❞ اقرأ لمن يضيف إلى خبراتك وأفكارك إضافة توسع من آفاق دنياك، فما كل قراءة ككل قراءة، وإنما القراءة التي نعنيها هي قراءة الأفذاذ في كل ميدان، فهل يعقل في ميدان الفلسفه مثلًا أن أترك أفلاطون وأرسطو وبن سينا وبن رشد وديكارت وهيجل لأقرأ فلانًا وعلانًا وفي الشعر هل يعقل أن اترك البحتري والمتنبي وأبا العلاء لأقرأ فلانًا وعلانًا
نعم قد نقرأ للأوساط بل وللصغار أحيانًا لنتسلى. إنني أذكر سؤالاً وجهته لأستاذ كبير في الفلسفة ف انجلترا، وكنت أزوره لأودعه، إذ سألته كيف ترى جان بول سارتر فنظر إليّ نظره الذاهل للسؤال وقال سارتر ثم أشار بيده نحو رفوف مكتبته وقال وهل فرغت من هؤلاء السادة القادة لأنفق ساعاتي في قراءة سارتر. ❝ ⏤زكي نجيب محمود
❞ اقرأ لمن يضيف إلى خبراتك وأفكارك إضافة توسع من آفاق دنياك، فما كل قراءة ككل قراءة، وإنما القراءة التي نعنيها هي قراءة الأفذاذ في كل ميدان، فهل يعقل في ميدان الفلسفه مثلًا أن أترك أفلاطون وأرسطو وبن سينا وبن رشد وديكارت وهيجل لأقرأ فلانًا وعلانًا وفي الشعر هل يعقل أن اترك البحتري والمتنبي وأبا العلاء لأقرأ فلانًا وعلانًا
نعم قد نقرأ للأوساط بل وللصغار أحيانًا لنتسلى. إنني أذكر سؤالاً وجهته لأستاذ كبير في الفلسفة ف انجلترا، وكنت أزوره لأودعه، إذ سألته كيف ترى جان بول سارتر فنظر إليّ نظره الذاهل للسؤال وقال سارتر ثم أشار بيده نحو رفوف مكتبته وقال وهل فرغت من هؤلاء السادة القادة لأنفق ساعاتي في قراءة سارتر. ❝
❞ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)
قوله تعالى : فلما سمعت بمكرهن أي بغيبتهن إياها ، واحتيالهن في ذمها . وقيل : إنها أطلعتهن واستأمنتهن فأفشين سرها ، فسمي ذلك مكرا .
قوله : أرسلت إليهن في الكلام حذف ; أي أرسلت إليهن تدعوهن إلى وليمة لتوقعهن فيما وقعت فيه ; فقال مجاهد عن ابن عباس : إن امرأة العزيز قالت لزوجها إني أريد أن أتخذ طعاما فأدعو هؤلاء النسوة ; فقال لها : افعلي ; فاتخذت طعاما ، ثم نجدت لهن البيوت ; نجدت أي زينت ; والنجد ما ينجد به البيت من المتاع أي يزين ، والجمع نجود عن أبي عبيد ; والتنجيد التزيين ; وأرسلت إليهن أن يحضرن طعامها ، ولا تتخلف منكن امرأة ممن سميت . قال وهب بن منبه : إنهن كن أربعين امرأة فجئن على كره منهن ، وقد قال فيهن أمية بن أبي الصلت :
حتى إذا جئنها قسرا ومهدت لهن أنضادا وكبابا
ويروى : أنماطا . قال وهب بن منبه : فجئن وأخذن مجالسهن .
وأعتدت لهن متكأ أي هيأت لهن مجالس يتكئن عليها . قال ابن جبير : في كل مجلس جام فيه عسل وأترج وسكين حاد . وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير " متكا " مخففا غير مهموز ، والمتك هو الأترج بلغة القبط ، وكذلك فسره مجاهد روى سفيان عن منصور عن مجاهد قال : المتكأ مثقلا هو الطعام ، والمتك مخففا هو الأترج ; وقال الشاعر :
نشرب الإثم بالصواع جهارا وترى المتك بيننا مستعارا
وقد تقول أزد شنوءة : الأترجة المتكة ; قال الجوهري : المتك ما تبقيه الخاتنة . وأصل المتك الزماورد . والمتكاء من النساء التي لم تخفض . قال الفراء : حدثني شيخ من ثقات أهل البصرة أن المتك مخففا الزماورد . وقال بعضهم : إنه الأترج ; حكاه الأخفش . ابن زيد : أترجا وعسلا يؤكل به ; قال الشاعر :
فظللنا بنعمة واتكأنا وشربنا الحلال من قلله
أي أكلنا .
النحاس : قوله تعالى : " وأعتدت " من العتاد ; وهو كل ما جعلته عدة لشيء . " متكأ " أصح ما قيل فيه ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : مجلسا ، وأما قول جماعة من أهل التفسير إنه الطعام فيجوز على تقدير : طعام متكأ ، مثل : واسأل القرية ; ودل على هذا الحذف وآتت كل واحدة منهن سكينا لأن حضور النساء معهن سكاكين إنما هو لطعام يقطع بالسكاكين ; كذا قال في كتاب " إعراب القرآن " له . وقال في كتاب " معاني القرآن " له :
وروى معمر عن قتادة قال : المتكأ الطعام . وقيل : المتكأ كل ما اتكئ عليه عند طعام أو شراب أو حديث ; وهذا هو المعروف عند أهل اللغة ، إلا أن الروايات قد صحت بذلك . وحكى القتبي أنه يقال : اتكأنا عند فلان أي أكلنا ، والأصل في متكأ موتكأ ، ومثله متزن ومتعد ; لأنه من وزنت ، ووعدت ووكأت ، ويقال : اتكأ يتكئ اتكاء .
وآتت كل واحدة منهن سكينا مفعولان ; وحكى الكسائي والفراء أن السكين يذكر ويؤنث ، وأنشد الفراء :
فعيث في السنام غداة قر بسكين موثقة النصاب
الجوهري : والغالب عليه التذكير ، وقال : يرى ناصحا فيما بدا فإذا خلا فذلك سكين على الحلق حاذق
الأصمعي : لا يعرف في السكين إلا التذكير .
قوله تعالى : وقالت اخرج عليهن بضم التاء لالتقاء الساكنين ; لأن الكسرة تثقل إذا كان بعدها ضمة ، وكسرت التاء على الأصل . قيل : إنها قالت لهن : لا تقطعن ولا تأكلن حتى أعلمكن ، ثم قالت لخادمها : إذا قلت لك ادع إيلا فادع يوسف ; وإيل : صنم كانوا يعبدونه ، وكان يوسف - عليه السلام - يعمل في الطين ، وقد شد مئزره ، وحسر عن ذراعيه ; فقالت للخادم : ادع لي إيلا ; أي ادع لي الرب ; وإيل بالعبرانية الرب ; قال : فتعجب النسوة وقلن : كيف يجيء ؟ ! فصعدت الخادم فدعت يوسف ، فلما انحدر قالت لهن : اقطعن ما معكن .
فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن بالمدى حتى بلغت السكاكين إلى العظم ; قاله وهب بن منبه . سعيد بن جبير : لم يخرج عليهن حتى زينته ، فخرج عليهن فجأة فدهشن فيه ، وتحيرن لحسن وجهه وزينته وما عليه ، فجعلن يقطعن أيديهن ، ويحسبن أنهن يقطعن الأترج ; واختلف في معنى أكبرنه فروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : أعظمنه وهبنه ; وعنه أيضا أمنين وأمذين من الدهش ; وقال الشاعر :
إذا ما رأين الفحل من فوق قارة صهلن وأكبرن المني المدفقا
وقال ابن سمعان عن عدة من أصحابه : إنهم قالوا أمذين عشقا ; وهب بن منبه : عشقنه حتى مات منهن عشر في ذلك المجلس دهشا وحيرة ووجدا بيوسف . وقيل : معناه حضن من الدهش ; قاله قتادة ومقاتل والسدي ; قال الشاعر :
نأتي النساء على أطهارهن ولا نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره وقالوا : ليس ذلك في كلام العرب ، ولكنه يجوز أن يكن حضن من شدة إعظامهن له ، وقد تفزع المرأة فتسقط ولدها أو تحيض . قال الزجاج يقال أكبرنه ، ولا يقال حضنه ، فليس الإكبار بمعنى الحيض ; وأجاب الأزهري فقال : يجوز أكبرت بمعنى حاضت ; لأن المرأة إذا حاضت في الابتداء خرجت من حيز الصغر إلى الكبر ; قال : والهاء في أكبرنه يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية ، وهذا مزيف ، لأن هاء الوقف تسقط في الوصل ، وأمثل منه قول ابن الأنباري : إن الهاء كناية عن مصدر الفعل ، أي أكبرن إكبارا ، بمعنى حضن حيضا . وعلى قول ابن عباس الأول تعود الهاء إلى يوسف ; أي أعظمن يوسف وأجللنه .
قوله تعالى : وقطعن أيديهن قال مجاهد : قطعنها حتى ألقينها . وقيل : خدشنها . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : حزا بالسكين ، قال النحاس : يريد مجاهد أنه ليس قطعا تبين منه اليد ، إنما هو خدش وحز ، وذلك معروف في اللغة أن يقال إذا خدش الإنسان يد صاحبه قطع يده . وقال عكرمة : " أيديهن " أكمامهن ، وفيه بعد . وقيل : أناملهن ; أي ما وجدن ألما في القطع والجرح ، أي لشغل قلوبهن بيوسف ، والتقطيع يشير إلى الكثرة ، فيمكن أن ترجع الكثرة إلى واحدة جرحت يدها في موضع ، ويمكن أن يرجع إلى عددهن .
قوله تعالى : وقلن حاش لله أي معاذ الله . وروى الأصمعي عن نافع أنه قرأ كما قرأ أبو عمرو بن العلاء . " وقلن حاشا لله " بإثبات الألف وهو الأصل ، ومن حذفها جعل اللام في لله عوضا منها . وفيها أربع لغات ; يقال : حاشاك وحاشا لك وحاش لك وحشا لك . ويقال : حاشا زيد وحاشا زيدا ; قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول : النصب أولى ; لأنه قد صح أنها فعل لقولهم حاش لزيد ، والحرف لا يحذف منه ; وقد قال ، النابغة :
ولا أحاشي من الأقوام من أحد
وقال بعضهم : حاش حرف ، وأحاشى فعل . ويدل على كون حاشا فعلا وقوع حرف الجر بعدها . وحكى أبو زيد عن أعرابي : اللهم اغفر لي ولمن يسمع ، حاشا الشيطان وأبا الأصبغ ; فنصب بها . وقرأ الحسن " وقلن حاش لله " بإسكان الشين ، وعنه أيضا " حاش الإله " . ابن مسعود وأبي : " حاش الله " بغير لام ، ومنه قول الشاعر :
حاشا أبي ثوبان إن به ضنا عن الملحاة والشتم
قال الزجاج : وأصل الكلمة من الحاشية ، والحشا بمعنى الناحية ، تقول : كنت في حشا فلان أي في ناحيته ; فقولك : حاشا لزيد أي تنحى زيد من هذا وتباعد عنه ، والاستثناء إخراج وتنحية عن جملة المذكورين . وقال أبو علي : هو فاعل من المحاشاة ; أي حاشا يوسف وصار في حاشية وناحية مما قرف به ، أو من أن يكون بشرا ; فحاشا وحاش في الاستثناء حرف جر عند سيبويه ، وعلى ما قال المبرد وأبو علي فعل .
قوله تعالى : ما هذا بشرا قال الخليل وسيبويه : ما بمنزلة ليس ; تقول : ليس زيد قائما ، و " ما هذا بشرا " و " ما هن أمهاتهم " . وقال الكوفيون : لما حذفت الباء نصبت ; وشرح هذا - فيما قاله أحمد بن يحيى - إنك إذا قلت : ما زيد بمنطلق ، فموضع الباء موضع نصب ، وهكذا سائر حروف الخفض ; فلما حذفت الباء نصبت لتدل على محلها ، قال : وهذا قول الفراء ، قال : ولم تعمل " ما " شيئا ; فألزمهم البصريون أن يقولوا : زيد القمر ; لأن المعنى كالقمر ! فرد أحمد بن يحيى بأن قال : الباء أدخل في حروف الخفض من الكاف ; لأن الكاف تكون اسما . قال النحاس : لا يصح إلا قول البصريين ; وهذا القول يتناقض ; لأن الفراء أجاز نصا ما بمنطلق زيد ، وأنشد :
أما والله أن لو كنت حرا وما بالحر أنت ولا العتيق
ومنع نصا النصب ; ولا نعلم بين النحويين اختلافا أنه جائز : ما فيك براغب زيد ، وما إليك بقاصد عمرو ، ثم يحذفون الباء ويرفعون . وحكى البصريون والكوفيون ما زيد منطلق بالرفع ، وحكى البصريون أنها لغة تميم ، وأنشدوا :
أتيما تجعلون إلي ندا وما تيم لذي حسب نديد
الند والنديد والنديدة المثل والنظير . وحكى الكسائي أنها لغة تهامة ونجد . وزعم الفراء أن الرفع أقوى الوجهين ، قال أبو إسحاق : وهذا غلط ; كتاب الله - عز وجل - ولغة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقوى وأولى .
قلت : وفي مصحف حفصة - رضي الله عنها - " ما هذا ببشر " ذكره الغزنوي . قال القشيري أبو نصر : وذكرت النسوة أن صورة يوسف أحسن من صورة البشر ، بل هو في صورة ملك ; وقال الله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم والجمع بين الآيتين أن قولهن : حاش لله تبرئة ليوسف عما رمته به امرأة العزيز . من المراودة ، أي بعد يوسف عن هذا ; وقولهن : " لله " أي لخوفه ، أي براءة لله من هذا ; أي قد نجا يوسف من ذلك ، فليس هذا من الصورة في شيء ; والمعنى : أنه في التبرئة عن المعاصي كالملائكة ; فعلى هذا لا تناقض . وقيل : المراد تنزيهه عن مشابهة البشر في الصورة ، لفرط جماله . وقوله : " لله " تأكيد لهذا المعنى ; فعلى هذا المعنى قالت النسوة ذلك ظنا منهن أن صورة الملك أحسن ، وما بلغهن قوله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم فإنه من كتابنا . وقد ظن بعض الضعفة أن هذا القول لو كان ظنا باطلا منهن لوجب على الله أن يرد عليهن ، ويبين كذبهن ، وهذا باطل ; إذ لا وجوب على الله تعالى ، وليس كل ما يخبر به الله سبحانه من كفر الكافرين وكذب الكاذبين يجب عليه أن يقرن به الرد عليه ، وأيضا أهل العرف قد يقولون في القبيح كأنه شيطان ، وفي الحسن كأنه ملك ; أي لم ير مثله ، لأن الناس لا يرون الملائكة ; فهو بناء على ظن في أن صورة الملك أحسن ، أو على الإخبار بطهارة أخلاقه وبعده عن التهم . إن هذا إلا ملك أي ما هذا إلا ملك ; وقال الشاعر :
فلست لإنسي ولكن لملأك تنزل من جو السماء يصوب
وروي عن الحسن : " ما هذا بشرى " بكسر الباء والشين ، أي ما هذا عبدا مشترى ، أي ما ينبغي لمثل هذا أن يباع ، فوضع المصدر موضع اسم المفعول ، كما قال : أحل لكم صيد البحر أي مصيده ، وشبهه كثير . ويجوز أن يكون المعنى : ما هذا بثمن ، أي مثله لا يثمن ولا يقوم ; فيراد بالشراء على هذا الثمن المشترى به : كقولك : ما هذا بألف إذا نفيت قول القائل : هذا بألف . فالباء على هذا متعلقة بمحذوف هو الخبر ، كأنه قال : ما هذا مقدرا بشراء . وقراءة العامة أشبه ; لأن بعده إن هذا إلا ملك كريم مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة تعظيما لشأنه ، ولأن مثل " بشرى " يكتب في المصحف بالياء .. ❝ ⏤محمد رشيد رضا
❞ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)
قوله تعالى : فلما سمعت بمكرهن أي بغيبتهن إياها ، واحتيالهن في ذمها . وقيل : إنها أطلعتهن واستأمنتهن فأفشين سرها ، فسمي ذلك مكرا .
قوله : أرسلت إليهن في الكلام حذف ; أي أرسلت إليهن تدعوهن إلى وليمة لتوقعهن فيما وقعت فيه ; فقال مجاهد عن ابن عباس : إن امرأة العزيز قالت لزوجها إني أريد أن أتخذ طعاما فأدعو هؤلاء النسوة ; فقال لها : افعلي ; فاتخذت طعاما ، ثم نجدت لهن البيوت ; نجدت أي زينت ; والنجد ما ينجد به البيت من المتاع أي يزين ، والجمع نجود عن أبي عبيد ; والتنجيد التزيين ; وأرسلت إليهن أن يحضرن طعامها ، ولا تتخلف منكن امرأة ممن سميت . قال وهب بن منبه : إنهن كن أربعين امرأة فجئن على كره منهن ، وقد قال فيهن أمية بن أبي الصلت :
حتى إذا جئنها قسرا ومهدت لهن أنضادا وكبابا
ويروى : أنماطا . قال وهب بن منبه : فجئن وأخذن مجالسهن .
وأعتدت لهن متكأ أي هيأت لهن مجالس يتكئن عليها . قال ابن جبير : في كل مجلس جام فيه عسل وأترج وسكين حاد . وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير ˝ متكا ˝ مخففا غير مهموز ، والمتك هو الأترج بلغة القبط ، وكذلك فسره مجاهد روى سفيان عن منصور عن مجاهد قال : المتكأ مثقلا هو الطعام ، والمتك مخففا هو الأترج ; وقال الشاعر :
نشرب الإثم بالصواع جهارا وترى المتك بيننا مستعارا
وقد تقول أزد شنوءة : الأترجة المتكة ; قال الجوهري : المتك ما تبقيه الخاتنة . وأصل المتك الزماورد . والمتكاء من النساء التي لم تخفض . قال الفراء : حدثني شيخ من ثقات أهل البصرة أن المتك مخففا الزماورد . وقال بعضهم : إنه الأترج ; حكاه الأخفش . ابن زيد : أترجا وعسلا يؤكل به ; قال الشاعر :
فظللنا بنعمة واتكأنا وشربنا الحلال من قلله
أي أكلنا .
النحاس : قوله تعالى : ˝ وأعتدت ˝ من العتاد ; وهو كل ما جعلته عدة لشيء . ˝ متكأ ˝ أصح ما قيل فيه ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : مجلسا ، وأما قول جماعة من أهل التفسير إنه الطعام فيجوز على تقدير : طعام متكأ ، مثل : واسأل القرية ; ودل على هذا الحذف وآتت كل واحدة منهن سكينا لأن حضور النساء معهن سكاكين إنما هو لطعام يقطع بالسكاكين ; كذا قال في كتاب ˝ إعراب القرآن ˝ له . وقال في كتاب ˝ معاني القرآن ˝ له :
وروى معمر عن قتادة قال : المتكأ الطعام . وقيل : المتكأ كل ما اتكئ عليه عند طعام أو شراب أو حديث ; وهذا هو المعروف عند أهل اللغة ، إلا أن الروايات قد صحت بذلك . وحكى القتبي أنه يقال : اتكأنا عند فلان أي أكلنا ، والأصل في متكأ موتكأ ، ومثله متزن ومتعد ; لأنه من وزنت ، ووعدت ووكأت ، ويقال : اتكأ يتكئ اتكاء .
وآتت كل واحدة منهن سكينا مفعولان ; وحكى الكسائي والفراء أن السكين يذكر ويؤنث ، وأنشد الفراء :
فعيث في السنام غداة قر بسكين موثقة النصاب
الجوهري : والغالب عليه التذكير ، وقال : يرى ناصحا فيما بدا فإذا خلا فذلك سكين على الحلق حاذق
الأصمعي : لا يعرف في السكين إلا التذكير .
قوله تعالى : وقالت اخرج عليهن بضم التاء لالتقاء الساكنين ; لأن الكسرة تثقل إذا كان بعدها ضمة ، وكسرت التاء على الأصل . قيل : إنها قالت لهن : لا تقطعن ولا تأكلن حتى أعلمكن ، ثم قالت لخادمها : إذا قلت لك ادع إيلا فادع يوسف ; وإيل : صنم كانوا يعبدونه ، وكان يوسف - عليه السلام - يعمل في الطين ، وقد شد مئزره ، وحسر عن ذراعيه ; فقالت للخادم : ادع لي إيلا ; أي ادع لي الرب ; وإيل بالعبرانية الرب ; قال : فتعجب النسوة وقلن : كيف يجيء ؟ ! فصعدت الخادم فدعت يوسف ، فلما انحدر قالت لهن : اقطعن ما معكن .
فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن بالمدى حتى بلغت السكاكين إلى العظم ; قاله وهب بن منبه . سعيد بن جبير : لم يخرج عليهن حتى زينته ، فخرج عليهن فجأة فدهشن فيه ، وتحيرن لحسن وجهه وزينته وما عليه ، فجعلن يقطعن أيديهن ، ويحسبن أنهن يقطعن الأترج ; واختلف في معنى أكبرنه فروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : أعظمنه وهبنه ; وعنه أيضا أمنين وأمذين من الدهش ; وقال الشاعر :
إذا ما رأين الفحل من فوق قارة صهلن وأكبرن المني المدفقا
وقال ابن سمعان عن عدة من أصحابه : إنهم قالوا أمذين عشقا ; وهب بن منبه : عشقنه حتى مات منهن عشر في ذلك المجلس دهشا وحيرة ووجدا بيوسف . وقيل : معناه حضن من الدهش ; قاله قتادة ومقاتل والسدي ; قال الشاعر :
نأتي النساء على أطهارهن ولا نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره وقالوا : ليس ذلك في كلام العرب ، ولكنه يجوز أن يكن حضن من شدة إعظامهن له ، وقد تفزع المرأة فتسقط ولدها أو تحيض . قال الزجاج يقال أكبرنه ، ولا يقال حضنه ، فليس الإكبار بمعنى الحيض ; وأجاب الأزهري فقال : يجوز أكبرت بمعنى حاضت ; لأن المرأة إذا حاضت في الابتداء خرجت من حيز الصغر إلى الكبر ; قال : والهاء في أكبرنه يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية ، وهذا مزيف ، لأن هاء الوقف تسقط في الوصل ، وأمثل منه قول ابن الأنباري : إن الهاء كناية عن مصدر الفعل ، أي أكبرن إكبارا ، بمعنى حضن حيضا . وعلى قول ابن عباس الأول تعود الهاء إلى يوسف ; أي أعظمن يوسف وأجللنه .
قوله تعالى : وقطعن أيديهن قال مجاهد : قطعنها حتى ألقينها . وقيل : خدشنها . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : حزا بالسكين ، قال النحاس : يريد مجاهد أنه ليس قطعا تبين منه اليد ، إنما هو خدش وحز ، وذلك معروف في اللغة أن يقال إذا خدش الإنسان يد صاحبه قطع يده . وقال عكرمة : ˝ أيديهن ˝ أكمامهن ، وفيه بعد . وقيل : أناملهن ; أي ما وجدن ألما في القطع والجرح ، أي لشغل قلوبهن بيوسف ، والتقطيع يشير إلى الكثرة ، فيمكن أن ترجع الكثرة إلى واحدة جرحت يدها في موضع ، ويمكن أن يرجع إلى عددهن .
قوله تعالى : وقلن حاش لله أي معاذ الله . وروى الأصمعي عن نافع أنه قرأ كما قرأ أبو عمرو بن العلاء . ˝ وقلن حاشا لله ˝ بإثبات الألف وهو الأصل ، ومن حذفها جعل اللام في لله عوضا منها . وفيها أربع لغات ; يقال : حاشاك وحاشا لك وحاش لك وحشا لك . ويقال : حاشا زيد وحاشا زيدا ; قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول : النصب أولى ; لأنه قد صح أنها فعل لقولهم حاش لزيد ، والحرف لا يحذف منه ; وقد قال ، النابغة :
ولا أحاشي من الأقوام من أحد
وقال بعضهم : حاش حرف ، وأحاشى فعل . ويدل على كون حاشا فعلا وقوع حرف الجر بعدها . وحكى أبو زيد عن أعرابي : اللهم اغفر لي ولمن يسمع ، حاشا الشيطان وأبا الأصبغ ; فنصب بها . وقرأ الحسن ˝ وقلن حاش لله ˝ بإسكان الشين ، وعنه أيضا ˝ حاش الإله ˝ . ابن مسعود وأبي : ˝ حاش الله ˝ بغير لام ، ومنه قول الشاعر :
حاشا أبي ثوبان إن به ضنا عن الملحاة والشتم
قال الزجاج : وأصل الكلمة من الحاشية ، والحشا بمعنى الناحية ، تقول : كنت في حشا فلان أي في ناحيته ; فقولك : حاشا لزيد أي تنحى زيد من هذا وتباعد عنه ، والاستثناء إخراج وتنحية عن جملة المذكورين . وقال أبو علي : هو فاعل من المحاشاة ; أي حاشا يوسف وصار في حاشية وناحية مما قرف به ، أو من أن يكون بشرا ; فحاشا وحاش في الاستثناء حرف جر عند سيبويه ، وعلى ما قال المبرد وأبو علي فعل .
قوله تعالى : ما هذا بشرا قال الخليل وسيبويه : ما بمنزلة ليس ; تقول : ليس زيد قائما ، و ˝ ما هذا بشرا ˝ و ˝ ما هن أمهاتهم ˝ . وقال الكوفيون : لما حذفت الباء نصبت ; وشرح هذا - فيما قاله أحمد بن يحيى - إنك إذا قلت : ما زيد بمنطلق ، فموضع الباء موضع نصب ، وهكذا سائر حروف الخفض ; فلما حذفت الباء نصبت لتدل على محلها ، قال : وهذا قول الفراء ، قال : ولم تعمل ˝ ما ˝ شيئا ; فألزمهم البصريون أن يقولوا : زيد القمر ; لأن المعنى كالقمر ! فرد أحمد بن يحيى بأن قال : الباء أدخل في حروف الخفض من الكاف ; لأن الكاف تكون اسما . قال النحاس : لا يصح إلا قول البصريين ; وهذا القول يتناقض ; لأن الفراء أجاز نصا ما بمنطلق زيد ، وأنشد :
أما والله أن لو كنت حرا وما بالحر أنت ولا العتيق
ومنع نصا النصب ; ولا نعلم بين النحويين اختلافا أنه جائز : ما فيك براغب زيد ، وما إليك بقاصد عمرو ، ثم يحذفون الباء ويرفعون . وحكى البصريون والكوفيون ما زيد منطلق بالرفع ، وحكى البصريون أنها لغة تميم ، وأنشدوا :
أتيما تجعلون إلي ندا وما تيم لذي حسب نديد
الند والنديد والنديدة المثل والنظير . وحكى الكسائي أنها لغة تهامة ونجد . وزعم الفراء أن الرفع أقوى الوجهين ، قال أبو إسحاق : وهذا غلط ; كتاب الله - عز وجل - ولغة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقوى وأولى .
قلت : وفي مصحف حفصة - رضي الله عنها - ˝ ما هذا ببشر ˝ ذكره الغزنوي . قال القشيري أبو نصر : وذكرت النسوة أن صورة يوسف أحسن من صورة البشر ، بل هو في صورة ملك ; وقال الله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم والجمع بين الآيتين أن قولهن : حاش لله تبرئة ليوسف عما رمته به امرأة العزيز . من المراودة ، أي بعد يوسف عن هذا ; وقولهن : ˝ لله ˝ أي لخوفه ، أي براءة لله من هذا ; أي قد نجا يوسف من ذلك ، فليس هذا من الصورة في شيء ; والمعنى : أنه في التبرئة عن المعاصي كالملائكة ; فعلى هذا لا تناقض . وقيل : المراد تنزيهه عن مشابهة البشر في الصورة ، لفرط جماله . وقوله : ˝ لله ˝ تأكيد لهذا المعنى ; فعلى هذا المعنى قالت النسوة ذلك ظنا منهن أن صورة الملك أحسن ، وما بلغهن قوله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم فإنه من كتابنا . وقد ظن بعض الضعفة أن هذا القول لو كان ظنا باطلا منهن لوجب على الله أن يرد عليهن ، ويبين كذبهن ، وهذا باطل ; إذ لا وجوب على الله تعالى ، وليس كل ما يخبر به الله سبحانه من كفر الكافرين وكذب الكاذبين يجب عليه أن يقرن به الرد عليه ، وأيضا أهل العرف قد يقولون في القبيح كأنه شيطان ، وفي الحسن كأنه ملك ; أي لم ير مثله ، لأن الناس لا يرون الملائكة ; فهو بناء على ظن في أن صورة الملك أحسن ، أو على الإخبار بطهارة أخلاقه وبعده عن التهم . إن هذا إلا ملك أي ما هذا إلا ملك ; وقال الشاعر :
فلست لإنسي ولكن لملأك تنزل من جو السماء يصوب
وروي عن الحسن : ˝ ما هذا بشرى ˝ بكسر الباء والشين ، أي ما هذا عبدا مشترى ، أي ما ينبغي لمثل هذا أن يباع ، فوضع المصدر موضع اسم المفعول ، كما قال : أحل لكم صيد البحر أي مصيده ، وشبهه كثير . ويجوز أن يكون المعنى : ما هذا بثمن ، أي مثله لا يثمن ولا يقوم ; فيراد بالشراء على هذا الثمن المشترى به : كقولك : ما هذا بألف إذا نفيت قول القائل : هذا بألف . فالباء على هذا متعلقة بمحذوف هو الخبر ، كأنه قال : ما هذا مقدرا بشراء . وقراءة العامة أشبه ; لأن بعده إن هذا إلا ملك كريم مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة تعظيما لشأنه ، ولأن مثل ˝ بشرى ˝ يكتب في المصحف بالياء. ❝
❞ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)
أرسله معنا غدا إلى الصحراء . غدا ظرف ، والأصل عند سيبويه غدو ، وقد نطق به على الأصل ; قال النضر بن شميل : ما بين الفجر وصلاة الصبح يقال له غدوة ، وكذا بكرة .
نرتع ونلعب بالنون وإسكان العين قراءة أهل البصرة . والمعروف من قراءة أهل مكة . " نرتع " بالنون وكسر العين ، وقراءة أهل الكوفة . يرتع ويلعب بالياء وإسكان العين ، وقراءة أهل المدينة بالياء وكسر العين ; القراءة الأولى من قول العرب رتع الإنسان والبعير إذا أكلا كيف شاءا ; والمعنى : نتسع في الخصب ; وكل مخصب راتع ; قال :
فارعي فزارة لا هناك المرتع
وقال آخر :
ترتع ما غفلت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدبار
وقال آخر :
أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعا
أي الراتعة لكثرة المرعى . وروى معمر عن قتادة " ترتع " تسعى ; قال النحاس : أخذه من قوله : إنا ذهبنا نستبق لأن المعنى : نستبق في العدو إلى غاية بعينها ; وكذا " يرتع " بإسكان العين ، إلا أنه ليوسف وحده - صلى الله عليه وسلم - و " يرتع " بكسر العين من رعي الغنم ، أي ليتدرب بذلك ويترجل ; فمرة يرتع ، ومرة يلعب لصغره . وقال القتبي " نرتع " نتحارس ونتحافظ ، ويرعى بعضنا بعضا ; من قولك : رعاك الله ; أي حفظك . " ونلعب " من اللعب وقيل لأبي عمرو بن العلاء : كيف قالوا " ونلعب " وهم أنبياء ؟ فقال : لم يكونوا يومئذ أنبياء . وقيل : المراد باللعب المباح من الانبساط ، لا اللعب المحظور الذي هو ضد الحق ; ولذلك لم ينكر يعقوب قولهم " ونلعب " . ومنه قوله - عليه السلام - : فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك . وقرأ مجاهد وقتادة : يرتع على معنى يرتع مطيته ، فحذف المفعول ; ويلعب بالرفع على الاستئناف ; والمعنى : هو ممن يلعب
وإنا له لحافظون من كل ما تخاف عليه . ثم يحتمل أنهم كانوا يخرجون ركبانا ، ويحتمل أنهم كانوا رجالة . وقد نقل أنهم حملوا يوسف على أكتافهم ما دام يعقوب يراهم ، ثم لما غابوا عن عينه طرحوه ليعدو معهم إضرارا به .. ❝ ⏤محمد رشيد رضا
❞ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)
أرسله معنا غدا إلى الصحراء . غدا ظرف ، والأصل عند سيبويه غدو ، وقد نطق به على الأصل ; قال النضر بن شميل : ما بين الفجر وصلاة الصبح يقال له غدوة ، وكذا بكرة .
نرتع ونلعب بالنون وإسكان العين قراءة أهل البصرة . والمعروف من قراءة أهل مكة . ˝ نرتع ˝ بالنون وكسر العين ، وقراءة أهل الكوفة . يرتع ويلعب بالياء وإسكان العين ، وقراءة أهل المدينة بالياء وكسر العين ; القراءة الأولى من قول العرب رتع الإنسان والبعير إذا أكلا كيف شاءا ; والمعنى : نتسع في الخصب ; وكل مخصب راتع ; قال :
فارعي فزارة لا هناك المرتع
وقال آخر :
ترتع ما غفلت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدبار
وقال آخر :
أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعا
أي الراتعة لكثرة المرعى . وروى معمر عن قتادة ˝ ترتع ˝ تسعى ; قال النحاس : أخذه من قوله : إنا ذهبنا نستبق لأن المعنى : نستبق في العدو إلى غاية بعينها ; وكذا ˝ يرتع ˝ بإسكان العين ، إلا أنه ليوسف وحده - صلى الله عليه وسلم - و ˝ يرتع ˝ بكسر العين من رعي الغنم ، أي ليتدرب بذلك ويترجل ; فمرة يرتع ، ومرة يلعب لصغره . وقال القتبي ˝ نرتع ˝ نتحارس ونتحافظ ، ويرعى بعضنا بعضا ; من قولك : رعاك الله ; أي حفظك . ˝ ونلعب ˝ من اللعب وقيل لأبي عمرو بن العلاء : كيف قالوا ˝ ونلعب ˝ وهم أنبياء ؟ فقال : لم يكونوا يومئذ أنبياء . وقيل : المراد باللعب المباح من الانبساط ، لا اللعب المحظور الذي هو ضد الحق ; ولذلك لم ينكر يعقوب قولهم ˝ ونلعب ˝ . ومنه قوله - عليه السلام - : فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك . وقرأ مجاهد وقتادة : يرتع على معنى يرتع مطيته ، فحذف المفعول ; ويلعب بالرفع على الاستئناف ; والمعنى : هو ممن يلعب
وإنا له لحافظون من كل ما تخاف عليه . ثم يحتمل أنهم كانوا يخرجون ركبانا ، ويحتمل أنهم كانوا رجالة . وقد نقل أنهم حملوا يوسف على أكتافهم ما دام يعقوب يراهم ، ثم لما غابوا عن عينه طرحوه ليعدو معهم إضرارا به. ❝
❞ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
ولم يكن له كفوا أحد أي لم يكن له مثلا أحد . وفيه تقديم وتأخير ؛ تقديره : ولم يكن له كفوا أحد ؛ فقدم خبر كان على اسمها ، لينساق أواخر الآي على نظم واحد . وقرئ كفوا بضم الفاء وسكونها ، وقد تقدم في ( البقرة ) أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم ، فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان ؛ إلا قوله تعالى : وجعلوا له من عباده جزءا لعلة تقدمت . وقرأ حفص كفوا مضموم الفاء غير مهموز . وكلها لغات فصيحة .
القول في الأحاديث الواردة في فضل هذه السورة ؛ وفيه ثلاث مسائل :
الأولى : ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها ؛ فلما أصبح جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، وكان الرجل يتقالها ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن . وعنه قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ فشق ذلك عليهم ، وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : الله الواحد الصمد ثلث القرآن خرجه مسلم من حديث أبي الدرداء بمعناه . وخرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن " فحشد من حشد ؛ ثم خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ قل هو الله أحد ثم دخل فقال بعضنا لبعض : إني أرى هذا خبرا جاءه من السماء ، فذاك الذي أدخله . ثم خرج فقال : " إني قلت لكم سأقرأ عليكم ثلث القرآن ، ألا إنها تعدل ثلث القرآن " قال بعض العلماء : إنها عدلت ثلث القرآن لأجل هذا الاسم ، الذي هو الصمد ، فإنه لا يوجد في غيرها من السور . وكذلك أحد . وقيل : إن القرآن أنزل أثلاثا ، ثلثا منه أحكام ، وثلثا منه وعد ووعيد ، وثلثا منه أسماء وصفات ، وقد جمعت قل هو الله أحد أحد الأثلاث ، وهو الأسماء والصفات . ودل على هذا التأويل ما في صحيح مسلم ، من حديث أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله جل وعز جزأ القرآن ثلاثة أجزاء ، فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القرآن " . وهذا نص ؛ وبهذا المعنى سميت سورة الإخلاص ، والله أعلم .
الثانية : روى مسلم عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلا على سرية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم ، فيختم ب قل هو الله أحد ؛ فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " سلوه لأي شيء يصنع ذلك " ؟ فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن ، فأنا أحب أن أقرأ بها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أخبروه أن الله - عز وجل - يحبه " . وروى الترمذي عن أنس بن مالك قال : كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء ، وكان كلما افتتح سورة يقرؤها لهم في الصلاة فقرأ بها افتتح ب قل هو الله أحد ؛ حتى يفرغ منها ، ثم يقرأ بسورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة ، فكلمه أصحابه ، فقالوا : إنك تقرأ بهذه السورة ، ثم لا ترى أنها تجزيك حتى تقرأ بسورة أخرى ، فإما أن تقرأ بها ، وإما أن تدعها وتقرأ بسورة أخرى ؟ قال : ما أنا بتاركها وإن أحببتم أن أؤمكم بها فعلت ، وإن كرهتم تركتكم ؛ وكانوا يرونه أفضلهم ، وكرهوا أن يؤمهم غيره ، فلما أتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبروه الخبر ، فقال : " يا فلان ما يمنعك مما يأمر به أصحابك ؟ وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة " ؟ فقال : يا رسول الله ، إني أحبها ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن حبها أدخلك الجنة " . قال : حديث حسن غريب صحيح .
قال ابن العربي : ( فكان هذا دليلا على أنه يجوز تكرار سورة في كل ركعة . وقد رأيت على باب الأسباط فيما يقرب منه ، إماما من جملة الثمانية والعشرين إماما ، كان يصلي فيه التراويح في رمضان بالأتراك ؛ فيقرأ في كل ركعة الحمد لله و قل هو الله أحد حتى يتم التراويح ؛ تخفيفا عليه ، ورغبة في فضلها وليس من السنة ختم القرآن في رمضان ) .
قلت : هذا نص قول مالك ، قال مالك : وليس ختم القرآن في المساجد بسنة .
الثالثة : روى الترمذي عن أنس بن مالك قال : أقبلت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وجبت " . قلت : وما وجبت ؟ قال : " الجنة " . قال : هذا حديث حسن صحيح . قال الترمذي : حدثنا محمد بن مرزوق البصري قال حدثنا حاتم بن ميمون أبو سهل عن ثابت البناني عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من قرأ كل يوم مائتي مرة قل هو الله أحد ، محي عنه ذنوب خمسين سنة ، إلا أن يكون عليه دين .
وبهذا الإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أراد أن ينام على فراشه ، فنام على يمينه ، ثم قرأ قل هو الله أحد مائة مرة ، فإذا كان يوم القيامة يقول الرب : يا عبدي ، ادخل على يمينك الجنة " . قال : هذا حديث غريب من حديث ثابت عن أنس . وفي مسند أبي محمد الدارمي ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قرأ قل هو الله أحد خمسين مرة ، غفرت له ذنوب خمسين سنة " قال : وحدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثنا حيوة قال : أخبرني أبو عقيل : أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قرأ قل هو الله أحد عشرة مرات بني له قصر في الجنة . ومن قرأها عشرين مرة بني له بها قصران في الجنة . ومن قرأها ثلاثين مرة بني له بها ثلاثة قصور في الجنة " . فقال عمر بن الخطاب : والله يا رسول الله إذا لنكثرن قصورنا ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الله أوسع من ذلك " قال أبو محمد : أبو عقيل زهرة بن معبد ، وزعموا أنه كان من الأبدال . وذكر أبو نعيم الحافظ من حديث أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أبيه ، قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قرأ قل هو الله أحد في مرضه الذي يموت فيه ، لم يفتن في قبره . وأمن من ضغطة القبر . وحملته الملائكة يوم القيامة بأكفها ، حتى تجيزه من الصراط إلى الجنة " . قال : هذا حديث غريب من حديث يزيد ، تفرد به نصر بن حماد البجلي . وذكر أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ عن عيسى بن أبي فاطمة الرازي قال : سمعت مالك بن أنس يقول : إذا نقس بالناقوس اشتد غضب الرحمن ، فتنزل الملائكة ، فيأخذون بأقطار الأرض ، فلا يزالون يقرءون قل هو الله أحد حتى يسكن غضبه جل وعز . وخرج من حديث محمد بن خالد الجندي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من دخل يوم الجمعة المسجد ، فصلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و قل هو الله أحد خمسين مرة فذلك مائتا مرة في أربع ركعات ، لم يمت حتى يرى منزله في الجنة أو يرى له " .
وقال أبو عمر مولى جرير بن عبد الله البجلي ، عن جرير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قرأ قل هو الله أحد حين يدخل منزله ، نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل وعن الجيران " .
وعن أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قرأ قل هو الله أحد مرة بورك عليه ، ومن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهله ، ومن قرأها ثلاث مرات بورك عليه وعلى جميع جيرانه ، ومن قرأها اثنتي عشرة بنى الله له اثني عشر قصرا في الجنة ، وتقول الحفظة انطلقوا بنا ننظر إلى قصر أخينا ، فإن قرأها مائة مرة كفر الله عنه ذنوب خمسين سنة ، ما خلا الدماء والأموال ، فإن قرأها أربعمائة مرة كفر الله عنه ذنوب مائة سنة ، فإن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه في الجنة أو يرى له " . وعن سهل بن سعد الساعدي قال : شكا رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفقر وضيق المعيشة ؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا دخلت البيت فسلم إن كان فيه أحد ، وإن لم يكن فيه أحد فسلم علي ، واقرأ قل هو الله أحد مرة واحدة " ففعل الرجل فأدر الله عليه الرزق ، حتى أفاض على جيرانه . وقال أنس : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك ، فطلعت الشمس بيضاء لها شعاع ونور ، لم أرها فيما مضى طلعت قط كذلك ، فأتى جبريل ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا جبريل ، ما لي أرى الشمس طلعت بيضاء بشعاع لم أرها طلعت كذلك فيما مضى قط " ؟ فقال : " ذلك لأن معاوية الليثي توفي بالمدينة اليوم ، فبعث الله سبعين ألف ملك يصلون عليه " . قال " ومم ذلك " ؟ قال : " كان يكثر قراءة قل هو الله أحد آناء الليل وآناء النهار ، وفي ممشاه وقيامه وقعوده ، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض . فتصلي عليه " ؟ قال : " نعم " فصلى عليه ثم رجع . ذكره الثعلبي ، والله أعلم .. ❝ ⏤أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني
❞ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
ولم يكن له كفوا أحد أي لم يكن له مثلا أحد . وفيه تقديم وتأخير ؛ تقديره : ولم يكن له كفوا أحد ؛ فقدم خبر كان على اسمها ، لينساق أواخر الآي على نظم واحد . وقرئ كفوا بضم الفاء وسكونها ، وقد تقدم في ( البقرة ) أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم ، فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان ؛ إلا قوله تعالى : وجعلوا له من عباده جزءا لعلة تقدمت . وقرأ حفص كفوا مضموم الفاء غير مهموز . وكلها لغات فصيحة .
القول في الأحاديث الواردة في فضل هذه السورة ؛ وفيه ثلاث مسائل :
الأولى : ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها ؛ فلما أصبح جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، وكان الرجل يتقالها ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن . وعنه قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ فشق ذلك عليهم ، وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : الله الواحد الصمد ثلث القرآن خرجه مسلم من حديث أبي الدرداء بمعناه . وخرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن ˝ فحشد من حشد ؛ ثم خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ قل هو الله أحد ثم دخل فقال بعضنا لبعض : إني أرى هذا خبرا جاءه من السماء ، فذاك الذي أدخله . ثم خرج فقال : ˝ إني قلت لكم سأقرأ عليكم ثلث القرآن ، ألا إنها تعدل ثلث القرآن ˝ قال بعض العلماء : إنها عدلت ثلث القرآن لأجل هذا الاسم ، الذي هو الصمد ، فإنه لا يوجد في غيرها من السور . وكذلك أحد . وقيل : إن القرآن أنزل أثلاثا ، ثلثا منه أحكام ، وثلثا منه وعد ووعيد ، وثلثا منه أسماء وصفات ، وقد جمعت قل هو الله أحد أحد الأثلاث ، وهو الأسماء والصفات . ودل على هذا التأويل ما في صحيح مسلم ، من حديث أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ˝ إن الله جل وعز جزأ القرآن ثلاثة أجزاء ، فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القرآن ˝ . وهذا نص ؛ وبهذا المعنى سميت سورة الإخلاص ، والله أعلم .
الثانية : روى مسلم عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلا على سرية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم ، فيختم ب قل هو الله أحد ؛ فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ˝ سلوه لأي شيء يصنع ذلك ˝ ؟ فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن ، فأنا أحب أن أقرأ بها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ أخبروه أن الله - عز وجل - يحبه ˝ . وروى الترمذي عن أنس بن مالك قال : كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء ، وكان كلما افتتح سورة يقرؤها لهم في الصلاة فقرأ بها افتتح ب قل هو الله أحد ؛ حتى يفرغ منها ، ثم يقرأ بسورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة ، فكلمه أصحابه ، فقالوا : إنك تقرأ بهذه السورة ، ثم لا ترى أنها تجزيك حتى تقرأ بسورة أخرى ، فإما أن تقرأ بها ، وإما أن تدعها وتقرأ بسورة أخرى ؟ قال : ما أنا بتاركها وإن أحببتم أن أؤمكم بها فعلت ، وإن كرهتم تركتكم ؛ وكانوا يرونه أفضلهم ، وكرهوا أن يؤمهم غيره ، فلما أتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبروه الخبر ، فقال : ˝ يا فلان ما يمنعك مما يأمر به أصحابك ؟ وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة ˝ ؟ فقال : يا رسول الله ، إني أحبها ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ إن حبها أدخلك الجنة ˝ . قال : حديث حسن غريب صحيح .
قال ابن العربي : ( فكان هذا دليلا على أنه يجوز تكرار سورة في كل ركعة . وقد رأيت على باب الأسباط فيما يقرب منه ، إماما من جملة الثمانية والعشرين إماما ، كان يصلي فيه التراويح في رمضان بالأتراك ؛ فيقرأ في كل ركعة الحمد لله و قل هو الله أحد حتى يتم التراويح ؛ تخفيفا عليه ، ورغبة في فضلها وليس من السنة ختم القرآن في رمضان ) .
قلت : هذا نص قول مالك ، قال مالك : وليس ختم القرآن في المساجد بسنة .
الثالثة : روى الترمذي عن أنس بن مالك قال : أقبلت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ وجبت ˝ . قلت : وما وجبت ؟ قال : ˝ الجنة ˝ . قال : هذا حديث حسن صحيح . قال الترمذي : حدثنا محمد بن مرزوق البصري قال حدثنا حاتم بن ميمون أبو سهل عن ثابت البناني عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من قرأ كل يوم مائتي مرة قل هو الله أحد ، محي عنه ذنوب خمسين سنة ، إلا أن يكون عليه دين .
وبهذا الإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ˝ من أراد أن ينام على فراشه ، فنام على يمينه ، ثم قرأ قل هو الله أحد مائة مرة ، فإذا كان يوم القيامة يقول الرب : يا عبدي ، ادخل على يمينك الجنة ˝ . قال : هذا حديث غريب من حديث ثابت عن أنس . وفي مسند أبي محمد الدارمي ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ من قرأ قل هو الله أحد خمسين مرة ، غفرت له ذنوب خمسين سنة ˝ قال : وحدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثنا حيوة قال : أخبرني أبو عقيل : أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ˝ من قرأ قل هو الله أحد عشرة مرات بني له قصر في الجنة . ومن قرأها عشرين مرة بني له بها قصران في الجنة . ومن قرأها ثلاثين مرة بني له بها ثلاثة قصور في الجنة ˝ . فقال عمر بن الخطاب : والله يا رسول الله إذا لنكثرن قصورنا ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ الله أوسع من ذلك ˝ قال أبو محمد : أبو عقيل زهرة بن معبد ، وزعموا أنه كان من الأبدال . وذكر أبو نعيم الحافظ من حديث أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أبيه ، قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ من قرأ قل هو الله أحد في مرضه الذي يموت فيه ، لم يفتن في قبره . وأمن من ضغطة القبر . وحملته الملائكة يوم القيامة بأكفها ، حتى تجيزه من الصراط إلى الجنة ˝ . قال : هذا حديث غريب من حديث يزيد ، تفرد به نصر بن حماد البجلي . وذكر أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ عن عيسى بن أبي فاطمة الرازي قال : سمعت مالك بن أنس يقول : إذا نقس بالناقوس اشتد غضب الرحمن ، فتنزل الملائكة ، فيأخذون بأقطار الأرض ، فلا يزالون يقرءون قل هو الله أحد حتى يسكن غضبه جل وعز . وخرج من حديث محمد بن خالد الجندي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ من دخل يوم الجمعة المسجد ، فصلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و قل هو الله أحد خمسين مرة فذلك مائتا مرة في أربع ركعات ، لم يمت حتى يرى منزله في الجنة أو يرى له ˝ .
وقال أبو عمر مولى جرير بن عبد الله البجلي ، عن جرير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ من قرأ قل هو الله أحد حين يدخل منزله ، نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل وعن الجيران ˝ .
وعن أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ من قرأ قل هو الله أحد مرة بورك عليه ، ومن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهله ، ومن قرأها ثلاث مرات بورك عليه وعلى جميع جيرانه ، ومن قرأها اثنتي عشرة بنى الله له اثني عشر قصرا في الجنة ، وتقول الحفظة انطلقوا بنا ننظر إلى قصر أخينا ، فإن قرأها مائة مرة كفر الله عنه ذنوب خمسين سنة ، ما خلا الدماء والأموال ، فإن قرأها أربعمائة مرة كفر الله عنه ذنوب مائة سنة ، فإن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه في الجنة أو يرى له ˝ . وعن سهل بن سعد الساعدي قال : شكا رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفقر وضيق المعيشة ؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ إذا دخلت البيت فسلم إن كان فيه أحد ، وإن لم يكن فيه أحد فسلم علي ، واقرأ قل هو الله أحد مرة واحدة ˝ ففعل الرجل فأدر الله عليه الرزق ، حتى أفاض على جيرانه . وقال أنس : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك ، فطلعت الشمس بيضاء لها شعاع ونور ، لم أرها فيما مضى طلعت قط كذلك ، فأتى جبريل ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ يا جبريل ، ما لي أرى الشمس طلعت بيضاء بشعاع لم أرها طلعت كذلك فيما مضى قط ˝ ؟ فقال : ˝ ذلك لأن معاوية الليثي توفي بالمدينة اليوم ، فبعث الله سبعين ألف ملك يصلون عليه ˝ . قال ˝ ومم ذلك ˝ ؟ قال : ˝ كان يكثر قراءة قل هو الله أحد آناء الليل وآناء النهار ، وفي ممشاه وقيامه وقعوده ، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض . فتصلي عليه ˝ ؟ قال : ˝ نعم ˝ فصلى عليه ثم رجع . ذكره الثعلبي ، والله أعلم. ❝
⏤
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني