❞ اتساءل هل هذه العجوز هي نفسها من أربعين سنة؟
ربما هي بطبعها طيبة القلب، بملامحها بريئة الوجه، بطبيعتها جميلة المنظر، حتى وأن كانت عجوز فهى كانت مبتسمة، مبتهجة، كانت تضحك دائما والضحكات لم تفارق وجهها؛ أما الآن فالتجاعيد تغطي وجهها بعد أن كان صافياً ملىء بالنشاط والحيوية.!!
هل تغير حالها؟ نعم ولكن للأسوء!
فكم من مرة قسيت الحياة عليها وشربت من كأس الآلم والوجع،
ها هي بعد أن كان زوجها سند لها في الحياة وكتفاً متكئة عليه؛ ترك لها الحياة بمشقاتها بوجعها بمُرها، وأصبحت وحيدة والعصاة هي سندها وصُحبتها، حتى عيناها ضعف نظرها لم تري إلا بهذا الشىء الذي فوق عينها، لم تتعايش مع هذا الزمن العجيب المليئ بالغدر والشر والخيانة، محملة بما يكفي منها مستسلمة لها، كارهة بما فيها من مخلوقات؛ وتقول : الموت رحمة لي....
# وفاء أشرف
جميلة مارس 🕊️. ❝ ⏤مجموعة من المؤلفين
❞ اتساءل هل هذه العجوز هي نفسها من أربعين سنة؟
ربما هي بطبعها طيبة القلب، بملامحها بريئة الوجه، بطبيعتها جميلة المنظر، حتى وأن كانت عجوز فهى كانت مبتسمة، مبتهجة، كانت تضحك دائما والضحكات لم تفارق وجهها؛ أما الآن فالتجاعيد تغطي وجهها بعد أن كان صافياً ملىء بالنشاط والحيوية.!!
هل تغير حالها؟ نعم ولكن للأسوء!
فكم من مرة قسيت الحياة عليها وشربت من كأس الآلم والوجع،
ها هي بعد أن كان زوجها سند لها في الحياة وكتفاً متكئة عليه؛ ترك لها الحياة بمشقاتها بوجعها بمُرها، وأصبحت وحيدة والعصاة هي سندها وصُحبتها، حتى عيناها ضعف نظرها لم تري إلا بهذا الشىء الذي فوق عينها، لم تتعايش مع هذا الزمن العجيب المليئ بالغدر والشر والخيانة، محملة بما يكفي منها مستسلمة لها، كارهة بما فيها من مخلوقات؛ وتقول : الموت رحمة لي..
❞ مراجعة رواية ماريو وأبو العباس للكاتبة الجميلة د / ريم بسيوني :
إن للجبن ضريبةً باهظة يظل المرء يدفعها طيلة حياته كما يظل ينتقل من مشكلة لأخرى ويعاني الأمرَّين ويكابد المشقات على مدار الطريق ذلك لأن التخاذل لم يكن يوماً من شِيم الأقوياء وهو المصير الطبيعي لأفعالهم الوضيعة ، فقد تخلَّف عن الدفاع عن بلاده بشجاعة واستبسال وحمايته من يد الطُغاة المستعمرين الذين وضعوا قبضتهم عليه مُصرِّين على البقاء فيه لأبد الآبدين معتقدين أن في هذا حقاً لهم ، فلم تكن إراقة الدماء واستباحة الأراضي وإزهاق الأرواح حقاً لأحد ذات يوم ولكنها الظنون الوهمية التي تمحق البلاد كافة وتطمس تاريخها وتُدمِّر كل شبر فيها بلا التفات من أحد مواطنيها وهذا أكبر عار قد يصدر عن أحد ، هذا ما تبدَّى لنا في بداية الأحداث ورُغم أنه أبلى بلاءً حسناً في بعض الحروب الأخرى وتجلَّت شجاعته وحرصه على نُصرة تلك البلاد وإرجاع الحقوق لأصحابها فكان من الأجدر والأولَى أنْ يدافع عن أرض وطنه التي ينتمي إليها وتربَّى فيها بالفعل بدلاً من الحفاظ على أراضي الغير من أيدي المعتدين ،
فقد غادر بطل الرواية أبو العباس المُرسي أراضيه في الأندلس بعدما احتلها الفرنجة وفَرَّ هارباً مع أسرته قاصداً تونس هو وجميع مَنْ في البلاد ، وحدث ما لم يكن في الحسبان فقَبْل الوصول انشقت السفينة وابتلعهم البحر جميعاً ولم ينجُ من الركاب سوى هو وأخوه الذي ظل يبحث عنه وقتاً طويلاً حتى عثر عليه وحينها استمرا في البحث عن أهلهما ولم يجدا أثراً لهم ، أصابهما الحزن الشديد ومن ثَم قرر محمد أخوه أنْ يلتفت لحياته ويستمر في ممارسة تجارة القمح التي تركها له والده ولم يتمكن أحمد من ممارسة الحياة بسهولة لفترة طويلة إلى أنْ وجد وسيلة للعيش بمرور الوقت فقد التقى بفتاة ساعدها في جلب الماء من البئر فعَمِل لدى والدها الشيخ لفترة ما وتعرَّض للمزيد من المشاكل معه انتهت بزَجِّه في السجن على جُرم لم يقترفه حينما وشاه للوالي فذهب إليه أخوه وأَخرجه ونصحه بألا يفتعل المشكلات مع الآخرين وليتذكر أنه ليس بوطنه كي يحميه أحد أو يُنقذه ولكنه لم يُنصت إليه فلم يكن يحب الظلم أو يرغب في تفشيه على يد أي امرئ ظالم يبطش بكل عبد ضعيف أو ذي حاجة ، ثم انتقل إلى الإسكندرية التي أحبَها كثيراً وكان يتعجب من جمالها وبخاصةً الفنار الذي لفَته وقرر البحث عن طريقة تشييده وكيف تعمل تلك المرآة العاكسة داخله ، ظل ينتقل ويرتحل بين البلدان حتى استقر به الحال في المنصورة التي كانت بداية الحروب حيث هزم التتار في دمياط وكان يشعر أنه من الصعب عليهم الدخول للمنصورة ولكن بمرور الوقت دلَّهم أحد الخونة على معبر يمكِّنهم من استعمار تلك البلاد وقد كان تسلل جيش الأعداء إلى هذا الممر السري وتمكَّنوا من وضع قبضتهم على المنصورة ولكن الجيش قد وضع خُطةً محكمة من أجل القضاء عليهم إذْ أظهروا الهزيمة واختبأوا داخل أزقة البلاد وحينما دخل الفرنجة هاجموهم وأطاحوا بهم وقضوا عليهم جميعاً ولما جاء موعد الملك أشار إليهم أحمد أبو العباس بالابتعاد فلا يَصِح أنْ يتم قتل الملك وأمرهم بأسره وإرساله إلى قصر بن لقمان ليكون عبرة لمَنْ يأتي من بَعْده ، ثم هتف الجميع باسمه وهلَّلوا لهذا النصر العظيم الذي تحقَّق على يده ومن ثم ذهب إلى بيبرس أحد قادة الأمراء المماليك وقتها فكان فخوراً به للغاية حينما أتاه بالملك أسيراً وقد أراد مكافأته فخيَّره بين الولاية والمال فلم يختَر أيهما فكل ما أراده هو العودة لبلاده فوافق بيبرس على الفور ولكنه كان حزيناً لهذا الرحيل ، مشتاقاً لتلك الفتاة المحاربة التي قابلها في بداية الحرب في دمياط ولكنه لم يجدها حينما عثر عليها في المكان الذي أخبرته عنه في دمياط فقرر العودة على ألا يتوقف عن مسيرة البحث عنها ، ولما عاد التقى بأحد الشيوخ الذي اعتمد عليه في كل شيء وكان يحضر دروسه وتقرَّب منه شيئاً فشيئاً حتى أحبَه فكان يشعر به دون أنْ يتكلم ، وفي أحد المرات شعر بأن هناك أمراً يشغله ويؤرقه فلما لم يحكِ عرف من تلقاء نفسه وأخبره أن ما قد يبحث عنه وينتقل من مكان لآخر قاصداً إياه قد يكون صوب عينيه دون أنْ يدري ، لم يفهم كلامه في بادئ الأمر ولكن بالتدريج اتضح الأمر حينما وجدها أمامه وقد كانت ابنة الشيخ ، لم يكن يُصدِّق عينيه ، طلب الزواج منها على الفور فقد أحبَها حباً جماً ، عاش حياته معها في نعيم وسعادة غير مرتقبة النظير ، ورُزقا بالبنين والبنات ، وقد قرر الشيخ أن يُولِّيه بعض المهام فطلب منه إعطاء الدروس في القاهرة ، في البداية لم يكن مُرحِّباً بالأمر ولكن بمرور الوقت قرر الذهاب وأخذ زوجته وأولاده معه إذْ لم يتمكن من فراقها يوماً ، وَفَّر لهم مكاناً آمناً يعيشون فيه كان شيخه قد أخبره عنه قبل السفر مباشرةً وقد بدأ رحلة الوعظ وإلقاء الدروس ودَلْ الناس على طريق الله ، كان خائفاً في البداية من قبول الناس له ولكن الله فتح عليه بالكلمة التي كانت تخرج من قلبه بصِدق فتدخل القلوب وتمسَّها وتؤثر فيها فقد كان الجميع يشعرون بالراحة فور الاستماع إليه ، ظل كذلك إلى أنْ انتهت المدة وعاد للأسكندرية وقد تتابعت تلك الدروس إلى أنْ اعتادها الناس جميعاً وكانوا يشتاقون إليها إلى أنْ حدث أمر جلل أصابه هو وزوجته بالجزع فقررا الرحيل تماماً من هذا المكان المشئوم إذْ وفر لهم أبو العباس مكاناً أكثر سعةً ورحابةً ولكن كان يسكنه شيخٌ لا يَطيق الأطفال فإذا به يدفع بأبنائه من فوق الدرَج فمات أحدهم وقد فجَع هذا الحدث قلبيهما ، رغبت لطيفة في أنْ يُعيد زوجها حقه ولكنه لم يجد الوسيلة المناسبة لذلك ، ظل واجماً حزيناً لفترة لا بأس بها ، وكانت تشعر بالضيق تجاهه لأنه لا يتصرف فكيف يمكنه تجاهل الأمر لتلك الدرجة البغيضة ، تركت له البيت وعادت لأبيها رُغم أنها على علم أنه لا يوجد حل يُعيد المفقود إلى حضنها مرة أخرى ، مرَّت الأيام وقد اعتصرهما الحزن وفتَّت قلبيهما ولكن ما باليد حيلة ، قررت العودة إلى بيت زوجها وكانت تخشى مواجهته بما حدث بينهما من خلاف بفعل عجزه عن إرجاع حق ابنهما ، ثم سافر إلى الحج مع أبيها وفي تلك الرحلة تُوفي والدها وشيخه ولم يكن يعرف كيف سيُخبرها بالأمر عند العودة ، كان قد عَزم أمره على استكمال الرحلة فلم يرجع سوى بعد إتمام الحج وقد لَامه الجميع على ذلك ، وحينما عاد إلى الإسكندرية انقلب عليه الجميع خاصةً حينما حثهم عبد البارئ على ذلك ، فقد كان يضمُر الشر والحقد تجاه أبي العباس حيث غار منه حينما صار خليفة الشيخ لأنه كان يرى عدم أحقيته بهذا الأمر وأنه الأجدر به حيث جاء قبله وحضر دروس الشيخ قبل أنْ يأتي أحمد إلى الإسكندرية من الأساس ، حشد الجميع ضده حتى أن متولي الإسكندرية كان يرغب في طرده وقد هدد الجميع بالعقاب العسير إنْ حضر أحدهم دروس الشيخ أو لمحهم في مجلسه فقد ارتعب الجميع واعتزلوا الشيخ تماماً ، عاني كثيراً من انصراف الناس عنه ولم يَستعِد مكانته سوى بعد مرور وقت طويل حينما رحل المتولي من البلاد تماماً حينها بدأ يسترجع وضعه وبدأت القلة القليلة تحضر دورسه مرة أخرى حتى الصيادون وتجار العبيد ، وكانت المفارقة من هنا فكيف يمكن لشخص أنْ يحبه البشر أجمعين ثم ينصرفوا عنه تماماً وكان هذا بفعل الاتحاد والتكالب الذي حدث ضده من قُبيل زميله عبد البارئ وتقي الدين فقيه الإسكندرية وقتها وهما مَنْ شنَّا الحرب ضده وجعلا متولي الإسكندرية يتخذ هذا الموقف العنيف ضده ، ولكن ما أعجبني بشدة هو براعة الكاتبة في إخراج البطل من قوقعة الإنسان المثالي فقد جذبته الدنيا في بعض المحطات فهو كبقية البشر لا يسلَم من مغرياتها ، فقد تعرَّض لمزيد من الهفوات والكبوات التي لولا تعلُّقه بالله لاجتذبه الدنيا بكل ما فيها من متاع ولكنه كان يتصدى لها ويجتنبها بقدر الإمكان حيث كان رجلاً تقياً زاهداً في الدنيا لا يبغى سوى رضا الله وقربه ، لذا حاول مجاهدة نفسه ومحاربتها من أجل الثبات على مبادئه ومعتقداته التي كان يدعو الناس إليها طوال الوقت فقد كان يستغفر ويتوب إلى الله على الفور ، وقد حدث هذا في موقفين حينما طلب منه السلطان بيبرس أنْ يصير شيخه ويعاونه في كل أموره ولكنه رفض رفضاً قاطعاً باتاً ، كان سيضعف في بادئ الأمر حينما فكَّر أن بهذا قد تسير أمور حياته بمزيد من السلاسة والمرونة ويتمكن من تلبية حاجيات أبنائه بسهولة ولكنه قد يضحي في المقابل بكل ما وصل إليه من عِلم وتاريخه الماضي الذي بذل فيه جهداً مضنياً ، وحينما اغتر بذاته وأصابه بعض الزَهو والكِبر حينما شعر من زوجته أنها تغار عليه من نجمة خاتون ملكة الديار المصرية التي كانت تفوقها جمالاً وجاهاً وسُلطةً وقد تعجَّب من هذا الأمر فكيف تفكر فيه بتلك الطريقة وهو شيخ ؟ ، كيف توقعت منه الغدر والخيانة ونقض العهد ولا يفعل ذلك شخص عادي ؟ ، حينها شعر أنه رأى ذاته في مكانة أعلى من كل البشر وتراجع واعتذر عمَّا بدر منه بالفعل وطلب منها الصَفح والسماح ،
الجدير بالذكر أن أبا العباس حظى بحب الناس حيث التف حوله الجميع وكانوا يعتبرونه عَلماً من أعلام بلادهم ورمزاً لهم حينما وجدوا في كلماته الراحة والسكون ولمست قلوبهم وأثرت فيهم بقدر كبير لأنها خرجت بصِدق من قلبه وقد دعاهم لسبيل الله ودلهم على الطريق السليم ، وبمرور الوقت ذاع صيته في الإسكندرية رغم أنها لم تكن موطنه الأصلي ، كما شُيِّد مسجد باسمه بناه أكبر مهندس معماري قَدِم من إيطاليا وكأنه بُعِث خِصيصاً لبناء هذا المسجد العريق الذي برع في رسم كل ركن من أركانه ليُعبِّر عن هذا الشيخ العظيم الذي بجَّله الجميع ورفعوا اسمه على مرِّ الزمان نظراً لقلبه النادر بين الورى ، وكان يُخيَّل إليه وقت البناء أنه يتحدث إليه أو بالكاد يعرفه عن طريق وصف الناس له كما رسم صورة له أثناء البناء وكأنه يحاول التقرب إليه وتوطيد علاقته به رغم أنه لم يَره وقد انتهى منها مع انتهائه من بناء المسجد بعد ستة عشر عاماً وقد بنى هذا المسجد تخليداً لاسمه وإبقاءً لأثره بعد الممات ، حقاً إن ترك البصمة في قلوب البشر هي غاية كل الخَلْق وما يصبو إليه الجميع بلا استثناء فيظلون يطمحون لهذا طوال أعمارهم وها قد تحقَّقت لهذا الرجل الخلوق الذي أحبه الجميع رغم اختلاف البعض عليه والتشكيك في نواياه في بادئ الأمر فقد تغيَّرت وجهات نظرهم حينما تقربوا إليه وبدأوا في حضور بعض الدورس التي كان يُلقيها لمَنْ يرغب في التقرب من الله والعمل لآخرته ، لم يكن أبو العباس كغيره من البشر ، كان زاهداً في الدنيا بالقَدْر الذي يجعله لا يرغب في نيل أي شيء منها وكل ما كان يتمناه أنْ يظل قريباً من ربه أو يَلقاه في أقرب وقت ممكن وقد كان ، حزنت كثيراً لهذا الحدث المُفجِع فقد تعلَّقت كثيراً بقصة كفاح هذا البطل المغوار الذي ضحى بحياته في سبيل الحفاظ على معتقداته ومبادئه وما كان مؤمناً به ولم يُفرِّط فيه رغم كثرة المغريات من حوله ...
مما أعجبني ؛
لقد سارت الرواية على خط متوازن لم يختل للحظة لدرجة أنك لا تفقد الشخصيات أو تتيه لوهلة كما أنها تصف أحداث حقيقية واقعية ذكَّرتني بالماضي الذي استرجعت بعض أحداثه فور القراءة المُتمعِّنة لتلك السطور البديعة التي أطرَبت القلب وشحنت الفؤاد بالطاقة وملأته بالسعادة التي غمرته على فوهته فقد غيَّرت وجهة نظري في التاريخ بالكامل ...
أبدعتِ أستاذة ريم ولن تكون أول وآخر رواية بمشيئة الله ... ❤️
#خلود_أيمن #مراجعات #روايات .. ❝ ⏤Kholoodayman1994 Saafan
❞ مراجعة رواية ماريو وأبو العباس للكاتبة الجميلة د / ريم بسيوني :
إن للجبن ضريبةً باهظة يظل المرء يدفعها طيلة حياته كما يظل ينتقل من مشكلة لأخرى ويعاني الأمرَّين ويكابد المشقات على مدار الطريق ذلك لأن التخاذل لم يكن يوماً من شِيم الأقوياء وهو المصير الطبيعي لأفعالهم الوضيعة ، فقد تخلَّف عن الدفاع عن بلاده بشجاعة واستبسال وحمايته من يد الطُغاة المستعمرين الذين وضعوا قبضتهم عليه مُصرِّين على البقاء فيه لأبد الآبدين معتقدين أن في هذا حقاً لهم ، فلم تكن إراقة الدماء واستباحة الأراضي وإزهاق الأرواح حقاً لأحد ذات يوم ولكنها الظنون الوهمية التي تمحق البلاد كافة وتطمس تاريخها وتُدمِّر كل شبر فيها بلا التفات من أحد مواطنيها وهذا أكبر عار قد يصدر عن أحد ، هذا ما تبدَّى لنا في بداية الأحداث ورُغم أنه أبلى بلاءً حسناً في بعض الحروب الأخرى وتجلَّت شجاعته وحرصه على نُصرة تلك البلاد وإرجاع الحقوق لأصحابها فكان من الأجدر والأولَى أنْ يدافع عن أرض وطنه التي ينتمي إليها وتربَّى فيها بالفعل بدلاً من الحفاظ على أراضي الغير من أيدي المعتدين ،
فقد غادر بطل الرواية أبو العباس المُرسي أراضيه في الأندلس بعدما احتلها الفرنجة وفَرَّ هارباً مع أسرته قاصداً تونس هو وجميع مَنْ في البلاد ، وحدث ما لم يكن في الحسبان فقَبْل الوصول انشقت السفينة وابتلعهم البحر جميعاً ولم ينجُ من الركاب سوى هو وأخوه الذي ظل يبحث عنه وقتاً طويلاً حتى عثر عليه وحينها استمرا في البحث عن أهلهما ولم يجدا أثراً لهم ، أصابهما الحزن الشديد ومن ثَم قرر محمد أخوه أنْ يلتفت لحياته ويستمر في ممارسة تجارة القمح التي تركها له والده ولم يتمكن أحمد من ممارسة الحياة بسهولة لفترة طويلة إلى أنْ وجد وسيلة للعيش بمرور الوقت فقد التقى بفتاة ساعدها في جلب الماء من البئر فعَمِل لدى والدها الشيخ لفترة ما وتعرَّض للمزيد من المشاكل معه انتهت بزَجِّه في السجن على جُرم لم يقترفه حينما وشاه للوالي فذهب إليه أخوه وأَخرجه ونصحه بألا يفتعل المشكلات مع الآخرين وليتذكر أنه ليس بوطنه كي يحميه أحد أو يُنقذه ولكنه لم يُنصت إليه فلم يكن يحب الظلم أو يرغب في تفشيه على يد أي امرئ ظالم يبطش بكل عبد ضعيف أو ذي حاجة ، ثم انتقل إلى الإسكندرية التي أحبَها كثيراً وكان يتعجب من جمالها وبخاصةً الفنار الذي لفَته وقرر البحث عن طريقة تشييده وكيف تعمل تلك المرآة العاكسة داخله ، ظل ينتقل ويرتحل بين البلدان حتى استقر به الحال في المنصورة التي كانت بداية الحروب حيث هزم التتار في دمياط وكان يشعر أنه من الصعب عليهم الدخول للمنصورة ولكن بمرور الوقت دلَّهم أحد الخونة على معبر يمكِّنهم من استعمار تلك البلاد وقد كان تسلل جيش الأعداء إلى هذا الممر السري وتمكَّنوا من وضع قبضتهم على المنصورة ولكن الجيش قد وضع خُطةً محكمة من أجل القضاء عليهم إذْ أظهروا الهزيمة واختبأوا داخل أزقة البلاد وحينما دخل الفرنجة هاجموهم وأطاحوا بهم وقضوا عليهم جميعاً ولما جاء موعد الملك أشار إليهم أحمد أبو العباس بالابتعاد فلا يَصِح أنْ يتم قتل الملك وأمرهم بأسره وإرساله إلى قصر بن لقمان ليكون عبرة لمَنْ يأتي من بَعْده ، ثم هتف الجميع باسمه وهلَّلوا لهذا النصر العظيم الذي تحقَّق على يده ومن ثم ذهب إلى بيبرس أحد قادة الأمراء المماليك وقتها فكان فخوراً به للغاية حينما أتاه بالملك أسيراً وقد أراد مكافأته فخيَّره بين الولاية والمال فلم يختَر أيهما فكل ما أراده هو العودة لبلاده فوافق بيبرس على الفور ولكنه كان حزيناً لهذا الرحيل ، مشتاقاً لتلك الفتاة المحاربة التي قابلها في بداية الحرب في دمياط ولكنه لم يجدها حينما عثر عليها في المكان الذي أخبرته عنه في دمياط فقرر العودة على ألا يتوقف عن مسيرة البحث عنها ، ولما عاد التقى بأحد الشيوخ الذي اعتمد عليه في كل شيء وكان يحضر دروسه وتقرَّب منه شيئاً فشيئاً حتى أحبَه فكان يشعر به دون أنْ يتكلم ، وفي أحد المرات شعر بأن هناك أمراً يشغله ويؤرقه فلما لم يحكِ عرف من تلقاء نفسه وأخبره أن ما قد يبحث عنه وينتقل من مكان لآخر قاصداً إياه قد يكون صوب عينيه دون أنْ يدري ، لم يفهم كلامه في بادئ الأمر ولكن بالتدريج اتضح الأمر حينما وجدها أمامه وقد كانت ابنة الشيخ ، لم يكن يُصدِّق عينيه ، طلب الزواج منها على الفور فقد أحبَها حباً جماً ، عاش حياته معها في نعيم وسعادة غير مرتقبة النظير ، ورُزقا بالبنين والبنات ، وقد قرر الشيخ أن يُولِّيه بعض المهام فطلب منه إعطاء الدروس في القاهرة ، في البداية لم يكن مُرحِّباً بالأمر ولكن بمرور الوقت قرر الذهاب وأخذ زوجته وأولاده معه إذْ لم يتمكن من فراقها يوماً ، وَفَّر لهم مكاناً آمناً يعيشون فيه كان شيخه قد أخبره عنه قبل السفر مباشرةً وقد بدأ رحلة الوعظ وإلقاء الدروس ودَلْ الناس على طريق الله ، كان خائفاً في البداية من قبول الناس له ولكن الله فتح عليه بالكلمة التي كانت تخرج من قلبه بصِدق فتدخل القلوب وتمسَّها وتؤثر فيها فقد كان الجميع يشعرون بالراحة فور الاستماع إليه ، ظل كذلك إلى أنْ انتهت المدة وعاد للأسكندرية وقد تتابعت تلك الدروس إلى أنْ اعتادها الناس جميعاً وكانوا يشتاقون إليها إلى أنْ حدث أمر جلل أصابه هو وزوجته بالجزع فقررا الرحيل تماماً من هذا المكان المشئوم إذْ وفر لهم أبو العباس مكاناً أكثر سعةً ورحابةً ولكن كان يسكنه شيخٌ لا يَطيق الأطفال فإذا به يدفع بأبنائه من فوق الدرَج فمات أحدهم وقد فجَع هذا الحدث قلبيهما ، رغبت لطيفة في أنْ يُعيد زوجها حقه ولكنه لم يجد الوسيلة المناسبة لذلك ، ظل واجماً حزيناً لفترة لا بأس بها ، وكانت تشعر بالضيق تجاهه لأنه لا يتصرف فكيف يمكنه تجاهل الأمر لتلك الدرجة البغيضة ، تركت له البيت وعادت لأبيها رُغم أنها على علم أنه لا يوجد حل يُعيد المفقود إلى حضنها مرة أخرى ، مرَّت الأيام وقد اعتصرهما الحزن وفتَّت قلبيهما ولكن ما باليد حيلة ، قررت العودة إلى بيت زوجها وكانت تخشى مواجهته بما حدث بينهما من خلاف بفعل عجزه عن إرجاع حق ابنهما ، ثم سافر إلى الحج مع أبيها وفي تلك الرحلة تُوفي والدها وشيخه ولم يكن يعرف كيف سيُخبرها بالأمر عند العودة ، كان قد عَزم أمره على استكمال الرحلة فلم يرجع سوى بعد إتمام الحج وقد لَامه الجميع على ذلك ، وحينما عاد إلى الإسكندرية انقلب عليه الجميع خاصةً حينما حثهم عبد البارئ على ذلك ، فقد كان يضمُر الشر والحقد تجاه أبي العباس حيث غار منه حينما صار خليفة الشيخ لأنه كان يرى عدم أحقيته بهذا الأمر وأنه الأجدر به حيث جاء قبله وحضر دروس الشيخ قبل أنْ يأتي أحمد إلى الإسكندرية من الأساس ، حشد الجميع ضده حتى أن متولي الإسكندرية كان يرغب في طرده وقد هدد الجميع بالعقاب العسير إنْ حضر أحدهم دروس الشيخ أو لمحهم في مجلسه فقد ارتعب الجميع واعتزلوا الشيخ تماماً ، عاني كثيراً من انصراف الناس عنه ولم يَستعِد مكانته سوى بعد مرور وقت طويل حينما رحل المتولي من البلاد تماماً حينها بدأ يسترجع وضعه وبدأت القلة القليلة تحضر دورسه مرة أخرى حتى الصيادون وتجار العبيد ، وكانت المفارقة من هنا فكيف يمكن لشخص أنْ يحبه البشر أجمعين ثم ينصرفوا عنه تماماً وكان هذا بفعل الاتحاد والتكالب الذي حدث ضده من قُبيل زميله عبد البارئ وتقي الدين فقيه الإسكندرية وقتها وهما مَنْ شنَّا الحرب ضده وجعلا متولي الإسكندرية يتخذ هذا الموقف العنيف ضده ، ولكن ما أعجبني بشدة هو براعة الكاتبة في إخراج البطل من قوقعة الإنسان المثالي فقد جذبته الدنيا في بعض المحطات فهو كبقية البشر لا يسلَم من مغرياتها ، فقد تعرَّض لمزيد من الهفوات والكبوات التي لولا تعلُّقه بالله لاجتذبه الدنيا بكل ما فيها من متاع ولكنه كان يتصدى لها ويجتنبها بقدر الإمكان حيث كان رجلاً تقياً زاهداً في الدنيا لا يبغى سوى رضا الله وقربه ، لذا حاول مجاهدة نفسه ومحاربتها من أجل الثبات على مبادئه ومعتقداته التي كان يدعو الناس إليها طوال الوقت فقد كان يستغفر ويتوب إلى الله على الفور ، وقد حدث هذا في موقفين حينما طلب منه السلطان بيبرس أنْ يصير شيخه ويعاونه في كل أموره ولكنه رفض رفضاً قاطعاً باتاً ، كان سيضعف في بادئ الأمر حينما فكَّر أن بهذا قد تسير أمور حياته بمزيد من السلاسة والمرونة ويتمكن من تلبية حاجيات أبنائه بسهولة ولكنه قد يضحي في المقابل بكل ما وصل إليه من عِلم وتاريخه الماضي الذي بذل فيه جهداً مضنياً ، وحينما اغتر بذاته وأصابه بعض الزَهو والكِبر حينما شعر من زوجته أنها تغار عليه من نجمة خاتون ملكة الديار المصرية التي كانت تفوقها جمالاً وجاهاً وسُلطةً وقد تعجَّب من هذا الأمر فكيف تفكر فيه بتلك الطريقة وهو شيخ ؟ ، كيف توقعت منه الغدر والخيانة ونقض العهد ولا يفعل ذلك شخص عادي ؟ ، حينها شعر أنه رأى ذاته في مكانة أعلى من كل البشر وتراجع واعتذر عمَّا بدر منه بالفعل وطلب منها الصَفح والسماح ،
الجدير بالذكر أن أبا العباس حظى بحب الناس حيث التف حوله الجميع وكانوا يعتبرونه عَلماً من أعلام بلادهم ورمزاً لهم حينما وجدوا في كلماته الراحة والسكون ولمست قلوبهم وأثرت فيهم بقدر كبير لأنها خرجت بصِدق من قلبه وقد دعاهم لسبيل الله ودلهم على الطريق السليم ، وبمرور الوقت ذاع صيته في الإسكندرية رغم أنها لم تكن موطنه الأصلي ، كما شُيِّد مسجد باسمه بناه أكبر مهندس معماري قَدِم من إيطاليا وكأنه بُعِث خِصيصاً لبناء هذا المسجد العريق الذي برع في رسم كل ركن من أركانه ليُعبِّر عن هذا الشيخ العظيم الذي بجَّله الجميع ورفعوا اسمه على مرِّ الزمان نظراً لقلبه النادر بين الورى ، وكان يُخيَّل إليه وقت البناء أنه يتحدث إليه أو بالكاد يعرفه عن طريق وصف الناس له كما رسم صورة له أثناء البناء وكأنه يحاول التقرب إليه وتوطيد علاقته به رغم أنه لم يَره وقد انتهى منها مع انتهائه من بناء المسجد بعد ستة عشر عاماً وقد بنى هذا المسجد تخليداً لاسمه وإبقاءً لأثره بعد الممات ، حقاً إن ترك البصمة في قلوب البشر هي غاية كل الخَلْق وما يصبو إليه الجميع بلا استثناء فيظلون يطمحون لهذا طوال أعمارهم وها قد تحقَّقت لهذا الرجل الخلوق الذي أحبه الجميع رغم اختلاف البعض عليه والتشكيك في نواياه في بادئ الأمر فقد تغيَّرت وجهات نظرهم حينما تقربوا إليه وبدأوا في حضور بعض الدورس التي كان يُلقيها لمَنْ يرغب في التقرب من الله والعمل لآخرته ، لم يكن أبو العباس كغيره من البشر ، كان زاهداً في الدنيا بالقَدْر الذي يجعله لا يرغب في نيل أي شيء منها وكل ما كان يتمناه أنْ يظل قريباً من ربه أو يَلقاه في أقرب وقت ممكن وقد كان ، حزنت كثيراً لهذا الحدث المُفجِع فقد تعلَّقت كثيراً بقصة كفاح هذا البطل المغوار الذي ضحى بحياته في سبيل الحفاظ على معتقداته ومبادئه وما كان مؤمناً به ولم يُفرِّط فيه رغم كثرة المغريات من حوله ..
مما أعجبني ؛
لقد سارت الرواية على خط متوازن لم يختل للحظة لدرجة أنك لا تفقد الشخصيات أو تتيه لوهلة كما أنها تصف أحداث حقيقية واقعية ذكَّرتني بالماضي الذي استرجعت بعض أحداثه فور القراءة المُتمعِّنة لتلك السطور البديعة التي أطرَبت القلب وشحنت الفؤاد بالطاقة وملأته بالسعادة التي غمرته على فوهته فقد غيَّرت وجهة نظري في التاريخ بالكامل ..
أبدعتِ أستاذة ريم ولن تكون أول وآخر رواية بمشيئة الله .. ❤️
#خلود_أيمن#مراجعات#روايات. ❝
❞ كان قيس بن سعيد بن عبادة رض الله عنهما من الأجواد المعروفين ، حتى إنه مرض مرة ، فإستبطأ إخوانه في زيارته ، فسأل عنهم فقالوا إنهم كانوا يستحيون مما لك عليهم من دين ، فقال : أخزى الله مالا يمنع الإخوان من الزيارة ، ثم أمر مناديا ينادي : من كان لقيس عليه مال فهو عنه في حل ، فما أمس حتى كُسرت عتبة بابه لكُثرة من زاره ذلك اليوم .
وقالوا له يوما : هل رأيت أسخى منك ؟ فقال : نعم ، نزلنا بالبادية على إمرأة. ، فحضر زوجها ، فقالت إنه نزل بك ضيفان ، فجاء بناقة فنحرها ، فقال : شأنكم ، فما كان من الغد جاء بأخرى فنحرها ، فقلنا : ما أكلنا من التي نحرت البارحةإلا اليسير ، فقال إني لا أطعم ضيفاني البائت ، فبقينا عنده يومين او ثلاثة ، والسماء تمطر ، وهو يفعل ذلك ، فلما أردنا الرحيل وضعنا مائة دينار في بيته ، وقلنا للمرأة إعتذري لنا إليه ، ومضينا ، فلما طلع النهار إذا نحن برجل يصيح خلفنا : قفوا أيها الركب اللئام ، أعطيتموني ثمن ضيافتي لكم ؟ ثم إنه لحقنا وقال : لتأخذنه أو لاطاعننكم برمحي ، فأخذناه وإنصرف .. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ كان قيس بن سعيد بن عبادة رض الله عنهما من الأجواد المعروفين ، حتى إنه مرض مرة ، فإستبطأ إخوانه في زيارته ، فسأل عنهم فقالوا إنهم كانوا يستحيون مما لك عليهم من دين ، فقال : أخزى الله مالا يمنع الإخوان من الزيارة ، ثم أمر مناديا ينادي : من كان لقيس عليه مال فهو عنه في حل ،˝ فما أمس حتى كُسرت عتبة بابه لكُثرة من زاره ذلك اليوم .
وقالوا له يوما : هل رأيت أسخى منك ؟ فقال : نعم ، نزلنا بالبادية على إمرأة. ، فحضر زوجها ، فقالت إنه نزل بك ضيفان ، فجاء بناقة فنحرها ، فقال : شأنكم ، فما كان من الغد جاء بأخرى فنحرها ، فقلنا : ما أكلنا من التي نحرت البارحة˝إلا اليسير ، فقال إني لا أطعم ضيفاني البائت ، فبقينا عنده يومين او ثلاثة ، والسماء تمطر ، وهو يفعل ذلك ، فلما أردنا الرحيل وضعنا مائة دينار في بيته ، وقلنا للمرأة إعتذري لنا إليه ، ومضينا ، فلما طلع النهار إذا نحن برجل يصيح خلفنا :˝ قفوا أيها الركب اللئام ، أعطيتموني ثمن ضيافتي لكم ؟ ثم إنه لحقنا وقال : لتأخذنه أو لاطاعننكم برمحي ، فأخذناه وإنصرف. ❝
❞ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)
قوله تعالى : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف القائل هو يهوذا ، وهو أكبر ولد يعقوب ; قاله ابن عباس . وقيل : روبيل ، وهو ابن خالته ، وهو الذي قال : " فلن أبرح الأرض " الآية . وقيل : شمعون .
وألقوه في غيابة الجب قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة في غيابة الجب . وقرأ أهل المدينة " في غيابات الجب " واختار أبو عبيد التوحيد ; لأنه على موضع واحد ألقوه فيه ، وأنكر الجمع لهذا . قال النحاس : وهذا تضييق في اللغة ; " وغيابات " على الجمع يجوز من وجهين : حكى سيبويه سير عليه عشيانات وأصيلانات ، يريد عشية وأصيلا ، فجعل كل وقت منها عشية وأصيلا ; فكذا جعل كل موضع مما يغيب غيابة . والآخر - أن يكون في الجب غيابات ( جماعة ) . ويقال : غاب يغيب غيبا وغيابة وغيابا ; كما قال الشاعر :
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث أنا ذاكما قد غيبتني غيابيا
قال الهروي : والغيابة شبه لجف أو طاق في البئر فويق الماء ، يغيب الشيء عن العين . وقال ابن عزيز : كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة . قلت : ومنه قيل للقبر غيابة ; قال الشاعر :
فإن أنا يوما غيبتني غيابتي فسيروا بسيري في العشيرة والأهل
والجب الركية التي لم تطو ، فإذا طويت فهي في بئر ; فقال الأعشى :
لئن كنت في جب ثمانين قامة ورقيت أسباب السماء بسلم
وسميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا ; وجمع الجب جببة وجباب وأجباب ; وجمع بين الغيابة والجب لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم من الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين . قيل : هو بئر بيت المقدس ، وقيل : هو بالأردن ; قاله وهب بن منبه . مقاتل : وهو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب .
الثانية : قوله تعالى : يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين جزم على جواب الأمر . وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن وقتادة : " تلتقطه " بالتاء ، وهذا محمول على المعنى ; لأن بعض السيارة سيارة ; وقال سيبويه : سقطت بعض أصابعه ، وأنشد :
وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم
وقال آخر :
أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال
ولم يقل شرق ولا أخذت . والسيارة الجمع الذي يسيرون في الطريق للسفر ; وإنما قال القائل هذا حتى لا يحتاجوا إلى حمله إلى موضع بعيد ويحصل المقصود ; فإن من التقطه من السيارة يحمله إلى موضع بعيد ; وكان هذا وجها في التدبير حتى لا يحتاجوا إلى الحركة بأنفسهم ، فربما لا يأذن لهم أبوهم ، وربما يطلع على قصدهم .
الثالثة : وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء لا أولا ولا آخرا ; لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلم ، بل كانوا مسلمين ، فارتكبوا معصية ثم تابوا . وقيل : كانوا أنبياء ، ولا يستحيل في العقل زلة نبي ، فكانت هذه زلة منهم ; وهذا يرده أن الأنبياء معصومون من الكبائر على ما قدمناه . وقيل : ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء ثم نبأهم الله ; وهذا أشبه ، والله أعلم .
الرابعة : قال ابن وهب قال مالك : طرح يوسف في الجب وهو غلام ، وكذلك روى ابن القاسم عنه ، يعني أنه كان صغيرا ; والدليل عليه قوله تعالى : لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة قال : ولا يلتقط إلا الصغير ; وقوله : وأخاف أن يأكله الذئب وذلك أمر يختص بالصغار ; وقولهم : أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون .
الخامسة : الالتقاط تناول الشيء من الطريق ; ومنه اللقيط واللقطة ، ونحن نذكر من أحكامها ما دلت عليه الآية والسنة ، وما قال في ذلك أهل العلم واللغة ; قال ابن عرفة : الالتقاط وجود الشيء على غير طلب ، ومنه قوله تعالى : يلتقطه بعض السيارة أي يجده من غير أن يحتسبه . وقد اختلف العلماء في اللقيط ; فقيل : أصله الحرية لغلبة الأحرار على العبيد ; وروي عن الحسن بن علي أنه قضى بأن اللقيط حر ، وتلا وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وإلى هذا ذهب أشهب صاحب مالك ; وهو قول عمر بن الخطاب ، وكذلك روي عن علي وجماعة . وقال إبراهيم النخعي : إن نوى رقه فهو مملوك ، وإن نوى الحسبة فهو حر . وقال مالك في موطئه : الأمر عندنا في المنبوذ أنه حر ، وأن ولاءه لجماعة المسلمين ، هم يرثونه ويعقلون عنه ، وبه قال الشافعي ; واحتج بقوله - عليه السلام - : وإنما الولاء لمن أعتق قال : فنفى الولاء عن غير المعتق . واتفق مالك والشافعي وأصحابهما على أن اللقيط لا يوالي أحدا ، ولا يرثه أحد بالولاء . وقال أبو حنيفة وأصحابه وأكثر الكوفيين : اللقيط يوالي من شاء ، فمن والاه فهو يرثه ويعقل عنه ; وعند أبي حنيفة له أن ينتقل بولائه حيث شاء ، ما لم يعقل عنه الذي والاه ، فإن عقل عنه جناية لم يكن له أن ينتقل عنه بولائه أبدا . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن علي - رضي الله عنه - : المنبوذ حر ، فإن أحب أن يوالي الذي التقطه والاه ، وإن أحب أن يوالي غيره والاه ; ونحوه عن عطاء ، وهو قول ابن شهاب وطائفة من أهل المدينة ، وهو حر . قال ابن العربي : إنما كان أصل اللقيط الحرية لغلبة الأحرار على العبيد ، فقضى بالغالب ، كما حكم أنه مسلم أخذا بالغالب ; فإن كان في قرية فيها نصارى ومسلمون ، قال ابن القاسم : يحكم بالأغلب ; فإن وجد عليه زي اليهود فهو يهودي ، وإن وجد عليه زي النصارى فهو نصراني ، وإلا فهو مسلم ، إلا أن يكون أكثر أهل القرية على غير الإسلام . وقال غيره : لو لم يكن فيها إلا مسلم واحد قضي للقيط بالإسلام تغليبا لحكم الإسلام الذي يعلو ولا يعلى عليه ، وهو مقتضى قولأشهب ; قال أشهب : هو مسلم أبدا ، لأني أجعله مسلما على كل حال ، كما أجعله حرا على كل حال . واختلف الفقهاء في المنبوذ تدل البينة على أنه عبد ; فقالت طائفة من أهل المدينة : لا يقبل قولها في ذلك ، وإلى هذا ذهب أشهب لقول عمر : هو حر ; ومن قضي بحريته لم تقبل البينة في أنه عبد . وقال ابن القاسم : تقبل البينة في ذلك وهو قول الشافعي والكوفي .
السادسة : قال مالك في اللقيط : إذا أنفق عليه الملتقط ثم أقام رجل البينة أنه ابنه فإن الملتقط يرجع على الأب إن كان طرحه متعمدا ، وإن لم يكن طرحه ولكنه ضل منه فلا شيء على الأب ، والملتقط متطوع بالنفقة . وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقيط فهو متطوع ، إلا أن يأمره الحاكم . وقال الأوزاعي : كل من أنفق على من لا تجب عليه نفقة رجع بما أنفق . وقال الشافعي : إن لم يكن للقيط مال وجبت نفقته في بيت المال ، فإن لم يكن ففيه قولان : أحدهما - يستقرض له في ذمته . والثاني - يقسط على المسلمين من غير عوض .
السابعة : وأما اللقطة والضوال فقد اختلف العلماء في حكمهما ; فقالت طائفة من أهل العلم : اللقطة والضوال سواء في المعنى ، والحكم فيهما سواء ; وإلى هذا ذهب أبو جعفر الطحاوي ، وأنكر قول أبي عبيد القاسم بن سلام - أن الضالة لا تكون إلا في الحيوان واللقطة في غير الحيوان - وقال هذا غلط ; واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإفك للمسلمين : إن أمكم ضلت قلادتها فأطلق ذلك على القلادة .
الثامنة : أجمع العلماء على أن اللقطة ما لم تكن تافها يسيرا أو شيئا لا بقاء لها فإنها تعرف حولا كاملا ، وأجمعوا أن صاحبها إن جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت له أنه صاحبها ، وأجمعوا أن ملتقطها إن أكلها بعد الحول وأراد صاحبها أن يضمنه فإن ذلك له ، وإن تصدق بها فصاحبها مخير بين التضمين وبين أن ينزل على أجرها ، فأي ذلك تخير كان ذلك له بإجماع ; ولا تنطلق يد ملتقطها عليها بصدقة ، ولا تصرف قبل الحول . وأجمعوا أن ضالة الغنم المخوف عليها له أكلها .
التاسعة : واختلف الفقهاء في الأفضل من تركها أو أخذها ; فمن ذلك أن في الحديث دليلا على إباحة التقاط اللقطة وأخذ الضالة ما لم تكن إبلا . وقال في الشاة : ( لك أو لأخيك أو للذئب ) يحضه على أخذها ، ولم يقل في شيء دعوه حتى يضيع أو يأتيه ربه . ولو كان ترك اللقطة أفضل لأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال في ضالة الإبل ، والله أعلم . وجملة مذهب أصحاب مالك أنه في سعة ، إن شاء أخذها وإن شاء تركها ; هذا قول إسماعيل بن إسحاق - رحمه الله - . وقال المزني عن الشافعي : لا أحب لأحد ترك اللقطة إن وجدها إذا كان أمينا عليها ; قال : وسواء قليل اللقطة وكثيرها .
العاشرة : روى الأئمة مالك وغيره عن زيد بن خالد الجهني قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال : اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها قال : فضالة الغنم يا رسول الله ؟ قال : لك أو لأخيك أو للذئب قال : فضالة الإبل ؟ قال : ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها . وفي حديث أبي قال : احفظ عددها ووعاءها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها ففي هذا الحديث زيادة العدد ; خرجه مسلم وغيره . وأجمع العلماء أن عفاص اللقطة ووكاءها من إحدى علاماتها وأدلها عليها ; فإذا أتى صاحب اللقطة بجميع أوصافها دفعت له ; قال ابن القاسم : يجبر على دفعها ; فإن جاء مستحق يستحقها ببينة أنها كانت له لم يضمن الملتقط شيئا ، وهل يحلف مع الأوصاف أو لا ؟ قولان : الأول لأشهب ، والثاني لابن القاسم ، ولا تلزمه بينة عند مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وغيرهم . وقال أبو حنيفة والشافعي : لا تدفع له إلا إذا أقام بينة أنها له ; وهو بخلاف نص الحديث ; ولو كانت البينة شرطا في الدفع لما كان لذكر العفاص والوكاء والعدد معنى ; فإنه يستحقها بالبينة على كل حال ; ولما جاز سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فإنه تأخير البيان عن وقت الحاجة . والله أعلم .
الحادية عشرة : نص الحديث على الإبل والغنم وبين حكمهما ، وسكت عما عداهما من الحيوان . وقد اختلف علماؤنا في البقر هل تلحق بالإبل أو بالغنم ؟ قولان ; وكذلك اختلف أئمتنا في التقاط الخيل والبغال والحمير ، وظاهر قول ابن القاسم أنها تلتقط ، وقال أشهب وابن كنانة : لا تلتقط ; وقول ابن القاسم أصح ; لقوله - عليه السلام - : احفظ على أخيك المؤمن ضالته .
الثانية عشرة : واختلف العلماء في النفقة على الضوال ; فقال مالك فيما ذكر عنه ابن القاسم : إن أنفق الملتقط على الدواب والإبل وغيرها فله أن يرجع على صاحبها بالنفقة ، وسواء أنفق عليها بأمر السلطان أو بغير أمره ; قال : وله أن يحبس بالنفقة ما أنفق عليه ويكون أحق به كالرهن . وقال الشافعي : إذا أنفق على الضوال من أخذها فهو متطوع ; حكاه عنه الربيع . وقال المزني عنه : إذا أمره الحاكم بالنفقة كانت دينا ، وما ادعى قبل منه إذا كان مثله قصدا . وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقطة والإبل بغير أمر القاضي فهو متطوع ، وإن أنفق بأمر القاضي فذلك دين على صاحبها إذا جاء ، وله أن يحبسها إذا حضر صاحبها ، والنفقة عليها ثلاثة أيام ونحوها ، حتى يأمر القاضي ببيع الشاة وما أشبهها ويقضي بالنفقة .
الثالثة عشرة : ليس في قوله - صلى الله عليه وسلم - في اللقطة بعد التعريف : فاستمتع بها أو فشأنك بها أو فهي لك أو فاستنفقها أو ثم كلها أو فهو مال الله يؤتيه من يشاء على ما في صحيح مسلم وغيره ، ما يدل على التمليك ، وسقوط الضمان عن الملتقط إذا جاء ربها ; فإن في حديث زيد بن خالد الجهني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه في رواية ثم كلها ، فإن جاء صاحبها فأدها إليه . خرجه البخاري ومسلم . وأجمع العلماء على أن صاحبها متى جاء فهو أحق بها ، إلا ما ذهب إليه داود من أن الملتقط يملك اللقطة بعد التعريف ; لتلك الظواهر ، ولا التفات لقوله ; لمخالفة الناس ، ولقوله - عليه السلام - : فأدها إليه .. ❝ ⏤محمد رشيد رضا
❞ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)
قوله تعالى : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف القائل هو يهوذا ، وهو أكبر ولد يعقوب ; قاله ابن عباس . وقيل : روبيل ، وهو ابن خالته ، وهو الذي قال : ˝ فلن أبرح الأرض ˝ الآية . وقيل : شمعون .
وألقوه في غيابة الجب قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة في غيابة الجب . وقرأ أهل المدينة ˝ في غيابات الجب ˝ واختار أبو عبيد التوحيد ; لأنه على موضع واحد ألقوه فيه ، وأنكر الجمع لهذا . قال النحاس : وهذا تضييق في اللغة ; ˝ وغيابات ˝ على الجمع يجوز من وجهين : حكى سيبويه سير عليه عشيانات وأصيلانات ، يريد عشية وأصيلا ، فجعل كل وقت منها عشية وأصيلا ; فكذا جعل كل موضع مما يغيب غيابة . والآخر - أن يكون في الجب غيابات ( جماعة ) . ويقال : غاب يغيب غيبا وغيابة وغيابا ; كما قال الشاعر :
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث أنا ذاكما قد غيبتني غيابيا
قال الهروي : والغيابة شبه لجف أو طاق في البئر فويق الماء ، يغيب الشيء عن العين . وقال ابن عزيز : كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة . قلت : ومنه قيل للقبر غيابة ; قال الشاعر :
فإن أنا يوما غيبتني غيابتي فسيروا بسيري في العشيرة والأهل
والجب الركية التي لم تطو ، فإذا طويت فهي في بئر ; فقال الأعشى :
لئن كنت في جب ثمانين قامة ورقيت أسباب السماء بسلم
وسميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا ; وجمع الجب جببة وجباب وأجباب ; وجمع بين الغيابة والجب لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم من الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين . قيل : هو بئر بيت المقدس ، وقيل : هو بالأردن ; قاله وهب بن منبه . مقاتل : وهو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب .
الثانية : قوله تعالى : يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين جزم على جواب الأمر . وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن وقتادة : ˝ تلتقطه ˝ بالتاء ، وهذا محمول على المعنى ; لأن بعض السيارة سيارة ; وقال سيبويه : سقطت بعض أصابعه ، وأنشد :
وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم
وقال آخر :
أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال
ولم يقل شرق ولا أخذت . والسيارة الجمع الذي يسيرون في الطريق للسفر ; وإنما قال القائل هذا حتى لا يحتاجوا إلى حمله إلى موضع بعيد ويحصل المقصود ; فإن من التقطه من السيارة يحمله إلى موضع بعيد ; وكان هذا وجها في التدبير حتى لا يحتاجوا إلى الحركة بأنفسهم ، فربما لا يأذن لهم أبوهم ، وربما يطلع على قصدهم .
الثالثة : وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء لا أولا ولا آخرا ; لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلم ، بل كانوا مسلمين ، فارتكبوا معصية ثم تابوا . وقيل : كانوا أنبياء ، ولا يستحيل في العقل زلة نبي ، فكانت هذه زلة منهم ; وهذا يرده أن الأنبياء معصومون من الكبائر على ما قدمناه . وقيل : ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء ثم نبأهم الله ; وهذا أشبه ، والله أعلم .
الرابعة : قال ابن وهب قال مالك : طرح يوسف في الجب وهو غلام ، وكذلك روى ابن القاسم عنه ، يعني أنه كان صغيرا ; والدليل عليه قوله تعالى : لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة قال : ولا يلتقط إلا الصغير ; وقوله : وأخاف أن يأكله الذئب وذلك أمر يختص بالصغار ; وقولهم : أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون .
الخامسة : الالتقاط تناول الشيء من الطريق ; ومنه اللقيط واللقطة ، ونحن نذكر من أحكامها ما دلت عليه الآية والسنة ، وما قال في ذلك أهل العلم واللغة ; قال ابن عرفة : الالتقاط وجود الشيء على غير طلب ، ومنه قوله تعالى : يلتقطه بعض السيارة أي يجده من غير أن يحتسبه . وقد اختلف العلماء في اللقيط ; فقيل : أصله الحرية لغلبة الأحرار على العبيد ; وروي عن الحسن بن علي أنه قضى بأن اللقيط حر ، وتلا وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وإلى هذا ذهب أشهب صاحب مالك ; وهو قول عمر بن الخطاب ، وكذلك روي عن علي وجماعة . وقال إبراهيم النخعي : إن نوى رقه فهو مملوك ، وإن نوى الحسبة فهو حر . وقال مالك في موطئه : الأمر عندنا في المنبوذ أنه حر ، وأن ولاءه لجماعة المسلمين ، هم يرثونه ويعقلون عنه ، وبه قال الشافعي ; واحتج بقوله - عليه السلام - : وإنما الولاء لمن أعتق قال : فنفى الولاء عن غير المعتق . واتفق مالك والشافعي وأصحابهما على أن اللقيط لا يوالي أحدا ، ولا يرثه أحد بالولاء . وقال أبو حنيفة وأصحابه وأكثر الكوفيين : اللقيط يوالي من شاء ، فمن والاه فهو يرثه ويعقل عنه ; وعند أبي حنيفة له أن ينتقل بولائه حيث شاء ، ما لم يعقل عنه الذي والاه ، فإن عقل عنه جناية لم يكن له أن ينتقل عنه بولائه أبدا . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن علي - رضي الله عنه - : المنبوذ حر ، فإن أحب أن يوالي الذي التقطه والاه ، وإن أحب أن يوالي غيره والاه ; ونحوه عن عطاء ، وهو قول ابن شهاب وطائفة من أهل المدينة ، وهو حر . قال ابن العربي : إنما كان أصل اللقيط الحرية لغلبة الأحرار على العبيد ، فقضى بالغالب ، كما حكم أنه مسلم أخذا بالغالب ; فإن كان في قرية فيها نصارى ومسلمون ، قال ابن القاسم : يحكم بالأغلب ; فإن وجد عليه زي اليهود فهو يهودي ، وإن وجد عليه زي النصارى فهو نصراني ، وإلا فهو مسلم ، إلا أن يكون أكثر أهل القرية على غير الإسلام . وقال غيره : لو لم يكن فيها إلا مسلم واحد قضي للقيط بالإسلام تغليبا لحكم الإسلام الذي يعلو ولا يعلى عليه ، وهو مقتضى قولأشهب ; قال أشهب : هو مسلم أبدا ، لأني أجعله مسلما على كل حال ، كما أجعله حرا على كل حال . واختلف الفقهاء في المنبوذ تدل البينة على أنه عبد ; فقالت طائفة من أهل المدينة : لا يقبل قولها في ذلك ، وإلى هذا ذهب أشهب لقول عمر : هو حر ; ومن قضي بحريته لم تقبل البينة في أنه عبد . وقال ابن القاسم : تقبل البينة في ذلك وهو قول الشافعي والكوفي .
السادسة : قال مالك في اللقيط : إذا أنفق عليه الملتقط ثم أقام رجل البينة أنه ابنه فإن الملتقط يرجع على الأب إن كان طرحه متعمدا ، وإن لم يكن طرحه ولكنه ضل منه فلا شيء على الأب ، والملتقط متطوع بالنفقة . وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقيط فهو متطوع ، إلا أن يأمره الحاكم . وقال الأوزاعي : كل من أنفق على من لا تجب عليه نفقة رجع بما أنفق . وقال الشافعي : إن لم يكن للقيط مال وجبت نفقته في بيت المال ، فإن لم يكن ففيه قولان : أحدهما - يستقرض له في ذمته . والثاني - يقسط على المسلمين من غير عوض .
السابعة : وأما اللقطة والضوال فقد اختلف العلماء في حكمهما ; فقالت طائفة من أهل العلم : اللقطة والضوال سواء في المعنى ، والحكم فيهما سواء ; وإلى هذا ذهب أبو جعفر الطحاوي ، وأنكر قول أبي عبيد القاسم بن سلام - أن الضالة لا تكون إلا في الحيوان واللقطة في غير الحيوان - وقال هذا غلط ; واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإفك للمسلمين : إن أمكم ضلت قلادتها فأطلق ذلك على القلادة .
الثامنة : أجمع العلماء على أن اللقطة ما لم تكن تافها يسيرا أو شيئا لا بقاء لها فإنها تعرف حولا كاملا ، وأجمعوا أن صاحبها إن جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت له أنه صاحبها ، وأجمعوا أن ملتقطها إن أكلها بعد الحول وأراد صاحبها أن يضمنه فإن ذلك له ، وإن تصدق بها فصاحبها مخير بين التضمين وبين أن ينزل على أجرها ، فأي ذلك تخير كان ذلك له بإجماع ; ولا تنطلق يد ملتقطها عليها بصدقة ، ولا تصرف قبل الحول . وأجمعوا أن ضالة الغنم المخوف عليها له أكلها .
التاسعة : واختلف الفقهاء في الأفضل من تركها أو أخذها ; فمن ذلك أن في الحديث دليلا على إباحة التقاط اللقطة وأخذ الضالة ما لم تكن إبلا . وقال في الشاة : ( لك أو لأخيك أو للذئب ) يحضه على أخذها ، ولم يقل في شيء دعوه حتى يضيع أو يأتيه ربه . ولو كان ترك اللقطة أفضل لأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال في ضالة الإبل ، والله أعلم . وجملة مذهب أصحاب مالك أنه في سعة ، إن شاء أخذها وإن شاء تركها ; هذا قول إسماعيل بن إسحاق - رحمه الله - . وقال المزني عن الشافعي : لا أحب لأحد ترك اللقطة إن وجدها إذا كان أمينا عليها ; قال : وسواء قليل اللقطة وكثيرها .
العاشرة : روى الأئمة مالك وغيره عن زيد بن خالد الجهني قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال : اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها قال : فضالة الغنم يا رسول الله ؟ قال : لك أو لأخيك أو للذئب قال : فضالة الإبل ؟ قال : ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها . وفي حديث أبي قال : احفظ عددها ووعاءها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها ففي هذا الحديث زيادة العدد ; خرجه مسلم وغيره . وأجمع العلماء أن عفاص اللقطة ووكاءها من إحدى علاماتها وأدلها عليها ; فإذا أتى صاحب اللقطة بجميع أوصافها دفعت له ; قال ابن القاسم : يجبر على دفعها ; فإن جاء مستحق يستحقها ببينة أنها كانت له لم يضمن الملتقط شيئا ، وهل يحلف مع الأوصاف أو لا ؟ قولان : الأول لأشهب ، والثاني لابن القاسم ، ولا تلزمه بينة عند مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وغيرهم . وقال أبو حنيفة والشافعي : لا تدفع له إلا إذا أقام بينة أنها له ; وهو بخلاف نص الحديث ; ولو كانت البينة شرطا في الدفع لما كان لذكر العفاص والوكاء والعدد معنى ; فإنه يستحقها بالبينة على كل حال ; ولما جاز سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فإنه تأخير البيان عن وقت الحاجة . والله أعلم .
الحادية عشرة : نص الحديث على الإبل والغنم وبين حكمهما ، وسكت عما عداهما من الحيوان . وقد اختلف علماؤنا في البقر هل تلحق بالإبل أو بالغنم ؟ قولان ; وكذلك اختلف أئمتنا في التقاط الخيل والبغال والحمير ، وظاهر قول ابن القاسم أنها تلتقط ، وقال أشهب وابن كنانة : لا تلتقط ; وقول ابن القاسم أصح ; لقوله - عليه السلام - : احفظ على أخيك المؤمن ضالته .
الثانية عشرة : واختلف العلماء في النفقة على الضوال ; فقال مالك فيما ذكر عنه ابن القاسم : إن أنفق الملتقط على الدواب والإبل وغيرها فله أن يرجع على صاحبها بالنفقة ، وسواء أنفق عليها بأمر السلطان أو بغير أمره ; قال : وله أن يحبس بالنفقة ما أنفق عليه ويكون أحق به كالرهن . وقال الشافعي : إذا أنفق على الضوال من أخذها فهو متطوع ; حكاه عنه الربيع . وقال المزني عنه : إذا أمره الحاكم بالنفقة كانت دينا ، وما ادعى قبل منه إذا كان مثله قصدا . وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقطة والإبل بغير أمر القاضي فهو متطوع ، وإن أنفق بأمر القاضي فذلك دين على صاحبها إذا جاء ، وله أن يحبسها إذا حضر صاحبها ، والنفقة عليها ثلاثة أيام ونحوها ، حتى يأمر القاضي ببيع الشاة وما أشبهها ويقضي بالنفقة .
الثالثة عشرة : ليس في قوله - صلى الله عليه وسلم - في اللقطة بعد التعريف : فاستمتع بها أو فشأنك بها أو فهي لك أو فاستنفقها أو ثم كلها أو فهو مال الله يؤتيه من يشاء على ما في صحيح مسلم وغيره ، ما يدل على التمليك ، وسقوط الضمان عن الملتقط إذا جاء ربها ; فإن في حديث زيد بن خالد الجهني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه في رواية ثم كلها ، فإن جاء صاحبها فأدها إليه . خرجه البخاري ومسلم . وأجمع العلماء على أن صاحبها متى جاء فهو أحق بها ، إلا ما ذهب إليه داود من أن الملتقط يملك اللقطة بعد التعريف ; لتلك الظواهر ، ولا التفات لقوله ; لمخالفة الناس ، ولقوله - عليه السلام - : فأدها إليه. ❝
❞ قصة الديك الرائع والحمار - قصص للأطفال للأديب المصري :اسماعيل حسانين العمدة
كانت الغابة تعيش في سلام وهدوء، حتى ذات يوم حدث شيء غريب. انقلبت طبيعة الحيوانات رأسا على عقب، وأصبح الحمار هو ملك الغابة، وأصبحت الحيوانات الأليفة مفترسة، والحيوانات المفترسة أصبحت حيوانات أليفة. لم يعرف أحد سبب هذا التغيير، ولكن الجميع شعروا بالخوف والارتباك.
الحمار كان سعيدا بمنصبه الجديد، وأمر جميع الحيوانات بأن يخضعوا له ويطيعوا أوامره. كان يستغل قوة الحيوانات الأليفة المفترسة، مثل القطط والكلاب والخنازير، لإرهاب باقي الحيوانات وجمع الطعام والماء له. كان يهين ويضرب الحيوانات المفترسة الأليفة، مثل الأسود والنمور والذئاب، ويجبرهم على حمل أثقاله وخدمته. كان يستمتع بالرفاهية والجبروت، ولا يهتم بمعاناة الآخرين.
الحيوانات كانت تشعر بالظلم والقهر، وكانت تتمنى أن تعود إلى طبيعتها. لكن كل محاولة للثورة أو التغيير كان يقمعها الحمار بقسوة. كان يستخدم جاسوسين من بين الحيوانات لإخباره بكل ما يدور في الغابة. كانا هما الثعلب والغراب، اللذان كانا يستفيدان من نظام الحمار، وكانا يخدعان باقي الحيوانات بأنهما صديقان لهم.
في إحدى الليالي، اجتمع بعض من الحيوانات المفترسة الأليفة في مكان سري، لبحث سبيل لإنقاذ الغابة من سطوة الحمار. كان من بينهم الأسد والنمر والذئب والدب. كانوا يشاركون أفكارهم وخططهم، لكن لم يجدوا حلا مقنعا. فجأة، سمعوا صوت دقات على باب المخبأ. فتحوا الباب بحذر، فإذا بهم يرون ديكًا صغيرًا يقف أمامهم.
˝لا تخافوا مني˝ قال الديك ˝أنا صديق لكم، وأردت أن أشارك معكم في اجتماعكم˝
˝ولكن من أنت؟˝ سأله الأسد ˝ولماذا ترغب في مساعدتنا؟˝
˝ أجابه ˝˝أنا ديك من قرية قريبة من هنا ولدي فكرة رائعة لإزالة الحمار من عرشه˝
˝فكرة رائعة؟˝ تساءل النمر ˝ولكن كيف تستطيع أن تساعدنا أنت؟ ألا تخاف من قوة الحمار وجنوده؟˝
لا تقلقوا فأنا أعلم من حول غابتكم الى هذا الحال,,
ردوا جميعا باستغراب من ؟؟
قال الديك من حول الغابة هكذا الحمار بعشبة سحرية اكلتم منها جميعا ولكن لا تخافوا فلدي حل لكم جميعا...
قالوا وماهو؟؟
قال دعونا أولا ننتهي من الحمار
قالو له كيف ذلك !!
˝لا تقلقوا˝ قال الديك ˝إن فكرتي بسيطة جدًا، ولا تحتاج إلى قوة أو عنف. إنها فكرة ذكية جدًا، تستغل ضعف الحمار˝
˝ضعف الحمار؟˝ استغرب الذئب ˝ولكن هل لديه ضعف؟˝
˝بالطبع لديه ضعف˝ قال الديك ˝وضعف كبير جدًا. إن ضعفه هو غروره˝
˝غروره؟˝ تسائل الدب ˝ولكن كيف نستغل غروره؟˝
˝سأخبركم بذلك˝ قال الديك ˝ولكن عليكم أولًا أن تثقوا بي، وتساعدوني في تطبيق فكرتي˝
˝حسنًا˝ قال الأسد ˝إذًا فاسمع ماذا عليك أن تفعل˝
هذا ما قاله الديك للحيوانات المفترسة الأليفة:
“علينا أن نجعل الحمار يعتقد أنه ليس ملك الغابة بالفعل، وأن هناك ملكًا آخر أقوى منه وأشرف منه. علينا أن نجعله يشعر بالغيرة والحسد، وأن ندفعه إلى التحدي والمواجهة. علينا أن نستخدم حيلة قديمة، ولكنها فعالة. علينا أن نستخدم حيلة الديك الرائع”
“حيلة الديك الرائع؟” سألوه.
“نعم” قال الديك “حيلة الديك الرائع. هي حيلة اخترعها أجدادي منذ زمن بعيد، للتخلص من الديوك المتغطرسة والمتكبرة. هي حيلة تستند إلى خداع البصر والسمع، وإلى استغلال طبيعة الديوك المحبة للمجد والشهرة”
“وكيف تعمل هذه الحيلة؟” سألوه.
“تعمل هذه الحيلة بالشكل التالي” قال الديك ˝أولًا، علينا أن نجد مكانًا بعيدًا عن الغابة، حيث يوجد جبل عالٍ وصخور كبيرة. ثانيًا، علي أن أذهب إلى هذا المكان، وأقف على قمة الجبل، وأصدر صوتًا عاليًا وجميلًا، يشبه صوت ديك ملكي. ثالثًا، عليكم أن تذهبوا إلى الغابة، وترووا للحمار وجميع الحيوانات قصصًا مدهشة عن ديك رائع يسكن في جبل بعيد، وأنه هو الملك الحقيقي لجميع الحيوانات. رابعًا، عليكم أن تثيروا فضول الحمار وغيرته، وتحثوه على أن يذهب إلى المكان الذي يسكن فيه الديك الرائع، ويتحداه في مبارزة. خامسًا، عندما يذهب الحمار إلى المكان المحدد، سأظهر له من بعيد، وسأصدر صوتًا مهيبًا، وسأجعله يراني كبيرًا ومهيبًا، بفضل انعكاس الشمس على ريشي وصدى صوتي على الصخور. سادسًا، سأتحداه في مبارزة شرسة، وسأستخدم حركات سريعة وماكرة، لإثارة خوفه وارباكه. سابعًا، عندما يفقد الحمار ثقته بنفسه وشجاعته، سأقوم بالضربة القاضية، وسأصدر صوتًا عاليًا جدًا، يشبه صوت الرعد، وسأجعله يظن أنني أطلقت نارًا من فمي. ثامنًا، سيفر الحمار هاربًا من المكان، وسيعود إلى الغابة مذعورًا ومنهارًا. تاسعًا، سأتبعه إلى الغابة، وسأظهر لجميع الحيوانات قوتي وشجاعتي، وسأطلب منهم أن يختاروا بيني وبين الحمار. عاشرًا، سيختار جميع الحيوانات أن يكونوا تحت حكمي، وسأصبح ملك الغابة. حادي عشرًا، سأعود إلى طبيعتي الأصلية، وسأجعل جميع الحيوانات تعود إلى طبيعتها أيضًا. ثاني عشرًا، سأحكم الغابة بعدل ورحمة، وسأجعل الحمار يصبح خادمًا للجميع. هذه هي فكرتي˝
˝والله فكرة رائعة˝ قال الأسد ˝ولكن هل تظن أنها ستنجح؟˝
˝بالطبع ستنجح˝ قال الديك ˝إنها فكرة مجربة ومضمونة. إنها فكرة لا تفشل أبدًا˝
˝إذًا فلنجربها˝ قال النمر ˝ولنرى ماذا سيحدث˝
˝حسنًا˝ قال الديك ˝فلنستعد لتطبيق فكرتي. لكن عليكم أولًا أن تقسموا بالولاء لي، وألا تخونوني˝
˝لا مشكلة˝ قالوا جميعًا ˝إننا نقسم بالولاء لك، ولا نخونك˝
˝جيد˝ قال الديك ˝إذًا فلنبدأ˝
وهكذا، بدأت الحيوانات المفترسة الأليفة والديك في تنفيذ خطتهم. ذهب الديك إلى المكان الذي اختاره، وقف على قمة الجبل، وبدأ يصدر أصواتًا عالية وجميلة، تنشر في كل مكان. ذهبت الحيوانات المفترسة الأليفة إلى الغابة، وبدأت تروي للحمار وجميع الحيوانات قصصًا مدهشة عن الديك الرائع، وكيف أنه هو الملك الحقيقي لجميع الحيوانات. كانت تقول لهم:
˝هل سمعتم عن الديك الرائع؟˝
˝لا، ما هو؟˝
˝هو ديك عظيم وشجاع، يسكن في جبل بعيد، وهو يحكم جميع الحيوانات بعدل ورحمة˝
˝حقًا؟ وماذا يفعل؟˝
˝هو يفعل أشياء عجيبة وغريبة. هو يصدر صوتًا عاليًا وجميلًا، يشبه صوت ديك ملكي. هو يظهر كبيرًا ومهيبًا، بفضل انعكاس الشمس على ريشه وصدى صوته على الصخور. هو يطلق نارًا من فمه، كأنه تنين. هو يتحدى أي حيوان يجرؤ على مخالفته أو مقاومته، ويهزمه بسهولة˝
˝لا أصدق ذلك. هذا مستحيل˝
˝إنه حقيقة. نحن رأيناه بأعيننا. إنه ديك رائع˝
˝ولكن كيف لديك رائع أن يكون ملكًا لجميع الحيوانات؟ ألست أنا ملك الغابة؟˝
˝لا، أنت لست ملك الغابة. أنت مجرد حمار غبي وجبان. إن الملك الحقيقي هو الديك الرائع. هو أقوى منك وأشرف منك. هو يستحق أن يكون ملكًا، وأنت تستحق أن تكون خادمًا˝
˝ماذا؟ كيف تجرؤ على قول ذلك؟ هل تتحداني؟˝
˝نعم، نتحداك. إذا كنت تظن أنك ملك الغابة، فلم لا تذهب إلى المكان الذي يسكن فيه الديك الرائع، وتتحداه في مبارزة؟ إذا فزت عليه، فسنقبل بأن تكون ملكًا. وإذا خسرت منه، فسنطردك من الغابة˝
˝حسنًا، سأذهب إلى المكان الذي يسكن فيه الديك الرائع، وسأتحداه في مبارزة. سأثبت لكم أنني ملك الغابة، وأن الديك الرائع مجرد ديك عادي˝
˝حسنًا، فلتذهب إذًا. ولكن احذر، فالديك الرائع ليس ديكًا عاديًا. هو ديك خطير ومخيف. لا تظن أنك ستعود حيًا من هناك˝
˝لا تخافوا علي. أنا لست خائفًا من ديك. أنا أخاف فقط من الله. سأرجع قريبًا، وسأحمل رأس الديك الرائع في يدي˝
وهكذا، خرج الحمار من الغابة، متوجهًا إلى المكان الذي يسكن فيه الديك الرائع. كان يمشي بثقة وغرور، وهو يظن أنه سينتصر على الديك بسهولة. وصل إلى المكان بعد مسافة طويلة، ورفع رأسه ليرى الجبل العالي. فإذا به يسمع صوتًا عاليًا وجميلًا، يشبه صوت ديك ملكي. نظر إلى قمة الجبل، فإذا به يرى ديكًا كبيرًا ومهيبًا، يلمع ريشه بألوان زاهية، وينعكس صوته على الصخور.
˝من أنت؟˝ سأله الحمار.
˝أنا الديك الرائع˝ أجابه ˝أنا ملك جميع الحيوانات˝
˝لا، أنت لست ملك جميع الحيوانات. أنت مجرد ديك ضئيل وضعيف. أنا ملك جميع الحيوانات. أنا ملك الغابة˝
˝هل تتحداني؟˝ سأله الديك.
قال الحمار : ˝نعم، أتحداك. إذا كنت تظن أنك ملك جميع الحيوانات، فلتنزل من قمة الجبل، ولتقاتلني في مبارزة. إذا فزت علي، فسأقبل بأن تكون ملكًا. وإذا خسرت مني، فستصبح خادمًا˝
˝حسنًا، فلأقاتلك إذًا. لكن احذر، فأنا لست ديكًا ضئيلًا وضعيفًا. أنا ديك خطير ومخيف. لا تظن أنك ستخرج حيًا من هنا˝
وهكذا، نزل الديك من قمة الجبل، وتقدم نحو الحمار، وبدأ المبارزة بينهما. كان الديك يستخدم حركات سريعة ومكيدة، لإثارة خوف الحمار وارباكه. كان ينقض عليه من الأمام والخلف والجوانب، ويخدشه بمخالبه ويعضه بنابه. كان يصدر أصواتًا عالية ومرعبة، تشبه صوت الرعد. كان يجعله يراه كبيرًا ومهيبًا، بفضل انعكاس الشمس على ريشه وصدى صوته على الصخور. كان يجعله يظن أنه يطلق نارًا من فمه، بفضل تأثير بعض الحشائش النارية التي كان يأكلها.
الحمار كان خائفًا ومنهزمًا، ولم يستطع مقاومة الديك. كان يحاول الهرب والدفاع عن نفسه، لكن دون جدوى. كان يشعر بالألم والذل. كان يندم على تحدي الديك، ويتمنى أن يعود إلى الغابة. لكن الديك لم يتركه، وظل يضربه ويسخر منه، حتى أنهكه تمامًا.
في النهاية، قام الديك بالضربة القاضية، وصدر صوتًا عاليًا جدًا، يشبه صوت الرعد، وجعل الحمار يظن أنه أطلق نارًا من فمه. فأصاب الحمار بالرعب، وفر هاربًا من المكان، متجهًا إلى الغابة مذعورًا ومنهارًا.
الديك تبعه إلى الغابة، وظهر لجميع الحيوانات قوته وشجاعته، وطلب منهم أن يختاروا بينه وبين الحمار. جميع الحيوانات اختارت أن تكون تحت حكم الديك، وأصبح ملك الغابة. ثم عاد إلى طبيعته الأصلية، وجعل جميع الحيوانات تعود إلى طبيعتها أيضًا. حكم الغابة بعدل ورحمة، وجعل الحمار يصبح خادمًا للجميع.
...
قصة الديك الرائع والحمار
اسماعيل حسانين العمدة. ❝ ⏤اسماعيل حسانين العمدة
❞ قصة الديك الرائع والحمار - قصص للأطفال للأديب المصري :اسماعيل حسانين العمدة
كانت الغابة تعيش في سلام وهدوء، حتى ذات يوم حدث شيء غريب. انقلبت طبيعة الحيوانات رأسا على عقب، وأصبح الحمار هو ملك الغابة، وأصبحت الحيوانات الأليفة مفترسة، والحيوانات المفترسة أصبحت حيوانات أليفة. لم يعرف أحد سبب هذا التغيير، ولكن الجميع شعروا بالخوف والارتباك.
الحمار كان سعيدا بمنصبه الجديد، وأمر جميع الحيوانات بأن يخضعوا له ويطيعوا أوامره. كان يستغل قوة الحيوانات الأليفة المفترسة، مثل القطط والكلاب والخنازير، لإرهاب باقي الحيوانات وجمع الطعام والماء له. كان يهين ويضرب الحيوانات المفترسة الأليفة، مثل الأسود والنمور والذئاب، ويجبرهم على حمل أثقاله وخدمته. كان يستمتع بالرفاهية والجبروت، ولا يهتم بمعاناة الآخرين.
الحيوانات كانت تشعر بالظلم والقهر، وكانت تتمنى أن تعود إلى طبيعتها. لكن كل محاولة للثورة أو التغيير كان يقمعها الحمار بقسوة. كان يستخدم جاسوسين من بين الحيوانات لإخباره بكل ما يدور في الغابة. كانا هما الثعلب والغراب، اللذان كانا يستفيدان من نظام الحمار، وكانا يخدعان باقي الحيوانات بأنهما صديقان لهم.
في إحدى الليالي، اجتمع بعض من الحيوانات المفترسة الأليفة في مكان سري، لبحث سبيل لإنقاذ الغابة من سطوة الحمار. كان من بينهم الأسد والنمر والذئب والدب. كانوا يشاركون أفكارهم وخططهم، لكن لم يجدوا حلا مقنعا. فجأة، سمعوا صوت دقات على باب المخبأ. فتحوا الباب بحذر، فإذا بهم يرون ديكًا صغيرًا يقف أمامهم.
˝لا تخافوا مني˝ قال الديك ˝أنا صديق لكم، وأردت أن أشارك معكم في اجتماعكم˝
˝ولكن من أنت؟˝ سأله الأسد ˝ولماذا ترغب في مساعدتنا؟˝
˝ أجابه ˝˝أنا ديك من قرية قريبة من هنا ولدي فكرة رائعة لإزالة الحمار من عرشه˝
˝فكرة رائعة؟˝ تساءل النمر ˝ولكن كيف تستطيع أن تساعدنا أنت؟ ألا تخاف من قوة الحمار وجنوده؟˝
لا تقلقوا فأنا أعلم من حول غابتكم الى هذا الحال,,
ردوا جميعا باستغراب من ؟؟
قال الديك من حول الغابة هكذا الحمار بعشبة سحرية اكلتم منها جميعا ولكن لا تخافوا فلدي حل لكم جميعا..
قالوا وماهو؟؟
قال دعونا أولا ننتهي من الحمار
قالو له كيف ذلك !!
˝لا تقلقوا˝ قال الديك ˝إن فكرتي بسيطة جدًا، ولا تحتاج إلى قوة أو عنف. إنها فكرة ذكية جدًا، تستغل ضعف الحمار˝
˝ضعف الحمار؟˝ استغرب الذئب ˝ولكن هل لديه ضعف؟˝
˝بالطبع لديه ضعف˝ قال الديك ˝وضعف كبير جدًا. إن ضعفه هو غروره˝
˝غروره؟˝ تسائل الدب ˝ولكن كيف نستغل غروره؟˝
˝سأخبركم بذلك˝ قال الديك ˝ولكن عليكم أولًا أن تثقوا بي، وتساعدوني في تطبيق فكرتي˝
˝حسنًا˝ قال الأسد ˝إذًا فاسمع ماذا عليك أن تفعل˝
هذا ما قاله الديك للحيوانات المفترسة الأليفة:
“علينا أن نجعل الحمار يعتقد أنه ليس ملك الغابة بالفعل، وأن هناك ملكًا آخر أقوى منه وأشرف منه. علينا أن نجعله يشعر بالغيرة والحسد، وأن ندفعه إلى التحدي والمواجهة. علينا أن نستخدم حيلة قديمة، ولكنها فعالة. علينا أن نستخدم حيلة الديك الرائع”
“حيلة الديك الرائع؟” سألوه.
“نعم” قال الديك “حيلة الديك الرائع. هي حيلة اخترعها أجدادي منذ زمن بعيد، للتخلص من الديوك المتغطرسة والمتكبرة. هي حيلة تستند إلى خداع البصر والسمع، وإلى استغلال طبيعة الديوك المحبة للمجد والشهرة”
“وكيف تعمل هذه الحيلة؟” سألوه.
“تعمل هذه الحيلة بالشكل التالي” قال الديك ˝أولًا، علينا أن نجد مكانًا بعيدًا عن الغابة، حيث يوجد جبل عالٍ وصخور كبيرة. ثانيًا، علي أن أذهب إلى هذا المكان، وأقف على قمة الجبل، وأصدر صوتًا عاليًا وجميلًا، يشبه صوت ديك ملكي. ثالثًا، عليكم أن تذهبوا إلى الغابة، وترووا للحمار وجميع الحيوانات قصصًا مدهشة عن ديك رائع يسكن في جبل بعيد، وأنه هو الملك الحقيقي لجميع الحيوانات. رابعًا، عليكم أن تثيروا فضول الحمار وغيرته، وتحثوه على أن يذهب إلى المكان الذي يسكن فيه الديك الرائع، ويتحداه في مبارزة. خامسًا، عندما يذهب الحمار إلى المكان المحدد، سأظهر له من بعيد، وسأصدر صوتًا مهيبًا، وسأجعله يراني كبيرًا ومهيبًا، بفضل انعكاس الشمس على ريشي وصدى صوتي على الصخور. سادسًا، سأتحداه في مبارزة شرسة، وسأستخدم حركات سريعة وماكرة، لإثارة خوفه وارباكه. سابعًا، عندما يفقد الحمار ثقته بنفسه وشجاعته، سأقوم بالضربة القاضية، وسأصدر صوتًا عاليًا جدًا، يشبه صوت الرعد، وسأجعله يظن أنني أطلقت نارًا من فمي. ثامنًا، سيفر الحمار هاربًا من المكان، وسيعود إلى الغابة مذعورًا ومنهارًا. تاسعًا، سأتبعه إلى الغابة، وسأظهر لجميع الحيوانات قوتي وشجاعتي، وسأطلب منهم أن يختاروا بيني وبين الحمار. عاشرًا، سيختار جميع الحيوانات أن يكونوا تحت حكمي، وسأصبح ملك الغابة. حادي عشرًا، سأعود إلى طبيعتي الأصلية، وسأجعل جميع الحيوانات تعود إلى طبيعتها أيضًا. ثاني عشرًا، سأحكم الغابة بعدل ورحمة، وسأجعل الحمار يصبح خادمًا للجميع. هذه هي فكرتي˝
˝والله فكرة رائعة˝ قال الأسد ˝ولكن هل تظن أنها ستنجح؟˝
˝بالطبع ستنجح˝ قال الديك ˝إنها فكرة مجربة ومضمونة. إنها فكرة لا تفشل أبدًا˝
˝إذًا فلنجربها˝ قال النمر ˝ولنرى ماذا سيحدث˝
˝حسنًا˝ قال الديك ˝فلنستعد لتطبيق فكرتي. لكن عليكم أولًا أن تقسموا بالولاء لي، وألا تخونوني˝
˝لا مشكلة˝ قالوا جميعًا ˝إننا نقسم بالولاء لك، ولا نخونك˝
˝جيد˝ قال الديك ˝إذًا فلنبدأ˝
وهكذا، بدأت الحيوانات المفترسة الأليفة والديك في تنفيذ خطتهم. ذهب الديك إلى المكان الذي اختاره، وقف على قمة الجبل، وبدأ يصدر أصواتًا عالية وجميلة، تنشر في كل مكان. ذهبت الحيوانات المفترسة الأليفة إلى الغابة، وبدأت تروي للحمار وجميع الحيوانات قصصًا مدهشة عن الديك الرائع، وكيف أنه هو الملك الحقيقي لجميع الحيوانات. كانت تقول لهم:
˝هل سمعتم عن الديك الرائع؟˝
˝لا، ما هو؟˝
˝هو ديك عظيم وشجاع، يسكن في جبل بعيد، وهو يحكم جميع الحيوانات بعدل ورحمة˝
˝حقًا؟ وماذا يفعل؟˝
˝هو يفعل أشياء عجيبة وغريبة. هو يصدر صوتًا عاليًا وجميلًا، يشبه صوت ديك ملكي. هو يظهر كبيرًا ومهيبًا، بفضل انعكاس الشمس على ريشه وصدى صوته على الصخور. هو يطلق نارًا من فمه، كأنه تنين. هو يتحدى أي حيوان يجرؤ على مخالفته أو مقاومته، ويهزمه بسهولة˝
˝لا أصدق ذلك. هذا مستحيل˝
˝إنه حقيقة. نحن رأيناه بأعيننا. إنه ديك رائع˝
˝ولكن كيف لديك رائع أن يكون ملكًا لجميع الحيوانات؟ ألست أنا ملك الغابة؟˝
˝لا، أنت لست ملك الغابة. أنت مجرد حمار غبي وجبان. إن الملك الحقيقي هو الديك الرائع. هو أقوى منك وأشرف منك. هو يستحق أن يكون ملكًا، وأنت تستحق أن تكون خادمًا˝
˝ماذا؟ كيف تجرؤ على قول ذلك؟ هل تتحداني؟˝
˝نعم، نتحداك. إذا كنت تظن أنك ملك الغابة، فلم لا تذهب إلى المكان الذي يسكن فيه الديك الرائع، وتتحداه في مبارزة؟ إذا فزت عليه، فسنقبل بأن تكون ملكًا. وإذا خسرت منه، فسنطردك من الغابة˝
˝حسنًا، سأذهب إلى المكان الذي يسكن فيه الديك الرائع، وسأتحداه في مبارزة. سأثبت لكم أنني ملك الغابة، وأن الديك الرائع مجرد ديك عادي˝
˝حسنًا، فلتذهب إذًا. ولكن احذر، فالديك الرائع ليس ديكًا عاديًا. هو ديك خطير ومخيف. لا تظن أنك ستعود حيًا من هناك˝
˝لا تخافوا علي. أنا لست خائفًا من ديك. أنا أخاف فقط من الله. سأرجع قريبًا، وسأحمل رأس الديك الرائع في يدي˝
وهكذا، خرج الحمار من الغابة، متوجهًا إلى المكان الذي يسكن فيه الديك الرائع. كان يمشي بثقة وغرور، وهو يظن أنه سينتصر على الديك بسهولة. وصل إلى المكان بعد مسافة طويلة، ورفع رأسه ليرى الجبل العالي. فإذا به يسمع صوتًا عاليًا وجميلًا، يشبه صوت ديك ملكي. نظر إلى قمة الجبل، فإذا به يرى ديكًا كبيرًا ومهيبًا، يلمع ريشه بألوان زاهية، وينعكس صوته على الصخور.
˝من أنت؟˝ سأله الحمار.
˝أنا الديك الرائع˝ أجابه ˝أنا ملك جميع الحيوانات˝
˝لا، أنت لست ملك جميع الحيوانات. أنت مجرد ديك ضئيل وضعيف. أنا ملك جميع الحيوانات. أنا ملك الغابة˝
˝هل تتحداني؟˝ سأله الديك.
قال الحمار : ˝نعم، أتحداك. إذا كنت تظن أنك ملك جميع الحيوانات، فلتنزل من قمة الجبل، ولتقاتلني في مبارزة. إذا فزت علي، فسأقبل بأن تكون ملكًا. وإذا خسرت مني، فستصبح خادمًا˝
˝حسنًا، فلأقاتلك إذًا. لكن احذر، فأنا لست ديكًا ضئيلًا وضعيفًا. أنا ديك خطير ومخيف. لا تظن أنك ستخرج حيًا من هنا˝
وهكذا، نزل الديك من قمة الجبل، وتقدم نحو الحمار، وبدأ المبارزة بينهما. كان الديك يستخدم حركات سريعة ومكيدة، لإثارة خوف الحمار وارباكه. كان ينقض عليه من الأمام والخلف والجوانب، ويخدشه بمخالبه ويعضه بنابه. كان يصدر أصواتًا عالية ومرعبة، تشبه صوت الرعد. كان يجعله يراه كبيرًا ومهيبًا، بفضل انعكاس الشمس على ريشه وصدى صوته على الصخور. كان يجعله يظن أنه يطلق نارًا من فمه، بفضل تأثير بعض الحشائش النارية التي كان يأكلها.
الحمار كان خائفًا ومنهزمًا، ولم يستطع مقاومة الديك. كان يحاول الهرب والدفاع عن نفسه، لكن دون جدوى. كان يشعر بالألم والذل. كان يندم على تحدي الديك، ويتمنى أن يعود إلى الغابة. لكن الديك لم يتركه، وظل يضربه ويسخر منه، حتى أنهكه تمامًا.
في النهاية، قام الديك بالضربة القاضية، وصدر صوتًا عاليًا جدًا، يشبه صوت الرعد، وجعل الحمار يظن أنه أطلق نارًا من فمه. فأصاب الحمار بالرعب، وفر هاربًا من المكان، متجهًا إلى الغابة مذعورًا ومنهارًا.
الديك تبعه إلى الغابة، وظهر لجميع الحيوانات قوته وشجاعته، وطلب منهم أن يختاروا بينه وبين الحمار. جميع الحيوانات اختارت أن تكون تحت حكم الديك، وأصبح ملك الغابة. ثم عاد إلى طبيعته الأصلية، وجعل جميع الحيوانات تعود إلى طبيعتها أيضًا. حكم الغابة بعدل ورحمة، وجعل الحمار يصبح خادمًا للجميع.