█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ الثقافة
هي ليست علماً يتعلمه الإنسان بل هي محيط يحيط به وإطار يتحرك داخله يغذي الحضارة في أحشائه فهي الوسط الذي تتكون فيه جميع خصائص المجتمع المتحضر وتتشكل فيه كل جزئية من جزئياته تبعاً للغاية العليا التي رسمها المجتمع لنفسه
وهي تتضمن العادات المتجانسة والعبقريات المتكاملة والأذواق المتناسبة والعواطف المتشابهة
وهي الجسر الذي يعبره المجتمع إلى الرقي والتمدن والحاجز الذي يحفظ بعض أفراده من السقوط من فوق الجسر إلى الهاوية . ❝
❞ عمل يسير وأجر كبير
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فضل الله على خلقه
عباد الله: ربنا كريم، ومن أسمائه تعالى المنان، يمن على عباده ، ومن أسمائه البر، والبر واسع العطاء، ومن أسمائه الوهاب يعطي بلا سؤال، ومن أسمائه الشكور فيعطي الأجر الكثير على العمل القليل، وهو كريم وهاب يهب واسع الفضل والعطاء بلا حدود ، وهذا الكرم من الله يدفع المؤمن إلى المزيد والمزيد من العمل؛ لأنه إذا علم بأن ربه بهذه الأسماء وهذه الصفات فالعبد يتحفز للعمل.
جاء رجل إلى النبي ﷺ مقنع بالحديد على مشارف المعركة، فقال: يا رسول الله أسلم أو أقاتل؟ ولم يكن الرجل قد أسلم، فقال: أسلم ثم قاتلفأسلم ثم قاتل فقتل فقال النبي ﷺ: عمل قليلاً وأجر كثيراً، فإنه ليس بينه وبين الجنة إلا هذه الشهادة وهذه الشهادة، الشهادة الأولى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والشهادة الثانية هذا القتل الذي حصل في المعركة فدخل الجنة ولم يسجد لله سجدة؛ لأنه لما أسلم كان أول واجب عليه حضور هذه المعركة.
التجارة الرابحة مع الله
عباد الله: بيننا وبين الله تجارة، والتجارة مع الله ما فيها خسارة، والتجارة مع الله أرباحها مضاعفة، هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍسورة الصف10، وهذه المضاعفات إلى عشرة، إلى مائة، إلى سبعمائة، إلى أكثر من ذلك، والله يضاعف لمن يشاء، أعمال قليلة من جهة الجهد والوقت، والأجر عظيم، وقد خرج النبي ﷺ بعد أن صلى الفجر وقعد وقام ليدخل بيته فوجد جويرية رضي الله عنها من بعد الفجر جالسة كما هي، سألها: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟قالت: نعم، قال: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليومطيلة الوقت هذا الماضي لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، كم تأخذ حتى تقولها ثلاثاً يا عبد الله؟
يا مسلم: الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يصل فيه رحمه، ويعرف حق الله من جهة الزكاة، والواجبات الأخرى كفارات، نفقات، يعرف حق الله، والآخر رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً لكنه قال: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله فهما في الأجر سواء، عجيب هذا ما عنده مال، وما الذي فعله؟ نية حسنة، وقال بلسانه: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله، بنيت المساجد، ورتبت لمحفظي القرآن الرواتب، وجعلت للأسر والعوائل هذه الرواتب الشهرية، ونشرت علماً، ودعوة ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، قال: فهما في الأجر سواء، يعني من جهة الأصل، أما من جهة المضاعفة فلا شك أن الفاعل يمتاز بميزة، لكن من جهة الأصل أصل الأجر قبل المضاعفة، هما سواء ما الذي رفعه هذه الرفعة، ما الذي أعطاه هذا الأجر؟ حسن نيته، ليست قضية عسيرة، وشاقة، ولا تأخذ وقتاً، لكنها جمع القلب والرجاء من الله .
إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم شركوكم في الأجر، لماذا؟ قال: حبسهم العذر؛ لأنهم فعلاً عندهم صدق نية، لو كانوا مستطيعين لخرجوا، الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرضكم تأخذ من الجهد؟ كم تأخذ من الوقت؟ الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه يتنافس عليها بضع وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً، عبد قالها مرة مؤتجراً مخلصاً يبتغي وجه الله، تنافس عليها أكثر من ثلاثين ملكاً أيهم يكتبها أولاً، ما هذا الكرم ما هذا الشرف، الله يرسل ملائكته من أجلنا، لتكتب أعمالنا، وترفع أقوالنا، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُسورة فاطر10.
عباد الله: ماذا يأخذ من الوقت والجهد أن يقول الإنسان بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، لكن ماذا له؟ تفتح أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل، تفتح أبواب الجنة الثمانية، الجنة التي عرضها السماوات والأرض، الثمانية كلها تفتح لأجل أنه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله بعد الوضوء، ما أكرمه ما أوهبه، ما أبره، ما أمنه سبحانه.
عباد الله: عندما يقول نبينا ﷺ: من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم ذنبه، كلمة (آمين) كم تأخذ لتقال؟ كم ثانية؟ آمين المد الطبيعي حركتين (آ) (مين) ست حركات، كم تأخذ حتى تقال؟ من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، على كلمة واحدة إذا قال الإمام في الأرض: آمين، قالت الملائكة في السماء: آمين، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة، لكن بعض الناس يشرد ذهنه فيفوته أجر عظيم، أو لا يقولها في الوقت الذي من السنة أن تقال فيه، أو يمد أكثر أو يقصر أكثر، من وافق تأمينه تأمين الملائكة.
يا مسلمون: والله إنها أعمال يسيرة وأجور عظيمة، وهكذا نجد أن النبي ﷺ يعلمنا أن بقيام ليلة القدر، اللهم بلغنا ليلة القدر، اللهم بلغنا رمضان، اللهم منَّ علينا ببلوغ رمضان، وأن نصوم ونقوم ونعبد كما تحب وترضى، قيام ليلة واحدة، الليلة كم يعني؟ عشر ساعات؟ إحدى عشر ساعة؟ اثنا عشر ساعة؟ ثم تقوم بعد صلاة العشاء، قيام ليلة ولا يشترط أن تقوم كل الليل، قيام ليلة أكثر من أجر عبادة ثلاثة وثمانين سنة، هل هناك كرم بعد هذا.
عباد الله: صيام يوم واحد، يوم عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين، والصيام كم ساعة؟ اثنا عشر ساعة، ثلاثة عشر ساعة، يكفر سنتين، إذا كان هذا في صيام النافلة عاشوراء وعرفة، يا ترى رمضان الواجب الفرض الركن كم يكفر.
أيها المسلمون: بالوضوء تخرج الخطايا حتى تخرج آخر خطيئة مع آخر قطرة ماء، لمن نوى واحتسب، وأتقن الوضوء، وكذلك نجد أنه إذا قعد بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد ارتفاعها صلى ركعتين، بعد الفجر إلى طلوع الشمس كم الوقت؟ كم ستجلس؟ ساعة ونصف، أجر حجة أجر عمرة تامة تامة تامة..
يا مسلم: عندما تذهب وأنت هنا إلى الحرم لتصلي فريضة واحدة كم يأخذ منك من الوقت والجهد؟ لكن يكتب الله لك بها مائة ألف صلاة من الصلاة في المساجد الأخرى، مائة ألف، وفي النبوي ألف، وصلاة ركعتين في مسجد قباء تعدل عمرة، الله أكبر، صلاة ركعتين كم تأخذ من الوقت في مسجد قباء تعدل عمرة، تشد الرحال إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، فإذا صرت في المدينة كان قباء بجانبك.
أيها المسلمون: عندما يقول ربنا : فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُسورة الزلزلة7، يعني: أن هذه الذرة الهباء الصغيرة جداً لا تضيع، حتى هذه لا تضيع، ولذلك لما جاءت مسكينة أو مسكين إلى عائشة وكان عندها عنقود عنب فأخذت حبات من العنب وأعطتها للمسكين حبات قليلة، تعجبت بعض النسوة عندها، فقالت عائشة لهن: تتعجبن تضحكن كم في هذه الحبات من مثاقيل الذر.
وهكذا سعد الصحابي لما جاء سائل وأعطاه تمرتين، وقبض يده، قال له: إن في التمرتين مثاقيل ذر كثيرة.
اللهم إنا نسألك أن توفقنا إلى ما تحب وترضى، وأن ترزقنا الاستمساك بالعروة الوثقى، أكرمنا يا كريم، ومن علينا يا منان، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله والرحمة المهداة الشافع المشفع يوم الدين، وحامل لواء الحمد في العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته وخلفائه وأزواجه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك وزد على عبدك ونبيك إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين سيدنا وحبيبنا وأسوتنا وقدوتنا، صل عليه وسلم صلاة تامة إلى يوم الدين.
عباد الله:
أسس وقواعد التجارة مع الله
الله يعامل عباده على أسس، التجارة مع الله لها شروط فيها بنود، فيها عقد، ومن أدرك شروط العقد حاز الأرباح العظيمة من وراء هذا العقد:
أولاً: لا أجر بلا توحيد، فإذا كان العبد موحداً لله نال الأجور العظيمة؛ لأن الأساس موجود، فالبناء عليه سهل، ويتصاعد بسرعة، فإذا كان أساسك قوياً كان البنيان عالياً مرتفعاً، ولذلك مهما عمل الكافر والمشرك من الأعمال الخيرية ليس له مقابل عليها في الآخرة يأخذه في الدنيا الآن، أولاد، صحة، منصب، شهرة، مال، يأخذه في الدنيا، حتى الكافر لو عمل أعمال خيرية يعطيه، لكن لا يعطيه في الآخرة؛ لأن سلعة الله غالية، والجنة لا يعطيها لكافر ولا مشرك، لا للشرك الأكبر ولا الأصغر ولا الخفي، اجتنبوا الشرك، يوم القيامة الكافر مهما كان عنده من أعمال خيرية، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًاسورة الفرقان23، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍسورة النور39 كسراب.
ثانياً: لا أجر بلا عمل، فالذين لا يعملون بماذا سيؤجرون، والأعمال منها أعمال قلب ومنها أعمال جوارح، وينبغي التفطن لهذا؛ لأن أعمال القلب فيها أجور عظيمة، الخشية، والإخلاص، والحياء من الله، والتوكل عليه، والخوف منه، ورجاء ثوابه، أعمال القلب عظيمة، وكذلك أعمال الجوارح، وهذه دليل على صحة هذه.
أيها المسلمون: إن من قواعد التعامل بين الله وخلقه أن الله يضاعف الأجر، والمضاعفة قال بعض العلماء: من خصائص هذه الأمة، يعني لم يكن العالمين في الأمم من قبلنا مثلنا في المضاعفة إلى مائة إلى سبعمائة إلى أضعاف أخرى، وهذا من منة الله علينا، احمد ربك أنه جعلك في هذه الأمة، ولم تكن في أمم سابقة، شرف وفخر أن نكون من أمة محمد بن عبد الله ﷺ فلا ذوبان في أعمال الكفار، وشخصيات الكفار، وأنظمة الكفار، نحن أمة مستقلة لنا تاريخ، لنا قائد، لنا كتاب، لنا دستور، لنا شخصية مستقلة واضحة بعقيدتها، وأخلاقها، وعباداتها.
أيها المسلمون: إنه لا بد من الإخلاص في العمل، ولو حصل رياء أو سمعة ذهب العمل، بل إنه جاء في الحديث أن من سمَّع سمَّع الله به يوم القيامة مسامع خلقه، وصغره وحقره؛ لأنه في الدنيا كان يريد الهالات الإعلامية، كان يريد الفخر، كان يريد الاستعلاء على العباد، كان يريد الشهرة، ما كان يريد وجه الله، فلا بد من الحذر من محبطات الأعمال؛ كالمن، والعجب، والرياء، ومنقصات الأعمال، مثل من اتخذ كلباً دون حاجة نقص من أجره كل يوم قيراطين.
كلما كان العمل أكثر نفعاً كلما كان أكثر أجراً، فالأعمال متعدية النفع؛ كالعلم، والدعوة إلى الله أجورها كبيرة جداً.
التحسر على فوات الأجر لو فاتتك جماعة المسجد، مثلاً التحسر على فوات الأجر يمكن أن ينتج أجراً؛ لأنه دليل الصدق.
الفاعل المباشر لا شك أنه أعظم أجراً ممن نوى فقط، ولكن من رحمة الله وكرم الله، أنه ينزل العاجز منزلة الفاعل في الأجر مع أنه ما عمل، لماذا؟ لأنه كان له عادة، ولذلك إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً، فمن رحمة الله وكرم الله أنه نزَّل العاجز منزلة الفاعل على حسب عادته التي كان عليها قبل أن يصاب بالعجز.
هذه التعويضات، لا تعويضات وقوانين الأرض هذه أعظم بكثير يا مسلم، يا عبد الله: المسلم يؤجر على الفعل والترك، حتى من كف شره عن الناس له أجر، فالترك لله يؤجر عليه وليس فقط الفعل لله، يؤجر على المباحات بحسن النية، لكن ليس هذا كل عمل المسلم أن يقول: أنام بنية الاستعانة، وآكل بنية الاستعانة على العبادة، وأستروح بنية الاستعانة، بقية العبادة، الاسترواحات بالنية الحسنة لها أجر، لكن بقي الشيء الذي من أجله استروحت لا تنسه.
كلما اشتدت المشقة عظم الأجر، لكن المشقة لا تتقصد، فالإنسان إذا كان عنده طريق صعب وطريق سهل إلى مكة لا يذهب من الطريق الصعب، الأجر لا يكتب على مشقة متعمدة منك، لكن إذا حصلت المشقة فذهبت إلى مكة فازدحم الطريق فأخذ وقتاً مضاعفاً قدر من الله عند ذلك يضاعف الأجر أجرك على قدر نصبك.
والأعمال الموافقة للسنة أجرها أكبر من أعمال أطول أو أشق، فمثلاً قصر الصلاة للمسافر أكثر أجراً من إتمامه لها، مع أن هذه اثنتين وهذه أربع، تخفيف سنة الفجر أكثر أجراً من تطويلها لماذا؟ لأنها سنة محمد ﷺ، بينما نجد من السنة في صلاة الفجر يوم الجمعة قراءة السجدة والإنسان وتأخذ وقتاً وجهداً، فإذن الشأن هو اتباع السنة سواءً ازدادت المشقة أو نقصت، المشي في الظلمات إلى المساجد الفجر والعشاء فيه أجر لمشقة الظلمة، ولا تزيلها الكهرباء كما قال العلماء، ولله الحمد، الأجر ما زال موجوداً في مشيك للفجر والعشاء حتى في هذا الزمان.
أيها المسلمون: الأكل من الأضحية والصدقة بالباقي أفضل من الصدقة بكل الأضحية؛ لأن من السنة الأكل من الأضحية ولو لقيمات، وهكذا نجد أن تكفير السيئات منصب على الصغائر؛ لأن الكبائر تحتاج إلى توبة خاصة، ونجده في كل حديث في غفر له يعني الصغائر، ولذلك لا بد من الانتباه للكبائر.
تعدد الأعمال وتعدد الأجور
ماذا تريد يا عبد الله من أنواع الأجور والميزات فهو موجود، تريد مغفرة الذنوب هناك أعمال لها، تريد نيل محبة الله هناك أعمال لها، تريد مرافقة النبي ﷺ والقرب منه فالذي يكفل يتيماً ويعول أرملة يكون بالقرب من النبي ﷺ في الجنة.
ثم ماذا تريد يا عبد الله من أنواع الأجور والميزات فهو موجود، تريد مغفرة الذنوب هناك أعمال لها، تريد نيل محبة الله هناك أعمال لها، تريد مرافقة النبي ﷺ والقرب منه فالذي يكفل يتيماً ويعول أرملة يكون بالقرب من النبي ﷺ في الجنة، هلا رأيت قضية استعراض النساء لاختيار الأجمل، من كظم غيظاً أنت تكون في الطريق في السيارة يعاكسك شخص، من كظم غيظاً ولو شاء أن ينفذه أنفذه ما عنده عجز يخيره الله من الحور العين يوم القيامة ما شاء، تكظم غيظاً عن خادم، عن سائق، عن مخطئ، عن إنسان تجاوز عليك، كظم غيظاً، هذه قضية اختيار الأجمل من النساء، تريد رفع المنزلة تواضع لله، تريد طول العمر وسعة الرزق صل رحمك، تريد أن تكون في حراسة الله صل الفجر، تريد أن تصلي عليك الملائكة صل على النبي ﷺ، انتظر في المسجد من المغرب إلى العشاء، رابط من صلاة إلى صلاة، الملائكة طيلة الوقت وأنت جالس تستغفر لك، تريد قصراً في الجنة اقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌسورة الإخلاص1عشر مرات يبنى لك قصر في الجنة، وهكذا تريد السلامة من حر النار والموقف أنظر معسراً، تريد العتق من النار ذب عن عرض أخيك في مجلس، كل شيء بمقابل، ما في أشياء تضيع عند الله فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُسورة الزلزلة8.
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، واجعلنا من أهله يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا الذنوب والسيئات، وكفر عنا الزلات، وضاعف لنا الحسنات، اللهم إنا نسألك أن تجعل أعمالنا خالصة لوجهك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك في يومنا هذا رحمة تلم بها شعثنا، وتغفر بها ذنبنا، وترفع بها شاهدنا، وتثقل بها موازيننا، وتغفر بها لموتانا، وتشفي بها مرضانا، وتهدي بها ضالنا، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم إنا نسألك المغفرة لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا عيباً إلا سترته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، يا أرحم الراحمين يا أكرم الأكرمين بلغنا رمضان وأعتقنا فيه من النيران، وأعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
1 - رواه البخاري2808
2 - رواه مسلم2726
3 - رواه ابن ماجه4228
4 - رواه البخاري4423
5 - رواه مسلم223
6 - رواه البخاري780 ومسلم410
7 - رواه الترمذي586
8 - رواه البخاري2996
9 - رواه بمعناه مسلم 1211
10 - رواه الترمذي2021 . ❝
❞ حوار مع صديقي الملحد
هل الدين افيون ..؟
قال لي صاحبي الدكتور وهو يغمز بعينيه :
وما رايك في الذين يقولون ان الدين افيون ...!!
وانه يخدر الفقراء والمظلومين ليناموا على ظلمهم وفقرهم ويحلموا بالجنة والحور العين ..
في حين يثبت الاغنياء على غناهم باعتبار انه حق ..
وان الله خلق الناس درجات ...؟.
وما رايك في الذين يقولون ان الدين لم ينزل من عند الله ..
وانما هو طلع من الارض من الظروف والدواعي الاجتماعية ليكون سلاحاً لطبقة على طبقة ..؟
وهو يشير بذلك الى الماديين وافكارهم ..
قلت :
ليس ابعد من الخطأ القائل بان الدين افيون .. فالدين في حقيقته اعباء وتكاليف وتبعات ..
وليس تخفيفاً وتحللاً .. وبالتالي ليس مهرباً من المسئوليات وليس افيوناً ..
وديننا عمل وليس كسل ..
( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم )
ونحن نقول بالتوكل وليس التواكل ..
والتوكل يقتضي عندنا العزم واستفراغ الوسع ..
وبذل غاية الطاقة والحيلة .
ثم التسليم بعد ذلك لقضاء الله وحكمه .
( فاذا عزمت فتوكل على الله )
العزم اولاً ..
والنبي يقول لمن اراد ان يترك ناقته سائبة توكلاً على حفظ الله ( اعقلها وتوكل )
أي ابذل وسعك اولا فثبتها في عقالها ثم توكل ..
والدين صحو وانتباه ويقظة . ومحاسبة للنفس ومراقبة للضمير ..
في كل فعل وفي كل كلمة وكل خاطر . وليس هذا حال اكل الافيون .
انما اكل الافيون الحقيقي هو المادي الذي ينكر الدين هرباً من تبعاته ومسئولياته .
ويتصور ان لحظته ملكه . وانه لاحسيب ولا رقيب ولا بعث بعد الموت ..
فيفعل ما يخطر على باله . وأين هذا الرجل من المتدين المسلم الذي يعتبر نفسه مسئولاً عن سابع جار ..
واذا جاع فرد في امته او ضربت دابة عاتب نفسه بانه لم يقم بواجب الدين في عنقه ..
وليس صحيحاً ان ديننا خرج من الارض .. من الظروف والدواعي الاجتماعية ..
ليكون سلاحاً لطبقة على طبقة وتثبيتاً لغنى الاغنياء وفقر الفقراء ..
والعكس هو الصحيح ...
فالاسلام جاء ثورة على الاغنياء والكانزين المال والمستغلين الظالمين ..
فامر صراحة بالا يكون المال دولة بين الاغنياء يحتكرونه ويتداولونه بينهم ..
وانما يكون حقاً للكل ..
( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم )
والانفاق يبدا من زكاة اجبارية ( 2،5 ) في المائة ..
ثم يتصاعد اختيارياً الى كل ما في الجيب وكل ما في اليد .
فلا تبقي لنفسك الا خبزك .. كفافك ..
( يسألونك ماذا ينفقون قل العفو )
والعفو هو كل ما زاد على الكفاف والحاجة ..
وبهذا جمع الاسلام بين التكليف الجبري القانوني والتكليف الاختياري القائم على الضمير ..
وهذا اكرم للانسان من نزع املاكه بالقهر والمصادرة ..
ووصل إلى الانفاق إلى ما فوق التسعين في المائة بدون ارهاق ..
ولم يأت الاسلام ليثبت ظلم الظالمين . بل جاء ثورة صريحة على كل الظالمين .
وجاء سيفاً وحربا على رقاب الطواغين والمستبدين ..
اما التهمة التي يسوقها الماديون بأن الدين رجعي وطبقي بدليل الايات ..
( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق )
( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات )
فنحن نرد بان هذه الايات تنطبق على لندن وباريس وبرلين وموسكو ..
بمثل ما تنطبق على القاهرة ودمشق وجدة ..
واذا مشينا في شوارع موسكو فسوف نجد من يسير على رجليه ..
ومن يركب بسكليت . ومن يركب عربة موسكوفتش ..
ومن يركب عربة زيم فاخرة ..
وماذا يكون هذا الا التفاضل في الرزق بعينه والدرجات والرتب الاقتصادية ..
والتفاوت بين الناس حقيقة جوهرية ..
ولم تستطع الشيوعية ان تلغي التفاوت ..
ولم يقل حتى غلاة المادية والفوضوية بالمساواة ..
والمساواة غير ممكنة فكيف نساوي بين غير متساويين ..
الناس يولدون من لحظة الميلاد غير متساوين في الذكاء والقوة والجمال والمواهب ..
يولدون درجات في كل شيء ..
واقصى ما طمعت فيه المذاهب الاقتصادية هي المساواة في الفرص وليس المساواة بين الناس ..
ان يلقى كل واحد نفس الفرصة في التعليم والعلاج والحد الادنى للمعيشة ..
وهو نفس ما تحض عليه الاديان ..
اما الغاء الدرجات والغاء التفاوت فهو الظلم بعينه والامر الذي ينافي الطبيعة ..
والطبيعة تقوم كلها على اساس التفاضل والتفاوت والتنوع في ثمار الارض وفي البهائم وفي الناس ..
في القطن نجد طويل التيلة . وقصير التيلة ..
وفي الحيوان والانسان نجد الرتب والدرجات والتفاوت اكثر ..
هذا هو قانون الوجود كله .. التفاضل ..
وحكمة هذا القانون واضحة . فلو كان جميع الناس يولدون بخلقة واحدة وقالب واحد ونسخة واحدة ..
لما كان هناك داع لميلادهم اصلا .
وكان يكفي ان نأتي بنسخة واحدة فتغني عن الكل ..
وكذلك الحال في كل شيء ..
ولانتهي الامر إلى فقر الطبيعة وافلاسها ..
وانما غنى الطبيعة وخصبها لايظهر الا بالتنوع في ثمارها وغلاتها والتفاوت في الوانها واصنافها ..
ومع ذلك فالدين لم يسكت على هذا التفاوت بين الاغنياء والفقراء ..
بل امر بتصحيح الاوضاع وجعل للفقير نصيباً من مال الغني .
وقال ان هذا التفاوت فتنة وامتحان ..
( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة اتصبرون )
سوف نرى ماذا يفعل القوي بقوته .
هل ينجد بها الضعفاء او يضرب ويقتل ويكون جباراً في الارض ...؟
وسوف نرى ماذا يفعل الغني بغناه ..
هل يسرف ويطغى ..؟ او يعطف ويحسن ..؟
وسوف نرى ماذا يفعل الفقير بفقره ..
هل يحسد ويحقد ويسرق ويختلس ..
او يعمل ويكد ويجتهد ليرفع مستوى معيشته بالشرع والعدل ..
وقد امر الدين بالعدل وتصحيح الاوضاع بالمساواة بين الفرص ..
وهدد بعذاب الاخرة وقال ان الاخرة ستكون ايضاً درجات اكثر تفاوتاً لتصحيح ما لم يجر تصحيحه في الارض .
(( وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا ))
وللذين يتهمون الإسلام بالرجعية السياسية نقول إن الإسلام أتى بأكثر الشرائع تقدمية في نظم الحكم .
احترام الفرد في الإسلام بلغ الذروة .. وسبق ميثاق حقوق الإنسان وتفوق عليه .. فماذا يساوي الفرد الواحد في الإسلام إنه يساوي الإنسانية كلها .
( من قتل نفا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) .
لا تغني المنجزات ولا الإصلاحات المادية ولا التعمير ولا السدود ولا المصانع .. إذا قتل الحاكم فردا واحدا ظلما في سبيل هذا الإصلاح ، فإنه يكون قد قتل الناس جميعا.
ذروة في احترام الفرد لم يصل إليها مذهب سياسي قديم أو جديد .. فالفرد في الإسلام له قيمة مطلقة بينما في كل المذاهب السياسية له قيمة نسبية .. والفرد في الإسلام آمن في بيته .. وفي أسراره " لا تجسس ولا غيبة " آمن في ماله ورزقه وملكيته وحريته .
كل شيء حتى التحية حتى إفساح المجلس حتى الكلمة الطيبة لها مكان في القرآن .
وقد نهى القرآن عن التجبر والطغيان والإنفراد بالحكم .
وقال الله للنبي " وهو من هو في كماله وصلاحيته " .
( وما أنت عليهم بجبار ) .
( فذكر إنما أنت مذكر .. لست عليهم بمسيطر ) .
( إنما المؤمنون إخوة ) .
ونهى عن عبادة الحاكم وتأليه العظيم :
( لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ) .
( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) .
ونهى عن الغوغائية وتملق الدهماء والسوقة والجري وراء الأغلبية المضللة وقال أن :
( بل أكثر الناس لا يعلمون ) .
( بل أكثرهم لا يعقلون ) .
( أكثر الناس لا يؤمنون ) .
( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) . " يكذبون "
( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ) .
ونهى عن العنصرية والعرقية :
( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .
( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) .
وبالمعنى العلمي كان الإسلام تركيبا جدليا جامعا بين مادية اليهودية وروحانية المسيحية ، بين العدل الصارم الجاف الذي يقول : السن بالسن والعين بالعين . وبين المحبة والتسامح المتطرف الذي يقول : من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر .
وجاء القرآن وسطا بين التوراة التي حرفت حتى أصبحت كتابا ماديا ليس فيه حرف واحد عن الآخرة ، وبين الإنجيل الذي مال إلى رهبانية تامة ، ونادى القرآن بناموس الرحمة الجامع بين العدل والمحبة فقال بشرعية الدفاع عن النفس ولكنه فضل العفو والصفح والمغفرة .
( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) .
وإذا كانت الرأسمالية أطلقت للفرد حرية الكسب إلى درجة استغلال الآخرين .. وإذا كانت الشيوعية سحقت هذه الحرية تماما .. فإن الإسلام قدم الحل الوسط .
( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) .
الفرد حر في الكسب ولكن ليس له أن يأخذ ثمرة أرباحه كلها .. وإنما له فيها نصيب .. وللفقير نصيب يؤخذ زكاة وإنفاقا من 2.5 في المائة إلى 90% جبرا واختيارا .. وهذا النصيب ليس تصدقا وتفضلا وإنما هو حق الله في الربح .. وبهذه المعادلة الجميلة حفظ الإسلام للفرد حريته وللفقير حقه .
ولهذا أصاب القرآن كل الصواب حينما خاطب أمة الإسلام قائلا :
( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) .
فقد اختار الإسلام الوسط العدل في كل شيء .
وهو ليس الوسط الحسابي وإنما الوسط الجدلي أو التركيب الذي يجمع النقيضين " اليمين واليسار " ويتجاوزهما ويزيد عليهما .. ولذلك ليس في الإسلام يمين ويسار وإنما فيه " صراط " الاعتدال الوسط الذي نسميه الصراط المستقيم من خارج عنه باليمين أو اليسار فقد انحرف .
ولم يقيدنا القرآن بدستور سياسي محدد أو منهج مفصل للحكم لعلم الله بأن الظروف تتغير بما يقتضي الاجتهاد في وضع دساتير متغيرة في الأزمنة المتغيرة ، وحتى يكون الباب مفتوحا أمام المسلمين للأخذ والعطاء من المعارف المتاحة في كل عصر دون انغلاق على دستور بعينه .
ولهذا اكتفى القرآن بهذه التوصيات السياسية العامة السالفة كخصائص للحكم الأمثل .. ولم يكبلنا بنظرية وهذا سر من أسرار إعجازه وتفوقه وليس فقرا ولا نقصا فيه .
وتلك لمسة أخرى من تقديمة القرآن التي سبقت كل التقديمات .
ونرد على القائلين بأن الدين جمود وتحجر .. بأن الإسلام لم يكن أبدا دين تجمد وتحجر وإنما كان دائما وأبدا دين نظر وفكر وتطوير وتغيير بدليل آياته الصريحة .
( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) .
( فلينظر الإنسان مم خلق .. خلق من ماء دافق .. يخرج من بين الصلب والترائب )
( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى
لأرض كيف سطحت ) .
أوامر صريحة بالنظر في خلق الإنسان وفي خلق الحيوان وفي خلق الجبال وفي طبقات الأرض وفي السماء وأفلاكها .. والتشريح والفسيولوجيا والبيولوجيا وعلم الأجنة .
أوامر صريحة بالسير في الأرض وجمع الشواهد واستنباط الأحكام والقوانين ومعرفة كيف بدأ الخلق .. وهو ما نعرفه الآن بعلوم التطور .
ولا خوف من الخطأ .
فالإسلام يكافئ الذي يجتهد ويخطئ بأجر والذي يجتهد ويصيب بأجرين .
وليس صحيحا ما يقال من أننا تخلفنا بالدين وتقدم الغرب بالإلحاد .. والحق أننا تخلفنا حينما هجرنا أوامر ديننا .
وحينما كان المسلمون يأتمرون بهذه الآيات حقا كان هناك تقدم وكانت هناك دولة من المحيط إلى الخليج وعلماء مثل ابن سينا في الطب وابن رشد في الفلسفة وابن الهيثم في الرياضيات وابن النفيس في التشريح وجابر بن حيان في الكيمياء .
وكانت الدنيا تأخذ عنا علومنا .. وما زالت مجمعات النجوم وأبراجها تحتفظ إلى الآن بأسمائها العربية في المعاجم الأوروبية .. وما زالوا يسمون جهاز التقطير بالفرنسية imbique ومنه الفعل من كلمة أمبيق العربية . imbiquer ولم يتقدم الغرب بالإلحاد بل بالعلم .
وإنما وقع الخلط مما حدث في العصور الوسطى من طغيان الكنيسة ومحاكم التفتيش وحجرها على العلم والعلماء وما حدث من سجن غاليليو وحرق جيوردانو برونو .
حينما حكمت الكنيسة وانحرف بها البابوات عن أهدافها النبيلة فكانت عنصر تأخر .. فتصور النقاد السطحيون أن هذا ينسحب أيضا على الإسلام وهو خطأ .. فالإسلام ليس بابوية ولا كهنوت ..
الله لم يقم بينه وبين المسلمين أوصياء ولا وسطاء .
وحينما حكم الإسلام بالفعل كان عنصر تقدم كما شرحنا وكما يقول التاريخ مكذبا هذه المزاعم السطحية .
وآيات القرآن الصريحة تحض على العلم وتأمر بالعلم ولا تقيم بين العلم والدين أي تناقض :
( وقل رب زدني علما ) .
( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) .
( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ) .
جعل الله الملائكة وأولي العلم في الآية مقترنين بشرف اسمه ونسبته .
وأول آية في القران وأول كلمة كانت " اقرأ " والعلماء في القرآن موعودون بأرفع الدرجات :
( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .
وتتكرر كلمة العلم ومشتقاته في القرآن نحوا من ثمانمائة وخمسين مرة .
فكيف يتكلم بعد هذا متكلم عن تناقض بين الدين والعلم أو حجر من الدين على العلم .
والنظر في الدين وتطوير فهمه مطلوب ، وتاريخ الإسلام كله حركات إحياء وتطوير .. والقرآن بريء من تهمة التحجير على الناس وكل شيء في ديننا يقبل التطوير .. ما عدا جوهر العقيدة وصلب الشريعة .. لأن الله واحد ولن يتطور إلى اثنين أو ثلاثة .. هذا أمر مطلق .. وكذلك الشر شر والخير خير .. لن يصبح القتل فضيلة ولا السرقة حسنة ولا الكذب حلية يتحلى بها الصالحون .
وفيما عدا ذلك فالدين مفتوح للفكر والاجتهاد والإضافة والتطوير .
وجوهر الإسلام عقلاني منطقي يقبل الجدل والحوار ويحض على استخدام العقل والمنطق .
وفي أكثر من مكان وفي أكثر من صفحة في القرآن نعثر على التساؤل .. " أفلا يعقلون " .. " أفلا يفقهون " .
وأهل الدين عندنا هم " أولو الألباب " .
( شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ) .
( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) .
احترام العقل في لب وصميم الديانة .
والإيجابية عصبها والثورة روحها .
لم يكن الإسلام أبدا خانعا ولا سلبيا .
( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ) .
( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) .
والجهاد بالنفس والمال والأولاد .. والقتال والثبات وعدم النكوص على الأعقاب ، ومواجهة اليأس والمصابة والمرابطة في صلب ديننا .
فكيف يمكن لدين بهذه المرونة والعقلانية والعلمية والإيجابية والثورة أن يتهم بالتحجر والجمود إلا من صديق عزيز مثل الدكتور القادم من فرنسا لا يعرف من أوليات دينه شيئا ولم يقرأ في قرآنه حرفا .
من كتاب : حوار مع صديقي الملحد
للدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
❞ فالمساواةُ ليستْ بِعدلٍ إذا قضَتْ بمُساواة الناسِ في الحقوق على تفاوُتِ واجباتِهِم وكفايتهِمْ وأعمالهِم، وإنَّما هي الظلم كل الظُّلم للراجح والمرجوح، فإن المرجوحَ يضيرهُ ويضيرُ الناس معهُ أن يأخُذَ فوق حقه، وأن ينال فوق ما يقدر عليه...
وليس من العدل أو المصلحة أن يتساوى الرّجال والنّساءفي جميع الإعتبارات، مع التفاوت بينهم في أهم الخصائص التي تُناطُ بها الحقوق والواجبات. . ❝