذكرها .. وكذلك بداهات الرياضة والهندسة والمنطق .. كلها بداهات نولد بها مكنوزة فينا .. وكل ما يحدث أننا نتذكرها .. تُذكِرنا بها الخبرة الدنيوية كل لحظة .
وبالمثل شخصيتنا .. نولد بها مسطورة في روحنا .. وكل ما يحدث أن الواقع الدنيوي يقدم المناسبات والملابسات والقالب المادي لتفصح هذه الشخصية عن خيرها وشرها .. فيسجل عليها فعلها .
والتسجيل هو الأمر الجديد الذي يتم في الدنيا .
الإنتقال من حالة النية إلى حالة التلبس .
وهذا ما تُعبِّر عنه الأديان بأن يحق القول على المذنب بعد الإبتلاء والإختبار في الدنيا .. فتحق عليه الضلالة وتلزمه رتبته .
وهو أمر قد سبق إليه علم الله .. علم الحصر لا علم الإلزام .. فالله لا يلزم أحداً بخطيئة ولا يقهره على شر .. وإنما كل واحد يتصرف على وفاق طبيعته الداخلية .. فعله هو ذاته .. وليس في ذلك أي معنى من معاني الجبر .. لأن هذه الطبيعة الداخلية هي التي نسميها أحيانًا الضمير وأحيانًا السريرة وأحيانًا الفؤاد .. ويسميها الله (( السر )) .
(( يعلم السر وأخفَى )) .
ونقول عنها في تعبيراتنا الشعبية عن الموت (( طلع السر الإلهي )) أي صعدت الروح إلى بارئها ..
هذا السر المطلسم هو ابتداء حر ومبادرة أعتقها الله من كل القيود ليكون فعلها هو ذاتها وليكون هواها دالاً عليها .
ومِن هنا لا يصح القول بالحتميات في المجال الإنساني أمثال حتمية الصراع الطبقي والجبرية التاريخية .. لأن الإنسان مجال حر وليس مسمارًا أو ترسًا في ماكينة .
وكما لا يمكن التنبؤ بما يأتي به الغد في حياة فرد فإنه يستحيل القول بالحتم أو الجبر في مجال المجتمعات والتاريخ .. وكل ما يمكن القول به هو الترجيح والإحتمال بناء على مقدمات إحصائية .. وهو ترجيح يخطئ ويصيب ويحدث فيه تفاوت في طرفيه .. فمعدل عمر الإنسان في إنجلترا مثلاً هو ستون سنة .. وهذا المعدل معدل إحصائي مأخوذ من متوسطات أرقام .. وهو غير ملزم بالنسبة للفرد , فقد يعيش فرد مثل برناردشو في إنجلترا أكثر من تسعين سنة ويتجاوز المعدل . وقد يموت في سن العشرين في حادثة . وقد يموت وهو طفل بمرضٍ معدٍ ..
ثم إن المعدل ذاته قابل للتذبذب من طرفيه صعودًا وهبوطًا من سنة لأخرى ..
فلا يصح القول بالحتمية والجَبر في هذا الموضوع .. ولا يجوز إخضاع المجال الإنساني سواء كان فرداً أو مجتمعاً أو تاريخاً لقالب نظري أو معادلة أو حسبة إحصائية أو فرض فلسفي .
إنما تأتي فكرة الحتمية الخاطئة من التصور الخاطئ للإنسان على أنه جسد بلا نفس وبلا روح وبلا عقل ..واعتبار النفس والعقل مجرد مجموعة الوظائف العليا للجهاز العصبي.
ومن الواقع المشاهد من خضوع الجسم للقوانين الفسيولوجية يستنتج المفكر المادي أن الإنسان والإنسانية بأسرها مغلولة في القوانين المادية.
وهكذا يجعل من الإنسان كتلة مادية أشبه بكتلة القمر محكومة في دورانه حول الأرض والشمس بالحتميات الفلكية.
وينسى أن الإنسان يعيش في مستويين.
مستوى الزمن الخارجي الموضوعي المادي .. زمن الساعة .. وفي هذا الزمن يرتبط بالمواعيد والضرورات الإجتماعية ويعيش في أَسر القوانين والحتميات .
ومستوى زمنه الخاص الداخلي .. زمن الشعور وزمن الحلم .. وفي هذا المستوى يعيش حياة حرة بالفعل .. فيفكر ويحلم ويبتكر ويخترع و يقف من كل المجتمع و التاريخ موقف الثورة .. بل يستطيع أن ينقل هذه الثورة الداخلية إلى فعل خارجي فيقلب المجتمع و يغير التاريخ من أساسه كما حدث في كل الثورات التقدمية .
هذه الثنائية هي صفة ينفرد بها الإنسان .
وهذه الحياة الداخلية الحرة يختص بها الإنسان دون الجماد
وهذه النفس التي يملكها تتصف بصفات مختلفة مغايرة لصفت الجماد .. فهنا نحن أمام وحدة لا امتداد لها في المكان ..
هي الـ (( أنا )) تتصف بالحضور والديمومة والشخوص والكينونة والمثول الدائم في الوعي .. ثم هي تفرض نفسها على الواقع الخارجي وتغيره .. وتفرض نفسها على الجسد وتحكمه وتقوده وتعلو على ضروراته .. فتفرض عليه الصوم والحرمان إختياراً .
بل قد تقوده إلى الموت فداء وتضحية ..
مثل هذه النفس لا يمكن أن تكون مجرد ناتج ثانوي من نواتج الجسد وذيلًا تابعًا له ومادة تطورت منه .. مثل هذه النظريات المادية لا تفسر لنا شيئًا .. وإنما لابد لنا أن نسلم أن هذه النفس عالية على الجسد متعالية عليه وأنها من جوهر مفارق لجوهر الجسد وحاكم عليه .. فهي في واقع الأمر تستخدم الجسد كأداة لأغراضها ومطية لأهدافها كما يستخدم العقل المخ مجرد توصيلة أو سنترال .
ولا بد أن يتداعى إلى ذهننا الإحتمال البديهي من أن هذه النفس لا يمكن أن يجري عليها ما يجري على الجسد من موت وتآكل وتعفن بحكم جوهرها الذي تشعر به متصفًا بالحضور والديمومة والشخوص في الوعي طوال الوقت .. فلا تتآكل كما يتآكل الجسد ولا هي تقع كما يقع الشعر ولا هي تبلى كما تبلى الأسنان .
وإنه لأمر بديهي تمامًا أن نتصور بقاءها بعد الموت .
فإذا نحن تأملنا ما يصاحب أفعالنا من تردد قبل اختيار القرار ثم شعور بالمسئولية في أثناء العمل ثم ندم أو راحة بعد تمامه .. فنحن نستنتج أننا أمام حالة مراقبة فطرية وفكرة ملحة بالحساب وبأن هناك خطأ وصوابًا . وإننا نعلم بداهةً وبالفطرة التي ولدنا بها أن العدل والنظام هو ناموس الوجود .. وأن المسئولية هي القاعدة .
ويفترض لنا هذا الشعور الفطري القهري أن الظالم الذي أفلت من عقاب الأرض .. والقاتل الذي أفلت من محاسبة القانون البري الأرضي .. لابد أن يعاقَب ويحاسَب .. لأن العالم الذي نعيش فيه يفصح عن النظام والإنضباط من أصغر ذرة إلى أكبر فلك .. والعبث غير موجود إلا في عقولنا وأحكامنا المنحرفة .
وفكرة العدل والنظام وضرورة العدل عالم آخر يتم فيه العدل والنظام والمحاسبة .
كل هذا علم نولد به .. وحقيقة تقول بها الفطرة والبداهة .
ولا غرابة في أن يعترف مفكر غربي ألماني وهو (( عمانويل كانت )) بهذه الحقيقة في كتابة (( نقد العقل العلمي )) .
ولا غرابة في أن يصل إلى هذه النتيجة السليمة دون أن يقرأ قرآنًا .
إنها الفطرة والبداهة التي تقوم عليها جميع العلوم .
ولا حاجة لأن يقرأ العقل السليم الكتاب المقدس ليكتشف أن له روحًا و أن له حياة بعد الموت و أن هناك حساباًَ .. فالفطرة السليمة تضيء لصاحبها الطريق إلى هذه الحقائق .
وهذا العلم الذي نولد به .. وهذه البداهة التي نولد بها .. تقوم شاهدة على جميع العلوم المكتسبة وملزمة لها .. فجميع العلوم المكتسبة يجوز فيها الخطأ والصواب .. أما العلم الذي نولد به فهو جزء من نظام الكون المحكم .. وهو الحقيقة الأولى التي نعمل على ضوئها نرى جميع الحقائق الفرعية .. وهي المعيار والمقياس .. وإذا فسد المعيار فسد كل شيء وأصبح كل شيء عبثًا في عبث وهو أمر غير صحيح .
وإذا اتهمنا بالبداهة فإن جميع العلوم والمعارف سوف ينسحب عليها الإتهام وسوف تنهدم لأنها تقوم أصلاً على البداهات .
فنحن هنا أمام أصل من أصول المعرفة ومرجع لا يجوز الشك فيه ( لأن هذا المرجع شأنه شأن الحياة ذاتها ) نحن أمام متن هو لحم المعرفة ودمها . وكما نأتي إلى الحياة مزودين بعضلات لنتحرك بها وندافع عن أنفسنا كذلك نولد مزودين بالبداهات الأولى لنحتكم إليها في إدراك الحق من الباطل والصواب من الخطأ .
وأعلى درجات المعرفة هي ما يأتيك من داخلك , فأنت تستطيع أن تدرك وضعك ( هل أنت واقف أو جالس أو راقد ) دون أن تنظر إلى نفسك .. يأتيك هذا الإدراك وأنت مغمض العينين .. يأتيك من داخلك .. وتقوم هذه المعرفة حجة على أية مشاهدة .
وحينما تقول .. أنا سعيد .. أنا شقيّ .. أنا أتألم .. فكلامك يقوم حجة بالغة ولا يجوز تكذيبه بحجة منطقية .. بل إن تناول هذا الأمر بالمنطق هو تنطع ولجاجة لا معنى لها .. فلا أحد أعرف بحال نفسك من نفسك ذاتها .
وبالمثل شهادة الفطرة وحكم البداهة هي حجة على أعلى مستوى .. وحينما تقول الفطرة والبداهة مؤيدة بالعلم والفكر والتأمل حينما تقول بوجود الروح والنفس .. وبالحرية وبالمسئولية والمحاسبة , وحينما توحي بالتصرف على أساس أن في الكون نظامًا .. فنحن هنا أمام حجة على أعلى مستوى من اليقين .
وهو يقين مثل يقين العيَان أو أكثر .. فالفطرة عضو مثل العين نولد به .
وهو يقين أعلى من يقين العلم .. لأن الصدق العلمي هو صدق إحصائي والنظريات العلمية تُستنتَج من متوسطات الأرقام .. أما حكم البداهة فله صفة القطع والإطلاق
2 × 2 = 4 هي حقيقة مطلقة صادقة صدقًا مطلقًا , لا يجوز عليها ما يجوز من نسخ وتطور وتغير في نظريات العلم لأنها مقبولة بديهية .
1 + 1 = 2 مسألة لا تقبل الشك لأنها حقيقة ألقتها إلينا الفطرة من داخلنا وأوحت بها البداهة .
وهي معرفة أولى جاءت إلينا مع شهادة الميلاد .
لو أدرك الإنسان هذا لأراح واستراح .. ولوفّر على نفسه كثيراً من الجدل والشقشقة والسفسطة والمكابرة في مسألة الروح والجسد .. والعقل والمخ .. والحرية والجبر .. والمسئولية والحساب .. ولاكتفى بالإصغاء إلى ما تهمس به فطرته وما يُفتي به قلبه وما تشير به بصيرته .
وذرة من الإخلاص أفضل من قناطير من الكتب .
لنصغي إلى صوت نفوسنا وهمس بصائرنا في إخلاص شديد دون محاولة تشويه ذلك الصوت البكر بحبائل المنطق وشراك الحجج .
وعلى من يشك في كلامي .. وعلى هواة الجدل والنقاش والمقارعة المنطقية أن يعودوا فيقرأوا مقالي من أوله .
..
مقال / الروح
من كتاب : رحلتي من الشك إلى الإيمان
للدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ خطر لي ذات مساء أن أقوم ببحث في سراديب ذاكرتي . فأرصد في ورقة كل ما أحفظه من أرقام .
رقم الباسبور ورقم العربة ورقم الشقة ورقم البطاقة العائلية وتليفونات من أعرف من الأصدقاء والزملاء . وتليفونات المصالح والجرائد . وأرقام جدول الضرب التي أحفظها غيباً وعمليات الجمع والطرح والقسمة الأولية التي أعرفها بالبداهة . وتواريخ ميلادي وميلاد أولادي . وثوابت الرياضة والطبيعة مثل النسبة التقريبية وسرعة الضوء وسرعة الصوت ومجموع زوايا المثلث ودرجة غليان الماء . وما تعلمته في كلية الطب عن نسبة سكر الدم وعدد الكريات الحمراء وعدد الكريات البيضاء وحجم الدم وسرعة النبض وسرعة التنفس وجرعات العقاقير .
وفي لحظات تجمعت تحت يدي عدة صفحات من مئات الأرقام . تداعت في ذهني ولمعت كالبرق وكأني حاسب إلكتروني . وكان المشهد مذهلاً .
كيف أحفظ هذا الكم الهائل من الأعداد . كل عدد يبلغ طوله ستة أو سبعة أرقام ؟
وأين تختفي هذه الأرقام في تلافيف المخ ؟
وكيف يتم استدعاؤها فتلمع في الوعي كالبرق الخاطف ؟
وبأي أسلوب تصطف هذه الأرقام في أعداد متمايزة . كل عدد له مذكرة تفسيرية ملحقة به تشرح دلالته ومعناه ؟
وكيف تتراكم المئات والمئات من هذه الأرقام في ذاكرتنا ولا تختلط ولايطمس بعضها بعضاً؟
وغير الأرقام . هناك الأسماء والإصطلاحات والكلمات . والأشكال والوجوه . تزدحم بها رأسنا . وهناك معالم الطبيعة التي طُفنا بها والأماكن التي زرناها . وهناك الروائح . ومع كل رائحة صورة لامرأة عرفناها أو مشهد نذكره ولواعج وأشواق وقصص وسيناريو من آلاف اللقطات . وهناك الطعوم . والنكهات . يأتي الطعم في الفم فيسيل اللعاب شوقاً أو يتحرك الغثيان إشمئزازاً . ومع كل طعم . يجري شريط يحكي عن وليمة دسمة ذات يوم أو جرعة دواء مريرة ومرض طويل ممض وأوجاع أليمة . حتى لمسة النسيم الحريرية ورائحة أصداف الشاطئ تحفظها لنا الذاكرة فتهب علينا لفحات الهواء الرطيب مع ذكراها وكأننا نعيشها من جديد .
حتى الأصوات والهمسات والوشوشات والصخَب والصراخ والضجيج والعويل والنشيج .
وفاصل من موسيقى .
ومقطع من أغنية .
ولطمة على وجه .
وقرقعة عصاً على الظهر .
وحشرجة ألم .
كل هذا تحفظه الذاكرة وتسجله في دقة شديدة وأمانة . ومعه بطاقة بالتاريخ والمناسبة وأسماء الأشخاص وظروف الواقعة ومحضر بالأقوال . معجزة . إسمها الذاكرة .
إن معنا رقيباً حقيقياً يكتب بالورقة والقلم كل دبة نمل في قلوبنا ؟
وما نتخيل أحياناً أننا نسيناه نكتشف أننا لم ننسه وأنه موجود يظهر لنا فجأة في لحظة استرخاء أو حلم أو بعد كأس أو في عيادة طبيب نفسي . وأحياناً يظهر في زلة لسان أو خطأ إملائي .
لا شيء يُنسَى أبداً . ولا شيء يضيع . والماضي مكتوب بالفعل لحظة بلحظة ودقة قلب بدقة قلب .
والسؤال الكبير بل اللغز المحير هو . أين توجد هذه الصور . أين هذا الأرشيف السري ؟
وهو سؤال حاول أن يجيب عليه أكثر من عالِم وأكثر من فيلسوف .
الفلاسفة الماديون قالوا إن الذاكرة في المخ . وإنها ليست أكثر من تغيرات كيميائية كهربائية تحدث لمادة المخ نتيجة الفعل العصبي للحوادث تماماً كما يحدث لشريط ريكوردر عند التسجيل . وإن هذه اللفائف المسجلة تُحفَظ بالمخ وإنها تدور تلقائياً لحظة محاولة التذكر فتعيد ما كان . في أمانة ودِقة .
الذاكرة مجرد نقش وحفر على مادة الخلايا .
ومصيرها أن تَبلَى وتتآكل كما تبلى النقوش وتتآكل وينتهي شأنها حينما ينتهي الإنسان بالموت وتتآكل خلاياه .
رأي مريح وسهل ولكنه أوقع أصحابه في مطلب لم يستطيعوا الخروج منه .
فإذا كانت الذاكرة هي مجرد طارئ مادي يطرأ على مادة الخلايا فينبغي أن تتلف الذاكرة لأي تلف مادي مناظر في الخلايا المخية . وينبغي أن يكون هناك توازٍ بين الحادثين . كل نقص في ذاكرة معينة لا بد أن يقابله تلف في الخلايا المختصة المقابلة . وهو أمر لا يشاهَد في إصابات المخ وأمراضه . بل ما يشاهد هو العكس .
يصاب مركز الكلمات فلا تصاب ذاكرة الكلمات بأي تلف , وإنما الذي يحدث هو عاهة في النطق . في الأداء الحركي للعضلات التي تنطق الكلمات . إن الموتور هو الذي يتلف بتلف الخلايا . أما الذاكرة . أما صورة الكلمات في الذهن فتظل سليمة .
♦♦ وهذا دليل على أن وظيفة المخ ليست الذاكرة ولا التذكر .
وإنما المخ هو مجرد سنترال يعطي التوصيلة .
هو مجرد أداة تُعَبّر به الكلمة عن نفسها في وسط مادي فتصبح صوتًا مسموعًا . كما يفعل الراديو حينما يحوّل الموجة اللاسلكية إلى نبض كهربائي مسموع . فإذا أصيب الراديو بعطل فلا يكون معنى هذا العطل أن تتعطل موجة الأثير . وإنما فقط يحدث شلل في جهاز النطق في الراديو . أما الموجة فتظل سليمة على حالها يمكن أن يلتقطها راديو آخر سليم .
وهذا حال الذاكرة . فهي صور وأفكار ورُؤى مستقلة مسكنها ومستقرها الروح وليس المخ ولا الجسد بحال . وما المخ إلا وسيلة لنقل هذه الصور لتصبح كلمات منطوقة مسموعة في عالم ماديّ .
فإذا أصيب المخ بتلف . يصاب النطق بالتلف ولا تصاب الذاكرة لأن الذاكرة حكمها حكم الروح ولا يجري عليها ما يجري على الجسد .
التوازي مفقود بين الإثنين مما يدل على أننا أمام مستويين (جسد . وروح ) لا مستوى واحد إسمه المادة .
وفي حوادث النسيان المرحلي . الذي تنسى فيه مرحلة زمنية بعينها ( وهو الموضوع المحبب عند مؤلفي السينما المصريين ) . ينسى المصاب فترة زمنية بعينها فتُمحى تمامًا من وعيه وتكشط من ذاكرته .
وكان يتحتم تبعًا للنظرية المادية أن نعثر على تلف مخي جزئي مقابل ومناظر للفترة المنسية .
لكن من الملاحَظ أن أغلب تلك الحالات هي حالات صدمة نفسية عامة وليست تلفًا جزئيًا محددًا .
مرة أخرى نجد أن التوازي مفقود بين حجم الحادث وبين حجم التلف المادي .
وفي حالات التلف المادي الشديد للمخ نتيجة الكسور أو الإلتهابات أو النمو السرطاني , حينما يبدأ النسيان الكامل يلاحظ دائمًا أن هذا النسيان يتخذ نظامًا خاصًا فتُنسَى في البداية أسماء الأعلام وآخر ما يُنسَى هي الكلمات الدالة على الأفعال .
وهذا التسلسل المنتظم في النسيان في مقابل إصابة غير منتظمة . وفي مقابل تلف مشوش أصاب المخ كيفما اتفق , هو مرة أخرى عدم توازٍ له معنى . فهنا إصابة في الذاكرة لا علاقة لها من حيث المدى والكم والنظام بالإصابة المادية للمخ .
وهكذا تتحطم النظرية المادية للذاكرة على حائط مسدود .
ونجد أنفسنا أمام ظاهرة متعالية على الجسد وعلى خلايا المخ .
وسوف تموت وتتعفن الخلايا المخية وتظل الذاكرة شاخصة حية بتفصيلاتها ودقائقها تذكرنا في حياتنا الروحية الثانية بكل ما فعلناه .
ولم يكن الجسد إلا جهازاً تنفيذيّاً للفعل وللإفصاح عن النوايا في عالم الدنيا المادي . كان مجرد أداة للروح ومطية لها .
لم يكن المخ إلا سنترالًا . وكابلات توصيل .
وكل دوره هو أن يعطي التوصيلة من عالم الروح إلى عالم المادة أو كما يقول برجسون DONNER LA COMMUNICATION .... يعطي الخط .
كابلات الأعصاب تنقل مكنون الروح وتحوله إلى نبض إلكتروني لتنطق به عضلات اللسان على الطرف الآخر . كما يفعل الراديو بالموجة اللاسلكية .
وهكذا نتبادل الكلام كأجساد في عالم مادي . فإذا ماتت أجسادنا عدنا أرواحًا . لنتذاكر ما فعلناه في دنيانا لحظة بلحظة حيث كل حرف وكل فعل مسجل .
بل إن هناك نظريات علمية تمضي لأكثر من هذا فترى أن التحصيل هو في ذاته عملية تذكر لعلم قديم مكنوز ومسطور في الروح . وليس تعلماً من السبورة . فنحن لا نكتشف أن 2 × 2 = 4 من عدم , وإنما نولد بها . وكل ما نفعله أننا نتذكرها . وكذلك بداهات الرياضة والهندسة والمنطق . كلها بداهات نولد بها مكنوزة فينا . وكل ما يحدث أننا نتذكرها . تُذكِرنا بها الخبرة الدنيوية كل لحظة .
وبالمثل شخصيتنا . نولد بها مسطورة في روحنا . وكل ما يحدث أن الواقع الدنيوي يقدم المناسبات والملابسات والقالب المادي لتفصح هذه الشخصية عن خيرها وشرها . فيسجل عليها فعلها .
والتسجيل هو الأمر الجديد الذي يتم في الدنيا .
الإنتقال من حالة النية إلى حالة التلبس .
وهذا ما تُعبِّر عنه الأديان بأن يحق القول على المذنب بعد الإبتلاء والإختبار في الدنيا . فتحق عليه الضلالة وتلزمه رتبته .
وهو أمر قد سبق إليه علم الله . علم الحصر لا علم الإلزام . فالله لا يلزم أحداً بخطيئة ولا يقهره على شر . وإنما كل واحد يتصرف على وفاق طبيعته الداخلية . فعله هو ذاته . وليس في ذلك أي معنى من معاني الجبر . لأن هذه الطبيعة الداخلية هي التي نسميها أحيانًا الضمير وأحيانًا السريرة وأحيانًا الفؤاد . ويسميها الله (( السر )) .
(( يعلم السر وأخفَى )) .
ونقول عنها في تعبيراتنا الشعبية عن الموت (( طلع السر الإلهي )) أي صعدت الروح إلى بارئها .
هذا السر المطلسم هو ابتداء حر ومبادرة أعتقها الله من كل القيود ليكون فعلها هو ذاتها وليكون هواها دالاً عليها .
ومِن هنا لا يصح القول بالحتميات في المجال الإنساني أمثال حتمية الصراع الطبقي والجبرية التاريخية . لأن الإنسان مجال حر وليس مسمارًا أو ترسًا في ماكينة .
وكما لا يمكن التنبؤ بما يأتي به الغد في حياة فرد فإنه يستحيل القول بالحتم أو الجبر في مجال المجتمعات والتاريخ . وكل ما يمكن القول به هو الترجيح والإحتمال بناء على مقدمات إحصائية . وهو ترجيح يخطئ ويصيب ويحدث فيه تفاوت في طرفيه . فمعدل عمر الإنسان في إنجلترا مثلاً هو ستون سنة . وهذا المعدل معدل إحصائي مأخوذ من متوسطات أرقام . وهو غير ملزم بالنسبة للفرد , فقد يعيش فرد مثل برناردشو في إنجلترا أكثر من تسعين سنة ويتجاوز المعدل . وقد يموت في سن العشرين في حادثة . وقد يموت وهو طفل بمرضٍ معدٍ .
ثم إن المعدل ذاته قابل للتذبذب من طرفيه صعودًا وهبوطًا من سنة لأخرى .
فلا يصح القول بالحتمية والجَبر في هذا الموضوع . ولا يجوز إخضاع المجال الإنساني سواء كان فرداً أو مجتمعاً أو تاريخاً لقالب نظري أو معادلة أو حسبة إحصائية أو فرض فلسفي .
إنما تأتي فكرة الحتمية الخاطئة من التصور الخاطئ للإنسان على أنه جسد بلا نفس وبلا روح وبلا عقل .واعتبار النفس والعقل مجرد مجموعة الوظائف العليا للجهاز العصبي.
ومن الواقع المشاهد من خضوع الجسم للقوانين الفسيولوجية يستنتج المفكر المادي أن الإنسان والإنسانية بأسرها مغلولة في القوانين المادية.
وهكذا يجعل من الإنسان كتلة مادية أشبه بكتلة القمر محكومة في دورانه حول الأرض والشمس بالحتميات الفلكية.
وينسى أن الإنسان يعيش في مستويين.
مستوى الزمن الخارجي الموضوعي المادي . زمن الساعة . وفي هذا الزمن يرتبط بالمواعيد والضرورات الإجتماعية ويعيش في أَسر القوانين والحتميات .
ومستوى زمنه الخاص الداخلي . زمن الشعور وزمن الحلم . وفي هذا المستوى يعيش حياة حرة بالفعل . فيفكر ويحلم ويبتكر ويخترع و يقف من كل المجتمع و التاريخ موقف الثورة . بل يستطيع أن ينقل هذه الثورة الداخلية إلى فعل خارجي فيقلب المجتمع و يغير التاريخ من أساسه كما حدث في كل الثورات التقدمية .
هذه الثنائية هي صفة ينفرد بها الإنسان .
وهذه الحياة الداخلية الحرة يختص بها الإنسان دون الجماد
وهذه النفس التي يملكها تتصف بصفات مختلفة مغايرة لصفت الجماد . فهنا نحن أمام وحدة لا امتداد لها في المكان .
هي الـ (( أنا )) تتصف بالحضور والديمومة والشخوص والكينونة والمثول الدائم في الوعي . ثم هي تفرض نفسها على الواقع الخارجي وتغيره . وتفرض نفسها على الجسد وتحكمه وتقوده وتعلو على ضروراته . فتفرض عليه الصوم والحرمان إختياراً .
بل قد تقوده إلى الموت فداء وتضحية .
مثل هذه النفس لا يمكن أن تكون مجرد ناتج ثانوي من نواتج الجسد وذيلًا تابعًا له ومادة تطورت منه . مثل هذه النظريات المادية لا تفسر لنا شيئًا . وإنما لابد لنا أن نسلم أن هذه النفس عالية على الجسد متعالية عليه وأنها من جوهر مفارق لجوهر الجسد وحاكم عليه . فهي في واقع الأمر تستخدم الجسد كأداة لأغراضها ومطية لأهدافها كما يستخدم العقل المخ مجرد توصيلة أو سنترال .
ولا بد أن يتداعى إلى ذهننا الإحتمال البديهي من أن هذه النفس لا يمكن أن يجري عليها ما يجري على الجسد من موت وتآكل وتعفن بحكم جوهرها الذي تشعر به متصفًا بالحضور والديمومة والشخوص في الوعي طوال الوقت . فلا تتآكل كما يتآكل الجسد ولا هي تقع كما يقع الشعر ولا هي تبلى كما تبلى الأسنان .
وإنه لأمر بديهي تمامًا أن نتصور بقاءها بعد الموت .
فإذا نحن تأملنا ما يصاحب أفعالنا من تردد قبل اختيار القرار ثم شعور بالمسئولية في أثناء العمل ثم ندم أو راحة بعد تمامه . فنحن نستنتج أننا أمام حالة مراقبة فطرية وفكرة ملحة بالحساب وبأن هناك خطأ وصوابًا . وإننا نعلم بداهةً وبالفطرة التي ولدنا بها أن العدل والنظام هو ناموس الوجود . وأن المسئولية هي القاعدة .
ويفترض لنا هذا الشعور الفطري القهري أن الظالم الذي أفلت من عقاب الأرض . والقاتل الذي أفلت من محاسبة القانون البري الأرضي . لابد أن يعاقَب ويحاسَب . لأن العالم الذي نعيش فيه يفصح عن النظام والإنضباط من أصغر ذرة إلى أكبر فلك . والعبث غير موجود إلا في عقولنا وأحكامنا المنحرفة .
وفكرة العدل والنظام وضرورة العدل عالم آخر يتم فيه العدل والنظام والمحاسبة .
كل هذا علم نولد به . وحقيقة تقول بها الفطرة والبداهة .
ولا غرابة في أن يعترف مفكر غربي ألماني وهو (( عمانويل كانت )) بهذه الحقيقة في كتابة (( نقد العقل العلمي )) .
ولا غرابة في أن يصل إلى هذه النتيجة السليمة دون أن يقرأ قرآنًا .
إنها الفطرة والبداهة التي تقوم عليها جميع العلوم .
ولا حاجة لأن يقرأ العقل السليم الكتاب المقدس ليكتشف أن له روحًا و أن له حياة بعد الموت و أن هناك حساباًَ . فالفطرة السليمة تضيء لصاحبها الطريق إلى هذه الحقائق .
وهذا العلم الذي نولد به . وهذه البداهة التي نولد بها . تقوم شاهدة على جميع العلوم المكتسبة وملزمة لها . فجميع العلوم المكتسبة يجوز فيها الخطأ والصواب . أما العلم الذي نولد به فهو جزء من نظام الكون المحكم . وهو الحقيقة الأولى التي نعمل على ضوئها نرى جميع الحقائق الفرعية . وهي المعيار والمقياس . وإذا فسد المعيار فسد كل شيء وأصبح كل شيء عبثًا في عبث وهو أمر غير صحيح .
وإذا اتهمنا بالبداهة فإن جميع العلوم والمعارف سوف ينسحب عليها الإتهام وسوف تنهدم لأنها تقوم أصلاً على البداهات .
فنحن هنا أمام أصل من أصول المعرفة ومرجع لا يجوز الشك فيه ( لأن هذا المرجع شأنه شأن الحياة ذاتها ) نحن أمام متن هو لحم المعرفة ودمها . وكما نأتي إلى الحياة مزودين بعضلات لنتحرك بها وندافع عن أنفسنا كذلك نولد مزودين بالبداهات الأولى لنحتكم إليها في إدراك الحق من الباطل والصواب من الخطأ .
وأعلى درجات المعرفة هي ما يأتيك من داخلك , فأنت تستطيع أن تدرك وضعك ( هل أنت واقف أو جالس أو راقد ) دون أن تنظر إلى نفسك . يأتيك هذا الإدراك وأنت مغمض العينين . يأتيك من داخلك . وتقوم هذه المعرفة حجة على أية مشاهدة .
وحينما تقول . أنا سعيد . أنا شقيّ . أنا أتألم . فكلامك يقوم حجة بالغة ولا يجوز تكذيبه بحجة منطقية . بل إن تناول هذا الأمر بالمنطق هو تنطع ولجاجة لا معنى لها . فلا أحد أعرف بحال نفسك من نفسك ذاتها .
وبالمثل شهادة الفطرة وحكم البداهة هي حجة على أعلى مستوى . وحينما تقول الفطرة والبداهة مؤيدة بالعلم والفكر والتأمل حينما تقول بوجود الروح والنفس . وبالحرية وبالمسئولية والمحاسبة , وحينما توحي بالتصرف على أساس أن في الكون نظامًا . فنحن هنا أمام حجة على أعلى مستوى من اليقين .
وهو يقين مثل يقين العيَان أو أكثر . فالفطرة عضو مثل العين نولد به .
وهو يقين أعلى من يقين العلم . لأن الصدق العلمي هو صدق إحصائي والنظريات العلمية تُستنتَج من متوسطات الأرقام . أما حكم البداهة فله صفة القطع والإطلاق
2 × 2 = 4 هي حقيقة مطلقة صادقة صدقًا مطلقًا , لا يجوز عليها ما يجوز من نسخ وتطور وتغير في نظريات العلم لأنها مقبولة بديهية .
1 + 1 = 2 مسألة لا تقبل الشك لأنها حقيقة ألقتها إلينا الفطرة من داخلنا وأوحت بها البداهة .
وهي معرفة أولى جاءت إلينا مع شهادة الميلاد .
لو أدرك الإنسان هذا لأراح واستراح . ولوفّر على نفسه كثيراً من الجدل والشقشقة والسفسطة والمكابرة في مسألة الروح والجسد . والعقل والمخ . والحرية والجبر . والمسئولية والحساب . ولاكتفى بالإصغاء إلى ما تهمس به فطرته وما يُفتي به قلبه وما تشير به بصيرته .
وذرة من الإخلاص أفضل من قناطير من الكتب .
لنصغي إلى صوت نفوسنا وهمس بصائرنا في إخلاص شديد دون محاولة تشويه ذلك الصوت البكر بحبائل المنطق وشراك الحجج .
وعلى من يشك في كلامي . وعلى هواة الجدل والنقاش والمقارعة المنطقية أن يعودوا فيقرأوا مقالي من أوله .
.
مقال / الروح
من كتاب : رحلتي من الشك إلى الإيمان
للدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝