كلُّ ما مررتُ به لم يكن سوى مخاض طويل، مؤلم، لكنّه ضروري ليولد في داخلي إنسان آخر. فالحياة، كما أدركتُ، لا تُعطي مجّانًا، ولا تهبك وعيًا بلا ثمن. ولعلّ أثمن ما منحته لي التجربة أنّني ولدتُ من جديد، بوعي مختلف، بروح متجدّدة، وبقلب لم يعد كما كان.
في الأيام الأولى بعد انقشاع الغمامة، كنتُ أتعامل مع الحياة بحذر، كطفلٍ خرج للتو إلى النور بعد ظلمة الرحم. كنتُ أتلمّس الأشياء ببطء، أختبر طعم الحرية من جديد، وأتنفّس هواءً لم يكن ممزوجًا بالخوف. شعرتُ أنّني لم أعد ذلك الرجل الذي كان يجري وراء الحياة، بل أصبحتُ إنسانًا يُصغي إليها.
الميلاد الجديد لم يكن في الجسد فقط، بل في الروح أولًا. أصبحتُ أكثر إدراكًا لقيمة النعم البسيطة التي كنتُ أغفل عنها: صحتي، ضحكة ابني، كلمة صادقة من صديق، نومٌ هادئ لا يقطعه كابوس. هذه اللحظات التي كان الناس يعدّونها عابرة صارت عندي دلائل رحمة، وهدايا إلهية تستحق أن أملأ بها قلبي شكرًا.
لقد تغيّرت علاقتي بالناس أيضًا. لم أعد أسعى لإرضاء الجميع، ولم أعد أخشى خسارة من لا يرى قيمتي. أدركتُ أنّ من يريد أن يبقى سيبقى، وأنّ من يرحل لم يكن يومًا لي، وأنّ أثمن ما يمكن للمرء أن يملكه هو احترامه لنفسه، وصيانته لكرامته.
الميلاد الجديد جعلني أنظر إلى الدنيا بعينٍ أخرى. صرتُ أرى الشرور لا كقوة مطلقة، بل كاختبارٍ عابر، لا يدوم أمام نور الإيمان. وصرتُ أؤمن أن أقسى التجارب قد تكون الجسر الذي يعبر بك من ضيق الدنيا إلى سعة الفهم.
وفي لحظة صدق مع نفسي قلت:
\"لقد مررتُ بجحيمٍ حقيقي، لكنّ الجحيم الذي لم يقتلني جعلني أكثر صلابة، أكثر قربًا من الله، وأكثر استعدادًا للحياة.\"
اليوم، وأنا أكتب هذه السطور، أشعر أنّني ولدتُ حقًا من جديد. لم أعد الرجل الذي يُستدرج إلى هاوية الظلام بسهولة، بل صرتُ أملك البصيرة التي تفضح الخديعة قبل أن تكتمل، وأملك القلب الذي يعرف طريقه إلى الله ولو أظلمت كل الطرق.
وإن كانت هذه التجربة قد أخذت مني سنوات من الراحة، فإنّها أعطتني عُمقًا لم أكن لأشتريه بعمرٍ كامل. واليوم أخرج إلى الحياة بوجه جديد، بروح تعلمت كيف تنهض، وبقلب يعرف أنّ الرحلة الحقيقية ليست في الهرب من الألم، بل في أن تُحوّله إلى ضوء.
هذا هو ميلادي الجديد… ميلاد رجلٍ أدرك أن الحياة، مهما عصفت به، لا تكسر من تعلق بحبل الله، ولا تُطفئ نورًا وُضع في قلبه من السماء.
---
✨ وبذلك نكون قد وصلنا إلى خاتمة الكتاب (الفصل الخامس عشر).
كلُّ ما مررتُ به لم يكن سوى مخاض طويل، مؤلم، لكنّه ضروري ليولد في داخلي إنسان آخر. فالحياة، كما أدركتُ، لا تُعطي مجّانًا، ولا تهبك وعيًا بلا ثمن. ولعلّ أثمن ما منحته لي التجربة أنّني ولدتُ من جديد، بوعي مختلف، بروح متجدّدة، وبقلب لم يعد كما كان.
في الأيام الأولى بعد انقشاع الغمامة، كنتُ أتعامل مع الحياة بحذر، كطفلٍ خرج للتو إلى النور بعد ظلمة الرحم. كنتُ أتلمّس الأشياء ببطء، أختبر طعم الحرية من جديد، وأتنفّس هواءً لم يكن ممزوجًا بالخوف. شعرتُ أنّني لم أعد ذلك الرجل الذي كان يجري وراء الحياة، بل أصبحتُ إنسانًا يُصغي إليها.
الميلاد الجديد لم يكن في الجسد فقط، بل في الروح أولًا. أصبحتُ أكثر إدراكًا لقيمة النعم البسيطة التي كنتُ أغفل عنها: صحتي، ضحكة ابني، كلمة صادقة من صديق، نومٌ هادئ لا يقطعه كابوس. هذه اللحظات التي كان الناس يعدّونها عابرة صارت عندي دلائل رحمة، وهدايا إلهية تستحق أن أملأ بها قلبي شكرًا.
لقد تغيّرت علاقتي بالناس أيضًا. لم أعد أسعى لإرضاء الجميع، ولم أعد أخشى خسارة من لا يرى قيمتي. أدركتُ أنّ من يريد أن يبقى سيبقى، وأنّ من يرحل لم يكن يومًا لي، وأنّ أثمن ما يمكن للمرء أن يملكه هو احترامه لنفسه، وصيانته لكرامته.
الميلاد الجديد جعلني أنظر إلى الدنيا بعينٍ أخرى. صرتُ أرى الشرور لا كقوة مطلقة، بل كاختبارٍ عابر، لا يدوم أمام نور الإيمان. وصرتُ أؤمن أن أقسى التجارب قد تكون الجسر الذي يعبر بك من ضيق الدنيا إلى سعة الفهم.
وفي لحظة صدق مع نفسي قلت:
˝لقد مررتُ بجحيمٍ حقيقي، لكنّ الجحيم الذي لم يقتلني جعلني أكثر صلابة، أكثر قربًا من الله، وأكثر استعدادًا للحياة.˝
اليوم، وأنا أكتب هذه السطور، أشعر أنّني ولدتُ حقًا من جديد. لم أعد الرجل الذي يُستدرج إلى هاوية الظلام بسهولة، بل صرتُ أملك البصيرة التي تفضح الخديعة قبل أن تكتمل، وأملك القلب الذي يعرف طريقه إلى الله ولو أظلمت كل الطرق.
وإن كانت هذه التجربة قد أخذت مني سنوات من الراحة، فإنّها أعطتني عُمقًا لم أكن لأشتريه بعمرٍ كامل. واليوم أخرج إلى الحياة بوجه جديد، بروح تعلمت كيف تنهض، وبقلب يعرف أنّ الرحلة الحقيقية ليست في الهرب من الألم، بل في أن تُحوّله إلى ضوء.
هذا هو ميلادي الجديد… ميلاد رجلٍ أدرك أن الحياة، مهما عصفت به، لا تكسر من تعلق بحبل الله، ولا تُطفئ نورًا وُضع في قلبه من السماء.
-
✨ وبذلك نكون قد وصلنا إلى خاتمة الكتاب (الفصل الخامس عشر).
و رأيته في بيته يغسل ثوبه و يرقع بردته و يحلب شاته و يخصف نعله ..
و رأيته يأكل مع الخادم و يعود المريض و يعطي المحتاج ..
و رأيته و هو يصلي و حفدته يتسلقون ظهره و هو ساجد فيتركهم حتى إذا وقف حملهم و استمر في صلاته .
كان الحنان و الحب مجسدا ..
أحب الإنسان و الحيوان .. حتى النبات حنا عليه فكان يوصي بالشجر ألا يقطع .
حتى الجماد شمله بالحب فكان يقول عن جبل أحد .. \" هذا جبل يحبنا و نحبه \"
حتى تراب الأرض كان يمسح به وجهه متوضئا في حب و هو يقول \"تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة \"
هذا هو العظيم الذي كان يكره التعظيم و كان يقول لأصحابه حينما يقفون له .. \" لا تقوموا لي كما تقوم الأعاجم يعظمون ملوكهم \"
و كان الكريم الذي وصفه أصحابه بأنه ينفق في سخاء من لا يخشى الفقر أبدا ..
لم يحدث أنه أدخر درهما ..
و قد مات كما هو معلوم و درعه مرهونة عند يهودي .
و عاش لم يشبع قط .. و لم يذق خبز الشعير يومين متتالين .. و مع ذلك لم يكن يرفض الهدية تأتيه بالشهي من المأكل و الناعم من الملبس و لكنه يرفض أن يسعى لهذا العيش اللين أو يفكر فيه أو ينشغل به .. و لهذا كان يربي نفسه و يروضها على الفقر و الجوع و القصد في المطالب و الرغبات ، ليكون المثل و القدوة لما أراده الإسلام ..
دين الإعتدال و التوسط .. فلا رهبانية و قتل للنفس .. و لا تهالك و إطلاق للشهوات .. و إنما توسط و اعتدال .
... ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ هذا هو محمد البسيط المتواضع .
و رأيته في بيته يغسل ثوبه و يرقع بردته و يحلب شاته و يخصف نعله .
و رأيته يأكل مع الخادم و يعود المريض و يعطي المحتاج .
و رأيته و هو يصلي و حفدته يتسلقون ظهره و هو ساجد فيتركهم حتى إذا وقف حملهم و استمر في صلاته .
كان الحنان و الحب مجسدا .
أحب الإنسان و الحيوان . حتى النبات حنا عليه فكان يوصي بالشجر ألا يقطع .
حتى الجماد شمله بالحب فكان يقول عن جبل أحد . ˝ هذا جبل يحبنا و نحبه ˝
حتى تراب الأرض كان يمسح به وجهه متوضئا في حب و هو يقول ˝تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة ˝
هذا هو العظيم الذي كان يكره التعظيم و كان يقول لأصحابه حينما يقفون له . ˝ لا تقوموا لي كما تقوم الأعاجم يعظمون ملوكهم ˝
و كان الكريم الذي وصفه أصحابه بأنه ينفق في سخاء من لا يخشى الفقر أبدا .
لم يحدث أنه أدخر درهما .
و قد مات كما هو معلوم و درعه مرهونة عند يهودي .
و عاش لم يشبع قط . و لم يذق خبز الشعير يومين متتالين . و مع ذلك لم يكن يرفض الهدية تأتيه بالشهي من المأكل و الناعم من الملبس و لكنه يرفض أن يسعى لهذا العيش اللين أو يفكر فيه أو ينشغل به . و لهذا كان يربي نفسه و يروضها على الفقر و الجوع و القصد في المطالب و الرغبات ، ليكون المثل و القدوة لما أراده الإسلام .
دين الإعتدال و التوسط . فلا رهبانية و قتل للنفس . و لا تهالك و إطلاق للشهوات . و إنما توسط و اعتدال. ❝
❞ س/ في الشرع أشياء قد أجمع المسلمون على حملها على ظواهرها، وأشياء على تأويلها، وأشياء اختلفوا فيها، فهل يجوز أن يؤدي البرهان إلى تأويل ما أجمعوا على ظاهره، أو ظاهر ما أجمعوا على تأويله؟
ج/ لو ثبت الإجماع بطريق يقيني فلم يصح، وأما إن كان الإجماع فيها ظنياً فقد يصح. ولذلك أبو حامد وأبو المعالي وغيرهما من أئمة النظر أنه لا يُقطع بكفر من خرق الإجماع في التأويل في أمثال هذه الأشياء. وقد يدلك على أن الإجماع لا يتقرر في النظريات بطريق يقيني كما يمكن أن يتقرر في العمليات؛ أنه ليس يمكن أن يتقرر الإجماع في مسألة ما في عصر ما إلا بأن يكون ذلك العصر عندنا محصوراً، وأن يكون جميع العلماء الموجودين في ذلك العصر معلومين عندنا، أعني معلوماً أشخاصهم ومبلغ عددهم، وأن ينقل إلينا في المسألة مذهب كل واحد منهم نقل تواتر، ويكون مع هذا كله قد صح عندنا أن العلماء الموجودين في ذلك الزمان متفقون على أنه ليس في الشرع ظاهر أو باطن، وأن العلم بكل مسألة يجب أن لا يكتم عن أحد، وأن الناس طريقهم واحد في علم الشريعة.. وأما كثير من الصدر الأول فقد نقل عنهم أنهم كانوا يرون أن للشرع ظاهراً وباطناً، وأنه ليس يجب أن يعلم بالباطن من ليس من أهل العلم به ولا يقدر على فهمه .. فكيف يمكن أن يتصور إجماع منقول إلينا عن مسألة من المسائل النظرية، ونحن نعلم قطعاً أنه لا يخلو عصر من الأعصر من علماء يرون أن في الشرع أشياء لا ينبغي أن يعلم بحقيقتها جميع الناس؟. ❝ ⏤أبو الوليد ابن رشد
❞ س/ في الشرع أشياء قد أجمع المسلمون على حملها على ظواهرها، وأشياء على تأويلها، وأشياء اختلفوا فيها، فهل يجوز أن يؤدي البرهان إلى تأويل ما أجمعوا على ظاهره، أو ظاهر ما أجمعوا على تأويله؟
ج/ لو ثبت الإجماع بطريق يقيني فلم يصح، وأما إن كان الإجماع فيها ظنياً فقد يصح. ولذلك أبو حامد وأبو المعالي وغيرهما من أئمة النظر أنه لا يُقطع بكفر من خرق الإجماع في التأويل في أمثال هذه الأشياء. وقد يدلك على أن الإجماع لا يتقرر في النظريات بطريق يقيني كما يمكن أن يتقرر في العمليات؛ أنه ليس يمكن أن يتقرر الإجماع في مسألة ما في عصر ما إلا بأن يكون ذلك العصر عندنا محصوراً، وأن يكون جميع العلماء الموجودين في ذلك العصر معلومين عندنا، أعني معلوماً أشخاصهم ومبلغ عددهم، وأن ينقل إلينا في المسألة مذهب كل واحد منهم نقل تواتر، ويكون مع هذا كله قد صح عندنا أن العلماء الموجودين في ذلك الزمان متفقون على أنه ليس في الشرع ظاهر أو باطن، وأن العلم بكل مسألة يجب أن لا يكتم عن أحد، وأن الناس طريقهم واحد في علم الشريعة. وأما كثير من الصدر الأول فقد نقل عنهم أنهم كانوا يرون أن للشرع ظاهراً وباطناً، وأنه ليس يجب أن يعلم بالباطن من ليس من أهل العلم به ولا يقدر على فهمه . فكيف يمكن أن يتصور إجماع منقول إلينا عن مسألة من المسائل النظرية، ونحن نعلم قطعاً أنه لا يخلو عصر من الأعصر من علماء يرون أن في الشرع أشياء لا ينبغي أن يعلم بحقيقتها جميع الناس؟. ❝