❞ ۞ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)
قوله تعالى : فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين روي أن الحوت قذفه بساحل قرية من الموصل . وقال ابن قسيط عن أبي هريرة : طرح يونس بالعراء وأنبت الله عليه يقطينة ، فقلنا : يا أبا هريرة وما اليقطينة ؟ قال : شجرة الدباء ، هيأ الله له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض - أو هشاش الأرض - فتفشج عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : خرج به - يعني الحوت - حتى لفظه في ساحل البحر ، فطرحه مثل الصبي المنفوس لم ينقص من خلقه شيء . وقيل : إن يونس لما ألقاه الحوت على ساحل البحر أنبت الله عليه شجرة من يقطين ، وهي فيما ذكر شجرة القرع تتقطر عليه من اللبن حتى رجعت إليه قوته . ثم رجع ذات يوم إلى الشجرة فوجدها يبست ، فحزن وبكى عليها فعوتب ، فقيل له : أحزنت على شجرة وبكيت عليها ، ولم تحزن على مائة ألف وزيادة من بني إسرائيل ، من أولاد إبراهيم خليلي ، أسرى في أيدي العدو ، وأردت إهلاكهم جميعا . وقيل : هي شجرة التين . وقيل : شجرة الموز تغطى بورقها ، واستظل بأغصانها ، وأفطر على ثمارها . والأكثر على أنها شجرة اليقطين على ما يأتي . ثم إن الله تبارك وتعالى اجتباه فجعله من الصالحين . ثم أمره أن يأتي قومه ويخبرهم أن الله تعالى قد تاب عليهم ، فعمد إليهم حتى لقي راعيا فسأله عن قوم يونس وعن حالهم وكيف هم ، فأخبره أنهم بخير ، وأنهم على رجاء أن يرجع إليهم رسولهم . فقال له : فأخبرهم أني قد لقيت يونس . قال : وماذا ؟ قال : وهذه البقعة التي أنت فيها تشهد لك أنك لقيت يونس ، قال : وماذا ؟ قال : وهذه الشجرة تشهد لك أنك لقيت يونس . وأنه رجع الراعي إلى قومه فأخبرهم أنه لقي يونس فكذبوه وهموا به شرا ، فقال : لا تعجلوا علي حتى أصبح ، فلما أصبح غدا بهم إلى البقعة التي لقي فيها يونس ، فاستنطقها فأخبرتهم أنه لقي يونس ، واستنطق الشاة والشجرة فأخبرتاهم أنه لقي يونس ، ثم إن يونس أتاهم بعد ذلك . ذكر هذا الخبر وما قبله الطبري رحمه الله . فنبذناه : طرحناه . وقيل : تركناه . بالعراء : بالصحراء ، قاله ابن الأعرابي . الأخفش : بالفضاء . أبو عبيدة : الواسع من الأرض . الفراء : العراء : المكان الخالي . قال : وقال أبو عبيدة : العراء وجه الأرض ، وأنشد لرجل من خزاعة :
ورفعت رجلا لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي
وحكى الأخفش في قوله : وهو سقيم : جمع سقيم سقمى وسقامى وسقام . وقال في هذه السورة : فنبذناه بالعراء وقال في " ن والقلم " لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم والجواب : أن الله - عز وجل - خبر هاهنا أنه نبذه بالعراء وهو غير مذموم ولولا رحمة الله - عز وجل - لنبذ بالعراء وهو مذموم ، قاله النحاس .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ ۞ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)
قوله تعالى : فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين روي أن الحوت قذفه بساحل قرية من الموصل . وقال ابن قسيط عن أبي هريرة : طرح يونس بالعراء وأنبت الله عليه يقطينة ، فقلنا : يا أبا هريرة وما اليقطينة ؟ قال : شجرة الدباء ، هيأ الله له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض - أو هشاش الأرض - فتفشج عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : خرج به - يعني الحوت - حتى لفظه في ساحل البحر ، فطرحه مثل الصبي المنفوس لم ينقص من خلقه شيء . وقيل : إن يونس لما ألقاه الحوت على ساحل البحر أنبت الله عليه شجرة من يقطين ، وهي فيما ذكر شجرة القرع تتقطر عليه من اللبن حتى رجعت إليه قوته . ثم رجع ذات يوم إلى الشجرة فوجدها يبست ، فحزن وبكى عليها فعوتب ، فقيل له : أحزنت على شجرة وبكيت عليها ، ولم تحزن على مائة ألف وزيادة من بني إسرائيل ، من أولاد إبراهيم خليلي ، أسرى في أيدي العدو ، وأردت إهلاكهم جميعا . وقيل : هي شجرة التين . وقيل : شجرة الموز تغطى بورقها ، واستظل بأغصانها ، وأفطر على ثمارها . والأكثر على أنها شجرة اليقطين على ما يأتي . ثم إن الله تبارك وتعالى اجتباه فجعله من الصالحين . ثم أمره أن يأتي قومه ويخبرهم أن الله تعالى قد تاب عليهم ، فعمد إليهم حتى لقي راعيا فسأله عن قوم يونس وعن حالهم وكيف هم ، فأخبره أنهم بخير ، وأنهم على رجاء أن يرجع إليهم رسولهم . فقال له : فأخبرهم أني قد لقيت يونس . قال : وماذا ؟ قال : وهذه البقعة التي أنت فيها تشهد لك أنك لقيت يونس ، قال : وماذا ؟ قال : وهذه الشجرة تشهد لك أنك لقيت يونس . وأنه رجع الراعي إلى قومه فأخبرهم أنه لقي يونس فكذبوه وهموا به شرا ، فقال : لا تعجلوا علي حتى أصبح ، فلما أصبح غدا بهم إلى البقعة التي لقي فيها يونس ، فاستنطقها فأخبرتهم أنه لقي يونس ، واستنطق الشاة والشجرة فأخبرتاهم أنه لقي يونس ، ثم إن يونس أتاهم بعد ذلك . ذكر هذا الخبر وما قبله الطبري رحمه الله . فنبذناه : طرحناه . وقيل : تركناه . بالعراء : بالصحراء ، قاله ابن الأعرابي . الأخفش : بالفضاء . أبو عبيدة : الواسع من الأرض . الفراء : العراء : المكان الخالي . قال : وقال أبو عبيدة : العراء وجه الأرض ، وأنشد لرجل من خزاعة :
ورفعت رجلا لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي
وحكى الأخفش في قوله : وهو سقيم : جمع سقيم سقمى وسقامى وسقام . وقال في هذه السورة : فنبذناه بالعراء وقال في ˝ ن والقلم ˝ لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم والجواب : أن الله - عز وجل - خبر هاهنا أنه نبذه بالعراء وهو غير مذموم ولولا رحمة الله - عز وجل - لنبذ بالعراء وهو مذموم ، قاله النحاس. ❝
❞ نصفي الضائع
من قبلك كنت ناقصة لست مكتملة بك اكتملت، بدونك كنت كـالـلـوحـة الذي لم يكمل الفنان رسمها وعندما اتيت كأنما عاد الشغف الي هذا الفنان لاستكمال لوحته الفنية بك اكتملت اللوحة الناقصة، كأني كالتربة الذي توقف راعيها برويها للماءِ كأنه ينتظر المطر لروي هذة التربة الذابلة وعندما اتيت كأنما وجد المطر الذي رواني بماء لحد النخاع، فحواء تكتمل بادم، وآدم يكتمل بحواء، فوجودك يا آدم، حواء تصبح كالفراشة الحرة الذي تحلق في السماء بدون قيود ولا قوانين ولا تقاليد ولا عادات تحجب عنها أن تحي بسلام، انت الضلع الثابت الذي لا يميل ولا يخذل، كلماتك كانت عنيدة جداً، نظرة التحدي الذي أجدها في عينك جعلتني اتسأل هل للحروف الأبجدية تستطيع وصف نظرة عينك؟!! ولكن عذراً نسيت اخبارك اني فقط تسألت، وللان اتسأل لم أجد الإجابة قط، وعذراً أيضاً نسيت اخبارك أنني وجد اجابتي بوجودك انها كانت لست مجرد كلمات قيلت بلا كان واقعنا يا عزيزي، و ها هو استطاع الفنان استكمال لوحته ببراعة مليئة برحيق حبنا والشوق الذي في بريق عيوننا، كِتفك فِي كِتفي ومِش هَنميل، رغم عن أنف الحياة باكملها سأحبكِ يا ملأذيً
بقلمي /نهي هلال (★↻أســيـرة الـقلـم★↻). ❝ ⏤نهي هلال قرشي
❞ نصفي الضائع
من قبلك كنت ناقصة لست مكتملة بك اكتملت، بدونك كنت كـالـلـوحـة الذي لم يكمل الفنان رسمها وعندما اتيت كأنما عاد الشغف الي هذا الفنان لاستكمال لوحته الفنية بك اكتملت اللوحة الناقصة، كأني كالتربة الذي توقف راعيها برويها للماءِ كأنه ينتظر المطر لروي هذة التربة الذابلة وعندما اتيت كأنما وجد المطر الذي رواني بماء لحد النخاع، فحواء تكتمل بادم، وآدم يكتمل بحواء، فوجودك يا آدم، حواء تصبح كالفراشة الحرة الذي تحلق في السماء بدون قيود ولا قوانين ولا تقاليد ولا عادات تحجب عنها أن تحي بسلام، انت الضلع الثابت الذي لا يميل ولا يخذل، كلماتك كانت عنيدة جداً، نظرة التحدي الذي أجدها في عينك جعلتني اتسأل هل للحروف الأبجدية تستطيع وصف نظرة عينك؟!! ولكن عذراً نسيت اخبارك اني فقط تسألت، وللان اتسأل لم أجد الإجابة قط، وعذراً أيضاً نسيت اخبارك أنني وجد اجابتي بوجودك انها كانت لست مجرد كلمات قيلت بلا كان واقعنا يا عزيزي، و ها هو استطاع الفنان استكمال لوحته ببراعة مليئة برحيق حبنا والشوق الذي في بريق عيوننا، كِتفك فِي كِتفي ومِش هَنميل، رغم عن أنف الحياة باكملها سأحبكِ يا ملأذيً
❞ في مركبة الحياة مكسورة مجاديفي وشراعي ضل وتاه والخوف بقي كيفي خايف من الايام خايف من الاحلام البر من اوهام والشط من زيفي ماشي مع التيار ماليش سكن ولا دار والهم جاني وزار قلبي وبقي ضيفي. ❝ ⏤باسم وصفي
❞ في مركبة الحياة مكسورة مجاديفي وشراعي ضل وتاه والخوف بقي كيفي خايف من الايام خايف من الاحلام البر من اوهام والشط من زيفي ماشي مع التيار ماليش سكن ولا دار والهم جاني وزار قلبي وبقي ضيفي. ❝
❞ وقد كانت هذه المساحة المخيفة في الزمن القديم، ملعبًا لأجدادنا الفراعنة، يتسللون إليه من حافة الوادي فيكتشفون جباله.. ويثقبون هذه الجبال بحثًا عن الذهب والرصاص والنحاس والتلك، وبقية المعادن الأخرى، التي شكلتها البراكين والزمن في الصخور..
أو يقطعون هذه الصخور من الجبال ويهبطون بها إلى حافة الوادي، ليقيموا بها مساكنهم ومعابدهم..
وقد تعاقب الزمان على هذا الوادي، وتنقل صولجان الحكم من الفراعنة حتى وصل إلى الأتراك.. ونزل علماء الطبوغرافيا الإنجليز بمراكبهم في البحر الأحمر، ودخلوا الصحراء الشرقية يرسمون لها الخرائط، وينقبون بين صخورها عن المعادن وحفريات التاريخ..
وسوف نتبين أن أسماء جميع الأماكن المذكورة في هذه الخرائط الطبوغرافية، والتي سيتردد ذكرها في هذه الرحلة، أسماء جبال، أملاها بدو الصحراء على علماء الطبوغرافيا..
وهي في الغالب، إما أسماء أطلقها الفراعنة القدماء.. أو أسماء حديثة أطلقها هؤلاء البدو على تلك الجبال..
والجبل عادة يتسمى بلونه.. أو بالخامة التي ينتجها.. أو بنوع من النبات ينبت فوق صخوره..
ولشد ما كنت مذهولًا وأنا أقف لأتأمل شجرة..
شجرة تشبه ملايين الأشجار التي يراها الإنسان طوال حياته.. لكنها كانت شجرة وحيدة منفردة.. نابتة على قمة جبل يرتفع عن سطح الأرض ثلاثة آلاف متر على أقل تقدير..
لقد استطاعت هذه الشجرة أن تنازع هذا الجبل البقاء عشرات السنين.. وربما مئات السنين.. حتى تمكنت أن تنتزع من صخوره غذاءها!!..
أما سكان هذه الصحراء فهم قبائل من الرعاة انحدرت من أعالي الجنوب.. من الحبشة والسودان.. منذ ألف سنة..
واستوطنت الجبال، تربي الإبل والغنم..
وقد عجزت عن إيجاد تفسير لهجرة هؤلاء الناس من أعالي النيل حيث تكثر المراعي، إلى هذه الصحراء القاحلة..
هم على العموم قوم غريبو الأطوار رغم بساطتهم.
يعيشون في وحدات متفرقة، كل وحدة تكون عائلة، وكل عائلة تسكن جبلًا أو سهلًا وحدها.. وكل عائلة تغير مسكنها، عشرة أو عشرين مرة كل عام.. سعيًا وراء العشب البري الذي يولد بعد السيول والأمطار..
وسوف نتعرف أكثر إلى هؤلاء السكان عندما ندخل الصحراء..
ولكن.. كيف ندخل الصحراء؟..
إن الصحراء لا زالت متاهة مخيفة مجهولة، رغم هذه الآلاف من السنوات التي مرت من أيام أجدادنا الفراعنة.. ورغم الزمن الحديث.. ورغم مئات الخواجات الذين هبطوا إليها أو دخلوها عن طريق البحر.. ليستخرجوا المعادن من صخورها ويبيعوها بآلاف الجنيهات..
كل الذي حدث لهذه الصحراء من تقدم، أنها أصبحت في نظام الحكم المحلي، تابعة لمحافظة البحر الأحمر..
وكانت من قبل تابعة لسلاح الحدود..
وهذا وحده، تقدم لا تحسد الصحراء عليه... ❝ ⏤صبري موسي
❞ وقد كانت هذه المساحة المخيفة في الزمن القديم، ملعبًا لأجدادنا الفراعنة، يتسللون إليه من حافة الوادي فيكتشفون جباله. ويثقبون هذه الجبال بحثًا عن الذهب والرصاص والنحاس والتلك، وبقية المعادن الأخرى، التي شكلتها البراكين والزمن في الصخور.
أو يقطعون هذه الصخور من الجبال ويهبطون بها إلى حافة الوادي، ليقيموا بها مساكنهم ومعابدهم.
وقد تعاقب الزمان على هذا الوادي، وتنقل صولجان الحكم من الفراعنة حتى وصل إلى الأتراك. ونزل علماء الطبوغرافيا الإنجليز بمراكبهم في البحر الأحمر، ودخلوا الصحراء الشرقية يرسمون لها الخرائط، وينقبون بين صخورها عن المعادن وحفريات التاريخ.
وسوف نتبين أن أسماء جميع الأماكن المذكورة في هذه الخرائط الطبوغرافية، والتي سيتردد ذكرها في هذه الرحلة، أسماء جبال، أملاها بدو الصحراء على علماء الطبوغرافيا.
وهي في الغالب، إما أسماء أطلقها الفراعنة القدماء. أو أسماء حديثة أطلقها هؤلاء البدو على تلك الجبال.
والجبل عادة يتسمى بلونه. أو بالخامة التي ينتجها. أو بنوع من النبات ينبت فوق صخوره.
ولشد ما كنت مذهولًا وأنا أقف لأتأمل شجرة.
شجرة تشبه ملايين الأشجار التي يراها الإنسان طوال حياته. لكنها كانت شجرة وحيدة منفردة. نابتة على قمة جبل يرتفع عن سطح الأرض ثلاثة آلاف متر على أقل تقدير.
لقد استطاعت هذه الشجرة أن تنازع هذا الجبل البقاء عشرات السنين. وربما مئات السنين. حتى تمكنت أن تنتزع من صخوره غذاءها!!.
أما سكان هذه الصحراء فهم قبائل من الرعاة انحدرت من أعالي الجنوب. من الحبشة والسودان. منذ ألف سنة.
واستوطنت الجبال، تربي الإبل والغنم.
وقد عجزت عن إيجاد تفسير لهجرة هؤلاء الناس من أعالي النيل حيث تكثر المراعي، إلى هذه الصحراء القاحلة.
هم على العموم قوم غريبو الأطوار رغم بساطتهم.
يعيشون في وحدات متفرقة، كل وحدة تكون عائلة، وكل عائلة تسكن جبلًا أو سهلًا وحدها. وكل عائلة تغير مسكنها، عشرة أو عشرين مرة كل عام. سعيًا وراء العشب البري الذي يولد بعد السيول والأمطار.
وسوف نتعرف أكثر إلى هؤلاء السكان عندما ندخل الصحراء.
ولكن. كيف ندخل الصحراء؟.
إن الصحراء لا زالت متاهة مخيفة مجهولة، رغم هذه الآلاف من السنوات التي مرت من أيام أجدادنا الفراعنة. ورغم الزمن الحديث. ورغم مئات الخواجات الذين هبطوا إليها أو دخلوها عن طريق البحر. ليستخرجوا المعادن من صخورها ويبيعوها بآلاف الجنيهات.
كل الذي حدث لهذه الصحراء من تقدم، أنها أصبحت في نظام الحكم المحلي، تابعة لمحافظة البحر الأحمر.
وكانت من قبل تابعة لسلاح الحدود.
وهذا وحده، تقدم لا تحسد الصحراء عليه. ❝
❞ و أذكر فيما أذكر الآن ما كانوا يحكون لي عن جدي و أنا صغير و كيف أنه حج سبع حجات ، و كان الحج في ذلك الزمان البعيد منذ مائة سنة على الأقدام و على الإبل و بالبحر في سفن شراعية بدائية و في الحجة السابعة يروي الجد أهوالا .. عاصفة هبت على الحجيج و هم في عرض البحر و اقتلعت الشراع و حطمت الدفة ، و الكل يصرخ و يتضرع و يستنجد ، و المركب تدور في الدوامة كالفلك و الدوار ، و الموج المتلاطم يلف الجميع .
ثم يروي كيف تفسخت المركب إلى ألواح ابتلعتها اللجة في لحظات ، و كيف أفاق ليجد نفسه سابحا على طوف خشبي و أمامه جراب الزاد ، و كانوا يسمونه في تلك الأيام (( الذهاب )) .. كل حاج كان يطلع إلى الحج و معه ذهابه الخاص و به ما يلزم من المئونة و الأدوات و الثياب .
و كان أمرا عجيبا أن يهدأ البحر و تقلع الرياح و تنتهي العاصفة ، و ينجو وحده و معه ذهابه بهذه الطريقة التي تبدو كالمعجزة .
و تدمع عينا الجد و يومض بصره الكليل ، و كأنما يرى شريطا سريعا من اللقطات الرهيبة .. و يروي كيف قضى ليلتين في البحر ثم انتشله مركب شراعي آخر قاصدا إلى الحج .. و كيف أتم حجته السابعة ثم عاد بسلام .
و يروي كيف كان الموت يترصد الحاج في كل خطوة في البحر و في البر و في الصحارى .. و بين الحر المحرق و الرمال و العطش إذا ضل طريقه أو ماتت راحلته .. و على أيدي قطاع الطرق إذا ألقى به سوء حظه إلى عصبة من عصاباتهم .. أو بمرض معدٍ في زمان لم يكن يعرف شيئا اسمه طب وقائي أو يسمع عن لقاح للكوليرا أو التيفود .. و كانت الرحلة تطول إلى ستة شهور و سبعة شهور و سنة ، و كان الخارج إليها مفقودا و العائد مولودا .
و كان يختم قصته مبتسما بفمه الخالي من الأسنان ..
و برغم كل هذه الأهوال فقد حجيت سبع مرات و هاأناذا أموت بينكم في الفراش كما يموت الكسالى من العجائز ، لتعلموا يا أولادي أن كل شيء بأمر الله .. و أنه لا البحر يغرق و لا المرض يهلك و لا نار الصحارى تحرق ، و إنما هو الله وحده الذي يصرف الآجال كيف يشاء .
و أذكر الآن قصة هذا الجد الطيب و تطوف بذهني تلك الصور و أنا أضع قدمي في الطائرة لأصل جدة في ساعتين ، و في ساعة ثالثة أكون في الحرم أطوف بالكعبة ثم في الساعة التالية أكون صاعد إلى عرفات ، و بعد غروب الشمس أكون نازلا إلى منى لرمي الجمرات ثم طواف الإفاضة ثم تنتهي كل المناسك في أمان .
و أتذكر السرب الطويل من خمسين ألف عربة تحمل نصف مليون حاج و تصعد كلها في وقت واحد في عدة طرق دائرية حديثة الرصف .. و كل شيء يتم في سرعة و نظام و دون حادث و قد تناثرت وحدات الكشافة لتنظيم المرور .. و على الجبل تراصت مستشفيات كاملة التجهيز لعلاج و عزل أي حالة اشتباه .. و طوال ساعات الليل و النهار تطوف الرشاشات لقتل الذباب و البعوض في أماكن توالده ، و تطوف فرق أخرى لجمع القمامة و حرقها .
و بين مكة و المدينة يمتد أوتوستراد أملس كالحرير تنزلق عليه العربات في نعومة ، و ينام الراكب في حضن كرسيه في استرخاء لذيذ .
ما أبعد اليوم من الأمس .
و ما أكثر ما نتقلب فيه من النعم .
و كلما أحاطتنا النعمة ازددنا لله هجرانا .
أين إيمان اليوم .. من إيمان النبي العظيم منذ ألف و أربعمائة سنة و هو خارج في غزوة تبوك على رأس اثنى عشر ألفا من المسلمين في شهور القيظ المحرق ، ليخوض في رياح السموم و الحرور القاتلة سبع ليال يتهدده العطش في كل خطوة .. و قد ترك من خلفه الأمان و الظل الظليل و الراحة في خيام زوجاته .. ليلقى الله و ليبلغ الرسالة .. و ليحارب من ؟! .. الروم .. الذين احتشدوا على الحدود بمئات الألوف .
و اليوم ترتفع حرارة الجو بضع درجات فندير جهاز التكييف و نغلق أبواب غرفنا لا نبرحها لأن الخروج إلى الشارع مجازفة غير مأمونة .
و ما أبعد اليوم من الأمس حقاً .
و ما أفدح ما خسرنا حينما خسرنا الإيمان
...
كتاب/ الإسلام ماهو
للــدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ و أذكر فيما أذكر الآن ما كانوا يحكون لي عن جدي و أنا صغير و كيف أنه حج سبع حجات ، و كان الحج في ذلك الزمان البعيد منذ مائة سنة على الأقدام و على الإبل و بالبحر في سفن شراعية بدائية و في الحجة السابعة يروي الجد أهوالا . عاصفة هبت على الحجيج و هم في عرض البحر و اقتلعت الشراع و حطمت الدفة ، و الكل يصرخ و يتضرع و يستنجد ، و المركب تدور في الدوامة كالفلك و الدوار ، و الموج المتلاطم يلف الجميع .
ثم يروي كيف تفسخت المركب إلى ألواح ابتلعتها اللجة في لحظات ، و كيف أفاق ليجد نفسه سابحا على طوف خشبي و أمامه جراب الزاد ، و كانوا يسمونه في تلك الأيام (( الذهاب )) . كل حاج كان يطلع إلى الحج و معه ذهابه الخاص و به ما يلزم من المئونة و الأدوات و الثياب .
و كان أمرا عجيبا أن يهدأ البحر و تقلع الرياح و تنتهي العاصفة ، و ينجو وحده و معه ذهابه بهذه الطريقة التي تبدو كالمعجزة .
و تدمع عينا الجد و يومض بصره الكليل ، و كأنما يرى شريطا سريعا من اللقطات الرهيبة . و يروي كيف قضى ليلتين في البحر ثم انتشله مركب شراعي آخر قاصدا إلى الحج . و كيف أتم حجته السابعة ثم عاد بسلام .
و يروي كيف كان الموت يترصد الحاج في كل خطوة في البحر و في البر و في الصحارى . و بين الحر المحرق و الرمال و العطش إذا ضل طريقه أو ماتت راحلته . و على أيدي قطاع الطرق إذا ألقى به سوء حظه إلى عصبة من عصاباتهم . أو بمرض معدٍ في زمان لم يكن يعرف شيئا اسمه طب وقائي أو يسمع عن لقاح للكوليرا أو التيفود . و كانت الرحلة تطول إلى ستة شهور و سبعة شهور و سنة ، و كان الخارج إليها مفقودا و العائد مولودا .
و كان يختم قصته مبتسما بفمه الخالي من الأسنان .
و برغم كل هذه الأهوال فقد حجيت سبع مرات و هاأناذا أموت بينكم في الفراش كما يموت الكسالى من العجائز ، لتعلموا يا أولادي أن كل شيء بأمر الله . و أنه لا البحر يغرق و لا المرض يهلك و لا نار الصحارى تحرق ، و إنما هو الله وحده الذي يصرف الآجال كيف يشاء .
و أذكر الآن قصة هذا الجد الطيب و تطوف بذهني تلك الصور و أنا أضع قدمي في الطائرة لأصل جدة في ساعتين ، و في ساعة ثالثة أكون في الحرم أطوف بالكعبة ثم في الساعة التالية أكون صاعد إلى عرفات ، و بعد غروب الشمس أكون نازلا إلى منى لرمي الجمرات ثم طواف الإفاضة ثم تنتهي كل المناسك في أمان .
و أتذكر السرب الطويل من خمسين ألف عربة تحمل نصف مليون حاج و تصعد كلها في وقت واحد في عدة طرق دائرية حديثة الرصف . و كل شيء يتم في سرعة و نظام و دون حادث و قد تناثرت وحدات الكشافة لتنظيم المرور . و على الجبل تراصت مستشفيات كاملة التجهيز لعلاج و عزل أي حالة اشتباه . و طوال ساعات الليل و النهار تطوف الرشاشات لقتل الذباب و البعوض في أماكن توالده ، و تطوف فرق أخرى لجمع القمامة و حرقها .
و بين مكة و المدينة يمتد أوتوستراد أملس كالحرير تنزلق عليه العربات في نعومة ، و ينام الراكب في حضن كرسيه في استرخاء لذيذ .
ما أبعد اليوم من الأمس .
و ما أكثر ما نتقلب فيه من النعم .
و كلما أحاطتنا النعمة ازددنا لله هجرانا .
أين إيمان اليوم . من إيمان النبي العظيم منذ ألف و أربعمائة سنة و هو خارج في غزوة تبوك على رأس اثنى عشر ألفا من المسلمين في شهور القيظ المحرق ، ليخوض في رياح السموم و الحرور القاتلة سبع ليال يتهدده العطش في كل خطوة . و قد ترك من خلفه الأمان و الظل الظليل و الراحة في خيام زوجاته . ليلقى الله و ليبلغ الرسالة . و ليحارب من ؟! . الروم . الذين احتشدوا على الحدود بمئات الألوف .
و اليوم ترتفع حرارة الجو بضع درجات فندير جهاز التكييف و نغلق أبواب غرفنا لا نبرحها لأن الخروج إلى الشارع مجازفة غير مأمونة .
و ما أبعد اليوم من الأمس حقاً .
و ما أفدح ما خسرنا حينما خسرنا الإيمان
..
كتاب/ الإسلام ماهو
للــدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝