❞ ❞ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21)
قوله : وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا
قوله تعالى : وكذلك أعثرنا عليهم أي أطلعنا عليهم وأظهرناهم . و \" أعثر \" تعدية عثر بالهمزة ، وأصل العثار في القدم .
ليعلموا أن وعد الله حق يعني الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم . وذلك أن دقيانوس مات ومضت قرون وملك أهل تلك الدار رجل صالح ، فاختلف أهل بلده في الحشر وبعث الأجساد من القبور ، فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه وقالوا : إنما تحشر الأرواح والجسد تأكله الأرض . وقال بعضهم : تبعث الروح والجسد جميعا ; فكبر ذلك على الملك وبقي حيران لا يدري كيف يتبين أمره لهم ، حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرع إلى الله - تعالى - في حجة وبيان ، فأعثر الله على أهل الكهف ; فيقال : إنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى المدينة ليأتيهم برزق منها استنكر شخصه واستنكرت دراهمه لبعد العهد ، فحمل إلى الملك وكان صالحا قد آمن من معه ، فلما نظر إليه قال : لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك ، فقد كنت أدعو الله أن يرينيهم ، وسأل الفتى فأخبره ; فسر الملك بذلك وقال : لعل الله قد بعث لكم آية ، فلنسر إلى الكهف معه ، فركب مع أهل المدينة إليهم ، فلما دنوا إلى الكهف قال تمليخا : أنا أدخل عليهم لئلا يرعبوا فدخل عليهم فأعلمهم الأمر وأن الأمة أمة إسلام ، فروي أنهم سروا بذلك وخرجوا إلى الملك وعظموه وعظمهم ثم رجعوا إلى كهفهم . وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدثهم تمليخا ميتة الحق ، على ما يأتي . ورجع من كان شك في بعث الأجساد إلى اليقين . فهذا معنى أعثرنا عليهم . ليعلموا أن وعد الله حق أي ليعلم الملك ورعيته أن القيامة حق والبعث حق إذ يتنازعون بينهم أمرهم . وإنما استدلوا بذلك الواحد على خبرهم وهابوا الدخول عليهم .
فقال الملك : ابنوا عليهم بنيانا ; فقال الذين هم على دين الفتية : اتخذوا عليهم مسجدا . وروي أن طائفة كافرة قالت : نبني بيعة أو مضيفا ، فمانعهم المسلمون وقالوا لنتخذن عليهم مسجدا . وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم وتركهم فيه مغيبين . وروي عن عبد الله بن عمر أن الله - تعالى - أعمى على الناس حينئذ أثرهم وحجبهم عنهم ، فذلك دعا إلى بناء البنيان ليكون معلما لهم . وقيل : إن الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب فأتاه آت منهم في المنام فقال : أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل ; فإنا من التراب خلقنا وإليه نعود ، فدعنا .
وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة ; فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها ، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز ; لما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال : لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج . قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن . وروى الصحيحان عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله - تعالى - يوم القيامة . لفظ مسلم . قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد . وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها لفظ مسلم . أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام . فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك ، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد . وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا : لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا . وروى مسلم عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه . وخرجه أبو داود والترمذي أيضا عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وروى الصحيح عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته - في رواية - ولا صورة إلا طمستها . وأخرجه أبو داود والترمذي . قال علماؤنا : ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطئة . وقد قال به بعض أهل العلم . وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ، ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم ، وذلك صفة قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه - رضي الله عنهما - على ما ذكر مالك في الموطإ - وقبر أبينا آدم - صلى الله عليه وسلم - ، على ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس . وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيما وتعظيما فذلك يهدم ويزال ; فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة ، وتشبها بمن كان يعظم القبور ويعبدها . وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي أن ينبغي أن يقال : هو حرام . والتسنيم في القبر : ارتفاعه قدر شبر ; مأخوذ من سنام البعير . ويرش عليه بالماء لئلا ينتثر بالريح . وقال الشافعي لا بأس أن يطين القبر . وقال أبو حنيفة : لا يجصص القبر ولا يطين ولا يرفع عليه بناء فيسقط . ولا بأس بوضع الأحجار لتكون علامة ; لما رواه أبو بكر الأثرم قال : حدثنا مسدد حدثنا نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال : كانت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلمته بصخرة ; ذكره أبو عمر .
وأما الجائزة : فالدفن في التابوت ; وهو جائز لا سيما في الأرض الرخوة . روي أن دانيال - صلوات الله عليه - كان في تابوت من حجر ، وأن يوسف - عليه السلام - أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج ويلقى في ركية مخافة أن يعبد ، وبقي كذلك إلى زمان موسى - صلوات الله عليهم أجمعين - ; فدلته عليه عجوز فرفعه ووضعه في حظيرة إسحاق - عليه السلام - . وفي الصحيح عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي هلك فيه : اتخذوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا ; كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - . اللحد : هو أن يشق في الأرض ثم يحفر قبر آخر في جانب الشق من جانب القبلة إن كانت الأرض صلبة يدخل فيه الميت ويسد عليه باللبن . وهو أفضل عندنا من الشق ; لأنه الذي اختاره الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - . وبه قال أبو حنيفة قال : السنة اللحد . وقال الشافعي : الشق . ويكره الآجر في اللحد . وقال الشافعي : لا بأس به لأنه نوع من الحجر . وكرهه أبو حنيفة وأصحابه ; لأن الآجر لإحكام البناء ، والقبر وما فيه للبلى ، فلا يليق به الإحكام . وعلى هذا يسوى بين الحجر والآجر . وقيل : إن الآجر أثر النار فيكره تفاؤلا ; فعلى هذا يفرق بين الحجر والآجر . قالوا : ويستحب اللبن والقصب لما روي أنه وضع على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حزمة من قصب . وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل الحنفي - رحمه الله - أنه جوز اتخاذ التابوت في بلادهم لرخاوة الأرض . وقال : لو اتخذ تابوت من حديد فلا بأس به ، لكن ينبغي أن يفرش فيه التراب وتطين الطبقة العليا مما يلي الميت ، ويجعل اللبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد .
قلت : ومن هذا المعنى جعل القطيفة في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فإن المدينة سبخة ، قال شقران : أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر . قال أبو عيسى الترمذي : حديث شقران حديث حسن غريب. ❝. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21)
قوله : وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا
قوله تعالى : وكذلك أعثرنا عليهم أي أطلعنا عليهم وأظهرناهم . و ˝ أعثر ˝ تعدية عثر بالهمزة ، وأصل العثار في القدم .
ليعلموا أن وعد الله حق يعني الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم . وذلك أن دقيانوس مات ومضت قرون وملك أهل تلك الدار رجل صالح ، فاختلف أهل بلده في الحشر وبعث الأجساد من القبور ، فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه وقالوا : إنما تحشر الأرواح والجسد تأكله الأرض . وقال بعضهم : تبعث الروح والجسد جميعا ; فكبر ذلك على الملك وبقي حيران لا يدري كيف يتبين أمره لهم ، حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرع إلى الله - تعالى - في حجة وبيان ، فأعثر الله على أهل الكهف ; فيقال : إنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى المدينة ليأتيهم برزق منها استنكر شخصه واستنكرت دراهمه لبعد العهد ، فحمل إلى الملك وكان صالحا قد آمن من معه ، فلما نظر إليه قال : لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك ، فقد كنت أدعو الله أن يرينيهم ، وسأل الفتى فأخبره ; فسر الملك بذلك وقال : لعل الله قد بعث لكم آية ، فلنسر إلى الكهف معه ، فركب مع أهل المدينة إليهم ، فلما دنوا إلى الكهف قال تمليخا : أنا أدخل عليهم لئلا يرعبوا فدخل عليهم فأعلمهم الأمر وأن الأمة أمة إسلام ، فروي أنهم سروا بذلك وخرجوا إلى الملك وعظموه وعظمهم ثم رجعوا إلى كهفهم . وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدثهم تمليخا ميتة الحق ، على ما يأتي . ورجع من كان شك في بعث الأجساد إلى اليقين . فهذا معنى أعثرنا عليهم . ليعلموا أن وعد الله حق أي ليعلم الملك ورعيته أن القيامة حق والبعث حق إذ يتنازعون بينهم أمرهم . وإنما استدلوا بذلك الواحد على خبرهم وهابوا الدخول عليهم .
فقال الملك : ابنوا عليهم بنيانا ; فقال الذين هم على دين الفتية : اتخذوا عليهم مسجدا . وروي أن طائفة كافرة قالت : نبني بيعة أو مضيفا ، فمانعهم المسلمون وقالوا لنتخذن عليهم مسجدا . وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم وتركهم فيه مغيبين . وروي عن عبد الله بن عمر أن الله - تعالى - أعمى على الناس حينئذ أثرهم وحجبهم عنهم ، فذلك دعا إلى بناء البنيان ليكون معلما لهم . وقيل : إن الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب فأتاه آت منهم في المنام فقال : أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل ; فإنا من التراب خلقنا وإليه نعود ، فدعنا .
وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة ; فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها ، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز ; لما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال : لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج . قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن . وروى الصحيحان عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله - تعالى - يوم القيامة . لفظ مسلم . قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد . وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها لفظ مسلم . أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام . فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك ، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد . وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا : لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا . وروى مسلم عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه . وخرجه أبو داود والترمذي أيضا عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وروى الصحيح عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته - في رواية - ولا صورة إلا طمستها . وأخرجه أبو داود والترمذي . قال علماؤنا : ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطئة . وقد قال به بعض أهل العلم . وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ، ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم ، وذلك صفة قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه - رضي الله عنهما - على ما ذكر مالك في الموطإ - وقبر أبينا آدم - صلى الله عليه وسلم - ، على ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس . وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيما وتعظيما فذلك يهدم ويزال ; فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة ، وتشبها بمن كان يعظم القبور ويعبدها . وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي أن ينبغي أن يقال : هو حرام . والتسنيم في القبر : ارتفاعه قدر شبر ; مأخوذ من سنام البعير . ويرش عليه بالماء لئلا ينتثر بالريح . وقال الشافعي لا بأس أن يطين القبر . وقال أبو حنيفة : لا يجصص القبر ولا يطين ولا يرفع عليه بناء فيسقط . ولا بأس بوضع الأحجار لتكون علامة ; لما رواه أبو بكر الأثرم قال : حدثنا مسدد حدثنا نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال : كانت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلمته بصخرة ; ذكره أبو عمر .
وأما الجائزة : فالدفن في التابوت ; وهو جائز لا سيما في الأرض الرخوة . روي أن دانيال - صلوات الله عليه - كان في تابوت من حجر ، وأن يوسف - عليه السلام - أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج ويلقى في ركية مخافة أن يعبد ، وبقي كذلك إلى زمان موسى - صلوات الله عليهم أجمعين - ; فدلته عليه عجوز فرفعه ووضعه في حظيرة إسحاق - عليه السلام - . وفي الصحيح عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي هلك فيه : اتخذوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا ; كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - . اللحد : هو أن يشق في الأرض ثم يحفر قبر آخر في جانب الشق من جانب القبلة إن كانت الأرض صلبة يدخل فيه الميت ويسد عليه باللبن . وهو أفضل عندنا من الشق ; لأنه الذي اختاره الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - . وبه قال أبو حنيفة قال : السنة اللحد . وقال الشافعي : الشق . ويكره الآجر في اللحد . وقال الشافعي : لا بأس به لأنه نوع من الحجر . وكرهه أبو حنيفة وأصحابه ; لأن الآجر لإحكام البناء ، والقبر وما فيه للبلى ، فلا يليق به الإحكام . وعلى هذا يسوى بين الحجر والآجر . وقيل : إن الآجر أثر النار فيكره تفاؤلا ; فعلى هذا يفرق بين الحجر والآجر . قالوا : ويستحب اللبن والقصب لما روي أنه وضع على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حزمة من قصب . وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل الحنفي - رحمه الله - أنه جوز اتخاذ التابوت في بلادهم لرخاوة الأرض . وقال : لو اتخذ تابوت من حديد فلا بأس به ، لكن ينبغي أن يفرش فيه التراب وتطين الطبقة العليا مما يلي الميت ، ويجعل اللبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد .
قلت : ومن هذا المعنى جعل القطيفة في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فإن المدينة سبخة ، قال شقران : أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر . قال أبو عيسى الترمذي : حديث شقران حديث حسن غريب. ❝
❞ كان هذا هو اليوم الأخير في ” التأبيدة ” التي قضى فيها السجين عشرين سنة من عمره وراء القضبان و هو يعد الأيام يوماً يوماً إنتظاراً لتلك اللحظة التي يرى فيها النور .
و قد دخل إبراهيم السجن في جريمة قتل ..
و يذكر إبراهيم ما حدث دقيقة بدقيقة ، و كأنما هناك شريط سينمائي ناطق مجسَم بالألوان يدور في رأسه و لا يكف عن الدوران .
يذكر ما حدث حينما عاد إلى بيته في تلك الليلة من يناير مبكراً على غيري عادة .. و وقف يقرع الباب ..
لم تأتي زوجته مهرولة كعادتها لتفتح .. و إنما سمع حركة مضطربة خلف الباب ، و سمع أقداماً تجري و لم يفتح أحد .
و عاد يقرع الباب و قد تحرك شك قاتل في صدره .. و عادت الأقدام تجري في اضطراب ، و سمع لَغطاً .. ثم أصوات أشياء تقع على الأرض و زجاجاً ينكسر و نوافذ تصطفق ..
و حمل على الباب بكل قوته و دفعه دفعة هائلة ، فانفتح و قفز إلى الداخل ليرى زوجته واقفة مذعورة على اللحم ، و شبح رجل يهرب من النافذة .
و ترك كل شيء و انطلق يجري وراء الهارب .
و لم يستطع أن يلحق به فقد اندس في زحام المولد و انقطع أثره ، و لكنه عرفه و عرف من هو ..
و في اليوم التالي حمل سكيناً تحت جلبابه و ذهب إلى محل المكوجي ، و قتل مُسعد المكوجي بضربة واحدة من سكينة قطع بها شرايين رقبته ..
و حينما حاول صاحب المحل أن يدافع عنه قتله هو الآخر ..
ثم تكاثر عليه الناس و انتزعوا السكين من يده و سلموه للبوليس .
و من ذلك التاريخ و هو مُلقَى بالسجن .
و حكم عليه القاضي بالمؤبد .
و مضت عليه عشرون سنة كأنها عشرون قرناً و هو يعض على نواجذه من الغيظ لأنه دخل الزنزانة قبل أن يقتل زينب .
كان في عزمه أن يقتل الإثنين ، و قد بدأ بالرجل و في نيته أن ينثني مسرعاً ليقتل المرأة و يستريح ..
و لكن الحوادث التي تلاحقت ، و قتله لرجلين ، ثم تكاثُر الناس عليه ، ثم اعتقاله ، غَيَّر مجرَى الأمور ..
و أعطى المرأة عشرين سنة من العُمر .. و حكم عليه بعشرين سنة من الكظم و الغيظ .. قضاها لا يفكر في شيء إلا لحظة يحز رقبتها بسكينه .
زينب .. التي عرف في حضنها اللذة و السكَن و الراحة .. و التي أعطاها رزقه و عرقه و شبابه .. خانته .
كم بات يحلم بأن يقطع لسانها الذي كان يقول له .. بحبك يا إبراهيم .. و كم راح يهذي بأنه يغمس السكين في قلبها الذي كان يخفق في حضن قلبه .
و كان يراها دائماً في خياله ، جميلة طرية ريانة ، كأنها ثمرة يانعة فيها رائحة الحقل .
و كان يراها دائماً في حضن الرجل الآخر تُقبِلُه و توشوشه كما كانت تقبله و توشوشه .. و كان يسمع غنج صوتها في ظلام زنزانته ، فيفور الدم و يغلي في شرايينه .
و كان يسمع النبض يدق في دماغه .. و لكنه عاش يكظم و يكتم في انتظار اللحظة التي يخرج فيها إلى النور .
و حينما جاء السجّان و فتح له الباب و قال له .. مبروك يا إبراهيم .. إفراج ..
خرج كالريح ..
خرج كما يخرج الغضب من فم الغضبان ..
و كان أول شيء عمله ، أن توجه إلى بيته و السكين تحت جلبابه .
و كان باب البيت مفتوحاً ..
و أسرع داخلاً .
و كانت المرأة راقدة مريضة تسعل .
و تسمر في مكانه حينما أطل في وجهها .. و شعر بدمائه تبرد .. ثم تتثلج .. و تجمدت مشاعره .. و أحس بجنونه يتبخر من رأسه .. ثم أحس برأسه ذاته يتبخر .
لقد رأى امرأة أخرى تماماً غير تلك التي كان يحلم بقتلها في زنزانته .. رأى عجوزاً عجفاء سقطت أسنانها و انحنى هيكلها و تجعدت بشرتها .. ذهبت النضارة و خبا الجمال .. و جف العود الريان .. و تيبست الأطراف .. لم يبق شيء يقتله ، أو يقتل الناس أنفسهم من أجله .
و خمدت الغيرة في قلب الرجل فجأة كأنما هبّت عليها ريح جليدية .. و حل محلها مزيج غريب من الذهول و الدهشة و الإشفاق .
و لم يدرِ الرجل ماذا قال لامرأته ، فقد راح يقول أي كلام .. ثم ما لبث أن تسلل خارجاً و قد أصبح رجلاً آخر غير الذي دخل السجن من عشرين عاماً .
و كما تغير الرجل فجأة .. فقد تغيرت الدنيا أيضاً في عينيه فجأة و راح يكتشفها كأنه مولود يحبو و يتعرف على الدنيا لأول مرة .
حينما جلس يشرب الشاي في القهوة علم بأن زملاءه السباكين قد هاجروا للعمل في الخليج و السعودية و الكويت .
و قال له القهوجي :
♦ إن السباك يعمل الآن بمرتب شهري خمسة آلاف ريال في السعودية أي ألف جنيه شهرياً .. أما صغار العمال الذين آثروا البقاء في مصر .. فإن الواحد منهم يكسب من السباكة مائة و خمسين جنيه في الشهر ..
و إن السباك مطلوب في كل مكان ، و إن الذي يعرف كيف يصلح حنفية يسمي نفسه باشمهندس و يركب عربة ملاكي .
و سرح إبراهيم بعينين ذاهلتين .
كان كل شيء يتغير و يتبدل بسرعة هائلة بينما هو رابض كالتمثال في زنزانته يمضغ حقداً أسود لا يريد أن يزول .
المرأة أصبحت غير المرأة .
و الرجل غير الرجل .
و الصنعة غير الصنعة .
و البلد غير البلد .
بينما هو كتمثال من حجر صوّان يجتّر عذاباً لا ينتهي .
يا لها من لحظة تافهة .. تلك التي توقف عندها و كبّل نفسه بأغلالها عشرين عاماً ..
كيف يحدث أن يقتل الناس بعضهم بعضاً لأمور بمثل تلك التفاهة ؟!
لقد قتل رجلين من أجل زينب .. و من أجل حبه لزينب .. و من أجل شهوته لزينب .. و من أجل غيرته على زينب ..
فأين زينب الآن .. ؟
و أين حبه لزينب .. ؟
و أين شهوته لزينب .. ؟
و أين غيرته على زينب .. ؟
لقد تبخرت زينب و كأنما كانت وهماً .. و خلفت شيئاً مثل رماد المدفأة ، و تبخر حبه لزينب كما تتبخر الأحلام .
و تبخرت شهوته كما يتبخر مستنقع في يوم صيف .
و خمدت غيرته كما تخمد شعلة أكلت نفسها .
يا لها من أمور تافهة يتقاتل من أجلها الناس .
كم تبدو تلك الأحداث الهائلة و اللحظات الرهيبة المفعمة بالغضب .. كم تبدو له الآن على البُعد أحداثاً صغيرة .
أمَا كان أولَى به أن يُطَلِّقها و أن يذهب كل منهما لحاله و أن يجرب كل منهما حظه من جديد دون أن تُراق كل تلك الدماء .. !
و لو أنه بدأ حياة جديدة في تلك الظروف من الرخاء لَتزوج مَنْ هي أجمل من زينب ، و أرق من زينب ، و أوفَى من زينب ..
و لكانت عنده عربة .. و لربما هاجر مع الذين هاجروا إلى السعودية و الخليج و اقتنوا الثروات ، و ذاق لذة الترحال و التنقل و الأسفار بدلاً من ضياع العمر في الزنزانة و ذُل المؤبد .
يا له من أمر تافه ذلك الذي عشت أطحنه تحت أضراسي عشرين عاماً ..
و دلق إبراهيم بقية فنجان القهوة في جوفه و قام ليتوضأ على صوت الأذان ، و قد شعر بأنه أصبح خفيفاً مُجنَّحاً يكاد يطير مع كل خطوة .
و مضى إلى المسجد ليصلي .. و كأنه رجل آخر غير ذلك الذي عرفه و عاشره ستين عاماً .
و عَجِبَ مِن أمر نفسه .
و تساءل و هو يخطو إلى المسجد :
♦ كيف يحدث في لحظة أن يولَد العقل من الجنون كما يولد النهار من الليل .. ؟
و هل يحتاج مثل ذلك الميلاد أن يدفع الإنسان ذلك الثمن الباهظ من زهرة العمر .. ؟
. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ كان هذا هو اليوم الأخير في ” التأبيدة ” التي قضى فيها السجين عشرين سنة من عمره وراء القضبان و هو يعد الأيام يوماً يوماً إنتظاراً لتلك اللحظة التي يرى فيها النور .
و قد دخل إبراهيم السجن في جريمة قتل .
و يذكر إبراهيم ما حدث دقيقة بدقيقة ، و كأنما هناك شريط سينمائي ناطق مجسَم بالألوان يدور في رأسه و لا يكف عن الدوران .
يذكر ما حدث حينما عاد إلى بيته في تلك الليلة من يناير مبكراً على غيري عادة . و وقف يقرع الباب .
لم تأتي زوجته مهرولة كعادتها لتفتح . و إنما سمع حركة مضطربة خلف الباب ، و سمع أقداماً تجري و لم يفتح أحد .
و عاد يقرع الباب و قد تحرك شك قاتل في صدره . و عادت الأقدام تجري في اضطراب ، و سمع لَغطاً . ثم أصوات أشياء تقع على الأرض و زجاجاً ينكسر و نوافذ تصطفق .
و حمل على الباب بكل قوته و دفعه دفعة هائلة ، فانفتح و قفز إلى الداخل ليرى زوجته واقفة مذعورة على اللحم ، و شبح رجل يهرب من النافذة .
و ترك كل شيء و انطلق يجري وراء الهارب .
و لم يستطع أن يلحق به فقد اندس في زحام المولد و انقطع أثره ، و لكنه عرفه و عرف من هو .
و في اليوم التالي حمل سكيناً تحت جلبابه و ذهب إلى محل المكوجي ، و قتل مُسعد المكوجي بضربة واحدة من سكينة قطع بها شرايين رقبته .
و حينما حاول صاحب المحل أن يدافع عنه قتله هو الآخر .
ثم تكاثر عليه الناس و انتزعوا السكين من يده و سلموه للبوليس .
و من ذلك التاريخ و هو مُلقَى بالسجن .
و حكم عليه القاضي بالمؤبد .
و مضت عليه عشرون سنة كأنها عشرون قرناً و هو يعض على نواجذه من الغيظ لأنه دخل الزنزانة قبل أن يقتل زينب .
كان في عزمه أن يقتل الإثنين ، و قد بدأ بالرجل و في نيته أن ينثني مسرعاً ليقتل المرأة و يستريح .
و لكن الحوادث التي تلاحقت ، و قتله لرجلين ، ثم تكاثُر الناس عليه ، ثم اعتقاله ، غَيَّر مجرَى الأمور .
و أعطى المرأة عشرين سنة من العُمر . و حكم عليه بعشرين سنة من الكظم و الغيظ . قضاها لا يفكر في شيء إلا لحظة يحز رقبتها بسكينه .
زينب . التي عرف في حضنها اللذة و السكَن و الراحة . و التي أعطاها رزقه و عرقه و شبابه . خانته .
كم بات يحلم بأن يقطع لسانها الذي كان يقول له . بحبك يا إبراهيم . و كم راح يهذي بأنه يغمس السكين في قلبها الذي كان يخفق في حضن قلبه .
و كان يراها دائماً في خياله ، جميلة طرية ريانة ، كأنها ثمرة يانعة فيها رائحة الحقل .
و كان يراها دائماً في حضن الرجل الآخر تُقبِلُه و توشوشه كما كانت تقبله و توشوشه . و كان يسمع غنج صوتها في ظلام زنزانته ، فيفور الدم و يغلي في شرايينه .
و كان يسمع النبض يدق في دماغه . و لكنه عاش يكظم و يكتم في انتظار اللحظة التي يخرج فيها إلى النور .
و حينما جاء السجّان و فتح له الباب و قال له . مبروك يا إبراهيم . إفراج .
خرج كالريح .
خرج كما يخرج الغضب من فم الغضبان .
و كان أول شيء عمله ، أن توجه إلى بيته و السكين تحت جلبابه .
و كان باب البيت مفتوحاً .
و أسرع داخلاً .
و كانت المرأة راقدة مريضة تسعل .
و تسمر في مكانه حينما أطل في وجهها . و شعر بدمائه تبرد . ثم تتثلج . و تجمدت مشاعره . و أحس بجنونه يتبخر من رأسه . ثم أحس برأسه ذاته يتبخر .
لقد رأى امرأة أخرى تماماً غير تلك التي كان يحلم بقتلها في زنزانته . رأى عجوزاً عجفاء سقطت أسنانها و انحنى هيكلها و تجعدت بشرتها . ذهبت النضارة و خبا الجمال . و جف العود الريان . و تيبست الأطراف . لم يبق شيء يقتله ، أو يقتل الناس أنفسهم من أجله .
و خمدت الغيرة في قلب الرجل فجأة كأنما هبّت عليها ريح جليدية . و حل محلها مزيج غريب من الذهول و الدهشة و الإشفاق .
و لم يدرِ الرجل ماذا قال لامرأته ، فقد راح يقول أي كلام . ثم ما لبث أن تسلل خارجاً و قد أصبح رجلاً آخر غير الذي دخل السجن من عشرين عاماً .
و كما تغير الرجل فجأة . فقد تغيرت الدنيا أيضاً في عينيه فجأة و راح يكتشفها كأنه مولود يحبو و يتعرف على الدنيا لأول مرة .
حينما جلس يشرب الشاي في القهوة علم بأن زملاءه السباكين قد هاجروا للعمل في الخليج و السعودية و الكويت .
و قال له القهوجي :
♦ إن السباك يعمل الآن بمرتب شهري خمسة آلاف ريال في السعودية أي ألف جنيه شهرياً . أما صغار العمال الذين آثروا البقاء في مصر . فإن الواحد منهم يكسب من السباكة مائة و خمسين جنيه في الشهر .
و إن السباك مطلوب في كل مكان ، و إن الذي يعرف كيف يصلح حنفية يسمي نفسه باشمهندس و يركب عربة ملاكي .
و سرح إبراهيم بعينين ذاهلتين .
كان كل شيء يتغير و يتبدل بسرعة هائلة بينما هو رابض كالتمثال في زنزانته يمضغ حقداً أسود لا يريد أن يزول .
المرأة أصبحت غير المرأة .
و الرجل غير الرجل .
و الصنعة غير الصنعة .
و البلد غير البلد .
بينما هو كتمثال من حجر صوّان يجتّر عذاباً لا ينتهي .
يا لها من لحظة تافهة . تلك التي توقف عندها و كبّل نفسه بأغلالها عشرين عاماً .
كيف يحدث أن يقتل الناس بعضهم بعضاً لأمور بمثل تلك التفاهة ؟!
لقد قتل رجلين من أجل زينب . و من أجل حبه لزينب . و من أجل شهوته لزينب . و من أجل غيرته على زينب .
فأين زينب الآن . ؟
و أين حبه لزينب . ؟
و أين شهوته لزينب . ؟
و أين غيرته على زينب . ؟
لقد تبخرت زينب و كأنما كانت وهماً . و خلفت شيئاً مثل رماد المدفأة ، و تبخر حبه لزينب كما تتبخر الأحلام .
و تبخرت شهوته كما يتبخر مستنقع في يوم صيف .
و خمدت غيرته كما تخمد شعلة أكلت نفسها .
يا لها من أمور تافهة يتقاتل من أجلها الناس .
كم تبدو تلك الأحداث الهائلة و اللحظات الرهيبة المفعمة بالغضب . كم تبدو له الآن على البُعد أحداثاً صغيرة .
أمَا كان أولَى به أن يُطَلِّقها و أن يذهب كل منهما لحاله و أن يجرب كل منهما حظه من جديد دون أن تُراق كل تلك الدماء . !
و لو أنه بدأ حياة جديدة في تلك الظروف من الرخاء لَتزوج مَنْ هي أجمل من زينب ، و أرق من زينب ، و أوفَى من زينب .
و لكانت عنده عربة . و لربما هاجر مع الذين هاجروا إلى السعودية و الخليج و اقتنوا الثروات ، و ذاق لذة الترحال و التنقل و الأسفار بدلاً من ضياع العمر في الزنزانة و ذُل المؤبد .
يا له من أمر تافه ذلك الذي عشت أطحنه تحت أضراسي عشرين عاماً .
و دلق إبراهيم بقية فنجان القهوة في جوفه و قام ليتوضأ على صوت الأذان ، و قد شعر بأنه أصبح خفيفاً مُجنَّحاً يكاد يطير مع كل خطوة .
و مضى إلى المسجد ليصلي . و كأنه رجل آخر غير ذلك الذي عرفه و عاشره ستين عاماً .
و عَجِبَ مِن أمر نفسه .
و تساءل و هو يخطو إلى المسجد :
♦ كيف يحدث في لحظة أن يولَد العقل من الجنون كما يولد النهار من الليل . ؟
و هل يحتاج مثل ذلك الميلاد أن يدفع الإنسان ذلك الثمن الباهظ من زهرة العمر . ؟. ❝
❞ أنتِ بخير حال صدقيني انظري إليّ ورددي خلفي، ثم أخذ علي يردد بعض من آيات القرآن الكريم وهي كانت تردد خلفه، وتنظر له كما لو كانت مسحورة أو نصف غائبة عن الوعي إلى أن طارت الطائرة بالفعل وأصبحت تعلو في السماء، هدأت بعدها لي لي قليلا وتركت يده، وأخذ نفسها ينتظم، وهدأت الرعشة التي انتابتها شيئا فشئيا، وبدأت تسترخي في مقعدها وخلدت للنوم أخيرا، هنا أخذ يصفق بعض الركاب لدكتور علي بإعجاب بما فعله معها؛ فقد كانوا بدأوا يقلقون هم أيضا بسببها فبادلهم هو بإيماءة امتنان لهم، ثم شرع في قراءة ذلك الكتاب الذي أحضره معه، وبعد مرور نصف ساعة تقريبا خلد للنوم هو الآخر، وبعد قليل استيقظ علي من النوم على إثر انتفاضة لي لي، والتي ضغطت على يده بشدة لا تتناسب مع شكلها الرقيق.
_حنان حنفي أحمد. ❝ ⏤حنان حنفي أحمد
❞ أنتِ بخير حال صدقيني انظري إليّ ورددي خلفي، ثم أخذ علي يردد بعض من آيات القرآن الكريم وهي كانت تردد خلفه، وتنظر له كما لو كانت مسحورة أو نصف غائبة عن الوعي إلى أن طارت الطائرة بالفعل وأصبحت تعلو في السماء، هدأت بعدها لي لي قليلا وتركت يده، وأخذ نفسها ينتظم، وهدأت الرعشة التي انتابتها شيئا فشئيا، وبدأت تسترخي في مقعدها وخلدت للنوم أخيرا، هنا أخذ يصفق بعض الركاب لدكتور علي بإعجاب بما فعله معها؛ فقد كانوا بدأوا يقلقون هم أيضا بسببها فبادلهم هو بإيماءة امتنان لهم، ثم شرع في قراءة ذلك الكتاب الذي أحضره معه، وبعد مرور نصف ساعة تقريبا خلد للنوم هو الآخر، وبعد قليل استيقظ علي من النوم على إثر انتفاضة لي لي، والتي ضغطت على يده بشدة لا تتناسب مع شكلها الرقيق.
❞ الفقه مبنيٌ على قواعدِ خمسٌ هي الأمور بالمقاصد ِ :
الفقه مبنيٌ على قواعد كلية أو أغلبية، والقاعدة في اللغة: الأساس، وفي الاصطلاح: حكم أغلبي تندرج تحته جزيئات كثيرة.
والفرق بين أصول الفقه وقواعد الفقه: أن أصول الفقه هي الأحكام الكلية التي يُستدل بها لاستنباط الأحكام الجزئية، وقواعد الفقه هي الأحكام العامة التي تجمع المسائل المتشابهة من الأحكام الجزئية.
• وأشهر كتب القواعد الفقهية: قواعد ابن رجب الحنبلي- والأشباه والنظائر للسيوطي الشافعي- والفروق للقرافي المالكي- والأشباه والنظائر لابن نُجيم الحنفي.
القاعدة الأولى: الأمور بمقاصدها: وفيها خمس مسائل:
المسألة الأولى: معناها:
الأمور: جمع أمر ٍ، وهو الحال والشأن، والمقاصد جمع مقصد، وهي النيِّة والإرادة، والمراد أن الحكم الذي يترتب على أمر ٍ يكون موافقًا لما هو المقصود من ذلك الأمر.
المسألة الثانية: من صيغها:
قولهم: الوسائل لها أحكام المقاصد.
المسألة الثالثة: من أدلتها:
قوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [الأحزاب: 5]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: \" إنما الأعمال بالنيات\" متفق عليه.
المسألة الرابعة: من أمثلتها:
♦ حكم النكاح: فمن قصد به العفاف كان مندوبًا، ومن قصد به التحليل كان حرامًا.
♦ وحكم الوصية: إن قصد بها نفع الفقراء كانت مندوبة، وإن قصد بها إضرار الورثة كانت محرمة.
الدرس الرابع:
رابعها فيما يُقال الضررُ يُزال قولاً ليس فيه غررُ
الدرس الخامس:
خامسُها العادة قل: محكمة فهذه الخمسُ جميعًا محكمة
القاعدة الخامسة: العادة محكمة: وفيها خمس مسائل:
المسألة الأولى: معناها:
العادة: هي ما استقر في النفوس من الأمور المتكررة المقبولة عند ذوي الطباع السليمة، محكمة: أي يُحكم بها عند التنازع ما لم تخالف الشريعة أو اتفاق المتعاقدين، والمراد أن العادة الغالبة على الناس يُرجع إليها في تقييد تصرفات المكلفين أو تقدير الحدود التي لم تحدها الشريعة.
المسألة الثانية: من صيغها:
قولهم: الأحكام تعتبر بالعوائد.
المسألة الثالثة: من أدلتها:
قوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان لما جاءته تسأل عن النفقة: \"خذي ما يكفيك ِ وولدك ِ بالمعروف \" متفق عليه.
المسألة الرابعة: من أمثلتها:
♦ تحديد قدر السفر الذي تُُقصر فيه الصلاة بحسب عرف الناس.
♦ تمييز الألفاظ التي يقصد بها الطلاق من غيرها بحسب أعراف الناس.
المسألة الخامسة: من فروعها:
1 - المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا؛ فإذا لم يتفق الزوجان على مقدار المهر؛ فُرض للزوجة مهر مثلها بحسب العرف.
2 - الممتنع عادة كالممتنع حقيقة؛ فلو ادعى فقير أنه أقرض غنيًا مالاً كبيرًا لم تُسمع دعواه.
3 - قد تغير الفتوى بتغير الأحوال؛ فتقدر نفقة الزوجة بحسب حال كل زمان ٍ ومكان.. ❝ ⏤سعد بن ناصر الشتري
❞ الفقه مبنيٌ على قواعدِ خمسٌ هي الأمور بالمقاصد ِ :
الفقه مبنيٌ على قواعد كلية أو أغلبية، والقاعدة في اللغة: الأساس، وفي الاصطلاح: حكم أغلبي تندرج تحته جزيئات كثيرة.
والفرق بين أصول الفقه وقواعد الفقه: أن أصول الفقه هي الأحكام الكلية التي يُستدل بها لاستنباط الأحكام الجزئية، وقواعد الفقه هي الأحكام العامة التي تجمع المسائل المتشابهة من الأحكام الجزئية.
• وأشهر كتب القواعد الفقهية: قواعد ابن رجب الحنبلي- والأشباه والنظائر للسيوطي الشافعي- والفروق للقرافي المالكي- والأشباه والنظائر لابن نُجيم الحنفي.
القاعدة الأولى: الأمور بمقاصدها: وفيها خمس مسائل:
المسألة الأولى: معناها:
الأمور: جمع أمر ٍ، وهو الحال والشأن، والمقاصد جمع مقصد، وهي النيِّة والإرادة، والمراد أن الحكم الذي يترتب على أمر ٍ يكون موافقًا لما هو المقصود من ذلك الأمر.
المسألة الثانية: من صيغها:
قولهم: الوسائل لها أحكام المقاصد.
المسألة الثالثة: من أدلتها:
قوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [الأحزاب: 5]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ˝ إنما الأعمال بالنيات˝ متفق عليه.
المسألة الرابعة: من أمثلتها:
♦ حكم النكاح: فمن قصد به العفاف كان مندوبًا، ومن قصد به التحليل كان حرامًا.
♦ وحكم الوصية: إن قصد بها نفع الفقراء كانت مندوبة، وإن قصد بها إضرار الورثة كانت محرمة.
الدرس الرابع:
رابعها فيما يُقال الضررُ يُزال قولاً ليس فيه غررُ
الدرس الخامس:
خامسُها العادة قل: محكمة فهذه الخمسُ جميعًا محكمة
القاعدة الخامسة: العادة محكمة: وفيها خمس مسائل:
المسألة الأولى: معناها:
العادة: هي ما استقر في النفوس من الأمور المتكررة المقبولة عند ذوي الطباع السليمة، محكمة: أي يُحكم بها عند التنازع ما لم تخالف الشريعة أو اتفاق المتعاقدين، والمراد أن العادة الغالبة على الناس يُرجع إليها في تقييد تصرفات المكلفين أو تقدير الحدود التي لم تحدها الشريعة.
المسألة الثانية: من صيغها:
قولهم: الأحكام تعتبر بالعوائد.
المسألة الثالثة: من أدلتها:
قوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان لما جاءته تسأل عن النفقة: ˝خذي ما يكفيك ِ وولدك ِ بالمعروف ˝ متفق عليه.
المسألة الرابعة: من أمثلتها:
♦ تحديد قدر السفر الذي تُُقصر فيه الصلاة بحسب عرف الناس.
♦ تمييز الألفاظ التي يقصد بها الطلاق من غيرها بحسب أعراف الناس.
المسألة الخامسة: من فروعها:
1 - المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا؛ فإذا لم يتفق الزوجان على مقدار المهر؛ فُرض للزوجة مهر مثلها بحسب العرف.
2 - الممتنع عادة كالممتنع حقيقة؛ فلو ادعى فقير أنه أقرض غنيًا مالاً كبيرًا لم تُسمع دعواه.
3 - قد تغير الفتوى بتغير الأحوال؛ فتقدر نفقة الزوجة بحسب حال كل زمان ٍ ومكان. ❝