❞ ،،تبدو مرهقًا يا دكتور «سمير» - لا عليك، لم أتمتَّع بصحة جيدة في يومٍ من الأيام، ولا تنسَ لقد تجاوزت الثمانين - متَّعك اللهُ بالصحة والعافية، لا تبدو عليكَ هذه السن قاطعَه ضاحكًا: - دعكَ من هذه المقدمة المبتذلة يا سعيد،،. ❝ ⏤عمرو دنقل
❞ ،،تبدو مرهقًا يا دكتور «سمير» - لا عليك، لم أتمتَّع بصحة جيدة في يومٍ من الأيام، ولا تنسَ لقد تجاوزت الثمانين - متَّعك اللهُ بالصحة والعافية، لا تبدو عليكَ هذه السن قاطعَه ضاحكًا: - دعكَ من هذه المقدمة المبتذلة يا سعيد،،. ❝
❞ اقتباس من كتاب
وصف الذات الإلهية
وفق رؤية الكتاب المقدس
بقلم د محمد عمر
مقدمة الكتاب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله ثم اما بعد
فان من اعظم الجرائم التي ارتكبها اليهود والنصاري في حق الله تبارك وتعالي والتي لا تقل اجراما عن اقول الملاحدة والمجوس المخرفين هي فتح الباب امام البشرية الي الالحاد
فقد وضع هؤلاء تصورات متعددة للذات الالهية وفق عقولهم الفاسدة لا ترقي الي منزلة التسبيح والتعظيم التي تنبغي ان تكون لله تعالي رب العالمين
فان كان الملاحدة يرون انه لا رب ولا اله وان الكون خلق بنظرية المصادفة التي يقال لها نظرية الانفجار الكوني العظيم
هذا الانفجار الذي اتي علي حد زعمهم بكل هذا الكمال الكوني الذي يراه الناس بعين الحقيقة ولا يجحده الا الظالمون.
وان كان المجوس تصوروا بفطرهم المنتكسة ان الرب الخالق المالك المدبر هو كل ما تصوروا ووجدوا فيه المنفعة حتي وان كان بقرة . فمنهم من عبد السحاب ومنهم من عبد الشمس او القمر ومنهممن عبد النار ومنهم من نظر الي الانثي واعتبرها الاله المعبود وهذا وفق فطرتهم المنتكسة .
فان اهل الكتاب ما تركوا ضالة من ضلالات الملاحدة والمجوس الا وخاضو فيها فازدروا وانتقصوا الله عز وجل حتي اضاعوا مكانة الرب في قلوب العباد ووصفوا الله عز وجل بابشع الصفات حتي صار الالحاد اقرب الي عقول البشر من التصديق بالاله المعبود علي مثل هذا التصورعند هولاء الكتابيين بفرقتيهم المغضوب عليهم والضالين.
فمن تتبع كتابهم المقدس الذي حرفه لهم الاحبار والرهبان يجد العجب العجاب
فتارة يجعلون الله عز وجل انسانا مثلهم يوصف بكل الصفات البشرية من الاسف والحزن والتعب والعجز والجهل ياكل ويشرب ويتخلي لا فارق بينه وبينهم .
وتارة يجعلوه روحا خفيه تاتيهم في اليقظة فتكلمهم وتامرهم وتنهاهم اوتاتيهم في احلامهم لا فارق بين نبي كريم ولا احد الصالحين ولا الفسقة الفاجرين فالكل سواء تاتيهم الروح القدس وتحل عليهم.
وقليلا بل نادرا ما يجعلوه علي عرشه فوق السموات العلي
ومن العجيب انه لا يقبلون هذا في ملوك الدنيا
فما سمعنا عن ملك من ملوك الدنيا يلتقي الناس في الشوارع والحانات ولا يترك عرشه ويتجول في الطرقات ولا يسمح لكل من هب ودب الي يدخل عليه في مقر عرشه الا بموعد
وبعد استاذان من أمنه وحاشيته من رجال السلطات
لكن الاله عند هؤلاء الاحبار تدني الي منزلة ادني من الضعفاء المستحقين للعطف والشفقة والرحمة من بني الانسان
فتارة ياتي نسائهم وتارة ياتي رجالهم واطفالهم ولم يجعلو له صفه من صفات القوة والهيمنة والعظمة انما جعلوه مهانا بينهم لا يخشي منه فاجر ولا يحتمي به صالح لا هم له الا ارضاء طائفة بني اسرائيل وحدهم من بين البشرولا حاجه له بالاخرين سلطانه معدوم خلق الخلق وتركه دون تدبير لا علاقة له برزق ولا نعيم له في الجنة ولا عذاب عنده في النار لا يملك ولا يرزق ولا يدبر ولا يعبد فقضوا علي عقيدة الايمان والكفر والتوحيد والشرك والطاعة والمعصية ولا ثواب ولا عقاب
لا فارق عنده بين الانبياء والاشرار وبين بين الملائكة والشياطين ولا بين العصاة و الطائعين ولا بين طهارة ونجاسة فالكل سواء رب اوجد الكون ثم تركه يسير عبثا وهملا
حتي انتهوا الي وضع نظرية الفداء الشيطانية التي بها قضوا علي هيبة الاله بعد ان قبض عليه طائفة من خلقه فضربوه وبصقوا عليه واهانوه وشتموه ومزقو ثيابه ووضعه علي راسه اكليلا من الشوك وجرعوه الخل شرابا مرا ثم وضعه في يدية ورجليه المسامير مصلوبا علي الصليب فلم يبقوا له حتي كرامة الدواب بين قومة فصار ما جري له تتاذي منه منظمة الرفق بالحيوان
فلما لفظ انفاسه الاخيره وهو ينادي اباه (الي الي لم شبقتني) والتي ترجموها بالهي الهي لم تركتني
ونحن لا ندري اله ينادي اله اخر ام اله ينادي نفسه ثم توسط له احد الفقراء المساكين( يوسف الاريماتي) عند بيلاطس البونطي حاكم الروم في فلسطين ان ينزلوه من علي صليبه فيكفنوه ويدفنوه في قبره ليمكث فيه ثلاثة ايام تحت الارض يضمة التراب ليعود بعدها ويصعد الي السماء علي حسب ظن هؤلاء الكتابيين
فماذا ابقي هؤلاء لله تعالي من عزة وماذا جعلوا له من قوة واين جبروته ومنعته التي حتي لم تعد تساوي ملوك البشر المتغطرسين
والخلاصة ان هؤلاء النصاري ومن قبلهم يهود بني اسرائيل المدلسين انما فتحوا البوابة للاحاد لكي يحط رحاله في عقول البشرية ويرحل عنا عقيدة الايمان بالله والرسل والبعث والحساب والجنة والنار ولا يبقوا للبشر الا نظرية الانفجار الكوني العظيم
وكانهم حققوا لنا الفصل الاخير من رواية الراحل نجيب محفوظ والتي استحق من اجلها جائزة نوبل بعنوان ولاد حارتنا ليس من اجل براعته في الادب وكتابة الروايات انما من اجل انه لوح بالنهاية الفعلية لحياة البشر وهي الوصول الي الالحاد فما كانت شخصية عرفة التي ظهرت اخر القصة الا لكي تقضي علي الشرائع السماوية التي جاء بها جبل ورفاعة وقاسم كما تتسبب في موت الجبلاوي وبهذا قضي الكاتب علي فكرة وجود الاله وارسال الرسل وانزال الشرائع السماوية ووصل بالبشرية الي بغية الشيطان وهي الوصول بالبشر الي الالحاد غفر الله لنا وللمسلمين جميعا
انتهي............. ❝ ⏤Dr Mohammed omar Abdelaziz
❞ اقتباس من كتاب
وصف الذات الإلهية
وفق رؤية الكتاب المقدس
بقلم د محمد عمر
مقدمة الكتاب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله ثم اما بعد
فان من اعظم الجرائم التي ارتكبها اليهود والنصاري في حق الله تبارك وتعالي والتي لا تقل اجراما عن اقول الملاحدة والمجوس المخرفين هي فتح الباب امام البشرية الي الالحاد
فقد وضع هؤلاء تصورات متعددة للذات الالهية وفق عقولهم الفاسدة لا ترقي الي منزلة التسبيح والتعظيم التي تنبغي ان تكون لله تعالي رب العالمين
فان كان الملاحدة يرون انه لا رب ولا اله وان الكون خلق بنظرية المصادفة التي يقال لها نظرية الانفجار الكوني العظيم
هذا الانفجار الذي اتي علي حد زعمهم بكل هذا الكمال الكوني الذي يراه الناس بعين الحقيقة ولا يجحده الا الظالمون.
وان كان المجوس تصوروا بفطرهم المنتكسة ان الرب الخالق المالك المدبر هو كل ما تصوروا ووجدوا فيه المنفعة حتي وان كان بقرة . فمنهم من عبد السحاب ومنهم من عبد الشمس او القمر ومنهممن عبد النار ومنهم من نظر الي الانثي واعتبرها الاله المعبود وهذا وفق فطرتهم المنتكسة .
فان اهل الكتاب ما تركوا ضالة من ضلالات الملاحدة والمجوس الا وخاضو فيها فازدروا وانتقصوا الله عز وجل حتي اضاعوا مكانة الرب في قلوب العباد ووصفوا الله عز وجل بابشع الصفات حتي صار الالحاد اقرب الي عقول البشر من التصديق بالاله المعبود علي مثل هذا التصورعند هولاء الكتابيين بفرقتيهم المغضوب عليهم والضالين.
فمن تتبع كتابهم المقدس الذي حرفه لهم الاحبار والرهبان يجد العجب العجاب
فتارة يجعلون الله عز وجل انسانا مثلهم يوصف بكل الصفات البشرية من الاسف والحزن والتعب والعجز والجهل ياكل ويشرب ويتخلي لا فارق بينه وبينهم .
وتارة يجعلوه روحا خفيه تاتيهم في اليقظة فتكلمهم وتامرهم وتنهاهم اوتاتيهم في احلامهم لا فارق بين نبي كريم ولا احد الصالحين ولا الفسقة الفاجرين فالكل سواء تاتيهم الروح القدس وتحل عليهم.
وقليلا بل نادرا ما يجعلوه علي عرشه فوق السموات العلي
ومن العجيب انه لا يقبلون هذا في ملوك الدنيا
فما سمعنا عن ملك من ملوك الدنيا يلتقي الناس في الشوارع والحانات ولا يترك عرشه ويتجول في الطرقات ولا يسمح لكل من هب ودب الي يدخل عليه في مقر عرشه الا بموعد
وبعد استاذان من أمنه وحاشيته من رجال السلطات
لكن الاله عند هؤلاء الاحبار تدني الي منزلة ادني من الضعفاء المستحقين للعطف والشفقة والرحمة من بني الانسان
فتارة ياتي نسائهم وتارة ياتي رجالهم واطفالهم ولم يجعلو له صفه من صفات القوة والهيمنة والعظمة انما جعلوه مهانا بينهم لا يخشي منه فاجر ولا يحتمي به صالح لا هم له الا ارضاء طائفة بني اسرائيل وحدهم من بين البشرولا حاجه له بالاخرين سلطانه معدوم خلق الخلق وتركه دون تدبير لا علاقة له برزق ولا نعيم له في الجنة ولا عذاب عنده في النار لا يملك ولا يرزق ولا يدبر ولا يعبد فقضوا علي عقيدة الايمان والكفر والتوحيد والشرك والطاعة والمعصية ولا ثواب ولا عقاب
لا فارق عنده بين الانبياء والاشرار وبين بين الملائكة والشياطين ولا بين العصاة و الطائعين ولا بين طهارة ونجاسة فالكل سواء رب اوجد الكون ثم تركه يسير عبثا وهملا
حتي انتهوا الي وضع نظرية الفداء الشيطانية التي بها قضوا علي هيبة الاله بعد ان قبض عليه طائفة من خلقه فضربوه وبصقوا عليه واهانوه وشتموه ومزقو ثيابه ووضعه علي راسه اكليلا من الشوك وجرعوه الخل شرابا مرا ثم وضعه في يدية ورجليه المسامير مصلوبا علي الصليب فلم يبقوا له حتي كرامة الدواب بين قومة فصار ما جري له تتاذي منه منظمة الرفق بالحيوان
فلما لفظ انفاسه الاخيره وهو ينادي اباه (الي الي لم شبقتني) والتي ترجموها بالهي الهي لم تركتني
ونحن لا ندري اله ينادي اله اخر ام اله ينادي نفسه ثم توسط له احد الفقراء المساكين( يوسف الاريماتي) عند بيلاطس البونطي حاكم الروم في فلسطين ان ينزلوه من علي صليبه فيكفنوه ويدفنوه في قبره ليمكث فيه ثلاثة ايام تحت الارض يضمة التراب ليعود بعدها ويصعد الي السماء علي حسب ظن هؤلاء الكتابيين
فماذا ابقي هؤلاء لله تعالي من عزة وماذا جعلوا له من قوة واين جبروته ومنعته التي حتي لم تعد تساوي ملوك البشر المتغطرسين
والخلاصة ان هؤلاء النصاري ومن قبلهم يهود بني اسرائيل المدلسين انما فتحوا البوابة للاحاد لكي يحط رحاله في عقول البشرية ويرحل عنا عقيدة الايمان بالله والرسل والبعث والحساب والجنة والنار ولا يبقوا للبشر الا نظرية الانفجار الكوني العظيم
وكانهم حققوا لنا الفصل الاخير من رواية الراحل نجيب محفوظ والتي استحق من اجلها جائزة نوبل بعنوان ولاد حارتنا ليس من اجل براعته في الادب وكتابة الروايات انما من اجل انه لوح بالنهاية الفعلية لحياة البشر وهي الوصول الي الالحاد فما كانت شخصية عرفة التي ظهرت اخر القصة الا لكي تقضي علي الشرائع السماوية التي جاء بها جبل ورفاعة وقاسم كما تتسبب في موت الجبلاوي وبهذا قضي الكاتب علي فكرة وجود الاله وارسال الرسل وانزال الشرائع السماوية ووصل بالبشرية الي بغية الشيطان وهي الوصول بالبشر الي الالحاد غفر الله لنا وللمسلمين جميعا
انتهي. ❝
❞ اسم العمل :
الهودو
للكاتبة :
صفاء فوزي
الصادرة عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع
تحت إشراف الدكتور:
محمد وجيه
الغلاف : يحمل اسم الرواية (الهودو) ترمز لهذه المجموعة من الممارسات الروحية والتقاليد والمعتقدات التي ابتدعها المستعبدون .
وتظهر على الغلاف عين بومة للتأكيد على محتوى الرواية فهي ترمز للموت ورسل الآلهة من العالم السفلي في العديد من الثقافات .
وظهر اسم الرواية باللغة الإنجليزية في أعلى الغلاف باللون الأحمر ممثلا الخطر الذي يتعرض له من يؤمن بهذه الأفكار ، وظهر الاسم باللغة العربية باللون الأزرق ممثلاً الروحانيات التي تعبر عن الذات والتواصل والحقيقة.
الإهداء :
قد وجهت الكاتبة كلماتها مخاطبة هؤلاء الذين سولت لهم أنفسهم الإستعانة بالسحرة الدجالين المشعوذين لقضاء حوائجهم من دون الله العلي العظيم تراهم تناسوا أم تعافلوا إنهم لا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً
((فما هم بضارين به من أحداً إلا بإذن الله))
المقدمة :
مهدت لنا كيف أن السحرة وأعوانهم ما هم إلا شياطين والسحر ما هو إلا داء يصيب ضعاف القلوب والعقول وهو يُعد كبيرة من الكبائر أعاذنا الله وإياكم إياه.
وكانت البداية حالمة في سكون الليل حيث ضوء القمر وحده من يؤنس وحدتها فكانت تنتظره كل ليلة لتحدثه بما يجول بخاطرها فما عاد ذلك الصخر ولكنه بدا أشد ليناً من البشر القاسية قلوبهم ففردت أجنحتها تضرب ببراتها كالفراشة لتحلق عالياً ....ولكن !!!
كم هو مؤلم صوت الفاجعة ؟
ما زال الصمت وصوت الليل يرعبها والشك يغلبها .
\"دامت الأشياء تسكُننا ما دمنا حين نرحل هرباً نجد أنفسنا وحيدين معها وجها لوجه.\"
ماذا سيحدث لو علمت شرين الحقيقة ؟!!!
إستدارت شرين لتجد سامر وقد تغيرت ملامحه وعيناه حمراوان يتوهج داخلهما لهيب كأنه قبس من نار ، لتدفعها ألف تنهيدة وهي تشعر أنها تختنق.
أي ألم هذا ؟!!
هل تتهمه بقتل والديها!!!
أي سحر هذا ؟!!
ماذا جنيت لتعاقبني هكذا ؟
إنها هي ربيعة تلك الحية التي دمرت حياه الكثيرين و تخشاها حَيَّات الأرض ، وقد تغير صوته ورد بخضوع وكأنه شخص آخر سمعاً وطاعة سيدتي .
لماذا يمنحون ربيعة كل تلك الثقة العمياء ؟!!
أين الحقيقة ؟!!
هل مشاعري وحبي قد فتكا بي ؟!!
أتحدث إليكِ أيتها الكاتبة فلتصدقي الحديث ما كان شعورك وأنتِ تنثري حروفك بوصف يلامس الروح التي كم عانت كل هذا ..
((ثمة غياب لا يشبهه أي غياب، ثمة فقد لا يساويه فقد آخر ، ثمة فراق ليس كمثله شئ ، وثمة فراغ لا تملؤه الدنيا بأسرها )).
كانت الأم تنتظر عودة أحمد فطال الصمت ولا تعرف بما تُجيبها .
هل ستواجهين العالم ببراءتك هذه ؟!!
بأي سلاح ستحاربين ؟!!
أي هروب هذا ؟ وإلي أين المفر ؟
هل نسيت مع من تتحدث ؟ يا لك من أحمق.
فما كان منه غير أنه نفذ أوامر ربيعة بلا عقل كأنه تحول إلى إنسان آلي بلا قلب .
كيف سلكت طريق الجهل والدجل رغم علمها ووعيها؟!!
ظلت تفكر وقلبها يتألم مما حدث.
قد هزمتنا الصعاب قاومنا الألم تحملنا مرارة الفقد وخيبات الخذلان .. لكن هزمتنا دموعنا عندما هبت رياح الذكريات، فما باتت الأعاصير تدق النواقيس.
لماذا تحمل سكيناً بيدها ؟!!
فلا تتذكر شيئاً وتتعجب ..
كيف يؤذي البشر بعضهم هكذا ؟
وأي قسوة تلك التي تمتلك قلوبهم؟
ترى ..هل يملكون قلوباً حقاً؟
هل سترحل تلك اللعنة بعيداً عنهم؟
ستأخذنا الدنيا إلى حيث لا تدري ،مهما اجتهدت في الحساب وأعددت العدة ورسمت طريقك فإنك لن تكون إلا حيث شاء القدر .
وكما قال الله تعالى فى كتابه العزيز :
{وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُواْ یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ یَقُولَاۤ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡۖ فَیَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا یُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَیَتَعَلَّمُونَ مَا یَضُرُّهُمۡ وَلَا یَنفَعُهُمۡۚ وَلَقَدۡ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ مَا لَهُۥ فِی ٱلۡأَخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقࣲۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡاْ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُواْ یَعۡلَمُونَ} ﴿١٠٢﴾
سنتصدة لكل هذا عندما نؤمن أن لا مكان بيننا لوجود..
الهودو. ❝ ⏤صفاء فوزي
❞ اسم العمل :
الهودو
للكاتبة :
صفاء فوزي
الصادرة عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع
تحت إشراف الدكتور:
محمد وجيه
الغلاف : يحمل اسم الرواية (الهودو) ترمز لهذه المجموعة من الممارسات الروحية والتقاليد والمعتقدات التي ابتدعها المستعبدون .
وتظهر على الغلاف عين بومة للتأكيد على محتوى الرواية فهي ترمز للموت ورسل الآلهة من العالم السفلي في العديد من الثقافات .
وظهر اسم الرواية باللغة الإنجليزية في أعلى الغلاف باللون الأحمر ممثلا الخطر الذي يتعرض له من يؤمن بهذه الأفكار ، وظهر الاسم باللغة العربية باللون الأزرق ممثلاً الروحانيات التي تعبر عن الذات والتواصل والحقيقة.
الإهداء :
قد وجهت الكاتبة كلماتها مخاطبة هؤلاء الذين سولت لهم أنفسهم الإستعانة بالسحرة الدجالين المشعوذين لقضاء حوائجهم من دون الله العلي العظيم تراهم تناسوا أم تعافلوا إنهم لا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً
((فما هم بضارين به من أحداً إلا بإذن الله))
المقدمة :
مهدت لنا كيف أن السحرة وأعوانهم ما هم إلا شياطين والسحر ما هو إلا داء يصيب ضعاف القلوب والعقول وهو يُعد كبيرة من الكبائر أعاذنا الله وإياكم إياه.
وكانت البداية حالمة في سكون الليل حيث ضوء القمر وحده من يؤنس وحدتها فكانت تنتظره كل ليلة لتحدثه بما يجول بخاطرها فما عاد ذلك الصخر ولكنه بدا أشد ليناً من البشر القاسية قلوبهم ففردت أجنحتها تضرب ببراتها كالفراشة لتحلق عالياً ..ولكن !!!
كم هو مؤلم صوت الفاجعة ؟
ما زال الصمت وصوت الليل يرعبها والشك يغلبها .
˝دامت الأشياء تسكُننا ما دمنا حين نرحل هرباً نجد أنفسنا وحيدين معها وجها لوجه.˝
ماذا سيحدث لو علمت شرين الحقيقة ؟!!!
إستدارت شرين لتجد سامر وقد تغيرت ملامحه وعيناه حمراوان يتوهج داخلهما لهيب كأنه قبس من نار ، لتدفعها ألف تنهيدة وهي تشعر أنها تختنق.
أي ألم هذا ؟!!
هل تتهمه بقتل والديها!!!
أي سحر هذا ؟!!
ماذا جنيت لتعاقبني هكذا ؟
إنها هي ربيعة تلك الحية التي دمرت حياه الكثيرين و تخشاها حَيَّات الأرض ، وقد تغير صوته ورد بخضوع وكأنه شخص آخر سمعاً وطاعة سيدتي .
لماذا يمنحون ربيعة كل تلك الثقة العمياء ؟!!
أين الحقيقة ؟!!
هل مشاعري وحبي قد فتكا بي ؟!!
أتحدث إليكِ أيتها الكاتبة فلتصدقي الحديث ما كان شعورك وأنتِ تنثري حروفك بوصف يلامس الروح التي كم عانت كل هذا .
((ثمة غياب لا يشبهه أي غياب، ثمة فقد لا يساويه فقد آخر ، ثمة فراق ليس كمثله شئ ، وثمة فراغ لا تملؤه الدنيا بأسرها )).
كانت الأم تنتظر عودة أحمد فطال الصمت ولا تعرف بما تُجيبها .
هل ستواجهين العالم ببراءتك هذه ؟!!
بأي سلاح ستحاربين ؟!!
أي هروب هذا ؟ وإلي أين المفر ؟
هل نسيت مع من تتحدث ؟ يا لك من أحمق.
فما كان منه غير أنه نفذ أوامر ربيعة بلا عقل كأنه تحول إلى إنسان آلي بلا قلب .
كيف سلكت طريق الجهل والدجل رغم علمها ووعيها؟!!
ظلت تفكر وقلبها يتألم مما حدث.
قد هزمتنا الصعاب قاومنا الألم تحملنا مرارة الفقد وخيبات الخذلان . لكن هزمتنا دموعنا عندما هبت رياح الذكريات، فما باتت الأعاصير تدق النواقيس.
لماذا تحمل سكيناً بيدها ؟!!
فلا تتذكر شيئاً وتتعجب .
كيف يؤذي البشر بعضهم هكذا ؟
وأي قسوة تلك التي تمتلك قلوبهم؟
ترى .هل يملكون قلوباً حقاً؟
هل سترحل تلك اللعنة بعيداً عنهم؟
ستأخذنا الدنيا إلى حيث لا تدري ،مهما اجتهدت في الحساب وأعددت العدة ورسمت طريقك فإنك لن تكون إلا حيث شاء القدر .
وكما قال الله تعالى فى كتابه العزيز :
﴿وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُواْ یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ یَقُولَاۤ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡۖ فَیَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا یُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَیَتَعَلَّمُونَ مَا یَضُرُّهُمۡ وَلَا یَنفَعُهُمۡۚ وَلَقَدۡ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ مَا لَهُۥ فِی ٱلۡأَخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقࣲۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡاْ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُواْ یَعۡلَمُونَ﴾﴿١٠٢﴾ سنتصدة لكل هذا عندما نؤمن أن لا مكان بيننا لوجود.
الهودو. ❝
❞ حوار مع صديقي الملحد
قال صاحبي : - موقفك اليوم سيكون صعباً ، فعليك أن تثبت أن خلق الإنسان جاء على طريقة جلا جلا .. أمسك الخالق قطعة طين ثم
عجنها في يده و نفخ فيها فإذا بها آدم وهو كلام تخالفك فيه بشدة علوم التطور التي تقول : إن صاحبك آدم جاء نتيجة سلسلة من الأطوار الحيوانية السابقة ، و أنه ليس مقطوع الصلة بأفراد عائلته من الحيوانات ، و أنه و القرود أولاد عمومة يلتقون معاً في سابع جد .. و أن التشابه الأكيد في تفاصيل البنية التشريحية للجميع يدل على أنهم جميعاً أفراد أسرة واحدة .
قلت و أنا أستعد لمعركة علمية دسمة :- دعني أصحح معلوماتك أولاً فأقول لك إن الله لم يخلق آدم على طريقة جلا جلا ..
ها هنا قطعة طين ننفخ فيها فتكون آدم .. فالقرآن يروي قصة مختلفة تماماً عن خلق آدم، قصة يتم فيه الخلق على مراحل و أطوار و زمن إلهي مديد ، والقرآن يقول إن الإنسان لم يخرج من الطين مباشرة ، وإنما خرج من سلالة جاءت من الطين : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ } 12/ سورة المؤمنون
وأن الإنسان في البدء لم يكن شيئاً يذكر :{ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا } 1/ سورة الإنسان
وأن خلقه جاء على أطوار ..{مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا . وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا } 13/14 سورة نوح { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } 11/ سورة الأعراف
{ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ . فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } 71/72 سورة ص
معنى ذلك أن هناك مراحل بدأت بالخلق ثم التصوير .. ثم التسوية ثم النفخ .." وثم " بالزمن الإلهي معناها ملايين السنين : { إِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } 47/ سورة الحج
انظر إلى هذه المراحل الزمنية للخلق في سورة السجدة .. يقول الله سبحانه إنه : { وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ .ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ } 7/ 9 سورة السجدة .
في البدء كان الطين ، ثم جاءت سلالة من ماء مهين هي البدايات الأولى للإنسان التي لم تكن شيئاً مذكوراً ، ثم التسوية و التصوير ، ثم نفخ الروح التي بها أصبح للإنسان سمع و بصر و فؤاد .. و أصبح آدم ..
فآدم إذن نهاية سلسلة من الأطوار و ليس بدءاً مطلقاً على طريقة جلا جلا ..
{ وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا } 17/ سورة نوح
هنا عملية إنبات بكل ما في الإنبات من أطوار و مراحل و زمن .. و لكن اللغز الحقيقي هو .. ماذا كانت تلك المراحل بالضبط ، و ماذا كانت تلك الأطوار ؟
هل كل شجرة الحياة من أب واحد .. هي كلها من الطين بحكم التركيب الكيميائي .. و كلها تنتهي بالموت إلى أصلها الترابي .. هذه حقيقة ..
و لكننا نقصد من كلمة " أب " شيئاً أكثر من الأصل الطيني .. و السؤال هو هل تولدت من الطين خلية أولى تعددت و أنجبت كل تلك الأنواع و الفصائل النباتية و الحيوانية بما في ذلك الإنسان ؟
أم أنه كانت هناك بدايات متعددة .. بداية تطورت إلى نباتات ، و بداية تطورت إلى فرع من فروع الحيوان ، كالإسفنج مثلاً ، و بداية أخرى خرج منها فرع آخر كالأسماك ، و بداية خرجت منها الزواحف ، و بداية خرجت منها الطيور ، و بداية خرجت منها الثدييات ، و بداية خرج منها الإنسان ، و بذلك يكون للإنسان جد منفصل ، و يكون لكل نوع جد خاص به ؟
إن التشابه التشريحي للفروع و الأنواع و الفصائل لا ينفي خروج كل نوع من بداية خاصة ، و إنما يدل هذا التشابه التشريحي في الجميع على وحدة الخالق ، و أن صانعها جميعاً واحد ، لأنه خلقها جميعاً من خامة واحدة و بأسلوب واحد و بخطة واحدة .. هذه هي النتيجة الحتمية .
و لكن خروجها كلها من أب واحد ليس نتيجة محتمة لتشابهها التشريحي .. فوسائل المواصلات تتشابه فيما بينها العربة و القطار و الترام و الديزل كلها تقوم على أسس هندسية و تركيبة متشابهة ، دالة بذلك على أنها جميعاً من اختراع العقل البشري .. و لكن هذا لا يمنع أن كل صنف منها جاء من أب مستقل و من فكرة هندسية مستقلة ..
كما أننا لا يصح أن نقول إن عربة اليد تطورت تلقائياً بحكم القوانين الباطنة فيها إلى عربة حنطور ، ثم إلى عربة فورد ثم إلى قطار ، ثم إلى ديزل .
فالواقع غير ذلك .. و هو أن كل طور من هذه الأطوار جاء بطفرة ذهنية في عقل المخترع ، و قفزة إبداع في عقل المهندس ، لم يخرج نوع من آخر .. مع أن الترتيب الزمني قد يؤيد فكرة خروج نوع من نوع .. و لكن ما حدث كان غير ذلك فكل نوع جاء بطفرة إبداعية من العقل المخترع ، و بدأ مستقلاً .
و هذه هي أخطاء داروين و المطبات و الثغرات التي وقع فيها حينما صاغ نظريته .
و دعنا نتذكر معاً ما قال داروين في كتابه " أصل الأنواع " :
كان أول ما اكتشفه داروين في أثناء رحلته بالسفينة " بيجل " هي الخطة التشريحية الواحدة التي بنيت عليها كل الفصائل الحيوانية ..
فالهيكل العظمي واحد في أغلب الحيوانات الفقرية : الذراع في القرد هو نفس الجناح في الطائر ، هو نفس الجناح في الخفاش ، كل عظمة هنا تقابلها عظمة تناظرها هناك مع تحورات طفيفة ، لتلائم الوظيفة ، فالعظام في الطيور رقيقة و خفيفة و مجوفة و هي مغطاة بالريش .. ثم نجد رقبة الزرافة الطويلة بها سبع فقرات ، و رقبة الإنسان سبع فقرات ، و رقبة القنفذ التي لا تذكر من فرط قصرها هي الأخرى بها سبع فقرات ، و هناك خمس أصابع في يد الإنسان ، و نجد نفس التخميس في أصابع القرد ، و الأرنب ، و الضفدعة ، و السحلية ..
و فترة الحمل في الحوت و القرد و الإنسان تسعة أشهر ، و فترة الإرضاع في الجميع سنتان ، و فقرات الذيل في القرد نجدها في الإنسان متدامجة ملتصقة فيما يسمى بالعُصعُص ، و نجد عضلات الذيل قد تحورت في الإنسان إلى قاع متين للحوض ..
ثم نجد القلب بغرفه الأربع في الحصان و الحمار و الأرنب و الحمامة و الإنسان ، و نفس الخطة في تفرع الشرايين و الأوردة ..
ثم نجد نفس الخطة في الجهاز الهضمي : البلعوم ثم المعدة .. ثم " الاثنى عشر " .. ثم الأمعاء الدقيقة .. ثم الأمعاء الغليظة .. ثم الشرج و الجهاز التناسلي : نفس الخصية ، و المبيض ، و قنوات الخصية ، و قنوات المبيض ..
و كذلك الجهاز البولي : نفس الكلية ، و الحالب ، و حويصلة البول ..
و الجهاز التنفسي : القصبة الهوائية و الرئتين ، و نجد أن الرئة في البرمائيات هي نفس كيس العوم في السمكة .
كان طبيعياً بعد هذا أن يتصور داروين أن الحيوانات كلها أفراد أسرة واحدة تفرقت بهم البيئات فتكيفت كل فصيلة مع بيئتها ..
الحوت في المنطقة الجليدية لبس معطفاً من الشحم .. و الدببة لبست الفراء .. و إنسان الغابة في الشمس الإستوائية أسودّ جلده فأصبح كالمظلة الواقية ليقيه الشمس .. و سحالي الكهوف ضمرت عيونها لأنها لا تجد لها فائدة في الظلام فأصبحت عمياء في حين نجد سحالي البراري مبصرة ..
و الحيوانات التي نزلت الماء طورت أطرافها إلى زعانف .. و التي غزت الجو طورت أطرافها إلى أجنحة .. و زواحف الأرض طورت أطرافها إلى أرجل .
ثم ألا يحكي الجنين القصة ؟
ففي مرحلة من مراحل نموه نراه يتنفس بالخياشيم ثم تضمر الخياشيم و تظهر فيه الرئتان ، و في مرحلة نجد له ذيلاً يضمر الذيل و يختفي ، و في مرحلة نراه يكتسي بالشعر ثم ينحسر بعد ذلك الشعر عن جسمه .
ثم ألا تحكي لنا طبقات الصخور بما حفظت لنا من حفريات قصة متسلسلة الحلقات عن ظهور و اختفاء هذه الأنواع الواحد بعد الآخر من الحيوانات البسيطة وحيدة الخلية ، إلى عديدة الخلايا ، إلى الرخويات ، إلى القشريات ، إلى الأسماك ، إلى البرمائيات ، إلى الزواحف ، إلى الطيور ، إلى الثدييات .. و أخيراً إلى الإنسان ..
و لقد أصاب داروين و أبدع حينما وضع هذه المقدمة القيمة في التشابه التشريحي بين الحيوانات و أصاب حينما قال بالتطور .
و لكنه أخطأ حينما حاول أن يفسر عملية الإرتقاء ، و أخطأ حينما حاول أن يتصور مراحل هذا الإرتقاء و تفاصيله .
كان تفسير داروين لعملية الإرتقاء أنه يتم بالعوامل المادية التلقائية وحدها ، حيث تتقاتل الحيوانات بالناب و المخلب في صراع الحياة الدموي الرهيب فيموت الضعيف و يكون البقاء دائماً للأصلح .. تلك الحرب الناشبة في الطبيعة هي التي تفرز الصالح و القوي و تشجعه .. و تبقي على نسله .. و تفسح أمامه سبل الحياة ..
و إذا كانت هذه النظرية تفسر لنا بقاء الأقوى فإنما لا تفسر لنا بقاء الأجمل ، فإن الجناح المنقوش لا يمتاز بأي صلاحيات مادية أو معاشية عن الجناح الأبيض ، و ليس أكفأ منه في الطيران .. و إذا قلنا إن الذكر يفضل الجناح المنقوش ، في التزاوج ، فسوف نسأل و لماذا ؟ .. ما دام هذا النقش لا يمثل أي مزيد من الكفاءة ؟
و إذا دخل تفضيل الأجمل في الحساب فإن النظرية المادية تنهار من أساسها ..
و تبقى النظرية بعد ذلك عاجزة عن تفسير لماذا خرج من عائلة الحمار شيء كالحصان .. و لماذا خرج من عائلة الوعل شيء رقيق مرهف و جميل كالغزال .. مع أنه أقل قوة و أقل إحتمالاً ..
كيف نفسر جناح الهدهد و ريشة الطاووس و موديلات الفراش بألوانها البديعة و نقوشها المذهلة ..
و نحن هنا أمام يد مصور فنان يتفنن و يبدع .. و لسنا أمام عملية غليظة كصراع البقاء و حرب المخلب و الناب ..
و الخطأ الثاني في نظرية التطور جاء بعد ذلك من أصحاب نظرية الطفرة .. و الطفرات هي الصفات الجديدة المفاجئة التي تظهر في النسل نتيجة تغيرات غير محسوبة في عملية تزاوج الخلية الأنثوية و الخلية الذكرية و لقاء الكروموسومات لتحديد الصفات الوراثية ..
و أحياناً تكون هذه الصفات الجديدة صفات ضارة كالمسوخ و التشوهات ، و أحياناً تكون طفرات مفيدة للبيئة الجديدة للحيوان كأن تظهر للحيوان الذي ينزل الماء أرجل مبططة .. فتكون صفة جديدة مفيدة .. لأن الأرجل المبططة أنسب للسباحة ، فتشجع الطبيعة هذه الصفة و تنقلها إلى الأجيال الجديدة ، و تقضي على الصفة القديمة لعدم صلاحيتها ، و بذلك يحدث الإرتقاء و تتطور الأرجل العادية إلى أرجل غشائية ..
و خطأ هذه النظرية أنها أقامت التطور على أساس الطفرات و الأخطاء العشوائية .. و أسقطت عملية التدبير و الإبداع تماماً ..
و لا يمكن أن تصلح هذه الطفرات العشوائية أساساً لما نرى حولنا من دقة و إبداع و إحكام في كل شيء ..
إن البعوضة تضع بيضها في المستنقع .. و كل بيضة تأتي إلى الوجود مزودة بكيسين للطفو .. من أين تعلمت البعوضة قوانين أرشميدس لتزود بيضها بهذه الأكياس الطافية ؟
و أشجار الصحارى تنتج بذوراً مجنحة تطير مع الرياح أميالاً و تنتثر في مساحات واسعة بلا حدود .. من أين تعلمت أشجار الصحارى قوانين الحمل الهوائي لتصنع لنفسها هذه البذور المجنحة ، التي تطير مئات الأميال بحثاً عن أراض ملائمة للإنبات ؟
و هذه النباتات المفترسة التي تصطنع لنفسها الفخاخ و الشراك الخداعية العجيبة لتصيد الحشرات و تهضمها و تأكلها بأي عقل استطاعت أن تصطنع تلك الحيل ؟
نحن هنا أمام عقل كلي يفكر و يبتكر لمخلوقاته و يبدع لها أسباب الحيل.. لا يمكن تصور حدوث الإرتقاء بدون هذا العقل المبدع : { الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } 50/ سورة طـه .
و العقبة الثالثة أمام نظرية داروين .. هي ما اكتشفناه الآن بإسم الخريطة الكروموسومية .. أو خريطة الجينات .. و نحن نعلم الآن أن لكل نوع حيواني خريطة كروموسومية خاصة به، و يستحيل أن يخرج نوع من نوع بسبب اختلاف هذه الخريطة الكروموسومية .
نخلص من هذا إلى أن نظرية داروين تعثرت .. و إذا كان التشابه التشريحي بين الحيوانات حقيقة متفق عليها ، و إذا كان التطور أيضاً حقيقة ، فإن مراحل هذا التطور و كيفياته ما زالت لغزاً ..
هل كانت هناك بدايات مستقلة أم أن بعض الفروع تلتقي عند أصول واحدة ؟
و التطور وارد باللفظ الصريح في القرآن .. كما أن مراحل الخلق و التصوير و التسوية و نفخ الروح واردة ..
و لكن لم يستقر العلم على نظرية ثابتة لتلك المراحل بعد .. و إذا عدنا لسورة السجدة التي تحكي عن الله أنه :
{ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ } 7 / 9 سورة السجدة
فإن معنى الآية صريح في أن البدايات الأولى للإنسان التي جاء منها آدم فيما بعد ، و هي تلك التي جاء نسلها من ماء مهين ، لم يكن لها سمع و لا أبصار و لا أفئدة ..
و إنما جاءت هذه الأبصار و الأسماع و الأفئدة بعد نفخ الروح و هي آخر مراحل خلق آدم ..
هي إذن بدايات أشبه بالحياة الحيوانية المتخلفة : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا } 1/ سورة الإنسان .
هو تفسير لا يختلف كثيراً عن العلوم التي تتحدث عنها .. و لكن نفس الآية قد تعني معنى آخر هو أطوار الجنين داخل الرحم و كيف يتخلق من بدايات لا سمع فيها و لا بصر ثم يأتي نفخ الروح في هذه المضغة في الشهر الرابع فتستوي خلقاً آخر ..
آيات الخلق إذن متشابهات و القرآن يحمل أكثر من وجه من وجوه التفسير .. و الحقيقة بعد هذا ما زالت لغزاً .. و لا يستطيع أحد أن يدعي أنه كشف الحقيقة .. و السؤال ما زال مفتوحاً للبحث ، و كل ما جاء به العلم فروض ..
و ربما كانت أرجح الآراء أن التسوية المذكورة في القرآن { خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ } 7/8 سورة الانفطار . كانت تسوية سلالية بشيء أشبه بالهندسة الوراثية و أن الأمر ليس تطوراً كما يقول داروين و لكنه تطوير يحدث بتدخل و فعل إلهي لإعداد الحشوة الحية ( و هي في أصل المنشأ من الطين ) لتستقبل نفخة الروح و حلول النفس فيها لتكون آدم ..
ثم النفس و حكايتها هي سؤال آخر أكثر ألغازاً .. هل يكون للنفس تصوير في القوالب الطينية فتكون لها تجسدات متعداة و تاريخ و تطور هي الأخرى ؟
أم أنها على حالها من علم الله بها منذ الأزل . . الله أعلم . .
و الموضوع كله عماء . . و ربما كان أفضل فهم لعملية التطور أنها كانت تطويراً بفعل فاعل و بذات مبدعة خلاّقة و لم تكن تطوراً تلقائياً كما تصورها داروين و صحبِه و لم تكن مراحل متروكة للصدفة ..
و إنما كانت تخليقاً مراداً و مخطط خالق قادر حكيم.. و إنها هندسة وراثية لمهندس عظيم ليس كمثله شيء . . و ما جاء في القرآن هو أصدق صورة لما حدث . . و القطع في هذه القضية مستحيل . . و ما زال القرآن يفرض نفسه بلا بديل . .
من كتــاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور/ مصطفى محمود رحمه الله. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حوار مع صديقي الملحد
قال صاحبي : - موقفك اليوم سيكون صعباً ، فعليك أن تثبت أن خلق الإنسان جاء على طريقة جلا جلا . أمسك الخالق قطعة طين ثم
عجنها في يده و نفخ فيها فإذا بها آدم وهو كلام تخالفك فيه بشدة علوم التطور التي تقول : إن صاحبك آدم جاء نتيجة سلسلة من الأطوار الحيوانية السابقة ، و أنه ليس مقطوع الصلة بأفراد عائلته من الحيوانات ، و أنه و القرود أولاد عمومة يلتقون معاً في سابع جد . و أن التشابه الأكيد في تفاصيل البنية التشريحية للجميع يدل على أنهم جميعاً أفراد أسرة واحدة .
قلت و أنا أستعد لمعركة علمية دسمة :- دعني أصحح معلوماتك أولاً فأقول لك إن الله لم يخلق آدم على طريقة جلا جلا .
ها هنا قطعة طين ننفخ فيها فتكون آدم . فالقرآن يروي قصة مختلفة تماماً عن خلق آدم، قصة يتم فيه الخلق على مراحل و أطوار و زمن إلهي مديد ، والقرآن يقول إن الإنسان لم يخرج من الطين مباشرة ، وإنما خرج من سلالة جاءت من الطين : ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ﴾ 12/ سورة المؤمنون
وأن الإنسان في البدء لم يكن شيئاً يذكر :﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ﴾ 1/ سورة الإنسان
وأن خلقه جاء على أطوار .﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا . وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ 13/14 سورة نوح ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ ﴾ 11/ سورة الأعراف
﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ . فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ 71/72 سورة ص
معنى ذلك أن هناك مراحل بدأت بالخلق ثم التصوير . ثم التسوية ثم النفخ ." وثم " بالزمن الإلهي معناها ملايين السنين : ﴿ إِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ 47/ سورة الحج
انظر إلى هذه المراحل الزمنية للخلق في سورة السجدة . يقول الله سبحانه إنه : ﴿ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ .ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ 7/ 9 سورة السجدة .
في البدء كان الطين ، ثم جاءت سلالة من ماء مهين هي البدايات الأولى للإنسان التي لم تكن شيئاً مذكوراً ، ثم التسوية و التصوير ، ثم نفخ الروح التي بها أصبح للإنسان سمع و بصر و فؤاد . و أصبح آدم .
فآدم إذن نهاية سلسلة من الأطوار و ليس بدءاً مطلقاً على طريقة جلا جلا .
﴿ وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ﴾ 17/ سورة نوح
هنا عملية إنبات بكل ما في الإنبات من أطوار و مراحل و زمن . و لكن اللغز الحقيقي هو . ماذا كانت تلك المراحل بالضبط ، و ماذا كانت تلك الأطوار ؟
هل كل شجرة الحياة من أب واحد . هي كلها من الطين بحكم التركيب الكيميائي . و كلها تنتهي بالموت إلى أصلها الترابي . هذه حقيقة .
و لكننا نقصد من كلمة " أب " شيئاً أكثر من الأصل الطيني . و السؤال هو هل تولدت من الطين خلية أولى تعددت و أنجبت كل تلك الأنواع و الفصائل النباتية و الحيوانية بما في ذلك الإنسان ؟
أم أنه كانت هناك بدايات متعددة . بداية تطورت إلى نباتات ، و بداية تطورت إلى فرع من فروع الحيوان ، كالإسفنج مثلاً ، و بداية أخرى خرج منها فرع آخر كالأسماك ، و بداية خرجت منها الزواحف ، و بداية خرجت منها الطيور ، و بداية خرجت منها الثدييات ، و بداية خرج منها الإنسان ، و بذلك يكون للإنسان جد منفصل ، و يكون لكل نوع جد خاص به ؟
إن التشابه التشريحي للفروع و الأنواع و الفصائل لا ينفي خروج كل نوع من بداية خاصة ، و إنما يدل هذا التشابه التشريحي في الجميع على وحدة الخالق ، و أن صانعها جميعاً واحد ، لأنه خلقها جميعاً من خامة واحدة و بأسلوب واحد و بخطة واحدة . هذه هي النتيجة الحتمية .
و لكن خروجها كلها من أب واحد ليس نتيجة محتمة لتشابهها التشريحي . فوسائل المواصلات تتشابه فيما بينها العربة و القطار و الترام و الديزل كلها تقوم على أسس هندسية و تركيبة متشابهة ، دالة بذلك على أنها جميعاً من اختراع العقل البشري . و لكن هذا لا يمنع أن كل صنف منها جاء من أب مستقل و من فكرة هندسية مستقلة .
كما أننا لا يصح أن نقول إن عربة اليد تطورت تلقائياً بحكم القوانين الباطنة فيها إلى عربة حنطور ، ثم إلى عربة فورد ثم إلى قطار ، ثم إلى ديزل .
فالواقع غير ذلك . و هو أن كل طور من هذه الأطوار جاء بطفرة ذهنية في عقل المخترع ، و قفزة إبداع في عقل المهندس ، لم يخرج نوع من آخر . مع أن الترتيب الزمني قد يؤيد فكرة خروج نوع من نوع . و لكن ما حدث كان غير ذلك فكل نوع جاء بطفرة إبداعية من العقل المخترع ، و بدأ مستقلاً .
و هذه هي أخطاء داروين و المطبات و الثغرات التي وقع فيها حينما صاغ نظريته .
و دعنا نتذكر معاً ما قال داروين في كتابه " أصل الأنواع " :
كان أول ما اكتشفه داروين في أثناء رحلته بالسفينة " بيجل " هي الخطة التشريحية الواحدة التي بنيت عليها كل الفصائل الحيوانية .
فالهيكل العظمي واحد في أغلب الحيوانات الفقرية : الذراع في القرد هو نفس الجناح في الطائر ، هو نفس الجناح في الخفاش ، كل عظمة هنا تقابلها عظمة تناظرها هناك مع تحورات طفيفة ، لتلائم الوظيفة ، فالعظام في الطيور رقيقة و خفيفة و مجوفة و هي مغطاة بالريش . ثم نجد رقبة الزرافة الطويلة بها سبع فقرات ، و رقبة الإنسان سبع فقرات ، و رقبة القنفذ التي لا تذكر من فرط قصرها هي الأخرى بها سبع فقرات ، و هناك خمس أصابع في يد الإنسان ، و نجد نفس التخميس في أصابع القرد ، و الأرنب ، و الضفدعة ، و السحلية .
و فترة الحمل في الحوت و القرد و الإنسان تسعة أشهر ، و فترة الإرضاع في الجميع سنتان ، و فقرات الذيل في القرد نجدها في الإنسان متدامجة ملتصقة فيما يسمى بالعُصعُص ، و نجد عضلات الذيل قد تحورت في الإنسان إلى قاع متين للحوض .
ثم نجد القلب بغرفه الأربع في الحصان و الحمار و الأرنب و الحمامة و الإنسان ، و نفس الخطة في تفرع الشرايين و الأوردة .
ثم نجد نفس الخطة في الجهاز الهضمي : البلعوم ثم المعدة . ثم " الاثنى عشر " . ثم الأمعاء الدقيقة . ثم الأمعاء الغليظة . ثم الشرج و الجهاز التناسلي : نفس الخصية ، و المبيض ، و قنوات الخصية ، و قنوات المبيض .
و كذلك الجهاز البولي : نفس الكلية ، و الحالب ، و حويصلة البول .
و الجهاز التنفسي : القصبة الهوائية و الرئتين ، و نجد أن الرئة في البرمائيات هي نفس كيس العوم في السمكة .
كان طبيعياً بعد هذا أن يتصور داروين أن الحيوانات كلها أفراد أسرة واحدة تفرقت بهم البيئات فتكيفت كل فصيلة مع بيئتها .
الحوت في المنطقة الجليدية لبس معطفاً من الشحم . و الدببة لبست الفراء . و إنسان الغابة في الشمس الإستوائية أسودّ جلده فأصبح كالمظلة الواقية ليقيه الشمس . و سحالي الكهوف ضمرت عيونها لأنها لا تجد لها فائدة في الظلام فأصبحت عمياء في حين نجد سحالي البراري مبصرة .
و الحيوانات التي نزلت الماء طورت أطرافها إلى زعانف . و التي غزت الجو طورت أطرافها إلى أجنحة . و زواحف الأرض طورت أطرافها إلى أرجل .
ثم ألا يحكي الجنين القصة ؟
ففي مرحلة من مراحل نموه نراه يتنفس بالخياشيم ثم تضمر الخياشيم و تظهر فيه الرئتان ، و في مرحلة نجد له ذيلاً يضمر الذيل و يختفي ، و في مرحلة نراه يكتسي بالشعر ثم ينحسر بعد ذلك الشعر عن جسمه .
ثم ألا تحكي لنا طبقات الصخور بما حفظت لنا من حفريات قصة متسلسلة الحلقات عن ظهور و اختفاء هذه الأنواع الواحد بعد الآخر من الحيوانات البسيطة وحيدة الخلية ، إلى عديدة الخلايا ، إلى الرخويات ، إلى القشريات ، إلى الأسماك ، إلى البرمائيات ، إلى الزواحف ، إلى الطيور ، إلى الثدييات . و أخيراً إلى الإنسان .
و لقد أصاب داروين و أبدع حينما وضع هذه المقدمة القيمة في التشابه التشريحي بين الحيوانات و أصاب حينما قال بالتطور .
و لكنه أخطأ حينما حاول أن يفسر عملية الإرتقاء ، و أخطأ حينما حاول أن يتصور مراحل هذا الإرتقاء و تفاصيله .
كان تفسير داروين لعملية الإرتقاء أنه يتم بالعوامل المادية التلقائية وحدها ، حيث تتقاتل الحيوانات بالناب و المخلب في صراع الحياة الدموي الرهيب فيموت الضعيف و يكون البقاء دائماً للأصلح . تلك الحرب الناشبة في الطبيعة هي التي تفرز الصالح و القوي و تشجعه . و تبقي على نسله . و تفسح أمامه سبل الحياة .
و إذا كانت هذه النظرية تفسر لنا بقاء الأقوى فإنما لا تفسر لنا بقاء الأجمل ، فإن الجناح المنقوش لا يمتاز بأي صلاحيات مادية أو معاشية عن الجناح الأبيض ، و ليس أكفأ منه في الطيران . و إذا قلنا إن الذكر يفضل الجناح المنقوش ، في التزاوج ، فسوف نسأل و لماذا ؟ . ما دام هذا النقش لا يمثل أي مزيد من الكفاءة ؟
و إذا دخل تفضيل الأجمل في الحساب فإن النظرية المادية تنهار من أساسها .
و تبقى النظرية بعد ذلك عاجزة عن تفسير لماذا خرج من عائلة الحمار شيء كالحصان . و لماذا خرج من عائلة الوعل شيء رقيق مرهف و جميل كالغزال . مع أنه أقل قوة و أقل إحتمالاً .
كيف نفسر جناح الهدهد و ريشة الطاووس و موديلات الفراش بألوانها البديعة و نقوشها المذهلة .
و نحن هنا أمام يد مصور فنان يتفنن و يبدع . و لسنا أمام عملية غليظة كصراع البقاء و حرب المخلب و الناب .
و الخطأ الثاني في نظرية التطور جاء بعد ذلك من أصحاب نظرية الطفرة . و الطفرات هي الصفات الجديدة المفاجئة التي تظهر في النسل نتيجة تغيرات غير محسوبة في عملية تزاوج الخلية الأنثوية و الخلية الذكرية و لقاء الكروموسومات لتحديد الصفات الوراثية .
و أحياناً تكون هذه الصفات الجديدة صفات ضارة كالمسوخ و التشوهات ، و أحياناً تكون طفرات مفيدة للبيئة الجديدة للحيوان كأن تظهر للحيوان الذي ينزل الماء أرجل مبططة . فتكون صفة جديدة مفيدة . لأن الأرجل المبططة أنسب للسباحة ، فتشجع الطبيعة هذه الصفة و تنقلها إلى الأجيال الجديدة ، و تقضي على الصفة القديمة لعدم صلاحيتها ، و بذلك يحدث الإرتقاء و تتطور الأرجل العادية إلى أرجل غشائية .
و خطأ هذه النظرية أنها أقامت التطور على أساس الطفرات و الأخطاء العشوائية . و أسقطت عملية التدبير و الإبداع تماماً .
و لا يمكن أن تصلح هذه الطفرات العشوائية أساساً لما نرى حولنا من دقة و إبداع و إحكام في كل شيء .
إن البعوضة تضع بيضها في المستنقع . و كل بيضة تأتي إلى الوجود مزودة بكيسين للطفو . من أين تعلمت البعوضة قوانين أرشميدس لتزود بيضها بهذه الأكياس الطافية ؟
و أشجار الصحارى تنتج بذوراً مجنحة تطير مع الرياح أميالاً و تنتثر في مساحات واسعة بلا حدود . من أين تعلمت أشجار الصحارى قوانين الحمل الهوائي لتصنع لنفسها هذه البذور المجنحة ، التي تطير مئات الأميال بحثاً عن أراض ملائمة للإنبات ؟
و هذه النباتات المفترسة التي تصطنع لنفسها الفخاخ و الشراك الخداعية العجيبة لتصيد الحشرات و تهضمها و تأكلها بأي عقل استطاعت أن تصطنع تلك الحيل ؟
نحن هنا أمام عقل كلي يفكر و يبتكر لمخلوقاته و يبدع لها أسباب الحيل. لا يمكن تصور حدوث الإرتقاء بدون هذا العقل المبدع : ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ 50/ سورة طـه .
و العقبة الثالثة أمام نظرية داروين . هي ما اكتشفناه الآن بإسم الخريطة الكروموسومية . أو خريطة الجينات . و نحن نعلم الآن أن لكل نوع حيواني خريطة كروموسومية خاصة به، و يستحيل أن يخرج نوع من نوع بسبب اختلاف هذه الخريطة الكروموسومية .
نخلص من هذا إلى أن نظرية داروين تعثرت . و إذا كان التشابه التشريحي بين الحيوانات حقيقة متفق عليها ، و إذا كان التطور أيضاً حقيقة ، فإن مراحل هذا التطور و كيفياته ما زالت لغزاً .
هل كانت هناك بدايات مستقلة أم أن بعض الفروع تلتقي عند أصول واحدة ؟
و التطور وارد باللفظ الصريح في القرآن . كما أن مراحل الخلق و التصوير و التسوية و نفخ الروح واردة .
و لكن لم يستقر العلم على نظرية ثابتة لتلك المراحل بعد . و إذا عدنا لسورة السجدة التي تحكي عن الله أنه :
﴿ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ 7 / 9 سورة السجدة
فإن معنى الآية صريح في أن البدايات الأولى للإنسان التي جاء منها آدم فيما بعد ، و هي تلك التي جاء نسلها من ماء مهين ، لم يكن لها سمع و لا أبصار و لا أفئدة .
و إنما جاءت هذه الأبصار و الأسماع و الأفئدة بعد نفخ الروح و هي آخر مراحل خلق آدم .
هي إذن بدايات أشبه بالحياة الحيوانية المتخلفة : ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ﴾ 1/ سورة الإنسان .
هو تفسير لا يختلف كثيراً عن العلوم التي تتحدث عنها . و لكن نفس الآية قد تعني معنى آخر هو أطوار الجنين داخل الرحم و كيف يتخلق من بدايات لا سمع فيها و لا بصر ثم يأتي نفخ الروح في هذه المضغة في الشهر الرابع فتستوي خلقاً آخر .
آيات الخلق إذن متشابهات و القرآن يحمل أكثر من وجه من وجوه التفسير . و الحقيقة بعد هذا ما زالت لغزاً . و لا يستطيع أحد أن يدعي أنه كشف الحقيقة . و السؤال ما زال مفتوحاً للبحث ، و كل ما جاء به العلم فروض .
و ربما كانت أرجح الآراء أن التسوية المذكورة في القرآن ﴿ خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ ﴾ 7/8 سورة الانفطار . كانت تسوية سلالية بشيء أشبه بالهندسة الوراثية و أن الأمر ليس تطوراً كما يقول داروين و لكنه تطوير يحدث بتدخل و فعل إلهي لإعداد الحشوة الحية ( و هي في أصل المنشأ من الطين ) لتستقبل نفخة الروح و حلول النفس فيها لتكون آدم .
ثم النفس و حكايتها هي سؤال آخر أكثر ألغازاً . هل يكون للنفس تصوير في القوالب الطينية فتكون لها تجسدات متعداة و تاريخ و تطور هي الأخرى ؟
أم أنها على حالها من علم الله بها منذ الأزل . . الله أعلم . .
و الموضوع كله عماء . . و ربما كان أفضل فهم لعملية التطور أنها كانت تطويراً بفعل فاعل و بذات مبدعة خلاّقة و لم تكن تطوراً تلقائياً كما تصورها داروين و صحبِه و لم تكن مراحل متروكة للصدفة .
و إنما كانت تخليقاً مراداً و مخطط خالق قادر حكيم. و إنها هندسة وراثية لمهندس عظيم ليس كمثله شيء . . و ما جاء في القرآن هو أصدق صورة لما حدث . . و القطع في هذه القضية مستحيل . . و ما زال القرآن يفرض نفسه بلا بديل . .
من كتــاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور/ مصطفى محمود رحمه الله. ❝