█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ فقال فيتلوورث: «أرى أنك لم تبدأ العمل بعد.»
فنظر إليه الرسام محدقًا عبر نظارته الضخمة السميكة، وهز رأسه الذي يعلوه شعر أحمر متشابك طويل للغاية.
ثم رد قائلًا: «لا، إني أتفحصها أولًا قبل البدء.»
فسأله فيتلوورث: «هل تظن أن نسختك تحتاج إلى أي عمل إضافي؟ إنها ممتازة كما هي، على الرغم من انخفاض طفيف في درجة اللون.»
فأجابه الفنان مستوضحًا: «ليست أكثر انخفاضًا من الأصل، أليس كذلك؟»
˝رد فيتلوورث: «بلى، ولكنها ستنخفض خلال عام أو نحوه، عندما تزداد قتامة المادة المستخدمة، وهي أكثر انخفاضًا بكثير من اللوحة الأصلية حين رسمت في البداية.»˝ . ❝
❞ ˝واصل العازف الغريب كلامه في إصرار، ودون أن يتحرك من مكانه، قائلًا: «ومِن ثَم، ستُقِر بأن كل نوع من أنواع الجمال يُمكن تعزيزه بالعرض والتوضيح عبر نوع آخر من الجمال. ومن جهتي، فأنا أعتبر الموسيقى الملائمة والمحركة للأحاسيس أمرًا ضروريًّا من أجل التقدير الواجب للجمال التصويري.» واختتم حديثه بهذه الكلمات، ثم التفَّ مبتعدًا وتحرك عبر المعرض متبوعًا، مثل زمار هاملين، بجمع غفير من الحضور˝ . ❝
❞ وجد فيتلوورث نفسَه أمام معضلة؛ إذ لا تُوجَد قاعدة صريحة تمنع عزف الآلات الموسيقية في المعرض، كما أن التصرف بحد ذاته لم يكن فيه ما يُخالف القانون؛ علاوة على أن حُجة العازف الغريب، رغم كونها خيالية وغير واقعية، قد سِيقَت بلباقة ومنطقية؛ مما شكَّل صعوبة في التعامل معها. فحافظ على ابتسامته وهو يُحاول تقدير الموقف للوصول إلى قرار سليم، بينما توقَّف العازف الغريب أمام لوحة «صعود سانت أورسولا» للرسام كلود لورين، وعلى الفور بدأ في عزف حزين لمقطوعة «المغادرة إلى سوريا». كانت سخرية الموقف أكبرَ مما يُمكن لفيتلوورث احتمالُه، ولم يستطع استجماع قدرته على الاعتراض مجددًا إلا بعد أن شارفت المقطوعةُ على النهاية؛ وبينما تحرك العازف الغريب مبتعدًا عن اللوحة، أبلغه فيتلوورث اعتراضَه المهذب وحثَّه على التوقف. عاود العازف النظر إلى فيتلوورث بتأنيب مندهش، وراح يحثُّه مجددًا على مراعاة الصلة الوثيقة بين الأنواع المختلفة للجمال، مستشهدًا بعروض الآنسة مود آلن كمثال مألوف وشهير، وبينما أخذ فيتلوورث يقدح زِناد فكره لإيجاد ردٍّ مناسب، توقف العازف أمام بورتريه إليسا بونابرت للرسام جاك لويس ديفيد، وحدَّق فيها بنظرة نارية، ثم انطلق يعزف مقطوعة «مرسيليا» . ❝
❞ ˝وأخيرًا وجد فيتلوورث عازف الموسيقى داخل الغرفة الفينيسية؛ حيث تجمع حوله حشد كبير وقد وقف في المنتصف بجوار لوحة باكوس وأدريان للرسام تيتيان. كان رجلًا طويلًا ونحيفًا ذا مظهر شاذ غريب الأطوار، يرتدي قبعة مستدقة الطرف من اللباد وعباءة طويلة، ويبدو غير واعٍ تمامًا بجمهوره. وفي اللحظة التي وصل فيها فيتلوورث كان يعزف مقطوعة «كرنفال فينسيا» بإلهام ومهارة مع تنويعات لحنية منمقة، بينما ثبَّت عينَيه على اللوحة وهو يتأملها. فتحكم فيتلوورث في ملامحه بقدر ما استطاع وهو يخوض طريقه وسط الحشد حتى وصل إلى العازف وربت على كتفه برفق˝ . ❝
❞ ˝نستطيع القول إن المعرض الوطني يتحول في أي يوم من الأيام المخصصة لنسخ اللوحات إلى مكان تجمع لنوعيات متباينة من البشر، وهو في ذلك الأمر يفوق حتى غرفة القراءة بالمتحف البريطاني، بينما يتساوى تقريبًا مع مجلس العموم. ويُمثل مشهد المعرض في هذا اليوم مصدر اهتمام دائم للسيد جوزيف فيتلوورث، تمامًا مثلما تفعل اللوحات المنسوخة بواسطة الناسخين المحترِفين، الذين يُطلَق عليهم بشكل فكاهي في المصطلحات الرسمية بين الرسامين؛ الطلاب. ونظرًا إلى أن جوزيف فيتلوورث هو في الأصل رسام ذو نزعة إلى الأساليب القديمة للرسم أكثر من المستقبلية، فإن هذا كان سببًا في فشله المهني. كما تُبرِز الحقيقة اللافتة للنظر في هذه الأيام؛ لأنه عندما يصل الأمر إلى أن يبيع الرسامون القدامى متوسِّطو المستوى لوحاتِهم بأسعار مرتفعة، وأن تُترَك لوحات العباقرة المعاصرين راكدةً في الاستوديوهات ولا تجد من يشتريها، إذن تُصبح الفرصة الوحيدة المتاحة أمام الرسام كي يشتهر هي أن يبتعد قدر الإمكان عن تقليد الأساليب القديمة للرسامين العظماء، الذين يتزايد الطلب على شراء لوحاتهم˝ . ❝