█ كان ﷺ إذا دُعي لطعام وتبعه أحد أعلم به ربَّ المنزل وقال ( إنَّ هذا تَبِعَنَا فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ وَإِنْ رَجَعَ ) وكانَ ﷺ يتحدث طعامه كما تقدم حديث الخل وكما قال لربيبه عمر بن أبي سلمة وهو يُؤاكِلهُ سَمُ اللَّهَ وكُلْ ممَّا يَليك وربما يُكرر أضيافه عرض الأكل عليهم مراراً يفعله أهل الكرم هريرة قصة شرب اللبن وقوله له اشْرَبْ فَمَا زَالَ يَقُولُ : حَتَّى قَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَا أَجِدُ مَسْلَكاً وكان إذا أكل عند قوم لم يخرج حتى يَدْعُو لهم فدعا منزل عبد الله بسر فقالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُم فِيمَا رَزَقْتَهُم وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ ودعا سعد عبادة فقال أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُم الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلَائِكَة وصح عنه أنه دخل منزله ليلة فالتمس طعاماً فلم يجده أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي وَاسْقِ سَقَانِي وَذُكِرَ أن عَمْرو الحَمِق سقاه لبناً أَمْتِعَهُ بِشَبَابِهِ فَمَرَّتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةٌ لَمْ يَرَ كتاب زاد المعاد هدي خير العباد (كامل) مجاناً PDF اونلاين 2024 من تأليف ابن قيم الجوزية خمسة مجلدات يتناول الفقه وأصوله والسيرة والتاريخ وذكر فيه سيرة الرسول غزواته وحياته وبيّن هديه معيشته وعباداته ومعاملته لأصحابه وأعدائه وقد ألف الكتب أثناء السفر ولم تكن معه أية مصادر ينقل منها ما يحتاج إليه أحاديث وأقوال وآراء تتعلق بمواضيع الكتاب ومع ذلك فقد ضمن كتابه نبوية الصحاح والسنن والمعاجم والسير وأثبت كل الموضوع الذي يخصه مع العلم القيم يحفظ مسند الإمام أحمد حنبل يضم أكثر ثلاثين
❞ وبعث رسول الله ﷺ بشير بن سعد الأنصاري في ثلاثين رجلا إلى بني مُرَّة بفدك ، فخرج إليهم فلقي رعاء الشاء ، فاستاق الشاء والنعم ورجع إلى المدينة ، فأدركه الطلب عند الليل فباتوا يرمونهم بالنبل حتى فني نَبْلُ بشير وأصحابه فولى منهم مَنْ ولى وأصيب منهم مَنْ أصيب ، وقاتل بشير قتالاً شديداً ورجع القومُ بنعمهم وشائهم ، وتحامل بشير حتى انتهى إلى فدك ، فأقام عند يهود حتى برئت جراحه ، فرجع إلى المدينة ، ثم بعث رسول الله ﷺ سرية إلى الحُرقَةِ من جهينة ، وفيهم أسامة أسامة بن زيد ، فلما دنا منهم ، بعث الأمير الطلائع ، فلما رجعوا بخبرهم ، أقبل حتى إذا دنا منهم ليلاً ، وقد احتلبوا وهدؤوا ، قام فحمد الله ، وأثني عليه بما هو أهله ثم قال : أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له ، وأن تطيعوني ، ولا تعصوني ، ولا تخالفوا أمري ، فإنه لا رأي لمن لا يُطاع ، ثم رتبهم وقال : يا فلان ! أنت وفلان ، ويا فلان أنت وفلان ، لا يُفارِقُ كل منكما صاحبه وزميله ، وإياكم أن يرجع أحد منكم ، فأقول : أين صاحبك ؟ فيقول : لا أدري ، فإذا كبرت فكبروا ، وجردوا السيوف ، ثم كبروا ، وحملوا حملة واحدةً ، وأحاطوا بالقوم وأخذتهم سيوف الله ، فهم يضعونها منهم حيث شاؤوا وشعارهم ˝ أُمِتْ أُمِتُ ˝ و خرج أسامة في أثر رجل منهم يقال له : مرداس بن نهيك ، فلما دنا منه ، وَلَحَمَهُ بالسيف ، قال مرداس : لا إله إلا الله ، فقتله أسامة ، ثم استاقوا الشَّاءَ والنَّعم والذُّرِّيَّة ، وكانت سُهمانُهم عشرة أبعرة لكل رجل أو عِدْلَها من النعم ، فلما قَدِمُوا على رسول الله ﷺ ، أخبر بما صنع أسامة ، فكَبُر ذلك عليه ، وقال ﷺ ( أَقْتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟ ) فقال : إنما قالها متعوذاً ، قالﷺ ( فهلا شققت عن قلبه ، ثم قال : مَنْ لكَ بلا إله إلا الله يَوْمَ القِيَامَةِ ) ، فما زال يُكرر ذلك عليه حتى تمنى أن يكون أسلم يومئذ ، وقال أسامة : يا رسول الله ! أعطي الله عهداً إِلَّا اقتل رجلاً يقول : لا إله إلا الله ، فقال رسول الله ﷺ ( بعدي ) ، فقال أسامة : بعدك . ❝
❞ فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرُسل ، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم ، ولا ينال رضى الله البتة إلا على أيديهم ، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاؤوا به ، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال ، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال ، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه ، والعين إلى نورها ، والروح إلى حياتها ، فأي ضرورة وحاجة فرضت ، فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير ، وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عين فسد قلبك وصار كالحوت إذا فارق الماء ووضع في المقلاة ، فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسل كهذه الحال ، بل أعظم ، ولكن لا يحس بهذا إلا قلب حي وما لجرح بميت إيلام . ❝
❞ حادثة الإِفك .
وذلك أن عائشة رضي الله عنها كانت قد خَرَجَ بها رسول الله ﷺ معه في هذه الغَزوةِ ˝ غزوة بني المصطلق ˝ بقرعة أصابَتْهَا ، وكانت تلك عادته مع نسائه ، فلما رجعوا من الغزوة ، نزلوا في بعض المنازل ، فخرجَتْ عائشة لحاجتها ، ثم رجعت ، ففقَدَتْ عِقْداً لأختها كانت أعارتها إياه ، فرجَعَتْ تلتمسه في الموضع الذي فَقَدَتْهُ فيه ، فجاء النَّفَرُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ هَوْدَجَها ، فظنُّوها فيه ، فحملوا الهودج ، ولا يُنكرون خِفته ، لأنها رضي الله عنها كانت فتية السن ، لم يغشها اللحْمُ الذي كان يُثْقِلُها ، وأيضاً ، فإن النفرَ لمَّا تساعدوا على حمل الهودج ، لم يُنكِرُوا خِفَّته ، ولو كان الذي حمله واحداً أو اثنين لم يَخْفَ عليهما الحال ، فرجعت عائشة إلى منازلهم ، وقد أصابت العقد ، فإذا ليس بها داع ولا مجيب ، فقعدت في المنزل ، وظنت أنهم سيفقدونها ، فيرجعون في طلبها ، والله غالب على أمره ، يُدبِّرُ الأمرَ فَوقَ عرشه كما يشاء ، فغلبتها عيناها فنامَتْ ، فلم تستيقظ إِلَّا بِقَوْلِ صَفْوَانَ بنِ المُعَطْل : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعُونَ ، زوجة رسول الله ﷺ ، وكان صفوان قد عرَّس في أخريات الجيش ، لأنه كان كثير النوم ، كما جاء عنه في صحيح أبي حاتم وفي السنن ، فلما رآها عرفها ، وكان يراها قبل نزولِ الحِجَابِ ، فاسترجع ، وأناخ راحِلَته ، فقرَّبها إليها ، فركِبَتْها ، وما كلَّمَها كلمةً واحدة ، ولم تَسْمَعْ منه إلَّا استرجاعه ، ثم سار بها يَقُودُهَا حَتَّى قَدِمَ بها ، وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة ، فلما رأى ذلك الناسُ ، تكلم كُل منهم بشاكلته ، وما يليق به ، ووجد الخبيثُ عدو الله ابنُ أبي متنفساً ، فتنفس مِن كَرْبِ النفاق والحسد الذي بين ضلوعه ، فجعل يستحكي الإفك ، ويستوشيه ، ويشيعه ، ويُذيعه ، ويَجمعُه ، ويُفرّقه ، وكان أصحابه يتقرَّبُونَ به إليه ، فلما قَدِمُوا المدينةَ ، أفاض أهل الإفك في الحديث ، ورسولُ اللهِ ﷺ ساكِتُ لا يتكلم ، ثم استشار أصحابه في فراقها ، فأشار عليه علي رضي الله عنه أن يُفارِقَهَا ، ويأخُذَ غيرها تلويحاً لا تصريحاً ، وأشار عليه أسامة وغيره بإمساكها ، والا يلتفت إلى كلام الأعداء ، فعلي لما رأى أن ما قيل مشكوك فيه ، أشار بترك الشك والريبة إلى اليقين ليتخلص رسول الله ﷺ من الهم والغم الذي لحقه من كلام الناس ، فأشار بحسم الداء ، وأسامة لمَّا عَلِمَ حب رسولِ اللهِ ﷺ لها ولأبيها ، وعلم من عفتها وبراءتها ، وحصانتها وديانتها ما هي فوق ذلك ، وأعظمُ منه ، وعرف مِن كرامةِ رَسُول اللَّهِ ﷺ على ربِّه ومنزلته عنده ، ودفاعه عنه أنه لا يجعل ربة بيته وحبيبته من النساء ، وبنت صديقه بالمنزلة التي أنزلها به أرباب الإفك ، وأن رسول الله ﷺ أكرم على ربه ، وأعزُّ عليه من أن يجعل تحته امرأة بغياً ، وعلم أنَّ الصديقة حبيبة رسول الله ﷺ أكرم على ربها مِن أن يَبْتَلِيَهَا بِالفَاحِشَةِ ، وهي تحتَ رسوله ﷺ ، ومَنْ قَوِيَتْ معرفته لله ومعرفته لرسوله وقدره عند الله في قلبه ، قال كما قال أبو أيوب وغيره من سادات الصحابة ، لما سمعوا ذلك { سُبْحَنَكَ هَذَا بُهْتَنُ عَظِيمٌ } ، وتأمل ما في تسبيحهم لله ، وتنزيههم له في هذا المقام من المعرفة به وتنزيهه عما لا يليق به ، أن يجعل لرسوله وخليله وأكرم الخلق عليه امرأة خبيثة بغيًّا ، فمن ظنَّ به سُبحانه هذا الظَّنَّ ، فقد ظَنَّ به ظنَّ السوء ، وعرف أهل المعرفة بالله ورسوله أن المرأة الخبيثة لا تليقُ إِلَّا بمثلها ، كما قال تعالى: { الْخَبِيثَتُ لِلْخَبِيثِينَ } ، فقطعوا قطعاً لا يشكون فيه أن هذا بهتان عظيم ، وفريةٌ ظاهرة . ❝