❞ \"أتعلم .. أنا لا أغش . لا أجرؤ على هذا أيضا . زمان كنا نضيف الماء إلى اللبن . كل شئ كان نقيا . ولكن الماء الآن أصبح فاسدا . لو أضفناه لأفسد اللبن قبل أن نصل به إلى الزبون .. إننا مرغمون على بيع اللبن نقيا\" .
محمد المنسي قنديل,. ❝ ⏤محمد المنسي قنديل
❞ ˝أتعلم . أنا لا أغش . لا أجرؤ على هذا أيضا . زمان كنا نضيف الماء إلى اللبن . كل شئ كان نقيا . ولكن الماء الآن أصبح فاسدا . لو أضفناه لأفسد اللبن قبل أن نصل به إلى الزبون . إننا مرغمون على بيع اللبن نقيا˝ .
محمد المنسي قنديل,. ❝
❞ 🌿 الدراسة 🌿
هتيجي تقولي متكلمتش ليه باستفاضة عن الدراسة هقولك أنا فعلا جاية اقولك شوية كلام عن الدراسة بالنسبة لـ فئتك كـ مراهق فأنت أكيد في أشد مراحلك الدراسية شراسة و حرارة ألا و هي الثانوية و سواء كنت عام او لغات_ علمي أو ادبي_ تجارة او صناعه او أي حاجة فإنت لا غني لك عن الجد والاجتهاد و المثابرة و المعافرة و مفيش حاجة اسمها فئة أقل من فئة أو فئة شايفة المُرّ اكتر من فئة يعني متجيش تقولي \"لاااااااااا دنا داخل علمي… الأدبي للعيال اللي مبتذاكرش\"
مش هكدب عليك… أنا كمان تخيلت للحظة إنه الموضوع كدا لكن بعدين بقيت بفكر بعقل أوسع و لقيت إن العلم علم.. سواء كان كيميا و فيزيا و احياء او فلسفه و علم نفس و تاريخ.
في الحالتين بندرس علم و في الحالتين إحنا بنتعلم مفيش فرق بين خريج طب و خريج حقوق… و مفيش فرق بين إللي أخد تمريض بعد اعدادي و بين إللي أخدها بعد الثانوي
في ناس بتدخل ادبي و تدخل منها آداب و يطلعو مدرسين أفاضل يربو أجيال و في اللي بياخد ألسن و يطلع منها بـ لغة او اتنين و يتخرج و يعلمهم لناس كتير من محبي تعلم اللغات و عندك واحد دخل علمي و مع ذلك طلع شايل عربي و كيميا
مش بقولك واحد أحسن من التاني… دا مجرد مثال عشان تفهم قصدي و ختاما لهذه الفقرة احب اقولك اختار إللي إنت حابب تدرسه مش إللي غيرك شايف إنه مهم
مبدأيا كونك طالب ثانوي(عام _ فني _ أزهري) فـ إنت مطلوب منك تذاكر و تجتهد و تفحت في الصخر زي ما بيقولو لأنك في كل الحالات أكيد هتوصل لـ حاجة و علي اد ما هتتعب علي اد ما هتاخد في الاخر و لازم تعرف إن العلم بيرفع صاحبه فـ لازم تهتم بالدراسة.
هتقولي مش بحب المذاكرة و بتنكد كل ما أشوف الكتب… هقولك بكل بساطة إنت مش لوحدك محدش يا عزيزي بيسمع سيرة المذاكرة و يبتسم بس تعالي نفسر الحوار دا… أولا طول ما إنت بتدي لعقلك إشارة إنه هيبذل مجهود كل ما هيقلل حماسك للموضوع عشان كده قول لنفسك \"يا عقلي أنا هذاكر و المذاكرة ممتعة زيها زي الأكل و الشرب و المرواح للملاهي \".
ثانيا لازم المكتب أو المكان إللي هتذاكر فيه يكون نضيف و هادي و بيشع كدا طاقة إيجابية و حاول تستخدم قصاصات الورق الملونة و تعمل خرايط ذهنية و ترتب الأفكار في الورق و تذاكر منها و تحطهم لوقت تحتاجه زي المراجعات و إمتحانات الدروس كدا يعني.
نفترض سوا إنك مش بتحب تكتب كتير هقولك إنت ممكن تشرح لنفسك الدروس في تسجيلات و تحتفظ بيها و تسمعها كل ما تنفلت منك زمام الأمور يعني كل ما تحس إن الموضوع تقل عليك.. هاته من الأول بالشرح دا و تقدر تسمعها في أي وقت زي مثلا المواصلات لو إنت سكة سفر أو في حصة فاضية في المدرسة بس خد بالك لازم تستأذن عشان في معظم المدارس الموبايل بيكون محظور و بيتصادر فورا لما يلاقوه و ربنا يعوض عليك لو طلعت إدارة غليظة و ملتزمة بالقوانين.
و أهم حاجة تقلل من استخدام الهاتف ولو انت طالب معظم دروسه أونلاين فـ ممكن تمسح التطبيقات اللي بتاخد وقتك زي facebook او Instagram او Twitter بالذات انهم بيسحبوا جزء كبير من باقة النت و هيضيعو الوقت كمان.
وفي النهاية يا عزيزي أنا مش بفرض عليك وضع معين… اختار إللي يريحك و يناسبك لكن أيا كان الوضع إللي هتمشي عليه…. فأنت مجبر تذاكر ثم تذاكر ثم تذاكر كمان مرة.
هتقولي أنا مش بحب اذاكر لوحدي أو في البيت… بحس بملل و مش بلاقي حاجة تخليني افصل لو حسيت بالتعب…. هقولك ممكن تروح تذاكر في كافيه او حتي حديقة… المناالمناطق الخضراء هناك كفيلة تروق عليك بمجرد ما تتأملها و حاول تختار مكان مظلل و مفيهوش اطفال و لو خت حد معاك زي صاحب دحيح و جاد في المذاكرة والله يكون افضل لإنه بالظبط هيكون زي الشاحن ليك كل ما طاقتك تنفد و الصراحه في حل ألطف من كدا… ممكن تعمل جو زي كدا في الاوضة… تجيب زهور سواء من المشتل أو من محل التحف و تشغل قرآن علي موبايلك بصوت بتحبه و تعمل جوك إللي تحبه بقي و يسلام لو تفتح الشباك بدل النور الصناعي…. دا إنت تكون نقلت الجو كله و انت قاعد…
Habiba ali. ❝ ⏤حبيبة علي حسن الزواوي
❞ 🌿 الدراسة 🌿
هتيجي تقولي متكلمتش ليه باستفاضة عن الدراسة هقولك أنا فعلا جاية اقولك شوية كلام عن الدراسة بالنسبة لـ فئتك كـ مراهق فأنت أكيد في أشد مراحلك الدراسية شراسة و حرارة ألا و هي الثانوية و سواء كنت عام او لغات_ علمي أو ادبي_ تجارة او صناعه او أي حاجة فإنت لا غني لك عن الجد والاجتهاد و المثابرة و المعافرة و مفيش حاجة اسمها فئة أقل من فئة أو فئة شايفة المُرّ اكتر من فئة يعني متجيش تقولي ˝لاااااااااا دنا داخل علمي… الأدبي للعيال اللي مبتذاكرش˝
مش هكدب عليك… أنا كمان تخيلت للحظة إنه الموضوع كدا لكن بعدين بقيت بفكر بعقل أوسع و لقيت إن العلم علم. سواء كان كيميا و فيزيا و احياء او فلسفه و علم نفس و تاريخ.
في الحالتين بندرس علم و في الحالتين إحنا بنتعلم مفيش فرق بين خريج طب و خريج حقوق… و مفيش فرق بين إللي أخد تمريض بعد اعدادي و بين إللي أخدها بعد الثانوي
في ناس بتدخل ادبي و تدخل منها آداب و يطلعو مدرسين أفاضل يربو أجيال و في اللي بياخد ألسن و يطلع منها بـ لغة او اتنين و يتخرج و يعلمهم لناس كتير من محبي تعلم اللغات و عندك واحد دخل علمي و مع ذلك طلع شايل عربي و كيميا
مش بقولك واحد أحسن من التاني… دا مجرد مثال عشان تفهم قصدي و ختاما لهذه الفقرة احب اقولك اختار إللي إنت حابب تدرسه مش إللي غيرك شايف إنه مهم
مبدأيا كونك طالب ثانوي(عام فني __ أزهري) فـ إنت مطلوب منك تذاكر و تجتهد و تفحت في الصخر زي ما بيقولو لأنك في كل الحالات أكيد هتوصل لـ حاجة و علي اد ما هتتعب علي اد ما هتاخد في الاخر و لازم تعرف إن العلم بيرفع صاحبه فـ لازم تهتم بالدراسة.
هتقولي مش بحب المذاكرة و بتنكد كل ما أشوف الكتب… هقولك بكل بساطة إنت مش لوحدك محدش يا عزيزي بيسمع سيرة المذاكرة و يبتسم بس تعالي نفسر الحوار دا… أولا طول ما إنت بتدي لعقلك إشارة إنه هيبذل مجهود كل ما هيقلل حماسك للموضوع عشان كده قول لنفسك ˝يا عقلي أنا هذاكر و المذاكرة ممتعة زيها زي الأكل و الشرب و المرواح للملاهي ˝.
ثانيا لازم المكتب أو المكان إللي هتذاكر فيه يكون نضيف و هادي و بيشع كدا طاقة إيجابية و حاول تستخدم قصاصات الورق الملونة و تعمل خرايط ذهنية و ترتب الأفكار في الورق و تذاكر منها و تحطهم لوقت تحتاجه زي المراجعات و إمتحانات الدروس كدا يعني.
نفترض سوا إنك مش بتحب تكتب كتير هقولك إنت ممكن تشرح لنفسك الدروس في تسجيلات و تحتفظ بيها و تسمعها كل ما تنفلت منك زمام الأمور يعني كل ما تحس إن الموضوع تقل عليك. هاته من الأول بالشرح دا و تقدر تسمعها في أي وقت زي مثلا المواصلات لو إنت سكة سفر أو في حصة فاضية في المدرسة بس خد بالك لازم تستأذن عشان في معظم المدارس الموبايل بيكون محظور و بيتصادر فورا لما يلاقوه و ربنا يعوض عليك لو طلعت إدارة غليظة و ملتزمة بالقوانين.
و أهم حاجة تقلل من استخدام الهاتف ولو انت طالب معظم دروسه أونلاين فـ ممكن تمسح التطبيقات اللي بتاخد وقتك زي facebook او Instagram او Twitter بالذات انهم بيسحبوا جزء كبير من باقة النت و هيضيعو الوقت كمان.
وفي النهاية يا عزيزي أنا مش بفرض عليك وضع معين… اختار إللي يريحك و يناسبك لكن أيا كان الوضع إللي هتمشي عليه…. فأنت مجبر تذاكر ثم تذاكر ثم تذاكر كمان مرة.
هتقولي أنا مش بحب اذاكر لوحدي أو في البيت… بحس بملل و مش بلاقي حاجة تخليني افصل لو حسيت بالتعب…. هقولك ممكن تروح تذاكر في كافيه او حتي حديقة… المناالمناطق الخضراء هناك كفيلة تروق عليك بمجرد ما تتأملها و حاول تختار مكان مظلل و مفيهوش اطفال و لو خت حد معاك زي صاحب دحيح و جاد في المذاكرة والله يكون افضل لإنه بالظبط هيكون زي الشاحن ليك كل ما طاقتك تنفد و الصراحه في حل ألطف من كدا… ممكن تعمل جو زي كدا في الاوضة… تجيب زهور سواء من المشتل أو من محل التحف و تشغل قرآن علي موبايلك بصوت بتحبه و تعمل جوك إللي تحبه بقي و يسلام لو تفتح الشباك بدل النور الصناعي…. دا إنت تكون نقلت الجو كله و انت قاعد…
❞ كل منا يحمل جثته على كتفيه..
ليس هناك أغرب من الموت..
إنه حادث غريب..
أن يصبح الشيء .. لا شيء..
ثياب الحداد .. و السرادق .. و المباخر .. و نحن كأننا
نتفرج على رواية .. و لا نصدق و لا أحد يبدو عليه أنه يصدق..
حتى المشيعين الذين يسيرون خلف الميت لا يفكرون إلا في المشوار.
و أولاد الميت لا يفكرون إلا في الميراث.
و الحانوتية لا يفكرون إلا في حسابهم.
و المقرئون لا يفكرون إلا في أجورهم..
و كل واحد يبدو أنه قلق على وقته أو صحته أو فلوسه..
و كل واحد يتعجل شيئاً يخشى أن يفوته .. شيئاً ليس الموت أبداً.
إن عملية القلق على الموت بالرغم من كل هذا المسرح التأثيري هي مجرد قلق على الحياة..
لا أحد يبدو أنه يصدق أو يعبأ بالموت .. حتى الذي يحمل النعش على أكتافه.
الخشبة تغوص في لحم أكتافه .. و عقله سارح في اللحظة المقبلة و كيف يعيشها..
الموت لا يعني أحداً .. و إنما الحياة هي التي تعني الكل.
نكتة.. !
من الذي يموت إذاً ؟..
الميت ؟..
و حتى هذا .. لا يدري مصيره..
إن الجنازة لا تساوي إلا مقدار الدقائق القليلة التي تعطل فيها المرور و هي تعبر الشارع..
و هي عطلة نتراكم فيها العربات على الجانبين .. كل عربة تنفخ في غيرها في قلق . لتؤكد مرة أخرى
أنها تتعجل الوصول إلى هدفها .. و أنها لا تفهم .. هذا الشيء الذي اسمه الموت.
ما الموت .. و ما حقيقته..
و لماذا يسقط الموت من حسابنا دائماً . حتى حينما نواجهه.
* * *
لأن الموت في حقيقته حياة.
و لأنه لا يحتوي على مفاجأة..
و لأن الموت يحدث في داخلنا في كل لحظة حتى و نحن أحياء..
كل نقطة لعاب .. و كل دمعة .. و كل قطرة عرق .. فيها خلايا ميتة .. نشيعها إلى الخارج دون
احتفال..
ملايين الكرات الحمر تولد و تعيش و تموت .. في دمنا .. دون أن ندري عنها شيئاً .. و مثلها الكرات
البيض .. و خلايا اللحم و الدهن و الكبد و الأمعاء .. كلها خلايا قصيرة العمر تولد و تموت و يولد
غيرها و يموت .. و تدفن جثثها في الغدد أو تطرد في الإفرازات في هدوء و صمت .. دون أن نحس أن
شيئاً ما قد يحدث.
مع كل شهيق و زفير .. يدخل الأكسجين .. مثل البوتوجاز إلى فرن الكبد فيحرق كمية من اللحم و
يولد حرارة تطهي لنا لحماً آخر جديداً نضيفه إلى أكتافنا.
هذه الحرارة هي الحياة..
و لكنها أيضاً احتراق .. الموت في صميمها .. و الهلاك في طبيعتها.
أين المفاجأة إذن و كل منا يشبه نعشاً يدب على الساقين .. كل منا يحمل جثته على كتفيه في كل لحظة
..
حتى الأفكار تولد و تورق و تزدهر في رؤوسنا ثم تذبل و تسقط .. حتى العواطف .. تشتعل و تتوهج
في قلوبنا ثم تبرد .. حتى الشخصية كلها تحطم شرنقتها مرة بعد أخرى .. و تتحول من شكل .. إلى
شكل..
إننا معنوياً نموت و أدبياً نموت و مادياً نموت في كل لحظة.
و أصدق من هذا أن نقول أننا نعيش . مادياً نعيش و أدبياً نعيش و معنوياً نعيش .. لأنه لا فرق يذكر
بين الموت و الحياة .. لأن الحياة هي عملية الموت.
لأن الأوراق التي تنبت من فروع الشجرة .. ثم تذبل و تموت و تسقط .. و ينبت غيرها .. و غيرها ..
هذه العملية الدائبة هي الشجرة..
لأن الحاضر هو جثة الماضي في نفس الوقت.
لأن الحركة هي وجودي في مكان ما و انعدامي من هذا المكان في نفس اللحظة . فبهذا وحده أمشي و
أتحرك .. و تمضي معي الأشياء..
لأن الحياة ليست تعادلية , و لكنها شد و جذب و صراع بين نقيضين , و محاولة عاجزة للتوفيق بينها في
تراكيب واهية هي في ذاتها في حاجة للتوفيق بينها .. مرة .. و مرة و مرات .. بدون نهاية و بدون نجاح
أبداً .. و بدون الوصول إلى أي تعادلية..
الحياة ليست تعادلية بين الموت و الوجود و لكنها اضطراب بين الاثنين و صراع يرفع أحدهما مرة و
يخفضه مرة أخرى.
الحياة أزمة .. و توتر..
و نحن نذوق الموت في كل لحظة .. و نعيشه .. فلا نضطرب بل على العكس .. نحس بكياننا من خلال
هذا الموت الذي داخلنا .. و نفوز بأنفسنا , و ندركها , و نستمتع بها..
و لا نكتفي بهذا.. بل ندخل في معركة مع مجتمعنا .. و ندخل في موت و حياة من نوع آخر . موت و
حياة على نطاق واسع تتصارع فيه مجتمعات و نظم و تراكيب إنسانية كبيرة.
و من خلال هذا الصراع الأكبر . نحس بأنفسنا أكثر .. و أكثر .. إنها ليست خلايا تتولد و تموت في
جسد رجل واحد . و لكنها أيضاً مجموعات بشرية تولد و تموت في جسم المجتمع كله.
إ.ا الموت يحدث على مستويات أكبر.
الموت إذن حدث دائب مستمر .. يعتري الإنسان و هو على قدميه و يعتري المجتمعات و هي في عنفوانها
.
و هو في نسيج الإنسان .. في جسده .. و في كل نبضة ينبضها قلبه مهما تدفقت بالصحة و العافية.
و بالموت تكون الحياة .. و تأخذ شكلها الذي نحسه و نحياه .. لأن ما نحسه و نحياه هو المحصلة بين
القوتين معاً .. الوجود و العدم و هما يتناوبان الإنسان شداً .. و جذباً.
ما السر إذن في هذه الدهشة التي تصبينا حينما يقع أحدنا ميتاً.
و لماذا يبدو لنا هذا الحديث .. غير معقول , غير قابل للتصديق.
و لماذا نقف مشدوهين أمام الحادث نكذّب عيوننا .. و نكذّب حواسنا و نكذّب عقولنا .. ثم نمضي ..
و قد أسقطنا كل شيء من حسابنا .. وصرفنا النظر .. و اعتبرنا ما كان .. واجباً .. و لباقة . و مجاملة
.. أديناها و انتهينا منها.
لماذا لا نحمل هذا الحادث على محمل الجد..
ولماذا نرتجف من الرعب حينما نفكر فيه .. و تنخلع قلوبنا حينما نصدقه و تضطرب حياتنا حينما ندخله
في حسابنا و نضعه موضع الاعتبار.
السبب أنه الحادث الوحيد المصحوب برؤية مباشرة .. فما يحدث داخلنا من موت لا نراه .. لا نرى
كرات الدم و هي تولد و تموت .. لا نرى الخلايا و هي تحترق .. لا نرى صراع الميكروبات و هي
تقتلنا و نقتلها..
و خلايانا لا ترى نفسها و هي تفنى..
كل ما يحدث في داخلنا يحدث في الظلام .. و نحن ننام ملء جفوننا و قلوبنا تدق بانتظام و تنفسنا يتردد
في هدوء.
الموت يسترق الخطى كاللص تحت جنح الليل .. و يمشي على رؤوسنا فتبيض له شعراتنا .. شعرة ..
شعرة .. دون أن نحس .. لأن دبيبه و هو يمشي هو دبيب الحياة نفسها.
إن أوراق الشجر تتساقط و لكن الشجرة تظل مائلة للعيان دائمة الخضرة دائمة الازدهار .. تظل هكذا
حتى تهب عاصفة تخلعها من جذورها وتلقي بها في عرض الطريق..
و حينئذ فقط يبدو منظرها قاتماً يبعث على التشاؤم .. تبدو فروعها معروفة عارية .. و جذورها نخرة ..
و أوراقها مصفرة..
لقد انتهت .. لم تعد شجرة .. أصبحت شيئاً آخر .. أصبحت خشباً.
و هذا ما يحدث .. حينما نشاهد الإنسان و هو يسقط جثة هامدة.
إنه يبدو شيئاً آخر و يبدو الحادث الذي حدث فجأة .. حادثاً غريباً بلا مقدمات..
لقد انتهى الإنسان كله فجأة..
و يبدأ العقل في التساؤل..
هل أنتهي أنا أيضاً كلي فجأة كما انتهى ذلك الإنسان .. و كيف و لا شيء في إحساسي يدل على
هذه النهاية أبداً.
كيف يحدث هذا .. و أنا جياش بالرغبة . ممتلئ بالإرادة .. بل أنا الامتلاء نفسه.
كيف يتحول الامتلاء إلى فراغ .. و فجوة.
أنا .. أنا ؟ .. !الذي أحتوي على الدنيا .. كيف أنتهي هكذا و أصبح شيئاً تحتوي عليه الدنيا.
أنا ؟..
إن كلمة .. أنا .. كلمة كهربائية .. إنها كالضوء أرى بها كل شيء .. و لا يستطيع شيء أن يراها ..
إنها أكبر من أي كلمة أخرى و أكبر من أي حقيقة .. لأن بها تكون الحقائق حقائق..
إنها فوق كل شيء و فوقي أنا أيضاً لأنها تراني و تشعر بي..
إنها مصدر الإشعاع كله .. و حيث يتمثل لي هذا المنظر المفجع الذي يلقى فيه الإنسان مصرعه .. فهي
فوق هذا المنظر أيضاً .. لأنها تراه .. و فوق الطبيعة .. و فوق قوانينها .. و فوق ظواهرها.
أنا الموت..!
من أنا
ومن هذا الذي مات..
إنه بعض مني .. منظر ملايين المناظر الذي تعبر خاطري . فكيف أموت أنا أيضاً..
إن التساؤل ما يلبث أن يتحول على تمزق فظيع يحطم فيه المنطق نفسه بنفسه .. و يصطدم باستحالات لا
حل لها..
و هكذا تبدأ المشكلة الأزلية..
لغز الموت..
إن مصدر اللغز هو هذا الموقف الذي ينتقل فيه العقل من رؤية مباشرة للموت إلى استنتاج مباشر عن
موته هو أيضاً .. و هو أبو الأشياء .. و نظامها .. و تفسيرها .. و نورها.
و لكنه يعود فيقول:
لا..
إن الذين يموتون هم الآخرون.
إن التاريخ كله لا يروي قصة واحدة عن موت ال .. أنا..
إن الموضوعات تتغير و تتبدل و تولد و تذبل و تموت و الآخرون يموتون.
أنا أنا .. هذه ال أنا .. لا توجد سابقة واحدة عن موتها.
أنا من مادة أخرى غير كل هذه الموضوعات .. و لهذا أمسك بها و أتناولها و أفهمها .. و لا أستطيع أن
أمسك بنفسي و أنا أتناولها و أفهمها.
أنا فوق متناول الجميع .. و فوق متناولي أنا أيضاً .. و فوق متناول القوانين و الظواهر..
هناك حلقة مفقودة..
و هي تفتح باباً تدخل منه الفلسفة .. و يتسلل منه الفكر .. و لكنه باب ضيق .. ضيق جداً .. يؤدي
إلى سراديب أغلبها مغلقة و رحلة الفكر في هذه السراديب مخيفة مزعجة و لكنها تثير الاهتمام.
و أي شيء يبعث الاهتمام أكثر من الحياة .. والمصير .. و من أين .. و إلى أين .. و كيف.
مقال / اللغز
من كتاب / لغز الموت
للدكتور / مصطفي محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ كل منا يحمل جثته على كتفيه.
ليس هناك أغرب من الموت.
إنه حادث غريب.
أن يصبح الشيء . لا شيء.
ثياب الحداد . و السرادق . و المباخر . و نحن كأننا
نتفرج على رواية . و لا نصدق و لا أحد يبدو عليه أنه يصدق.
حتى المشيعين الذين يسيرون خلف الميت لا يفكرون إلا في المشوار.
و أولاد الميت لا يفكرون إلا في الميراث.
و الحانوتية لا يفكرون إلا في حسابهم.
و المقرئون لا يفكرون إلا في أجورهم.
و كل واحد يبدو أنه قلق على وقته أو صحته أو فلوسه.
و كل واحد يتعجل شيئاً يخشى أن يفوته . شيئاً ليس الموت أبداً.
إن عملية القلق على الموت بالرغم من كل هذا المسرح التأثيري هي مجرد قلق على الحياة.
لا أحد يبدو أنه يصدق أو يعبأ بالموت . حتى الذي يحمل النعش على أكتافه.
الخشبة تغوص في لحم أكتافه . و عقله سارح في اللحظة المقبلة و كيف يعيشها.
الموت لا يعني أحداً . و إنما الحياة هي التي تعني الكل.
نكتة. !
من الذي يموت إذاً ؟.
الميت ؟.
و حتى هذا . لا يدري مصيره.
إن الجنازة لا تساوي إلا مقدار الدقائق القليلة التي تعطل فيها المرور و هي تعبر الشارع.
و هي عطلة نتراكم فيها العربات على الجانبين . كل عربة تنفخ في غيرها في قلق . لتؤكد مرة أخرى
أنها تتعجل الوصول إلى هدفها . و أنها لا تفهم . هذا الشيء الذي اسمه الموت.
ما الموت . و ما حقيقته.
و لماذا يسقط الموت من حسابنا دائماً . حتى حينما نواجهه.
**
لأن الموت في حقيقته حياة.
و لأنه لا يحتوي على مفاجأة.
و لأن الموت يحدث في داخلنا في كل لحظة حتى و نحن أحياء.
كل نقطة لعاب . و كل دمعة . و كل قطرة عرق . فيها خلايا ميتة . نشيعها إلى الخارج دون
احتفال.
ملايين الكرات الحمر تولد و تعيش و تموت . في دمنا . دون أن ندري عنها شيئاً . و مثلها الكرات
البيض . و خلايا اللحم و الدهن و الكبد و الأمعاء . كلها خلايا قصيرة العمر تولد و تموت و يولد
غيرها و يموت . و تدفن جثثها في الغدد أو تطرد في الإفرازات في هدوء و صمت . دون أن نحس أن
شيئاً ما قد يحدث.
مع كل شهيق و زفير . يدخل الأكسجين . مثل البوتوجاز إلى فرن الكبد فيحرق كمية من اللحم و
يولد حرارة تطهي لنا لحماً آخر جديداً نضيفه إلى أكتافنا.
هذه الحرارة هي الحياة.
و لكنها أيضاً احتراق . الموت في صميمها . و الهلاك في طبيعتها.
أين المفاجأة إذن و كل منا يشبه نعشاً يدب على الساقين . كل منا يحمل جثته على كتفيه في كل لحظة
.
حتى الأفكار تولد و تورق و تزدهر في رؤوسنا ثم تذبل و تسقط . حتى العواطف . تشتعل و تتوهج
في قلوبنا ثم تبرد . حتى الشخصية كلها تحطم شرنقتها مرة بعد أخرى . و تتحول من شكل . إلى
شكل.
إننا معنوياً نموت و أدبياً نموت و مادياً نموت في كل لحظة.
و أصدق من هذا أن نقول أننا نعيش . مادياً نعيش و أدبياً نعيش و معنوياً نعيش . لأنه لا فرق يذكر
بين الموت و الحياة . لأن الحياة هي عملية الموت.
لأن الأوراق التي تنبت من فروع الشجرة . ثم تذبل و تموت و تسقط . و ينبت غيرها . و غيرها .
هذه العملية الدائبة هي الشجرة.
لأن الحاضر هو جثة الماضي في نفس الوقت.
لأن الحركة هي وجودي في مكان ما و انعدامي من هذا المكان في نفس اللحظة . فبهذا وحده أمشي و
أتحرك . و تمضي معي الأشياء.
لأن الحياة ليست تعادلية , و لكنها شد و جذب و صراع بين نقيضين , و محاولة عاجزة للتوفيق بينها في
تراكيب واهية هي في ذاتها في حاجة للتوفيق بينها . مرة . و مرة و مرات . بدون نهاية و بدون نجاح
أبداً . و بدون الوصول إلى أي تعادلية.
الحياة ليست تعادلية بين الموت و الوجود و لكنها اضطراب بين الاثنين و صراع يرفع أحدهما مرة و
يخفضه مرة أخرى.
الحياة أزمة . و توتر.
و نحن نذوق الموت في كل لحظة . و نعيشه . فلا نضطرب بل على العكس . نحس بكياننا من خلال
هذا الموت الذي داخلنا . و نفوز بأنفسنا , و ندركها , و نستمتع بها.
و لا نكتفي بهذا. بل ندخل في معركة مع مجتمعنا . و ندخل في موت و حياة من نوع آخر . موت و
حياة على نطاق واسع تتصارع فيه مجتمعات و نظم و تراكيب إنسانية كبيرة.
و من خلال هذا الصراع الأكبر . نحس بأنفسنا أكثر . و أكثر . إنها ليست خلايا تتولد و تموت في
جسد رجل واحد . و لكنها أيضاً مجموعات بشرية تولد و تموت في جسم المجتمع كله.
إ.ا الموت يحدث على مستويات أكبر.
الموت إذن حدث دائب مستمر . يعتري الإنسان و هو على قدميه و يعتري المجتمعات و هي في عنفوانها
.
و هو في نسيج الإنسان . في جسده . و في كل نبضة ينبضها قلبه مهما تدفقت بالصحة و العافية.
و بالموت تكون الحياة . و تأخذ شكلها الذي نحسه و نحياه . لأن ما نحسه و نحياه هو المحصلة بين
القوتين معاً . الوجود و العدم و هما يتناوبان الإنسان شداً . و جذباً.
ما السر إذن في هذه الدهشة التي تصبينا حينما يقع أحدنا ميتاً.
و لماذا يبدو لنا هذا الحديث . غير معقول , غير قابل للتصديق.
و لماذا نقف مشدوهين أمام الحادث نكذّب عيوننا . و نكذّب حواسنا و نكذّب عقولنا . ثم نمضي .
و قد أسقطنا كل شيء من حسابنا . وصرفنا النظر . و اعتبرنا ما كان . واجباً . و لباقة . و مجاملة
. أديناها و انتهينا منها.
لماذا لا نحمل هذا الحادث على محمل الجد.
ولماذا نرتجف من الرعب حينما نفكر فيه . و تنخلع قلوبنا حينما نصدقه و تضطرب حياتنا حينما ندخله
في حسابنا و نضعه موضع الاعتبار.
السبب أنه الحادث الوحيد المصحوب برؤية مباشرة . فما يحدث داخلنا من موت لا نراه . لا نرى
كرات الدم و هي تولد و تموت . لا نرى الخلايا و هي تحترق . لا نرى صراع الميكروبات و هي
تقتلنا و نقتلها.
و خلايانا لا ترى نفسها و هي تفنى.
كل ما يحدث في داخلنا يحدث في الظلام . و نحن ننام ملء جفوننا و قلوبنا تدق بانتظام و تنفسنا يتردد
في هدوء.
الموت يسترق الخطى كاللص تحت جنح الليل . و يمشي على رؤوسنا فتبيض له شعراتنا . شعرة .
شعرة . دون أن نحس . لأن دبيبه و هو يمشي هو دبيب الحياة نفسها.
إن أوراق الشجر تتساقط و لكن الشجرة تظل مائلة للعيان دائمة الخضرة دائمة الازدهار . تظل هكذا
حتى تهب عاصفة تخلعها من جذورها وتلقي بها في عرض الطريق.
و حينئذ فقط يبدو منظرها قاتماً يبعث على التشاؤم . تبدو فروعها معروفة عارية . و جذورها نخرة .
و أوراقها مصفرة.
لقد انتهت . لم تعد شجرة . أصبحت شيئاً آخر . أصبحت خشباً.
و هذا ما يحدث . حينما نشاهد الإنسان و هو يسقط جثة هامدة.
إنه يبدو شيئاً آخر و يبدو الحادث الذي حدث فجأة . حادثاً غريباً بلا مقدمات.
لقد انتهى الإنسان كله فجأة.
و يبدأ العقل في التساؤل.
هل أنتهي أنا أيضاً كلي فجأة كما انتهى ذلك الإنسان . و كيف و لا شيء في إحساسي يدل على
هذه النهاية أبداً.
كيف يحدث هذا . و أنا جياش بالرغبة . ممتلئ بالإرادة . بل أنا الامتلاء نفسه.
كيف يتحول الامتلاء إلى فراغ . و فجوة.
أنا . أنا ؟ . !الذي أحتوي على الدنيا . كيف أنتهي هكذا و أصبح شيئاً تحتوي عليه الدنيا.
أنا ؟.
إن كلمة . أنا . كلمة كهربائية . إنها كالضوء أرى بها كل شيء . و لا يستطيع شيء أن يراها .
إنها أكبر من أي كلمة أخرى و أكبر من أي حقيقة . لأن بها تكون الحقائق حقائق.
إنها فوق كل شيء و فوقي أنا أيضاً لأنها تراني و تشعر بي.
إنها مصدر الإشعاع كله . و حيث يتمثل لي هذا المنظر المفجع الذي يلقى فيه الإنسان مصرعه . فهي
فوق هذا المنظر أيضاً . لأنها تراه . و فوق الطبيعة . و فوق قوانينها . و فوق ظواهرها.
أنا الموت.!
من أنا
ومن هذا الذي مات.
إنه بعض مني . منظر ملايين المناظر الذي تعبر خاطري . فكيف أموت أنا أيضاً.
إن التساؤل ما يلبث أن يتحول على تمزق فظيع يحطم فيه المنطق نفسه بنفسه . و يصطدم باستحالات لا
حل لها.
و هكذا تبدأ المشكلة الأزلية.
لغز الموت.
إن مصدر اللغز هو هذا الموقف الذي ينتقل فيه العقل من رؤية مباشرة للموت إلى استنتاج مباشر عن
موته هو أيضاً . و هو أبو الأشياء . و نظامها . و تفسيرها . و نورها.
و لكنه يعود فيقول:
لا.
إن الذين يموتون هم الآخرون.
إن التاريخ كله لا يروي قصة واحدة عن موت ال . أنا.
إن الموضوعات تتغير و تتبدل و تولد و تذبل و تموت و الآخرون يموتون.
أنا أنا . هذه ال أنا . لا توجد سابقة واحدة عن موتها.
أنا من مادة أخرى غير كل هذه الموضوعات . و لهذا أمسك بها و أتناولها و أفهمها . و لا أستطيع أن
أمسك بنفسي و أنا أتناولها و أفهمها.
أنا فوق متناول الجميع . و فوق متناولي أنا أيضاً . و فوق متناول القوانين و الظواهر.
هناك حلقة مفقودة.
و هي تفتح باباً تدخل منه الفلسفة . و يتسلل منه الفكر . و لكنه باب ضيق . ضيق جداً . يؤدي
إلى سراديب أغلبها مغلقة و رحلة الفكر في هذه السراديب مخيفة مزعجة و لكنها تثير الاهتمام.
و أي شيء يبعث الاهتمام أكثر من الحياة . والمصير . و من أين . و إلى أين . و كيف.
مقال / اللغز
من كتاب / لغز الموت
للدكتور / مصطفي محمود (رحمه الله). ❝