█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)
قوله تعالى : وأما الجدار فكان لغلامين هذان الغلامان صغيران بقرينة وصفهما باليتم ، واسمهما أصرم وصريم . وقد قال - عليه الصلاة والسلام - : لا يتم بعد بلوغ هذا هو الظاهر . وقد يحتمل أن يبقى عليهما اسم اليتم بعد البلوغ إن كانا يتيمين ، على معنى الشفقة عليهما . وقد تقدم أن اليتم في الناس من قبل فقد الأب ، وفي غيرهم من الحيوان من قبل فقد الأم .
ودل قوله : في المدينة على أن القرية تسمى مدينة ; ومنه الحديث ( أمرت بقرية تأكل القرى . . . ) وفي حديث الهجرة ( لمن أنت ) فقال الرجل : من أهل المدينة ; يعني مكة .
قوله تعالى : وكان تحته كنز لهما اختلف الناس في الكنز ; فقال عكرمة وقتادة : كان مالا جسيما وهو الظاهر من اسم الكنز إذ هو في اللغة المال المجموع ; وقد مضى القول فيه . وقال ابن عباس : ( كان علما في صحف مدفونة ) وعنه أيضا قال : ( كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه بسم الله الرحمن الرحيم ، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ، عجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب ، عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح ، عجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ، عجبت لمن يؤمن بالدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن لها ، لا إله إلا الله محمد رسول الله ) وروي نحوه عن عكرمة وعمر مولى غفرة ، ورواه عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قوله تعالى : وكان أبوهما صالحا ظاهر اللفظ والسابق منه أنه والدهما دنية . وقيل : هو الأب السابع ; قاله جعفر بن محمد . وقيل : العاشر فحفظا فيه وإن لم يذكر بصلاح ; وكان يسمى كاشحا ; قاله مقاتل . اسم أمهما دنيا ; ذكره النقاش . ففيه ما يدل على أن الله - تعالى - يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده وإن بعدوا عنه وقد روي أن الله - تعالى - يحفظ الصالح في سبعة من ذريته ; وعلى هذا يدل قوله - تعالى - : إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين
قوله تعالى : وما فعلته عن أمري يقتضي أن الخضر نبي ; وقد تقدم الخلاف في ذلك .
ذلك تأويل أي تفسير .
ما لم تسطع عليه صبرا قرأت فرقة " تستطع " وقرأ الجمهور تسطع قال أبو حاتم : كذا نقرأ كما في خط المصحف . وهنا خمس مسائل :
الأولى : إن قال قائل لم يسمع لفتى موسى ذكر في أول الآية ولا في آخرها ، قيل له : اختلف في ذلك ; فقال عكرمة لابن عباس : لم يسمع لفتى موسى بذكر وقد كان معه ؟ فقال : ( شرب الفتى من الماء فخلد ، وأخذه العالم فطبق عليه سفينة ثم أرسله في البحر ، وإنها لتموج به فيه إلى يوم القيامة وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب منه ) قال القشيري : وهذا إن ثبت فليس الفتى يوشع بن نون ; فإن يوشع بن نون قد عمر بعد موسى وكان خليفته ; والأظهر أن موسى صرف فتاه لما لقي الخضر . وقال شيخنا الإمام أبو العباس : يحتمل أن يكون اكتفي بذكر المتبوع عن التابع والله أعلم .
الثانية : إن قال قائل : كيف أضاف الخضر قصة استخراج كنز الغلامين لله - تعالى - ، وقال في خرق السفينة : فأردت أن أعيبها فأضاف العيب إلى نفسه ؟ قيل له : إنما أسند الإرادة في الجدار إلى الله - تعالى - لأنها في أمر مستأنف في زمن طويل غيب من الغيوب ، فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله - تعالى - ، وإن كان الخضر قد أراد ذلك فالذي أعلمه الله - تعالى - أن يريده وقيل : لما كان ذلك خيرا كله أضافه إلى الله - تعالى - وأضاف عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب لأنها لفظة عيب فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه ، كما تأدب إبراهيم - عليه السلام - في قوله : وإذا مرضت فهو يشفين فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله - تعالى - ، وأسند إلى نفسه المرض ، إذ هو معنى نقص ومصيبة ، فلا يضاف إليه - سبحانه وتعالى - من الألفاظ إلا ما يستحسن منها دون ما يستقبح ، وهذا كما قال - تعالى - : بيدك الخير واقتصر عليه فلم ينسب الشر إليه ، وإن كان بيده الخير والشر والضر والنفع ، إذ هو على كل شيء قدير ، وهو بكل شيء خبير ، ولا اعتراض بما حكاه - عليه السلام - عن ربه - عز وجل - أنه يقول يوم القيامة : ( يا ابن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني ) فإن ذلك تنزل في الخطاب وتلطف في العتاب مقتضاه التعريف بفضل ذي الجلال وبمقادير ثواب هذه الأعمال وقد تقدم هذا المعنى والله - تعالى - أعلم . ولله - تعالى - أن يطلق على نفسه ما يشاء ، ولا نطلق نحن إلا ما أذن لنا فيه من الأوصاف الجميلة والأفعال الشريفة جل وتعالى عن النقائص والآفات علوا كبيرا . وقال في الغلام : فأردنا فكأنه أضاف القتل إلى نفسه ، والتبديل إلى الله - تعالى - والأشد كمال الخلق والعقل . وقد مضى الكلام فيه في " الأنعام " والحمد لله .
الثالثة : قال شيخنا الإمام أبو العباس : ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق تلزم منه هذه الأحكام الشرعية ، فقالوا : هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأنبياء والعامة ، وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص ، بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ، ويحكم عليهم بما يغلب عليهم من خواطرهم . وقالوا : وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار ، وخلوها عن الأعيار ، فتتجلى لهم العلوم الإلهية ، والحقائق الربانية ، فيقفون على أسرار الكائنات ، ويعلمون أحكام الجزئيات ، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات ، كما اتفق للخضر ; فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم ، عما كان عند موسى من تلك الفهوم . وقد جاء فيما ينقلون : استفت قلبك وإن أفتاك المفتون . قال شيخنا - رضي الله عنه - : وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب ; لأنه إنكار ما علم من الشرائع ; فإن الله - تعالى - قد أجرى سنته ، وأنفذ حكمته ، بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه ، وهم المبلغون عنه رسالته وكلامه ، المبينون شرائعه وأحكامه ; اختارهم لذلك ، وخصهم بما هنالك ; كما قال - تعالى - : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير وقال - تعالى - : الله أعلم حيث يجعل رسالته وقال - تعالى - : كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين إلى غير ذلك من الآيات . وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي ، واليقين الضروري ، واجتماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله - تعالى - التي هي راجعة إلى أمره ونهيه ، ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل ، فمن قال : إن هناك طريقا آخر يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل بحيث يستغنى عن الرسل فهو كافر ، يقتل ولا يستتاب ، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب ، ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا - عليه الصلاة والسلام - ; الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله ، فلا نبي بعده ولا رسول . وبيان ذلك أن من قال يأخذ عن قلبه وأن ما يقع فيه حكم الله - تعالى - وأنه يعمل بمقتضاه ، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة ، فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة ، فإن هذا نحو ما قاله - عليه الصلاة والسلام - : إن روح القدس نفث في روعي . . . الحديث .
الرابعة : ذهب الجمهور من الناس إلى أن الخضر مات - صلى الله عليه وسلم - . وقالت فرقة : حي لأنه شرب من عين الحياة ، وأنه باق في الأرض وأنه يحج البيت . قال ابن عطية : وقد أطنب النقاش في هذا المعنى ، وذكر في كتابه أشياء كثيرة عن علي بن أبي طالب وغيره ، وكلها لا تقوم على ساق . ولو كان الخضر - عليه السلام - حيا يحج لكان له في ملة الإسلام ظهور ; والله العليم بتفاصيل الأشياء لا رب غيره . ومما يقضي بموت الخضر - عليه السلام - الآن قوله - عليه الصلاة السلام - : أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد .
قلت : إلى هذا ذهب البخاري واختاره القاضي أبو بكر بن العربي ، والصحيح القول الثاني وهو أنه حي على ما نذكره . والحديث خرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال صلى بنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال : أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد قال ابن عمر : فوهل الناس في مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة ; وإنما قال - عليه الصلاة والسلام - : لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن . ورواه أيضا من حديث جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قبل أن يموت بشهر : تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة وفي أخرى قال سالم : تذاكرنا أنها هي مخلوقة يومئذ . وفي أخرى : ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ . وفسرها عبد الرحمن صاحب السقاية قال : نقص العمر . وعن أبي سعيد الخدري نحو هذا الحديث قال علماؤنا : وحاصل ما تضمنه هذا الحديث أنه - عليه الصلاة والسلام - أخبر قبل موته بشهر أن كل من كان من بني آدم موجودا في ذلك لا يزيد عمره على مائة سنة ; لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ما من نفس منفوسة وهذا اللفظ لا يتناول الملائكة ولا الجن إذ لم يصح عنهم أنهم كذلك ، ولا الحيوان غير العاقل ; لقوله : ممن هو على ظهر الأرض أحد وهذا إنما يقال بأصل وضعه على من يعقل ، فتعين أن المراد بنو آدم . وقد بين ابن عمر هذا المعنى ; فقال : يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن . ولا حجة لمن استدل به على بطلان قول من يقول : إن الخضر حي لعموم قوله : ما من نفس منفوسة لأن العموم وإن كان مؤكد الاستغراق فليس نصا فيه ، بل هو قابل للتخصيص . فكما لم يتناول عيسى - عليه السلام - ، فإنه لم يمت ولم يقتل فهو حي بنص القرآن ومعناه ، ولا يتناول الدجال مع أنه حي بدليل حديث الجساسة ، فكذلك لم يتناول الخضر - عليه السلام - وليس مشاهدا للناس ، ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حالة مخاطبة بعضهم بعضا ، فمثل هذا العموم لا يتناوله . وقد قيل : إن أصحاب الكهف أحياء ويحجون مع عيسى - عليه الصلاة والسلام - ، كما تقدم . وكذلك فتى موسى في قول ابن عباس كما ذكرنا . وقد ذكر أبو إسحاق الثعلبي في كتاب العرائس له : والصحيح أن الخضر نبي معمر محجوب عن الأبصار ; وروى محمد بن المتوكل عن ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن شوذب قال : الخضر - عليه السلام - من ولد فارس ، وإلياس من بني إسرائيل يلتقيان كل عام في الموسم . وعن عمرو بن دينار قال : إن الخضر وإلياس لا يزالان حيين في الأرض ما دام القرآن على الأرض ، فإذا رفع ماتا . وقد ذكر شيخنا الإمام أبو محمد عبد المعطي بن محمود بن عبد المعطي اللخمي في شرح الرسالة له للقشيري حكايات كثيرة عن جماعة من الصالحين والصالحات بأنهم رأوا الخضر - عليه السلام - ولقوه ، يفيد مجموعها غاية الظن بحياته مع ما ذكره النقاش والثعلبي وغيرهما . وقد جاء في صحيح مسلم : أن الدجال ينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس - أو - من خير الناس . . . الحديث ; وفي آخره قال أبو إسحاق : يعني أن هذا الرجل هو الخضر . وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب الهواتف : بسند يوقفه إلى علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - ( أنه لقي الخضر وعلمه هذا الدعاء ، وذكر أن فيه ثوابا عظيما ومغفرة ورحمة لمن قاله في أثر كل صلاة ، وهو : يا من لا يشغله سمع عن سمع ، ويا من لا تغلطه المسائل ، ويا من لا يتبرم من إلحاح الملحين ، أذقني برد عفوك ، وحلاوة مغفرتك ) وذكر أيضا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في هذا الدعاء بعينه نحوا مما ذكر عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - في سماعه من الخضر . وذكر أيضا اجتماع إلياس مع النبي - عليه الصلاة والسلام - . وإذا جاز بقاء إلياس إلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - جاز بقاء الخضر ، وقد ذكر أنهما يجتمعان عند البيت في كل حول ، وأنهما يقولان عند افتراقهما : ( ما شاء الله ما شاء الله ، لا يصرف السوء إلا الله ، ما شاء الله ما شاء الله ، ما يكون من نعمة فمن الله ، ما شاء الله ما شاء الله ، توكلت على الله ، حسبنا الله ونعم الوكيل ) وأما خبر إلياس فيأتي في " الصافات " إن شاء الله - تعالى - .
وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد : عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال : ( لما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجي بثوب هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم أهل البيت كل نفس ذائقة الموت - الآية - إن في الله خلفا من كل هالك ، وعوضا من كل تالف ، وعزاء من كل مصيبة ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب ) فكانوا يرون أنه الخضر - عليه الصلاة والسلام - . يعني أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام - . والألف واللام في قوله : على الأرض للعهد لا للجنس وهي أرض العرب ، بدليل تصرفهم فيها وإليها غالبا دون أرض يأجوج ومأجوج ، وأقاصي جزر الهند والسند مما لا يقرع السمع اسمه ، ولا يعلم علمه . ولا جواب عن الدجال .
قال السهيلي : واختلف في اسم الخضر اختلافا متباينا ; فعن ابن منبه أنه قال : أبليا بن ملكان بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح . وقيل : هو ابن عاميل بن سماقحين بن أريا بن علقما بن عيصو بن إسحاق ، وأن أباه كان ملكا ، وأن أمه كانت بنت فارس واسمها ألمى ، وأنها ولدته في مغارة ، وأنه وجد هنالك وشاة ترضعه في كل يوم من غنم رجل من القرية ، فأخذه الرجل فرباه ، فلما شب وطلب الملك - أبوه - كاتبا وجمع أهل المعرفة والنبالة ليكتب الصحف التي أنزلت على إبراهيم وشيث ، كان ممن أقدم عليه من الكتاب ابنه الخضر وهو لا يعرفه ، فلما استحسن خطه ومعرفته ، وبحث عن جلية أمره عرف أنه ابنه فضمه لنفسه وولاه أمر الناس ثم إن الخضر فر من الملك لأسباب يطول ذكرها إلى أن وجد عين الحياة فشرب منها ، فهو حي إلى أن يخرج الدجال ، وأنه الرجل الذي يقتله الدجال ويقطعه ثم يحييه الله - تعالى - . وقيل : لم يدرك زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وهذا لا يصح وقال البخاري وطائفة من أهل الحديث منهم شيخنا أبو بكر بن العربي - رحمه الله تعالى - : إنه مات قبل انقضاء المائة ، من قوله - عليه الصلاة والسلام - : إلى رأس مائة عام لا يبقى على هذه الأرض ممن هو عليها أحد يعني من كان حيا حين قال هذه المقالة
قلت : قد ذكرنا هذا الحديث والكلام عليه ، وبينا حياة الخضر إلى الآن ، والله أعلم .
الخامسة : قيل إن الخضر لما ذهب يفارق موسى قال له موسى : أوصني ; قال : كن بساما ولا تكن ضحاكا ، ودع اللجاجة ، ولا تمش في غير حاجة ، ولا تعب على الخطائين خطاياهم وابك على خطيئتك يا ابن عمران . ❝
❞ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
قوله تعالى : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا
قوله تعالى : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي هذا مثل قوله : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي في سورة " الأنعام " وقد مضى الكلام فيه . وقال سلمان الفارسي - رضي الله عنه - : جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عيينة بن حصن والأقرع بن حابس فقالوا : يا رسول الله ; إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم - يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين ، وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها - جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك ، فأنزل الله - تعالى - : واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه - حتى بلغ - إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها . يتهددهم بالنار . فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله قال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات . وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبو عبد الرحمن " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي " وحجتهم أنها في السواد بالواو . وقال أبو جعفر النحاس : وهذا لا يلزم لكتبهم الحياة والصلاة بالواو ، ولا تكاد العرب تقول الغدوة لأنها معروفة .
وروي عن الحسن " ولا تعد عيناك عنهم " أي لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم من أبناء الدنيا طلبا لزينتها ; حكاه اليزيدي . وقيل : لا تحتقرهم عيناك ; كما يقال فلان تنبو عنه العين ; أي مستحقرا .
تريد زينة الحياة الدنيا أي تتزين بمجالسة هؤلاء الرؤساء الذين اقترحوا إبعاد الفقراء من مجلسك ; ولم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل ذلك ، ولكن الله نهاه عن أن يفعله ، وليس هذا بأكثر من قوله لئن أشركت ليحبطن عملك . وإن كان الله أعاذه من الشرك .
وتريد فعل مضارع في موضع الحال ; أي لا تعد عيناك مريدا ; كقول امرئ القيس :
فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وزعم بعضهم أن حق الكلام : لا تعد عيناك عنهم ; لأن " تعد " متعد بنفسه . قيل له : والذي وردت به التلاوة من رفع العينين يئول إلى معنى النصب فيها ، إذا كان لا تعد عيناك عنهم بمنزلة لا تنصرف عيناك عنهم ، ومعنى لا تنصرف عيناك عنهم لا تصرف عينيك عنهم ; فالفعل مسند إلى العينين وهو في الحقيقة موجه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ; كما قال - تعالى - : فلا تعجبك أموالهم فأسند الإعجاب إلى الأموال ، والمعنى : لا تعجبك يا محمد أموالهم . ويزيدك وضوحا قول الزجاج : إن المعنى لا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة .
قوله تعالى : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا روى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله - تعالى - : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا قال : نزلت في أمية بن خلف الجمحي ، وذلك أنه دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أمر كرهه من تجرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة ; فأنزل الله - تعالى - : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا يعني من ختمنا على قلبه عن التوحيد . واتبع هواه يعني الشرك .
وكان أمره فرطا قيل هو من التفريط الذي هو التقصير وتقديم العجز بترك الإيمان . وقيل : من الإفراط ومجاوزة الحد ، وكأن القوم قالوا : نحن أشراف مضر إن أسلمنا أسلم الناس ; وكان هذا من التكبر والإفراط في القول . وقيل : فرطا أي قدما في الشر ; من قولهم : فرط منه أمر أي سبق . وقيل : معنى أغفلنا قلبه وجدناه غافلا ; كما تقول : لقيت فلانا فأحمدته ; أي وجدته محمودا . وقال عمرو بن معديكرب لبني الحارث بن كعب : والله لقد سألناكم فما أبخلناكم ، وقاتلناكم فما أجبناكم ، وهاجيناكم فما أفحمناكم ; أي ما وجدناكم بخلاء ولا جبناء ولا مفحمين .
وقيل : نزلت ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا في عيينة بن حصن الفزاري ; ذكره عبد الرزاق ، وحكاه النحاس عن سفيان الثوري . والله أعلم . ❝
❞ اللَّهُ الصَّمَدُ (2)
الله الصمد أي الذي يصمد إليه في الحاجات . كذا روى الضحاك عن ابن عباس ، قال : الذي يصمد إليه في الحاجات ؛ كما قال - عز وجل - : ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون . قال أهل اللغة : الصمد : السيد الذي يصمد إليه في النوازل والحوائج . قال :
ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وقال قوم : الصمد : الدائم الباقي ، الذي لم يزل ولا يزال . وقيل : تفسيره ما بعده لم يلد ولم يولد . قال أبي بن كعب : الصمد : الذي لا يلد ولا يولد ؛ لأنه ليس شيء إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا يورث . وقال علي وابن عباس أيضا وأبو وائل شقيق بن سلمة وسفيان : الصمد : هو السيد الذي قد انتهى سؤدده في أنواع الشرف والسؤدد ؛ ومنه قول الشاعر :
علوته بحسام ثم قلت له خذها حذيف فأنت السيد الصمد
وقال أبو هريرة : إنه المستغني عن كل أحد ، والمحتاج إليه كل أحد . وقال السدي : إنه : المقصود في الرغائب ، والمستعان به في المصائب . وقال الحسين بن الفضل : إنه : الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . وقال مقاتل : إنه : الكامل الذي لا عيب فيه ؛ ومنه قول الزبرقان :
سيروا جميعا بنصف الليل واعتمدوا ولا رهينة إلا سيد صمد
وقال الحسن وعكرمة والضحاك وابن جبير : الصمد : المصمت الذي لا جوف له ؛ قال الشاعر :
شهاب حروب لا تزال جياده عوابس يعلكن الشكيم المصمدا
قلت : قد أتينا على هذه الأقوال مبينة في الصمد ، في ( كتاب الأسنى ) وأن الصحيح منها . ما شهد له الاشتقاق ؛ وهو القول الأول ، ذكره الخطابي . وقد أسقط من هذه السورة من أبعده الله وأخزاه ، وجعل النار مقامه ومثواه ، وقرأ الله الواحد الصمد في الصلاة ، والناس يستمعون ، فأسقط : قل هو ، وزعم أنه ليس من القرآن . وغير لفظ أحد ، وادعى أن هذا هو الصواب ، والذي عليه الناس هو الباطل والمحال ، فأبطل معنى الآية ؛ لأن أهل التفسير قالوا : نزلت الآية جوابا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صف لنا ربك ، أمن ذهب هو أم من نحاس أم من صفر ؟ فقال الله - عز وجل - ردا عليهم : قل هو الله أحد ففي ( هو ) دلالة على موضع الرد ، ومكان الجواب ؛ فإذا سقط بطل معنى الآية ، وصح الافتراء على الله - عز وجل - ، والتكذيب لرسوله - صلى الله عليه وسلم - . ❝
❞ وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)
قوله تعالى : وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم
قوله تعالى : ˝ وكذلك يجتبيك ربك ˝ الكاف في موضع نصب ; لأنها نعت لمصدر محذوف ، وكذلك الكاف في قوله : ˝ كما أتمها على أبويك من قبل ˝ و ˝ ما ˝ كافة . وقيل : ˝ وكذلك ˝ أي كما أكرمك بالرؤيا فكذلك يجتبيك ، ويحسن إليك بتحقيق الرؤيا . قال مقاتل : بالسجود لك . الحسن : بالنبوة . والاجتباء اختيار معالي الأمور للمجتبى ، وأصله من جبيت الشيء أي حصلته ، ومنه جبيت الماء في الحوض ; قاله النحاس . وهذا ثناء من الله تعالى على يوسف - عليه السلام - وتعديد فيما عدده عليه من النعم التي أتاه الله تعالى ; من التمكين في الأرض ، وتعليم تأويل الأحاديث ; وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا . قال عبد الله بن شداد بن الهاد : كان تفسير رؤيا يوسف - صلى الله عليه وسلم - بعد أربعين سنة ; وذلك منتهى الرؤيا . وعنى بالأحاديث ما يراه الناس في المنام ، وهي معجزة له ; فإنه لم يلحقه فيها خطأ . وكان يوسف - عليه السلام - أعلم الناس بتأويلها ، وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - نحو ذلك ، وكان الصديق - رضي الله عنه - من أعبر الناس لها ، وحصل لابن سيرين فيها التقدم العظيم ، والطبع والإحسان ، ونحوه أو قريب منه كان سعيد بن المسيب فيما ذكروا .
ويعلمك من تأويل الأحاديث أي أحاديث الأمم والكتب ودلائل التوحيد ، فهو إشارة إلى النبوة ، وهو المقصود بقوله : ˝ ويتم نعمته عليك ˝ أي بالنبوة . وقيل : بإخراج إخوتك إليك ; وقيل : بإنجائك من كل مكروه .
˝ كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم ˝ بالخلة ، وإنجائه من النار .
˝ وإسحاق ˝ بالنبوة . وقيل : من الذبح ; قاله عكرمة .
وأعلمه الله تعالى بقوله : ˝ وعلى آل يعقوب ˝ أنه سيعطي بني يعقوب كلهم النبوة ; قاله جماعة من المفسرين .
إن ربك عليم بما يعطيك .
˝ حكيم ˝ في فعله بك . ❝
❞ ومن اضطر إلى الكفر استطاع أن يخبأ محراب المسجد في أعماقه
فيصلي ثمة، ولكن الفجور لا يترك في النفس موضعا لدين ولا إيمان؛ إذ هو
دائب في إثارة الغرائز الطبيعية الحيوانية المسترسلة بلا ضابط . ❝