█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
قوله تعالى : وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين
قوله تعالى : وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وهي امرأة العزيز ، طلبت منه أن يواقعها . وأصل المراودة الإرادة والطلب برفق ولين . والرود والرياد طلب الكلأ ; وقيل : هي من رويد ; يقال : فلان يمشي رويدا ، أي برفق ; فالمراودة الرفق في الطلب ; يقال في الرجل : راودها عن نفسها ، وفي المرأة راودته عن نفسه . والرود التأني ; يقال : أرودني أمهلني .
وغلقت الأبواب غلق للكثير ، ولا يقال : غلق الباب ; وأغلق يقع للكثير والقليل ; كما قال الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء :
ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها حتى أتيت أبا عمرو بن عمار
يقال : إنها كانت سبعة أبواب غلقتها ثم دعته إلى نفسها .
وقالت هيت لك أي هلم وأقبل وتعال ; ولا مصدر له ولا تصريف . قال النحاس : فيها سبع قراءات ; فمن أجل ما فيها وأصحه إسنادا ما رواه الأعمش عن أبي وائل قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقرأ هيت لك قال فقلت : إن قوما يقرءونها " هيت لك " فقال : إنما أقرأ كما علمت . قال أبو جعفر : وبعضهم يقول عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يبعد ذلك ; لأن قوله : إنما أقرأ كما علمت يدل على أنه مرفوع ، وهذه القراءة بفتح التاء والهاء هي الصحيحة من قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وعكرمة ; وبها قرأ أبو عمرو بن العلاء وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي . قال عبد الله بن مسعود : لا تقطعوا في القرآن ; فإنما هو مثل قول أحدكم : هلم وتعال . وقرأ ابن أبي إسحاق النحوي " قالت هيت لك " بفتح الهاء وكسر التاء . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وابن كثير " هيت لك " بفتح الهاء وضم التاء ; قال طرفة :
ليس قومي بالأبعدين إذا ما قال داع من العشيرة هيت
فهذه ثلاث قراءات الهاء فيهن مفتوحة . وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع " وقالت هيت لك " بكسر الهاء وفتح التاء . وقرأ يحيى بن وثاب " وقالت هيت لك " بكسر الهاء وبعدها ياء ساكنة والتاء مضمومة . وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس ومجاهد وعكرمة : " وقالت هئت لك " بكسر الهاء وبعدها همزة ساكنة والتاء مضمومة . وعن ابن عامر وأهل الشام : " وقالت هئت " بكسر الهاء وبالهمزة وبفتح التاء ; قال أبو جعفر : " هئت لك " بفتح التاء لالتقاء الساكنين ، لأنه صوت نحو مه وصه يجب ألا يعرب ، والفتح خفيف ; لأن قبل التاء ياء مثل أين وكيف ; ومن كسر التاء فإنما كسرها لأن الأصل الكسر ; لأن الساكن إذا حرك حرك إلى الكسر ، ومن ضم فلأن فيه معنى الغاية ; أي قالت : دعائي لك ، فلما حذفت الإضافة بني على الضم ; مثل حيث وبعد . وقراءة أهل المدينة فيها قولان : أحدهما : أن يكون الفتح لالتقاء الساكنين كما مر . والآخر : أن يكون فعلا من هاء يهيء مثل جاء يجيء ; فيكون المعنى في " هئت " أي حسنت هيئتك ، ويكون " لك " من كلام آخر ، كما تقول : لك أعني . ومن همز وضم التاء فهو فعل بمعنى تهيأت لك ; وكذلك من قرأ " هيت لك " . وأنكر أبو عمرو هذه القراءة ; قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : سئل أبو عمرو عن قراءة من قرأ بكسر الهاء وضم التاء مهموزا فقال أبو عمرو : باطل ; جعلها من تهيأت ! اذهب فاستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن هل تعرف أحدا يقول هذا ؟ ! وقال الكسائي أيضا : لم تحك " هئت " عن العرب . قال عكرمة : " هئت لك " أي تهيأت لك وتزينت وتحسنت ، وهي قراءة غير مرضية ; لأنها لم تسمع في العربية . قال النحاس : وهي جيدة عند البصريين ; لأنه يقال : هاء الرجل يهاء ويهيء هيأة فهاء يهيء مثل جاء يجيء وهئت مثل جئت . وكسر الهاء في " هيت " لغة لقوم يؤثرون كسر الهاء على فتحها . قال الزجاج : أجود القراءات " هيت " بفتح الهاء والتاء ; قال طرفة :
ليس قومي بالأبعدين إذا ما قال داع من العشيرة هيت
بفتح الهاء والتاء . وقال الشاعر في علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا
إن العراق وأهله سلم إليك فهيت هيتا
قال ابن عباس والحسن : " هيت " كلمة بالسريانية تدعوه إلى نفسها . وقال السدي : معناها بالقبطية هلم لك . قال أبو عبيد : كان الكسائي يقول : هي لغة لأهل حوران وقعت إلى أهل الحجاز معناه تعال ; قال أبو عبيد : فسألت شيخا عالما من حوران فذكر أنها لغتهم ; وبه قال عكرمة . وقال مجاهد وغيره : هي لغة عربية تدعوه بها إلى نفسها ، وهي كلمة حث وإقبال على الأشياء ; قال الجوهري : يقال هوت به وهيت به إذا صاح به ودعاه ; قال :
قد رابني أن الكري أسكتا لو كان معنيا بها لهيتا
أي صاح ; وقال آخر :
يحدو بها كل فتى هيات
قوله تعالى : قال معاذ الله أي أعوذ بالله وأستجير به مما دعوتني إليه ; وهو مصدر ، أي أعوذ بالله معاذا ; فيحذف المفعول وينتصب المصدر بالفعل المحذوف ، ويضاف المصدر إلى اسم الله كما يضاف المصدر إلى المفعول ، كما تقول : مررت بزيد مرور عمرو أي كمروري بعمرو .
إنه ربي يعني زوجها ، أي هو سيدي أكرمني فلا أخونه ; قاله مجاهد وابن إسحاق والسدي . وقال الزجاج : أي إن الله ربي تولاني بلطفه ، فلا أرتكب ما حرمه . إنه لا يفلح الظالمون وفي الخبر أنها قالت له : يا يوسف ! ما أحسن صورة وجهك ! قال : في الرحم صورني ربي ; قالت : يا يوسف ما أحسن شعرك ! قال : هو أول شيء يبلى مني في قبري ; قالت : يا يوسف ! ما أحسن عينيك ؟ قال : بهما أنظر إلى ربي . قالت : يا يوسف ! ارفع بصرك فانظر في وجهي ، قال : إني أخاف العمى في آخرتي . قالت يا يوسف ! أدنو منك وتتباعد مني ؟ ! قال : أريد بذلك القرب من ربي . قالت : يا يوسف ! القيطون فرشته لك فادخل معي ، قال : القيطون لا يسترني من ربي . قالت : يا يوسف ! فراش الحرير قد فرشته لك ، قم فاقض حاجتي ، قال : إذا يذهب من الجنة نصيبي ; إلى غير ذلك من كلامها وهو يراجعها ; إلى أن هم بها .
وقد ذكر بعضهم ما زال النساء يملن إلى يوسف ميل شهوة حتى نبأه الله ، فألقى عليه هيبة النبوة ; فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه . واختلف العلماء في همه . ولا خلاف أن همها كان المعصية ، وأما يوسف فهم بها لولا أن رأى برهان ربه ولكن لما رأى البرهان ما هم ; وهذا لوجوب العصمة للأنبياء ; قال الله تعالى : كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين فإذا في الكلام تقديم وتأخير ; أي لولا أن رأى برهان ربه هم بها . قال أبو حاتم : كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة فلما أتيت على قوله : . ❝
❞ كانت سميرة فتاة جادة .. ربما هي جادة أكثر من اللازم، وفي تصرفاتها درجة من العصبية لا بأس بها. كما أنها نشأت بين ثلاثة أولاد، وهذه نشأة لا تختلف عن نشأة طرزان في الغابة، حيث القوة هي سيد الموقف، وعليك أن تنتزع حقك بيدك وتستخدم قبضتك، وإلا جعت بالمعنى الحرفي للكلمة.
لما كبرتْ سميرة صارت فتاة جميلة ذات ملامح رقيقة، لكنها خشنة الطباع فعلاً ..
ولم يكن أحد من زملائها يصدق هذا.. من يتصور أن هذا الوجه الرقيق الحالم لا يملك ذرة شاعرية على الإطلاق، والحقيقة أنها كانت تعتبر الأمر كله سخيفاً..
لكنها رأت أن الفتيات كلهن يتصرفن بطريقة مختلفة. لا بد للفتاة من مطرب مفضل ومن صور بلهاء تضعها على صفحة فيس بوك.. صور تظهر فتيات رقيقات يمشين في أيكة او يتأملن شلالاً. أمضّها الاختلاف فصنعت لنفسها صفحة على فيس بوك.. ووضعت بعض الصور لقطط وأطفال. كان رأيها أن هذه الصور قبيحة جداً، لكنها تحملت. هناك مثل مصري قديم يقول ما معناه: «لو ذهبت لبلد يعبد العجل .. فاقطع البرسيم وارم له». كان عليها أن تقطع الكثير من البرسيم.
بما أنها فتاة عملية، فقد كانت تعرف أنها يجب أن تتزوج.. لن يظل أبوها يطعمها للأبد. وهي لن تتزوج ما لم تفعل مثل الفتيات الأخريات.
أخيراً خُطبت إلى شاب ناجح يعتبر عريساً لا بأس به، وحسبت أن عذابها انتهى.. هنا فوجئت بأن هذه هي البداية. هذا الأبله يختزن كمًا هائلاً من الرومانسية يريد أن يفجره في وجه أي واحدة تقبل. وهكذا راح يمطرها بالأغاني.. وهي تمقت الأغاني ولا تطيق سماع أغنية لأكثر من خمس ثوان. بعد هذا راح يمطر بريدها بالشعر.. وهي لا تطيق الشعر.. تشعر أن الشاعر رجل مصاب بنوع من الخبال يجعله لا يستطيع الكلام مثلنا.. بدلاً من أن يقول:
«أريد شرب كوب ماء»
يقولها بطريقته:
«الظمأ القاتل يحرقني .. فهبوني أقداح السقيا»
وكان يرسل إليها القصيدة فتشكره بشدة، ثم تمسحها بعد ربع ثانية وهي تلعن أبا الغباء. ازداد الأمر تعقيدًا عندما زارها ذات مرة وهو يحمل قطة صغيرة..
لم تكن تطيق هذه الحيوانات القذرة، لكنها تظاهرت بالحنان والرقة وراحت تموء بدورها:
«كم هي لطيفة!.. كم هي حسناء!.. ربي !»
وتمنت لو كان عندها مفتاح delete لتمسح به هذا الشيء من الوجود.. الأشياء تكون أسهل على الكمبيوتر على كل حال.
ثم كان الموقف الأفظع عندما راح يرسل إليها باقة ورد كل يوم.. هذا الفتى مجنون.. كانت تتخلص من الزهور فورًا ثم تعلمت من جارة لها طريقة عمل مربى الورد، فبدأت تجرب.. هكذا صار لديها مورد دائم من مربى الورد..
عندما زارها ذات يوم لم تكن قد تخلصت من الأزهار لحسن الحظ، وهكذا راحت تتشمم الأزهار في حنان وهي ترمق خطيبها منبهرة.. أغمضت عينيها وراحت تحلم. ثم بدأت تهمس:
«نرجس.. تيوليب.. بنفسج.. الله!»
لقد انتهت حصيلتها من أسماء الأزهار. أما هو فأخبرها في دهشة أن الباقة لا تحوي أي نرجس أو بنفسج أو تيوليب. فقالت له إنها تتكلم عن الأزهار عامة..
أما أسوأ المواقف طراً فهو اضطرارها كأي أنثى إلى أن تنبهر عندما ترى أطفالاً وتنسى كل شيء، برغم أنها تعتبر الأمومة نشاطاً بدائياً مزعجاً. هكذا ترى طفلين صغيرين يلهوان أمامهما فتصيح في انبهار
«عسل !»
وتجري لتداعبهما.. وتحمل أحدهما إلى صدرها ثم تدرك في هلع أنه مبتل وأن حفاضته غير محكمة. أما الوغد الآخر فيمسح أنفه الرطب في تنورتها. هي تتمنى أن تحمل كل واحد من قفاه لتلقي به من النافذة، لكن خطيبها يراقب الموقف.. يجب أن تكون رقيقة..
الحقيقة أن سميرة كافحت كثيرًا جدًا لتبدو حالمة مرهفة، لكنها في سرها كانت تلعن الرومانسية والفتيات الحمقاوات شديدات البلاهة.. تتمنى لو تخرج لتحرق كل الأزهار والقطط الصغيرة والأطفال..
في النهاية تم الزفاف. ما زلت أنتظر مصيبة أو طلاقاً .. أدعو الله ألا يحدث هذا لكنه أمر حتمي. الأمل الوحيد هو أن يكون زوجها يدعي الرقة بدوره.. هذا سيكون توفيقاً عظيمًا.
. ❝
❞ إذا كان ثمة خلاف حكم قبضته على جوهر الفلسفة فيما بين الألفية الأولى والثانية، هو ذاك الجدال أو النقاش الذي يمس الإيمان والعقل ودورهما في الدين. لقد دافع بعض اللاهوتيين ضمن التيارات الإسلامية بشدة عن مركزية العقل في تفسير القرآن، ومع ذلك يبقى دور العقل في ذلك الإطار الإسلامي شائكاً لأسباب مشابهة لتلك التي أيقظت اللاهوت اليهودي والمسيحي على حد سواء. تساءل بعض المسلمين عن مدى ملائمة استخدم العقل في سعيه ومحاولته لفهم الله، الذي يفوق ويتجاوز قدرات وملكات عقل الإنسان، بينما يرى الآخر، أن العقل هو هبة من الله، ولذا يكون من المناسب جداً لفهم النصوص الدينية. مثل هذه النقاشات والجدالات كانت سائدة على وجه التحديد عند المفكرين المعروفين بالمشائيين (وسموا بذلك، لكونهم معجبين بالمعلم الأول أرسطو الذي كان يتحدث ويحاضر وهو يمشي)، ذلك التقليد الذي توسعت رقعته وتأثيره بعد الإسلام ومن ثم إلى بقية العالم . ❝
❞ وصف الله نفسه بأنه المَلك وبأن له مُلكاً وملكوتاً وجنداً مجندة وملأً أعلى وأنه قد وَكّل إلى كل فرد من هذا الملأ الأعلى مهمة يقوم بها فجبريل الروح الأمين هو رسول الوحي وهو الواسطة بين الله وجميع أنبيائه وميكائيل مُكَّلف بالأرزاق وإسرافيل نَافِخ الصّور يوم تقوم الساعة وعزرائيل قابض الأرواح.
"قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم "( السجده ـ11)
ذلك ملك الموت.. وهم كثير ..
"توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ( الانعام ـ61)
ثم هناك الملائكه الحفظة
"إن كل نفس لمّا عليها حافظ "( الطارق ـ4)
والملائكة الكاتبون
"وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون" ( الانفطار10 ـ11 ـ12)
والملائكة الصافّون والملائكة المُسَبِّحون والملائكة الحافّون بالعرش والملائكة الحاملون للعرش والملائكة العالون وملائكة التصريف.
ملك عظيم من فوق سبع سموات لا يتناهى.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن..
لماذا لا يباشر الله جميع هذه الشئون بذاته ما دام بيده مقاليد كل شيء وإليه يرجع الأمر كله.. فلماذا لا يفعل بذاته وبدون وسائط ؟
وما الحاجه إلى كل هذا الملأ ؟ .. والجواب ...
أنها سُنّة الله في خلقه.. فهو يجري الشفاء على يد جراح وكان في قدرته أن يشفي بذاته وهو يجري الأرزاق من باب تجارة أو من باب صناعة وكان في قدرته أن يوصل المال إلى أصحابه مباشرة دون أسباب.. وهو يوصل إلينا العلم بوسائط الكليات والجامعات والمدارس.. بل هو يوصل العلم إلى أنبيائه عن طريق جبريل.. وكان بالإمكان أن يلقيه في روعنا مباشرة..
حتى المعجزة الخارقة فإنه يُجريها بواسطة فيقول عن الحمل الخارق لمريم :
" فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشراً سوياً "
ويقول جبريل لمريم:
" إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً "
وهو أمر كان يمكن أن يفعله الله مباشرة.
تلك إذن سُنّته في الدنيا وتلك أيضاً سُنّته في الآخره حيث يُقيم على النار زبانية لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمَرون وحيث يُقيم على أبواب الجنة ملائكة الرضوان حتى عرشه العظيم سبحانه يقول لنا القرآن أنه محمول يحمله ثمانية
"ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية"
وهم يحملونه ولا شك بقوة الله ذاته فما ضرورتهم..؟؟!!
والجواب ...
لا ضرورة له سوى كرمه هو .. حيث شاء بكرمه أن يعطي صفاته الشافيه للطبيب ويتجلى بأحكام إسمه العليم على العالم ويتجلى بإسمه الرزّاق على التاجر وبإسمه البديع على الفنان ويتكرم بقوته على حاملي عرشه فتلك كلها شواهد كرم منه لا شواهد حاجه إلينا.
ثم إن الوسائط أيضا هي سنتّه.. فهو إذا أراد أن يعالج الجبل سلّط عليه وسائط ماديه مثله لتشكيله.. سلّط عليه الرياح والأمطار والسيول تنحته وتشكّله أو سلّط عليه كائناً مادياً مثل الإنسان ينحت فيه الكهوف والسدود.. ولو أنه سبحانه تجلّى على الجبل مباشرة لجعله دكاً.
وحينما ظهر جبريل على صورته الحقيقية لمحمد عليه الصلاة والسلام خرّ مغشيًا عليه.
إن تفاوت المقامات بين الله وملائكته وبين ملائكته وخلقه من البشر وبين البشر وسائر صنوف المادة الجامدة إستدعى وجود البرازخ والوسائط.. فلا يطيق الأسفل أن يتجلّى عليه الأعلى مباشرة دون واسطة برزخية.
إننا نقذف نواة الذّرة وهي شيء غير منظور بشيء آخر غير منظور وهي قذائف النيوترون فنتخذ وسائط من جنس ما نتعامل معه.. فنحاول الوصول إلى الشيء الخفي باتخاذ برزخ خفي.. وهو مثال من عالمنا.
وجبريل هو البرزخ بين الله وبين محمد عليه الصلاة والسلام في عالم الملكوت وهو أيضًا البرزخ بين الله وبين جميع أنبيائه.. لأنه لا أحد من الانبياء يُطيق الحضرة الإلهية الذاتية مباشرة.. فإن تجلِّي هذه الحضرة يؤدي إلى سحق ومحق كل شيء .. تماماً كما رأينا من حال الجبل الذي أصبح دكاً وموسى الذي خر صعقًا.
إننا بحكم طبيعتنا البشرية لا نحتمل أنوار الذات الإلهية فاستدعى التواصل بين الطبيعتين إلى إتخاذ البرازخ.
وكما أن جبريل هو البرزخ بين الله وبين محمد فكذلك محمد عليه الصلاة والسلام هو برزخنا الأعظم وهو وسيلتنا وواسطتنا وبابنا إلى الفهم عن الله.. لأننا بحكم طبيعتنا المحدودة لا نستطيع أن نصل إلى حضرة الإطلاق دون دليل.
إن الضرورة هنا كانت قيداً علينا نحن، فنحن الضعفاء والله هو القوي ونحن الفقراء إليه وهو سبحانه الغني عنّا.
وكان تنزل الله بين البرازخ ليتواصل معنا كرماً منه ولطفاً وإيناسًا.. لا حاجةً منه إلينا فالله ليس فعالًا بنا بل نحن الذين نفعل به ونحن الذين نرى به ونسمع به ونفهم به ونمشي به ونحيا به.. بل إنه هو.. هو الظاهر بوجهه في كل شيء.
" أينما تولوا فثم وجه الله "
فهو الملك وهو جميع القوى الفعّاله في المملكه من حق وخير وجمال وعدل وكرم وحلم ورأفة ومودة ورحمة وسمع وبصر وعلم فتلك جميعاً أسماؤه تجّلت بأحكامها على ما في المملكة من خلائق.
فإذا سُحِب منا ربنا قيوميته عدنا عدماً واختفى مسرح الوجود كله ولم يبق إلا نوره فهو الحضور المستمر أبداً وأزلاً وهو الظاهر ابداً ونحن الغيب.. وهو الوجود ونحن العدم.. وهو الحُجّة على نفسه وهو برهان وجوده ودليل ذاته وهو ليس في حاجه إلى دليل يدل عليه.
ومن مبدأ القصة حينما كان الله ولا شيء معه.. إلى الآن حيث مازال ربنا هو هو.. على ما عليه كان.. لم يجِدَّ جديد.. فكل ما حدث كان تحصيل حاصل لما في علمه.. ومازال هو على ما عليه كان.. فالقول بحاجة الله إلى جنوده ومملكته يعكس القضية ويقلبها.. تعالى ربنا عن ذلك عُلواً كبيراً.. فلا شيء فعال في مُلكه ومَلكوته سواه إنما هي ثياب ألبسها لنا ومواهب أعطاها لنا وأرزاق وزّعها علينا بل إن لبسه الوجود ذاتها منه.. وليس لنا من ذواتنا إلاّ العدم.
بل اللغز الذي يُحيّرني.. هو ذاتي نفسها.
أنا.. من أكون.. وأنا لست إلاّ كلمة من كلماته ونفخة من روحه..؟!!
أما أحقية الله في كل شيء فهي أظهر من أن تكون محل شك أو مُسائلة.. وبالمثل وجوده وهيمنته وظهوره.
إنما أنا.. ذرة العدم.. التي هي نفسي.. ما أمرها.. وما خطبها وكيف تشخّصت من الأزل.. وكيف جاء بها الله ومعها سرّها وما تكتم ثم أوجدها ليُخرِج مكتومها وابتلاها بالشر والخير لتُفصِح عن سرها وتُفشي مكنونها.
أنا..؟
وهل لي هذه الأنا.. أم أني استعرتها مع ما استعرت من الله.. فهي ثوب ضمن ما ألبسني الله من ثياب.
ذلك هو السر الذي يحيرني رغم أنه لا شيء أقرب إليّ منها.. وهل هناك ما هو أقرب إليّ من نفسي التي بين جنبي.. ومع ذلك فهي الطلسم.. والتيه.. والمحال.
ثم إن اللغز يصل إلى ذروة استسراره حينما نرى الله يأمر ملائكته بالسجود لهذه النفس التي تشخّصت من عدم ويُسخّر لها ملكه وملكوته ويُخضِع لها الكون جميعه.
" سخر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعًا منه "
يقول الله للعبد الكامل في كتاب المواقف والمخاطبات للنفري:
أنت مني.. أنت تليني.. وكل شيء في الوجود يأتي بعدك.. لا شيء يقدر عليك إذا عرفت مقامك ولزمت مقامك.. فأنت أقوى من الأرض والسماء أقوى من الجنه والنار أقوى من الحروف والأسماء.. أقوى من كل ما بدا في دنيا وآخره.
إذا تحققت بسرّك تحققت بي.. أنا الذي منه كل شيء أنا الذي أديت كل شيء.. أنا الذي هو أنا.
إلى هذه الذروه المذهله من التشريف تصل هذه الذره الوجوديه التي هي النفس الانسانيه.
فيقول عنها رب العالمين:
اأنت مني.. أنت تليني.. وكل شيء في الوجود يأتي بعدك.. لا شيء يقدر عليك إذا عرفت مقامك ولزمت مقامك.. فأنت أقوى من الأرض والسماء أقوى من الجنه والنار أقوى من الحروف والأسماء.. أقوى من كل ما بدا في دنيا وآخره ... ( وكل ما في الوجود باديات يبديها ربنا من خفاء ولا يبتديها).
ويقول للعبد الكامل:
إذا تحققت بسرّك تحققت بي.. أنا الذي منه كل شيء.
كيف يارب يتحقق الواحد منا بسره.
إذا عرفت مقامك ولزمت مقامك.
ليس فقط أن يبلغ مقام الكمال بل أيضًا أن يلزم هذا المقام فلا يحيد عنه.. وذلك هو غاية التمكين والتثبيت.
وذلك هو المعراج العظيم الذي لا يقدر عليه الا آحاد بل إن المُلك والملكوت ذاتهما مجرد معارج لهذه النفس الكاملة والدنيا والآخرة منازلها وهي تسير إلى ربها وقد أقدرها الله على الدنيا.. وعلى تجاوزها.. كما أقدرها على الآخرة وعلى تجاوزها في مراقي السير إليه.. تلك هي النفس الطلسم المطلسم.
وتلك هي إمكاناتها حيث اجتمع فيها أقصى العدم وأقصى الوجود.
وحيث هي مني أقرب إليّ من كل شيء وأخفى عليّ من كل شيء فهي التي بدأت من لا شيء وأصبحت أقوى من كل شيء.
وحيث يبلغ إبهامها بي إلى البهت والحيرة والذهول:
من أنا..؟!!!
ومن أكون..؟!!
أنا الذي أسجَد لي الله المُلك والملكوت وسخّر لي الكون أجمع.
أنا الذي أمرض وأشيخ وأموت ويفتك بي ميكروب لا يُرى لفرط تفاهته.
أنا الذي جئت من قطرة ماء مَهين وأنتهي إلى جيفة.
إلهي ... كم تكذب المظاهر وكم تُخفي جلودنا حقائق هائلة تحتها.
وكم تتشابه وجوهنا وتختلف منازلنا.. وكم يمشي في الأسمال والخرق من هم فوق الثريا منزله.
لهفي على ذلك اليوم الذي تهتك فيه الأستار وتفتضح الأسرار ويعرف كل منا من يكون.. ومقدار ما يكون.
وتُرفَع الحجب ويكشف الغطاء ويغدو البصر حديدًا ويُفاجأ كل منا من نفسه بما لا يعلم..
ويعرف كل منا حقيقته وخبيئته
يا له من يوم .. يا له من يوم ..
مقال : الملك والملكوت وانا
من كتاب/ الإسلام ما هو
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝