█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ إن التأمل بأبسط تعاريفه هو عبارة عن إيقاف الأفكار، فمشكلتنا كبشر هي أن عقلنا يستمر في العمل طوال الوقت، سواء كان ذلك خلال النهار أو حتى خلال ساعات نومنا، وعندما تأتي الفكرة لعقلنا، هي لا تأتينا منفردة، بل هي تولد معها أفكار أخرى في الذهن، فالفكرة الأولى تولد فكرة ثانية ثم ثالثة وهكذا، وبسبب ذلك يسمي علماء النفس العقل البشري بأنه عقل القرد monkey mind أو العقل المشتت.
يقال إن الإنسان يفكر بما يقارب الستين ألف فكرة في اليوم الواحد، وهذه الأفكار ليست جميعها إبداعية وخلاقة، بل معظما أفكار مكررة من الأفكار السابقة، أو هي أفكار تتضمن الخوف من المستقبل، أو فكرة شيء ما نحمل ألمه من الماضي كالتفكير في المواقف المحزنة، أو الشعور بتأنيب الضمير واللوم، ومشاعر أخرى مرتبطة بالماضي وأحداث حدثت مسبقا، لذلك يجب أن نقوم بالتأمل.
وهناك فئة من الناس من يفكرون كثيرا في المستقبل، وفيما سيحدث معهم، وفي الاحتمالات الممكنة، وفي نتائج كل احتمال منها، وفي الأهداف المستقبلية، وكل ما سبق يسبب لنا مشاعر سلبية من قلق وخوف.
إذا نحن نفكر طوال الوقت بأفكار متعددة الأنواع، مما يسبب إرهاقا لأدمغتنا، وتؤثر على مزاجنا وعلى نفسيتنا وعلى إنجازاتنا خلال اليوم وعلى علاقاتنا، كما أنها مع الأسف الشديد تؤثر علينا جسديا من ناحية صحتنا، فتصيب الإنسان بأمراض الاكتئاب والضغط المرتفع وآلام في الرأس والقولون. فتستنزف من الناس طاقاتهم وصحتهم وجهدهم وأموالهم على العلاجات، لذلك التأمل يعتبر حلا، لأن التأمل عبارة عن عيش اللحظة الحالية وإيقاف زحمة الأفكار.
خطوات التأمل سهلة وممكنة، إلا أنها تتطلب تدريبا، وهي على النحو الآتي:
أولا: يجب إيجاد مكان هادئ للجلوس فيه، يمكن أن يكون داخل البيت أو الغرفة، وممكن أن يكون خارج البيت في حديقة مثلا.
ثانيا: يجب أن يكون الجلوس في المكان مريحا، أي جلسة أنت ترتاح بها جلوسا على مقعد أو على الأرض أو جلسة القرفصاء التي تساعد على استقامة العامود الفقري، أي يمكنك القيام بأي وضعية جلوس مريحة ولكن يفضل أن لا تكون في وضع استلقاء أو في السرير لأنك قد تنام.
ثالثا: تحديد الوقت الخاص بالتأمل، فتبدأ في وقت محدد وتنتهي بوقت محدد مسبقا، وذلك لتصل إلى الهدف من التأمل.
رابعا: التركيز على عملية التنفس العميق شهيقا وزفيرا فقط، مما يجعل الأمر الوحيد الذي نفكر فيه في اللحظة الحالية هو التنفس الذي ينتزعنا من التفكير في الماضي وفي المستقبل، ويكون الشهيق من الأنف والزفير من الفم.
خامسا: عدم مقاومة الفكرة التي تأتينا خلال تركيزنا في التأمل، لأن مقاومة الفكرة تجعلها تقوى في عقلنا، فتتلوها فكرة أخرى، ومن ثم فكرة أخرى، إلى أن تتكون لديك سلسلة من الأفكار وهو أمر لا تريده خلال التأمل.
بينما لو أتتنا فكرة معينة خلال التأمل، مهما كانت هذه الفكرة، وقمنا بتقبلها، بدون مقاومة لعدم التفكير بها، فإنها ستمر بسلام، مما يسمح لنا بالرجوع إلى التركيز على عملية التنفس دون السماح للفكرة الأولى بتوليد أفكار أخرى.
أحيانا خلال عملية التأمل والتنفس، يمكننا أن نغمض أعيننا، إلا أن بعض الأشخاص لا يحبون إغماض الأعين، ويفضلون تركيز نظرهم على شيء معين خارجي، غالبا ما تكون على صورة محببة بالنسبة لهم، أو على شمعة مضاءة، أو وردة، أو أي شيء يحبه الشخص.
وهناك أيضا من يحبون التركيز على صوت خارجي معين، كصوت المكيف، أو صوت سيارات أو أي صوت مستمر وموجود في اللحظة الحالية.
إلا أن أغلبية الأشخاص، يحبون التأمل بقيادة شخص آخر، وهو أمر متوفر بكثرة على المقاطع الصوتية المسجلة على اليوتيوب والشبكة العنكبوتية، بحيث يكون له بداية وله نهاية، ويقوم التسجيل الصوتي بإخبارك الخطوات التي عليك القيام بها خلال التأمل، فيخبرك بأن تجلس وأن تتنفس عددا معينا من الشهيق والزفير، ومن ثم يشرح لك أن التركيز سيكون على الصحة أو على التشافي أو على النجاح أو على تحقيق الأهداف أو أي أمر آخر، وعادة ما تصاحبها موسيقى بترددات مناسبة لعملية التأمل، وهو أمر يساعد المبتدئين الجدد على التأمل.
إن الفوائد لممارسة التأمل كبيرة، وما زال العلماء يبحثون في موضوع التأمل لما له من آثار إيجابية على الأفراد الذين يمارسونه، كما أنه موضوع قديم قدم التاريخ، وهو موجود في كافة الديانات، فجميع الرسل والأنبياء كانوا يلجأون إلى مكانهم الخاص يتأملون فيه، وما وصلوا إلى الرسالة التي قدموها للبشرية لولا التأمل، وهو ليس حكرا على نوع معين من الأشخاص.
وقد تجدد الحديث عن التأمل في العصر الحديث بسبب كثرة الضغوطات والتسارع اللذان ينعكسان علينا على شكل تسارع بأفكارنا وفي حياتنا مما سبب لنا ضغط الأفكار، فأصبح الإنسان يبحث عن ملجأ لتصفية ذهنه والتخلص من الأفكار المتسارعة التي تشوه تفكيره وتسبب له الآلام الجسدية والأرق وعدم القدرة على النوم والخوف وتزاحم الأفكار.
التأمل إجمالا إذا مورس يوميا- فلا يكفي القيام بالتأمل مرة واحدة فقط- فإنه يولد الهدوء لدى الشخص، والسلام الداخلي، مما ينعكس على قراراته التي تصبح أكثر حكمة، فتصبح حياته أسعد، فيستمتع بها أكثر ويرى جمال الأشياء بصورة أوضح، وكل ذلك بسبب تهدئة الأفكار، والتحكم بها، فيتمكن من قيادة الأفكار السلبية واستبدالها بأفكار إيجابية، وبسبب ذلك يستفيد من نتائج هذه الأفكار.
من الأمور الهامة بالنسبة للتأمل، هو أنه يعتبر أحد الأدوات المحفزة للجهاز المناعي عند الشخص المتأمل، وبالتالي يساعده التأمل على القيام بعملية التشافي، وخاصة التشافي الذاتي بشكل أكبر، وبصورة أسرع خاصة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية.
تقوم بعض الدراسات بقياس الحركات التي تحدث داخل أعصاب الدماغ، ونسب الهرمونات التي تفرز ويتم تحفزها خلال عمليات التأمل، ومقارنتها بحالتها في جسم الشخص الذي لا يقوم بالتأمل، ووجد أن التأمل يخفض نسبة هرمون الكورتيزون والذي يفرزه الجسم في حال شعوره بالإجهاد، والذي يؤثر على قدرة الشخص على النوم والاستيقاظ، كما أن التأمل يساهم في إفراز الجسم لهرمون.
الستيرونين، والذي يلقب بهرمون السعادة، وهو المسؤول عن تحسين المزاج والقدرة الجنسية وقدرة الجسم على التخثر ولأم الجروح بصورة أسرع، كما أنه يساهم في فرز هرمون النمو HGH الذي يساعد على تكوين الكتلة العضلية، وتأخير الشيخوخة وتقليل دهون الجسم.
إن العقل والروح والجسد في الإنسان مرتبطة، وكل منهما يؤثر في الآخر سواء سلبا أو إيجابا، والتأمل هو أحد الأمور التي تساعدنا على إعادة توازننا . ❝
❞
الثقة الذاتية في الحكم ليست تقييمًا منطقيًا لاحتمال أن يكون هذا الحكم صحيحًا الثقة هي شعور يعكس تماسك المعلومات والسهولة المعرفية في معالجتها من الحكمة أن تأخذ الاعترافات بعدم اليقين على محمل الجد ، لكن تصريحات الثقة العالية تخبرك أساسًا أن الفرد قد بنى قصة متماسكة في ذهنه ، وليس بالضرورة أن القصة صحيحة . ❝
❞ ثم جلس يبكي وصورة المرأة الضعيفة تحضر في ذهنه وهي تصر وتستغيث دون طائل وتستجدي القائد أن يعفو عن أطفالها، ويستذكر أنها قبل دقائق وقفت مستكينة كالمخدرة مستسلمة للسياف وهو يطيح برأسها بعد أطفالها، فقد غابت عن الوعي وهي مستفيقة، ماتت وهي حية، فمقتل أطفالها قتلها قبل سيف الرجل . ❝
❞ ˝ما بالك اليوم؟ تبدو كسحلية حزينة!˝
قالها نادل المقهى، ليس لأن السيد رجب كان فعلاً يبدو شبيهاً بسحليه، لا، بطبيعة الحال، فالسيد رجب أبعد مايكون عن هذا الوصف الذى خرج من فم النادل الأخرق، فقط لأنه الوصف الذي طرأ لذهنه في تلك اللحظة، وهو كثرثارٍ عتيد، لم يستطع أن يكبح جماح لسانه المِهذار الذي لا يمكن السيطرة عليه، ولا سيما في حضرة صباحٍ جميلٍ كهذا.
نسي النادل بعد دقائق تلك السحلية، التي تركها تحتسي فنجان القهوة، وتفكر، هل أبدو كسحلية فعلاً؟! . ❝
❞ الخـــروج . . .
كان يزدرد الطعام كأنه يزدرد كُرات من العجين يُلقي بها في جوفه دون تَلذُذ .. و كان الهواء راكداً ثقيلاً .. و كل شيء راكد ثقيل .. و صفحة النهار تبدو كليلٍ بلا نجوم ..
و لم يكن يدري كم من الوقت قد مضى عليه و هو جالس في كُرسيه في مقهى الروف بأعلى البرج ..
ربما بِضع ساعات و هو يجلس نفس الجلسة لم يُحرك إصبعاً .. و ربما بنفس النظرة الذاهلة المحملقة في الهواء دون أن يختلج له جفن ، و كأنما تسمرت نفسه و بات عقله مصلوباً على فكرة واحدة لا يبرحها .. أن يتخلص من حياته .
مريض بلا شفاء .. يتنقل من طبيب إلى طبيب .. و من دواء إلى دواء .. و من مُخدِر إلى مخدر .. و من أمل إلى أمل .. ثم تذوي الآمال ثم يكتشف أنه لم يبق له إلا الصبر .
و في البيت وحده .. و فِراش بارد .. و مائدة عليها عشرات العقاقير، و خِطابات لا يجف حبرها .. تجري سطورها اللاهِثة بنداء واحد لا يهدأ :
سوزان . . سوزان . .
عودي .. أحبك .. لا أستطيع أن أحيا بدونك .. و لا أن أموت بدونك .
حياتي ليل بدون ضوء عينيك .
و دائماً تُرسَل الخطابات و تسافر عبر البحر .. و لا يأتي لها رد ، و لا يُسمَع لها صَدى .
الزوجة الأوروبية عادت إلى بلادها بقلب ينزف ، و تركت وراءها قلباً آخر ينزف .
و في ذلك الصمت الشبيه بالصراخ يعيش ..
و في تلك الغرفة المُترَفة الوثيرة ذات الديكورات الغالية يتقلب .. و كأنما يتقلب على صحراء مُوحِشة تسرح فيها الأفاعي .. ثم ينفد الصبر .. و تنقطع حِبال الإنتظار .
و لا تبقى في ذهنه إلا فكرة واحدة .. أن يتخلص من حياته .
تأتيه الفكرة في البداية زائرة ثم تصبح طَوّافة ثم تُلِح عليه ثم تُقيم في رأسه ثم تتحول إلى حصار ثم تغدو كابوساً قهرياً يحتويه و يجثم عليه و يخنقه رويداً رويداً .
و يتحرك أخيراً .. فينظر إلى ساعته .
لقد مضت أربع سنوات و هو مُتجمد في كُرسيه كتمثال ، و شيء في داخله ينخر في بنيانه و يأكل جوفه .. و بنظرة سريعة عبر الشرفة يطل على الناس الذين يبدون كالنمل الصغير أسفل البرج .. و تتسمر عيناه على الهُوّة التي تَفغُر فاها تحت قدميه .
ثم في لحظة يرمي بنفسه من شاهِق .
و يتجمع الناس أسفل البرج .. و هُم يحكون في ذهول ..
هناك رجل رمى بنفسه من أعلى البرج فسقط على كتفي عامل فقتله لساعته .. أما هو فلم يُصَب بخدش ..
و حينما أفاق الرجل من صدمته و أدرك ما فعل .. إنكَبَّ على شفرة حديد صَدِئة إلتقطها من الطريق و قطع شرايينه .
و حملوه إلى المستشفى و هو ينزف .. و أسعفوه ..
و حينما فتح عينيه و اكتشف أنه لم يمُت بعد .. إبتلع زجاجة الأقراص المنومة كلها في غفلة من الممرضة ..
و لكنهم غسلوا معدته ، و أعطوه شيئاً .. و أنقذوه ..
و فتح عينيه من جديد ليجد أنه لم يمت بعد ثلاث محاولات قاتلة .. قتل فيها رجل آخر و لم يَمُت .. و سقط مغشياً عليه ..
و في النوم و بين لحظات الخدر ، و فيما يشبه الرؤيا شاهد الرجل نوراً و سمع صوتاً يقول له :
●● ماذا فعلت بنفسك ؟
● أردت أن أقتل نفسي لأستريح .
●● و من أين لك العلم بأنك سوف تستريح .. أعلِمت بما ينتظرك بعد الموت ؟
● إنه على أي حال أفضل من حالي في الدنيا .
●● هذا ظنك .. و لا يقتُل الناس أنفسهم بالظن .
● و ماذا كنت أستطيع أن أفعل .. و ماذا بقيَ لي ؟
●● أن تصبر و تنتظر أمرنا ..
● صبِرت .
●● تصبر يوماً آخر إلى غَد .
● سيكون غداً مشئوماً مثل سالفه .
●● كيف علمت .. هل أنت الذي خلقت الأيام .. هل أنت الذي خلقت نفسك ؟
● لا .
●● فكيف تحكم على ما لا تعلم ، و كيف تتصرف فيما لا تملك ؟
● هذا عمري و قد ضقت به .
●● أتعلم ماذا نُخفي لك غداً ؟
● لا .
●● إذاً فهو ليس عُمرك .
● لا أريد أن أعيش .. خلوا بيني و بين الموت .. دعوني .. ارحموني .
●● لو تركناك فما رحمناك .. إنما نحول بينك و بين رغبتك رحمةً مِنا و فضلاً ، و لو تخلينا عنك لهلَكت .
● يا مرحباً بالهلاك .. ما أريد إلا الهلاك .. يا أهلاً بالهلاك .
●● لن يكون الهلاك رقدة مُطمَئنة تحت التراب كما تتصور .
● أريد أن أخرج مما أنا فيه و كَفَى .
●● و لو إلى النار ؟
● و هل هناك نار غير هذه ؟
●● أتصَوَّرت أنه لا وجود إلا لما يقع تحت حسك من جنة و نار .. أظننت أنه لا جنة و لا نار إلا نعيمكم و عذابكم .. أظننتنا فقراء لا يتسع ملكنا إلا لهذا العالَم .. أتصَوَّرتَ أنه ليس عندنا لك إلا هذه الشقة في المعادي .. و ليس عند رب العالمين غير هذه الكرة الأرضية المعلقة كذرة غبار في الفضاء .. ؟
بئس ما خَيَّل لك بَصرُك الضرير عن فقرنا .
● ضقت ذرعاً مما أنا فيه .. إنسدت أمامي المسالك .. إنطبقت السماء على الأرض .. إختنقْت .. أريد الخروج .. أريد الخروج .
●● ألا تصبر لحظات أخرى .. أترفض عطيّتنا في الغد قبل أن تراها ؟
● رأيت منها ما يكفيني .
●● هذا رفض لنا و يأس مِنّا و اتهام لحكمتنا و سوء ظن بتدبيرنا و انتقاص لملكنا .. بئس ما قررت لنفسك .. إذهب .. رفضناك كما رفضتنا ، و حرمناك ما حرمت نفسك .. خَلّوا بينه و بين الموت ..
و في تلك الليلة شنق الرجل نفسه بملاءة الفراش .. و مات في هذه المحاولة الرابعة .. و فشلت كل الإسعافات في إنقاذه .
و جاء الغــد . .
فطلعت صفحات الجرائد الأولى بخبر مثير عن اكتشاف علاج جديد حاسم للمرض الذي كان يشكو منه .
و جاءت سوزان تدق بابه في شوق و في يدها بضع زجاجات من هذا الترياق الجديد و قلبها يطفح بالحب و الأمل .
و لكنه كان قد ذهب .
لم ينتظر العطية .
ظلم المُعطي و العَطيّة و ظلم نفسه و ظلم الغد الذي لم يره و اتهم الرحيم في رحمته و أنكر على المدبر تدبيره .
و خـــرج . .
إلى حيــث لا رحمـــة . . و لا عــودة . .
..
قصة : الخروج
من كتـــاب / نقطــة الغليـــان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝