█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ فدخل مكة دخولاً ما دخله أحدا قبله ولا بعده ، حوله المهاجرون والأنصار ، لا تبين منهم إلا الحدق ، والصحابة على مراتبهم ، والملائكة فوق رؤوسهم ، وجبريل يتردد بينه وبين ربه ، وقد أباح له حرمه الذي لم يحله لأحد سواه . ❝
❞ لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وارتجت العرب واختلف المسلمون ولا سيما الأنصار والمهاجرون في الخلافة فتدارك الأمر ˝أبو بكر˝ رضي الله عنه بحكمته وسرعته وسرعة بديهته وتمت البيعة له بالإجماع. وقد برهن رضي الله عنه أنه أكفأ رجل وأنه رجل الساعة وقتئذ لأن العرب عندما سمعوا بوفاة رسول الله ارتد كثير منهم؛ ولكن هذا الأمر لم يرهب الخليفة، وإنما حثه على إرسال الجيوش واختيار القواد والولاة إلى جميع أنحاء العرب؛ فكبح جماح المرتدين وهزمهم شرّ هزيمة.
ولا يقتصر على ذلك بل بعث الجيوش إلى العراق والشام، فانهزمت الفرس والروم ومن ولاهما من العرب وتعدى المسلمون في فتوحهم شبه جزيرة العرب. وقد تمّ ذلك كله في مدة خلافته وهي سنتان وأشهر، ولا شك أن هذه مدة قصيرة بالنسبة إلى ما تمّ في خلالها من جلائل الأعمال، وقد مهد بذلك طريق الفتوحات الإسلامية لمن جاء بعده من الخلفاء واتضحت بذلك حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اختيار أبي بكر بعده.
هذا هو أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عنى ˝محمد رضا˝ بترجمة حياته وشرح خلافته ومآثره، وأعماله التي استطاع من خلالها توطيد دعائم الدين الإسلامي. وقد ألحق المؤلف سيرة أبو بكر الصديق رضي الله عنه بسيرة صحابي جليل وبطل مشهور وفارس مأثور ˝خالد بن الوليد˝ (سيف الله)، صاحب الفتوحات العظيمة والغزوات الكثيرة، وأشهر الفاتحين في الإسلام . ❝
❞ فلما كان في رمضان من السنة الثانية للهجرة ، بلغ رسول الله ﷺ خبر العير المقبلة من الشام لقريش صحبة أبي سفيان ، وهي العير التي خرجوا في طلبها لما خرجت من مكة ، وكانوا نحو أربعين رجلاً ، وفيها أموال عظيمة لقريش ، فندب رسول الله ﷺ الناس للخروج إليها ، وأمر من كان ظهره حاضراً بالنهوض ، ولم يحتفل لها احتفالاً بليغاً ، لأنه خرج مُسْرِعاً في ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً ، ولم يكن معهم من الخيل إلَّا فَرَسانِ : فرس للزبير بن العوام ، وفرس للمقداد بن الأسود الكندي ، وكان معهم سبعون بعيراً يَعتَقِبُ الرجلان والثلاثةُ على البعير الواحد ، فكان رسول الله ﷺ ، وعلي ، ومَرْثَدُ بنُ أَبي مَرْتَدِ الغَنوي ، يعتقبُون بعيراً ، وزيد بن حارثة ، وابنه وكبشة موالي رسول الله ﷺ ، يعتَقِبُونَ بعيراً ، وأبو بكر ، وعمر ، وعبد الرحمن بن عوف يعتقبُونَ بعيراً ، واستخلف على المدينة وعلى الصلاة ابن أم مكتوم ، فلما كان بالرَّوحاء ، رَدَّ أبا لبابة بن عبد المنذر ، واستعمله على المدينة ، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ، والراية الواحدة إلى علي بن أبي طالب ، والأخرى التي للأنصار إلى سعد بن معاذ ، وجعل على الساقة قيس بن أبي صَعْصَعَةً ، وسار ، فلما قَرُبَ مِن الصَّفْرَاء ، بعث بَسْبَسَ بنَ عمرو الجهني ، وعدي بن أبي الزغباء إلى بدر يتجسسان أخبار العير ، وأما أبو سفيان ، فإنه بلغه مخرج رسول الله ﷺ وقصده إياه ، فاستأجر ضَمْضَمَ بن عمرو الغفاري إلى مكة ، مُستضرخاً لقريش بالنفير إلى عيرهم ، ليمنعوه من محمد وأصحابه ، وبلغ الصريخ أهل مكة ، فنهضوا مسرعين ، وأوعبوا في الخروج ، فلم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب ، فإنه عوض عنه رجلاً كان له عليه دين ، وحشدُوا فيمن حولهم من قبائل العرب ، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي ، فلم يخرُج معهم منهم أحد ، وخرجوا من ديارهم كما قال تعالى { بَطَرًا وَرِثَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عن سَبِيلِ اللَّهِ } ، وأقبلوا كما قال رسول الله ﷺ ( بِحَدِّهِمْ وَحَدِيدِهِم ، تُحَادُّهُ وتُحَادُّ رَسُولَه ) ، وجاؤوا على حَرْدٍ قادرين ، وعلى حمية ، وغضب ، وحَنَقٍ على رسول الله ﷺ وأصحابه ، لما يُريدون من أخذ عيرهم ، وقتل من فيها ، وقد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرمي ، والعير التي كانت معه ، فجمعهما الله على غير ميعاد كما قال الله تعالى { وَلَوْ تواعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَد ولكن ليقضى الله أمرا كَانَ مَفْعُولاً } ، ولما بلغ رسول الله ﷺ خروجُ قريش ، استشار أصحابه ، فتكلم المهاجرون فأحسَنُوا ، ثم استشارهم ثانياً ، فتكلم المهاجرون فأحسنوا ، ثم استشارهم ثالثاً ، ففهمت الأنصار أنه يعنيهم ، فبادر سعدُ بنُ معاذ ، فقال : يا رسول الله ! كَأَنَّكَ تُعَرِّضُ بنا ؟ وكان إنما يعنيهم ، لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود في ديارهم ، فلما عزم على الخروج ، استشارهم ليعلم ما عندهم ، فقال له سعد : لَعَلَّكَ تَخْشَى أَنْ تَكُون الأَنصارُ تَرَى حقاً عليها أن لا ينصروك إلا في ديارها ، وإني أقول عن الأنصار ، وأجيب عنهم : فاظْعَنْ حَيْثُ شِئْتَ ، وَصِلْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ ، وَاقْطَعْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ ، وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ ، وَأعطِنَا مَا شِئْتَ ، وَمَا أَخَذْتَ مِنَّا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِمَّا تَرَكْتَ ، وَمَا أَمَرْتَ فِيهِ مِنْ أَمْرٍ فَأَمْرُنَا تَبَعٌ لأَمْرِكَ ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ سِرْتَ حَتَّى تَبْلُعَ البَرْكَ مِنْ عمدانَ ، لَنَسِيَرَنَّ مَعَكَ ، وَوَاللَّهِ لَيْنِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذا البَحْرَ خُضْنَاهُ مَعَكَ ، وقَالَ لَهُ المَقْدَادُ : لا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسى : اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينكَ ، وَعَنْ شِمَالِكَ ، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ ، وَمِنْ خَلْفِكَ ، فأشرق وَجْهُ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، وَسُرَّ بِمَا سَمِعَ مِنْ أصحابه ، وقال ﷺ ( سِيرُوا وأبشروا ، فإنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ، وإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَصارِعَ القَوْمِ ) . ❝