█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ و لا حقيقة لحال إلا إذا شهد عليه عمل، و لهذا يقلبك الله بين المواقف بين لحظة و أخرى من لحظة تصحو إلى لحظة تنام، و كل لحظة تضعك في موقف.
و كل موقف يتطلب منك اختيارا بين بديلات، و لا يعفيك من الامتحان ألا تختار.. لأن عدم الاختيار هو في ذاته نوع من الاختيار.. و معناه أنك ارتضيت لنفسك ما اختارته لك الظروف أو ما اختاره أبوك، أو ما اختارته شلة أصحابك الذين أسلمت نفسك لهم.
و معنى هذا أن الحياة تعريك في كل لحظة، و تكشف حقيقتك و تنزع عنك قشرتك لتخرج مكنونك و مكتومك.
و المكر الإلهي هنا هو أن يضعك في موقف بعد موقف، و مشكلة بعد مشكلة.. و كل مشكلة تتطلب حلا.. و كل حل يتطلب اختيارا.. و كل اختيار يكشف عن حقيقتك رغما عنك مهما حاولت الاستخفاء.
و بقدر ما تمتد حياتك يوما بعد يوم.. بقدر ما تتمزق عن وجهك الأقنعة.. و يظهر و يفتضح أمرك و ينتهك سرك.
و الله يعلم حقيقتك و سرك من البداية.. و لكنك أنت لا تعلم و لا تريد أن تعلم.. لأنك مدع.. و كل منا مدع..
كل منا يتصور أنه رجل طيب و أنه مستحق لكل خير، حتى الجبارون الذين شنقوا و سجنوا، و عذبوا شعوبهم تصوروا أنهم مصلحون.
كل منا جاء إلى الحياة و معه دعوى عريضة مزعومة بأنه رجل صالح و طيب.
و لهذا اقتضى عدل الله أن يطلعنا على حقائقنا، حتى لا تقوم أعذار حينما يبدأ تصنيف الناس في الآخرة حسب درجاتهم.. و حتى يكون التصنيف على حسب الحقائق، و ليس على حسب المزاعم و الدعاوى.
و لهذا خلق الله الدنيا.
خلقها لتنكشف الحقائق على ما هي عليه.. و يعرف كل واحد نفسه و يعرف مقدار خيره و شره.. ثم ليعرف الأبرار خالقهم و ربهم، و ليذوقوا رحمته قبل لقائه.
ثم خلق الآخرة لتنكشف فيها حقائق الربوبية، و عالم الملكوت و الجبروت و الغيب.
و الله لا يخلق أي شيء إلا بالحق و للحق، لأنه سبحانه هو الحق.
(( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ (85) )) [ الحجر ]
(( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) )) [ الدخان ]
(( مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) )) [ الدخان ]
(( مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ (5) )) [ يونس ]
(( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) )) [ النحل ]
(( مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى (8) )) [ الروم ]
(( وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ (22) )) [ الجاثية ]
(( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ (3) )) [ التغابن ]
(( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) )) [ الملك ]
(( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ (191) )) [ آل عمران ]
(( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) )) [ المؤمنون ]
لا عبثية و لا عبث...
و ما نرى حولنا من تداول الأحوال على الناس من فقر إلى غنى، إلى مرض إلى عز إلى ذل، إلى حوادث مفاجئة إلى مصائب إلى كوارث إلى نجاح إلى فشل، ليست أمورا عبثية و لا مصادفات عشوائية، إما هي ملابسات محكمة من تدبير المدبر الحكيم الذي يريد أن يفض مكنون النفوس و يخرج مكتومها.
(( وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) )) [ البقرة ]
إننا جميعا شجعان حتى يدعو داعي الحرب، فيبدي كل واحد عذرا و يختلق كل واحد ظروفا تمنعه و لا يثبت ساعة الضرب إلا القليل.
و لولا محنة القتال ما انكشفت النفوس على حقيقتها، و نحن جميعا كرماء حتى يدعو داعي البذل، فتنكمش الأيدي التي كانت ممدودة بدعوى السخاء، و لا تنبسط بالكرم إلا أكف معدودة.
و كما قال المتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر و الإقدام قتّال
فالمشقة هي التي كشفت النفوس و فضحت دعاويها، و من هنا جاءت ضرورتها.
و ما كنا لنعرف صلابة الصلب لولا اختباره.
و لهذا خلق الله الدنيا ليعرف الضعيف ضعفه، و ليعرف القوي قوته، و لتفتضح الدعاوى الكاذبة، و يتم العدل باقتناع كل نفس باستحقاقها، و بعدالة مصيرها النهائي في أعلى عليين أو أسفل سافلين.
خلق الله الدنيا ليحق الحق و يبطل الباطل.
و يصدق أيضا الكلام الذي يقول.. إن الله خلقنا ليعطينا.. فهو كلام يؤدي بنا إلى نفس المعنى.
فهل يصح عطاء إلا بمعرفة الاستحقاقات أولا ليكون العطاء حقا.
إن معرفتنا لأنفسنا أيضا مطلوبة، لتكون قناعة كل واحد بعطائه قناعة حقيقية.. و لينتفي الإعتراض.
فمعرفة النفوس لحقائقها.. و معرفة الإنسان لخالقه.. هي الحكمة من خلق الدنيا.
(( خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) )) [ الملك ]
و ما كانت هذه المعرفة لتتم إلا بالدم و الدموع، لأن النفوس ما كانت لتبوح بأسرارها و حقائقها إلا بالدم و الدموع.
و لأن كلا منا يخفي حقيقته وراء أقنعة غليظة من الشعارات و الأكاذيب، و يسدل على وجهه حجابا من الافتعال و التمثيل و بسمات النفاق و الملاطفة و المجاملة.
فكان لابد من حادث عنيف ليخترق هذه الحجب.
و الدنيا كانت ذلك الحادث.
لقد أخرجنا الله من العدم و كان كل منا حقيقة مكنونة، و أعطى كلا منا اليد و القدم ليضر و ينفع.
فأما الذين تحروا النفع و البر و الخير فهم أهله.. و مأواهم إلى ظله يوم لا ظل إلا ظله.
و أما أهل الضرر و الأذى و الظلم فهم المبعدون عنه و عن رحمته.. و البعد عن الله نار.. لأن كل ما سوى الله نار..
و علامة أهل الله هي عرفانهم لربهم من قبل لقائه.. أن يعرفوه في هذه الدنيا.. و أن يشهدوا الدنيا دالة عليه.
و كلام القرآن بأن الله خلقنا لنعبده هو كلام يشتمل على كل هذه المعاني السالفة في باطنه.
و حينما تقول الآيات.
(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [ الذاريات ]
فإنها تعني بداهة.
( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعرفون ).
لأنه لا عبادة بلا معرفة.
و المعنى أنه خلقنا لنعرفه، فإذا عرفناه عبدناه.. و إذا عبدناه تفاضلت عباداتنا، و تفاضل إيماننا و إنكارنا، و تفاضلت منازلنا.. و بالتالي تفاضلت استحقاقاتنا حسب ما نتعرض له من امتحانات في الدنيا.. و بالتالي تفاضل العطاء من المعطي.
و عطاء الله مبذول للكل.
(( كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) )) [ الإسراء ]
فالله خلق ليعطي.. و كلنا مستحقون للعطاء بحكم رتبة العبودية، و كل هذه المعاني باطنة في كلمة (( ليعبدون )).
(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [ الذاريات ]
أما الذي يقول: إن الله خلقنا لأنه خالق و لابد للخالق أن يخلق، فقد أوجب على الله أن يخلق هذا أو يخلق ذاك..
و لا حق لأحد أن يوجب على الله شيئا.
و لا يوجد قانون يوجب على الله شيئا.
لأنه لا توجد سلطة أو حكم خارج عن الله أصلا، و إنما الله يخلق ما يشاء.
و مشيئة الله لا تحدها قوانين.. لأنه سبحانه مصدر جميع القوانين.
و المشيئة مردودة إلى الله، و بالتالي ليست مسببة بحيث يمكن أن نسأل: و لماذا خلق الله هذا و لم يخلق ذاك؟
إن (( لماذا )) هنا لا مكان لها بتاتا و لا يصح أن توجه إليه سبحانه
(( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) )) [ الأنبياء ]
و كنه المراد لا يعلمه أحد.
و السؤال يقال بوجه إجمال.
و مجال التأمل هو في الحكمة العامة للخلق و للدنيا.
أما السؤال تفصيلا عن خلق هذا و خلق ذاك، فهو أمر غيبي.. و هو في العمى لا يعلمه أحد.
يقول الصوفي ابن عربي: إن الله خلق هذا و خلق ذاك لأنهما سألاه في العدم أن يرحمهما بإيجادهما فأوجدهما.. و أن الله لا يأتي بأحد إلى الدنيا كرها.. و إنما كل ما جاء إلى الدنيا بطلبه.
و هو كلام غيبي.
و هو كلام يستتبع أنه كان لنا وجود في العدم.. و أن العدم غير معدوم.
و هو كلام يجرنا مرة أخرى إلى المعضلة التي أثرتها في كتابي (( الوجود و العدم )).
و لمن يريد أن يغوص وراء الأسرار أكثر أن يعود إلى الكتاب.
و حسب المؤمن الذي يريد أن يقف عند بر الأمان، و لا يلقي بنفسه في وادي العماء.. أن يقول:
آمنت بكلمات الله على مراد الله.
و ما خفى عني فالله به أعلم.
من كتاب : القرآن كائن حي
للدكتور :مصطفي محمود رحمه الله . ❝
❞ لم يعد يتذكر ذنوبه، الآن عرف ان الله قد تاب عليه
لحظاتنا كلها كرامات..
لا كمال لعارف إلا بحبّهن، إنه إرث نبوي ونفحة إلهية
لن تعرف أبدًا أنك تحب إلا إذا وقعت في شرك الحيرة وعدم اليقين . ❝
❞ -لماذا سكنت السماء يا حبيبي ؟و قلبي أكثر اتساعاً لك .
لماذا لم تدرك بعلمكَ العظيمَ أنَّ مجال المحبة أقوى من أي مجال مغنطيس .. و أقوى من أي نجم و أي كوكب ؟
و أن مجال المحبة هو الذي أعطى لهذه الأشياء المادية مداراتها و حفظها في أفلاكها ؟
و كانت تبكي في صمت و هدوء كلما تطلعت إلى السماء
و تهمس .. يا إلهي .. خذني إلى حبيبي ..
أريد أن ألقاه لأحادثه و أهمس في أذنه .. فإن هذا العالِم العظيم -مُكتشِف الحقيقة- لم يكتشف أنوار قلب امرأة كانت تعيش بجواره ..
و في لحظات السلوى و العزاء حينما كان الجنين يتحرك في أحشائها .. كانت تتلمس مواطئ قدميه الصغيرتين بأصبعها هامسة :
-يا سيد الكل .. يا ساكن الغيب .. يا ساكن ظلمة المُستقبل ..
متى تخرج لتقول لهم أن ينظروا لحظة إلى داخل نفوسهم بدلاً من أن يوجهوا مناظيرهم إلى متاهاتِ الفضاء ..
تقول لهم .. إنه من الداخل يخرج كل شئ ..
من الداخل خرجت أنا ..
و ربما أيضاً خرج الكون العظيم الذي أفقدكم العقل ..
و كانت تسجد و تصلي و تبكي
كانت الوحيدة في عالم الكفر التي صدقت و آمنت أنَّ اللَّه موجود ..
~رواية :رجل تحت الصفر ..
د/مصطفى محمود رحمه اللَّه . ❝
❞ إن الإنسان قد يفعل بحريته ما ينافي الرضا الإلهي ولكنه لا يستطيع أن يفعل ما ينافي المشيئة. الله أعطانا الحرية أن نعلو على رضاه ˝فنعصيه˝ ، ولكن لم يعط أحداً الحرية في أن يعلو على مشيئته .. وهنا وجه آخر من وجوه نسبية الحرية الإنسانية . ❝
❞ قالت أم مَعْبَدٍ الخزاعية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـ وهي تصفه لزوجها، حين مر بخيمتها مهاجراً :
ظاهر الوَضَاءة،
أبْلَجُ الوجه،
حسن الخُلُق،
لم تعبه ثُجْلَة،
ولم تُزْرِ به صَعْلَة،
وسِيم قَسِيم،
في عينيه دَعَج،
وفي أشفاره وَطَف،
وفي صوته صَهَل،
وفي عنقه سَطَع،
أحْوَر،
أكْحَل،
أزَجّ،
أقْرَن،
شديد سواد الشعر،
إذا صمت علاه الوقار،
وإن تكلم علاه البَهَاء،
أجمل الناس وأبهاهم من بعيد،
وأحسنه وأحلاه من قريب،
حلو المنطق،
فَضْل،
لا نَزْر ولا هَذَر،
كأن منطقه خَرَزَات نظمن يَتَحدَّرن،
رَبْعَة،
لا تقحمه عين من قِصَر،
ولا تشنؤه من طول،
غُصْن بين غُصْنَيْن،
فهو أنْظَر الثلاثة منظراً،
وأحسنهم قدْرًا،
له رفقاء يحفون به،
إذا قال استمعوا لقوله،
وإذا أمر تبادروا إلى أمره،
مَحْفُود،
مَحْشُود،
لا عَابِس ولا مُفَنَّد .
وقال علي بن أبي طالب ـ وهو ينعت رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لم يكن بالطويل المُمَغَّطِ،
ولا القصير المتردد،
وكان رَبْعَة من القوم،
ولم يكن بالجَعْد القَطِطِ،
ولا بالسَّبْط،
رَجِلاً،
ولم يكن بالمُطَهَّم،
ولا بالمُكَلْثَم،
وكان في الوجه تدوير،
وكان أبيض مُشْرَبًا،
أدْعَج العينين،
أهْدَب الأشْفَار،
جَلِيل المُشَاش والكَتَدِ،
دقيق المسْرُبَة،
أجْرَد،
شَثْنُ الكفين والقدمين،
إذا مشي تَقَلّع كأنما يمشي في صَبَب،
وإذا التفت التفت معاً،
بين كتفيه خاتم النبوة،
وهو خاتم النبيين،
أجود الناس كفاً،
وأجرأ الناس صدراً،
وأصدق الناس لَهْجَة،
وأوفى الناس ذمة،
وألينهم عَريكَة،
وأكرمهم عشرة،
من رآه بديهة هابه،
ومن خالطه معرفة أحبه،
يقول ناعته:
لم أر قبله ولا بعده مثله،
صلى الله عليه وسلم .
وفي رواية عنه:
أنه كان ضَخْم الرأس،
ضخم الكَرَادِيس،
طويل المَسْرُبَة،
إذا مشي تَكَفَّأ تَكَفُّيًا كأنما يَنْحَطُّ من صَبَب.
قال البراء:
كان أحسن الناس وجهًا،
وأحسنهم خُلُقًا.
وسئل : أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟
قال: لا بل مثل القمر.
وفي رواية: كان وجهه مستديراً .
وقالت الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ:
لو رأيته رأيت الشمس طالعة.
وقال جابر بن سَمُرَة:
رأيته في ليلة إضْحِيَانٍ،
فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر
ـ وعليه حلة حمراء ـ
فإذا هو أحسن عندي من القمر.
وقال أبو هريرة:
ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
كأن الشمس تجري في وجهه،
وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
كأنما الأرض تُطْوَى له،
وإنا لنجهد أنفسنا،
وإنه لغير مكترث.
وقال كعب بن مالك:
كان إذا سُرَّ استنار وجهه،
حتى كأنه قطعة قمر.
وعرق مرة وهو عند عائشة رضي الله عنها يَخْصِفُ نعلاً،
وهي تغزل غزلاً،
فجعلت تبرق أسارير وجهه،
فلما رأته بُهِتَتْ وقالت:
والله لو رآك أبو كَبِير الهُذَلي لعلم أنك أحق بشعره من غيرك:
وإذا نظرتَ إلى أسرة وجهه
برقت كبرق العارض المتهلل
وكان أبو بكر إذا رآه يقول:
أمين مصطفى بالخير يدعو
كضوء البدر زايله الظلام
وكان عمر ينشد قول زهير في هَرِم بن سِنَان:
لو كنت من شيء سوى البشر
كنت المضيء لليلة البدر
ثم يقول: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان إذا غضب احمر وجهه،
حتى كأنما فقئ في وجنتيه حَبُّ الرمان.
وقال جابر بن سَمُرَة:
كان في ساقيه حُمُوشة،
وكان لا يضحك إلا تَبَسُّماً.
وكنت إذا نظرت إليه قلت:
أكْحَل العينين،
وليس بأكحل.
وقال عمر بن الخطاب: وكان من أحسن الناس ثَغْراً.
قال ابن عباس:
كان أفْلَجَ الثنيتين،
إذا تكلم رؤي كالنور يخرج من بين ثناياه.
وأما عُنُقه فكأنه جِيدُ دُمْيَةٍ في صفاء الفضة،
وكان في أَشْفَاره عَطَف،
وفي لحيته كثافة،
وكان واسع الجبين،
أزَجّ الحواجب في غير قرن بينهما،
أقْنَى العِرْنِين،
سَهْل الخَدَّيْن،
من لُبَّتِه إلى سُرَّتِه شعر يجري كالقضيب،
ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره،
أشْعَر الذراعين والمنكبين،
سَوَاءُ البطن والصدر،
مَسِيح الصدر عريضه،
طويل الزَّنْد،
رَحْب الراحة،
سَبْط القَصَب،
خُمْصَان الأخْمَصَيْن،
سَائِل الأطراف،
إذا زَالَ زَالَ قَلْعاً،
يخطو تَكَفِّياً ويمشي هَوْناً .
وقال أنس:
ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم،
ولا شممت ريحاً قط أو عَرْفاً قط،
وفي رواية:
ما شممت عنبراً قط ولا مِسْكاً ولا شيئاً
أطيب من ريح أو عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو جُحَيْفة:
أخذت بيده،
فوضعتها على وجهي،
فإذا هي أبرد من الثلج،
وأطيب رائحة من المسك.
وقال جابر بن سمرة ـ وكان صبيا:
مسح خَدِّي فوجدت ليده برداً أو ريحاً
كأنما أخرجها من جُونَةِ عَطَّار.
وقال أنس: كأن عرقه اللؤلؤ.
وقالت أم سليم: هو من أطيب الطيب.
وقال جابر:
لم يسلك طريقاً فيتبعه أحد
إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عَرْفِه.
أو قال: من ريح عرقه.
وكان بين كتفيه خاتم النبوة
مثل بيضة الحمامة،
يشبه جسده،
وكان عند نَاغِض كتفه اليسرى جُمْعاً،
عليه خِيَلان كأمثال الثَّآلِيل.
*كمال النفس ومكارم الأخلاق*:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز
*بفصاحة اللسان، وبلاغة القول*،
وكان من ذلك بالمحل الأفضل،
والموضع الذي لا يجهل،
سلامة طبع،
ونصاعة لفظ،
وجزالة قول،
وصحة معان،
وقلة تكلف،
أوتي جوامع الكلم،
وخص ببدائع الحكم،
وعلم ألسنة العرب،
يخاطب كل قبيلة بلسانها،
ويحاورها بلغتها،
اجتمعت له قوة عارضة البادية وجزالتها،
ونصاعة ألفاظ الحاضرة ورونق كلامها،
إلى التأييد الإلهي الذي مدده الوحي.
وكان *الحلم والاحتمال*،
والعفو عند المقدرة،
والصبر على المكاره،
صفاتٌ أدبه الله بها،
وكلُّ حليم قد عرفت منه زلة،
وحفظت عنه هَفْوَة،
ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا،
وعلى إسراف الجاهل إلا حلما،
وقالت عائشة:
ما خُيِّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين
إلا اختار أيسرهما
ما لم يكن إثماً،
فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه،
وما انتقم لنفسه
إلا أن تنتهك حرمة الله
فينتقم لله بها.
وكان أبعد الناس غضباً،
وأسرعهم رضاً.
وكان من *صفة الجود والكرم*
على مالا يقادر قدره،
كان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، . ❝