❞ كلنا نعيش أحداث في واقعنا الاجتماعي من حوادث قتل وسرقة واختلاس ونفتح إذاعاتنا لتقابلنا نشراتها بويلات الحروب والانقلابات العسكرية الخ ...وكلما حاولت فهم الأسباب الكامنة وراء تلك الأحداث ... تأتيني الأصوات من كل صوب لتأكد لي أن الشيطان وراء ما يجري ...إنكم لو تسنى لكم الذهاب لأي شخص قابع خلف زنزانته وسألتموه عن سبب ارتكابه لجريمة القتل في حق زوجته لأجابكم على الفور أن الشيطان أغواه ليقوم بفعلته ولو استوقفتم مننبا آخر وسألتموه عن
سبب إدانته لكان جوابه أيضا أن الشيطان أغواه ليختلس أموال الناس التي أمنوه عليها .... ولو شاهدتم يوما شخصا مجنونا يتجول حافيا لأيقنتم أنه أصابه مس شيطاني من جراء سحر أو طلاسم مشعوذ. ❝ ⏤م. ياسين محمد
❞ كلنا نعيش أحداث في واقعنا الاجتماعي من حوادث قتل وسرقة واختلاس ونفتح إذاعاتنا لتقابلنا نشراتها بويلات الحروب والانقلابات العسكرية الخ ...وكلما حاولت فهم الأسباب الكامنة وراء تلك الأحداث ... تأتيني الأصوات من كل صوب لتأكد لي أن الشيطان وراء ما يجري ...إنكم لو تسنى لكم الذهاب لأي شخص قابع خلف زنزانته وسألتموه عن سبب ارتكابه لجريمة القتل في حق زوجته لأجابكم على الفور أن الشيطان أغواه ليقوم بفعلته ولو استوقفتم مننبا آخر وسألتموه عن
سبب إدانته لكان جوابه أيضا أن الشيطان أغواه ليختلس أموال الناس التي أمنوه عليها .... ولو شاهدتم يوما شخصا مجنونا يتجول حافيا لأيقنتم أنه أصابه مس شيطاني من جراء سحر أو طلاسم مشعوذ . ❝
❞ من مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر: قصة مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي، ولماذا لم يستمر التحالف مع الحمدي؟
بعد أن قدم القاضي الارياني استقالته من رئاسة المجلس الجمهوري وقدمت استقالتي وأنا في خمر ، تم تكوين مجلس القيادة ، وأعلنت الأحكام العرفية وتجمد مجلس الشورى وتعطل الدستور ، وعلى أساس أن هذه الحالة مؤقتة لمدة ستة أشهر ويعود الحكم المدني ومجلس الشورى والعمل بالدستور ويتم اختيار مجلس جمهوري ، كما اتفقنا على ذلك قبل الانقلاب مع إبراهيم الحمدي والضباط وسنان أبو لحوم ومن حضر معنا. كان تجميد مجلس الشورى وتعليق الدستور خطوات لاحقة اتخذها إبراهيم الحمدي من مجلس القيادة ولم نتفق عليها ولا جرى أي حوار بيننا بشأنها لكن الحمدي استند على الاستقالة واتخذ هذا الموقف على أساس أنه مادام رئيس مجلس الشورى قد قدم استقالته وقد أعلنت حالة طوارئ ونحن في فترة انتقالية فإن حالة الطوارئ تستدعي هذه الإجراءات. بدأ الرئيس الحمدي يختلف مع مجاهد أبو شوارب وبيت أبو لحوم وجاءوا لي وأنا في صنعاء وكانوا لا يزالون أقويا وأعضاء في مجلس القيادة وقادة في الوحدات العسكرية يحاولون استقطابي إلى صفهم للتخلص من إبراهيم الحمدي قلت لهم: أنتم أقنعتمونا به وبالحركة والآن تريدون أن تتخلصوا من إبراهيم الحمدي من أجل يصفى الجو للبعث، لا لست معكم في هذا. وحاولوا معي مرات كثيرة ورفضت. وتصاعد خلافهم مع إبراهيم الحمدي وبدأ يضايقهم من مناصبهم من مجلس القيادة ومن الوحدات العسكرية التي كانوا فيها، والتي تمكن من خلخلتها وكسب ضباطها حتى إن علي أبو لحوم ما شعر إلا والضباط كلهم ضده ومنعوه من دخول الوحدة العسكرية في العرضي. وعندما أعلن بيان بتغيير بيت أبو لحوم من قيادة الجيش يوم 27إبريل 1975م، عارضت ذلك وهذا اليوم أصبح اسمه يوم الجيش، الذي سماه الحمدي، واعتبر عيداً يحتفل به كل عام، وحينما جاءت لي الأخبار وأنا في مجلس الشورى قمت من القاعة إلى مكتبي واتصلت بالحمدي تلفونياً وجرت بيني وبينه مشادة قوية، وبعدها أقصى العميد/ مجاهد أبو شوارب من منصبه القيادي العسكري وكان في الصين وعاد من الصين ونزل في مطار جده، ثم اتجه برًا إلى حجة مركز المحافظة حيث كان أيضًا محافظًا لها، وقام بترتيب الأمور في حجة ثم اتجه إلى خمر واشتد الخلاف مع إبراهيم، ولم أعد أطمئن له وتذكرت ما كان يبلغني به مجاهد وبيت أبو لحوم من قبل أنهم اكتشفوا أن هذا الرجل خطير، فخرجت إلى خمر بعد خروج مجاهد بحوالي شهرين تقريباً أو أقل.
آلية المعارضة للحمدي وفشل الوساطات الداخلية والخارجية عندما خرجت إلى خمر بدأ مسار المعارضة يأخذ موقفاً قوياً حيث استقطبنا القبائل وقليلاً من العسكر فكانت المناطق من بعد ريده إلى صعده معنا أما حجه فحصل من أهلها مقاومة لكنهم سرعان ما تخاذلوا وخذلوا مجاهد الذي كان يستند إليهم وقدم لهم الخدمات. وفي هذه الأثناء قام بعض الأشخاص بوساطات لحل الخلاف وأكثر من قام بهذا الدور القاضي/ عبد الله الحجري لكنها كانت وساطات استسلامية ونصائح ليس فيها شيء مقابل شيء. وكانت لنا شروط وفي مقدمتها إعادة الحياة الدستورية والحكم المدني بحسب الاتفاق الذي تقرر على أساسه التغيير. والقاضي الحجري كانت وساطته تهدئه واستسلامًا وكان يقول: خلاص تعاملوا مع هذا الإنسان ولا تطلعوا المحرة ، لا تتركوه وحاولوا تمسكوه وتتعايشون معه لا تطلبوا منه أكثر مما يطيق. وكان يستعمل (لا تطلعوا المحره) لأنه سيحصل كذا وكذا ، كما خرج لنا من الوسطاء بعض المشائخ منهم عبد الخالق الطلوع ومحمد يحيى الرويشان وكان صديقًا للحمدي ، ومحمد حسن دماج ، وعبد الله دارس وكانوا يحملون نفس الرأي الذي كان يحمله القاضي عبدالله الحجري. كانوا يحاولون ثنينا عن المعارضة مقابل أن الحمدي سوف يسمعنا ونحن نتعاون معه ونكون وإياه يداً واحدة، كما بعث إلينا الأستاذ أحمد محمد نعمان برسالة ينصح فيها بالتعاون الصادق والحذر والحيطة من الذين يسعون للفرقة بيني وبين الحمدي ويشرح فيها عن مواقفه. واستمرت الوساطات ومحاولة تقريب وجهات النظر أثناء أدائنا فريضة الحج مع إبراهيم الحمدي من قبل المسئولين في المملكة، وأعتقد أننا لم نتفق على شيء محدد وعلى أساس أن نتواصل هنا وهناك ونحل الخلاف ! لكن الموقف اشتد عندما أقدم الحمدي على حل مجلس الشورى في 22 أكتوبر 1975م وخرجت المظاهرة ( لا شورى بعد اليوم ) وكنت حينها في خمر والتواصل منقطع مع الحمدي، ومجاهد الذي كان أول من شد الموقف مع الحمدي ، كان يدخل صنعاء ويلتقي مع الحمدي ويجري محادثات للمصالحة. وفي هذه الأثناء والمعارضة للحمدي في أشدها خرج إلى خمر الأمير تركي ابن فيصل بن عبد العزيز وعندما وصل إلينا كان أكثر ما ركزنا عليه هو إظهار استياء الناس من الحمدي والتفافهم حولنا ، وصادف وجوده التقاء القبائل فيما أسموه مؤتمر ( خمر الثاني ) وفعلاً رأى وسمع ما لم يكن يتوقع مما جعله يقول: هنا الدولة هنا اليمن ، لأنه رأى وجوه مشائخ اليمن وقد حاول أن يقرب وجهات النظر ويخفف من حدة الخلاف ، ولست أذكر تفاصيل ما جرى بيننا من محادثات لكنها كانت تصب في اتجاه تنقية الأجواء وتجاوز الخلافات والتصالح مع الحمدي. واستمرت الخلافات طوال عامي 1976م ، 1977م. وفي هذه الأثناء قتل القاضي عبدالله الحجري في لندن وظهرت إشاعات بأن الحمدي تآمر عليه ، وكان التصاق القاضي عبدالله الحجري بالحمدي وتأييده له قد أوجد بيننا وبينه هوة ، لأن وجوده في جانب الحمدي كان يخدم الأخير خدمة كبيرة ، وكنا ننصح الحجري بالابتعاد عن الحمدي لكنه كان يرفض نصائحنا، لذلك لم يمثل قتله إضعافاً لنا لأنه كان يعتبر في تلك الفترة سنداً ودعماً وظهيراً للحمدي. الدور السعودي في دعم الحمدي كان موقف السعودية مؤيداً لحركة 13يونيو ، ولا أعتقد انه كان لها دور في التخطيط للحركة ولكن يبدو أنه كان هناك سر بينهم وبين إبراهيم الحمدي لأنهم كانوا ضائقين بالقاضي عبد الرحمن الارياني ، وكانوا على علاقة بإبراهيم الحمدي ومعجبين بشخصيته ، وقد دعموه في البداية ، وعندما بدأ الخلاف بيننا وبين إبراهيم حاولوا التوسط وتقريب وجهات النظر، كانوا حريصين أن أظل موجوداً في الدولة لكنهم في الوقت نفسه حريصون أن لا نهز وضع إبراهيم الحمدي أو نفرض عليه شروط أشخاص ، وكانت ثقتهم بالحمدي كبيرة ووساطتهم على أساس أن نتصالح وأكون معه ، وفي الوقت الذي كانوا ينصحوني بعدم المعارضة ضد الحمدي كانوا ينصحونه أيضاً أن لا يصعد الموقف معنا وكانوا على ثقة أنه معهم ويستند إليهم وكان يطرح عليهم أنه يريد بناء دولة ، ونحن مراكز قوى ولا بد أولاً أن يتخلص من مراكز القوى ليستطيع بناء دولة وهذا بخلاف رغبتهم ، و كانت القيادة السعودية ترغب بوجود حاكم قوي يستطيعون أن يدعموه وهو في أيديهم وقادر على التعامل معهم بدلاً من الفوضى. وكان ما يطرحه الحمدي يلقى تجاوباً من المثقفين والشباب داخل اليمن وخارجة خاصة وأنه كان خطيبا مفوها ومؤثراً. وخلال فترة الخلاف لم ينقطع تواصلنا مع المسئولين في المملكة ولم تنقطع وساطتهم بيننا وبين الحمدي، فقد كان سفيرهم بصنعاء دائم التردد علينا لهذا الغرض ، وقبل مقتل الحمدي أبلغنا السفير السعودي عزمنا على زيارة السعودية وتوجهنا براً إلى الطائف مع مجموعه من المشائخ من كل مكان ، في شهر رمضان قبل مقتل الحمدي بشهرين أو أقل لنؤكد لهم أننا رافضون للحمدي ، وأننا مستندون إلى القاعدة الشعبية ، وبقينا في الطائف حوالي ثلاثة أسابيع أو أكثر، وكان محسن اليوسفي يتحرك بين صنعاء والطائف من أجلنا وهو وزير الداخلية وذلك في محاولة لتسوية الخلاف بيننا وبين إبراهيم الحمدي خاصة بعد أن ساورهم القلق من سياسات الحمدي ، الذي كان يلعب على الحبلين فقد كان يظهر للسعوديين أنه مستند إليهم ، وكانوا يدعمونه ومتمسكين به فعلاً خاصة بعد أن تخلص من مجاهد ومحسن العيني وبيت أبو لحوم والتيار البعثي في الوقت الذي بدأ بإقامة العلاقات مع النظام في عدن وإحلال الناصريين بدلاً عن البعثيين في مؤسسات الدولة . فبعد أن تظاهر لهم أنه كان يخدمهم بتصفية البعث الذي كانوا على عداء معه وقدموا له الدعم والتأييد ، إذا به يحل الناصريين بدلاً عنهم، والسعوديون لا يختلف موقفهم من الناصريين عن موقفهم من البعث إلا أنهم كانوا يعتبرون الناصريين ضعفاء في تلك الفترة. انقلاب الغشمي على الحمدي وتبنيه لنهج الحمدي في إبعاد المشائخ كان أحمد الغشمي يتبنى نفس موقف الحمدي ضدنا، وعندما بدأ بالإعداد لحركته ضد إبراهيم لم يكن بيننا وبينه أي تفاهم أو تقارب أو حتى مجرد إيحاء بما ينوي فعله، ولهذا كان مقتل الحمدي مفاجئا لنا وقد استقبلت النبأ باستياء شديد فهذه جريمة وما كان يجب أن تصل الأمور إلى هذا الحد. وبقدر ما كان القتل جريمة استنكرناها، فإن التغطية القبيحة التي صاحبت الجريمة اعتبرناها أشد قبحاً وقد أدنتها وبعثت في ليلتها رسالة حملها الأخ/ علي شويط قلت لهم فيها أن التغطية مشينه وغير مشرفة، لأنه كان يجب أن تعلنوا أنكم قمتم بانقلاب وتعلنوا مبرراته بدل البكاء والأناشيد العسكرية وهذا الكذب والتغطية القبيحة. دخل مجاهد أبو شوارب بعد الانقلاب والتقى بالغشمي، الذي لم يفتح معنا أي حوار وإن كان قد بعث لنا من يطمئننا ويؤكد لنا أن الخلاف الذي كان موجوداً بيننا وبين الحمدي قد انتهى، ويطلب منا أن نبقى في خمر، وأن لا ندخل صنعاء، حتى المشائخ الذين كانوا مقاطعين صنعاء طلب منا أن نبلغهم أن لا يدخلوا صنعاء ، حتى أن الشيخ أحمد ناصر الذهب وكان من المشائخ الذين كانوا عندي في خمر دخل بعد مقتل الحمدي وأرجعه الغشمي قبل أن يدخل صنعاء وجلس في قرية القابل شمال العاصمة. و ظل الغشمي يطلب منا التريث وان لا ندخل صنعاء وانه سوف يلتقي بنا كضيوف في بيته في ضلاع ، والتقينا به وأكد لنا أنه معنا وأننا وإياه في خط واحد وعلينا أن نؤجل أي شيء، وقال : اتركوا لي فرصة !! وعندما أعلن إنشاء مجلس الشعب التأسيسي أظن أنه أشعرنا بذلك مسبقاً، ولم يكن عندي أي مطالب على أحمد الغشمي حتى يتبين موقفه. ❝ ⏤مجموعة من المؤلفين
❞ من مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر: قصة مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي، ولماذا لم يستمر التحالف مع الحمدي؟
بعد أن قدم القاضي الارياني استقالته من رئاسة المجلس الجمهوري وقدمت استقالتي وأنا في خمر ، تم تكوين مجلس القيادة ، وأعلنت الأحكام العرفية وتجمد مجلس الشورى وتعطل الدستور ، وعلى أساس أن هذه الحالة مؤقتة لمدة ستة أشهر ويعود الحكم المدني ومجلس الشورى والعمل بالدستور ويتم اختيار مجلس جمهوري ، كما اتفقنا على ذلك قبل الانقلاب مع إبراهيم الحمدي والضباط وسنان أبو لحوم ومن حضر معنا. كان تجميد مجلس الشورى وتعليق الدستور خطوات لاحقة اتخذها إبراهيم الحمدي من مجلس القيادة ولم نتفق عليها ولا جرى أي حوار بيننا بشأنها لكن الحمدي استند على الاستقالة واتخذ هذا الموقف على أساس أنه مادام رئيس مجلس الشورى قد قدم استقالته وقد أعلنت حالة طوارئ ونحن في فترة انتقالية فإن حالة الطوارئ تستدعي هذه الإجراءات. بدأ الرئيس الحمدي يختلف مع مجاهد أبو شوارب وبيت أبو لحوم وجاءوا لي وأنا في صنعاء وكانوا لا يزالون أقويا وأعضاء في مجلس القيادة وقادة في الوحدات العسكرية يحاولون استقطابي إلى صفهم للتخلص من إبراهيم الحمدي قلت لهم: أنتم أقنعتمونا به وبالحركة والآن تريدون أن تتخلصوا من إبراهيم الحمدي من أجل يصفى الجو للبعث، لا لست معكم في هذا. وحاولوا معي مرات كثيرة ورفضت. وتصاعد خلافهم مع إبراهيم الحمدي وبدأ يضايقهم من مناصبهم من مجلس القيادة ومن الوحدات العسكرية التي كانوا فيها، والتي تمكن من خلخلتها وكسب ضباطها حتى إن علي أبو لحوم ما شعر إلا والضباط كلهم ضده ومنعوه من دخول الوحدة العسكرية في العرضي. وعندما أعلن بيان بتغيير بيت أبو لحوم من قيادة الجيش يوم 27إبريل 1975م، عارضت ذلك وهذا اليوم أصبح اسمه يوم الجيش، الذي سماه الحمدي، واعتبر عيداً يحتفل به كل عام، وحينما جاءت لي الأخبار وأنا في مجلس الشورى قمت من القاعة إلى مكتبي واتصلت بالحمدي تلفونياً وجرت بيني وبينه مشادة قوية، وبعدها أقصى العميد/ مجاهد أبو شوارب من منصبه القيادي العسكري وكان في الصين وعاد من الصين ونزل في مطار جده، ثم اتجه برًا إلى حجة مركز المحافظة حيث كان أيضًا محافظًا لها، وقام بترتيب الأمور في حجة ثم اتجه إلى خمر واشتد الخلاف مع إبراهيم، ولم أعد أطمئن له وتذكرت ما كان يبلغني به مجاهد وبيت أبو لحوم من قبل أنهم اكتشفوا أن هذا الرجل خطير، فخرجت إلى خمر بعد خروج مجاهد بحوالي شهرين تقريباً أو أقل.
آلية المعارضة للحمدي وفشل الوساطات الداخلية والخارجية عندما خرجت إلى خمر بدأ مسار المعارضة يأخذ موقفاً قوياً حيث استقطبنا القبائل وقليلاً من العسكر فكانت المناطق من بعد ريده إلى صعده معنا أما حجه فحصل من أهلها مقاومة لكنهم سرعان ما تخاذلوا وخذلوا مجاهد الذي كان يستند إليهم وقدم لهم الخدمات. وفي هذه الأثناء قام بعض الأشخاص بوساطات لحل الخلاف وأكثر من قام بهذا الدور القاضي/ عبد الله الحجري لكنها كانت وساطات استسلامية ونصائح ليس فيها شيء مقابل شيء. وكانت لنا شروط وفي مقدمتها إعادة الحياة الدستورية والحكم المدني بحسب الاتفاق الذي تقرر على أساسه التغيير. والقاضي الحجري كانت وساطته تهدئه واستسلامًا وكان يقول: خلاص تعاملوا مع هذا الإنسان ولا تطلعوا المحرة ، لا تتركوه وحاولوا تمسكوه وتتعايشون معه لا تطلبوا منه أكثر مما يطيق. وكان يستعمل (لا تطلعوا المحره) لأنه سيحصل كذا وكذا ، كما خرج لنا من الوسطاء بعض المشائخ منهم عبد الخالق الطلوع ومحمد يحيى الرويشان وكان صديقًا للحمدي ، ومحمد حسن دماج ، وعبد الله دارس وكانوا يحملون نفس الرأي الذي كان يحمله القاضي عبدالله الحجري. كانوا يحاولون ثنينا عن المعارضة مقابل أن الحمدي سوف يسمعنا ونحن نتعاون معه ونكون وإياه يداً واحدة، كما بعث إلينا الأستاذ أحمد محمد نعمان برسالة ينصح فيها بالتعاون الصادق والحذر والحيطة من الذين يسعون للفرقة بيني وبين الحمدي ويشرح فيها عن مواقفه. واستمرت الوساطات ومحاولة تقريب وجهات النظر أثناء أدائنا فريضة الحج مع إبراهيم الحمدي من قبل المسئولين في المملكة، وأعتقد أننا لم نتفق على شيء محدد وعلى أساس أن نتواصل هنا وهناك ونحل الخلاف ! لكن الموقف اشتد عندما أقدم الحمدي على حل مجلس الشورى في 22 أكتوبر 1975م وخرجت المظاهرة ( لا شورى بعد اليوم ) وكنت حينها في خمر والتواصل منقطع مع الحمدي، ومجاهد الذي كان أول من شد الموقف مع الحمدي ، كان يدخل صنعاء ويلتقي مع الحمدي ويجري محادثات للمصالحة. وفي هذه الأثناء والمعارضة للحمدي في أشدها خرج إلى خمر الأمير تركي ابن فيصل بن عبد العزيز وعندما وصل إلينا كان أكثر ما ركزنا عليه هو إظهار استياء الناس من الحمدي والتفافهم حولنا ، وصادف وجوده التقاء القبائل فيما أسموه مؤتمر ( خمر الثاني ) وفعلاً رأى وسمع ما لم يكن يتوقع مما جعله يقول: هنا الدولة هنا اليمن ، لأنه رأى وجوه مشائخ اليمن وقد حاول أن يقرب وجهات النظر ويخفف من حدة الخلاف ، ولست أذكر تفاصيل ما جرى بيننا من محادثات لكنها كانت تصب في اتجاه تنقية الأجواء وتجاوز الخلافات والتصالح مع الحمدي. واستمرت الخلافات طوال عامي 1976م ، 1977م. وفي هذه الأثناء قتل القاضي عبدالله الحجري في لندن وظهرت إشاعات بأن الحمدي تآمر عليه ، وكان التصاق القاضي عبدالله الحجري بالحمدي وتأييده له قد أوجد بيننا وبينه هوة ، لأن وجوده في جانب الحمدي كان يخدم الأخير خدمة كبيرة ، وكنا ننصح الحجري بالابتعاد عن الحمدي لكنه كان يرفض نصائحنا، لذلك لم يمثل قتله إضعافاً لنا لأنه كان يعتبر في تلك الفترة سنداً ودعماً وظهيراً للحمدي. الدور السعودي في دعم الحمدي كان موقف السعودية مؤيداً لحركة 13يونيو ، ولا أعتقد انه كان لها دور في التخطيط للحركة ولكن يبدو أنه كان هناك سر بينهم وبين إبراهيم الحمدي لأنهم كانوا ضائقين بالقاضي عبد الرحمن الارياني ، وكانوا على علاقة بإبراهيم الحمدي ومعجبين بشخصيته ، وقد دعموه في البداية ، وعندما بدأ الخلاف بيننا وبين إبراهيم حاولوا التوسط وتقريب وجهات النظر، كانوا حريصين أن أظل موجوداً في الدولة لكنهم في الوقت نفسه حريصون أن لا نهز وضع إبراهيم الحمدي أو نفرض عليه شروط أشخاص ، وكانت ثقتهم بالحمدي كبيرة ووساطتهم على أساس أن نتصالح وأكون معه ، وفي الوقت الذي كانوا ينصحوني بعدم المعارضة ضد الحمدي كانوا ينصحونه أيضاً أن لا يصعد الموقف معنا وكانوا على ثقة أنه معهم ويستند إليهم وكان يطرح عليهم أنه يريد بناء دولة ، ونحن مراكز قوى ولا بد أولاً أن يتخلص من مراكز القوى ليستطيع بناء دولة وهذا بخلاف رغبتهم ، و كانت القيادة السعودية ترغب بوجود حاكم قوي يستطيعون أن يدعموه وهو في أيديهم وقادر على التعامل معهم بدلاً من الفوضى. وكان ما يطرحه الحمدي يلقى تجاوباً من المثقفين والشباب داخل اليمن وخارجة خاصة وأنه كان خطيبا مفوها ومؤثراً. وخلال فترة الخلاف لم ينقطع تواصلنا مع المسئولين في المملكة ولم تنقطع وساطتهم بيننا وبين الحمدي، فقد كان سفيرهم بصنعاء دائم التردد علينا لهذا الغرض ، وقبل مقتل الحمدي أبلغنا السفير السعودي عزمنا على زيارة السعودية وتوجهنا براً إلى الطائف مع مجموعه من المشائخ من كل مكان ، في شهر رمضان قبل مقتل الحمدي بشهرين أو أقل لنؤكد لهم أننا رافضون للحمدي ، وأننا مستندون إلى القاعدة الشعبية ، وبقينا في الطائف حوالي ثلاثة أسابيع أو أكثر، وكان محسن اليوسفي يتحرك بين صنعاء والطائف من أجلنا وهو وزير الداخلية وذلك في محاولة لتسوية الخلاف بيننا وبين إبراهيم الحمدي خاصة بعد أن ساورهم القلق من سياسات الحمدي ، الذي كان يلعب على الحبلين فقد كان يظهر للسعوديين أنه مستند إليهم ، وكانوا يدعمونه ومتمسكين به فعلاً خاصة بعد أن تخلص من مجاهد ومحسن العيني وبيت أبو لحوم والتيار البعثي في الوقت الذي بدأ بإقامة العلاقات مع النظام في عدن وإحلال الناصريين بدلاً عن البعثيين في مؤسسات الدولة . فبعد أن تظاهر لهم أنه كان يخدمهم بتصفية البعث الذي كانوا على عداء معه وقدموا له الدعم والتأييد ، إذا به يحل الناصريين بدلاً عنهم، والسعوديون لا يختلف موقفهم من الناصريين عن موقفهم من البعث إلا أنهم كانوا يعتبرون الناصريين ضعفاء في تلك الفترة. انقلاب الغشمي على الحمدي وتبنيه لنهج الحمدي في إبعاد المشائخ كان أحمد الغشمي يتبنى نفس موقف الحمدي ضدنا، وعندما بدأ بالإعداد لحركته ضد إبراهيم لم يكن بيننا وبينه أي تفاهم أو تقارب أو حتى مجرد إيحاء بما ينوي فعله، ولهذا كان مقتل الحمدي مفاجئا لنا وقد استقبلت النبأ باستياء شديد فهذه جريمة وما كان يجب أن تصل الأمور إلى هذا الحد. وبقدر ما كان القتل جريمة استنكرناها، فإن التغطية القبيحة التي صاحبت الجريمة اعتبرناها أشد قبحاً وقد أدنتها وبعثت في ليلتها رسالة حملها الأخ/ علي شويط قلت لهم فيها أن التغطية مشينه وغير مشرفة، لأنه كان يجب أن تعلنوا أنكم قمتم بانقلاب وتعلنوا مبرراته بدل البكاء والأناشيد العسكرية وهذا الكذب والتغطية القبيحة. دخل مجاهد أبو شوارب بعد الانقلاب والتقى بالغشمي، الذي لم يفتح معنا أي حوار وإن كان قد بعث لنا من يطمئننا ويؤكد لنا أن الخلاف الذي كان موجوداً بيننا وبين الحمدي قد انتهى، ويطلب منا أن نبقى في خمر، وأن لا ندخل صنعاء، حتى المشائخ الذين كانوا مقاطعين صنعاء طلب منا أن نبلغهم أن لا يدخلوا صنعاء ، حتى أن الشيخ أحمد ناصر الذهب وكان من المشائخ الذين كانوا عندي في خمر دخل بعد مقتل الحمدي وأرجعه الغشمي قبل أن يدخل صنعاء وجلس في قرية القابل شمال العاصمة. و ظل الغشمي يطلب منا التريث وان لا ندخل صنعاء وانه سوف يلتقي بنا كضيوف في بيته في ضلاع ، والتقينا به وأكد لنا أنه معنا وأننا وإياه في خط واحد وعلينا أن نؤجل أي شيء، وقال : اتركوا لي فرصة !! وعندما أعلن إنشاء مجلس الشعب التأسيسي أظن أنه أشعرنا بذلك مسبقاً، ولم يكن عندي أي مطالب على أحمد الغشمي حتى يتبين موقفه . ❝
❞ أبو العباس أحمد بن طولون (23 رمضان 220 هـ - 10 ذو القعدة 270 هـ/ 20 سبتمبر 835 - 10 مايو 884) هو أمير مصر ومؤسس الدولة الطولونية في مصر والشام من الفترة (254 هـ/868 - 270 هـ/884)، كان أحمد بن طولون والي الدولة العباسية على مصر، ثم استقل بمصر عن الخلافة العباسية، فكان أول من يستقل بمصر، كما استطاع القضاء على الحركات المعارضة له، وتمدد باتجاه الشام بعد تكليف الخليفة أبو العباس أحمد المعتمد على الله له إخماد الثورات في الشام.
قام ابن طولون بعدة أعمال في فترة حكمه، منها إنشاء مدينة القطائع، والتي اتخذها عاصمة لدولته، وكذلك بنى مسجده المعروف بمسجد أحمد بن طولون، وكان معروفا بالتدين وحسن الخلق ومجالسته العلماء، حيث كان منذ صغره متصفاً بالرزانة والولاء وحفظ القرآن والتفقه في الدين، وكان والده من أتراك القفجاق.
استطاع أحمد بن طولون استغلال موارد مصر استغلالا حكيما، فاستطاع إقامة نهضة شاملة في مصر، وتمثلت في الآتي:
العمارة
بناء القطائع
لما رأى ابن طولون الفسطاط والعسكر تضيقان عنه وعن جنوده، فكر في بناء عاصمة جديدة وسماها القطائع، فبناها متأثراً ببهاء سامراء التي نشأ بها.
واختار أحمد بن طولون لمدينته المنطقة الممتدة ما بين جبل يشكر وسفح جبل المقطم حيث حرص على أن تقوم المدينة الجديدة على مرتفع من الأرض لتبرز على سائر المجموع العمراني بمصر، وبعد تأسيس المدينة أنشأ فيها أحمد بن طولون قصره الضخم وجامعه الشامخ ودارا للأمارة بجوار جامعه وكان بينهما ساحة فسيحة كانت ملعبا له ولقواد الجيش، كما أنشأ المستشفيات والبيوت.
وقد قسمت المدينة إلى أقسام سمى كل منها قطيعة وكانت كل قطيعة تسمى باسم الطائفة التي تسكنها فكان قواد الجيش يقيمون في قطيعة خاصة بهم وأرباب الصناعات والتجار في قطيعة أخرى وأصحاب الحرف في قطيعة خاصة بهم ولهذا سميت المدينة بالقطائع، وتشغل القطائع القديمة من أحياء القاهرة الحالية أحياء السيدة زينب والقلعة والدرب الأحمر والحلمية.
قصر أحمد بن طولون
أنشأ أحمد بن طولون قصره في موقع ميدان القلعة الحالي وقد اندثر تماماً، وقد بدأ في بنائه في (شعبان 256 هـ/ يوليو 870) ويُحكى من ضخامته أنه كان له أربعون باباً، كان القصر بمثابة نواة لمدينة القطائع، وقد حول ابن طولون السهل الواقع بين القصر والجبل إلى ميدان كبير يضرب فيه بالصوالجة، وكان للقصر عدة أبواب منها باب الميدان الكبير وكان منه دخول الجيش وخروجه، وباب الخاصة، وباب الجبل الذي يلى جبل المقطم، وباب الحرم، وباب الدرمون وباب دغناج وسميا كذلك نسبة إلى حاجبين بهذين الاسمين كانا يجلسان أمامهما، وباب الساج لأنه كان مصنوعًا من خشب الساج، وباب الصلاة الذي يخرج منه ابن طولون للصلاة وكان على الشارع الأعظم وكان يعرف أيضًا بباب السباع.
وتحفل القاهرة بقليل من الآثار الطولونية الأخرى كالبيت الطولوني القائم بمنطقة المدابغ بمصر القديمة، وأنه كان يتميز بوجود سلالم خارجية. ❝ ⏤سيدة اسماعيل كاشف
❞ أبو العباس أحمد بن طولون (23 رمضان 220 هـ 10 ذو القعدة 270 هـ/ 20 سبتمبر 835 10 مايو 884) هو أمير مصر ومؤسس الدولة الطولونية في مصر والشام من الفترة (254 هـ/868 270 هـ/884)، كان أحمد بن طولون والي الدولة العباسية على مصر، ثم استقل بمصر عن الخلافة العباسية، فكان أول من يستقل بمصر، كما استطاع القضاء على الحركات المعارضة له، وتمدد باتجاه الشام بعد تكليف الخليفة أبو العباس أحمد المعتمد على الله له إخماد الثورات في الشام.
قام ابن طولون بعدة أعمال في فترة حكمه، منها إنشاء مدينة القطائع، والتي اتخذها عاصمة لدولته، وكذلك بنى مسجده المعروف بمسجد أحمد بن طولون، وكان معروفا بالتدين وحسن الخلق ومجالسته العلماء، حيث كان منذ صغره متصفاً بالرزانة والولاء وحفظ القرآن والتفقه في الدين، وكان والده من أتراك القفجاق.
استطاع أحمد بن طولون استغلال موارد مصر استغلالا حكيما، فاستطاع إقامة نهضة شاملة في مصر، وتمثلت في الآتي:
العمارة
بناء القطائع
لما رأى ابن طولون الفسطاط والعسكر تضيقان عنه وعن جنوده، فكر في بناء عاصمة جديدة وسماها القطائع، فبناها متأثراً ببهاء سامراء التي نشأ بها.
واختار أحمد بن طولون لمدينته المنطقة الممتدة ما بين جبل يشكر وسفح جبل المقطم حيث حرص على أن تقوم المدينة الجديدة على مرتفع من الأرض لتبرز على سائر المجموع العمراني بمصر، وبعد تأسيس المدينة أنشأ فيها أحمد بن طولون قصره الضخم وجامعه الشامخ ودارا للأمارة بجوار جامعه وكان بينهما ساحة فسيحة كانت ملعبا له ولقواد الجيش، كما أنشأ المستشفيات والبيوت.
وقد قسمت المدينة إلى أقسام سمى كل منها قطيعة وكانت كل قطيعة تسمى باسم الطائفة التي تسكنها فكان قواد الجيش يقيمون في قطيعة خاصة بهم وأرباب الصناعات والتجار في قطيعة أخرى وأصحاب الحرف في قطيعة خاصة بهم ولهذا سميت المدينة بالقطائع، وتشغل القطائع القديمة من أحياء القاهرة الحالية أحياء السيدة زينب والقلعة والدرب الأحمر والحلمية.
قصر أحمد بن طولون
أنشأ أحمد بن طولون قصره في موقع ميدان القلعة الحالي وقد اندثر تماماً، وقد بدأ في بنائه في (شعبان 256 هـ/ يوليو 870) ويُحكى من ضخامته أنه كان له أربعون باباً، كان القصر بمثابة نواة لمدينة القطائع، وقد حول ابن طولون السهل الواقع بين القصر والجبل إلى ميدان كبير يضرب فيه بالصوالجة، وكان للقصر عدة أبواب منها باب الميدان الكبير وكان منه دخول الجيش وخروجه، وباب الخاصة، وباب الجبل الذي يلى جبل المقطم، وباب الحرم، وباب الدرمون وباب دغناج وسميا كذلك نسبة إلى حاجبين بهذين الاسمين كانا يجلسان أمامهما، وباب الساج لأنه كان مصنوعًا من خشب الساج، وباب الصلاة الذي يخرج منه ابن طولون للصلاة وكان على الشارع الأعظم وكان يعرف أيضًا بباب السباع.
وتحفل القاهرة بقليل من الآثار الطولونية الأخرى كالبيت الطولوني القائم بمنطقة المدابغ بمصر القديمة، وأنه كان يتميز بوجود سلالم خارجية . ❝
❞ ما نخطه هنا هو رحلة تاريخية ثقافية فكرية في مسرح تاريخ المسلمين منذ أن انطلق في شبه الجزيرة العربية، ليشمل شعوبًا وقبائل ودول وإمبراطوريات من حدود الصين شرقًا وحتى حدود فرنسا غربًا. إنها رحلة عصف ثقافي ننوي أن تكون مُسلّية وغزيرة بالمعلومات وتختصر الزمن منذ القرن الأول الهجري/السابع الميلادي وحتى القرن الرابع عشر/العشرين.
سوف نتناول في هذا السفر ثلاثة محاور رئيسة، لعلها تراود أذهان الكثيرين ممن لهم دراية بموضوع تاريخ الحضارة الإسلامية على امتداد جغرافيتها ومواقع تأثيرها ومظاهر إبداعها وما قدمته للبشرية. المحور الأول حول النظرة السائدة عند الجميع -في الشرق والغرب- بأن العرب ما قبل الإسلام كانوا من البدو والأعراب ولم يكونوا أهل مدنية عبر تاريخهم الطويل، فقد كانوا مجرد قبائل وتجمعات عشائرية تعيش في الصحاري والفلوات ولم تكن عندهم دول أو ممالك ونظم سياسية في ظل الإمبراطوريتن العظيمتين، فارس والروم. هذه النظرة السطحية في قراءة تاريخ العرب روج لها أيضًا الحركات الإسلاموية في القرن العشرين ليظهروا عظمة الإسلام الذي جعل من أولئك البدو أمة عظيمة اجتاحت الإمبراطوريات العظمى والممالك الكبرى من شرق الهند وحتى غرب أوروبا. ولكن من أجل بيان عظمة الإسلام لا يتطلب بالمرة إزالة تاريخ العرب ونعته بالبداوة وعدم التحضر. فعظمة الإسلام، بنبيه سيد الرسل محمد بن عبد الله (ص) والقرآن رسالته المقدسة الذي نزل عليه، لا تعني أن ما قبله كان مظلمًا وعصرًا ذا جاهلية في كل مظاهره. بل عكس هذه الرؤية هو الصحيح، فالأمة التي تستطيع أن تحمل عظمة الإسلام وينزل عليها ذلك الكتاب العظيم الذي لو أنزله الله ˝على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله˝، فالعرب كان لهم من القدرة على تحمل مسؤولية الرسالة العظيمة ولا بد أن يكونوا بمستوى الاستطاعة، فـ ˝لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها˝.
المحور الثاني هو ما أشاعه المستشرقون، وتبناه الكثيرون من الحداثيين في شرقنا، أنه حتى وإن كان للمسلمين مظاهر حضارية فإنها لم تكن بمستوى حضارة الغرب، فقد كانوا ناقلين لإنجازات وإبداعات حضارة اليونان ولم يضيفوا لها أي إبداعات أخرى. فهم بالأحرى كانوا مجرد مترجمين استنسخوا حضارة مَن كانوا قبلهم ونقلوها إلى من جاء بعدهم ومن هم أهل لها، كأن لسان حال الغرب، ومن لف حولهم من الحداثيين: ˝إنما هي بضاعتنا رُدَّت إلينا˝. فجزى الله العرب والمسلمين خيرًا بأنهم حفظوها ونقلوها إلينا، وإن أضافوا لها بعض هوامشهم فما على الغرب إلا إزالتها وإرجاعها إلى نصوصها الأصلية، ˝فما رعوها حق رعايتها˝ لأنهم ليسوا بذلك المستوى الحضاري والعلمي والفكري والثقافي، فيخطوا على نصوصها ما لا ينفع ولا يفيد لأهلها من الأوروبيين المتحضرين. نقل الحداثيون تلك المفاهيم وغرسوها في عقول النخب الثقافية عندنا، حتى أصبحنا نرددها كأنها جزء من الحقيقة التي يشوبها شك. في حين أن المستشرقين يعلونها علانية أن ما يقومون به في دراساتهم، التي ينعتونها بالموضوعية لكنها في طبيعتها -كما يصرح المستشرق نولدكه في عام 1887 أن ˝نظرته التي تُعليِ من شأن الشعوب الشرقية˝- كما يقول كارل بيكر.. إنهم يدرسون الشرق لكنهم يظهارون نفورهم الفعلي من الشرق، فالإسلام عندهم بدعة مسيحية مارقة، وإن هنالك إيحاء مضمرا بدونيته، وحتى صوفيته فيها قصور معوّق، وإن حضارتهم، للأسف، حضارة لم تتطور، فكل شيء في هذا الكيان الديني للإسلام، من توحيد وعاطفة صوفية وفن وشعر، يُضمر في داخله عداء متأصل لفكرة التجسد الإلهي، ولهذا يستوجب رفضه. نجد هذه الأفكار والمفاهيم الآن رنانة يرددها من نطلق عليها في هذا الكتاب: (الحداثيون الجدد)، الذين يملؤون البرامج التليفزيونية وصفحات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. فكل من ينتقد الحضارة الإسلامية أو يحط من الإسلام ورسوله دائمًا ما يجد من يفسح المجال له في الإعلام ومن يطبلون له على أنه (المفكر)، ولا ندري كيف يمكن لأي إنسان أن يصبح مفكرًا. المضحك المبكي هو أنك إذا كنت (مفكرًا) أو إذا كنت (مكفرًا) سوف تحظى بالشهرة!
المحور الثالث هو الرأي الذي ساد في حقبة ما بعد انتصار الثورة الإيرانية بأن النظام الإسلامي الذي قام في إيران في 1979 هو أول حُكم شيعي في التاريخ من بعد حكم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب. فعلى طول فترة الحضارة الإسلامية -كما يدعي البعض- لم يكن للشيعة دور لا في السياسة ولا الحكم ولم يكن لهم تأثير في مجريات شؤون المسلمين طوال أربعة عشر قرنًا، وعليه لم يكن لهم إسهام في الحضارة الإسلامية. فقد كانوا في عزلة، لأن عامة المسلمين السنة نعتوهم بالروافض وعاشوا في أوطانهم مواطنين من الدرجة الثانية -إن صح التعبير. هذه الرؤية حول التاريخ بعيدة عن الحقيقة، فالحضارة الإسلامية شارك فيها جميع المسلمين وغير المسلمين، بمدارسهم المتعددة ومذاهبهم الكثيرة وطوائف المتباينة، حتى أن الحكم السياسي تناوب عليه جميع القوميات والإثنيات والشعوب، فلم تكن الدول وصناعة القرار السياسي فيها للعرب أو للسُّنة وحدهم، فلم يجعل الله الحكم دُولَا بينهم. فقد قامت دول للفرس والترك والأفريقيين وحتى للمغول والمماليك، فكيف لم تسنح للشيعة الفرصة طوال أربعة عشر قرنًا من تداول الحكم فيها؟ وإن كان هذا صحيحا فهذا إجحاف بقدراتهم. ولكن سوف نبين أن للشيعة -كما كان لبقية الطوائف- دولا وممالك وإمبراطوريات عديدة قامت في خلال تاريخ الحضارة الإسلامية.
وفي الختام سوف نعرج على أهم معالم الحضارة الإسلامية من علمائها وفلاسفتها ومفكريها وفنانيها ومبدعيها، منذ فجر الإسلام وحتى بداية القرن العشرين. فلم يتوقف العطاء بسقوط بغداد والأندلس، بل استمر في مواطن بعيدة عن مراكز الصراع العسكري والهزائم الكبرى في قلب العالم الإسلامي. فامتداد جغرافية العالم الإسلامي واسعة جدًا من أن تؤثر عليها بعض الهزائم هنا وهناك. وكما أن حروب الإفرنج -التي يطلق عليها الأوروبيون الحروب الصليبية- لم توقف عطاء الحضارة الإسلامية، فإن الهزائم أمام المغول التتار والأوروبيين لم تُنهِ مداد تلك الحضارة الواسعة النطاق في العالم. وهذا المداد لحضارتنا لم يشمل بعض المعارف والعلوم فحسب، بل جميعها قاطبة، من الفلسفة والطب والهندسة والرياضيات والجغرافية والعلوم الطبيعية والفلكية والفيزياء والكيمياء وغيرها.
لقد أرخ المسلمون وأبناء الملل والنحل في داخل دار الإسلام إبداعاتهم وقاموا بنقل تاريخ وثقافات الشعوب التي تعاملوا معها وعرفوها. وكل هذا المعارف التي جرى تدوينها لم تكن حصرًا عليهم بل كانت للعالمين جميعًا. فالبحث العلمي لم يقم على مبدأ الربح والخسارة كما هو الآن في النظام الرأسمالي الحديث، بحيث يسجل كل باحث براءة اختراعه باسمه ليحصل على الموارد المالية من جراء منفعتها. العلوم في حضارتنا قائمة على مبدأ أخلاقي وهو أنها للناس عامة وليست حكرًا لأحد أو مجموعة أو شركة، فليس هنالك من أرباح تجنى عن طريق البحث العلمي في شتى مجالاته. العلماء إنما يكتشفون من خلال بحثهم العلمي سنن الكون وقوانين الطبيعة وأسرار الحياة التي أبدعها الله في خلقه؛ فالدافع هنا إنساني قائم على جلب الخير للبشرية، على عكس الحضارة الحديثة التي أصبحت العلوم فيها منافع فردية ليصبح، الدافع لها شخصي قائم على الجشع والحصول على المنفعة المادية، لأن صاحبها يعتبر أن ما اكتشفه من أسرار الخلق هو ملكه الشخصي، ولسان حاله يقول: ˝إنما أوتيته على علم عندي˝، وليس ما خوله الله إليه من نعمة وفتح له قلبه وسهل له الطرق والوسائل ليتوصل إلى تلك المعارف. فقيمة البحث العلمي في حضارة المسلمين هي عامة للبشرية جمعاء، وهي قيمة أخلاقية مغايرة عن الحضارة الغربية المعاصرة التي أدخلت الجشع الشخصي كدافع للبحث العلمي، ووضعت القوانين والشرائع لتحمي حقوق احتكار الإبداعات العلمية والفكرية والثقافية.
ومن هذا المنطلق احترم المسلمون إبداعات الحضارات التي سبقتهم ونسبوها لأصحابها ووقروا علماء من سبقوهم وبجلوا مفكريهم. ولهذا نعت المسلمون أرسطوطاليس بـالمعلم الأول، ولم يجدوا في ذلك حرجًا، ونسبوا الرياضيات للشعوب التي جاءت قبلهم، وسموا الأشياء بأسمائها التي استعملتها الثقافات التي سبقتهم. فلم يعربوا المصطلحات العلمية والفلسفية ولا أسماء المخترعات والأدوات التي أنتجتها الحضارات السابقة ولم ينسبوها لأنفسهم.
وفي هذا المحور، سوف نعرج على موضوع الحضارة اليونانية التي نسبها الغرب إلى نفسه، وأنها كانت الجذور -أو البذور- التي نبتت شجرتهم، مع العلم أن حضارة اليونان، تاريخيًا، هي جزء من الحضارات التي قامت في شرق المتوسط حصرًا، فلا يمكن فصلها عن حضارات بلاد الرافدين والشام ومصر؛ فلم يتوجه الإسكندر المقدوني ليفتح بلاد أوروبا، بل كان نصب عينه الشرق، من مصر وحتى الهند. وما يُعرف بالثقافة الهلنستية، التي أقامها الإسكندر المقدوني ومن ورث حكمه من الجنرالات من بعده، هي مشتقة من حضارات الشرق، نبعت من ضمن الثقافات الشرقية، فلم تكن أوروبية المنشأ والجوهر والمحتوى. لم تُعطى للحضارة الهلنستية (الجنسية الرومانية) -إذا جاز التعبير- إلا بعد احتلال الروم ممالك بلاد اليونان في الشرق، وسيطرتهم على مواطنهم في الأناضول وبلاد الشام وشمال أفريقيا. فكانت الإمبراطورية الرومانية وريثة الحضارة اليونانية الشرقية، ولم يسعَ الروم إلى تغيير تلك الثقافة الهلنستية الشرقية الأصل وجعلها لاتينية، بل ساعدوا على ترسيخها بتلك النفحة الشرق أوسطية. فجذور الحضارة الرومانية ذات الجذور اليونانية هي شرقية بامتياز. وهذا واضح وجلي عندما استعارت الحضارة الرومانية دينها من الشرق، فآمنت بالمسيحية التي هي عقيدة سامية نشأت وترعرعت في بلاد الرافدين ومصر واليمن من قبل الساميين في بلاد كنعان. فالفكر الديني للإمبراطورية الرومانية هو دين شرقي تبناه قياصرة الروم وأصبح يشكل أساس ثقافتهم وهويتهم. وعلى هذا الأساس، فإن ثقافة الروم وعلومهم وفنونهم وعقيدتهم شرق أوسطية. وعندما اكتشف الأوروبيون، ورثة الإمبراطورية الرومانية المقدسة، التراث اليوناني الذي كان عربي الهوية واللغة، فإنهم. ❝ ⏤طالب عزيز
❞ ما نخطه هنا هو رحلة تاريخية ثقافية فكرية في مسرح تاريخ المسلمين منذ أن انطلق في شبه الجزيرة العربية، ليشمل شعوبًا وقبائل ودول وإمبراطوريات من حدود الصين شرقًا وحتى حدود فرنسا غربًا. إنها رحلة عصف ثقافي ننوي أن تكون مُسلّية وغزيرة بالمعلومات وتختصر الزمن منذ القرن الأول الهجري/السابع الميلادي وحتى القرن الرابع عشر/العشرين.
سوف نتناول في هذا السفر ثلاثة محاور رئيسة، لعلها تراود أذهان الكثيرين ممن لهم دراية بموضوع تاريخ الحضارة الإسلامية على امتداد جغرافيتها ومواقع تأثيرها ومظاهر إبداعها وما قدمته للبشرية. المحور الأول حول النظرة السائدة عند الجميع في الشرق والغرب بأن العرب ما قبل الإسلام كانوا من البدو والأعراب ولم يكونوا أهل مدنية عبر تاريخهم الطويل، فقد كانوا مجرد قبائل وتجمعات عشائرية تعيش في الصحاري والفلوات ولم تكن عندهم دول أو ممالك ونظم سياسية في ظل الإمبراطوريتن العظيمتين، فارس والروم. هذه النظرة السطحية في قراءة تاريخ العرب روج لها أيضًا الحركات الإسلاموية في القرن العشرين ليظهروا عظمة الإسلام الذي جعل من أولئك البدو أمة عظيمة اجتاحت الإمبراطوريات العظمى والممالك الكبرى من شرق الهند وحتى غرب أوروبا. ولكن من أجل بيان عظمة الإسلام لا يتطلب بالمرة إزالة تاريخ العرب ونعته بالبداوة وعدم التحضر. فعظمة الإسلام، بنبيه سيد الرسل محمد بن عبد الله (ص) والقرآن رسالته المقدسة الذي نزل عليه، لا تعني أن ما قبله كان مظلمًا وعصرًا ذا جاهلية في كل مظاهره. بل عكس هذه الرؤية هو الصحيح، فالأمة التي تستطيع أن تحمل عظمة الإسلام وينزل عليها ذلك الكتاب العظيم الذي لو أنزله الله ˝على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله˝، فالعرب كان لهم من القدرة على تحمل مسؤولية الرسالة العظيمة ولا بد أن يكونوا بمستوى الاستطاعة، فـ ˝لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها˝.
المحور الثاني هو ما أشاعه المستشرقون، وتبناه الكثيرون من الحداثيين في شرقنا، أنه حتى وإن كان للمسلمين مظاهر حضارية فإنها لم تكن بمستوى حضارة الغرب، فقد كانوا ناقلين لإنجازات وإبداعات حضارة اليونان ولم يضيفوا لها أي إبداعات أخرى. فهم بالأحرى كانوا مجرد مترجمين استنسخوا حضارة مَن كانوا قبلهم ونقلوها إلى من جاء بعدهم ومن هم أهل لها، كأن لسان حال الغرب، ومن لف حولهم من الحداثيين: ˝إنما هي بضاعتنا رُدَّت إلينا˝. فجزى الله العرب والمسلمين خيرًا بأنهم حفظوها ونقلوها إلينا، وإن أضافوا لها بعض هوامشهم فما على الغرب إلا إزالتها وإرجاعها إلى نصوصها الأصلية، ˝فما رعوها حق رعايتها˝ لأنهم ليسوا بذلك المستوى الحضاري والعلمي والفكري والثقافي، فيخطوا على نصوصها ما لا ينفع ولا يفيد لأهلها من الأوروبيين المتحضرين. نقل الحداثيون تلك المفاهيم وغرسوها في عقول النخب الثقافية عندنا، حتى أصبحنا نرددها كأنها جزء من الحقيقة التي يشوبها شك. في حين أن المستشرقين يعلونها علانية أن ما يقومون به في دراساتهم، التي ينعتونها بالموضوعية لكنها في طبيعتها كما يصرح المستشرق نولدكه في عام 1887 أن ˝نظرته التي تُعليِ من شأن الشعوب الشرقية˝ كما يقول كارل بيكر.. إنهم يدرسون الشرق لكنهم يظهارون نفورهم الفعلي من الشرق، فالإسلام عندهم بدعة مسيحية مارقة، وإن هنالك إيحاء مضمرا بدونيته، وحتى صوفيته فيها قصور معوّق، وإن حضارتهم، للأسف، حضارة لم تتطور، فكل شيء في هذا الكيان الديني للإسلام، من توحيد وعاطفة صوفية وفن وشعر، يُضمر في داخله عداء متأصل لفكرة التجسد الإلهي، ولهذا يستوجب رفضه. نجد هذه الأفكار والمفاهيم الآن رنانة يرددها من نطلق عليها في هذا الكتاب: (الحداثيون الجدد)، الذين يملؤون البرامج التليفزيونية وصفحات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. فكل من ينتقد الحضارة الإسلامية أو يحط من الإسلام ورسوله دائمًا ما يجد من يفسح المجال له في الإعلام ومن يطبلون له على أنه (المفكر)، ولا ندري كيف يمكن لأي إنسان أن يصبح مفكرًا. المضحك المبكي هو أنك إذا كنت (مفكرًا) أو إذا كنت (مكفرًا) سوف تحظى بالشهرة!
المحور الثالث هو الرأي الذي ساد في حقبة ما بعد انتصار الثورة الإيرانية بأن النظام الإسلامي الذي قام في إيران في 1979 هو أول حُكم شيعي في التاريخ من بعد حكم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب. فعلى طول فترة الحضارة الإسلامية كما يدعي البعض لم يكن للشيعة دور لا في السياسة ولا الحكم ولم يكن لهم تأثير في مجريات شؤون المسلمين طوال أربعة عشر قرنًا، وعليه لم يكن لهم إسهام في الحضارة الإسلامية. فقد كانوا في عزلة، لأن عامة المسلمين السنة نعتوهم بالروافض وعاشوا في أوطانهم مواطنين من الدرجة الثانية إن صح التعبير. هذه الرؤية حول التاريخ بعيدة عن الحقيقة، فالحضارة الإسلامية شارك فيها جميع المسلمين وغير المسلمين، بمدارسهم المتعددة ومذاهبهم الكثيرة وطوائف المتباينة، حتى أن الحكم السياسي تناوب عليه جميع القوميات والإثنيات والشعوب، فلم تكن الدول وصناعة القرار السياسي فيها للعرب أو للسُّنة وحدهم، فلم يجعل الله الحكم دُولَا بينهم. فقد قامت دول للفرس والترك والأفريقيين وحتى للمغول والمماليك، فكيف لم تسنح للشيعة الفرصة طوال أربعة عشر قرنًا من تداول الحكم فيها؟ وإن كان هذا صحيحا فهذا إجحاف بقدراتهم. ولكن سوف نبين أن للشيعة كما كان لبقية الطوائف دولا وممالك وإمبراطوريات عديدة قامت في خلال تاريخ الحضارة الإسلامية.
وفي الختام سوف نعرج على أهم معالم الحضارة الإسلامية من علمائها وفلاسفتها ومفكريها وفنانيها ومبدعيها، منذ فجر الإسلام وحتى بداية القرن العشرين. فلم يتوقف العطاء بسقوط بغداد والأندلس، بل استمر في مواطن بعيدة عن مراكز الصراع العسكري والهزائم الكبرى في قلب العالم الإسلامي. فامتداد جغرافية العالم الإسلامي واسعة جدًا من أن تؤثر عليها بعض الهزائم هنا وهناك. وكما أن حروب الإفرنج التي يطلق عليها الأوروبيون الحروب الصليبية لم توقف عطاء الحضارة الإسلامية، فإن الهزائم أمام المغول التتار والأوروبيين لم تُنهِ مداد تلك الحضارة الواسعة النطاق في العالم. وهذا المداد لحضارتنا لم يشمل بعض المعارف والعلوم فحسب، بل جميعها قاطبة، من الفلسفة والطب والهندسة والرياضيات والجغرافية والعلوم الطبيعية والفلكية والفيزياء والكيمياء وغيرها.
لقد أرخ المسلمون وأبناء الملل والنحل في داخل دار الإسلام إبداعاتهم وقاموا بنقل تاريخ وثقافات الشعوب التي تعاملوا معها وعرفوها. وكل هذا المعارف التي جرى تدوينها لم تكن حصرًا عليهم بل كانت للعالمين جميعًا. فالبحث العلمي لم يقم على مبدأ الربح والخسارة كما هو الآن في النظام الرأسمالي الحديث، بحيث يسجل كل باحث براءة اختراعه باسمه ليحصل على الموارد المالية من جراء منفعتها. العلوم في حضارتنا قائمة على مبدأ أخلاقي وهو أنها للناس عامة وليست حكرًا لأحد أو مجموعة أو شركة، فليس هنالك من أرباح تجنى عن طريق البحث العلمي في شتى مجالاته. العلماء إنما يكتشفون من خلال بحثهم العلمي سنن الكون وقوانين الطبيعة وأسرار الحياة التي أبدعها الله في خلقه؛ فالدافع هنا إنساني قائم على جلب الخير للبشرية، على عكس الحضارة الحديثة التي أصبحت العلوم فيها منافع فردية ليصبح، الدافع لها شخصي قائم على الجشع والحصول على المنفعة المادية، لأن صاحبها يعتبر أن ما اكتشفه من أسرار الخلق هو ملكه الشخصي، ولسان حاله يقول: ˝إنما أوتيته على علم عندي˝، وليس ما خوله الله إليه من نعمة وفتح له قلبه وسهل له الطرق والوسائل ليتوصل إلى تلك المعارف. فقيمة البحث العلمي في حضارة المسلمين هي عامة للبشرية جمعاء، وهي قيمة أخلاقية مغايرة عن الحضارة الغربية المعاصرة التي أدخلت الجشع الشخصي كدافع للبحث العلمي، ووضعت القوانين والشرائع لتحمي حقوق احتكار الإبداعات العلمية والفكرية والثقافية.
ومن هذا المنطلق احترم المسلمون إبداعات الحضارات التي سبقتهم ونسبوها لأصحابها ووقروا علماء من سبقوهم وبجلوا مفكريهم. ولهذا نعت المسلمون أرسطوطاليس بـالمعلم الأول، ولم يجدوا في ذلك حرجًا، ونسبوا الرياضيات للشعوب التي جاءت قبلهم، وسموا الأشياء بأسمائها التي استعملتها الثقافات التي سبقتهم. فلم يعربوا المصطلحات العلمية والفلسفية ولا أسماء المخترعات والأدوات التي أنتجتها الحضارات السابقة ولم ينسبوها لأنفسهم.
وفي هذا المحور، سوف نعرج على موضوع الحضارة اليونانية التي نسبها الغرب إلى نفسه، وأنها كانت الجذور أو البذور التي نبتت شجرتهم، مع العلم أن حضارة اليونان، تاريخيًا، هي جزء من الحضارات التي قامت في شرق المتوسط حصرًا، فلا يمكن فصلها عن حضارات بلاد الرافدين والشام ومصر؛ فلم يتوجه الإسكندر المقدوني ليفتح بلاد أوروبا، بل كان نصب عينه الشرق، من مصر وحتى الهند. وما يُعرف بالثقافة الهلنستية، التي أقامها الإسكندر المقدوني ومن ورث حكمه من الجنرالات من بعده، هي مشتقة من حضارات الشرق، نبعت من ضمن الثقافات الشرقية، فلم تكن أوروبية المنشأ والجوهر والمحتوى. لم تُعطى للحضارة الهلنستية (الجنسية الرومانية) إذا جاز التعبير إلا بعد احتلال الروم ممالك بلاد اليونان في الشرق، وسيطرتهم على مواطنهم في الأناضول وبلاد الشام وشمال أفريقيا. فكانت الإمبراطورية الرومانية وريثة الحضارة اليونانية الشرقية، ولم يسعَ الروم إلى تغيير تلك الثقافة الهلنستية الشرقية الأصل وجعلها لاتينية، بل ساعدوا على ترسيخها بتلك النفحة الشرق أوسطية. فجذور الحضارة الرومانية ذات الجذور اليونانية هي شرقية بامتياز. وهذا واضح وجلي عندما استعارت الحضارة الرومانية دينها من الشرق، فآمنت بالمسيحية التي هي عقيدة سامية نشأت وترعرعت في بلاد الرافدين ومصر واليمن من قبل الساميين في بلاد كنعان. فالفكر الديني للإمبراطورية الرومانية هو دين شرقي تبناه قياصرة الروم وأصبح يشكل أساس ثقافتهم وهويتهم. وعلى هذا الأساس، فإن ثقافة الروم وعلومهم وفنونهم وعقيدتهم شرق أوسطية. وعندما اكتشف الأوروبيون، ورثة الإمبراطورية الرومانية المقدسة، التراث اليوناني الذي كان عربي الهوية واللغة، فإنهم . ❝