█ واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولاً مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عَددهم وعُددهم وقوة شوكتهم لِيُطَامِنَ رُؤوساً رُفِعَت بالفتح ولم تدخل بلده وحَرَمه كما دخله رسول الله ﷺ واضعا رأسه منحنياً فرسه حتى إن ذقنه تكادُ تَمَسُّ سرجه تواضعاً لربه وخضوعاً لعظمته واستكانة لعزته أحلَّ له حَرَمَهُ وبلده يحل لأحد قبله ولا بعده وليبين سُبحانه لمن قال ( لَنْ نُغْلَبَ اليَوْمَ عن قِلَةٍ ) النصر إنما هو من عنده وأنه ينصره فلا غالب ومن يخذله ناصر غيره الذي تولى نصر رسوله ودينه لا كثرتكم التي أعجبتكم فإنها لم تغن عنكم شيئاً فوليتُم مدبرين فلما انكسرت قلوبهم أرسلت إليها خِلَعُ الجَبّر بريد فأنزل سكينته وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً تروها وقد اقتضت خِلَعَ وجوائزه تفيضُ أهل الانكسار وحده جَلَّ شأنه كتاب زاد المعاد هدي خير العباد (كامل) مجاناً PDF اونلاين 2024 تأليف ابن قيم الجوزية خمسة مجلدات يتناول الفقه وأصوله والسيرة والتاريخ وذكر فيه سيرة الرسول غزواته وحياته وبيّن هديه معيشته وعباداته ومعاملته لأصحابه وأعدائه ألف هذا الكتب أثناء السفر تكن معه أية مصادر ينقل منها ما يحتاج إليه أحاديث وأقوال وآراء تتعلق بمواضيع الكتاب ومع ذلك فقد ضمن كتابه نبوية الصحاح والسنن والمعاجم والسير وأثبت كل حديث الموضوع يخصه العلم القيم كان يحفظ مسند الإمام أحمد بن حنبل يضم أكثر ثلاثين
❞ وكان ﷺ يُعلمُ أصحابه من الفزع ( أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التامَّة مِنْ غَضَبِهِ وَمِنْ شَرِّ عباده ، ومن شَرِّ هَمَزَاتِ الشَّياطين ، وأن يَحضُرُون ) ،
ويُذكر أن رجلاً شَكَى إليه أنه يفزع في مَنَامِه ، فقالﷺ ( إذا أوَيْتَ إلى فِراشِكَ فقل ... ) ثم ذكرها ، فقالها فذهب عنه . ❝
❞ مقدمات الفتح الأعظم ...
قَدِمَ عمرو بن سالم الخزاعي على رسول الله ﷺ المدينة ، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني أصحابه فأنشد قائلا :
یا رَبِّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا
حِلْفَ أَبينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدا
قَدْ كُنْتُمُ وُلداً وكُنَّا وَالِدا
ثُمت أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعُ يَدا
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللَّهُ نَصْراً أَبَدا
وادْعُ عِبَادَ اللَّهِ يَأْتُوا مَدَدًا
فيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ تَجَرَّدَا
أبيضَ مِثْلَ البَدْرِ يَسْمُو صُعُدَا
إِن سِيمَ خَسْفاً وَجْهُهُ تَرَبَّدَا
في فَيْلَقٍ كالبَحْرِ يَجْرِي مُزْيدا
إِنَّ قُرَيْشاً أَخْلَفُوكَ المَوْعِدا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ المُؤكَّدا
وَجَعَلُوا لِي فِي كَدَاءٍ رَصَدًا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتَ تَدْعُو أَحَدًا
هُمْ بَيِّتُونَا بِالوَثِيرِ هُجْدًا
وَقَتَلُونَا رُكَّعَا وَسُجَّداً
يقول : قُتِلْنَا وقَدْ أَسْلَمْنَا ، فقال رسول الله ﷺ (
نُصِرْتَ يَا عَمْرو بن سالم ) ، ثم عرضت سحابة لرسول الله ﷺ فقال ( إِنَّ هذه السَّحَابَةَ لَتَسْتَهِلْ بِنَصْرِ بني كَعْبِ ) ، ثم خرج بديل بنُ ورقاء في نفر من خُزاعة ، حتى قَدِمُوا على رسول الله ﷺ ، فأخبروه بما أُصيب منهم ، وبمُظَاهَرَةِ قريش بني بكر عليهم ، ثم رجعوا إلى مكة ، فقال رسول الله ﷺ للناس ( كَأَنَّكُم بِأَبِي سُفْيانَ ، وَقَدْ جَاءَ لِيَشُدَّ العَقْدَ وَيَزِيدَ فِي المُدَّة ) ، ومضى بديل بن ورقاء في أصحابه حتى لقُوا أبا سفيان بن حرب بعسفان وقد بعثته قريش إلى رسول الله ﷺ لِيَشُدَّ العقد ، ويزيد في المدة ، وقد رهِبُوا الذي صنعوا ، فلما لقي أبو سفيان بديل بن ورقاء ، قال: من أين أقبلت يا بديل؟ فظن أنه أتى النبي ﷺ ، فقال : سِرتُ في خُزاعة في هذا الساحل ، وفي بطن هذا الوادي ، قال أو ما جئت محمداً ؟ قال : لا ، فلما راح بديل إلى مكة ، قال أبو سفيان : لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى ، فأتى مبْرَكَ راحلته ، فأخذ من بعرها ، ففته ، فرأى فيها النوى ، فقال : أحلف بالله لقد جاء بديل محمداً ، ثم خرج أبو سفيان حتى قَدِمَ المدينة ، فدخل على ابنته أم حبيبة ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله ﷺ طَوَتْهُ عنه ، فقال : يا بنية ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش ، أم رغبتِ به عني ؟ قالت : بل هو فراش رسول الله ﷺ وأنت مُشرك نَجَسٌ ، فقال : والله لقد أصابك بعدي شر ، ثم خرج حتى أتى رسول الله ﷺ ، فكلمه فلم يَرُدَّ عليه شيئاً ، ثم ذهب إلى أبي بكر ، فكلمه أن يُكَلِّمَ لَهُ رسول الله ﷺ فقال : ما أنا بفاعل ، ثم أتى عُمَرَ بنَ الخطاب فكلمه ، فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله ﷺ ؟ فوالله لو لم أجد إلَّا الذَّرَّ لجاهدتكم به ، ثم جاء فدخل على علي بن أبي طالب ، وعنده فاطمة ، وحسن غلامٌ يَدِبُّ بين يديهما ، فقال : يا علي إنك أمس القوم بي رحماً ، وإني قد جئتُ في حاجة ، فلا ارْجِعَنَّ كما جئتُ خائباً ، اشفع لي إلى محمد ، فقال : ويحك يا أبا سفيان ، والله لقد عزم رسول الله ﷺ على أمر مانستطيع أن نُكَلِّمه فيه ، فالتفت إلى فاطمة فقال : هَلْ لَكِ أَنْ تَأمُري ابْنَك هذا ، فيجير بين الناس ، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟ قالت : والله ما يبلغ إبني ذاك أن يجير بين الناس ، وما يجير أحد على رسول الله ﷺ قال : يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت عليَّ ، فانصحني ، قال: والله ما أعلم لك شيئاً يغني عنك ، ولكنك سيد بني كنانة فقم فَأجِرْ بين الناس ، ثم الحق بأرضك ، قال: أو ترى ذلك مغنياً عني شيئاً ، قال : لا والله ما أظنه ، ولكني ما أجد لك غير ذلك ، فقام أبو سفيان في المسجد فقال : أيها الناس ! إني قد أجرتُ بين الناس ، ثم ركب بعيره فانطلق فلما قدم على قریش ، قالوا : ما وراءك ؟ قال : جئت محمداً فكلمته ، فوالله ما ردَّ عليّ شيئاً ، ثم جئتُ ابن أبي قحافة ، فلم أجد فيه خيراً ، ثم جئتُ عمر بن الخطاب ، فوجدته أعدى العدو ، ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم قد أشار علي بشيء صنعته ، فوالله ما أدري هل يغني عني شيئاً أم لا ؟ قالوا : وبم أمرك ؟ قال : أمرني أن أجير بين الناس ، ففعلتُ فقالُوا : فهل أجاز ذلك محمد ؟ قال : لا ، قالوا : ويلك والله إن زاد الرجلُ على أن لعب بك ، قال: لا والله ما وجدت غير ذلك . ❝
❞ لما قَدِمَ النبي ﷺ المدينة ، صارَ الكفار معه ثلاثة أقسام 🔸️قسم صالحهم ووادعهم على ألا يُحاربوه ، ولا يُظاهروا عليه ولا يُوالوا عليه عدوه ، وهم على كفرهم آمِنُونَ على دمائهم وأموالهم 🔸️وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة 🔸️ وقسم تاركوه ، فلم يُصالِحوه ، ولم يُحاربوه ، بل انتظروا ما يؤول إليه أمره ، وأمرُ أعدائه ، ثم من هؤلاء مَن كان يُحِبُّ ظهوره ، وانتصاره في الباطن ، ومنهم من كان يُحِبُّ ظهور عدوه عليه وانتصارهم ومنهم من دخل معه في الظاهر ، وهو مع عدوه في الباطن ، ليأمن الفريقين ، وهؤلاء هم المنافقون ، فعامَلَ كُلَّ طَائِفَةٍ من هذه الطوائف بما أمره به ربُّه تبارك وتعالى ، فصالح يهود المدينة ، وكتب بينهم وبينه كتاب أمن ، وكانوا ثلاثَ طوائف حول المدينة : بني قينقاع ، وبني النضير ، وبني قريظة ، فحاربته بنو قينقاع بعد ذلك بعد بدرٍ ، وشَرَقُوا بوقعة بدر ، وأظهروا البغي والحَسَدَ ، فسارت إليهم جنود يَقْدَمُهم عبد الله ورسوله ﷺ يوم السبت للنصف من شوال على رأس مِن مُهاجَرِه ، وكان حلفاء عبد الله أبي بن سلول رئيس المنافقين ، وكانوا أشجع يهود المدينة ، وحامل لواء المسلمين يومئذ حمزة بن عبد المطلب ، واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر ، وحاصرهم خمسة عشر ليلة إلى هلال ذي القَعْدَةِ ، وهم أَوَّلُ من حارب من اليهود ، وتحصَّنُوا في حصونهم ، فحاصرهم أشدَّ الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب الذي إذا أراد خذلان قوم وهزيمتهم أنزله عليهم ، وقذفه في قلوبهم ، فنزلوا على حكم رسول الله ﷺ في رقابهم وأموالهم ، ونسائهم وذريتهم ، فأمر بهم فكُتُفُوا ، وكلَّم عبد الله ابن أبي فيهم رسول الله ﷺ ، وألح عليه ، فوهبهم له ، وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ، ولا يُجاوِرُوه بها ، فخرجوا إلى أُذرِعَاتٍ من أرض الشام ، فقل أن لَبِثُوا فيها حتى هَلَكَ أكثرهم ، وكانوا صاغة وتُجاراً ، وكانوا نحو الستمئة مقاتل ، وكانت دارهم في طرفِ المدينة ، وقبض منهم أموالهم ، فأخذ منها رسول الله ﷺ ثلاث قسي ودرعين ، وثلاثة أسياف وثلاثَةَ رماح وخَمْس غَنَائِمهم ، وكان الذي تولى جمع الغنائم محمد بن مسلمة . ❝