[ملخصات] 📘 ❞ نحن والمستشرقون مع دراسة تحليلية لأثر المستشرق دوزي في المعجمة العربية ❝ كتاب ــ على توفيق الحمد
الاستشراق والمستشرقون - 📖 ملخصات كتاب ❞ نحن والمستشرقون مع دراسة تحليلية لأثر المستشرق دوزي في المعجمة العربية ❝ ــ على توفيق الحمد 📖
█ _ توفيق الحمد 0 حصريا كتاب ❞ نحن والمستشرقون مع دراسة تحليلية لأثر المستشرق دوزي المعجمة العربية ❝ 2025 : يتناول المؤلف هذا البحث تعريف الاستشراق وأسباب ظهور الحركات الاستشراقية والأهداف التي نشأت من أجلها والوسائل والمناهج يكثر اعتمادهم عليها والمجالات يشتغلون بها وكذلك أثر التراث العربي وفي الفكر عمومًا وبعد ذلك ينتقل ليحدثنا عن الهولندي كأحد أبرز المهتمين بالدراسات ويسرد لنا جهوده مجال واقع معجمه الضخم: تكملة المعاجم الذي نقله إلى الدكتور محمد سليم النعيمي فيوضح المناهج والمصادر اعتمد ثم يحلل جهده المعجمي ويعرضه أسس العمل الثلاثة ويختتم بتوضيح مثل الضخم وأمثاله مجاناً PDF اونلاين (بالإنجليزية: Orientalism) هي حركة فكرية وفلسفية أسسها البيروقراط بريطانيا بغرض فهم ثقافات فلسفات وأديان الشرق
عن كتاب نحن والمستشرقون مع دراسة تحليلية لأثر المستشرق دوزي في المعجمة العربية : يتناول المؤلف في هذا البحث تعريف الاستشراق وأسباب ظهور الحركات الاستشراقية والأهداف التي نشأت من أجلها والوسائل والمناهج التي يكثر اعتمادهم عليها والمجالات التي يشتغلون بها، وكذلك يتناول المؤلف أثر الاستشراق في دراسة التراث العربي وفي الفكر العربي عمومًا. وبعد ذلك ينتقل المؤلف على توفيق ليحدثنا عن المستشرق الهولندي دوزي كأحد أبرز المهتمين بالدراسات العربية ويسرد لنا جهوده في مجال المعجمة العربية من واقع معجمه الضخم: تكملة المعاجم العربية الذي نقله لنا إلى العربية الدكتور محمد سليم النعيمي. فيوضح لنا المؤلف المناهج والمصادر التي اعتمد عليها هذا المستشرق في معجمه، ثم يحلل جهده المعجمي ويعرضه على أسس العمل المعجمي الثلاثة. ويختتم بتوضيح أثر مثل هذا العمل الضخم وأمثاله على الفكر العربي.
الفصل الأول : في قطاع 115، كان زين يجلس منهارًا، محطماً بسبب فقدان أحد أقرب أصدقائه، الرائد عماد. دخل الغرفة بسرعة والقلق يأكله، يتحدث بصوت ملهوف ومتسرع: "في مشكلة يا قائد." نظر إليه زين بترقب وسأل: "خير، في إيه يا عماد؟ بلغت أهل المقدم أحمد؟" رد الرائد عماد بصوت متوتر: "أيوه يا قائد، كلمت الدكتورة، لكن فجأة مش بترد، وابنها الصغير بيصرخ في التليفون. أنا بحاول أهديه، وبقوله هتصرف، لكن أنا مش عارف أعمل إيه." تأمل زين الموقف للحظة قبل أن يقول بحزم: "أنا هبلغ أم المقدم أحمد بنفسي، وأقولها باللي حصل. وهما أكيد هيتصرفوا." هز الرائد عماد رأسه بالموافقة وقال: "تمام يا قائد." ........ .............. ......... في بيت والدة المقدم أحمد. كان الألم يتفجر من كل زاوية. الأم عايدة بصوت مليء بالصدمة والوجع: "إنتا بتقول إيه؟ ابني مات؟ إزاي دا حصل؟ ابني مات، يا خالق، ابني مات!" صوت صراخها يملأ الصالة، يرتد في أرجاء المنزل وكأنه صدى لمأساتها. تحاول السيطرة على نفسها، لكن الألم يجتاح قلبها بلا رحمة. ابنتها سمر تقف بجانبها، تحاول تهدئتها، ولكن الدموع تملأ عينيها، ويدها ترتعش وهي تمسح دموعها. الكلمة الواحدة التي ترددها أمها، "ابني"، كافية لتجعل العقل يفقد توازنه. ابنها الوحيد، الذي كان سندها في الحياة، قد رحل. لم يبق لها سوى سمر. الحزن يلتف حولها كالضباب، والخوف من المستقبل بلاه، يجعل الألم الذي تعيشه مضاعفًا. تساؤل مرير يعصف بذهنها: كيف ستجد القوة لتواجه هذا الفقدان؟ في هذه اللحظات القاسية، يتجلى الحزن والصدمة في كلمات الأم عايده وسمر. الألم يتسلل إلى كل جزء في جسدهما، وكأن الدموع قد جفت، ولم يعد للبكاء معنى. الأم عايدة وهي تبكي بحرقة: "اهدى؟ اهدى إزاي؟ ابني، ضنايا مات!" تستمر الدموع في الانهمار بلا توقف، وصوتها يتقطع من شدة البكاء. بصعوبة، تنطق كلماتها: "بيقولوا بلغوا مراته، وشكلها تعبت، وابنها بيعيط عليها." تحاول سمرتهدئة أمها، لكنها نفسها محطمة من الداخل، ومع ذلك تتحدث ببرود ظاهري: "اهدى يا ماما، و إحنا مالنا بيها؟ إن شاء الله تموت هي وابنها." الأم عايدة بغضب ممتزج بالألم: "هي السبب في موت ابني! ما فيش غيرها!" حاولت سمر تهدئة والدتها، لكنها كانت تعرف أن الألم الذي تشعر به أمها لا يمكن إسكاته بسهولة. سمر بحزم: "يلا نروح المستشفى. تعالى، أنا هرن على عيسى، أكيد هو هناك معاه." سحبت هاتفها وطلبت الرقم بسرعة، صوتها يرتعش وهي تتحدث: "ألو، أيوه عيسى، عرفت اللي حصل؟ أخويا مات، أخويا يا عيسى..." رد عليها عيسى بصوت هادئ محاولًا التماسك: "اهدى يا سمر، إحنا هنجيب الجثمان وجايين علشان الدفن. وكمان في وصية كانت في جيبه، القائد هيسلمها لمراته... دي وصية قبل ما يموت." لم تستطع الأم عايدة أن تستمع لهذا الكلام بدون أن يزداد غضبها: "ابني هيجي بيتي، مش هيروح عندها! مش كفاية أخدت شبابه، كمان عاوزة هي اللي تودعه؟ لا، والله ما يحصل، مش هتلمح ابني. هي لازم تموت زيه، أيوه لازم تموت!" صرخت عايدة بهذه الكلمات وهي تندفع نحو الباب، عازمة على الذهاب إلى منزل ابنها لتنفيذ نيتها المدمرة. كانت سمر في حالة من الذعر، فأغلقت المكالمة بسرعة مع زوجها وركضت وراء والدتها، محاولة إيقافها. سمر بصوت يائس: "ماما، رايحة فين؟ استني!" حاولت سمر إيقاف والدتها، لكنها كانت تعرف أنها تواجه أمًا محطمة، غير قادرة على التفكير بعقلانية. الأم عايدة بعزم لا يتزعزع: "ابعدي! سبيني أخلص عليها زي ما خلصت على ابني، ابعدي!" سمر محاولة استخدام العقل لإقناع والدتها: "ماما، اهدى. إنتي فاكرة موتها كده بالساهل؟ دي الحرباية اللي بتتحامى فيها، تودينا كلنا في ستين داهية!" لم تستمع الأم عايدة لكلام ابنتها، وغادرت المنزل بسرعة، مصممة على تنفيذ خطتها. فتحت الباب و اندفعت على السلم، تملؤها مشاعر الانتقام والغضب. الأم عايدة وهي تنزل السلم بسرعة، بعزم لا يتزعزع: "ابعدي يا سمر! خلاص اللي كانت بتحتمي فيهم راحوا، مش هنا، ولازم أخلص عليها! ابعدي سبيني!" كانت عايدة تركض نحو الخارج، وعندما وصلت إلى الشارع، أوقفت سيارة أجرة بسرعة. ولكن قبل أن تركب، أوقفتها ابنتها سمر. سمر بحزم: "استني! هاجي معاكي ومش هسيبك." ثم نظرت إلى السائق بسرعة وأمرت: "اطلع يا اسطى!" السائق مستفسرًا: "على فين؟" سمر بهدوء مصطنع: "العنوان... ٠٠٠٠٠٠٠٠٠" السائق: "حاضر." طوال الرحلة، كانت عايدة تغلي من الداخل. الغضب كان يعتمل في صدرها كبركان على وشك الانفجار. الطريق بدا طويلًا رغم أنه لم يأخذ سوى بضع دقائق. أخيرًا، توقفت السيارة أمام المنزل المقصود. هرعت عايدة للخروج من السيارة، واندفعت نحو الباب، تدق عليه بقوة. ............. في الداخل، كان آسر يبكي بجوار جسد والدته الساكنة، محاولًا إيقاظها، لكن بلا جدوى. آسر بصوت مملوء باليأس: "ماما، فوقي! ماما، أرجوكي، اصحي! ماما... يا رب، يا رب ساعدني..." سمع الطفل صوت طرقات عنيفة على الباب، فارتعد وهرع نحو الباب، يسأل بخوف. آسر بتردد: "مين؟" عايدة بصوتها الحازم، ولكن مليء بالحنق: "افتح يا آسر!" عايدة كانت تتحرك بعزمٍ لا يُثنى، وكأن الغضب الذي يعتمل في صدرها قد أزال أي أثر للرحمة من قلبها. لم تعر أي انتباهٍ لصوت حفيدها الصغير آسر، الذي كان يتوسل إليها بدموعٍ تسيل على وجهه الصغير كالشلالات. وجهه البريء الذي لم يعرف سوى حب أمه وأبيه، بات مشوشًا بين الحقائق القاسية والأمان الذي ظن أنه لا ينقطع. آسر بنبرةٍ مليئة باليأس: "نانا، ماما مش بترد عليا." لكن عايدة، التي تحولت إلى كتلة من الغضب، دفعت الصغير جانبًا بقسوةٍ لا تناسب طبيعة الجدة، وردت بصوتٍ قاسٍ: "عنها ما ردت! هي السبب، قتلت ابني." كان آسر يحدق فيها بعينيه المليئتين بالدموع، وهو لا يدرك كيف لأحد أن يلوم أمه على موت أبيه. في عقله الصغير، كان من المستحيل تصور أن والده قد رحل بالفعل. رفض بعنادٍ طفولي أن يصدق تلك الحقيقة المريرة، وبدأ يردد بصوتٍ متهدجٍ من فرط البكاء: "لا، لا، بابا مش مات، بابا حي." سمر، التي كانت تراقب المشهد بقلقٍ بالغ، شعرت بأن الغضب الأعمى الذي تملَّك أمها قد يدفعها لفعل شيءٍ فظيع. كانت تدرك أن إيمان، زوجة أخيها، لا تستحق هذه المعاملة، مهما كانت الأمور معقدة بينها وبين عائلتها. لكنها أيضًا كانت غارقة في ألمها الخاص، مما جعلها عاجزة عن اتخاذ موقف حاسم. قالت عايدة بصوتٍ يخلو من الرحمة: "سمر، هاتي ميه فوقيها، مش هسبها تموت بساهل كده. يلا!" سمر، رغم ترددها، أطاعت والدتها. ذهبت وأحضرت دلواً من الماء، وبينما كانت تسحبه، كانت تنظر إلى إيمان بكرهٍ شديد، مشاعر مختلطة بين الغيرة والغضب، والحزن الذي لم تستطع تفسيره. أفرغت الماء على وجه إيمان بقوة، وهي تضربها بوحشيةٍ غير مبررة، حتى بدأت إيمان تستعيد وعيها تدريجياً. حينما فتحت إيمان عينيها، كانت غير مدركة تماماً لما يحدث، لكنها شعرت بآلامٍ مبرحة في وجهها وكتفيها. مع كل ضربة تلقتها، كانت تصرخ بصوتٍ ضعيف، محاولةً فهم ما يجري: "آه... في إيه؟" عايدة، بنبرةٍ مليئة بالاحتقار، صاحت: "في إنك قتلتِ ابني! إنتِ السبب في كل حاجه!" كانت كلمات عايدة كالسكاكين، تغرز في قلب إيمان الجريح بالفعل. كيف لها أن تكون السبب في وفاة من أحبته بكل جوارحها؟ كانت تصرخ في وجع الفراق، بينما دموعها تسيل بغزارة. ردت إيمان، رغم الألم الذي يعصف بها: "لا، لا، أحمد مامتش، أحمد عايش." لكن سمر قطعت أملها بنبرة باردة: "خلاص مات، انتي السبب في كل حاجه... لازم تموتي زيه." كان آسر يشاهد في رعبٍ، غير قادر على فعل شيء. كل ما أراد هو أن يحمي أمه، لكنه كان صغيراً جداً وضعيفاً جداً أمام غضب جدته وعمته. ركض نحوها بسرعة، يحاول إنقاذها بكل ما لديه من قوة، وهو يصرخ منادياً: "ماما لا، سيبي ماما!" حينما حاول التدخل مرة أخرى، أوقفته عايدة بقسوة، وهي تمسك به وتخاطبه بنبرة تهديد: "ابعد كده! لازم تموت زي ابني." صرخ الصغير بكل قوته، يمسك بقدم جدته ويتوسل إليها بدموع تنهمر بغزارة بصوتٍ مرتعش: "أرجوكي سيبي ماما يا نانا، أرجوكي..." ولكن لم يكن هناك مكان للرحمة في قلب عايدة تلك اللحظة. كانت قد تحولت إلى شيطانٍ لا يعرف الرحمة. بينما كانت سمر تضرب إيمان بعنفٍ متزايد، حتى كسرت ساقها، و عايدة تمسك رأسها وتضربه بالأرض مرارًا وتكرارًا حتى سال الدم. رأى آسرالدم يتدفق من جسد أمه، لم يستطع فهم ما يحدث. احتضن نفسه، وجلس يبكي بحرقة، جسده يرتعش من شدة الخوف والبرد. بعد لحظاتٍ من الصمت المشوب بالتوتر، همست سمر: "ماتت يا ماما... مافيش فيها نفس." الصدمة بدأت تتسلل إلى ملامح عايدة، حيث تحول الغضب إلى قلقٍ، وبدأت تشعر بأنها تفقد السيطرة على ما فعلته. تحول الشيء الذي تملكها إلى شعورٍ بالذنب الذي بدأ يلتهمها. عايدة بنبره مختلطه بالخوف والغضب: "اسكتي، خليني أفكر..." كانت تحاول أن تخرج من هذه الفوضى، ولكن كيف؟ لم تعد تعرف ماذا تفعل. نظرت إلى آسر، ذلك الطفل الذي فقد للتو كل شيء، وبدلاً من أن تشفق عليه، تملكتها فكرة أخرى مرعبة. عايدة بصرامةٍ وهي تمسك آسرمن ذراعيه: "عارف لو حد عرف باللي حصل هعمل فيك إيه؟ هقتلك زيها، سامع؟" ارتعد آسر من الخوف، لم يكن لديه خيار سوى أن يطيع. تلعثم وهو يقول: "حاضر، مش هقول، حاضر، ماما... ماما." لم تكن لديه القوة ليعترض أو يقول شيئًا آخر. كان يهز رأسه بالموافقة على كل شيء تقوله جدته، معتقدًا أن هذا الكابوس سينتهي قريبًا. عايدة بنبرة باردة: "لما حد يسألك، تقول إنها وقعت من على السلم وهي بتجري لما عرفت اللي حصل لبابا، سامع؟ وإحنا جينا وطلعناها هنا الشقة. مفهوم كلامي ولا لأ؟" آسر بهمسٍ يكاد لا يُسمع: "حاضر." سمر كانت تهتز رعبًا، ودموعها تنهمر بلا توقف، لكنها لم تكن دموع الندم، بل كانت دموع الخوف. كانت تدرك أن ما حدث الآن هو كارثة لا يمكن الرجوع عنها. تضرب وجهها بيديها المرتجفتين وهي تبكي، وتلعن اللحظة التي سمحت فيها لهذه الأحداث أن تتطور. لم تكن تندب مقتل إيمان بقدر ما كانت تندب نفسها ومصيرها الذي أصبح على المحك. سمر بنبرة مختنقة ومليئة بالذعر: "العقارب هتعرف... هيسألوا، وهما مش هيسكتوا... هنعمَل إيه؟" كانت كل كلمة تخرج من فمها وكأنها محاولة بائسة للتشبث بأي أمل، لكنها كانت تدرك في أعماقها أن الأمور قد خرجت عن السيطرة. عايد، التي كانت تواجه انهيار ابنتها، لم تجد شيئًا لتهدئتها سوى كلمات لا تؤمن بها هي نفسها. عايدة بصرامة زائفة: "اسكتي بقا، هما خلاص مش هنا." لكن سمر، التي كانت دائماً الأكثر هشاشة بينهن، لم تكن لتقتنع بسهولة. ردت بنبرة يائسة: "إنتِ عمالة تقولي كدا... وأمال هما فين؟" عايدة، وهي تجلس على الأريكة، تحاول أن تهدئ من روع ابنتها، بينما كانت هي بحاجة إلى التهدئة أكثر منها. أخفت وجهها بين يديها للحظة، ثم رفعت رأسها ببطء وقالت بصوت خافت: "سافروا" كانت تلك الكلمة تحمل في طياتها كل الأكاذيب التي كانت عايدة تحاول أن تقنع بها نفسها قبل الآخرين. نظرت إلى آسرالصغير وهو يبكي بجانب جثة والدته، وأدركت أن عليها التصرف بسرعة. عايدة وهي تحاول الحفاظ على هدوءها: "بره مصر. وعمال ما يعرفوا وييجوا تكون إدفنت. جوزك ضابط وهيعرف يلم الموضوع... وهي مالهاش أهل علشان بيسألوا عنها ولا حاجة. إحنا أهلها." سمر، التي كانت تصارع بين الخوف والعجز، قالت بتردد: "طب وده... هنعمل فيه إيه؟" عايدة نظرت إلى حفيدها الصغير بعينين جافتين من أي شفقة، وقالت ببرود: "سبيه. انتي مش شايفة هو عامل إزاي؟ مش هيعرف ينطق بكلمة." لكن سمر، التي كانت تدرك جيدًا أن الأمر لن ينتهي بهذه البساطة، لم تستطع كتم مخاوفها: "طب هما لما يجوا... هيأخدوا معاهم. هتعرفي تقولي لا؟" ثم تابعت بصوتٍ مرتعشٍ من الرعب: "واهاه... ولو الحية الكبيرة هي اللي طلبت، هتعرفي تعترضي؟" شعرت عايدة بأن الخوف يتسلل إلى قلبها، فأخذت تقف ببطء، وقد بدا عليها التردد لأول مرة. لم تعرف ماذا تفعل، تلك اللحظة التي ظنت أنها تسيطر فيها على كل شيء تحولت إلى لحظة رعب وارتباك. تذكرت ابنها الذي لم يتم دفنه بعد، وغمرت قلبها مشاعر متضاربة من الحزن والغضب والخوف. عايدةبصوت متهدج: "اسكتي بقا... مش ناقصة، أنا ركبي بتخبط في بعض." سمر، التي بدأت تشعر بالندم لأول مرة، قالت وهي تبكي بحرقة: "أنا غلطانة إني طاوعتكِ يا ماه... آه." عايدة، وقد حاولت استعادة سيطرتها على الوضع، صاحت بغضب مكبوت: "استكتي يا بنت بطني انتي! معايا في كل حاجة من الأول. من يوم ما هي دخلت حياة أخوكي، وكل المصايب عملناها سوى. مش هنيجي دلوقتي ونتحاسب!" ثم وجهت أمراً حازماً إلى سمر: "يلا اتصلي على جوزكِ وعرفيه باللي حصل، علشان يتصرف. يلا!" كانت سمر ترتجف وهي تبحث عن هاتفها. كانت تعرف أن هذه المكالمة ستقرر مصيرها ومصير أمها وحفيدها. ولكنها كانت مضطرة، لا خيار لها. قامت سمر بتنفيذ ما أمرتها به والدتها، وهي تبكي بحرقة. كانت الدموع تنهمر من عينيها، ولكنها لم تكن دموع الحزن فقط، بل دموع الرعب من المجهول الذي ينتظرها. سمر بصوتٍ مختنق: "هتصل أههه... لما نشوف، استر يا رب." أمسكت الهاتف بيدين مرتعشتين، وضغطت على الرقم المألوف لها. دقّات قلبها كانت تتسارع مع كل ثانية تمر، حتى جاء صوت عيسى عبر الخط، مليئًا بالقلق والغضب. سمر بنبره مرتجفه: "الو، أيوه يا عيسى، حصل... اعمل....... اية......" عيسى بلهجة غاضبة: "إنتِ هببدتي إيه؟..... الله يخرب بيتك." سمر، وهي تحاول السيطرة على صوتها: "عيسى، اسمعني." لكن صوت عيسى الغاضب ارعبها اكثر وهو يقول: "مش عاوز أسمع. اتكتمي. اقفلي.... وخليني أشوف هتصرف إزاي. هي لسه فيها الروح؟" سمر، وقد شعرت بشعور اليأس يتسلل إليها: "لا، هي ماتت أكيد. باين كده، مش عارفة." عيسى، بعد لحظة من الصمت المتوتر: "أنا هبعت دكتور على البيت يكشف عليها. وانتي وامك تحطوها على السرير، وتنضفوا الشقة. وتحطوا من دمها على السلم، علشان الكلام يكون مظبوط. لو لسه عايشة، إحنا اللي هنموت، يلا اقفلي." أغلقت سمر الهاتف، والقلق يعصر قلبها. توجهت إلى والدتها، التي كانت في حالة من التوتر الشديد. سمر، وهي تحاول استعادة بعض الهدوء: "تمام، تمام." عايدة، بنبرة تحمل القلق: "قالك إيه؟" سمر، وهي تنفث نفسًا عميقًا: "قال لي نشيلها ونحط من دماءها على السلم، وهو هيبعت دكتور ليعرف يتصرف." عايدة، وقد بدأت تتولى زمام الأمور مجددًا: "يلا، شيلي معايا." بدأت الأم وابنتها في تنفيذ التعليمات، لكن كل حركة كانت محملة بالرهبة والخوف من العواقب، وكل لحظة تمر كانت تشعرهما بأنهما يغوصان أكثر في مستنقع من الكوارث التي لا مفر منها. أنا أتذكر كل شيء، كأنه حدث الآن. أتذكر نانا وعمتي وهما يحملان أمي من الصالة ويدخلان بها الغرفة. أتذكر كلامهم وكل ما فعلوه؛ لم أكن قادرًا على فعل أي شيء أو مساعدة أمي. حتى أبي يقولوا لي انه رحل عن هذه الحياه: “ماذا يمكنني أن أفعل؟” “من سيأساعدني؟” وأنا غير قادر حتى على التحدث، بقيت أبكي بدون صوت، وجسدي يرتجف. أرى نانا تخرج من الغرفة، وراءها عمتي سمر تأتي نحوي وتقول بصوت حاد وعيون حمراء: " قوم معايا يلا" لم اتحرك وبقيت مكانى انظر لها بخوف، وزاد ارتجاف جسدي،فصاحت جدتى مره أخري بحده أكبر: "أنا بكلمك أقوم" .. تسحب الصغير بقوة من الأرض، عيناه لا تفارق دم أمه، جسده يرتجف بقوة، ولا يستطيع الرد عليها أو الْتِفاته إليها. تصرخ بقوة فيه ولكن لا يوجد رد. عند سماع طرق الباب، تتجه سمر نحوه فورًا، تنظر من العين السحرية أولًا لتعرف هوية الطارق، ثم تنظر إليها و تخبرها، وهي تهم بفتح الباب،وصوت منخفض تخبر جدتي: "الدكتور جاه، يلا سبيه دلوقتي" تلف للباب والترحاب المصاحب بالبكاء. "اتفضل يا دكتور، الحقها الله يخليك، دى هتموت، دمها سايح جوه، حبيبتي يا ايمان" تخاطبه وهي تركض أمامه نحو للغرفة، مع عباراتها المتساقطه بلا توقف. يقف على باب الغرفه عندما لمح هذا الصغير الساكن في حضن جدته؛ كانت تمثل الحزن والتعاطف معه، والرحمه لا تعرف مكان فى قلبها، وصوت نحيبها يعلو بكلمات تواسيه بها: "حبيبي يا بنى، أمه وأبوه في يوم واحد، يارب، بس ي حبيبى بس، نانا جمبك، ومش هتسيبك أبداً، يا ابن الغالى " يدخل الطبيب إلى الغرفة مع سمر، وعندما تلتقط عيناه تلك الراقدة على الفراش، يصرخ في سمر بقوة، وهو يجري لمساعدتها: "ليه ماحدش حاول يوقف النزيف، دمها اتصفى" تكلمت سمر بخوف وهي تقترب منه: "يعني إي يا دكتور" نطق بسرعه دون تردد وصوت ثابت: "البقاء لله" تلطم وجها وتمثل البكاء والحزن بمهاره وهي تخبره باكاذيب: "يا حبيبتى، احنا لما جينا لقناها كدا وشلناها" "وكلمنا عيسى، كلمك على طول وما كناش عارفين نعمل، الصدمه صعبه أوى يا دكتور، أخويا ومراته فى يوم واحد، دي يا حبت عينى، جينا نشوفها بعد ما عرفنا الخبر موت اخويا؛ مرضناش نسبها لوحده؛ جينا لقنيها كدا . كانت لوحدها هى وابنها، حبيبى بره شاف امه ودمها بتصفى" أنهت حديثها وهي تركض نحو إيمان الراقدة على الفراش عاجزة عن الحركة والقوة؛ احتضنتها وهي تبكي. غادر الطبيب بعد أن أعطى الحقنة لإيمان، مع استغراب سمر لما فعل، وتركهم بعد ذلك وانصرف إلى الخارج، وعند نزوله إلى الأسفل، تحدث مع عيسى عبر الهاتف. بنبرة خبيثه ولكنه حاول أن يكون طبيعى حتى لا يكشف أمره: "الو أيوا عيسى باشا، أنا رحت البيت بس للاسف، وصلت متاخر، البقاء لله" سمع عيسى حديثه والخوف تسلل لقلبه، كان أن يتحدث بهدوء لكى لا يلفت الانتباه فقال بصوت منخفض: "جهز كل حاجه للدفن يا دكتور، علشان انهارده هدفنها هى وزوجها" أجابه الدكتور بثبات: "لا حول ولاقوة إلا بالله، حاضر هجهز كل حاجه، سلام" رد عليه عيسى ثم اغلق الهاتف بسرعه: " سلام " جلس يفكر ما يفعل حسب خطه وذهب للقطاع ليخبر زين بوفاة إيمان أيضاً. ............. في الأعلى داخل الشقه تحدثت عايده وهي تقترب من ابنتها بصوت حاد لكن لم يخلو من الخوف: " يلا اجهزى، و هاتى آسر معاكى، البلد عندنا عرفت بموت ابنى ومراته، وكل جاى يعزى ويحضر الدفن" سمر بإرتباك: "وانتى هتقبلى بالوصيه اللى ابنك عملها؟ " نطقت عايده بغضب مخالط بالخوف والحزن: "ايوه لازم أقبل، علشان يدفنوا مع بعض قبل ما هما يوصلوا، لازم قبل ما يجوا تكون، إدفنت يلا ٠العربية تحت وفى ست جاية تغسلها، والدكتور، هيجيب تصريح الدفن. " وقفت سمر مقابله لوالدتها وتحدث برعب سكن قلبها: "هما مش هيشكوا فى حاجه. " تحاول أن تطمئن ابنتها،لكن تعلم أن القادم سكون هلاك للجميع: "عيسى هيظبط كل حاجة، أهم حاجة،جينا لقناها على السلم سايحة في دمها، وكويس أن جارتها مش هنا ولا كانت هتبقا مصيبه يلا" أكملت حديثها وقامت لتفتح الباب.الذي كان يدق بقوه. '''فتحت جدتي الباب، وإذ بامرأة غريبة الشكل تدخل الشقة،رأيتها تدخل الغرفة التي فيها أمي، ومكثت هناك وقتًا طويلًا، ثم خرجت. وجدتي وعمتي يبكيان ويعانقانني،وبعد قليل دخل أربعة رجال كبار، ومعهم صندوق دخلوا به غرفة أمي. ثم خرجوا وهم يحملون الصندوق الأربعة.وعندما خرجوا، أمسكتني جدتي من يدي وقالت بحزن: "قوم يا حبيبى، يلا" عندما تفوهت بتلك الكلمات، هرولت بكل قوتي نحو غرفة أمي وأنا أبكي، أمسح دموعي وأغمض عيني ثم أفتحها مجددًا، وأكذب عيني عما رأيت وما حدث أمامي. ظللت أبحث عن أمي في الغرفة ولم أجدها، فظللت أصرخ، وجدتي تحتضنني وتأخذني وتنزل بي. وأنا أصرخ محاولًا دفعها عني، أريد الصعود لأبحث عن أمي، أين ذهبت أمي؟ نزلت إلى الأسفل فوجدت الرجال يضعون الصندوق في سيارة الإسعاف، وكثير من الناس تحت المنزل، والعديد من النساء يأتين إلى جدتي ليحتضنها، ويقلن: ‘تشددي يا أم أحمد، الله يصبر قلبك يا حبيبتي، وها هو الله كرمك بابنك الغالي، الله يعينك.’ وعايدة تصرخ بقوة: ‘حبيبي يا ابني.’ '''كثير من الناس كانوا يتحدثون ويحتضنون جدتي وعمتي، هؤلاء كانوا جيران جدتي، أتوا ليقفوا معها. ركبنا السيارة وظللنا نسير لمدة طويلة، هذا ليس منزل جدتي، هذا المكان الذي كنت أذهب إليه مع أمي، نعم، أنا أعرف هذا المسجد، كانت أمي تأخذني كل جمعة لنصلي العصر فيه، ونذهب لزيارة قبر صديقاتها، كانتا اثنتين، قالت أمي إنهما عند الله، لكن ماذا نفعل هنا، وأين أمي، ولماذا كل هؤلاء الناس؟ لما نزلت من السيارة وجدت أصدقاء أبي، كانوا يرتدون ملابس الجيش مثله. يعني أبي هو أيضًا هنا، تركت جدتي وركضت نحو القائد زين، أنا أعرفه. كان أبي يقول عنه إنه أخوه. أبي قال لي إنه إذا احتجت شيئًا وهو غير موجود، أذهب إلى القائد زين، فهو صديق عمره وأبي الثاني. لم أفكر في شيء سوى أن أحتضنه وأبكي وأسأله عن أبي، هل رآه، أين هو؟" نطق ببكاء مريب وجسد مرتجف: " بابا" .. ضمه زين بقوة ويحاول تهدئته بكلمات مواساة تحمل الحب والعطف: " اهدى حبيبى، أهدى أنا هنا معاك، ومش هسيبك ابدا، أنا موجوده مش هتخلى عنك، انتا بطل، صح حبيبى" '''كان يتحدث وهو يحتضنني بقوة، وأنا كنت أهز رأسي مع كل كلمة. ثم أبعدني عن حضنه وقال لي بصوت ثابت لكنى رأيت الدموع في عيناه: ''أنت عارف بابا فين دلوقتي؟'' حركت رأسى ونطقت بحزن: ''بيقولوا إنه توفي، سمعت نانا وهي تقول كدا.'' وبكى بكاءً يحرق القلوب، بكاء اليتم والحرمان. ثم أخذني في حضنه مرة أخرى وقال: ''والدك ذهب إلى الله، لكنه سيظل حيًا بداخلنا، لن يغادرنا أبدًا.'' نطق بصوت متشنج من البكاء: ''وماما كمان؟'' ... كان يشعر بالشفقة على الصغير، فقد مر بما يمر به الآن، وهو فقدان السند والحرمان من والده. نادت على أمي بخوف: ''ماما.'' أخذني في حضنه وحملني، ودخلت معه المسجد، وجدت صندوقين؛ الأول رأيته يخرج من شقتنا، والثاني مغطى بعلم مصر. مشيت معه حتى الصندوقين، وقال لي وهو يجلس أمامى ويضع يداه على أعلي ذراعي: "عاوز توداعهم؟'' نطق بصوت مرتجف: ''نعم.'' هززت رأسي، وهو فتح الصندوق الأول وكان به والدي، احتضنته وقبلت رأسه، كان يرتدي ملابس عمله وكانت ملطخة بالدماء. عندما رأيته تذكرت أمي وهي ملطخة بالدماء أيضًا، تراجعت للخلف فجأة وأنا أضم رجلي وجسدي يرتعش. عم زين جاء وأمسكني واحتضنني. وأغلق أصدقاء والدي الصندوق مرة أخرى، ثم بدأ الشيخ بالصلاة وقراءة الدعاء، وأخرجني عم زين إلى خارج المسجد حيث كانت جدتي. وعندما تركني معها، أغمي علي. امرأة من أهل البلد: 'حبيبي يا ابني، الله يكون في عونك.' عايدة بحزن وألم حقيقى تصرح: 'ابني راح، آه، ابني.' كانت تبكي بصدق على فراق ابنها، من يراها الآن بهذا الضعف، لا يصدق ماذا فعلت في الساعات السابقة. انتهت صلاة الجنازة وأخذوا الجثمان إلى السيارة ليتم الدفن. تقدم زين من عايدة، وهو يعزيها ويصبرها، ويحدثها عن الوصية ليتم الدفن. القائد زين: 'البقاء لله، أعلم أنه ليس الوقت المناسب، لكن في وصية يجب أن تُسلم لزوجة المقدم أحمد، لكن هي كمان...'" ... توقف الكلام في صدره ولم يعرف ماذا يقول؛ فقد كان حزينًا فعلًا على وفاة صديقته وصديقه، دموعه خانته وسقطت على خده، مسحها بسرعة قبل أن يلاحظها أحد. كانت ترغب في انتهاء اليوم بسرعة، فقاطعته في الكلام بسرعه وقالت: " عرفه بالوصية يا ابنى، موافقة إن ابنى يدفع مع مراته" القائد زين أجاب بثبات ولكن شعور القلق يمتلك قلبه ولا يعرف السبب: 'تمام.' ثم ذهب نحو السيارة وأخذ الجثمان إلى المقابر، وهو محتار والقلق ينهش قلبه مما يحدث، لا يدري سبب مواقف صديقه تجاه هذه الوصية ولماذا هنا، لماذا ليس في مقابر العائلة. _وصف زين ما رأى: 'وصلت إلى المقابر، المسافة لم تكن بعيدة، دقائق معدودة فقط، وعندما وصلت وجدت مكانًا كبيرًا، مليئًا بالأشجار، وبه بوابة كبيرة، وكان هناك حارس يجري نحونا.' الحارس بحيره وقلق: "خير يا بيه،مين اللي مات!" القائد زين أجاب: 'أنت الغفير هنا؟' الحارس والقلق ياكله من الداخل وعلامات الصدمه تحتل وجه: 'أيوه يا بيه، أنا المسؤول هنا.' القائد زين بحيره وخو ينظر حوله: 'فين مقابر ورد الياسمين؟' سأل الحارس بأستغراب: "خير يا بيه، مين مات، حصل حاجه، الدكتورة كانت هنا يومين، فى اى" القائد زين بحزن: 'الدكتورة إيمان وزوجها المقدم أحمد توفيا، وفي وصية بأن يُدفنوا هنا، افتح الباب،بسرعه.' الحارس بطاعه وحزن: 'حاضر يا بيه، لا حول ولا قوة إلا بالله، كانت هنا من يومين، لا حول ولا قوة إلا بالله، تفضل يا بيه.' ثم فتح الحارس الباب." "وقف الجميع في ذهول من المشهد؛ فهناك عدد كبير من المقابر، ثلاثة عشر مقبرة. اثنتا عشرة مقبرة جنبًا إلى جنب، وواحدة أمامهم. وعلى كل مقبرة مكتوب اسم، لكن هناك مقبرتين مغلقتين، والباقي مفتوح. قال القائد زين في حيرة: "إيه دا؟ أنا مش فاهم حاجه، احنا هندفنهم فين، أي مقبرة من دول؟'' أجاب ضابط بصاح: ''يا قائد، في مقبرة مفتوحة مكتوب عليها اسم الدكتورة إيمان.'' اقترب زين منها وتساءل: " يعنى دى اللى هتدفن فيها، طب وأحمد" دخل الضابط المقبرة ونادى على زين: ''تعال وشوف يا قائد، المقبرة مقسمة إلى أجزاء." ذهب زين وتحقق مما قاله الضباط. وافق زين وتم الدفن. بدأوا بدفن أحمد في الجزء الأيمن من المقبرة، وبعد ذلك دُفنت إيمان بجواره. نظرات الاستغراب والدهشة تعلو وجوه الجميع؛ فكل مقبرة مقسمة إلى أربعة أجزاء، وهناك اثنتا عشرة مقبرة بجوار بعضها، مقبرة إيمان في المقدمة. وتلك الشجرة الكبيره على يمينها تحمل اسم الجاسر.في جاسر يكون؟ العديد من الأسئلة بلا إجابة تدور في عقله الشارد ولا يعرف لها جوابًا. كان المكان غريبًا يثير فضوله، مليء بالغموض، يبدو من الخارج كقصر لا كمقبرة، ومن الداخل يوجد الكثير من الأشجار والمقاعد والمصاحف، كل هذه الأشياء عددها ثلاثة عشر، اثنتا عشرة بجوار بعضها، وواحدة في المقدمة. الفضول يسيطر عليه، يريد معرفة كل شيء. فاق من أفكاره على صوت الرائد عماد وهو ينادي عليه: ''يا قائد، انت روحت فين؟ كنت بنادي عليك من فترة، الرجال خلصوا، مش هقرأ الفاتحة؟'' 'أجاب القائد زين: ''تمام.'' وبدأ يقرأ ويدعو لهم، وبعد ذلك كان يخرج لكنه لاحظ شيئًا غريبًا، اتجه نحوه وطالع اللوائح الموضوعة على الاثنتي عشرة مقبرة، كلها مفتوحة ما عدا اثنتين مغلقتين، وبها نفس التقسيمة الأجزاء من الداخل، وعلى كل مقبرة لوحة مكتوب عليها الاسم، وتاريخ الميلاد، ولقب. وما زاد فضوله أكثر، أنها كلها بنفس الاسم (ياسمين) ونفس تاريخ الميلاد،3/8 لكن الألقاب مختلفة. حار بين الألقاب، ولم يكن هناك أسماء محافظة، لكن كان مكتوبًا بجانبها اللقب. تنهد كثيرًا ووضع يده على شعره وقال: "إيه الغبطه دي بقا؟أكيد دول هما الي قال لي أحمد عليهم، ووصاني أقول لهم أن يحافظوا على إيمان، وأنه كان غصبًا عنه، وأن يسامحوه، وأقول لهم إن ابنه على قيد الحياة. أنا مش فاهمه حاجه، ايه المفروض اعمله ؟ و ازاي اعرف طريقهم؟ وهو قال لي أنه بِعد عنهم من خمس سنين، يا رب.'' ... كان محتار بالفعل، وشعر أن رأسه سينفجر. صديقه أوصاه على ابنه وزوجته، زوجته التي توفيت في نفس اليوم. 'ماذا سأقول له؟ لم أستطع الحفاظ على الأمانة، ولا على ابنه.' تذكر فجأة: ''أه، صحيح، أنا نسيته تمامًا، فضولي أخذني ونسيته.'' خرج وقبل أن يخرج من الباب، التفت مرة أخرى إلى المقابر وقال: 'أكيد هرجع تاني هنا، لازم اعرف كل حاجة، أنتم مين يا ورد الياسمين؟' ثم خرج." ... بعد خروج زين من المقابر، وقف الهواء البارد يتسلل إلى عظامه، ليحمل معه عبق الموت والحزن الذي خيم على المكان. التقى بأصدقائه والضباط المتواجدين بالخارج بجوار عائلة المقدم أحمد. مشاعر الأسى والوجوم كانت تسكن وجوههم، كأنها مرآة تعكس الفقد الكبير الذي اجتاح الجميع. بينما كان يبحث بعينيه عن الحارس الذي اختفى دون أثر، كانت نبضات قلبه تتسارع، ليس فقط بسبب الحزن، ولكن لشعور غير مريح يتسلل إلى صدره. تقدم زين نحو والدة المقدم أحمد، السيدة عائدة، التي كانت جالسة بحزن على مقعد خشبي بجوار المقابر في الخارج. كانت عيناها مغرورقتين بالدموع، ووجهها شاحب كأنه مرآة لروحها المكسورة. وقف أمامها زين، متمالكًا دموعه التي كانت على وشك الانفجار، ثم تحدث بصوت مبحوح، مليء بالأسى: "إنا لله وإنا إليه راجعون، البقاء لله، شدي حيلك، كوني قوية. أنا دائمًا موجود إذا احتجتِ أي شيء. أحمد كان أكثر من أخ ليا، هو موصيني عليكي وعلى ابنه ومراته. بس هي دلوقتي معاه زي ما كانوا بيتمنوا... الله يرحمه." نظرت إليه عائدة بعينين مليئتين بالألم والفراغ، لم تكن قادرة على النطق في البداية، كأن الكلمات خانتها، لكنها جمعت شتات نفسها وأجابت بصوت مخنوق بالدموع: "تسلم يا حبيبي... أحمد كان بيقول إن عندك كل خير، لو احتجت أي حاجة هقولك. إنت دلوقتي مكان ابني." ثم احتضنته بقوة، كأنها تحاول أن تستمد منه بعض القوة التي فقدتها مع رحيل ابنها. كان صوت بكائها يعلو تدريجيًا، نبرتها الحزينة تخترق شهقاتها، ودموعها المتساقطة لا تتوقف، تسيل على كتفه دون مقاومة. شعر زين بثقل الحزن الذي تحمله بين ذراعيه، وابتعد عنها قليلًا، لكنه ظل ممسكًا بيدها، وكأنه يريد أن يكون لها دعامة في هذا الوقت العصيب. بادرها بالسؤال بصوت يحاول أن يكون هادئًا رغم اضطرابه الداخلي: "آسر عامل إيه دلوقتي؟" تنهدت عائدة بصعوبة، وابتسامة حزينة شقت طريقها بين دموعها. ردت بصوت متهدج: "حبيبي من أول لما فاق وهو مش بيتكلم خالص، خايفة عليه أوي ليروح مني زي أبوه... هو اللي فاضل لي من ريحته." كان زين يعرف أن الألم الذي تتحدث عنه ليس فقط ألم الفقد، بل خوف من المستقبل، من أن تظل وحيدة. رد عليها بحزم وهو يحاول أن يزرع الطمأنينة في قلبها: "هو مسؤوليتي لحد لما أنفذ الوصية وأسلمه لدكتورة." في تلك اللحظة، ساد الصمت، وكان الصمت أكثر تعبيرًا من أي كلمات. شعرت عائدة بقلق شديد، انعكس على ملامحها، التي بدأت تتحول إلى اللون الأصفر، وكأنها تجرعت سُم الخوف فجأة. رفرفت شفتاها بالكلمات دون أن تخرج، وحين تمكنت من الحديث، كانت كلماتها متهدجة ونبرتها قلقة: "دكتورة إيه يا بني؟" نظر إليها زين بنظرة مشفقة، محاولًا أن يخفف من وطأة الأمر، لكنه كان يعلم أن الحقيقة ستحطمها أكثر: "كنت مع أحمد في المهمة عندما أصيب، وكنت أقرب شخص ليه. أوصاني بأن أعتني بابنه وزوجته وأن أحاول أصلح سوء التفاهم اللي حصل بينه وبين 'ورد الياسمين'. ما فهمتش منه حاجة وقتها، بس هو قال لي." بدت الحيرة على وجهها، ولم تعرف إن كانت تريد الاستمرار في طرح الأسئلة أم أنها تخشى الإجابة. كانت تلك اللحظة الفاصلة التي أدرك فيها زين أن هناك شيئًا ما خفيًا، شيئًا أكثر من مجرد حزن أم فقدت ابنها. بدأت عينا زين تدمعان وهو يسترجع تلك اللحظة القاسية، وكأنها تعاد أمامه بكل تفاصيلها. كان الألم واضحًا على وجهه وهو يروي الحادثة لعائدة. كانت تجلس أمامه، تنتظر الكلمات التي ستنهي تلك الغموض الذي يحيط بموت ابنها، لكن زين كان يعرف أن هذه الكلمات ستجلب لها مزيدًا من الألم. قال زين بصوت حزين: "كنا في المهمة، وكانت النار شغالة من كل اتجاه. فجأة، سمعت صوت طلقة، ولما بصيت حواليَّ، لقيت أحمد واقع على الأرض. ركضت ليه بكل قوتي، وقلبي كان بيصرخ قبل ما لساني يقدر ينادي عليه. أمسكته ونيمته على رجلي. كان نفسه ثقيل، وكنت شايف في عينيه أن الألم مابيسيبهوش." نطق أحمد بصوت ضعيف ومتهدج، كأنه يحاول أن يقاتل الألم ليوصل رسالة أخيرة: "زين... زين..." حاول زين أن يبقى هادئًا رغم خوفه، فابتلع غصة في حلقه وقال بصوت مرتجف: "استشهد يا أحمد، أنا جنبك، طلبت الدعم، وهما على وصول." لكن أحمد كان يعلم أن النهاية قريبة، نظر إلى زين بعينيه الممتلئتين بالحزن والوداع وقال: "خلاص يا صاحبي، مافيش وقت، أنا رايح خلاص." انهار زين أمام تلك الكلمات، وكان يحاول بكل طاقته أن ينكر الواقع، فقال بسرعة وبتوسل: "لأ ما تقولش كده؛ احنا هنفضل سوا على طول؛ إنت مش عاوز تشوفني عريس؟ مش دي أكتر حاجة نفسك فيها؟ هتقوم وهتجوز عشان تفرح فيا، زي ما إنت عاوز؛ قوم يا صاحبي." ولكن أحمد كان يعلم أن الوقت ينفد، فقرر أن يقول ما يشغله، فقال بصوت متقطع: "عاوز أقولك على حاجة مهمة؛ اوعدني يا صاحبي؛ إنك هتعمل كده، اوعدني." لم يكن زين قادرًا على رفض أي طلب لأحمد في تلك اللحظة، فقال بحزم وحزن: "اوعدك يا أحمد، إني أعمل أي حاجة انت عاوزها، بس خليك معايا." أمسك أحمد بيد زين بقوة، وكأنها كانت آخر قوة متبقية له، وقال بصعوبة: "إيمان... إيمان... يا زين... أمي ابعدها عنها." تفاجأ زين بالكلمات، ولم يفهم ما يقصده أحمد، فسأله بسرعة وقلق: "مالها مراتك وابعدها إزاي؟" رد أحمد بصوت متقطع وضعيف، وكأن الكلمات تخرج من روحه أكثر من فمه: "وديها عندهم، هما اللي هيحموها، هما اللي هيحموها." كانت الكلمات تزيد من حيرة زين وقلقه، فسأله بلهفة: "هما مين؟ وهيحموها من إيه؟" أجاب أحمد بصوت شبه ميت، كأن حياته كانت تتسرب منه مع كل كلمة: "أمي... أمي..." كان زين يشعر بالعجز، لا يستطيع فهم ما يحدث، فسأله بسرعة: "مالها يا أحمد؟ أنا مش فاهم حاجة." بدأ زين يسترجع اللحظات الأخيرة من حياة أحمد، تلك اللحظات التي حفرت في ذاكرته إلى الأبد. كان الألم يلف كل كلمة، وكل حركة، وكل نظرة في تلك اللحظة، حيث الحياة والموت اختلطا في مشهد واحد. بينما كان أحمد يحتضر بين ذراعي زين، نطق بصعوبة، كأنه يقاتل الألم ليتمكن من توصيل وصيته الأخيرة: "في ورقة أنا كتبها في هدومي، وديها لإيمان، وقولها تسامحني... وتقولهم يسامحوني... أنا السبب في اللي حصل... أنا سمعت كل حاجة حصلت بينهم وبين أمي... بس ما قدرتش أكسر أمي قدامهم... دي أمي... قولت هتتغير وهتحب مراتي... بس لا، هي بتكرهها... وكرهها ليها ممكن يعمل فيها أي حاجة... وأنا خلاص رايح ومش قادر أحميها تاني... بس هما يقدروا... قولهم ابني عايش ما ماتش... قولهم يا زين." كان زين يشعر بعبء الكلمات التي قالها أحمد، كأنها أثقال وضعت على كاهله في تلك اللحظة. حاول أن يتمالك نفسه، فقال له بنبرة متوسلة: "حاضر، أعمل كده صدقني، بس انت قوم يا صاحبي." لكن أحمد كان يعرف أن وقته انتهى، فابتسم ابتسامة مؤلمة وقال: "أنا ادفن بهدومي في نفس المكان اللي فيه ورد الياسمين... مش في مقابر العيلة... يا زين." لم يكن لدى زين أي قدرة على الرفض، فوافق بكل حزن: "حاضر يا أحمد، حاضر." ثم فجأة، شعر زين باليأس يسيطر عليه، فصرخ بألم: "أحمد، لا يا أحمد، قوم يا صاحبي!" كانت الصرخة تعبر عن الفراق الذي لم يكن زين مستعدًا له، ولكنه كان يعرف أن لا مفر منه. حاول أحمد أن يخفف عنه، لكن صوته كان يختفي مع كل كلمة: "أه... أه... خلاص يا صاحبي... خلاص." في تلك اللحظة، لَفَظَ أحمد أنفاسه الأخيرة، وغادرت روحه جسده. نطق زين بصعوبة وكلمات متقطعة: "استشهد يا أحمد." صرخ زين بألم شديد، صرخة مزقت سكون المكان: "أحمد!" كانت الصرخة تعبيرًا عن فقدان شخص عزيز، صديق كان جزءًا من روحه. لم يكن قادرًا على قبول الحقيقة، وبقي يصرخ باسم أحمد وكأنه يحاول استعادته للحياة. وصلت الضباط على صوت زين الصارخ عبر الجهاز، وقاموا بأخذ جسد أحمد إلى السيارة. لكن زين لم يستطع أن يتحرك، ظل في مكانه، وصوت صياحه يعلو أكثر مع كل لحظة، كأن الألم يزداد حدة كلما أدرك الحقيقة. ظل زين على هذا الحال لفترة طويلة، حتى انتهت القوات من القضاء على الإرهابيين وتطهير المكان. كان الوقت قد فات، وأبلغ زين بوفاة أحمد. عندما سمع زين الخبر، كان الأمر أكبر من أن يتحمله. لم يكن قادرًا على الكلام، فطلب من عماد الاتصال بحرم المقدم أحمد وإعلامها بوفاة زوجها. . ❝ ⏤ياسمين خاطر
في قطاع 115، كان زين يجلس منهارًا، محطماً بسبب فقدان أحد أقرب أصدقائه، الرائد عماد. دخل الغرفة بسرعة والقلق يأكله، يتحدث بصوت ملهوف ومتسرع: "في مشكلة يا قائد." نظر إليه زين بترقب وسأل: "خير، في إيه يا عماد؟ بلغت أهل المقدم أحمد؟" رد الرائد عماد بصوت متوتر: "أيوه يا قائد، كلمت الدكتورة، لكن فجأة مش بترد، وابنها الصغير بيصرخ في التليفون. أنا بحاول أهديه، وبقوله هتصرف، لكن أنا مش عارف أعمل إيه." تأمل زين الموقف للحظة قبل أن يقول بحزم: "أنا هبلغ أم المقدم أحمد بنفسي، وأقولها باللي حصل. وهما أكيد هيتصرفوا." هز الرائد عماد رأسه بالموافقة وقال: "تمام يا قائد." ........ .............. ......... في بيت والدة المقدم أحمد. كان الألم يتفجر من كل زاوية. الأم عايدة بصوت مليء بالصدمة والوجع: "إنتا بتقول إيه؟ ابني مات؟ إزاي دا حصل؟ ابني مات، يا خالق، ابني مات!" صوت صراخها يملأ الصالة، يرتد في أرجاء المنزل وكأنه صدى لمأساتها. تحاول السيطرة على نفسها، لكن الألم يجتاح قلبها بلا رحمة. ابنتها سمر تقف بجانبها، تحاول تهدئتها، ولكن الدموع تملأ ....... [المزيد]