█ أقصى ساحة المسجد خلع الشيخ جلال ساقه واصطف له الصغار أقواسًا «احكِي لنا حدوتة أيوة كوز الدر اللي فضل يكبر ويكبر لحد ما بقى راجل بشنبات وسنبلة القمح فضلت تسمن وتتدور بقت ست الحسن والجمال والنحلة كانت بتنقل رسايل الغرام بينهم غيط الله» استلّ من حرامه نايًا مزينًا بأفرع حرق النار وسكنت الحواسّ الصغيرة لدى أصابعه الغلاظ يشهق تحت أناملها ثقب ويزفر آخر محررًا النغم الحبيس فورات دخان ملون لم يكن العزف حزينًا كقلب العازف ولا بهيجًا بهجة الأولاد كان شرائط ملونة تصاعد الثقوب سرعان تكاثف بخارها رجلا ضخمًا يترقص بحركات مضحكة «انت والله هو انت يابا فين الجبة والعمة؟» ثم تفتت الضباب وتشكل أبدانًا رخوة وبر أبيض كملائكة شهق ودوَّى تصفيقهم أعقبها بفئران وردية عارية الشعر حيّة رفيعة التفَّت الناي جعل ينفض ذيلها كلما لامس أنفه فتدفعه وتخرجه طرق الرجل الأرض بالناي مرات حتى اختفت الأفعى أوسع طارت ورقة شجر مبرومة وانفزع شرر راح يومض فتحات مثل قصف البرق تتصادم معه النغمات عشوائية وانسرق إلى دوار السحر الأرضي طفا بهم خفافًا وسادات الهواء كتاب شمعة البحر مجاناً PDF اونلاين 2024 رواية ترصد يتعرض الإنسان تغييب وتجريف للوعي عبر موروثات ثقافية لا تبلى تلتقط الصراع الأزلي بين الروحي والمادي فضاءات الريف المصري تتنسم اللهجة المحلية داخل بناء الفصحى فتجسد الواقع الحقيقي الذي نعرفه ونألفه ونعيشه سيما وأنها المشكلات التي تؤرق واقع القرية وقدرها ظل أعواماً مديدة يترنح الفقر والجهل والمرض
❞ مقتطفات من الرواية:
الصلاةُ دموع، والذنبُ دموع، والغناءُ حَصَى الدمعِ في الصدورِ يتسامى صوبَ الفضاء، البهجةُ دموع، وخيبةُ رجاءِ الأم دموع، والسُّحُبُ قوافلُ دمعٍ تسعى إلى حيث يندَهُها اشتهاء، حتى الأبوةُ المتعَبَةُ وعَرَقُ الساعِدَين والجبهةِ تأويلٌ مُتْرَبٌ لدمعِ العين الصافي، مثلما أنَّ عطايا الجسدِ جميعَها دموعٍ تَلَزَّجَتْ بالحنين كي يكسبها قوامًا وألوانًا يؤهلانها حيزًا في الذاكرة، المطرُ دمعُ الله، والزروع تكاثِيفُ خضراءُ لِعَيْنَي الأرض، الدمعُ رصاصاتُ العجز، والنورُ دمعُ العتمة، والفتى دمعُ الفتاةِ العصي، وماءُ العين حِبْرُ الذاكرةِ في نشواتِها الخلسة، والمنيُّ دمعة القضيبِ بين يَدَيْ رحمٍ يعاتبه على ما ضَيَّعَ من وقت، الدموعُ ثواني الوقتِ وانكفاءاتُهُ، وسَيَلانُ شمعة البحر ما أضاءَتْ موضِعًا لقدمين، بينما الحَبَلُ وصرخاتُ الولادة والزغاريدُ ترجماتٌ دامعةٌ لِفِعْلِ الدِّمَاءِ في الدماء، حتى لمْ يَبْقَ شيء ضلَّ الدمعُ آيتَهُ إليه سوى حُزنِ النساء في الموت، فمن يصدقهن الآن وهن يُدَاوَلْنَه في العَلَنِ أطرافَ الطُّرَحِ وأذيالَ الجلاليب وفي السر يُهَيِّئْنَ على مسيلِهِ الأرحامَ والأبزاز، وإلَّا لماذا تربين للحياة عيونًا هكذا، وسيعةً تُسَاوِقُ نبض قلوبهن، تَرَيْنَ بها خلفَ الغيم ما تأجل من أفراح الأمس، أو لماذا أسلمَ الوجودُ لعيونهن بما ادَّعَت، مُقِرًّا بأنَّ النهرَ فيضٌ من دموعِ امرأة مكلومة، وأنَّ الرغيفَ دمعةٌ ساخنة مخبوءة في الطحين، وأن البحرَ في هيجانِ تلقفه لماء النهر، ليسَ غيرَ دموعِ الفراعين القُساةِ على ما سَيَّلُوا من دمع البشر، وما سوف يحطمون مِن جِبَاه . ❝
❞ تلك الغجرية الشابة ذات (الملبس) الأسود اللامع، الذي يبدو دائمًا كأنه مبلل فوق جسد متناسق، يتدلى شعرها من تحت عصبة كشريط حول جبهتها، أسود مموج كثيف يضوع حولها برائحة عشبية. كنت أقف وأنا صبي لأراقبها بالساعات عند عم موريس حداد القرية. تكلمه قليلا ثم تصمت وتتابع عمل يديه. وهو يطرق شرائح النحاس وأعواد الحديد، ويبطط قطع الألومينيوم جاعلًا منها حليًّا ذات أشكال مختلفة، يمسكها من جديد بكلابات من الحديد ويلبث بها فوق النار لثوان ثم يغطسها في البئر، ويناولها إلى جورية، فتظل تضرب هذا في تلك، وتخبط هذه في ذاك، أو تمسكها بأطراف أصابعها وترعشها وتتسمع الرنين، ثم تطلب منه أن يزاوج حليتين ذواتي نغم معين فيشبكهما بسلك، ويعود ليقص من هذه أو يجوف تلك، أو يقوس ثالثة، وتعيد جورية اختبارها من جديد، حتى يتأتى لها الرنين الذي تريده . ❝