❞ في الساعة 10:20 مساءً...
استفاق آدم من غيبوبته على ألم يمزق صدره، حيث الوشم الذي وُشِم به، كان غارقًا في بِركة من الدماء والصراخ والظلام معًا، كل صراخ البائسين في هذه الدنيا الظالم أهلها تجمَّع في حلقه، فأطلقه دفعة واحدة، عل من به رحمة أو ما يزال محتفظًا بذرات من الإنسانية يسمع استغاثاته وينتفض لينقذه من جحيم سوداء، تأكل الأفئدة ببطء شديد، لكن صراخه لم يجلب إليه إلا الزبانية، فقد حضره الرجل العملاق المتشح بالسواد وفي يده سوط، كالذي رآه في يد أمه، له رأسان، لكن لونه كان مختلفًا، فقد كان أصفر فاقعًا مرقطًا ببعض البقع السوداء. رفع العملاق يده بالسوط عاليًا، ثم شد بأنفه العميق جرعة أكسجين طويلة، وراح يلوح بما في يده أمام عينَي آدم المذعورتين، رغم كل الألم الذي يشعر به الأخير وكل ما ألمَّ بجسده من عذاب، لم يستسلم بعد، ما زالت هناك فيه قوة خفية تحثه على المقاومة، على التمرد على كل شيء حوله وإن كان يعذب في قبره، لذا انتهزها فرصة وقبض على طرف السوط ذي الرأسين، محاولًا الحصول عليه بجذبه من العملاق بقوة، ولكن هيهات هيهات، فما قوته أمام قوة الأخير إلا كنسيرة لحم مطبوخ حُشرت بين فكَي أسد شرس.
شدَّه العملاق بعنف، لينكفئ تحت قدميه، وقد خارت قواه أو لنكون أدق وصفًا قد فرت هاربة تلك القوة الخفية، التي ظهرت فجأةً، لتتركه خرقة بالية أسفل قدمَي كتلة الظلام المتمثلة في هيئة رجل لم يتوانَ لحظة في دك رأس آدم في الرمال بضغطة قوية عليه، ثم تركه بعد ذلك، ليغوص في أعماق أوجاعه بحثًا عن ترياق يُسكِّن آلامه، أو يفقده وعيه لبضع ساعات، لربما يعثر بداخله على الخير، الذي نوه عنه الكائن المخيف حين ظهر له أول دخوله القبر، طالبًا منه البحث عنه، وقد تذكر في هذه اللحظة كلماته التي قالها له في بادئ الأمر: "في جوفي يختبئ خيرك، فاسرد قصتك عل بها ما يصيرني بشرًا مثلك، أؤنس وحشتك، ولا تختزل ربما كلمة واحدة تكمن خلفها نجاتك".. ❝ ⏤يوسف حسين
❞ في الساعة 10:20 مساءً..
استفاق آدم من غيبوبته على ألم يمزق صدره، حيث الوشم الذي وُشِم به، كان غارقًا في بِركة من الدماء والصراخ والظلام معًا، كل صراخ البائسين في هذه الدنيا الظالم أهلها تجمَّع في حلقه، فأطلقه دفعة واحدة، عل من به رحمة أو ما يزال محتفظًا بذرات من الإنسانية يسمع استغاثاته وينتفض لينقذه من جحيم سوداء، تأكل الأفئدة ببطء شديد، لكن صراخه لم يجلب إليه إلا الزبانية، فقد حضره الرجل العملاق المتشح بالسواد وفي يده سوط، كالذي رآه في يد أمه، له رأسان، لكن لونه كان مختلفًا، فقد كان أصفر فاقعًا مرقطًا ببعض البقع السوداء. رفع العملاق يده بالسوط عاليًا، ثم شد بأنفه العميق جرعة أكسجين طويلة، وراح يلوح بما في يده أمام عينَي آدم المذعورتين، رغم كل الألم الذي يشعر به الأخير وكل ما ألمَّ بجسده من عذاب، لم يستسلم بعد، ما زالت هناك فيه قوة خفية تحثه على المقاومة، على التمرد على كل شيء حوله وإن كان يعذب في قبره، لذا انتهزها فرصة وقبض على طرف السوط ذي الرأسين، محاولًا الحصول عليه بجذبه من العملاق بقوة، ولكن هيهات هيهات، فما قوته أمام قوة الأخير إلا كنسيرة لحم مطبوخ حُشرت بين فكَي أسد شرس.
شدَّه العملاق بعنف، لينكفئ تحت قدميه، وقد خارت قواه أو لنكون أدق وصفًا قد فرت هاربة تلك القوة الخفية، التي ظهرت فجأةً، لتتركه خرقة بالية أسفل قدمَي كتلة الظلام المتمثلة في هيئة رجل لم يتوانَ لحظة في دك رأس آدم في الرمال بضغطة قوية عليه، ثم تركه بعد ذلك، ليغوص في أعماق أوجاعه بحثًا عن ترياق يُسكِّن آلامه، أو يفقده وعيه لبضع ساعات، لربما يعثر بداخله على الخير، الذي نوه عنه الكائن المخيف حين ظهر له أول دخوله القبر، طالبًا منه البحث عنه، وقد تذكر في هذه اللحظة كلماته التي قالها له في بادئ الأمر: ˝في جوفي يختبئ خيرك، فاسرد قصتك عل بها ما يصيرني بشرًا مثلك، أؤنس وحشتك، ولا تختزل ربما كلمة واحدة تكمن خلفها نجاتك˝. ❝
❞ كما هم العامة الجهلة في كل مكان وزمان.. يعيشون العبودية ويهوون الخضوع، ويقنعون أنفسهم أنهم يكرهون ما يكرهه الحاكم ويحبون ما حبه. أي أنك لا تطيع الحاكم بل تطيع نفسك أولا فإذا حاول أحد أن يوقظهم من غيبوبتهم مزقوه تمزيقاً. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ كما هم العامة الجهلة في كل مكان وزمان. يعيشون العبودية ويهوون الخضوع، ويقنعون أنفسهم أنهم يكرهون ما يكرهه الحاكم ويحبون ما حبه. أي أنك لا تطيع الحاكم بل تطيع نفسك أولا فإذا حاول أحد أن يوقظهم من غيبوبتهم مزقوه تمزيقاً. ❝
❞ اشعر بأنني في غيبوبة لايفكر عقلي فيها الا بكِ ، لا اريد الإفاقة منها ، ولا اسعىٰ للأستيقاظ منها فما الحياة تعني لي شيئاً الأن وما الحياةُ نعمة إن لم اكن في احضانك الان. ❝ ⏤محمد السالم
❞ اشعر بأنني في غيبوبة لايفكر عقلي فيها الا بكِ ، لا اريد الإفاقة منها ، ولا اسعىٰ للأستيقاظ منها فما الحياة تعني لي شيئاً الأن وما الحياةُ نعمة إن لم اكن في احضانك الان. ❝
❞ أنت حينما تنام .. تتحول إلى شجرة
هناك زر كهربائي في المخ ينطفئ في لحظة النوم .. فيسود الظلام و تسود الغيبوبة .. و تمر الشخصية بحالة
غرق و يتحول الإنسان إلى شجرة .. إلى نبات بدائي .. إلى شيء تستمر فيه الحياة على شكل وظائف
.. دورة الدم تجري .. النفس يتردد .. الخلايا تفرز .. الأمعاء
تهضم .. كل هذا يتم بطريقة تلقائية و
الجسد ممدد بلا حراك .. تماماً مثل نبات مغروس في الأرض تجري فيه العصارة و تنمو الخلايا و تتنفس
من أكسوجين الجو
.
إنها لحظة غريبة يسقط فيها الجسد في هوة التعب و العجز .
و يستحيل عليه التعبير عن روحه و معنوياته الراقية فيأخذ إجازة .. و يعود ملايين السنين إلى الوراء ..
ليعيش بطريقة بدائية كما كان يعيش النبات .. حياة مريحة لا تكلف جهداً
..
إن سر الموت يكمن في لغز النوم .. لأن النوم هو نصف الطريق إلى الموت , نصف الإنسان الراقي يموت
أثناء النوم .. شخصيته تموت .. عقله يموت .. و يتحول إلى كائن منحط مثل الإسفنج و الطحلب
يتنفس و ينمو بلا وعي .. و كأنه فقد الروح .
إنه يقطع نصف الطريق إلى التراب .. و يعود مليون سنة إلى الخلف ..
يعود عقله الواعي إلى ينبوعه الباطن . و تعود شخصيته الواعية إلى ينبوعها الطبيعي الذي يعمل في غيبوبة
كما تعمل العصارة في لحاء الشجر .. و يلتقي الإنسان بخاماته الطبيعية .. بجسده و ترابه و مادته و الجزء
اللاوعي من وجوده
..
إن الشعراء يقولون أن لحظات النهار سطحية لأن ألوان النهار البراقة تخطف الانتباه .. و لحظات الليل
عميقة لأن الليل يهتك هذا الستار البراق و يفك أغلال الانتباه فيغوص في أعماق الأشياء ..
و أنا أقول أن لحظة النعاس هي أعمق اللحظات لأنها تهتك ستاراً آخر و هو ستار الألفة .
النعاس يمحو الألفة بيني و بين الأشياء فتبدو غريبة مدهشة مما يدعوني أحياناً إلى التساؤل .. و أنا أنظر
حولي في غرفة نومي بين النوم و اليقظة .. و أهمس : أنا فين ؟
إني لا أتعرف على سريري .. و لا أتعرف على دولابي .. و تسقط الألفة تماماً بيني و بين غرفتي فتبدو
غريبة ..
و هذه اللحظة عميقة .. لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة تماماً بيني و بين غرفتي
فتبدو غريبة ..
و هذه اللحظة لحظة عميقة .. لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة و التعود و
الأحكام العادية و ينظر حوله من جديد .. ليصدر أحكاماً جديدة أكثر تحرراً .. و إلهاماً .
و الأنبياء كانوا يتلقون إلهامهم في هذه اللحظة .. و كأن الوحي يأتيهم بين النعاس و الغيبوبة
..
و نيوتن اكتشف قانون الجاذبية في هذه اللحظة .. و هو ينظر بعين نعسانة إلى تفاحة تسقط من الشجرة
.. لقد أحس أن سقوط التفاحة أمر غير مألوف .. و أن التفاحة لا يمكن أن تسقط على الأرض .. و إنما
الأرض هي التي يجب أن تجذبها ..
و كل المخترعين و المؤلفين و الشعراء و المفكرين .. تفتقت أذهانهم في هذه اللحظة .. لأنها اللحظة
الحرجة التي سقط فيها المألوف .. و المعتاد .. و لمعت الحياة بالدهشة .. و برق العقل بأسئلة جديدة تماماً
.. لم يكن ليلقيها لو كان في كامل يقظته .. و كامل ارتباطه بالأشياء
..
و الفرق بين النبي .. و العبقري .. في تلك اللحظة هي مساحة الرؤيا التي تنكشف لكل واحد .
النبي يشبه جهاز تلفزيون به مليون صمام .. مساحة الرؤيا فيه شاسعة .. و قدرة استقباله كبيرة .. فهو
يستطيع أن يستقبل صوراً من المريخ على شاشة بانورامية عريضة لأنه مؤيد بوسائل إلهية
.
و العبقري هو جهاز ترانزيستور صغير يكاد يستمع إلى محطة القاهرة بالسعودية .. لأنه يعتمد على
اجتهاد الخاطر الذي قد يخطئ و قد يصيب ..
و لكن الاثنين يسبحان جنباً إلى جنب في بحر الحقائق
و النوم في حقيقته يقظة عميقة .. تتيقظ فيه الوظائف
الأصلية .. فتنتظم دورة الدم .. و ينتظم التنفس .. و ينتظم الهضم .. و الإمتصاص و الإفراز و يتوقف الهدم .. و يبدأ النمو و البناء و يقل الإحتراق الذي يحدث في النهار
و تتيقظ رغبات أكثر أصالة من رغبات النهار .. الغرائز كلها تتيقظ و تعمل .. و تنشر نشاطها في الأحلام .. و تفضح نزواتها على مسرح رمزي مبهم لا يستطيع فك رموزه و طلاسمه إلا صاحبه
و يدخل النوم بعد هذا في مرحلة أعمق .. هي النوم الثقيل .. و هي مرحلة تخلو من الإحساس تماماً.. و تخلو من الأحلام أيضاً.. مرحلة من الظلام .. و العدم .. و هوّة بعيدة الغور .. و مساحة مشطوبة من الحياة .. ليس فيها وعي و لا زمن .. و لا مكان .. العشر ساعات تمر فيها كلمح الطرف بين غمضة العين و انتباهتها .. بدون إحساس بالمدة .. و كأن خيط العمر انقطع فجأة .. كما يحدث حينما نقطع أشرطة التسجيل ثم
نوصلها من جديد ليستمر سياق الكلام كما نريد ..
السياق الزمني في النوم غريب
إنه زمن آخر غير زمن الساعة .. فالحلم قد يحتوي على أحداث سنة كاملة بتفاصيلها من حب إلى زواج إلى طلاق إلى جريمة و مع هذا لا يستغرق بحساب الساعة أكثر من ثانية ..
و العكس يحدث أحياناً فتمر على النائم عشر ساعات و في ظنه أن عقرب الساعة لم يتحرك إلا دقائق معدودة ..
الزمن يتخلص من قيود الساعة أثناء النوم .. و يخضع لتقدير آخر هو تقدير المخيلة التي توسع و تضيق فيه على حسب ازدحامها بالحوادث و الرغبات .. إنه من صناعة النائم و خلقه .. فهو ذاتي صرف ..
النائم كالفنان الذي يؤلف قصة .. يخلق زمن القصة كما يريد .. و يعيش في قمقم خرافي من أوهامه .. يتمطى فيه و يصرخ بالرغبة التي يحبها .. في حرية مطلقة تصل إلى حد العبث ..
ومعظم أحلامنا عبث في عبث .. و أمنيات مستحيلة .. و لكننا نعيشها كما نريدها ونحن نائمون ..
و النوم أرخص أنواع الحياة من حيث الكلفة .. فمقدار السكر و الأكسجين الذي يحتاجه النائم ليستمر في الحياة أقل بكثير من المقدار الذي يحتاجه في اليقظة .
و الإنسان الذي يعيش مائة سنة بين نوم و يقظة يستطيع أن يعيش ثلاثمائة سنة إذا عمل على حسابه أن ينامها كلها ..
و مادة النوم رخيصة .. لأن الإنسان يقترب فيه من التراب .. ويعود إلى الآلية الكيميائية المتأصلة في خلاياه من بداية الحياة ...
. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ أنت حينما تنام . تتحول إلى شجرة
هناك زر كهربائي في المخ ينطفئ في لحظة النوم . فيسود الظلام و تسود الغيبوبة . و تمر الشخصية بحالة
غرق و يتحول الإنسان إلى شجرة . إلى نبات بدائي . إلى شيء تستمر فيه الحياة على شكل وظائف
. دورة الدم تجري . النفس يتردد . الخلايا تفرز . الأمعاء
تهضم . كل هذا يتم بطريقة تلقائية و
الجسد ممدد بلا حراك . تماماً مثل نبات مغروس في الأرض تجري فيه العصارة و تنمو الخلايا و تتنفس
من أكسوجين الجو
.
إنها لحظة غريبة يسقط فيها الجسد في هوة التعب و العجز .
و يستحيل عليه التعبير عن روحه و معنوياته الراقية فيأخذ إجازة . و يعود ملايين السنين إلى الوراء .
ليعيش بطريقة بدائية كما كان يعيش النبات . حياة مريحة لا تكلف جهداً
.
إن سر الموت يكمن في لغز النوم . لأن النوم هو نصف الطريق إلى الموت , نصف الإنسان الراقي يموت
أثناء النوم . شخصيته تموت . عقله يموت . و يتحول إلى كائن منحط مثل الإسفنج و الطحلب
يتنفس و ينمو بلا وعي . و كأنه فقد الروح .
إنه يقطع نصف الطريق إلى التراب . و يعود مليون سنة إلى الخلف .
يعود عقله الواعي إلى ينبوعه الباطن . و تعود شخصيته الواعية إلى ينبوعها الطبيعي الذي يعمل في غيبوبة
كما تعمل العصارة في لحاء الشجر . و يلتقي الإنسان بخاماته الطبيعية . بجسده و ترابه و مادته و الجزء
اللاوعي من وجوده
.
إن الشعراء يقولون أن لحظات النهار سطحية لأن ألوان النهار البراقة تخطف الانتباه . و لحظات الليل
عميقة لأن الليل يهتك هذا الستار البراق و يفك أغلال الانتباه فيغوص في أعماق الأشياء .
و أنا أقول أن لحظة النعاس هي أعمق اللحظات لأنها تهتك ستاراً آخر و هو ستار الألفة .
النعاس يمحو الألفة بيني و بين الأشياء فتبدو غريبة مدهشة مما يدعوني أحياناً إلى التساؤل . و أنا أنظر
حولي في غرفة نومي بين النوم و اليقظة . و أهمس : أنا فين ؟
إني لا أتعرف على سريري . و لا أتعرف على دولابي . و تسقط الألفة تماماً بيني و بين غرفتي فتبدو
غريبة .
و هذه اللحظة عميقة . لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة تماماً بيني و بين غرفتي
فتبدو غريبة .
و هذه اللحظة لحظة عميقة . لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة و التعود و
الأحكام العادية و ينظر حوله من جديد . ليصدر أحكاماً جديدة أكثر تحرراً . و إلهاماً .
و الأنبياء كانوا يتلقون إلهامهم في هذه اللحظة . و كأن الوحي يأتيهم بين النعاس و الغيبوبة
.
و نيوتن اكتشف قانون الجاذبية في هذه اللحظة . و هو ينظر بعين نعسانة إلى تفاحة تسقط من الشجرة
. لقد أحس أن سقوط التفاحة أمر غير مألوف . و أن التفاحة لا يمكن أن تسقط على الأرض . و إنما
الأرض هي التي يجب أن تجذبها .
و كل المخترعين و المؤلفين و الشعراء و المفكرين . تفتقت أذهانهم في هذه اللحظة . لأنها اللحظة
الحرجة التي سقط فيها المألوف . و المعتاد . و لمعت الحياة بالدهشة . و برق العقل بأسئلة جديدة تماماً
. لم يكن ليلقيها لو كان في كامل يقظته . و كامل ارتباطه بالأشياء
.
و الفرق بين النبي . و العبقري . في تلك اللحظة هي مساحة الرؤيا التي تنكشف لكل واحد .
النبي يشبه جهاز تلفزيون به مليون صمام . مساحة الرؤيا فيه شاسعة . و قدرة استقباله كبيرة . فهو
يستطيع أن يستقبل صوراً من المريخ على شاشة بانورامية عريضة لأنه مؤيد بوسائل إلهية
.
و العبقري هو جهاز ترانزيستور صغير يكاد يستمع إلى محطة القاهرة بالسعودية . لأنه يعتمد على
اجتهاد الخاطر الذي قد يخطئ و قد يصيب .
و لكن الاثنين يسبحان جنباً إلى جنب في بحر الحقائق
و النوم في حقيقته يقظة عميقة . تتيقظ فيه الوظائف
الأصلية . فتنتظم دورة الدم . و ينتظم التنفس . و ينتظم الهضم . و الإمتصاص و الإفراز و يتوقف الهدم . و يبدأ النمو و البناء و يقل الإحتراق الذي يحدث في النهار
و تتيقظ رغبات أكثر أصالة من رغبات النهار . الغرائز كلها تتيقظ و تعمل . و تنشر نشاطها في الأحلام . و تفضح نزواتها على مسرح رمزي مبهم لا يستطيع فك رموزه و طلاسمه إلا صاحبه
و يدخل النوم بعد هذا في مرحلة أعمق . هي النوم الثقيل . و هي مرحلة تخلو من الإحساس تماماً. و تخلو من الأحلام أيضاً. مرحلة من الظلام . و العدم . و هوّة بعيدة الغور . و مساحة مشطوبة من الحياة . ليس فيها وعي و لا زمن . و لا مكان . العشر ساعات تمر فيها كلمح الطرف بين غمضة العين و انتباهتها . بدون إحساس بالمدة . و كأن خيط العمر انقطع فجأة . كما يحدث حينما نقطع أشرطة التسجيل ثم
نوصلها من جديد ليستمر سياق الكلام كما نريد .
السياق الزمني في النوم غريب
إنه زمن آخر غير زمن الساعة . فالحلم قد يحتوي على أحداث سنة كاملة بتفاصيلها من حب إلى زواج إلى طلاق إلى جريمة و مع هذا لا يستغرق بحساب الساعة أكثر من ثانية .
و العكس يحدث أحياناً فتمر على النائم عشر ساعات و في ظنه أن عقرب الساعة لم يتحرك إلا دقائق معدودة .
الزمن يتخلص من قيود الساعة أثناء النوم . و يخضع لتقدير آخر هو تقدير المخيلة التي توسع و تضيق فيه على حسب ازدحامها بالحوادث و الرغبات . إنه من صناعة النائم و خلقه . فهو ذاتي صرف .
النائم كالفنان الذي يؤلف قصة . يخلق زمن القصة كما يريد . و يعيش في قمقم خرافي من أوهامه . يتمطى فيه و يصرخ بالرغبة التي يحبها . في حرية مطلقة تصل إلى حد العبث .
ومعظم أحلامنا عبث في عبث . و أمنيات مستحيلة . و لكننا نعيشها كما نريدها ونحن نائمون .
و النوم أرخص أنواع الحياة من حيث الكلفة . فمقدار السكر و الأكسجين الذي يحتاجه النائم ليستمر في الحياة أقل بكثير من المقدار الذي يحتاجه في اليقظة .
و الإنسان الذي يعيش مائة سنة بين نوم و يقظة يستطيع أن يعيش ثلاثمائة سنة إذا عمل على حسابه أن ينامها كلها .
و مادة النوم رخيصة . لأن الإنسان يقترب فيه من التراب . ويعود إلى الآلية الكيميائية المتأصلة في خلاياه من بداية الحياة. ❝
❞ اللامبالاة التامة هي موضوع حكاياتنا الغريبه هذه الليلة وبطلها اذكى رجل في العالم ! ...
مدير السجن الحربي الذي كان يعذب المسجونين وينزع أظافرهم ، ويعلقهم من أرجلهم ، ويطلق عليهم الكلاب الوحشية ، ويطفئ سجائره في المواطن الحساسة من اجسامهم .. مات في حادث سيارة على طريق مصر إسكندرية الزراعي اصطدم بعربة نقل تحمل أسياخا حديدية .. دخلت الأسياخ في قلبه وخرجت من ظهره انتقل الى الآخره مرشوقا في هذه الأسياخ ..
والرجل الذي كان يحمل نعش أبيه في الطريق إلى المدافن ويتشاجر على الميراث سقط في الحفرة التي وضع فيها أبوه فاقد النطق ومات الى جواره بسكته قلبية .
والمرأة التي اعتادت على تعاطي الحشيش لتطيل الذة ماتت تحت رجل آخر غير زوجها .. طالت بها الغيبوبة وخرجت من الدنيا إلى اللّه دون توبة .
والذين قفزوا من السفينة الغارقة ماتوا وأكلتهم قروش البحر والعجوز ذو المائة سنة المريض بالسكر والضغط والذبحة الذي لم تسعفه قدماه فى اللحاق بهم والقفز معهم بقى ملقي في قاع السفينة حتى جاءه النجدة وأنقذواه .
وجراح السرطان الموهوب قتل ابنه خطأ في علمية تافهة أتفه من خراج .
والإسكندر الأكبر قتلته بعوضه في بابل .
وفي سنه ١٩ قتل فيروس متناه في الصغار لا يرى بالعين ولا بالمجهر .. عشرين مليونا بالانفلونزا ..
إنه صاحب الجلالة الموت .
أقرب إلى كل منا من ظله .. بل أقرب إلى الواحد من نطقه .. و أقرب اليه من نفسه التي بين جنبيه .
يجري في الدم واللعاب والنبض ويسكن النخاع .
كل منا يحمل نعشه على كتفيه ، ويسير كراقص على حبل لا يعلم متى يسقط ولكنه لابد ان يسقط لأن كل الذين سبقوه قد سقطوا .
ياسادتي الارض مغطاة برفات الموت .
وتحت القاهره ثلاث مدن وثلاثة عصور نمشي ونرقص على رفاتها وجماجمها .
وغدا يمشي الاحفاد على ترابنا ، في لا مبالاة تامة وكل منهم مشغول بحاله ملفوف في همومه .
نعم إنها تلك اللامبالاة التامة يا سادتي هي التي تثير الدهشة .
تلك الحالة الذاتية التي تلف الواحد منا و تغلفه وتطمس سمعه و بصره وبصيرته ، فلا يرى الموت تحت قدميه فهو يبكي من الحب او يخطط لسرقة ، أو يتآمر على قتل في هدوء عجيب وثقة وكانه يعيش وحده ، وكأن العالم غرفته الخاصه يتصرف فيها على هواه ، وكانه خالد مخلد لا يموت ؛ بل انه يخطط لموت الآخرين ولا يخطر موته هو على باله لحظة واحدة .
نعم يا سادة تلك الغفلة واللامبالاة التامة هي موضوع حكاياتنا الغريبه هذه الليلة وبطلها اذكى رجل في العالم .
وحينما تعرفون كيف أصبح مليونيراً سوف توافقون معي على انه أذكي رجل في العالم بالفعل .
ولندعه ويحكي بنفسه بداية القصة .
كان ذلك في الصيف ١٩٥٠ حينما رست في ميناء الإسكندرية سفينة محملة بمخلفات الجيش .
وصعد السماسرة وتجار المخلفات على سطحها ، ليفاجأوا بأن كل حمولتها أحذية .. نصف مليون حذاء .. كلها فرد يمين .. أي أنها لا تنفع بشـيء ولن يشتريها احد بمليم .
ورفض تاجر واحد ان يمد يده ليشتريها .
وابتدأ المزاد من الصفر وظل واقفاً عند الصفر .
وحيئذ تقدمت انا واشتريت الحموله كلها بجنيهات قليلة ، وأنا أتصور أني ألقى بهذه الجنيهات في البحر .. وأقول لنفسي .. ربما تظهر لها منفعة في المستقبل .. وأضحك وانا أتذكر مقالا قرأته بان هناك نوع من البيرة يصنع من من منقوع الصرم القديمة .
والقيت بها في المخزن .
ومر أسبوعان بالضبط .
وفي يوم ثلاثاء كنت أقف على رصيف الميناء .. وكانت هناك سفينة مخلفات ترسو ..
وصعدنا على سطحها لنفاجأ بأن الحامولة كلها أحذية .. نصف مليون حذاء كلها .. فردة شمال .. الجزء المفقود من الصفقة الماضية ولم يتقدم احد للشراء .. فمَنْ يشترى نصف مليون حذاء كلها فردة واحدة .. ولم يعقد مزاد .
وكنت انا الشاري الوحيد الذي التي رست عليه البيعة بجنيهات قليلة .
وهكذا اصبحت مليونيراً في لحظة وبدون جهد ولا عمل وانما بخبطة حظ قلما يجود بمثلها الزمان .
وهكذا يا ساده بدأ أذكى رجل في العالم حياته .
ولأن الثروة جاءته بلا جهد وبلا عرق .. ولأنها جاءته على شباب وصحة وفراغ .. فإنه كان طبيعيا أن يلهو و يلعب و يرخي الحبل لهواه .
وعرف النوعيات الهابطة من النساء .
وعرف السهرات المبتذلة .
ولكنه كان دائما الرجل الذكي القوي الذي يعرف كيف ومتى ينخفض عن نفسه تلك النوعيات الطفيلية ، ومتى ينبذ اللهو ويفيق ليعاود العمل في همة ونشاط .
ولكن الاقوياء لا يظلون اقوياء دائماً .
وفي كل إنسان ثغرة ! .
حتى اذكى الأذكياء لا يسلم من ضعف ، يمكن ان يتسلل منه الإغراء وتدخل الفتنه .
ودعوه يحكي بنفسه بقية القصة :
كنت أعيش في خفة لا أحمل همـًا لغـد ولا ألقي بالا لشيء .. كل ما أتمناه أجده .. وكل ما احلم به أحققه بالحيلة أو الذكاء ، أو بالمكر أو بالمال .
وكان كل شيء حولي قابلا للشراء ، وقابلا للمساومة وكانت الدنيا كلها رخيصة في متناول اليد .
حتى التقيت بها في حفل السفارة .
امرأة دقيقة التكوين ، نحيلة كشـبح ، ناعمة ، حريرية ، مشعة ، صوتها هامس يتسلل إلى ما تحت الجلد ، ويسكن العظم .
وعقلها حاد متألق .
وشخصيتها مزيج عجيب من الثقافات والمواهب .
وروحها مغناطيسية .
وكأنما حولها مجال غير منظور إذا وقعت في نطاق جاذبيته لا تستطيع أن تبرحه ، وإنما تظل تدور وتدور فيه كما تدور الأقمار حول النجوم .
وقد رأيت نفسي ادور حولها فلا أستطيع الإفلات .
و رايت نفسي سائراً إلى إحدى نهايتين : أن أقترن بها أو أحترق فيها .
ولكنها متزوجة .. وزوجها يعبدها ولن يطلقها بحال .
وهي لا تحبه و لكنها لا تملك ان تطلق نفسها منه .
وضاقت دنياي الواسعة حتى أصبحت زنزانة .
و فارقتني قوتي .
و هجرنى ذكائي .
و بكيت كطفل .
و عشت لحظات كالمجنون .
كانت تقول لي : نهـرب .
ثم مع الوقت والعادة أصبحت هذه الكلمات المجنونة هي العقل والمعقول بالنسبه لنا .
أصبحنا نرى بقية العالم مجانين ، لأنه لا يرى ما نراه .
و اصبحنا نرى الدنيا مسكناً للبلادة والخمول والغباء والسخف ، ولم نعد نجد لانفسنا مكاناً في هذه الدنيا .
وبدات تختمر في ذهني فكرة الهجرة والهرب بها .
وكانت لي أعمال في السودان و كينيا و أوغندا .
و رأيت نفسي ذات ليلة و دون أن أدري أخرج بها بجواز سفر مزور طائراً إلى السودان .. و من السودان إلى كينيا .
وقضينا شهر العسل في نيروبي بين مغاني الغابه العذراء وتحت استوائيه وتغرد فيها العصافير الملونه وترقص الفراشات .
كان هذا يا سادة هو الفصل الثاني من قصة اذكى رجل في العالم .
ودعوني احكي لكم الفصل الثالث والختامي وكانت رحلة شاعرية ، خرج فيها العشيقان لقضاء الويك اند على شاطئ بحيرة " ليك مانيارا " في فندق البامبو الجميل .. وفي احد المفاتن الذي يقصده اصحاب الملايين واهل الفن والذوق للاستمتاع بالموسيقى والحب والرقص والطعام الشهي ، و الخمر الجيدة في بيئة طبيعية ساحرة تمرح فيها الوحوش والغزلان .
والطريق إلي " ليك مانيارا " تصعد في السيارة جبالا شاهقة .. وقممـًا معممة بالضباب .
وكان صاحبنا يقود السيارة وهو يصفر بفمه لحنـًا شعبيـًا ويحتضن محبوبته ، ويشير الى الخور السحيق الذي يهوى إليه البصر في جانب الطريق .. في أقصى القاع يفترش الأرض دغل طبيعي من نباتات وحشيه ذات تلافيف متعانقة متشابكة ، في معترك من الأغصان والأوراق والازهار تتوه في العين فلا تبين أرضـًا .. وإنما خضرة متكاتفة علي خضرة .
منظر خلاب آخاذ يصيب الرأس بالدوار .
وقد دارت رأس الاثنين بخمرة النظر وذابا حبا .
والتقت الشفاه على ارتفاع تسعة آلاف قدم ، وسقطت العربة في حفرة وفي لحظة خاطفة كانت تتدحرج في الخور كالقذيفة .
وبعد دقيقة كانت تستقر في القاع محطمة .
أما هو فكان راقداً في وعيه ولكـن بلا حراك بسبب كسور في عظام الحوض .
أما هي فكانت تهمس وتتلوي ثم تفقد الوعي بسبب النزيف .
ثم تعود في فتفيق فتعود إلى الهمس المخنوق والتأوه وكان سقوطهمـا وسط مسـتعمره للنمـل الأحمـر .
وزحفـت عليهمـا جيـوش النمـل .
نعم يا سادة اكلهمـا النمـل وهم أحياء فاقدا الحراك ينظر كل منهما إلى الآخر ولا يقوى على الصراخ .. ولا يقوى على الدفاع عن نفسه .
وانتهت قصة أذكى رجل في العالم واجمل امرأه .
ولم يبقى اثر للقصة سوي ذلك الإعلان المتكرر في جميع الجرائد والذي ظل ينشر بالقاهرة ، على مدى اسابيع عن السيدة التي خرجت من بيتها ولم تعد ومعه نشرة كاملة بأوصافها .. بيضاء ، نحيلة ، سوداء الشعر ، زرقاء العينين في جاكيت وبنطلون من القطيفه السوداء وكرافات تركواز ، وعلى من يتعرف عليها الاتصال بالتليفون كذا .
وكان القراء يقرؤون الإعلان كل يوم .. ولم يكون أحد منهم يعلم أنها أصبحت هي وصاحبها فتاتـًا في بطن ستمائة الف نملـة من النمـل الأحمـر ، في وسط افريقيا الاستوائية .
إنه صاحب الجلالة الموت .
و الكـل فـی غفلـة .
د/ مصطفى محمود رحمهُ اللَّه
من كتاب / المسيـخ الدجـال. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ اللامبالاة التامة هي موضوع حكاياتنا الغريبه هذه الليلة وبطلها اذكى رجل في العالم ! ..
مدير السجن الحربي الذي كان يعذب المسجونين وينزع أظافرهم ، ويعلقهم من أرجلهم ، ويطلق عليهم الكلاب الوحشية ، ويطفئ سجائره في المواطن الحساسة من اجسامهم . مات في حادث سيارة على طريق مصر إسكندرية الزراعي اصطدم بعربة نقل تحمل أسياخا حديدية . دخلت الأسياخ في قلبه وخرجت من ظهره انتقل الى الآخره مرشوقا في هذه الأسياخ .
والرجل الذي كان يحمل نعش أبيه في الطريق إلى المدافن ويتشاجر على الميراث سقط في الحفرة التي وضع فيها أبوه فاقد النطق ومات الى جواره بسكته قلبية .
والمرأة التي اعتادت على تعاطي الحشيش لتطيل الذة ماتت تحت رجل آخر غير زوجها . طالت بها الغيبوبة وخرجت من الدنيا إلى اللّه دون توبة .
والذين قفزوا من السفينة الغارقة ماتوا وأكلتهم قروش البحر والعجوز ذو المائة سنة المريض بالسكر والضغط والذبحة الذي لم تسعفه قدماه فى اللحاق بهم والقفز معهم بقى ملقي في قاع السفينة حتى جاءه النجدة وأنقذواه .
وجراح السرطان الموهوب قتل ابنه خطأ في علمية تافهة أتفه من خراج .
والإسكندر الأكبر قتلته بعوضه في بابل .
وفي سنه ١٩ قتل فيروس متناه في الصغار لا يرى بالعين ولا بالمجهر . عشرين مليونا بالانفلونزا .
إنه صاحب الجلالة الموت .
أقرب إلى كل منا من ظله . بل أقرب إلى الواحد من نطقه . و أقرب اليه من نفسه التي بين جنبيه .
يجري في الدم واللعاب والنبض ويسكن النخاع .
كل منا يحمل نعشه على كتفيه ، ويسير كراقص على حبل لا يعلم متى يسقط ولكنه لابد ان يسقط لأن كل الذين سبقوه قد سقطوا .
ياسادتي الارض مغطاة برفات الموت .
وتحت القاهره ثلاث مدن وثلاثة عصور نمشي ونرقص على رفاتها وجماجمها .
وغدا يمشي الاحفاد على ترابنا ، في لا مبالاة تامة وكل منهم مشغول بحاله ملفوف في همومه .
نعم إنها تلك اللامبالاة التامة يا سادتي هي التي تثير الدهشة .
تلك الحالة الذاتية التي تلف الواحد منا و تغلفه وتطمس سمعه و بصره وبصيرته ، فلا يرى الموت تحت قدميه فهو يبكي من الحب او يخطط لسرقة ، أو يتآمر على قتل في هدوء عجيب وثقة وكانه يعيش وحده ، وكأن العالم غرفته الخاصه يتصرف فيها على هواه ، وكانه خالد مخلد لا يموت ؛ بل انه يخطط لموت الآخرين ولا يخطر موته هو على باله لحظة واحدة .
نعم يا سادة تلك الغفلة واللامبالاة التامة هي موضوع حكاياتنا الغريبه هذه الليلة وبطلها اذكى رجل في العالم .
وحينما تعرفون كيف أصبح مليونيراً سوف توافقون معي على انه أذكي رجل في العالم بالفعل .
ولندعه ويحكي بنفسه بداية القصة .
كان ذلك في الصيف ١٩٥٠ حينما رست في ميناء الإسكندرية سفينة محملة بمخلفات الجيش .
وصعد السماسرة وتجار المخلفات على سطحها ، ليفاجأوا بأن كل حمولتها أحذية . نصف مليون حذاء . كلها فرد يمين . أي أنها لا تنفع بشـيء ولن يشتريها احد بمليم .
ورفض تاجر واحد ان يمد يده ليشتريها .
وابتدأ المزاد من الصفر وظل واقفاً عند الصفر .
وحيئذ تقدمت انا واشتريت الحموله كلها بجنيهات قليلة ، وأنا أتصور أني ألقى بهذه الجنيهات في البحر . وأقول لنفسي . ربما تظهر لها منفعة في المستقبل . وأضحك وانا أتذكر مقالا قرأته بان هناك نوع من البيرة يصنع من من منقوع الصرم القديمة .
والقيت بها في المخزن .
ومر أسبوعان بالضبط .
وفي يوم ثلاثاء كنت أقف على رصيف الميناء . وكانت هناك سفينة مخلفات ترسو .
وصعدنا على سطحها لنفاجأ بأن الحامولة كلها أحذية . نصف مليون حذاء كلها . فردة شمال . الجزء المفقود من الصفقة الماضية ولم يتقدم احد للشراء . فمَنْ يشترى نصف مليون حذاء كلها فردة واحدة . ولم يعقد مزاد .
وكنت انا الشاري الوحيد الذي التي رست عليه البيعة بجنيهات قليلة .
وهكذا اصبحت مليونيراً في لحظة وبدون جهد ولا عمل وانما بخبطة حظ قلما يجود بمثلها الزمان .
وهكذا يا ساده بدأ أذكى رجل في العالم حياته .
ولأن الثروة جاءته بلا جهد وبلا عرق . ولأنها جاءته على شباب وصحة وفراغ . فإنه كان طبيعيا أن يلهو و يلعب و يرخي الحبل لهواه .
وعرف النوعيات الهابطة من النساء .
وعرف السهرات المبتذلة .
ولكنه كان دائما الرجل الذكي القوي الذي يعرف كيف ومتى ينخفض عن نفسه تلك النوعيات الطفيلية ، ومتى ينبذ اللهو ويفيق ليعاود العمل في همة ونشاط .
ولكن الاقوياء لا يظلون اقوياء دائماً .
وفي كل إنسان ثغرة ! .
حتى اذكى الأذكياء لا يسلم من ضعف ، يمكن ان يتسلل منه الإغراء وتدخل الفتنه .
ودعوه يحكي بنفسه بقية القصة :
كنت أعيش في خفة لا أحمل همـًا لغـد ولا ألقي بالا لشيء . كل ما أتمناه أجده . وكل ما احلم به أحققه بالحيلة أو الذكاء ، أو بالمكر أو بالمال .
وكان كل شيء حولي قابلا للشراء ، وقابلا للمساومة وكانت الدنيا كلها رخيصة في متناول اليد .
حتى التقيت بها في حفل السفارة .
امرأة دقيقة التكوين ، نحيلة كشـبح ، ناعمة ، حريرية ، مشعة ، صوتها هامس يتسلل إلى ما تحت الجلد ، ويسكن العظم .
وعقلها حاد متألق .
وشخصيتها مزيج عجيب من الثقافات والمواهب .
وروحها مغناطيسية .
وكأنما حولها مجال غير منظور إذا وقعت في نطاق جاذبيته لا تستطيع أن تبرحه ، وإنما تظل تدور وتدور فيه كما تدور الأقمار حول النجوم .
وقد رأيت نفسي ادور حولها فلا أستطيع الإفلات .
و رايت نفسي سائراً إلى إحدى نهايتين : أن أقترن بها أو أحترق فيها .
ولكنها متزوجة . وزوجها يعبدها ولن يطلقها بحال .
وهي لا تحبه و لكنها لا تملك ان تطلق نفسها منه .
وضاقت دنياي الواسعة حتى أصبحت زنزانة .
و فارقتني قوتي .
و هجرنى ذكائي .
و بكيت كطفل .
و عشت لحظات كالمجنون .
كانت تقول لي : نهـرب .
ثم مع الوقت والعادة أصبحت هذه الكلمات المجنونة هي العقل والمعقول بالنسبه لنا .
أصبحنا نرى بقية العالم مجانين ، لأنه لا يرى ما نراه .
و اصبحنا نرى الدنيا مسكناً للبلادة والخمول والغباء والسخف ، ولم نعد نجد لانفسنا مكاناً في هذه الدنيا .
وبدات تختمر في ذهني فكرة الهجرة والهرب بها .
وكانت لي أعمال في السودان و كينيا و أوغندا .
و رأيت نفسي ذات ليلة و دون أن أدري أخرج بها بجواز سفر مزور طائراً إلى السودان . و من السودان إلى كينيا .
وقضينا شهر العسل في نيروبي بين مغاني الغابه العذراء وتحت استوائيه وتغرد فيها العصافير الملونه وترقص الفراشات .
كان هذا يا سادة هو الفصل الثاني من قصة اذكى رجل في العالم .
ودعوني احكي لكم الفصل الثالث والختامي وكانت رحلة شاعرية ، خرج فيها العشيقان لقضاء الويك اند على شاطئ بحيرة ˝ ليك مانيارا ˝ في فندق البامبو الجميل . وفي احد المفاتن الذي يقصده اصحاب الملايين واهل الفن والذوق للاستمتاع بالموسيقى والحب والرقص والطعام الشهي ، و الخمر الجيدة في بيئة طبيعية ساحرة تمرح فيها الوحوش والغزلان .
والطريق إلي ˝ ليك مانيارا ˝ تصعد في السيارة جبالا شاهقة . وقممـًا معممة بالضباب .
وكان صاحبنا يقود السيارة وهو يصفر بفمه لحنـًا شعبيـًا ويحتضن محبوبته ، ويشير الى الخور السحيق الذي يهوى إليه البصر في جانب الطريق . في أقصى القاع يفترش الأرض دغل طبيعي من نباتات وحشيه ذات تلافيف متعانقة متشابكة ، في معترك من الأغصان والأوراق والازهار تتوه في العين فلا تبين أرضـًا . وإنما خضرة متكاتفة علي خضرة .
منظر خلاب آخاذ يصيب الرأس بالدوار .
وقد دارت رأس الاثنين بخمرة النظر وذابا حبا .
والتقت الشفاه على ارتفاع تسعة آلاف قدم ، وسقطت العربة في حفرة وفي لحظة خاطفة كانت تتدحرج في الخور كالقذيفة .
وبعد دقيقة كانت تستقر في القاع محطمة .
أما هو فكان راقداً في وعيه ولكـن بلا حراك بسبب كسور في عظام الحوض .
أما هي فكانت تهمس وتتلوي ثم تفقد الوعي بسبب النزيف .
ثم تعود في فتفيق فتعود إلى الهمس المخنوق والتأوه وكان سقوطهمـا وسط مسـتعمره للنمـل الأحمـر .
وزحفـت عليهمـا جيـوش النمـل .
نعم يا سادة اكلهمـا النمـل وهم أحياء فاقدا الحراك ينظر كل منهما إلى الآخر ولا يقوى على الصراخ . ولا يقوى على الدفاع عن نفسه .
وانتهت قصة أذكى رجل في العالم واجمل امرأه .
ولم يبقى اثر للقصة سوي ذلك الإعلان المتكرر في جميع الجرائد والذي ظل ينشر بالقاهرة ، على مدى اسابيع عن السيدة التي خرجت من بيتها ولم تعد ومعه نشرة كاملة بأوصافها . بيضاء ، نحيلة ، سوداء الشعر ، زرقاء العينين في جاكيت وبنطلون من القطيفه السوداء وكرافات تركواز ، وعلى من يتعرف عليها الاتصال بالتليفون كذا .
وكان القراء يقرؤون الإعلان كل يوم . ولم يكون أحد منهم يعلم أنها أصبحت هي وصاحبها فتاتـًا في بطن ستمائة الف نملـة من النمـل الأحمـر ، في وسط افريقيا الاستوائية .