█ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قوله تعالى : فلما سمعت بمكرهن أي بغيبتهن إياها واحتيالهن ذمها وقيل إنها أطلعتهن واستأمنتهن فأفشين سرها فسمي ذلك مكرا قوله أرسلت إليهن الكلام حذف ; تدعوهن إلى وليمة لتوقعهن فيما وقعت فيه فقال مجاهد عن ابن عباس إن امرأة العزيز قالت لزوجها إني أريد أن أتخذ طعاما فأدعو هؤلاء النسوة لها افعلي فاتخذت ثم نجدت لهن البيوت زينت والنجد ما ينجد به البيت من المتاع يزين والجمع نجود أبي عبيد والتنجيد التزيين وأرسلت يحضرن طعامها ولا تتخلف منكن ممن سميت قال وهب بن منبه إنهن كن أربعين فجئن كره منهن وقد فيهن أمية الصلت : حتى إذا جئنها قسرا ومهدت أنضادا وكبابا ويروى أنماطا وأخذن مجالسهن وأعتدت متكأ هيأت مجالس يتكئن عليها جبير كل مجلس جام عسل كتاب تفسير سورة يوسف مجاناً PDF اونلاين 2024 وصف pdfتاليف محمد رشيد رضا (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن)آية مليئة بالمعاني الكثيرة التي تيبن أروع حدثت تعرض سيدنا لظلم إخوته حتي يقربوا أباهم منهم لأن الشيطان أوهمهم أنه بعيد عنهم ولكن كان لذالك القصة حكمة الله وهو نشر الدين بلاد مصر حتى تحقق أمر بفضله وإرادته
❞ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)
قوله تعالى : قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم
فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : قال بل سولت أي زينت .
˝ لكم أنفسكم ˝ أن ابني سرق وما سرق ، وإنما ذلك لأمر يريده الله
فصبر جميل أي فشأني صبر جميل أو صبر جميل أولى بي على ما تقدم أول السورة .
الواجب على كل مسلم إذا أصيب بمكروه في نفسه أو ولده أو ماله أن يتلقى ذلك بالصبر الجميل ، والرضا والتسليم لمجريه عليه وهو العليم الحكيم ، ويقتدي بنبي الله يعقوب وسائر النبيين - صلوات الله عليهم أجمعين - . وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال : ما من جرعتين يتجرعهما العبد أحب إلى الله من جرعة مصيبة يتجرعها العبد بحسن صبر وحسن عزاء ، وجرعة غيظ يتجرعها العبد بحلم وعفو . وقال ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى : فصبر جميل أي لا أشكو ذلك إلى أحد . وروى مقاتل بن سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من بث لم يصبر . وقد تقدم في ˝ البقرة ˝ أن الصبر عند أول الصدمة ، وثواب من ذكر مصيبته واسترجع وإن تقادم عهدها . وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : إن يعقوب أعطي على يوسف أجر مائة شهيد ، وكذلك من احتسب من هذه الأمة في مصيبته فله مثل أجر يعقوب - عليه السلام - .
قوله تعالى : عسى الله أن يأتيني بهم جميعا لأنه كان عنده أن يوسف - صلى الله عليه وسلم - لم يمت ، وإنما غاب عنه خبره ; لأن يوسف حمل وهو عبد لا يملك لنفسه شيئا ، ثم اشتراه الملك فكان في داره لا يظهر للناس ، ثم حبس ، فلما تمكن احتال في أن يعلم أبوه خبره ; ولم يوجه برسول لأنه كره من إخوته أن يعرفوا ذلك فلا يدعوا الرسول يصل إليه وقال : ˝ بهم ˝ لأنهم ثلاثة ; يوسف وأخوه ، والمتخلف من أجل أخيه ، وهو القائل : فلن أبرح الأرض . ˝ إنه هو العليم ˝ بحالي ، ˝ الحكيم ˝ فيما يقضي . ❝
❞ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)
قوله تعالى : وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قوله تعالى : وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي لما ثبت للملك براءته مما نسب إليه ; وتحقق في القصة أمانته ، وفهم أيضا صبره وجلده عظمت منزلته عنده ، وتيقن حسن خلاله قال : ائتوني به أستخلصه لنفسي فانظر إلى قول الملك أولا - حين تحقق علمه - ائتوني به فقط ، فلما فعل يوسف ما فعل ثانيا قال : ائتوني به أستخلصه لنفسي وروي عن وهب بن منبه قال : لما دعي يوسف وقف بالباب فقال : حسبي ربي من خلقه ، عز جاره وجل ثناؤه ولا إله غيره . ثم دخل فلما نظر إليه الملك نزل عن سريره فخر له ساجدا ; ثم أقعده الملك معه على سريره فقال . إنك اليوم لدينا مكين أمين قال له يوسف اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ للخزائن عليم بوجوه تصرفاتها . وقيل : حافظ للحساب ، عليم بالألسن . وفي الخبر : يرحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكن أخر ذلك سنة . وقيل : إنما تأخر تمليكه إلى سنة لأنه لم يقل إن شاء الله . وقد قيل في هذه القصة : إن يوسف - عليه السلام - لما دخل على الملك قال : اللهم إني أسألك بخيرك من خيره ، وأعوذ بك من شره وشر غيره ; ثم سلم على الملك بالعربية فقال : ما هذا اللسان ؟ قال : هذا لسان عمي إسماعيل ، ثم دعا له بالعبرانية فقال : ما هذا اللسان ؟ قال : لسان آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ; وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا ، فكلما تكلم الملك بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان ، فأعجب الملك أمره ، وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلاثين سنة ; ثم أجلسه على سريره وقال : أحب أن أسمع منك رؤياي ، قال يوسف نعم أيها الملك ! رأيت سبع بقرات سمان شهبا غرا حسانا ، كشف لك عنهن النيل فطلعن عليك من شاطئه تشخب أخلافها لبنا ; فبينا أنت تنظر إليهن وتتعجب من حسنهن إذ نضب النيل فغار ماؤه ، وبدا أسه ، فخرج من حمئه ووحله سبع بقرات عجاف شعث غبر مقلصات البطون ، ليس لهن ضروع ولا أخلاف ، لهن أنياب وأضراس ، وأكف كأكف الكلاب وخراطيم كخراطيم السباع ، فاختلطن بالسمان فافترسنهن افتراس السباع ، فأكلن لحومهن ، ومزقن جلودهن ، وحطمن عظامهن ، ومشمشن مخهن ; فبينا أنت تنظر وتتعجب كيف غلبنهن وهن مهازيل ! ثم لم يظهر منهن سمن ولا زيادة بعد أكلهن ! إذا بسبع سنابل خضر طريات ناعمات ممتلئات حبا وماء ، وإلى جانبهن سبع يابسات ليس فيهن ماء ولا خضرة في منبت واحد ، عروقهن في الثرى والماء ، فبينا أنت تقول في نفسك : أي شيء هذا ؟ ! هؤلاء خضر مثمرات ، وهؤلاء سود يابسات ، والمنبت واحد ، وأصولهن في الماء ، إذ هبت ريح فذرت الأوراق من اليابسات السود على الخضر المثمرات ، فأشعلت فيهن النار فأحرقتهن ; فصرن سودا مغبرات ; فانتبهت مذعورا أيها الملك ; فقال الملك : والله ما شأن هذه الرؤيا وإن كان عجبا بأعجب مما سمعت منك ! فما ترى في رؤياي أيها الصديق ؟ فقال يوسف : أرى أن تجمع الطعام ، وتزرع زرعا كثيرا في هذه السنين المخصبة ; فإنك لو زرعت على حجر أو مدر لنبت ، وأظهر الله فيه النماء والبركة ، ثم ترفع الزرع في قصبه وسنبله تبني له المخازن العظام ; فيكون القصب والسنبل علفا للدواب ، وحبه للناس ، وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم إلى أهرائك الخمس ; فيكفيك من الطعام الذي جمعته لأهل مصر ومن حولها ، ويأتيك الخلق من النواحي يمتارون منك ، ويجتمع عندك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد قبلك ; فقال الملك : ومن لي بتدبير هذه الأمور ؟ ولو جمعت أهل مصر جميعا ما أطاقوا ، ولم يكونوا فيه أمناء ; فقال يوسف - عليه السلام - عند ذلك : اجعلني على خزائن الأرض أي على خزائن أرضك ; وهي جمع خزانة ; ودخلت الألف واللام عوضا من الإضافة ، كقول النابغة :
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم من الجود والأحلام غير كواذب
قوله تعالى : أستخلصه لنفسي جزم لأنه جواب الأمر ; وهذا يدل على أن قوله : ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب جرى في السجن . ويحتمل أنه جرى عند الملك ثم قال في مجلس آخر : ائتوني به تأكيدا أستخلصه لنفسي أي أجعله خالصا لنفسي ، أفوض إليه أمر مملكتي ; فذهبوا فجاءوا به ; ودل على هذا قوله : ˝ فلما كلمه ˝ أي كلم الملك يوسف ، وسأله عن الرؤيا فأجاب يوسف ; ف ˝ قال ˝ الملك : إنك اليوم لدينا مكين أمين أي متمكن نافذ القول ، أمين لا تخاف غدرا . ❝
❞ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48)
قوله تعالى : ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون
فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : سبع شداد يعني السنين المجدبات .
˝ يأكلن ˝ مجاز ، والمعنى يأكل أهلهن .
ما قدمتم لهن أي ما ادخرتم لأجلهن ; ونحوه قول القائل :
نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم
والنهار لا يسهو ، والليل لا ينام ; وإنما يسهى في النهار ، وينام في الليل . وحكى زيد بن أسلم عن أبيه : أن يوسف كان يضع طعام الاثنين فيقربه إلى رجل واحد فيأكل بعضه ، حتى إذا كان يوم قربه له فأكله كله ; فقال يوسف : هذا أول يوم من السبع الشداد .
˝ إلا قليلا ˝ نصب على الاستثناء .
مما تحصنون أي مما تحبسون لتزرعوا ; لأن في استبقاء البذر تحصين الأقوات . وقال أبو عبيدة : تحرزون . وقال قتادة : ˝ تحصنون ˝ تدخرون ، والمعنى واحد ; وهو يدل على جواز احتكار الطعام إلى وقت الحاجة .
الثانية : هذه الآية أصل في صحة رؤيا الكافر ، وأنها تخرج على حسب ما رأى ، لا سيما إذا تعلقت بمؤمن ; فكيف إذا كانت آية لنبي . ومعجزة لرسول ، وتصديقا لمصطفى للتبليغ ، وحجة للواسطة بين الله - جل جلاله - وبين عباده . ❝