و أذكر فيما أذكر الآن ما كانوا يحكون لي عن جدي و أنا... 💬 أقوال مصطفى محمود 📖 كتاب الاسلام ماهو؟

- 📖 من ❞ كتاب الاسلام ماهو؟ ❝ مصطفى محمود 📖

█ أذكر فيما الآن ما كانوا يحكون لي عن جدي أنا صغير كيف أنه حج سبع حجات كان الحج ذلك الزمان البعيد منذ مائة سنة الأقدام الإبل بالبحر سفن شراعية بدائية الحجة السابعة يروي الجد أهوالا عاصفة هبت الحجيج هم عرض البحر اقتلعت الشراع حطمت الدفة الكل يصرخ يتضرع يستنجد المركب تدور الدوامة كالفلك الدوار الموج المتلاطم يلف الجميع ثم تفسخت إلى ألواح ابتلعتها اللجة لحظات أفاق ليجد نفسه سابحا طوف خشبي أمامه جراب الزاد يسمونه تلك الأيام (( الذهاب )) كل حاج يطلع معه ذهابه الخاص به يلزم من المئونة الأدوات الثياب و أمرا عجيبا أن يهدأ تقلع الرياح تنتهي العاصفة ينجو وحده بهذه الطريقة التي تبدو كالمعجزة و تدمع عينا يومض بصره الكليل كأنما يرى شريطا سريعا اللقطات الرهيبة قضى ليلتين ثم انتشله مركب شراعي آخر قاصدا أتم حجته عاد بسلام الموت يترصد الحاج خطوة البر الصحارى بين الحر المحرق الرمال العطش إذا ضل طريقه أو ماتت راحلته أيدي قطاع كتاب الاسلام ماهو؟ مجاناً PDF اونلاين 2024 الإسلام: هو؟ هو تأليف الدكتور مصطفى محمود يتحدث فيه مشكلة المسلمين اليوم وأنَّ علاقتهم فاترة بعقيدتهم أكثرنا " مسلم بطاقته الشخصية وعباداته الباردة فقط ننظر ممارساتنا وشعائرنا الدينية كواجبٍ ليس له طعم ولا روح صلاتنا أصبحت مجرد حركاتٍ رياضية نؤديها لأننا لا نريد الله يسخط علينا علاقتنا بالقرآن الكريم تشبه بأي كتابٍ نقرأه أحيانًا ونتأثر نتركه ونمضي دون جعله دستوراً حقيقيًا هذا الكتاب يخاطب روحك وعقلك وسواء كنت مسلمًا أم فأنتَ بحاجةٍ لقراءته كي تفهم الإسلام صدقًا ولماذا نصلي ؟ وما هي الروحية بالسماء

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
❞ و أذكر فيما أذكر الآن ما كانوا يحكون لي عن جدي و أنا صغير و كيف أنه حج سبع حجات , و كان الحج في ذلك الزمان البعيد منذ مائة سنة على الأقدام و على الإبل و بالبحر في سفن شراعية بدائية و في الحجة السابعة يروي الجد أهوالا .. عاصفة هبت على الحجيج و هم في عرض البحر و اقتلعت الشراع و حطمت الدفة , و الكل يصرخ و يتضرع و يستنجد , و المركب تدور في الدوامة كالفلك و الدوار , و الموج المتلاطم يلف الجميع .



ثم يروي كيف تفسخت المركب إلى ألواح ابتلعتها اللجة في لحظات , و كيف أفاق ليجد نفسه سابحا على طوف خشبي و أمامه جراب الزاد , و كانوا يسمونه في تلك الأيام (( الذهاب )) .. كل حاج كان يطلع إلى الحج و معه ذهابه الخاص و به ما يلزم من المئونة و الأدوات و الثياب .

و كان أمرا عجيبا أن يهدأ البحر و تقلع الرياح و تنتهي العاصفة , و ينجو وحده و معه ذهابه بهذه الطريقة التي تبدو كالمعجزة .



و تدمع عينا الجد و يومض بصره الكليل , و كأنما يرى شريطا سريعا من اللقطات الرهيبة .. و يروي كيف قضى ليلتين في البحر ثم انتشله مركب شراعي آخر قاصدا إلى الحج .. و كيف أتم حجته السابعة ثم عاد بسلام .



و يروي كيف كان الموت يترصد الحاج في كل خطوة في البحر و في البر و في الصحارى .. و بين الحر المحرق و الرمال و العطش إذا ضل طريقه أو ماتت راحلته .. و على أيدي قطاع الطرق إذا ألقى به سوء حظه إلى عصبة من عصاباتهم .. أو بمرض معدٍ في زمان لم يكن يعرف شيئا اسمه طب وقائي أو يسمع عن لقاح للكوليرا أو التيفود .. و كانت الرحلة تطول إلى ستة شهور و سبعة شهور و سنة , و كان الخارج إليها مفقودا و العائد مولودا .



و كان يختم قصته مبتسما بفمه الخالي من الأسنان ..

و برغم كل هذه الأهوال فقد حجيت سبع مرات و هاأناذا أموت بينكم في الفراش كما يموت الكسالى من العجائز , لتعلموا يا أولادي أن كل شيء بأمر الله .. و أنه لا البحر يغرق و لا المرض يهلك و لا نار الصحارى تحرق , و إنما هو الله وحده الذي يصرف الآجال كيف يشاء .



و أذكر الآن قصة هذا الجد الطيب و تطوف بذهني تلك الصور و أنا أضع قدمي في الطائرة لأصل جدة في ساعتين , و في ساعة ثالثة أكون في الحرم أطوف بالكعبة ثم في الساعة التالية أكون صاعد إلى عرفات , و بعد غروب الشمس أكون نازلا إلى منى لرمي الجمرات ثم طواف الإفاضة ثم تنتهي كل المناسك في أمان .



و أتذكر السرب الطويل من خمسين ألف عربة تحمل نصف مليون حاج و تصعد كلها في وقت واحد في عدة طرق دائرية حديثة الرصف .. و كل شيء يتم في سرعة و نظام و دون حادث و قد تناثرت وحدات الكشافة لتنظيم المرور .. و على الجبل تراصت مستشفيات كاملة التجهيز لعلاج و عزل أي حالة اشتباه .. و طوال ساعات الليل و النهار تطوف الرشاشات لقتل الذباب و البعوض في أماكن توالده , و تطوف فرق أخرى لجمع القمامة و حرقها .



و بين مكة و المدينة يمتد أوتوستراد أملس كالحرير تنزلق عليه العربات في نعومة , و ينام الراكب في حضن كرسيه في استرخاء لذيذ .



ما أبعد اليوم من الأمس .

و ما أكثر ما نتقلب فيه من النعم .

و كلما أحاطتنا النعمة ازددنا لله هجرانا .



أين إيمان اليوم .. من إيمان النبي العظيم منذ ألف و أربعمائة سنة و هو خارج في غزوة تبوك على رأس اثنى عشر ألفا من المسلمين في شهور القيظ المحرق , ليخوض في رياح السموم و الحرور القاتلة سبع ليال يتهدده العطش في كل خطوة .. و قد ترك من خلفه الأمان و الظل الظليل و الراحة في خيام زوجاته .. ليلقى الله و ليبلغ الرسالة .. و ليحارب من ؟! .. الروم .. الذين احتشدوا على الحدود بمئات الألوف .



و اليوم ترتفع حرارة الجو بضع درجات فندير جهاز التكييف و نغلق أبواب غرفنا لا نبرحها لأن الخروج إلى الشارع مجازفة غير مأمونة .

و ما أبعد اليوم من الأمس حقاً .

و ما أفدح ما خسرنا حينما خسرنا الإيمان



...



كتاب/ الإسلام ماهو

للــدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝
1
0 تعليقاً 0 مشاركة
نتيجة البحث