█ من له أدنى تجربة وشوق يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير الغذاء الحيواني ولا سيما المسرور الفرحانَ الظافر بمطلوبه الذي قد قرت عينه بمحبوبه وتنعم بقربه والرضى عنه وألطاف محبوبه وهداياه وتحفه تصل إليه كُل وقت ومحبوبه حفي به معتن بأمره مُكرم غاية الإكرام مع المحبة التامة أفليس هذا أعظمُ غِذاء لهذا المحب؟ فكيف بالحبيب لا شيء أجل منه أعظم أجمل أكمل إحساناً إذا امتلأ قلبُ المُحِبِّ بحبه وملك حبُّه جميع أجزاء قلبه وجوارحه وتمكّن حبه تمك ن وهذا حاله حبيبه المُحِبُّ عند يُطعمه ويَسقيه ليلاً ونهاراً؟ ولهذا قال ﷺ ( إِنِّي أَظُلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُني ويَسْقِيني ) ولو كان ذلك طعاماً وشراباً للفم لما صائماً فضلاً كونه مواصلاً وأيضاً فلو الليل لم يكن ولقال لأصحابه إذ قَالُوا : إنَّك تُواصِلُ لستُ أواصل ولم يقل لَسْتُ كَهَيْتِتِكُم بل أقرهم نسبة الوِصال وقطع الإلحاق بينه وبينهم بما بيَّنه الفارق كما صحيح مسلم حديث عبد الله بن عمر أن رسول واصل رمضان فواصل الناسُ فنهاهم فقيل أنت فقال كتاب زاد المعاد هدي خير العباد (كامل) مجاناً PDF اونلاين 2024 تأليف ابن قيم الجوزية خمسة مجلدات يتناول الفقه وأصوله والسيرة والتاريخ وذكر فيه سيرة الرسول غزواته وحياته وبيّن هديه معيشته وعباداته ومعاملته وأعدائه وقد ألف الكتب أثناء السفر تكن معه أية مصادر ينقل منها ما يحتاج أحاديث وأقوال وآراء تتعلق بمواضيع الكتاب ومع فقد ضمن كتابه نبوية الصحاح والسنن والمعاجم والسير وأثبت كل الموضوع يخصه العلم القيم يحفظ مسند الإمام أحمد حنبل يضم أكثر ثلاثين
❞ بعض ما في قصة الحديبية من الفوائد الفقهية ...
فمنها🔸️اعتمارُ النبي ﷺ في أشهر الحج ، فإنه خرج إليها في ذي القعدة🔸️ومنها : أن الإحرام بالعُمرة من الميقات أفضل ، كما أن الإحرام بالحج كذلك ، فإنه ﷺ أحرم بهما من ذي الحليفة ، وبينها وبين المدينة ميل أو نحوه🔸️ومنها : أن إشعار الهدي سُنَّة لا مُثَلَةٌ منهي عنها🔸️ومنها : استجاب مغايظة أعداء الله ، فإن النبي ﷺ أهدى في جملة هديه جملاً لأبي جهل في أَنْفِهِ بُرَةٌ مِن فضةٍ يغيظ به المشركين🔸️ومنها : أن أمير الجيش ينبغي له أن يبعثَ العُيونَ أمامه نحو العدو🔸️ومنها : أن الاستعانة بالمُشْرِكِ المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة ، لأن عُيَّنه الخزاعي كَانَ كافراً إذ ذاك ، وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو ، وأخذه أخبارهم🔸️ومنها : استحباب مشورة الإمام رعيته وجيشه ، استخراجاً لوجه الرأي ، واستطابة لنفوسهم ، لعتبهم ، وتعرفاً لمصلحة يختص بعلمها بعضُهم دونَ بعض ، وامتثالاً لأمر الرب في قوله تعالى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }🔸️ومنها : جواز سَبّي ذراري المشركين إذا انفردوا عن رجالهم قبل مقاتلة الرجال🔸️ومنها : ردُّ الكلام الباطل ولو نسب إلى غير مُكَلَّف ، فإنهم لما قالوا : خلأتِ القَصْوَاءُ ، يعني حَرَنَتْ والحَتْ فَلَمْ تَسِر ، والخلاء في الإبل بكسر الخاء والمد ، نظير الحران في الخيل ، فلما نسبوا إلى الناقة ما ليس من خُلُقِهَا وطبعها ، رده عليهم ﷺ ، وقال ( ما خَلَأَتْ ومَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُق ) ، ثم أخبر عن سبب بروكها ، وأن الذي حَبَسَ الفيل عن مكة حبسها للحكمة العظيمة التي ظهرت بسبب حبسها، وما جرى بعده🔸️ومنها : أن تسمية ما يُلابسه الرجلُ مِن مراكبه ونحوها سُنَّة🔸️ ومنها : جواز الحِلف بل استحبابه على الخبر الديني الذي يريد تأكيده ، وقد حفظ عن النبي ﷺ الحلف في أكثر من ثمانين موضعاً ، وأمره الله تعالى بالحَلِفِ على تصدِيقِ ما أخبر به في ثلاثة مواضع: في سورة يونس ، وسبأ ، والتغابن)🔸️ومنها : أن المُشْرِكين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة ، إذا طَلَبُوا أمراً يُعَظْمُونَ فيه حُرمةً مِن حُرُماتِ الله تعالى أجيبوا إليه وأعطوه ، وأعينوا عليه وإن منعوا غيره فيُعاملون على ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى لا على كفرهم وبغيهم ، ويُمنعون مما سوى ذلك ، فكُلُّ من التمس المعاونة على محبوب لِلَّهِ تعالي مُرْضِ له ، أجيب إلى ذلك كائناً من كان ، ما لم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض الله أعظم منه🔸️ومنها : أن النبي ﷺ عَدَلَ ذات اليمين إلى الحديبية ، قال الشافعي : بعضُهَا مِن الحِل ، وبعضُها مِن الحَرَم ، وروي الإمام أحمد في هذه القصة أن النبي ﷺ كان يُصلِّي في الحرم ، وهو مضطرب في الحِل ، وفي هذا كالدلالة على أن مضاعفة الصلاة بمكة تتعلق بجميع الحرم لا يخص بها المسجد الذي هو مكان الطواف ، وأن قوله ﷺ ( صَلَاةٌ في المَسْجِدِ الحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِئة صَلَاةٍ في مَسْجِدي ) كقوله تعالى { فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } ، وقوله تعالى { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } ، وكان الإسراء من بيت أم هانی🔸️ومنها : أن من نزل قريباً من مكة ، فإنه ينبغي له أن ينزل في الحِل ، ويصلي في الحرم ، وكذلك كان ابنُ عمر يصنعُ🔸️ومنها : جواز ابتداء الإمام بطلب صلح العَدُوِّ إذا رأى المصلحة للمسلمين فيه ، ولا يتوقف ذلك على أن يكون ابتداء الطلب منهم🔸️وفي قيام المغيرة بن شعبة على رأس رسول الله بالسيف ، ولم يكن عادته أن يُقام على رأسه ، وهو قاعد ، سُنةٌ يُقتدى بها عند قدوم رسل العدو من إظهار العز والفخر وتعظيم الإمام وطاعته ووقايته بالنفوس ، وهذه هي العادة الجارية عند قدوم رسل المؤمنين على الكافرين وقدوم رسل الكافرين على المؤمنين ، وليس هذا من هذا النوع الذي ذمه النبي بقوله ﷺ ( مَنْ أَحَبُّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامَاً فَلْيَتَبوا النار ) . ❝
❞ هديه ﷺ في عيادة المرضى :
كان ﷺ يعودُ مَنْ مَرِضَ من أصحابه ، وعاد غلاماً كان يَخدمه مِن أهل الكتاب ، وعاد عمه وهو مشرك ، وعرض عليهما الإسلام ، فأسلم اليهودي ، ولم يسلم عمه ، وكان ﷺ يدنو من المريض ، ويجلس عند رأسه ، ويسأله عن حاله ، فيقول ( كيف تجدك ؟ ) ، وذُكر أنه كان يسأل المريض عما يشتهيه ، فيقول ( هَلْ تَشْتَهِي شَيْئًا ؟ ) فإن اشتهى شيئاً وعلم أنه لا يضره ، أمر له به ، وكان ﷺ يمسح بيده اليمنى على المريض ، ويقول ( اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ ، أَذْهب البأس ، واشْفِه أَنتَ الشَّافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاءً لا يُغادر سقماً ) ، وكان يقول ( امْسَحَ البَأسَ رَبَّ النَّاسِ ، بِيَدِكَ الشَّفَاءُ ، لا كَاشِفَ له إلا أنت ، وكان ﷺ يدعو للمريض ثلاثاً كما قاله لسعد ( اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً ، اللَّهُمَّ اشف سَعْداً ، اللهُمَّ اشْفِ سَعْداً ) ، وكان إذا دخل على المريض يقول له ( لا بَأسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله ) ، وربما كان يقول ( كَفَّارَةٌ وَطَهورٌ ) ، وكان يَرْقِي مَن به قرحة ، أو جُرح ، أو شكوى ، فيضع سبابته بالأرض ، ثم يرفعها ويقول ( بِسْمِ الله ، تُرْبَةُ أَرْضِنا ، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا يُشْفَى سَقِيمُنَا ، بإِذْنِ رَبَّنا ) ، وكان ﷺ ينفث على نفسه ، وضعفه ووجعه يمنعه من إمرار يده على جسده كله ، فكان يأمر عائشة أن تُمر يده على جسده بعد نفثه هو ، ولم يكن من هديه ﷺ أن يَخُصَّ يوماً من الأيام بعيادة المريض ، ولا وقتاً من الأوقات ، بل شرع لأمته عيادة المرضى ليلاً ونهاراً ، وفي سائر الأوقات ، وفي المسند عنه ( إذا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ المُسْلِمَ مَشَى في خُرفَةِ الجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ ، فَإِنْ كَانَ غُدْوَةً ، صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكِ حَتَّى يُمْسِي ، وَإِنْ كَانَ مَسَاءٌ ، صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكِ حَتَّى يُصْبح ) ، وفي لفظ ( ما مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِماً إِلا بَعَثَ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكِ يُصَلُّونَ عَلَيه أَي ساعةٍ مِنَ النَّهار كانت حتَّى يُمْسِي ، وَأَيَّ ساعة من الليل كانت حتَّى يُصبح ) ، وكانﷺ يعود من الرمد وغيره ، وكان أحياناً يضع يده على جبهة المريض ، ثم يمسح صدره وبطنه ويقول ( اللَّهُمَّ اشْفِهِ ) وكان يمسح وجهه أيضاً ، وكان إذا يئس من المريض قال ( إنا لِلَّهِ وإِنَّا إليه راجعون ) . ❝
❞ ثم غزا ﷺ بنفسه غزوة الأبواء ، ويقال لها ( وَدان ) ، وهي أول غزوة غزاها بنفسه ﷺ ، وكانت في صفر على رأس اثني عشر شهراً مِن مُهَاجَرهِ ، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب ، وكان أبيض ، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة ، وخرج في المهاجرين خاصة يعترض عيراً لقريش ، فلم يلق كيداً ، وفي هذه الغزوة وادع مخشيَّ بن عمرو الضَّمْرِي وكان سيدَ بني ضَمْرة في زمانه على ألا يغزو بني ضَمْرَة ، ولا يغزوه ، ولا أن يُكثروا عليه جمعاً ، ولا يُعِينُوا عليه عدواً ، وكتب بينه وبينهم كتاباً ، وكانت غيبته عن المدينة خمس عشرة ليلة . ❝