❞ المليونير الكبير الذي يموت . . جمع حوله أولاده الأربعة و راح يُملي على أكبرهم وصيته الأخيرة التي سينسخ بها جميع وصاياه السابقة .
إنه يُملي بصوت متهدج ، و الأولاد قد فتحوا أفواههم من الدهشة و كأنما يستمعون إلى شخص آخر غير أبيهم الذي عرفوه .
قال الرجل في صوت مهدم :
_ هناك مليون دولار ستوزع عليكم بالتساوي أما السبعة ملايين دولار الباقية ، فوصيتي أن تُبنَى بها مدارس و مستشفيات و ملاجيء و دار مسنين و معهد لتعليم الحِرَف . و على الأخ الأكبر إنشاء هذه المؤسسات الخيرية و إدارتها و رعايتها لتكون صدقة جارية ينتفع بها اليتيم و المريض و المحتاج .
و ارتفع صوت الإبن الصغير معترضاً :
_ و لكن يا أبي لا أحد منا له خبرة بهذه الأشياء .
و استمر الأب يُملي بصوته المتهدج :
_ و الإثنين مليون دولار في الخزينة .. يبنى بها مسجد و مستوصف و مقرأه للقرآن .
و تلفت الأبناء كل واحد يتصفح وجه الآخر في استغراب ، و عاد صوت الإبن الأصغر ليعترض :
_ليس هذا ما تعلمنا منك خلال حياتنا معك .. لقد ربيتنا على أعمال أخرى .. و الآن تفاجئنا بدور جديد لا نستطيع أن نقوم به . أنت في حياتك لم تدخل مسجداً و لم تصل ركعة و لم تفتح مصحفاً .. و لم تعط مليماً لمحتاج .. و لم تحدثنا حرفاً واحداً عن الدين أو الخير .. و كل ما تعلمناه منك هو كيف نستلم البضاعة من قبرص و ندخل بها مُهرَّبة إلى مصر .. و كيف نوزعها على الأعوان .. و كيف نقود اللنشات السريعة و عربات النقل و المقطورات و الهليكوبتر ، و كيف نستعمل البنادق السريعة الطلقات و القنابل اليدوية و مدافع الهاون عند اللزوم .. و كيف نحول المائة جنيه إلى مليون و لو قتلنا في سبيل ذلك كل رجال خفر السواحل .. علمتنا ألا نخاف أي شيء و ألا نعبأ بحاكم و لا بمحكوم و لا بحكومة .. و أن كل الذمم يمكن شراؤها و أن الذمة التي لا تقبل المائة سوف تقبل الألف ، و التي لا تقبل الألف سوف تقبل المليون .. و أنه لا يوجد كبير يتكبر على المال .. و أن كل الناس حشرات يمكن اصطيادها بالعسل .. و من لا يقع في العسل يقع في السم .. و أن العالم غابة لا أمان فيها .. و أن الشعار الوحيد الذي يصلح للتعامل في هذه الغابة .. هو .. أُقتُل قبل أن تُقْتَل .
هذا ما علمتنا إياه و لا نرى جديداً قد جد حتى تقول لنا كلاماً آخر .
_ الجديد أني أموت .. أنا أبوكم يموت .. و غداً أصبح رمة يأكلها الدود . تراباً لا يختلف كثيراً عن التراب الذي تطأونه بنعالكم .
_ هذا ليس أمراً جديداً عليك . فقد كنت ترى الموت حولك كل يوم يختطف أعوانك .. واحداً بعد آخر .. و كنت تمشي بنفسك في جنازاتهم ، و كنت أحياناً تقتلهم . أنت الذي كنت تقتلهم بيدك .. أو تصدر الأمر بقتلهم بنفس اللسان الذي يملي علينا الآن هذا الكلام عن بناء المساجد و الملاجيء و دور الأيتام و المقاريء .
_ لأن هذه المرة أنا الذي أموت .. أنا الذي دوَّخ أجهزة الأمن في مصر و الشام و العراق و تونس و الجزائر و إيطاليا و ألمانيا و اليونان .. أنا الشبح الذي لم يكن أحد يستطيع أن يضع يده عليه .. أنا اليوم معتقل بالشلل و العمى و بكرسي لا أستطيع أن أبارحه .. و أنا أنزف الدم من أمعائي و أموت ببطء .. و أصحو و أعود إلى الغيبوبة .
و الدقائق التي تبقت لي قليلة معدودة . لقد كنت أصنع الموت للألوف .. هذا صحيح . و لكن رؤية الموت تختلف كثيراً عن تذوقه .
الفارق كبير .. و أنا لا أريدكم أن تذوقوه كما أذوقه .. لابد أن يتغير كل شيء .. لقد أخطأت يا أولادي .. أخطأت بفظاعة ربما اكتشفت خطي بعد فوات الأوان .. و لكن هذا لا يغير شيئاً من النهاية .. إن الخطأ هو الخطأ .. اسمعوا .. هذه الوصية الجديدة هي التي يجب أن تنفَّذ .. هذا أمر .
و حاول أن يخرِج الطبنجة من جيبه . فلم يستطع .. و طلب من ابنه الكبير أن يناوله الطبنجة .
و مد الإبن الكبير يده في جيب أبيه و أخرج الطبنجة و ناولها له .. فأمسكها الأب في إعزاز و راح يلوح بها و أصابعه على الزناد ، ثم ناولها لإبنه الكبير قائلاً :
_ من يخالف هذه الوصية أطلق عليه النار و لو كان أخاك .. هذا آخر أمر .. هذا آخر أمر لي في هذه الدنيا . اقتل . اقتل .. بلا تردد أي إرادة تقف في سبيل هذه الوصية .. هذه الأموال في البنوك و في الخزائن ليست ملكي لترثوها .. إنها سرقات .. لا تكفير لها إلا أن تبني كما هدمت و تصنع من الحياة بقدر ما أعدمت .
_ و العمارات :
قالها الإبن الأصغر بصوت مرتجف .
_ تباع في مزادات و يصنع بثمنها نفس الشيء
_ و كازينو القمار .. و أوبرج ميلانو .. و شركات بيع السلاح في لندن .. و شقة باريس و فيللا جنيف .. و شاليهات فلوريدا .
_ تباع كلها . لا نصيب لأحد فيها .. و لا يد لأحد عليها .. و لا تؤول لأحد منكم .. إنها ملكي وحدي و أنا وهبتها لنفس الأغراض .. و ثمنها يكفي لإنشاء جامعة .
_ و نحن ماذا يبقى لنا و كيف نعيش ؟!
_ إن المليون دولار التي ستقسمونها بينكم . تساوي أربعة ملايين جنيه مصري .. أي مليون جنيه مصري لكل واحد فيكم .. و هي بداية تكفي لأن يبدأ كل منكم حياة شريفة ..
و بدت كلمة الشرف غريبة و هي تخرج من فم " الضبع " صاحب أكبر عصابة مخدرات في الشرق الأوسط ، و بدا لها رنين غريب في جو الصمت و الرهبة مما جعل كل ابن يتلفت في وجه أخيه و يقلب شفتيه ، في انتظار معجزة .
و كانت المفاجأة مرعبة .. فقد سحب الضبع الطبنجة من يد الإبن الكبير و لوح بها في وجوههم و أطلق الرصاص في الهواء .. و في كل اتجاه .. مما جعلهم يتقافزون في رعب و يلتصقون بالجدران بينما تهدج صوت الرجُل و هو ينطق :
_ هذا آخر أمر .. آخر أمر لي قبل أن أموت و لابد أن ينفذ .
و اختنق صوته و انطلق يلهث .
ثم سكن فجأة و سقط رأسه على صدره و لفظ آخر أنفاسه في صمت .
و أطبقت لحظة ثلجية من الذهول و الرعب على الجميع .. لا حركة .. و لا صوت .. و لا شيء سوى أنفاس مرتجفة و نبضات مضطربة و نظرات زائغة ، ثم بدأ الإبن الأصغر يتحرك و يسعل و يلوح بيديه في الهواء و لا يجد كلاماً
ثم ما لبث أن جمع أشتات نفسه ثم انفجر قائلاً :
_ لقد فعل كل شيء ، لم يترك جريمة لم يرتكبها ، لم يدع لذة لم ينتهبها ، لم يدع امرأة لم يغتصبها ، لم يدع شراً لم يقارفه ، لم يدع رذيلة لم يلهث خلفها .. و الآن و في آخر لحظة حينما فقد القوة على عمل أي شيء ، و حينما فقد الأمل في أي متعة و فقد القدرة على أي لذة .. الآن فقط يقرر أن يبعثر كل أمواله و يحرمنا منها لأنه أصبح ولياً من أولياء الله شغله الشاغل بناء المساجد و مقارئ القرآن و الملاجئ و بيوت الأيتام ، شيء غير مفهوم .
_ الدكتور الذي كشف عليه بالأمس قال أنه قد أصابه ضمور في المخ .
_ هي أعراض هذيان بلا شك .
_ إنه يخرج من غيبوبة ليعود إلى غيبوبة . و لا يمكن أن يؤخذ كلامه مأخذ الجد .
قال الإبن الكبير في هدوء مريب :
_ و لماذا لا يؤخذ كلامه على أنه توبة حقيقية ؟!
فأجاب الإبن الأصغر في عصبية :
_ توبة رجل مشلول فقد القدرة على كل شيء .. لا يمكن أن تكون توبة حقيقية .
قال الإبن الأوسط مؤيداً :
_ فعلاً . التوبة عن الذنب لا تكون مفهومة إلا من رجل قادر على الذنب .. فهو يقلع عن ذنبه بإرادته و اختياره .. أما فاقد الإرادة و فاقد الاختيار و فاقد القدرة .. فهو كذاب إذا ادعى فضيلة .. و إذا ادعى توبة .
قال الإبن الكبير بنفس النبرة الهادئة :
_ التوبة مسألة نية . و لا يحكم على صدق النيات إلا الله .. و ليس من حقنا أن نكذب الرجل فلا أحد منا يطلع على قلبه .
_ إن قلبه بلون القطران . حياته كلها تقول هذا
قال الإبن الأصغر :
_ إن حالته مثل حالة رجل تاب عن نزول البحر حينما فقد القدرة على السباحة
فأجاب الإبن الأكبر :
_ لا يمكن أن تتهمه بالكذب إلا إذا استعاد قدرته على السباحة و لم ينفذ وعده .. و نفس الشيء .. لا يمكن أن نتهم أبانا بالكذب إلا إذا استعاد حياته و استعاد صحته .. ثم عاود جرائمه .. و لم ينفذ وعده .. و هو مالا سبيل إلى معرفته .
_ ماذا تعني ؟
_ أعني أن الوصية واجبة .. و لا سبيل إلى الطعن عليها .. و سوف أحرص على تنفيذها : و أخرج طبنجته و وضعها على المائدة مُردِفاً :
_ و على من يقف في وجه إرادة الميت .. أن يستعد ليلحق به .
و قفز الإبن الأصغر مرتاعاً و هو يردد في دهشة :
_ هل جننت .. هل فقدت عقلك .. هل صدقت هذا المعتوه ؟!
و خرجت من الأخوين الآخرين تمتمات مرتعشة :
_ هل نحرم أنفسنا من مائة مليون جنيه لمجرد نزوة توبة خرجت من دماغ مشلول .
و نظر إليه الإبن الأكبر نظرة ثلجية و أجاب في بطء ثقيل :
_ و منذ متى كنا نلجأ إلى القضاء أو نحتكم إلى القانون أو نأخذ برأي العدل .
_ لم تعد هناك وصية .. انتهى كل شيء .
فأردف الإبن الأكبر في نبرة كرنين الفولاذ :
_ أنا الوصية .. و أنا القانون .. و أنا العدل .
و فجأة و في حركة غير محسوبة ، أخرج الإبن الأصغر مسدسه و أطلق رصاصة على أخيه الأكبر أصابت كتفه . و جاء الرد فورياً من الطبنجة في يد الأخ الأكبر سيلاً من الطلقات .. و انبطح الأخوة أرضاً يتبادلون الرصاص .
و أسفرت المذبحة عن ثلاثة قتلى و أفلت الأخ الأصغر من الموت .. ليسرع الخطى إلى الخزينة .. و إلى مخاب الدولارات في الجدران .. يفرغ كل شيء في حقيبة كبيرة و ليقفز بها إلى عربته المرسيدس و ليدوس على البنزين بأقصى سرعة و قد بسط أمامه خريطة كبيرة .. و راح ينظر فيها .. باحثاً عن خط سير مأمون إلى الصحراء الليبية عبر الحدود .. كانت ليبيا بعد فتح الحدود و إزالة الجمارك هي أكثر الأهداف أمناً .
و لم يتردد .
و أطلق لسيارته العنان و قد راوده الشعور بالأمن لأول مرة بعد ليلة عاصفة .. لم يكن يفكر في أي شيء .. و لم يكن نادماً على أي شيء .
كان يشعر بنفسه فقط .
و هكذا عاش دائماً لا يفكر إلا في نفسه و في لحظته .
و كان يؤمن بالحكمة التي علمها له أبوه .. أن كل الناس حشرات يمكن إصطيادها بالعسل . و من لا يقع منها في العسل يقع في السم .
و لم يحدث أن شعر مرة واحده بروابط العائلة أو صلة الدم .. و ما كان أبوه و اخوته إلا مجرد وسائل للثراء السريع و جمع الدولارات .. مجرد أعضاء عصابة يجتمعون و ينفضون على خطط القتل و الإجرام .. و يعود كل واحد آخر الليل إلى بيته لينام بلا ذرة ندم .
الشمس تغرب و ساعات أخرى بطيئة ثقيلة و مؤشر البنزين يقترب من الصفر و اللمبة الحمراء تضيء .
الخريطة تقول أن ما تبقى لبلوغ الحدود قليل ، ربما عشرة كيلومترات .. فإنه يستطيع أن يحمل حقيبته و يمشي الباقي على قدميه .. و ساعات أخرى قلقة متوترة .
و تتوقف العربة كخنزير أسود في صحراء حالكة الظلمة .
و يحمل حقيبته و ينزل .. ليمشي و قد وضع الخريطة في جيبه .
ساعة أخرى .. ساعتان .. ثلاث ساعات .. و تتهاوى ساقاه و يتكوم فينام على تل من الرمال الناعمة .. فاقد الوعي تماماً .
و ما تكاد تمر دقائق حتى ينتفض من لدغة تلسعه كالنار .
بطرف عينيه يرى ثعبان الطريشة يعود أدراجه ليغوص في الرمل بعد أن فعل فعلته .
إنه يعلم ماذا ستفعل به لدغة الطريشة من ثعبان بهذا الحجم الذي رآه .
لا أمل إنتهى كل شيء .
و زحف على بطنه ليفتح الحقيبة و يلقي نظرة أخيرة على ملايين الدولارات المكدسة . و بدأ السم يسري في دمه ليصل إلى مركز التنفس و يصيب عضلات التنفس بالشلل .
و بدأ صوته يتحشرج و يحتضر و يسلم الروح .
و هبت دوامة عاتية من الرمال بعثرت محتويات الحقيبة لتنتشر على مساحة شاسعة من الصحراء و تبعثر أكوام الدولارات إلى هباء .. أمام عينين تخمدان .
و مات آخر أبناء عائلة الضبع .
و عرف أخـيراً الفرق بيـن .. رؤيـــة المـــوت و بيـن تـذوقــه ..
و كـم كـان الفــارق كبيـــراً ...
..
قصة / نهاية الشبح .
من كتاب / الذين ضحكوا حتى البكاء
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ المليونير الكبير الذي يموت . . جمع حوله أولاده الأربعة و راح يُملي على أكبرهم وصيته الأخيرة التي سينسخ بها جميع وصاياه السابقة .
إنه يُملي بصوت متهدج ، و الأولاد قد فتحوا أفواههم من الدهشة و كأنما يستمعون إلى شخص آخر غير أبيهم الذي عرفوه .
قال الرجل في صوت مهدم :
_ هناك مليون دولار ستوزع عليكم بالتساوي أما السبعة ملايين دولار الباقية ، فوصيتي أن تُبنَى بها مدارس و مستشفيات و ملاجيء و دار مسنين و معهد لتعليم الحِرَف . و على الأخ الأكبر إنشاء هذه المؤسسات الخيرية و إدارتها و رعايتها لتكون صدقة جارية ينتفع بها اليتيم و المريض و المحتاج .
و ارتفع صوت الإبن الصغير معترضاً :
_ و لكن يا أبي لا أحد منا له خبرة بهذه الأشياء .
و استمر الأب يُملي بصوته المتهدج :
_ و الإثنين مليون دولار في الخزينة . يبنى بها مسجد و مستوصف و مقرأه للقرآن .
و تلفت الأبناء كل واحد يتصفح وجه الآخر في استغراب ، و عاد صوت الإبن الأصغر ليعترض :
_ليس هذا ما تعلمنا منك خلال حياتنا معك . لقد ربيتنا على أعمال أخرى . و الآن تفاجئنا بدور جديد لا نستطيع أن نقوم به . أنت في حياتك لم تدخل مسجداً و لم تصل ركعة و لم تفتح مصحفاً . و لم تعط مليماً لمحتاج . و لم تحدثنا حرفاً واحداً عن الدين أو الخير . و كل ما تعلمناه منك هو كيف نستلم البضاعة من قبرص و ندخل بها مُهرَّبة إلى مصر . و كيف نوزعها على الأعوان . و كيف نقود اللنشات السريعة و عربات النقل و المقطورات و الهليكوبتر ، و كيف نستعمل البنادق السريعة الطلقات و القنابل اليدوية و مدافع الهاون عند اللزوم . و كيف نحول المائة جنيه إلى مليون و لو قتلنا في سبيل ذلك كل رجال خفر السواحل . علمتنا ألا نخاف أي شيء و ألا نعبأ بحاكم و لا بمحكوم و لا بحكومة . و أن كل الذمم يمكن شراؤها و أن الذمة التي لا تقبل المائة سوف تقبل الألف ، و التي لا تقبل الألف سوف تقبل المليون . و أنه لا يوجد كبير يتكبر على المال . و أن كل الناس حشرات يمكن اصطيادها بالعسل . و من لا يقع في العسل يقع في السم . و أن العالم غابة لا أمان فيها . و أن الشعار الوحيد الذي يصلح للتعامل في هذه الغابة . هو . أُقتُل قبل أن تُقْتَل .
هذا ما علمتنا إياه و لا نرى جديداً قد جد حتى تقول لنا كلاماً آخر .
_ الجديد أني أموت . أنا أبوكم يموت . و غداً أصبح رمة يأكلها الدود . تراباً لا يختلف كثيراً عن التراب الذي تطأونه بنعالكم .
_ هذا ليس أمراً جديداً عليك . فقد كنت ترى الموت حولك كل يوم يختطف أعوانك . واحداً بعد آخر . و كنت تمشي بنفسك في جنازاتهم ، و كنت أحياناً تقتلهم . أنت الذي كنت تقتلهم بيدك . أو تصدر الأمر بقتلهم بنفس اللسان الذي يملي علينا الآن هذا الكلام عن بناء المساجد و الملاجيء و دور الأيتام و المقاريء .
_ لأن هذه المرة أنا الذي أموت . أنا الذي دوَّخ أجهزة الأمن في مصر و الشام و العراق و تونس و الجزائر و إيطاليا و ألمانيا و اليونان . أنا الشبح الذي لم يكن أحد يستطيع أن يضع يده عليه . أنا اليوم معتقل بالشلل و العمى و بكرسي لا أستطيع أن أبارحه . و أنا أنزف الدم من أمعائي و أموت ببطء . و أصحو و أعود إلى الغيبوبة .
و الدقائق التي تبقت لي قليلة معدودة . لقد كنت أصنع الموت للألوف . هذا صحيح . و لكن رؤية الموت تختلف كثيراً عن تذوقه .
الفارق كبير . و أنا لا أريدكم أن تذوقوه كما أذوقه . لابد أن يتغير كل شيء . لقد أخطأت يا أولادي . أخطأت بفظاعة ربما اكتشفت خطي بعد فوات الأوان . و لكن هذا لا يغير شيئاً من النهاية . إن الخطأ هو الخطأ . اسمعوا . هذه الوصية الجديدة هي التي يجب أن تنفَّذ . هذا أمر .
و حاول أن يخرِج الطبنجة من جيبه . فلم يستطع . و طلب من ابنه الكبير أن يناوله الطبنجة .
و مد الإبن الكبير يده في جيب أبيه و أخرج الطبنجة و ناولها له . فأمسكها الأب في إعزاز و راح يلوح بها و أصابعه على الزناد ، ثم ناولها لإبنه الكبير قائلاً :
_ من يخالف هذه الوصية أطلق عليه النار و لو كان أخاك . هذا آخر أمر . هذا آخر أمر لي في هذه الدنيا . اقتل . اقتل . بلا تردد أي إرادة تقف في سبيل هذه الوصية . هذه الأموال في البنوك و في الخزائن ليست ملكي لترثوها . إنها سرقات . لا تكفير لها إلا أن تبني كما هدمت و تصنع من الحياة بقدر ما أعدمت .
_ و العمارات :
قالها الإبن الأصغر بصوت مرتجف .
_ تباع في مزادات و يصنع بثمنها نفس الشيء
_ و كازينو القمار . و أوبرج ميلانو . و شركات بيع السلاح في لندن . و شقة باريس و فيللا جنيف . و شاليهات فلوريدا .
_ تباع كلها . لا نصيب لأحد فيها . و لا يد لأحد عليها . و لا تؤول لأحد منكم . إنها ملكي وحدي و أنا وهبتها لنفس الأغراض . و ثمنها يكفي لإنشاء جامعة .
_ و نحن ماذا يبقى لنا و كيف نعيش ؟!
_ إن المليون دولار التي ستقسمونها بينكم . تساوي أربعة ملايين جنيه مصري . أي مليون جنيه مصري لكل واحد فيكم . و هي بداية تكفي لأن يبدأ كل منكم حياة شريفة .
و بدت كلمة الشرف غريبة و هي تخرج من فم ˝ الضبع ˝ صاحب أكبر عصابة مخدرات في الشرق الأوسط ، و بدا لها رنين غريب في جو الصمت و الرهبة مما جعل كل ابن يتلفت في وجه أخيه و يقلب شفتيه ، في انتظار معجزة .
و كانت المفاجأة مرعبة . فقد سحب الضبع الطبنجة من يد الإبن الكبير و لوح بها في وجوههم و أطلق الرصاص في الهواء . و في كل اتجاه . مما جعلهم يتقافزون في رعب و يلتصقون بالجدران بينما تهدج صوت الرجُل و هو ينطق :
_ هذا آخر أمر . آخر أمر لي قبل أن أموت و لابد أن ينفذ .
و اختنق صوته و انطلق يلهث .
ثم سكن فجأة و سقط رأسه على صدره و لفظ آخر أنفاسه في صمت .
و أطبقت لحظة ثلجية من الذهول و الرعب على الجميع . لا حركة . و لا صوت . و لا شيء سوى أنفاس مرتجفة و نبضات مضطربة و نظرات زائغة ، ثم بدأ الإبن الأصغر يتحرك و يسعل و يلوح بيديه في الهواء و لا يجد كلاماً
ثم ما لبث أن جمع أشتات نفسه ثم انفجر قائلاً :
_ لقد فعل كل شيء ، لم يترك جريمة لم يرتكبها ، لم يدع لذة لم ينتهبها ، لم يدع امرأة لم يغتصبها ، لم يدع شراً لم يقارفه ، لم يدع رذيلة لم يلهث خلفها . و الآن و في آخر لحظة حينما فقد القوة على عمل أي شيء ، و حينما فقد الأمل في أي متعة و فقد القدرة على أي لذة . الآن فقط يقرر أن يبعثر كل أمواله و يحرمنا منها لأنه أصبح ولياً من أولياء الله شغله الشاغل بناء المساجد و مقارئ القرآن و الملاجئ و بيوت الأيتام ، شيء غير مفهوم .
_ الدكتور الذي كشف عليه بالأمس قال أنه قد أصابه ضمور في المخ .
_ هي أعراض هذيان بلا شك .
_ إنه يخرج من غيبوبة ليعود إلى غيبوبة . و لا يمكن أن يؤخذ كلامه مأخذ الجد .
قال الإبن الكبير في هدوء مريب :
_ و لماذا لا يؤخذ كلامه على أنه توبة حقيقية ؟!
فأجاب الإبن الأصغر في عصبية :
_ توبة رجل مشلول فقد القدرة على كل شيء . لا يمكن أن تكون توبة حقيقية .
قال الإبن الأوسط مؤيداً :
_ فعلاً . التوبة عن الذنب لا تكون مفهومة إلا من رجل قادر على الذنب . فهو يقلع عن ذنبه بإرادته و اختياره . أما فاقد الإرادة و فاقد الاختيار و فاقد القدرة . فهو كذاب إذا ادعى فضيلة . و إذا ادعى توبة .
قال الإبن الكبير بنفس النبرة الهادئة :
_ التوبة مسألة نية . و لا يحكم على صدق النيات إلا الله . و ليس من حقنا أن نكذب الرجل فلا أحد منا يطلع على قلبه .
_ إن قلبه بلون القطران . حياته كلها تقول هذا
قال الإبن الأصغر :
_ إن حالته مثل حالة رجل تاب عن نزول البحر حينما فقد القدرة على السباحة
فأجاب الإبن الأكبر :
_ لا يمكن أن تتهمه بالكذب إلا إذا استعاد قدرته على السباحة و لم ينفذ وعده . و نفس الشيء . لا يمكن أن نتهم أبانا بالكذب إلا إذا استعاد حياته و استعاد صحته . ثم عاود جرائمه . و لم ينفذ وعده . و هو مالا سبيل إلى معرفته .
_ ماذا تعني ؟
_ أعني أن الوصية واجبة . و لا سبيل إلى الطعن عليها . و سوف أحرص على تنفيذها : و أخرج طبنجته و وضعها على المائدة مُردِفاً :
_ و على من يقف في وجه إرادة الميت . أن يستعد ليلحق به .
و قفز الإبن الأصغر مرتاعاً و هو يردد في دهشة :
_ هل جننت . هل فقدت عقلك . هل صدقت هذا المعتوه ؟!
و خرجت من الأخوين الآخرين تمتمات مرتعشة :
_ هل نحرم أنفسنا من مائة مليون جنيه لمجرد نزوة توبة خرجت من دماغ مشلول .
و نظر إليه الإبن الأكبر نظرة ثلجية و أجاب في بطء ثقيل :
_ و منذ متى كنا نلجأ إلى القضاء أو نحتكم إلى القانون أو نأخذ برأي العدل .
_ لم تعد هناك وصية . انتهى كل شيء .
فأردف الإبن الأكبر في نبرة كرنين الفولاذ :
_ أنا الوصية . و أنا القانون . و أنا العدل .
و فجأة و في حركة غير محسوبة ، أخرج الإبن الأصغر مسدسه و أطلق رصاصة على أخيه الأكبر أصابت كتفه . و جاء الرد فورياً من الطبنجة في يد الأخ الأكبر سيلاً من الطلقات . و انبطح الأخوة أرضاً يتبادلون الرصاص .
و أسفرت المذبحة عن ثلاثة قتلى و أفلت الأخ الأصغر من الموت . ليسرع الخطى إلى الخزينة . و إلى مخاب الدولارات في الجدران . يفرغ كل شيء في حقيبة كبيرة و ليقفز بها إلى عربته المرسيدس و ليدوس على البنزين بأقصى سرعة و قد بسط أمامه خريطة كبيرة . و راح ينظر فيها . باحثاً عن خط سير مأمون إلى الصحراء الليبية عبر الحدود . كانت ليبيا بعد فتح الحدود و إزالة الجمارك هي أكثر الأهداف أمناً .
و لم يتردد .
و أطلق لسيارته العنان و قد راوده الشعور بالأمن لأول مرة بعد ليلة عاصفة . لم يكن يفكر في أي شيء . و لم يكن نادماً على أي شيء .
كان يشعر بنفسه فقط .
و هكذا عاش دائماً لا يفكر إلا في نفسه و في لحظته .
و كان يؤمن بالحكمة التي علمها له أبوه . أن كل الناس حشرات يمكن إصطيادها بالعسل . و من لا يقع منها في العسل يقع في السم .
و لم يحدث أن شعر مرة واحده بروابط العائلة أو صلة الدم . و ما كان أبوه و اخوته إلا مجرد وسائل للثراء السريع و جمع الدولارات . مجرد أعضاء عصابة يجتمعون و ينفضون على خطط القتل و الإجرام . و يعود كل واحد آخر الليل إلى بيته لينام بلا ذرة ندم .
الشمس تغرب و ساعات أخرى بطيئة ثقيلة و مؤشر البنزين يقترب من الصفر و اللمبة الحمراء تضيء .
الخريطة تقول أن ما تبقى لبلوغ الحدود قليل ، ربما عشرة كيلومترات . فإنه يستطيع أن يحمل حقيبته و يمشي الباقي على قدميه . و ساعات أخرى قلقة متوترة .
و تتوقف العربة كخنزير أسود في صحراء حالكة الظلمة .
و يحمل حقيبته و ينزل . ليمشي و قد وضع الخريطة في جيبه .
ساعة أخرى . ساعتان . ثلاث ساعات . و تتهاوى ساقاه و يتكوم فينام على تل من الرمال الناعمة . فاقد الوعي تماماً .
و ما تكاد تمر دقائق حتى ينتفض من لدغة تلسعه كالنار .
بطرف عينيه يرى ثعبان الطريشة يعود أدراجه ليغوص في الرمل بعد أن فعل فعلته .
إنه يعلم ماذا ستفعل به لدغة الطريشة من ثعبان بهذا الحجم الذي رآه .
لا أمل إنتهى كل شيء .
و زحف على بطنه ليفتح الحقيبة و يلقي نظرة أخيرة على ملايين الدولارات المكدسة . و بدأ السم يسري في دمه ليصل إلى مركز التنفس و يصيب عضلات التنفس بالشلل .
و بدأ صوته يتحشرج و يحتضر و يسلم الروح .
و هبت دوامة عاتية من الرمال بعثرت محتويات الحقيبة لتنتشر على مساحة شاسعة من الصحراء و تبعثر أكوام الدولارات إلى هباء . أمام عينين تخمدان .
و مات آخر أبناء عائلة الضبع .
و عرف أخـيراً الفرق بيـن . رؤيـــة المـــوت و بيـن تـذوقــه .
و كـم كـان الفــارق كبيـــراً ..
.
قصة / نهاية الشبح .
من كتاب / الذين ضحكوا حتى البكاء
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ لا تعجلي!
أنتِ أيضاً صحابيّة!
تريدين أن تعرفي أدقَّ تفاصيل دينكِ،
لأنكِ تعرفين أنَّ الله سبحانه لا يُعبد من جهلٍ،
وأن المرءَ كلما استقام له الفهم بانت له الحكمة!
وها أنتِ اليوم رفقة نبيكِ وحبيبكِ ﷺ،
وها أنتِ تسمعينه يقول:
يُستجاب لأحدكم ما لم يعجّل، يقول: دعوتُ فلم يُستجب لي!
يا صحابيَّة،
إن الله تعالى يُحِبُّ العبدَ اللحوح،
تقولُ أمكِ عائشة رضي الله عنها:
ذات يومٍ دعا النبيُّ ﷺ، ثم دعا، ثم دعا!
ويوم بدرٍ حين رأى جموع المشركين قد أقبلتْ
استقبلَ القِبلة، ثم رفع يديه يقول ﷺ:
اللهم أنْجِزْ لي ما وعدتني،
اللهم إنك إن تُهلِكْ هذه العصابة من أهل الإسلام،
لا تُعبدُ في الأرض أبداً!
وما زال يدعو، ويدعو، حتى سقط رداؤه ﷺ من على منكبيه
فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه ووضعه على منكبيه
ثم قال له: يا نبيَّ الله كفاكَ مناشدتكَ ربّكَ!
فإنه سينجز لكَ ما وعدكَ!
يا صحابيَّة،
إن كان لكِ عند الله حاجة فألحّي بها،
ولا تستأخري الإجابة فتتوقفي عن الدعاء!
لعلَّ الله تعالى يُحِبُّ أن يسمعَ صوتكِ!
كرري دعوتكِ، ولا تملي منها أبداً،
وتحرّي في دعائكِ أوقات الإجابة،
فهي أرجى من غيرها لإجابة الدعاء!
فإذا فرغ المؤذن من الأذان،
صلي على نبيكِ وسلي له الوسيلة ،
ثم ارفعي إلى الجبار حاجتكِ!
وإذا هطل المطر فقولي: اللهم صيباً نافعاً،
ثم ارفعي إلى المليكِ حاجتكِ!
وإذا نظرتِ إلى الكعبة
فقولي: اللهم زِدْ هذا البيت تعظيماً وتشريفاً،
ثم ارفعي إلى المعطي حاجتكِ!
وإذا كنتِ في السجود فلا تعجلي رفع رأسكِ،
سلي الحاجة في السجود فإنكِ فيه أقرب ما تكونين إلى ربكِ!
واقصدي مسكيناً في بيته، وضعي في يده صدقة!
ومريضاً لا يجد ثمن دوائه واشتريه له!
وأرملة ذات أولاد ومعكِ بعض الطعام والثياب!
وفاقدة أب أو أخ أو حبيب فزوريها وعزيها!
وهناك ارفعي حاجتكِ فإن الله عند المنكسرة قلوبهم!
يا صحابيَّة،
أحياناً تتأخر الإجابة بذنبٍ أنتِ عليه،
وإن الجبار ينتظرُ توبتكِ ليعطيكِ!
خرجَ موسى عليه السلام ببني إسرائيل لصلاة الاستسقاء،
وقد أجدبت الأرض، وكاد الناس أن يهلكوا،
ولكن المطر رغم الصلاة لم يهطل،
وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن فيهم عبداً عاصياً،
فأخبرهم بذلك، وطلبَ منهم أن يخرج هذا العاصي من بينهم،
وما هي إلا لحظات حتى انهمر المطر!
فسألَ موسى عليه السلام ربَّه عن سبب نزول المطر،
رغم أن هذا العاصي لم يخرج من بينهم،
فأخبره الله تعالى بأن العاصي قد تاب بينه وبين ربه،
فسأل موسى عليه السلام عنه، فقال له الله تعالى:
يا موسى، سترته عاصياً فكيف أفضحه تائباً!
أمة كاملة حُرمتْ المطر بسبب عاصٍ لم يتب!
فمن باب أولى أن يُحرم المرء إجابة دعوته بسبب معصيته هو!
فإن كانت لكِ دعوة تأخرتْ فراجعي نفسكِ!
انظري في ذنبٍ يحتاجُ إقلاعاً،
فلعله هو الذي يحول بين دعائكِ وإجابته،
فإنَّ الله تعالى ما أمر بالمسألة إلا لأنه يريدُ أن يعطي،
وإنَّ المنع في كثير من الأحيان كامن فينا نحن
فراجعي نفسكِ!
يا صحابيَّة،
قال رجل لعيسى عليه السلام: أوصني!
فقال له: اُنظُرْ إلى رغيفك من أين هو!
بمعنى: ابحثْ عن الحلال!
إن المال الحرام يحول بين الدعاء والإجابة،
وفي الحديث الشريف يقول النبي ﷺ:
إنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين،
فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾
وقال: ﴿\"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾
ثم ذكرَ الرجل يطيل السفر، أشعثَ أغبر
يمدُّ يديه إلى السماء: يارب، يارب!
ومطعمه حرام، وشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذيَ بالحرام،
فأنّى يُستجاب له؟!
فإذا تأخرت الإجابة عنكِ فانظري في مصدر دخلكِ،
لعلَّ لكِ تجارة داخلها شيء من حرام،
فأصلحي هذا أولاً، ثم أبشري بالإجابة!
يا صحابيَّة،
كان أحد التابعين يسألُ الله أن يُيسر له الجهاد،
فلم ييسره الله تعالى له،
فلما استغربَ عدم الإجابة، رأى في المنام من يقول له:
إنكَ إن غزوتَ أُسِرْتَ، وإن أُسِرْتَ تنصَّرتَ!
إن الله تعالى يحرمنا أحياناً لأنه يحبنا!
ويمنع عنا الشيء الذي نطلبه لأنه فيه ضرر لنا،
وكان الأوائل يفرحون بإجابة الدعاء مرَّة،
ويفرحون بعدم إجابته مرتين!
لأن الإجابة هي اختيار المرء لنفسه،
أما المنع فهو اختيار الله لعبده،
وخيرة الله لنا خير من خيرتنا لأنفسنا!
لعلَّ الحبيب الذي سألتِ الله إياه طويلاً فمنعكِ،
الحياة ستكون معه جحيماً لا يُطاق وقد يفتنكِ في دينكِ!
أنتِ لا ترين من الكتاب إلا غلافه،
ولعلَّ الوظيفة التي كنتِ تريدينها وحُرمتِ منها،
كانت النجاة كل النجاة أن لا تكوني فيها!
إنَّ الله تعالى يُقلِّب الأمور بطريقة مدهشة،
لا يستطيع فكرنا البشري القاصر أن يدركها،
فأحسني الظن باللهِ،
واعلمي أن اختياراته لكِ هي عين نجاتكِ!
وأن منعه إياكِ هي عين عطائكِ!
يا صحابيَّة،
قد تتأخر الإجابة لأن الوقت لم يحن بعد،
بعض الأشياء إذا أخذناها باكراً أتلفناها أو أتلفتنا!
على بعض الوقت أن يمضي أولاً،
على بعض الأسباب أن تتهيأ،
على بعض النضج أن نكتسبه!
واقرئي إن شئتِ قول ربكِ:
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾
بعض العطاء مرهون بالوقت،
ولعل وقت إجابتكِ لم يحن بعد،
فلا تقلعي عن الدعاء، وانتظري!
واقرئي أيضاً قول ربكِ:
﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴾
لو أخذ اليتيمان الكنز باكراً لأضاعاه،
أو لسلبهم الناس إياه،
كان على بعض العطاء أن يبقى مخبئاً حتى تحين اللحظة المناسبة!. ❝ ⏤أدهم شرقاوي
❞ لا تعجلي!
أنتِ أيضاً صحابيّة!
تريدين أن تعرفي أدقَّ تفاصيل دينكِ،
لأنكِ تعرفين أنَّ الله سبحانه لا يُعبد من جهلٍ،
وأن المرءَ كلما استقام له الفهم بانت له الحكمة!
وها أنتِ اليوم رفقة نبيكِ وحبيبكِ ﷺ،
وها أنتِ تسمعينه يقول:
يُستجاب لأحدكم ما لم يعجّل، يقول: دعوتُ فلم يُستجب لي!
يا صحابيَّة،
إن الله تعالى يُحِبُّ العبدَ اللحوح،
تقولُ أمكِ عائشة رضي الله عنها:
ذات يومٍ دعا النبيُّ ﷺ، ثم دعا، ثم دعا!
ويوم بدرٍ حين رأى جموع المشركين قد أقبلتْ
استقبلَ القِبلة، ثم رفع يديه يقول ﷺ:
اللهم أنْجِزْ لي ما وعدتني،
اللهم إنك إن تُهلِكْ هذه العصابة من أهل الإسلام،
لا تُعبدُ في الأرض أبداً!
وما زال يدعو، ويدعو، حتى سقط رداؤه ﷺ من على منكبيه
فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه ووضعه على منكبيه
ثم قال له: يا نبيَّ الله كفاكَ مناشدتكَ ربّكَ!
فإنه سينجز لكَ ما وعدكَ!
يا صحابيَّة،
إن كان لكِ عند الله حاجة فألحّي بها،
ولا تستأخري الإجابة فتتوقفي عن الدعاء!
لعلَّ الله تعالى يُحِبُّ أن يسمعَ صوتكِ!
كرري دعوتكِ، ولا تملي منها أبداً،
وتحرّي في دعائكِ أوقات الإجابة،
فهي أرجى من غيرها لإجابة الدعاء!
فإذا فرغ المؤذن من الأذان،
صلي على نبيكِ وسلي له الوسيلة ،
ثم ارفعي إلى الجبار حاجتكِ!
وإذا هطل المطر فقولي: اللهم صيباً نافعاً،
ثم ارفعي إلى المليكِ حاجتكِ!
وإذا نظرتِ إلى الكعبة
فقولي: اللهم زِدْ هذا البيت تعظيماً وتشريفاً،
ثم ارفعي إلى المعطي حاجتكِ!
وإذا كنتِ في السجود فلا تعجلي رفع رأسكِ،
سلي الحاجة في السجود فإنكِ فيه أقرب ما تكونين إلى ربكِ!
واقصدي مسكيناً في بيته، وضعي في يده صدقة!
ومريضاً لا يجد ثمن دوائه واشتريه له!
وأرملة ذات أولاد ومعكِ بعض الطعام والثياب!
وفاقدة أب أو أخ أو حبيب فزوريها وعزيها!
وهناك ارفعي حاجتكِ فإن الله عند المنكسرة قلوبهم!
يا صحابيَّة،
أحياناً تتأخر الإجابة بذنبٍ أنتِ عليه،
وإن الجبار ينتظرُ توبتكِ ليعطيكِ!
خرجَ موسى عليه السلام ببني إسرائيل لصلاة الاستسقاء،
وقد أجدبت الأرض، وكاد الناس أن يهلكوا،
ولكن المطر رغم الصلاة لم يهطل،
وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن فيهم عبداً عاصياً،
فأخبرهم بذلك، وطلبَ منهم أن يخرج هذا العاصي من بينهم،
وما هي إلا لحظات حتى انهمر المطر!
فسألَ موسى عليه السلام ربَّه عن سبب نزول المطر،
رغم أن هذا العاصي لم يخرج من بينهم،
فأخبره الله تعالى بأن العاصي قد تاب بينه وبين ربه،
فسأل موسى عليه السلام عنه، فقال له الله تعالى:
يا موسى، سترته عاصياً فكيف أفضحه تائباً!
أمة كاملة حُرمتْ المطر بسبب عاصٍ لم يتب!
فمن باب أولى أن يُحرم المرء إجابة دعوته بسبب معصيته هو!
فإن كانت لكِ دعوة تأخرتْ فراجعي نفسكِ!
انظري في ذنبٍ يحتاجُ إقلاعاً،
فلعله هو الذي يحول بين دعائكِ وإجابته،
فإنَّ الله تعالى ما أمر بالمسألة إلا لأنه يريدُ أن يعطي،
وإنَّ المنع في كثير من الأحيان كامن فينا نحن
فراجعي نفسكِ!
يا صحابيَّة،
قال رجل لعيسى عليه السلام: أوصني!
فقال له: اُنظُرْ إلى رغيفك من أين هو!
بمعنى: ابحثْ عن الحلال!
إن المال الحرام يحول بين الدعاء والإجابة،
وفي الحديث الشريف يقول النبي ﷺ:
إنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين،
فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ وقال: ﴿˝يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ ثم ذكرَ الرجل يطيل السفر، أشعثَ أغبر
يمدُّ يديه إلى السماء: يارب، يارب!
ومطعمه حرام، وشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذيَ بالحرام،
فأنّى يُستجاب له؟!
فإذا تأخرت الإجابة عنكِ فانظري في مصدر دخلكِ،
لعلَّ لكِ تجارة داخلها شيء من حرام،
فأصلحي هذا أولاً، ثم أبشري بالإجابة!
يا صحابيَّة،
كان أحد التابعين يسألُ الله أن يُيسر له الجهاد،
فلم ييسره الله تعالى له،
فلما استغربَ عدم الإجابة، رأى في المنام من يقول له:
إنكَ إن غزوتَ أُسِرْتَ، وإن أُسِرْتَ تنصَّرتَ!
إن الله تعالى يحرمنا أحياناً لأنه يحبنا!
ويمنع عنا الشيء الذي نطلبه لأنه فيه ضرر لنا،
وكان الأوائل يفرحون بإجابة الدعاء مرَّة،
ويفرحون بعدم إجابته مرتين!
لأن الإجابة هي اختيار المرء لنفسه،
أما المنع فهو اختيار الله لعبده،
وخيرة الله لنا خير من خيرتنا لأنفسنا!
لعلَّ الحبيب الذي سألتِ الله إياه طويلاً فمنعكِ،
الحياة ستكون معه جحيماً لا يُطاق وقد يفتنكِ في دينكِ!
أنتِ لا ترين من الكتاب إلا غلافه،
ولعلَّ الوظيفة التي كنتِ تريدينها وحُرمتِ منها،
كانت النجاة كل النجاة أن لا تكوني فيها!
إنَّ الله تعالى يُقلِّب الأمور بطريقة مدهشة،
لا يستطيع فكرنا البشري القاصر أن يدركها،
فأحسني الظن باللهِ،
واعلمي أن اختياراته لكِ هي عين نجاتكِ!
وأن منعه إياكِ هي عين عطائكِ!
يا صحابيَّة،
قد تتأخر الإجابة لأن الوقت لم يحن بعد،
بعض الأشياء إذا أخذناها باكراً أتلفناها أو أتلفتنا!
على بعض الوقت أن يمضي أولاً،
على بعض الأسباب أن تتهيأ،
على بعض النضج أن نكتسبه!
واقرئي إن شئتِ قول ربكِ:
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ بعض العطاء مرهون بالوقت،
ولعل وقت إجابتكِ لم يحن بعد،
فلا تقلعي عن الدعاء، وانتظري!
واقرئي أيضاً قول ربكِ:
﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴾ لو أخذ اليتيمان الكنز باكراً لأضاعاه،
أو لسلبهم الناس إياه،
كان على بعض العطاء أن يبقى مخبئاً حتى تحين اللحظة المناسبة!. ❝
❞ فكرت للحظة كم هو صعب أن تتخلى عن فكرة غرسها محيطك في عقلك
كثير من قراراتنا وقناعاتا ظاهريا نحن اتخذناها وفي الباطن أنا وأنت لم نكن سوى لعبة تحركها الاراء والاعتقادات والأفكار السائدة في المجتمع بأيادي خفية
أردت الطب فقط لأن الجميع كان يناديني دكتورة منذ كنت صغيرة ؛ كنت مقتنعة بالأمر راضية ساعية للوصول إلى هذا اللقب مهما كلفني الأمر كنت سعيدة به حتى وصلت للنقطة الحاسمة لما وصلت للحظة الاختيار ضعت .
وتساءلت هل هذا ما أردت ؟ سألت نفسي مرارا اذا ماكنت مستعدة لسبع سنوات أخرى من الجهاد تليها أربعة أخرى أو أكثر إذا أردت التخصص والمرعب أن جوابي كان\" لا \" لست مستعدة أبدا أن أضيع هذا الوقت لأجل لقب هم اختاروه لي وأنا قبلته فقط كنوع من التعود داخليا كنت مقتنعة جدا بأن المكانة الاجتماعية التي يمنحها اسم طبيب يمكن أن يمنحها أي تخصص آخر شرط أن نمنح نحن فيه الاخلاص أردت إلى جانب تخصصي الجامعي دخول دورات تكوينية في الحلاقة في الخياطة في الطبخ الشابة المقبلة على الحياة بداخلي ترفض القيود التي يفرضها تخصص شاق كالطب يحتاج كل وقتك يمنعك عن أي هواية تحب ولا تستمر فيه إلا بالصبر الكثير جدا من الصبر الذي لا أملك ولو قليلا منه
الناس عقليات شخصيات واهتمامات تختلف من هذا الى ذاك ما أراه أنا صعوبات بالطبع يراه اخرون تحديات يستمتعون وهم يخوضونها وأتمنى لو كنت مثلهم
اخترت تخصص الشبه طبي عن قناعة اهتزت لما صارحت عائلتي بالموضوع جميعهم قالو لا وأولهم أمي إلا أبي قال\" أنا معك \"
صحيح أن أمي ستحزن لكنني متأكدة أن حزنها اليوم لن يكون كحزنها عندما أنسحب في منتصف الطريق رافضة الوصول إلى شيئ لا أريده راتب الأحلام الذي يعدني الجميع به بعد التخرج كطبيبة مختصة أنا لا أريده إذا كنت سأدفع مقابله جزءا من نفسيتي ومن حياتي وأصدقائي ووقتي مع نفسي و عائلتي و ربما أطفالي مستقبلا
أريد عملا يضمن راتبا محترما لا أكثر بساعات عمل قليلة أعود بعدها لأمارس هواياتي وحياتي بشكل عادي لا أريد أن أعود في آخر اليوم خائرة القوى أنام عند أول كنبة أو فراش أو حتى أرضية تصادفني عند دخولي البيت من شدة التعب لا أريد أن يقاضيني اناس بسبب خطأ طبي لم أرتكبه أدى الى وفاة مريضهم كما يعتقدون
الشغف والرغبة في الوصول هما السلاح الذي نقاتل به أي صعوبات تعترض طريق طموحنا لأجل من وما نحب سنكون مستعدين للذهاب إلى النصف الآخر من العالم مشيا لو اضطررت سنكون مستعدين لأن نضحي بسعادة ونتنازل برضا ونتجاوز عن قناعة ونقف بقوة بعد كل ضربة لأننا نعرف أن ما نقاتل من أجله يستحق فماذا عني لو أنا اخترت الطب أولا سأقف عزلاء في مواجهة الصعوبات سأضحي ولكن بتعاسة وأتنازل ولكن قسرا وأتجاوز ولكن دون قناعة في كل محطة سأترك جزءا مني حتى أصل إلى آخر محطة ولا أكون بعدها كما كنت من قبل أبدا .
فقط لو تعرف تلك التي تقف عقبة في طريقي الآن لا تعرف أن التخصص الذي أحببته و اخترته ميولي نحوه كان لأجلها ولأجل أبي أولا ثم لأجل نفسي ثانيا لست عمياء حتى لا أرى كم يعاني أبي في كسب لقمة العيش وخدمة عائلة من سبعة أفراد مع راتب بسيط لا يكفي حاجياتنا لمنتصف الشهر ولست غبية حتى لا ألاحظ كم تتنازل هي عن كثير من حقوقها وتصرف أموالا من حقها على حاجياتنا حتى لا نشعر بالنقص لم أنسى كيف قدمت مجوهراتها قطعة قطعة لكل محنة وضائقة مالية طرقت بابنا تباعا ولم أنسى كيف كان هو يلبس ملابس قديمة وحذاء لا يناسب مقاس قدمه فقط ليدخر المال لأجل شراء حذاء لأختي الأخرى ربما هما لا يقدمان لنا الكثير في نظر من حولنا لكنني متأكدة أنهما قدما لنا كل ما يملكان كل ما أريده الآن راحتهما وفقط تخصص كشبه الطبي ينتهي بمنصب دائم ومضومون بعد ثلاث سنوات فقط من الدراسة هو الفرصة الذهبية التي ستسمح لي بأن أربت على كتف أبي وأقول له أنا هنا بأن أمنعه من أن يمد يده لأحد أو يقصده ولأسديونه المتراكمة لأجلنا وظيفة مضمونة فرصتي لأمنح حياة ميلة لأمي تشتري فيها ما تريد دون العودة إلى السعر ودون حسابات طويلة تنتهي بأن شراء هذا سيحرمنا من شراء أشياء أخرى هي أكثر أهمية في نظرها لا زلت لا أفهم السبب الحقيقي الذي يدفعني لكتابة مقال كهذا أبرر فيه موقفي لكنني أعرف أنني مازلت مشتتة أقف عند مفترق طرق لا أدري أي طريق أختار
أنا أم هم
بقلمي
Rihanna#. ❝ ⏤Rihanna
❞ فكرت للحظة كم هو صعب أن تتخلى عن فكرة غرسها محيطك في عقلك
كثير من قراراتنا وقناعاتا ظاهريا نحن اتخذناها وفي الباطن أنا وأنت لم نكن سوى لعبة تحركها الاراء والاعتقادات والأفكار السائدة في المجتمع بأيادي خفية
أردت الطب فقط لأن الجميع كان يناديني دكتورة منذ كنت صغيرة ؛ كنت مقتنعة بالأمر راضية ساعية للوصول إلى هذا اللقب مهما كلفني الأمر كنت سعيدة به حتى وصلت للنقطة الحاسمة لما وصلت للحظة الاختيار ضعت .
وتساءلت هل هذا ما أردت ؟ سألت نفسي مرارا اذا ماكنت مستعدة لسبع سنوات أخرى من الجهاد تليها أربعة أخرى أو أكثر إذا أردت التخصص والمرعب أن جوابي كان˝ لا ˝ لست مستعدة أبدا أن أضيع هذا الوقت لأجل لقب هم اختاروه لي وأنا قبلته فقط كنوع من التعود داخليا كنت مقتنعة جدا بأن المكانة الاجتماعية التي يمنحها اسم طبيب يمكن أن يمنحها أي تخصص آخر شرط أن نمنح نحن فيه الاخلاص أردت إلى جانب تخصصي الجامعي دخول دورات تكوينية في الحلاقة في الخياطة في الطبخ الشابة المقبلة على الحياة بداخلي ترفض القيود التي يفرضها تخصص شاق كالطب يحتاج كل وقتك يمنعك عن أي هواية تحب ولا تستمر فيه إلا بالصبر الكثير جدا من الصبر الذي لا أملك ولو قليلا منه
الناس عقليات شخصيات واهتمامات تختلف من هذا الى ذاك ما أراه أنا صعوبات بالطبع يراه اخرون تحديات يستمتعون وهم يخوضونها وأتمنى لو كنت مثلهم
اخترت تخصص الشبه طبي عن قناعة اهتزت لما صارحت عائلتي بالموضوع جميعهم قالو لا وأولهم أمي إلا أبي قال˝ أنا معك ˝
صحيح أن أمي ستحزن لكنني متأكدة أن حزنها اليوم لن يكون كحزنها عندما أنسحب في منتصف الطريق رافضة الوصول إلى شيئ لا أريده راتب الأحلام الذي يعدني الجميع به بعد التخرج كطبيبة مختصة أنا لا أريده إذا كنت سأدفع مقابله جزءا من نفسيتي ومن حياتي وأصدقائي ووقتي مع نفسي و عائلتي و ربما أطفالي مستقبلا
أريد عملا يضمن راتبا محترما لا أكثر بساعات عمل قليلة أعود بعدها لأمارس هواياتي وحياتي بشكل عادي لا أريد أن أعود في آخر اليوم خائرة القوى أنام عند أول كنبة أو فراش أو حتى أرضية تصادفني عند دخولي البيت من شدة التعب لا أريد أن يقاضيني اناس بسبب خطأ طبي لم أرتكبه أدى الى وفاة مريضهم كما يعتقدون
الشغف والرغبة في الوصول هما السلاح الذي نقاتل به أي صعوبات تعترض طريق طموحنا لأجل من وما نحب سنكون مستعدين للذهاب إلى النصف الآخر من العالم مشيا لو اضطررت سنكون مستعدين لأن نضحي بسعادة ونتنازل برضا ونتجاوز عن قناعة ونقف بقوة بعد كل ضربة لأننا نعرف أن ما نقاتل من أجله يستحق فماذا عني لو أنا اخترت الطب أولا سأقف عزلاء في مواجهة الصعوبات سأضحي ولكن بتعاسة وأتنازل ولكن قسرا وأتجاوز ولكن دون قناعة في كل محطة سأترك جزءا مني حتى أصل إلى آخر محطة ولا أكون بعدها كما كنت من قبل أبدا .
فقط لو تعرف تلك التي تقف عقبة في طريقي الآن لا تعرف أن التخصص الذي أحببته و اخترته ميولي نحوه كان لأجلها ولأجل أبي أولا ثم لأجل نفسي ثانيا لست عمياء حتى لا أرى كم يعاني أبي في كسب لقمة العيش وخدمة عائلة من سبعة أفراد مع راتب بسيط لا يكفي حاجياتنا لمنتصف الشهر ولست غبية حتى لا ألاحظ كم تتنازل هي عن كثير من حقوقها وتصرف أموالا من حقها على حاجياتنا حتى لا نشعر بالنقص لم أنسى كيف قدمت مجوهراتها قطعة قطعة لكل محنة وضائقة مالية طرقت بابنا تباعا ولم أنسى كيف كان هو يلبس ملابس قديمة وحذاء لا يناسب مقاس قدمه فقط ليدخر المال لأجل شراء حذاء لأختي الأخرى ربما هما لا يقدمان لنا الكثير في نظر من حولنا لكنني متأكدة أنهما قدما لنا كل ما يملكان كل ما أريده الآن راحتهما وفقط تخصص كشبه الطبي ينتهي بمنصب دائم ومضومون بعد ثلاث سنوات فقط من الدراسة هو الفرصة الذهبية التي ستسمح لي بأن أربت على كتف أبي وأقول له أنا هنا بأن أمنعه من أن يمد يده لأحد أو يقصده ولأسديونه المتراكمة لأجلنا وظيفة مضمونة فرصتي لأمنح حياة ميلة لأمي تشتري فيها ما تريد دون العودة إلى السعر ودون حسابات طويلة تنتهي بأن شراء هذا سيحرمنا من شراء أشياء أخرى هي أكثر أهمية في نظرها لا زلت لا أفهم السبب الحقيقي الذي يدفعني لكتابة مقال كهذا أبرر فيه موقفي لكنني أعرف أنني مازلت مشتتة أقف عند مفترق طرق لا أدري أي طريق أختار
أنا أم هم
بقلمي
Rihanna#. ❝