❞wedad jalloul❝ - المكتبة

❞ أحس برغبة ملحّة لجذب انتباهها، فحمحم، مما جعلها تلتفت له بسرعة، وعينيها تتسعان من الدهشة: \"إياد!\" شهقت بقوة عندما رأته يقف أمامها بابتسامة عاشقة. عضّ على شفته السفلى، ومدّ ذراعيه نحوها، وقبل أن يصل إليها، قفزت في أحضانه كفراشة تعانق وردة، لتستقر في ثنايا ذراعيه بقوة. احتضنها حتى كاد أن يكسر ضلوعها، ولكنها كانت مستمتعةً بذلك الحضن القاسي، وتلك الرائحة التي تجعلها تذوب في غمرته. أطلق زفراته بسعادة، وعيناه تنهمران بالحب والحنان، وهو يرفعها قليلاً عن الأرض، مُقابلاً وجهها بوجهه. أنغام الفرح تغمرهما، وابتسم في عينيها اللتين تشعّان بالأمل: \"لقد اشتقت لكِ بحجم السماء والأرض\". ❝ ⏤وداد جلول

❞ كانت نظرتها له مليئة بالذهول، وجعاً يعتصر قلبها. بلل شفتيه وتقدّم نحوها بنظرة تحذيرية تشي بشيء خطير، قائلاً: \"استمعي إليَّ جيداً حياة. لقد كنت رحيماً بكِ، ولم أحرّمكِ من رهف، بل عرضت عليكِ العيش معنا والعودة لي فقط من أجلها. أما الآن إذا كنتِ مصممةً على الطلاق، فليكن، لكن لا تحلمي برؤية ظفر رهف. سآخذها لتنعم بنوم هادئ، وعندما أعود، سيكون لديكِ القرار الذي أنتظره. فكّري جيداً في الأمر.\" أنهى حديثه وكأنما بصق بأفكاره في وجهها، مما جعلها تتجمد في مكانها، وكأن الزمان قد توقف. حمل ابنته، التي بدت على ملامحها علامات النعاس، وصعد بها إلى الغرفة، تاركاً حياة على الأريكة، تتخبط في دوامة أفكارها. كانت تعرف، بل متيقنة، بأنها لن تستطيع مواجهة جبروته، وأن لا شيء سيمنعه من تحقيق ما يريده. فأفكارها تتأرجح بين شدة الموقف وواقع ابنتها، فتكررت في ذهنها كصدى مزلزل: جيد، هي لا تحبه ولا تعشقه، إنما ستبقى هنا لأجل رهف وحدها، فقط من أجلها. هو لا يعني لها شيئاً، ولن تأبه له، لكن تلك الكلمات كانت كالعقدة التي تكبل روحها.. ❝ ⏤وداد جلول

❞ ينقل خطواته نحو الباب، رغم صوتها الملتهب الذي كان يصرخ بالاستغاثة، أخرج ورقة من جيبه ورماها بوجه حياة. كان وقوع الورقة كالسهم الذي يخترق صميم روحها: \"سأعيد رهف معي، وهذه الورقة تثبت أنني من حقي أخذها، خاصةً وأنكِ لم تَعلمينِي بذلك، وهذا جعل جميع الأمور تسير بما يناسبني. لم أشأ أن نصل إلى هذه النقطة، ولكنكِ أجبرتني على ذلك.\" لقد كان برود صوته يترك أثراً كجليدٍ ثقيل يثقل الأجواء، لكن استمر في كلماته: \"بالمناسبة، منزلي معروف لديك، إذا أردتِ العودة، أنا لا مانع لدي. والآن انظري للمرة الأخيرة إلى رهف، لأنه من المحتمل أنكِ لن تعودي وترينها إذا استمريتي في عنادكِ. وداعاً.\" أنهى كلامه بنبرة قاسية وحادة وكأنما يقطع خيط التواصل، ثم خرج من المنزل يحمل بيده ابنته التي كانت تتابع الموقف ببراءة وحزن. عيناها الواسعتان تلتمعان بالأسف على رؤية والدتها تبكي، وكان هذا ينفذ كخنجر إلى قلب حياة. خرجت حياة من منزلها، وهي تتوسل إليه وتبكي، وقد لحقت به إلى الشارع بملابس النوم وحافية القدمين، لكن إياد لم يُظهر أدنى اهتمام بدموعها ولا لتوسلاتها. ركب في سيارة أجرة متجهاً إلى المطار، وهو واثق تمام الثقة بأنه اتخذ القرار الصحيح بأخذ ابنته منها. في قرارة نفسه، كان يعلم أن حياة ستلحق به، وأنها ستعود لا محالة من أجل ابنتها.. ❝ ⏤وداد جلول

❞ كانت تناظره بصدمة ممزوجة بالاشتياق، وكأن جميع الذكريات العذبة التي قضتها بجانبه قبل سنوات تغمر حواسها. وكم كانت مشتاقة لسماع صوته، لرؤية ملامح وجهه التي نحتت في ذاكرتها، ولذا فقد بدا لها وكأنها تلقت ضربة قاسية حين انتبهت لوجوده أمامها، بعد فراق استمر لثلاث سنوات. قد تغير قليلاً، فقد هزل جسمه بعض الشيء وازدادت لحيته كثافة، لكن ذلك لم يُحجب بريق ملامحه التي لا تزال تُثير في قلبها تلك المشاعر المُختبئة. ذاك اليوم الذي مرّ دون أن تراه كان كالوشم القاسي في روحها، وعرفت أنها بلاء تلك الأيام التي أبعدتها عنه وعن حضنه الدافئ. تأملته وهو يحمل ابنته بين ذراعيه، يرسم عليها ملامح الحنان والرعاية، تمنّت من كل قلبها لو كانوا ثلاثتهم معاً كعائلة واحدة تحت ضوء الشمس، قريبين من بعضهم، يشعرون بدفء اللحظات المتشاركة. بينما كان إياد يراقبها، لم يستطع إخفاء نظرة الشوق والمحبة التي اشتعلت في عينيه. حاول أن يُظهر لها نظرة برودة وابتعاد، لكن قلبه لم يسمح له بذلك. كانت هي أيضاً قد تغيرت عليه، فقد قصّت شعرها، وهو ما أثار في نفسه مشاعر متناقضة من الحزن والشغف؛ جسدها الرشيق لم يتغير، لا يزال كما في ذاكرته، بل اشتهى أن يستخرج من داخل كل تفاصيلها ألوان الحب المنسية.. ❝ ⏤وداد جلول