❞ نشرَت جريدة الصنداي تايمز، هذا النهار، خبر تسرب شعاع غامض من مدينة أدرنَّة التركية على الحدود اليونانية، وتكهّن مواطن يوناني الْتقتهُ مراسلة الصحيفة، بأنهم على الحدّ الفاصل لليونان، شاهدوا ليومين متتاليين، أشِعّة أرجوانية اللون، غامضة تومض لدقائق ثم تنْساب على مدَى الأفق وكأنها طيفٌ خيالي، تبعتها رياح مُغْبّرة، وما زادَ الأمر تعقيدًا، إصابة كلّ من صادف تواجدهُ تلك الساعة بالمنطقة، بحكّة جلْدية شرِسة، وتوَسّعت المراسلة الصحفية في الخبر، بالتحقيق مع سكان المنطقتين من كلا الجانبين، ما أفضى بالنهاية، لتوْقيفها من قبل السلطات التركية ومصادرة الكاميرا ولكنها تمكّنت من تسريب صور التحقيق...
لم يلفت ذلك الخبر نظر العالم الذي كان مشغولاً بأخبار الأمير هاري وميغان، وحتى خبر الصنداي حول الشعاع الأرجواني نُشر بصفحةٍ داخلية، وغطى عليه بذات اليوم، خبر اغتيال قاسم سليماني...وحدهُ القرمزي، الذي قرأ الجريدة في المساء، متأخرًا عن عادة قراءتها في الصباح، بينما كان يحتسي قهوته السوداء في رصيف مقهى ميدان الكاتدرائيّة...
قربّ السفارة البحرينية في لندن نهار اليوم التالي، كان ثمّة بضعة عشرات من متظاهرين احتشدوا تحت رذاذ المطر، حملوا يافطات ورقية هزيلة مسَحَت قطرات المطر حِبرها، مطالبين بديمقراطية، بينمّا كان واحدٌ منهم يحمل صورة القتيل قاسم سليماني...كانت فجْوَة غير مُنصفة تلك اللحظة التي ضاع فيها خبر الصنداي، وعلى الضفة الأخرى من الشارع، تدخل البوليس لتفريق مجموعة مُتعرّية، حملت شعاراتٍ بيئية، كان الطقس ضبابيًا وحركة السير مرتبكة...
\"لا أستطيع دخول السفارة هذا اليوم، سوف الْفتُ الأنظار، وأخشى لو سلَمت الجواز لتجديده، تتم مصادرته، ما رأيكِ أوليفيا؟ هل استمر؟\"
وقف ناصر رجب، مرتديًا بدلة سوداء فضفاضة، متخفيًا بجهٍةٍ من الشارع، بجانب ثلاثة أجانب رجل وامرأتين يحاولون جرّ أحد الكلاب، قاوم رغبتهم في السير...كان يتحدّث في الهاتف ويحاول جاهدًا استراق النظر نحو ما يجري قربّ السفارة...
كانت أوليفيا روي على الطرفِ الآخر، من الهاتف تقبع بركنٍ من مطعم صغير، يطلّ على ساحل بُحَيرة، تحتجز بطرفِها عدّة قواربّ صغيرة، بعضها شراعي، وثمّة زبائن آخرين يحلِّقون على موائد الرصيف، وكان هنالك نباح كلب يأتي من مسافة...كانت تتحدّث بالهاتف وسرعان ما أنْهَت المكالمة لدي دخول بسام داوود الأسود...كان يحمل معه حقيبة رجل أعمال ويرتدي قميصًا أبيض ومعطفًا كحلي، مع سروال أسود، أبقى نظارته السوداء رغم الطقس الغائم...جلس مقابلاً لها، وعلت وجههُ ابتسامة صفراء...
\"أوليفيا\"
قال ذلك وهو يشير لنادل صغير السِنّ، أمْهَق البشرة، ضيق العينين، أقتربّ منه حالمّا لمح إشارته...
\"متى وصَلت َلوغانو؟\"
سألته المرأة السويسرية، وهي تُشير للنادل أن ينتظر لحظة...
\"الآن\"
أجابها وعادَ للنادل، طلب نبيذًا أحمر، التفتَ للمرأة يسألها بحِيرةٍ بدت على وجهه.
\"ماذا تأكلين؟\"
\"بيتزا\"
أجابتهُ.
عادَ للنادل وقال وهو يحُكّ ذقنه مفكرًا...
\"لا شيء، فقط نبيذ احمر\"
\"كنت على الهاتف منذ لحظة مع ناصر رجب، يواجه مشكلة انتهاء صلاحية جواز سفره، لهذا تأخر بالمجيء إلى ميلانو\"
بدت عليه العصبية، زفَر بحدّة وقال بنبرةٍ يائِسة...
\"هذا الأحمق لا يعرف كيف يتدَبر أمره بتاتًا، كيف تمكّن من الإثراء؟!
تنهّد ثانية واستدرك وهو ينظر لسيدة مُسِنّة دخلت المطعم وهي تواجه صعوبة في إغلاق مظلة المطر...
\"كيف تثقين به؟ ألا تخشين أن يورّطكِ؟\"
قطع تركيزه اصطدام إحدى النادلات بأحد الزبائن قادم من جهة الحمام كما يبدو، تصاعدَت رائحة شواء من الداخل، نظر الأسود إلى حقيبته بجانبه قربّ عمود الطاولة ثم التفت وراءه، وعاد ينظر للمرأة، كانت تحدّق بكوب القهوة أمامها...
\"أُفضل أن تسوي القضية معهم خارج المحكمة، مُجرّد ذهابكَ للمحاكمة سيشوِّش عليك، أنت تحت الأنظار منذ قضية الورق. اشْتر بعض المساهمين، وأضْمَن أنك ستكْسب أضعافًا لأنّني سأكون حرّة في عقد صفقات خارجية، دون إثارة الرأي العام في بلدك...\"
ارْجَع ظهره للوراء، قهقه بازدراءٍ وقال بنبرةِ مقت...
\"هؤلاء جشعون، لن يرضوا بالقليل، مع أنهم مفلسون ولا أصدق تعنتهم وعدم بيعهم للأسهم\"
وفجأة خرجت مُنفلِتة إحدى النادلات وهي تهرول، ولَحِق بها أحد الزبائن...انتصب بعض الرواد قربّ سياج المكان وراحوا يحدقون من النافذة بفضول ...
\"ماذا يجري في الخارج؟\"
سأل بسام الأسود باهتمام...
\"لوغانو أهدأ مكان على الأرض، لا تهتم\"
في الخارج كان يدور جدَل بين بعض الأفراد، وهناك على بعد مسافة أمتار بمحاذاة البحر طفق تجمعٌ يرْصدُ الأفق، كانت سيارات متنوِّعة تعبُر الشارع البحري من الجهتين، وثمّة أشخاصٌ يحاولون العبور، نحو الحشد الذي كان يتَطلَّع نحو لا شيء! الوقت قبل الغروب، والسماء غائِمة، ونسمات هواء باردة تُحرك أوراق الأشجار التي تساقط بعضها، صفراء على الأرض.
\"مجرّد وميضٍ خريفي من ذلك الذي يسْبقُ فترة تباين الفصول، الناس في المدينة الناعِسة، تهتم بتفاصيل رتيبة لعدمِ وجود ما يثير هنا، أي شيءٍ تافه ولو انتحار نحلة يحرك الناس!\"
قالت أوليفيا ذلك بنغمةٍ لا مبالية لدى انتهاء لقائهما... وقبل أن ينفصلا عند واجهة رصيف المطعم، سأل الأسود أحد المارَّة، وفي نظرتهِ فضول تجاه بقايا التجمع عند مرفأ البحر، مقابل شارع رئيسي، لم تتوقف عليه حركة السيارات، بكلّا الاتجاهين...
\"يقال وميض شمسي حاد قصَف بعض من كانوا يتنزهون على الساحل\"
أجاب رجل متوسط العمر تبدو عليه ملامح جنوب آسيا...ثم مضى في سبيله.
\"غريب\"
قال الأسود بعدمِ مبالاة
\" ما وجهُ الغرابة؟\"
سألَت أوليفيا روي وهي تهم بالانصراف وقد تدَلّت حقيبة بيضاء بكتفِها، فيما حمل الأسود حقيبة رجل الأعمال بيده اليسرى.
\"ألم تسمعِ منذ أيام خبر الصنداي تايمز؟\"!!
مطّت شفتيها، بمُجرّد مغادرتهِ، سارَت بتمَهُّلٍ نحو رصيف الشارع، توقفَت عند نافورة مياه، أشعلَت سيجارة، وتلفَّتَت حوْلها، لمحَت زوجين عجوزين، يقبِّلان بعضهما، بينما شابين مراهقين، يتشاجران برتابةٍ مُمِلّة، مقابلهما...بدت حائرة حتى نطَّ فجأة بجانبِها طفلٌ بسنِّ الخامسة أفلَتَ من يدِ والده الخمسيني العمر، الذي انْشغل بتَملُّقِ فتاة تصْغرهُ سنّا ونسي طفلهُ...تعلَّق بأوليفيا وخاطبَها ببراءةٍ ورأسه لفوْق يحدّق بها...
\"تشبهين جدتي\"
مطاردة هزيلة
بداية موْسِم خريفي، زخَرت فيه سماء مدينة ميلانو، بطقْسٍ رمادي اللون، ملأّت أرصفتها وريقاتٌ صفراء، بكثافةٍ، وفاحَت طرقاتها بنكهةِ الأشجار والأزهار، امْتزَجت بروائح عطر المارَّة من سكانها، صادف أحمد القرمزي، مرّة أخرى، غازي فلاح في ساحة ميركاتي تبعه خلال تجوّلهُ بشارع فيا دانتي، حتى حديقة بريرا! كان قد جَمدَ بالبدءِ في مكانه لومضةٍ خاطفة...شعر بأنهُ إن تأخر عن متابعتهِ سوف يتيه الرجل منهُ بزحْمة الشارع بذلك المساء الذي سبق غروب الشمس التي كانت في الأصلِ شحيحة منذ بداية النهار...
خرج القرمزي مرتديًا قميصًا أزرق قطنيًا سميكًا اعتقد أنه سيكْفيه بتلك الأمسية، حتى اصطدم ببرودة الطقس الغائم جزئيًا، كما شعر بضيقِ سرواله الجينز، ممّا زاده ضيقًا، ظنًا منه أنه ثَخُن، حتى تبيّن له أنّهُ بعد الغسْل يختلف ويضيق عن ارتدائه للمرّة الأولى، ما أزاح عنه شعور الاكتئاب المُباغت وصرف نظره عن العودّة للشَقّة، وفيما كان يمضي بالسيّر نحو مقهاه المسائي، في جوْلة قرّر خلالها الاكتفاء بالبطالة والبدء في العمل...فاجأه العقيد غازي فلاح يتمَشّى وقد ارتدي زيًا رياضيًا وبيده قارورة مياه صغيرة...بدا حيويًا نقيض المرّة السابقة التي صادفهُ فيها، ما أوْحَى إليه أن الرجل، لم يتلاشَ ضمير الجلاد منهُ...
كلمّا لمحهُ استيقظَت في رأسهِ صور ومشاهد وحوارات، جميعها مشحونةٌ بإهاناتٍ وإذلال أذاقهُ إياه لسنواتٍ...هل يريد الانتقام منه؟ أم مواجهته فقط والاكتفاء بتذكّيره...
\"لن أُسامحهُ بالطبع، وإلا محوْتُ ذاتي حين أتتني فرصة استعادتها\"
سار خلفه بخطواتٍ مُتلافي الاقتراب منه، كان قلبه يخفق كما في كلّ مرّة يراه، بل ولمُجرّد تذكّره، لا يعْرفُ الهدف من ملاحقتهِ، وإن كان يدفعه فضولٌ قوي، لمعْرفّة أينّ وصلَ الرجل في حياتهِ...كيف يعيش؟ ماذا يفعل؟ هل تغيّر؟ ما الذي يفعله في إيطاليا؟ هل هي صُدفة أن يتواجدا على أرضٍ واحدة بعد سنوات الجمْر؟ أو هو قدَرٌ أن يلقاه لتصفية حسابه معه...؟ لا يمكن للحياة أن تتناهَى بهما عند نقطة المُنْعطَف هذه إلا وقد رسَمَت هدفًا إلهيًا وربّمّا إنسانيًا من ذلك...هكذا فكَّر حين بلغ معه طرف الحديقة حيث توقَف الرجل، وتلفّت حوْلهُ ثم سار نحو البوابة، وهناك توقف...
أدرك القرمزي أنه لم يقْصدَ الحديقة النباتية التي كانت تفتح لفتراتٍ محدّدةٍ، من شهر سبتمبر حتى أكتوبر، برسومٍ أو مجانًا بحسَب الظّروف... سبق له واستمتع مرّات عدّة بأجوائِها التي تعجُ بأشجارٍ وأزهار خيالية وبأشكالٍ غيْر مسبوقة، وثمّة قصر وتماثيل...ترك تفكّيره في الحديقة وشدّدَ انتباههُ إلى صاحبه الذي كان بالانتظار...
خلال دقائق، وصلت سيارة فولكس واجن صفراء، توَقَّفت عند رصيف الطريق، توجّه غازي فلاح نحوها...فتح الباب ووَلَجَ...لم يتحرك السائق بدا ثمّة حديث بينه وبين سائقها، بعد فترة خرج الاثنان، انتصبا بجانب السيارة وراحا يدخنان بصمتٍ...
برز سائق السيارة، شابٌ ثلاثيني، ذو وجه صغير مستطيل عظْميّ، وأنْف مدبّب يشبه حبّة الّلوْز، بشرته جافَة، لونها نبيذي فاتح، متوسّط القامَة، نحيف لدرجة الضمور ...تساءل في داخله عن هوية الشاب، وعلاقته بكهلٍ جلاد؟ كانت أفكاره تعود به إلى سجن دياره، فترة الجَمْر، ثم سرعان ما يتَسلّل شريطُ الأحداث ويفْسد عليه خياره بانتقاء ميلانو ملجأ راحة واسترخاء وعمل، ليلاحقه كابوسٌ فرَّ منه في الأصل ليتبعه إلى هنا، تذكّر ليلاف سعيد، وما روَتهُ له في إحدى فضْفضَتها الشجيّة، عن وجود جودت باور ضابط الجيش التركي... الذي يعيش سرًا، تحت اسم مستعار، أنيس أبيك X وهو مُعذِبُها مع آلاف الأكراد خلال غزْو عفرين...
\"ترى تحت أي اسم مستعار، ينام غازي فلاح، هنا في ميلانو؟\"!!
تساءل وهو يُحدّق فيه وقد بدا بصحةٍ وحيوية، ولو تقوّس ظهره قليلاً، وتدلت كتفاه وظهر بسحنةِ النهاية، لكن ما فتِئ َتنبثق من عينيه، جمْرة التعذيب المجنون الذي سقاهُ إياه...
شعر، أنه أفْسَد مساءهُ بهذه المطاردة التي أحسَّ بها هزيلَة، ولن توْصلهُ إلى نتيجة، طالما ظلّ يكتفي بمطاردته كلمّا صادفه...
\"لابد من خطّة لمواجهتهِ\"
إلى متى سيظلّ يكتفي بتسْمِيم حياته حتى وهو هنا، هاربّا من كوابيس دياره، ليجد نفسه، في دوامة الماضي المُعْتم؟
مرّت خمس دقائق ولعلّها أكثر، دون حوار بين الاثنين، لكنه لمح في نهايتها، قيام السائق الشاب بتسليم ورقة صغيرة للجلاد، مقابل أوراق لم يتبيّن ماهيتها، إن كانت أوراقًا مالية، أو شيئًا آخر...عندما غادر السائق المكان، التفَّ فلاح منكفئًا من ذات الطريق...زَفَر القرمزي وتبعه...!
***. ❝ ⏤احمد جمعه
❞ نشرَت جريدة الصنداي تايمز، هذا النهار، خبر تسرب شعاع غامض من مدينة أدرنَّة التركية على الحدود اليونانية، وتكهّن مواطن يوناني الْتقتهُ مراسلة الصحيفة، بأنهم على الحدّ الفاصل لليونان، شاهدوا ليومين متتاليين، أشِعّة أرجوانية اللون، غامضة تومض لدقائق ثم تنْساب على مدَى الأفق وكأنها طيفٌ خيالي، تبعتها رياح مُغْبّرة، وما زادَ الأمر تعقيدًا، إصابة كلّ من صادف تواجدهُ تلك الساعة بالمنطقة، بحكّة جلْدية شرِسة، وتوَسّعت المراسلة الصحفية في الخبر، بالتحقيق مع سكان المنطقتين من كلا الجانبين، ما أفضى بالنهاية، لتوْقيفها من قبل السلطات التركية ومصادرة الكاميرا ولكنها تمكّنت من تسريب صور التحقيق..
لم يلفت ذلك الخبر نظر العالم الذي كان مشغولاً بأخبار الأمير هاري وميغان، وحتى خبر الصنداي حول الشعاع الأرجواني نُشر بصفحةٍ داخلية، وغطى عليه بذات اليوم، خبر اغتيال قاسم سليماني..وحدهُ القرمزي، الذي قرأ الجريدة في المساء، متأخرًا عن عادة قراءتها في الصباح، بينما كان يحتسي قهوته السوداء في رصيف مقهى ميدان الكاتدرائيّة..
قربّ السفارة البحرينية في لندن نهار اليوم التالي، كان ثمّة بضعة عشرات من متظاهرين احتشدوا تحت رذاذ المطر، حملوا يافطات ورقية هزيلة مسَحَت قطرات المطر حِبرها، مطالبين بديمقراطية، بينمّا كان واحدٌ منهم يحمل صورة القتيل قاسم سليماني..كانت فجْوَة غير مُنصفة تلك اللحظة التي ضاع فيها خبر الصنداي، وعلى الضفة الأخرى من الشارع، تدخل البوليس لتفريق مجموعة مُتعرّية، حملت شعاراتٍ بيئية، كان الطقس ضبابيًا وحركة السير مرتبكة..
˝لا أستطيع دخول السفارة هذا اليوم، سوف الْفتُ الأنظار، وأخشى لو سلَمت الجواز لتجديده، تتم مصادرته، ما رأيكِ أوليفيا؟ هل استمر؟˝
وقف ناصر رجب، مرتديًا بدلة سوداء فضفاضة، متخفيًا بجهٍةٍ من الشارع، بجانب ثلاثة أجانب رجل وامرأتين يحاولون جرّ أحد الكلاب، قاوم رغبتهم في السير..كان يتحدّث في الهاتف ويحاول جاهدًا استراق النظر نحو ما يجري قربّ السفارة..
كانت أوليفيا روي على الطرفِ الآخر، من الهاتف تقبع بركنٍ من مطعم صغير، يطلّ على ساحل بُحَيرة، تحتجز بطرفِها عدّة قواربّ صغيرة، بعضها شراعي، وثمّة زبائن آخرين يحلِّقون على موائد الرصيف، وكان هنالك نباح كلب يأتي من مسافة..كانت تتحدّث بالهاتف وسرعان ما أنْهَت المكالمة لدي دخول بسام داوود الأسود..كان يحمل معه حقيبة رجل أعمال ويرتدي قميصًا أبيض ومعطفًا كحلي، مع سروال أسود، أبقى نظارته السوداء رغم الطقس الغائم..جلس مقابلاً لها، وعلت وجههُ ابتسامة صفراء..
˝أوليفيا˝
قال ذلك وهو يشير لنادل صغير السِنّ، أمْهَق البشرة، ضيق العينين، أقتربّ منه حالمّا لمح إشارته..
˝متى وصَلت َلوغانو؟˝
سألته المرأة السويسرية، وهي تُشير للنادل أن ينتظر لحظة..
˝الآن˝
أجابها وعادَ للنادل، طلب نبيذًا أحمر، التفتَ للمرأة يسألها بحِيرةٍ بدت على وجهه.
˝ماذا تأكلين؟˝
˝بيتزا˝
أجابتهُ.
عادَ للنادل وقال وهو يحُكّ ذقنه مفكرًا..
˝لا شيء، فقط نبيذ احمر˝
˝كنت على الهاتف منذ لحظة مع ناصر رجب، يواجه مشكلة انتهاء صلاحية جواز سفره، لهذا تأخر بالمجيء إلى ميلانو˝
بدت عليه العصبية، زفَر بحدّة وقال بنبرةٍ يائِسة..
˝هذا الأحمق لا يعرف كيف يتدَبر أمره بتاتًا، كيف تمكّن من الإثراء؟!
تنهّد ثانية واستدرك وهو ينظر لسيدة مُسِنّة دخلت المطعم وهي تواجه صعوبة في إغلاق مظلة المطر..
˝كيف تثقين به؟ ألا تخشين أن يورّطكِ؟˝
قطع تركيزه اصطدام إحدى النادلات بأحد الزبائن قادم من جهة الحمام كما يبدو، تصاعدَت رائحة شواء من الداخل، نظر الأسود إلى حقيبته بجانبه قربّ عمود الطاولة ثم التفت وراءه، وعاد ينظر للمرأة، كانت تحدّق بكوب القهوة أمامها..
˝أُفضل أن تسوي القضية معهم خارج المحكمة، مُجرّد ذهابكَ للمحاكمة سيشوِّش عليك، أنت تحت الأنظار منذ قضية الورق. اشْتر بعض المساهمين، وأضْمَن أنك ستكْسب أضعافًا لأنّني سأكون حرّة في عقد صفقات خارجية، دون إثارة الرأي العام في بلدك..˝
ارْجَع ظهره للوراء، قهقه بازدراءٍ وقال بنبرةِ مقت..
˝هؤلاء جشعون، لن يرضوا بالقليل، مع أنهم مفلسون ولا أصدق تعنتهم وعدم بيعهم للأسهم˝
وفجأة خرجت مُنفلِتة إحدى النادلات وهي تهرول، ولَحِق بها أحد الزبائن..انتصب بعض الرواد قربّ سياج المكان وراحوا يحدقون من النافذة بفضول ..
˝ماذا يجري في الخارج؟˝
سأل بسام الأسود باهتمام..
˝لوغانو أهدأ مكان على الأرض، لا تهتم˝
في الخارج كان يدور جدَل بين بعض الأفراد، وهناك على بعد مسافة أمتار بمحاذاة البحر طفق تجمعٌ يرْصدُ الأفق، كانت سيارات متنوِّعة تعبُر الشارع البحري من الجهتين، وثمّة أشخاصٌ يحاولون العبور، نحو الحشد الذي كان يتَطلَّع نحو لا شيء! الوقت قبل الغروب، والسماء غائِمة، ونسمات هواء باردة تُحرك أوراق الأشجار التي تساقط بعضها، صفراء على الأرض.
˝مجرّد وميضٍ خريفي من ذلك الذي يسْبقُ فترة تباين الفصول، الناس في المدينة الناعِسة، تهتم بتفاصيل رتيبة لعدمِ وجود ما يثير هنا، أي شيءٍ تافه ولو انتحار نحلة يحرك الناس!˝
قالت أوليفيا ذلك بنغمةٍ لا مبالية لدى انتهاء لقائهما.. وقبل أن ينفصلا عند واجهة رصيف المطعم، سأل الأسود أحد المارَّة، وفي نظرتهِ فضول تجاه بقايا التجمع عند مرفأ البحر، مقابل شارع رئيسي، لم تتوقف عليه حركة السيارات، بكلّا الاتجاهين..
˝يقال وميض شمسي حاد قصَف بعض من كانوا يتنزهون على الساحل˝
أجاب رجل متوسط العمر تبدو عليه ملامح جنوب آسيا..ثم مضى في سبيله.
˝غريب˝
قال الأسود بعدمِ مبالاة
˝ ما وجهُ الغرابة؟˝
سألَت أوليفيا روي وهي تهم بالانصراف وقد تدَلّت حقيبة بيضاء بكتفِها، فيما حمل الأسود حقيبة رجل الأعمال بيده اليسرى.
˝ألم تسمعِ منذ أيام خبر الصنداي تايمز؟˝!!
مطّت شفتيها، بمُجرّد مغادرتهِ، سارَت بتمَهُّلٍ نحو رصيف الشارع، توقفَت عند نافورة مياه، أشعلَت سيجارة، وتلفَّتَت حوْلها، لمحَت زوجين عجوزين، يقبِّلان بعضهما، بينما شابين مراهقين، يتشاجران برتابةٍ مُمِلّة، مقابلهما..بدت حائرة حتى نطَّ فجأة بجانبِها طفلٌ بسنِّ الخامسة أفلَتَ من يدِ والده الخمسيني العمر، الذي انْشغل بتَملُّقِ فتاة تصْغرهُ سنّا ونسي طفلهُ..تعلَّق بأوليفيا وخاطبَها ببراءةٍ ورأسه لفوْق يحدّق بها..
˝تشبهين جدتي˝
مطاردة هزيلة
بداية موْسِم خريفي، زخَرت فيه سماء مدينة ميلانو، بطقْسٍ رمادي اللون، ملأّت أرصفتها وريقاتٌ صفراء، بكثافةٍ، وفاحَت طرقاتها بنكهةِ الأشجار والأزهار، امْتزَجت بروائح عطر المارَّة من سكانها، صادف أحمد القرمزي، مرّة أخرى، غازي فلاح في ساحة ميركاتي تبعه خلال تجوّلهُ بشارع فيا دانتي، حتى حديقة بريرا! كان قد جَمدَ بالبدءِ في مكانه لومضةٍ خاطفة..شعر بأنهُ إن تأخر عن متابعتهِ سوف يتيه الرجل منهُ بزحْمة الشارع بذلك المساء الذي سبق غروب الشمس التي كانت في الأصلِ شحيحة منذ بداية النهار..
خرج القرمزي مرتديًا قميصًا أزرق قطنيًا سميكًا اعتقد أنه سيكْفيه بتلك الأمسية، حتى اصطدم ببرودة الطقس الغائم جزئيًا، كما شعر بضيقِ سرواله الجينز، ممّا زاده ضيقًا، ظنًا منه أنه ثَخُن، حتى تبيّن له أنّهُ بعد الغسْل يختلف ويضيق عن ارتدائه للمرّة الأولى، ما أزاح عنه شعور الاكتئاب المُباغت وصرف نظره عن العودّة للشَقّة، وفيما كان يمضي بالسيّر نحو مقهاه المسائي، في جوْلة قرّر خلالها الاكتفاء بالبطالة والبدء في العمل..فاجأه العقيد غازي فلاح يتمَشّى وقد ارتدي زيًا رياضيًا وبيده قارورة مياه صغيرة..بدا حيويًا نقيض المرّة السابقة التي صادفهُ فيها، ما أوْحَى إليه أن الرجل، لم يتلاشَ ضمير الجلاد منهُ..
كلمّا لمحهُ استيقظَت في رأسهِ صور ومشاهد وحوارات، جميعها مشحونةٌ بإهاناتٍ وإذلال أذاقهُ إياه لسنواتٍ..هل يريد الانتقام منه؟ أم مواجهته فقط والاكتفاء بتذكّيره..
˝لن أُسامحهُ بالطبع، وإلا محوْتُ ذاتي حين أتتني فرصة استعادتها˝
سار خلفه بخطواتٍ مُتلافي الاقتراب منه، كان قلبه يخفق كما في كلّ مرّة يراه، بل ولمُجرّد تذكّره، لا يعْرفُ الهدف من ملاحقتهِ، وإن كان يدفعه فضولٌ قوي، لمعْرفّة أينّ وصلَ الرجل في حياتهِ..كيف يعيش؟ ماذا يفعل؟ هل تغيّر؟ ما الذي يفعله في إيطاليا؟ هل هي صُدفة أن يتواجدا على أرضٍ واحدة بعد سنوات الجمْر؟ أو هو قدَرٌ أن يلقاه لتصفية حسابه معه..؟ لا يمكن للحياة أن تتناهَى بهما عند نقطة المُنْعطَف هذه إلا وقد رسَمَت هدفًا إلهيًا وربّمّا إنسانيًا من ذلك..هكذا فكَّر حين بلغ معه طرف الحديقة حيث توقَف الرجل، وتلفّت حوْلهُ ثم سار نحو البوابة، وهناك توقف..
أدرك القرمزي أنه لم يقْصدَ الحديقة النباتية التي كانت تفتح لفتراتٍ محدّدةٍ، من شهر سبتمبر حتى أكتوبر، برسومٍ أو مجانًا بحسَب الظّروف.. سبق له واستمتع مرّات عدّة بأجوائِها التي تعجُ بأشجارٍ وأزهار خيالية وبأشكالٍ غيْر مسبوقة، وثمّة قصر وتماثيل..ترك تفكّيره في الحديقة وشدّدَ انتباههُ إلى صاحبه الذي كان بالانتظار..
خلال دقائق، وصلت سيارة فولكس واجن صفراء، توَقَّفت عند رصيف الطريق، توجّه غازي فلاح نحوها..فتح الباب ووَلَجَ..لم يتحرك السائق بدا ثمّة حديث بينه وبين سائقها، بعد فترة خرج الاثنان، انتصبا بجانب السيارة وراحا يدخنان بصمتٍ..
برز سائق السيارة، شابٌ ثلاثيني، ذو وجه صغير مستطيل عظْميّ، وأنْف مدبّب يشبه حبّة الّلوْز، بشرته جافَة، لونها نبيذي فاتح، متوسّط القامَة، نحيف لدرجة الضمور ..تساءل في داخله عن هوية الشاب، وعلاقته بكهلٍ جلاد؟ كانت أفكاره تعود به إلى سجن دياره، فترة الجَمْر، ثم سرعان ما يتَسلّل شريطُ الأحداث ويفْسد عليه خياره بانتقاء ميلانو ملجأ راحة واسترخاء وعمل، ليلاحقه كابوسٌ فرَّ منه في الأصل ليتبعه إلى هنا، تذكّر ليلاف سعيد، وما روَتهُ له في إحدى فضْفضَتها الشجيّة، عن وجود جودت باور ضابط الجيش التركي.. الذي يعيش سرًا، تحت اسم مستعار، أنيس أبيك X وهو مُعذِبُها مع آلاف الأكراد خلال غزْو عفرين..
˝ترى تحت أي اسم مستعار، ينام غازي فلاح، هنا في ميلانو؟˝!!
تساءل وهو يُحدّق فيه وقد بدا بصحةٍ وحيوية، ولو تقوّس ظهره قليلاً، وتدلت كتفاه وظهر بسحنةِ النهاية، لكن ما فتِئ َتنبثق من عينيه، جمْرة التعذيب المجنون الذي سقاهُ إياه..
شعر، أنه أفْسَد مساءهُ بهذه المطاردة التي أحسَّ بها هزيلَة، ولن توْصلهُ إلى نتيجة، طالما ظلّ يكتفي بمطاردته كلمّا صادفه..
˝لابد من خطّة لمواجهتهِ˝
إلى متى سيظلّ يكتفي بتسْمِيم حياته حتى وهو هنا، هاربّا من كوابيس دياره، ليجد نفسه، في دوامة الماضي المُعْتم؟
مرّت خمس دقائق ولعلّها أكثر، دون حوار بين الاثنين، لكنه لمح في نهايتها، قيام السائق الشاب بتسليم ورقة صغيرة للجلاد، مقابل أوراق لم يتبيّن ماهيتها، إن كانت أوراقًا مالية، أو شيئًا آخر..عندما غادر السائق المكان، التفَّ فلاح منكفئًا من ذات الطريق..زَفَر القرمزي وتبعه..!
❞ الجغرافيا الكمية هي فرع من فروع الجغرافيا الذي يهتم بدراسة الظواهر الجغرافية التي يمكن قياسها وتحليلها باستخدام الأدوات والتقنيات الكمية مثل الإحصاء والرياضيات وتكنولوجيا المعلومات الجغرافية (GIS) ونظرية النُماء الرياضية. وتشمل مواضيع دراسة الجغرافيا الكمية المساحة والتغيرات الزمنية في تغطية الأرض والتركيب الديموغرافي والتنمية الاقتصادية وحركة السكان والظواهر الطقسية. ويستخدم هذا النهج الكمي لتحليل البيانات الجغرافية وتكوين نماذج تفسيرية لفهم تلك الظواهر بشكل أدق وأكثر دقة.. ❝ ⏤جانيز فان كليف
❞ الجغرافيا الكمية هي فرع من فروع الجغرافيا الذي يهتم بدراسة الظواهر الجغرافية التي يمكن قياسها وتحليلها باستخدام الأدوات والتقنيات الكمية مثل الإحصاء والرياضيات وتكنولوجيا المعلومات الجغرافية (GIS) ونظرية النُماء الرياضية. وتشمل مواضيع دراسة الجغرافيا الكمية المساحة والتغيرات الزمنية في تغطية الأرض والتركيب الديموغرافي والتنمية الاقتصادية وحركة السكان والظواهر الطقسية. ويستخدم هذا النهج الكمي لتحليل البيانات الجغرافية وتكوين نماذج تفسيرية لفهم تلك الظواهر بشكل أدق وأكثر دقة. ❝
❞ «عزيز»
\"رمى صنارة الصيد وأنتظر لعدة دقائق دون فائدة ثم عدة ساعات دون فائدة، غابت الشمس في الأفق وأيضا بدون فائدة\"
\"هو لا يستطيع العودة لمنزله دون صيد فالجوع يفتك به ويداه خاويتان من اي مال ينفقه لجلب قوت يومه، لا يملك سوى تلك السنارة بيده يتأمل به خيرًا ان تقطمها اية سمكة حمقاء قبل ان تدرك أن سنها ليس به طعمًا\"
\" إشتدت الأجواء برودة وهو ما زال جالسا في مكانه ... يبدوا أن البحر لا يتحلى بنفس كرمه المعتاد اليوم \"
\" كركرت بطنه معلنة عن اشتداد جوعها عندما هم للعودة للمنزل، وكأنها بإحداثها لذلك الصوت تعترض على عودته فارغ اليدين للمنزل وتلومه قائلة\"
« أنا لن أبيت اليوم ايضا بدون طعام ...تصرف»
\"عاود الجلوس مكانه مرة أخرى ورمى بسنارته منتظرًا تلك السمكة الحمقاء ان تُخدع\"
\"علا موج البحر فتاه في ذكريات طفولته ...تذكر انه لا يذكر من صاحب الآخر أولا؟ هل هو الذي صاحب الفقر أولا؟ ام أنَّ الفقر هو من عرض عليه صحبته؟!\"
\" حاول تذكر وجوه اي فرد من عائلته فلم يستطع، هو في الحقيقة لم يكن له عائلة في يوم من الأيام
ولكنه إعتاد على رسم وجوه لهم في مخيلته من حين لآخر كنوع من المحاولة لإستشعار بعض الأمان، همّ في ملأ رأتيه بهواء البحر المنعش فآلمهُ ظهره، أبتسم وهو يحدثه ويقول\"
\"_ لا بأس يا عزيزي تحمل هذا الشتاء أيضًا، أعلم انك قد مللت نوم الرصيف ومللت برد الشتاء ولكن صدقني في اول فرصة احصل بها على أموال ساقوم بعمل صيانة شاملةلك، قالها وهو يضحك بملئ فمه\"
\" احسَّ بمن يجلس بجانبه على رصيف البحر وهو يقول:
شخص غريب: اتعلم انني أحسدك على تلك الضحكات!!
رد عليه عزيز وهو يقول مبتسمًا وقد خالطته الدهشة تحسدني أنا؟! ولكن لماذا؟
الغريب : لانك سعيد في حياتك.
عزيز وهو يتنهد: الحمدلله وحتى لو لم اكن كذلك ما الذي يمنعني من الضحك، الضحك هو الشئ الوحيد الذي أهرب به من صوت معدتي فهو أعلى منها قل لي ما اسمك
الغريب بيأس: لا يهم ما هو اسمي فسينتهي ذكره اليوم
عزيز: لما يا صاحبي؟ صدقني مهما كان ما يضايقك لا تحزن لتلك الدرجة، وقل الحمدلله فكل شيئ له حل وطالما انك عبدلله فليس عليك القلق من أي شئ فقط قل يا رب وأبتسم قالها عزيز مبتسمًا وهو ينظر للسماء\"
\"نظر له الغريب بيأس دون ان يرد على عزيز ورحل من جانبه، راقبه عزيز من بعيد فوجده يسير على رصيف البحر ثم وقف ينظر لأمواجه المتلاطمه بحزن، رعدت السماء وبدأت في إنزال غزيرها سيولا، نظر عزيز للسماء وقال\"
\"عزيز: مشاعر البشر مثل الطقس وكذلك الدنيا لا تستقر على حال، ثم رجع ببصره إلى ذلك الشاب الغريب ليجده رمى بنفسه من فوق رصيف البحر، بداخل أمواجه مستسلمًا لأمواجه التى بدأت في سحبه للداخل\"
\"رمى عزيز ما بيده وتوجه مسرعًا ناحيته وألقى بنفسه خلفه دون تردد، كان الموج عاليًا والمطر يعبأ العين، ظل يقاوم الموج ويبحث بعينيه في ظلمة البحر عن ذلك الغريب حتى وجده وقد سحبته المياه لأسفل، فأقترب منه مسرعًا وهو يجدف بذراعيه وسحبه للأعلى وبدأ في السباحة ناحية الرصيف حتى أخرجة،\"
\"كان الغريب قد فقد وعيه فجعل عزيز يصنع له الإسعافات الأوليه ثم اوقف سيارة ونقله للمشفى للأطمئنان عليه\"
\"مر الوقت وعزيز جالس خارج الغرفة حتى جائت إحدى الممرضات وأعطته أغراض الغريب وملابسه وقالت
الممرضه: هذه أغراضه بدلنا ملابس صديقك تفضل وهو أفاق الأن
عزيز: شكرا لك
دخل عزيز للأطمئنان على الغريب وناوله هاتفه وهو يقول
عزيز ضاحكا: يا رجل من اخبرك انَّ البحر يستقبل الزوار ليلًا
الغريب: لما أنقذتني ؟!
عزيز متجاهلًا: تفضل هاتفك مازال يعمل يبدو انه غال الثمن فعلامة التفاحة تلك باهظة الثمن من الواضح انك ثري قالها عزيز ضاحكًا.
الغريب: لما لم تتركني اموت
عزيز وقد زالت إبتسامته: قلت في نفسي لعلك تستحق فرصة أخرى ...لعلك تريد من يقول لك ان نفسك تلك ليست ملكك وانها ملك لله، يا رجل لا يأخذ الأمانات سوى مالكها وكلنا أمانات ملك لله كل مشكله ويوجد لها حل ولكن نحتاج للتوكل على الله\"
الغريب بحزن: القيت نفسك خلفي دون تفكير كيف تفعل هذا كان من الممكن ان تموت
\"عزيز: كنت سأموت فعلا لو وقفت مكتوف الأيدي دون ان اساعد، أعتقد يجب عليك ان تعيد حساباتك، من جديد يجب ان تقدر نفسك يجب ان تحبها، هي تستحق ذلك\"
«قالها عزيز ثم أنصرف مغادرًا»
*****
\"عاد عزيز للنوم في تلك الخربة التي أصبحت منزله منذ حوالي شهر بعد أن طرده صاحب المنزل من البيت بسبب تأخر الإيجار، وبعد أن ترك عمله لدي معلمه رحمة الله عليه، وبعد ان طرده اولاده لانهم سيبيعون دكان العطارة، لم ييأس عزيز رغم ذلك فقد بحث عن عمل في كل مكان ولكن امكانياته لا تسمح بتوظيفه، ملابسه البالية لا تسمح بتوظيفه\"
ها هو عاد وحيدًا من جديد مشرد بدون شهادة تعليميه، بدون أهل، بدون منزل، بدون مال، ولكن عزيز يحمل في قلبه كلمات علمها له معلمه الحاج سيد وهي ان يُقدر كل نعمة بين يديه، فرغم كل ذلك ما زال عزيز بصحته، ما زال يستطيع الوقوف على قدميه، والإبتسام في وجه الحياة العنيدة، ما زال يستطيع الركض على شاطئ البحر، ومازال يستطيع الصيد\"
\"نام عزيز ونامت معدته للمرة اللانهائية بدون طعام، نام وقد ربط على بطنه من كثرة الجوع، ونامت بجانبه أحلامه وأخلاقه وطيبة قلبه التي تحتضنه وتجعله عزيز\"
*********
\"مر أسبوعان عليه، اسبوعين ذاق فيهم عزيز ألم المرض، ارتفعت حرارته بسبب ملابسه المبتله فراح، يرتعد في مكانه يرتعد ويخترف من شدة الألم، ولا يخلوا لسانه من قول يا شافي يا رب، يا شافي يا رب\"
\"وكأنه يناجي الله أنه لا يملك حق الدواء ولا حق الطعام ولكنه يملك حق الدعاء لربه\"
\" حتى حن عليه أحد العابرين من الذين رأو حالته فوجد في قلبه رحمه، جلب له طعام ودواء ووضع بجانبه بعض المال الذي استقوى به عزيز على جلب طعامه بقيه الأسبوعين التاليين \"
\"في اليوم الذي يلي الأسبوعين إستيقظ على دوشة الشارع وصوت عرباته وصوت الكلاب النابحه وصوت صديقه الوحيد البحر، شد من ملابسه على صدره واخذ حقيبته وراح يجلس في مكانه المعتاد وهو يرمي صنارته بحثًا عن تلك السمكة الحمقاء التي ستقطم سن السنارة دون أن تلاحظ انه فارغ من اي طعم\"
\" حتى حل المساء عليه من جديد وبدأت معدته في الكركبه، هو يأبى ان يسأل احد حسنة، ويأنف ان يمد يده وهو شاب طويل القامة يسد عين الشمس هكذا حتى لو كان سيموت جوعا، هكذا حدث نفسه حتى وجد من يجلس بجانبه وهو يقول: \"
\"_بحث عنك لأسبوعين يا صديقي، اين كنت ؟!
إلتفت عزيز ليجد ذلك الغريب الذي أنقذه من الغرق ولكن تلك المرة كانت ملابسه مرتبه، يرتدي بدلة جميلة، ورائحة عطره فواحه ويقف بجانبه شخص أخر يدتدي بدلة وكأنه سائقه\"
\"عزيز مبتسما: لما كنت تبحث عني؟! هل تريد ان تغرق اليوم ايضا؛ اسمع انا لست في صحة جيدة لإنقاذك مرة اخرى!
الغريب بإبتسامة: اسمي سالم
عزيز دون ان ينظر له: اهلا بك يا سالم اسمك جميل كما انه صعب النسيان وليس كما كنت تقول
سالم: ماذا تعمل يا عزيز
عزيز: انا اقوم بالصيد ألا ترى!
سالم: لا أقصد ذلك .... اعني الا يوجد لديك عمل
عزيز: لا
سالم: ما رأيك في ان تعمل معي
عزيز دون ان ينظر له: وما هو عملك؟!
سالم: انا صاحب مجموعة شركات تستطيع القول انني رجل اعمال مبتدأ
عزيز: وماذا سأعمل معك
سالم: ستكون مساعدي وسكرتيري الخاص
عزيز: لا اظن انني سأفيدك
سالم: بل بالعكس لديك شئ لم اجده في شخص اخر حولي
عزيز: ما هو يا ترى ههههه
سالم: انت شخص صادق وشجاع
هيا انا لن اخذ موافقتك ستأتي حتى لو أضطررت لخطفك
عزيز: الأمر لا يحتاج للخطف فانت تعرض علي العمل وانا لن ارفض
سالم: ليس العمل فقط بل والمنزل ايضًا انت من اليوم مساعدي الخاص وصديقي الاعز
ابتسم عزيز وهو ينظر للسماء قائلا ..... يا رب
#عزيز
#امنه_محمد_ابوالخير. ❝ ⏤Amna Mohammad
❞«عزيز» ˝رمى صنارة الصيد وأنتظر لعدة دقائق دون فائدة ثم عدة ساعات دون فائدة، غابت الشمس في الأفق وأيضا بدون فائدة˝
˝هو لا يستطيع العودة لمنزله دون صيد فالجوع يفتك به ويداه خاويتان من اي مال ينفقه لجلب قوت يومه، لا يملك سوى تلك السنارة بيده يتأمل به خيرًا ان تقطمها اية سمكة حمقاء قبل ان تدرك أن سنها ليس به طعمًا˝
˝ إشتدت الأجواء برودة وهو ما زال جالسا في مكانه .. يبدوا أن البحر لا يتحلى بنفس كرمه المعتاد اليوم ˝
˝ كركرت بطنه معلنة عن اشتداد جوعها عندما هم للعودة للمنزل، وكأنها بإحداثها لذلك الصوت تعترض على عودته فارغ اليدين للمنزل وتلومه قائلة˝
« أنا لن أبيت اليوم ايضا بدون طعام ..تصرف»
˝عاود الجلوس مكانه مرة أخرى ورمى بسنارته منتظرًا تلك السمكة الحمقاء ان تُخدع˝
˝علا موج البحر فتاه في ذكريات طفولته ..تذكر انه لا يذكر من صاحب الآخر أولا؟ هل هو الذي صاحب الفقر أولا؟ ام أنَّ الفقر هو من عرض عليه صحبته؟!˝
˝ حاول تذكر وجوه اي فرد من عائلته فلم يستطع، هو في الحقيقة لم يكن له عائلة في يوم من الأيام
ولكنه إعتاد على رسم وجوه لهم في مخيلته من حين لآخر كنوع من المحاولة لإستشعار بعض الأمان، همّ في ملأ رأتيه بهواء البحر المنعش فآلمهُ ظهره، أبتسم وهو يحدثه ويقول˝
˝_ لا بأس يا عزيزي تحمل هذا الشتاء أيضًا، أعلم انك قد مللت نوم الرصيف ومللت برد الشتاء ولكن صدقني في اول فرصة احصل بها على أموال ساقوم بعمل صيانة شاملةلك، قالها وهو يضحك بملئ فمه˝
˝ احسَّ بمن يجلس بجانبه على رصيف البحر وهو يقول:
شخص غريب: اتعلم انني أحسدك على تلك الضحكات!!
رد عليه عزيز وهو يقول مبتسمًا وقد خالطته الدهشة تحسدني أنا؟! ولكن لماذا؟
الغريب : لانك سعيد في حياتك.
عزيز وهو يتنهد: الحمدلله وحتى لو لم اكن كذلك ما الذي يمنعني من الضحك، الضحك هو الشئ الوحيد الذي أهرب به من صوت معدتي فهو أعلى منها قل لي ما اسمك
الغريب بيأس: لا يهم ما هو اسمي فسينتهي ذكره اليوم
عزيز: لما يا صاحبي؟ صدقني مهما كان ما يضايقك لا تحزن لتلك الدرجة، وقل الحمدلله فكل شيئ له حل وطالما انك عبدلله فليس عليك القلق من أي شئ فقط قل يا رب وأبتسم قالها عزيز مبتسمًا وهو ينظر للسماء˝
˝نظر له الغريب بيأس دون ان يرد على عزيز ورحل من جانبه، راقبه عزيز من بعيد فوجده يسير على رصيف البحر ثم وقف ينظر لأمواجه المتلاطمه بحزن، رعدت السماء وبدأت في إنزال غزيرها سيولا، نظر عزيز للسماء وقال˝
˝عزيز: مشاعر البشر مثل الطقس وكذلك الدنيا لا تستقر على حال، ثم رجع ببصره إلى ذلك الشاب الغريب ليجده رمى بنفسه من فوق رصيف البحر، بداخل أمواجه مستسلمًا لأمواجه التى بدأت في سحبه للداخل˝
˝رمى عزيز ما بيده وتوجه مسرعًا ناحيته وألقى بنفسه خلفه دون تردد، كان الموج عاليًا والمطر يعبأ العين، ظل يقاوم الموج ويبحث بعينيه في ظلمة البحر عن ذلك الغريب حتى وجده وقد سحبته المياه لأسفل، فأقترب منه مسرعًا وهو يجدف بذراعيه وسحبه للأعلى وبدأ في السباحة ناحية الرصيف حتى أخرجة،˝
˝كان الغريب قد فقد وعيه فجعل عزيز يصنع له الإسعافات الأوليه ثم اوقف سيارة ونقله للمشفى للأطمئنان عليه˝
˝مر الوقت وعزيز جالس خارج الغرفة حتى جائت إحدى الممرضات وأعطته أغراض الغريب وملابسه وقالت
الممرضه: هذه أغراضه بدلنا ملابس صديقك تفضل وهو أفاق الأن
عزيز: شكرا لك
دخل عزيز للأطمئنان على الغريب وناوله هاتفه وهو يقول
عزيز ضاحكا: يا رجل من اخبرك انَّ البحر يستقبل الزوار ليلًا
الغريب: لما أنقذتني ؟!
عزيز متجاهلًا: تفضل هاتفك مازال يعمل يبدو انه غال الثمن فعلامة التفاحة تلك باهظة الثمن من الواضح انك ثري قالها عزيز ضاحكًا.
الغريب: لما لم تتركني اموت
عزيز وقد زالت إبتسامته: قلت في نفسي لعلك تستحق فرصة أخرى ..لعلك تريد من يقول لك ان نفسك تلك ليست ملكك وانها ملك لله، يا رجل لا يأخذ الأمانات سوى مالكها وكلنا أمانات ملك لله كل مشكله ويوجد لها حل ولكن نحتاج للتوكل على الله˝
الغريب بحزن: القيت نفسك خلفي دون تفكير كيف تفعل هذا كان من الممكن ان تموت
˝عزيز: كنت سأموت فعلا لو وقفت مكتوف الأيدي دون ان اساعد، أعتقد يجب عليك ان تعيد حساباتك، من جديد يجب ان تقدر نفسك يجب ان تحبها، هي تستحق ذلك˝
«قالها عزيز ثم أنصرف مغادرًا»
*****
˝عاد عزيز للنوم في تلك الخربة التي أصبحت منزله منذ حوالي شهر بعد أن طرده صاحب المنزل من البيت بسبب تأخر الإيجار، وبعد أن ترك عمله لدي معلمه رحمة الله عليه، وبعد ان طرده اولاده لانهم سيبيعون دكان العطارة، لم ييأس عزيز رغم ذلك فقد بحث عن عمل في كل مكان ولكن امكانياته لا تسمح بتوظيفه، ملابسه البالية لا تسمح بتوظيفه˝
ها هو عاد وحيدًا من جديد مشرد بدون شهادة تعليميه، بدون أهل، بدون منزل، بدون مال، ولكن عزيز يحمل في قلبه كلمات علمها له معلمه الحاج سيد وهي ان يُقدر كل نعمة بين يديه، فرغم كل ذلك ما زال عزيز بصحته، ما زال يستطيع الوقوف على قدميه، والإبتسام في وجه الحياة العنيدة، ما زال يستطيع الركض على شاطئ البحر، ومازال يستطيع الصيد˝
˝نام عزيز ونامت معدته للمرة اللانهائية بدون طعام، نام وقد ربط على بطنه من كثرة الجوع، ونامت بجانبه أحلامه وأخلاقه وطيبة قلبه التي تحتضنه وتجعله عزيز˝
*********
˝مر أسبوعان عليه، اسبوعين ذاق فيهم عزيز ألم المرض، ارتفعت حرارته بسبب ملابسه المبتله فراح، يرتعد في مكانه يرتعد ويخترف من شدة الألم، ولا يخلوا لسانه من قول يا شافي يا رب، يا شافي يا رب˝
˝وكأنه يناجي الله أنه لا يملك حق الدواء ولا حق الطعام ولكنه يملك حق الدعاء لربه˝
˝ حتى حن عليه أحد العابرين من الذين رأو حالته فوجد في قلبه رحمه، جلب له طعام ودواء ووضع بجانبه بعض المال الذي استقوى به عزيز على جلب طعامه بقيه الأسبوعين التاليين ˝
˝في اليوم الذي يلي الأسبوعين إستيقظ على دوشة الشارع وصوت عرباته وصوت الكلاب النابحه وصوت صديقه الوحيد البحر، شد من ملابسه على صدره واخذ حقيبته وراح يجلس في مكانه المعتاد وهو يرمي صنارته بحثًا عن تلك السمكة الحمقاء التي ستقطم سن السنارة دون أن تلاحظ انه فارغ من اي طعم˝
˝ حتى حل المساء عليه من جديد وبدأت معدته في الكركبه، هو يأبى ان يسأل احد حسنة، ويأنف ان يمد يده وهو شاب طويل القامة يسد عين الشمس هكذا حتى لو كان سيموت جوعا، هكذا حدث نفسه حتى وجد من يجلس بجانبه وهو يقول: ˝
˝_بحث عنك لأسبوعين يا صديقي، اين كنت ؟!
إلتفت عزيز ليجد ذلك الغريب الذي أنقذه من الغرق ولكن تلك المرة كانت ملابسه مرتبه، يرتدي بدلة جميلة، ورائحة عطره فواحه ويقف بجانبه شخص أخر يدتدي بدلة وكأنه سائقه˝
˝عزيز مبتسما: لما كنت تبحث عني؟! هل تريد ان تغرق اليوم ايضا؛ اسمع انا لست في صحة جيدة لإنقاذك مرة اخرى!
الغريب بإبتسامة: اسمي سالم
عزيز دون ان ينظر له: اهلا بك يا سالم اسمك جميل كما انه صعب النسيان وليس كما كنت تقول
سالم: ماذا تعمل يا عزيز
عزيز: انا اقوم بالصيد ألا ترى!
سالم: لا أقصد ذلك .. اعني الا يوجد لديك عمل
عزيز: لا
سالم: ما رأيك في ان تعمل معي
عزيز دون ان ينظر له: وما هو عملك؟!
سالم: انا صاحب مجموعة شركات تستطيع القول انني رجل اعمال مبتدأ
عزيز: وماذا سأعمل معك
سالم: ستكون مساعدي وسكرتيري الخاص
عزيز: لا اظن انني سأفيدك
سالم: بل بالعكس لديك شئ لم اجده في شخص اخر حولي
عزيز: ما هو يا ترى ههههه
سالم: انت شخص صادق وشجاع
هيا انا لن اخذ موافقتك ستأتي حتى لو أضطررت لخطفك
عزيز: الأمر لا يحتاج للخطف فانت تعرض علي العمل وانا لن ارفض
سالم: ليس العمل فقط بل والمنزل ايضًا انت من اليوم مساعدي الخاص وصديقي الاعز
ابتسم عزيز وهو ينظر للسماء قائلا ... يا رب
❞ إلى مجهول ...
عسى أن تكون بخير هذه المحاولة العاشرة لكتابة هذه الرسالة ربما أصبحت أشبه اضطراب الطقس ما أود إخبارك به ؛ هو أن الجو متقلب جداً في هذا الوقت من العام ويشبه اضطرابي عندما أستعد لفقدان شيء ما أليست الطبيعة أيضاً تفقد أوراق أشجارها ؟
أظن أن لها الحق هي أيضاً في اضطراب كهذا ادعُ المولى من أجلي أن يملأ قلبي بالرضا واليقين به كلما أفقد شيئاً، وأن لا يجعلني مضطربًا خائفًا
بل واثقًا بما عنده .
إلى اللقاء 2025/1/7
بقلم✍🏻إيمان عماد \"لؤلؤة\". ❝ ⏤Eman Emad
❞ إلى مجهول ..
عسى أن تكون بخير هذه المحاولة العاشرة لكتابة هذه الرسالة ربما أصبحت أشبه اضطراب الطقس ما أود إخبارك به ؛ هو أن الجو متقلب جداً في هذا الوقت من العام ويشبه اضطرابي عندما أستعد لفقدان شيء ما أليست الطبيعة أيضاً تفقد أوراق أشجارها ؟
أظن أن لها الحق هي أيضاً في اضطراب كهذا ادعُ المولى من أجلي أن يملأ قلبي بالرضا واليقين به كلما أفقد شيئاً، وأن لا يجعلني مضطربًا خائفًا
بل واثقًا بما عنده .
إلى اللقاء 2025/1/7
بقلم✍🏻إيمان عماد ˝لؤلؤة˝. ❝
❞ هي صاحبة مال و جمال و دلال.
...
في أناملها الرقيقة المرصعة من خواتم الماس و الزمرد ما يكفي لبناء جامعة.
و على كتفيها معطف أنيق من فراء الفيزون النادر يكفي للإنفاق على مستشفى.
و في جراج بابا ثلاث عربات مرسيدس أمد الله في عمره و هو لا يرد لها طلبا.. و كلما رفض لها عريسا زادها في أصابعها خاتما.
و هي بعد أن امتلكت الدنيا لا تعرف ماذا تريد بالضبط.
و هي و إن كانت لا تعرف ماذا تريد فإنها تعرف تماما ماذا ترفض.
و هي ترفض كل ما يطرق عليها الباب.
حتى الطقس ترفضه.. فهو دائما حار أكثر من اللازم أو بارد أكثر من اللازم.. أو غائم أكثر من اللازم أو صحو أكثر من اللازم أو رطب أكثر من اللازم.
كما أن الطعام دسم أكثر من اللازم أو مملح أكثر من اللازم أو مسكر أكثر من اللازم أو ساخن أكثر من اللازم أو بارد أكثر من اللازم.
و لابد أن ترى في كل شيء عيبا.. نوع من الدلع و سوء التربية.
عقدة الترف و الوفرة..
و أف من هذا.. و أف من ذاك..
بردانة.. حرانة.. متضايقة.. قلقانة.. زهقانة.. يرن تليفونها كل ثلاث دقائق.
تبكي بلا سبب.. من الضجر أحيانا !
أو من عبء حرية لا تعرف فيما تنفقها و لا كيف تنفقها.
أو من أثقال ثروة لا تعرف كيف تبددها.. أو من وطأة زمن لا معقول يجرجر وراءه العقم و اللاجدوى.. و العبث الفارغ.
رأيتها تدور كالفراشة حول غرفة نوم في معرض موبيليا.. و تحملق في الأثاث المترف بعيون نائمة .. على السرير بطاقة بالثمن 26 ألف جنيه.
و من خلال أهدابها المطلية بالماسكارا
تتأمل وسائد ريش النعام و الدولاب المكسو بالشاموا و الازرار الإلكترونية
في متناول اليد التي تطفئ و تدير و تغير قنوات التليفزيون المثبت في أقصى
السرير و تشغل الستريو و البيك آب و الكاسيت.
و سمعتها تمط شفتيها و تهمس في نبرة لا مبالية.. موش بطال.
لا شك أنها سوف تحدث صاحبها في التليفون بعد دقائق في شأن هذه الغرفة.
و لا شك بعد ذلك أنها سوف تنسى الموضوع.
ثم إنها لن تفاجأ كثيرا حينما تطرق بابها عربة الأثاث تحمل إليها غرفة النوم الأنيقة.. و لا شك أنها سوف تتمدد عليها كقطة. و لا شك أنها سوف تتثاءب في ملل بعد دقائق.. ثم ما تلبث أن تفقد الشعور بجمالها و طرافتها.
فإنها كالعادة.. كل شيء تملكه ما تلبث أن تزهده.
ثم يعود كابوس الملل و الضجر.. و الزمن الثقيل الذي يجرجر قطار اللاجدوى يضغط على أعصابها.
لا تحتقروها يا سادة.
و لكن أشفقوا عليها.
فإن الله لم يحتقر شيئا حين خلقه.
و لو أنه احتقر شأنها لما خلقها من البداية. و لكن كل ما في الأمر.. أنها امرأة مدللة لم تجد الأب الذي يؤدبها و لا الأم التي تنهرها و لا الدنيا التي تقهرها.
و لكن الله لا يُهمل أحدا..
و قد كتب على نفسه في أزله الرحمة للجميع.
و قال عن نفسه أنه الرب لا رب سواه.. و قد اقتضت رحمته أن يقسو أحيانا على بعض خلقه ليصلحهم..
فإنه لا يرضى أن تكون لنا عيون و لا نبصر و تكون لنا آذان و لا نسمع.
و قد شق اللحم ليفتح عيون الأجنة في الأرحام كما شق الرءوس ليفتح مجاري الآذان.
و قد شاء ربنا عناية منه بهذه المرأة أن يرحمها.. فصحت الجميلة ذات صباح لتكتشف أنها مسلوبة نعمة البصر.
انطبقت الظلمة على عينيها تماما فلم تعد تبصر شيئا.
و صرخت و بكت و ارتعدت رعبا.
و اجتمع على رأس فراشها طب الأمريكان و الإنجليز و الفرنسيين و الأسبان.
و تداول علماء الشرق و الغرب و انفضوا و هم يقلبون الأكف يأسا و عجزا.
و لا شفاء..
و لا حل..
و لا أمل في حل..
و في الظلمة المطبقة المطلقة.. كانت تتحسس وجه حبيبها و تبكي في حرقة و تهمس.. هل تصدق أني لم أرى وجهك.. حينما كانت لي عينان و حينما كان لي بصر لم أكن أراك.
لم أكن أرى سوى رغباتي.
لم أكن أشعر إلا بنفسي.
لم أكن أرى أحدا.
كان العالم كله مجموعة من المرايا لا أرى فيها إلا وجهي أنا.. و جمالي أنا.. و رغباتي أنا..
اليوم فقط أحاول أن أستشف ملامحك بأناملي و أحاول أن أتعرف عليك.. و أحاول أن أقترب منك.
يا حبيبي كم أتمنى أن أراك.. و أن أعاشر وجهك بعيني.
و بكت و غسلت يديه بدموعها.
صدقوها يا سادة.
فهذه أول مرة تطلب شيئا بحق و تتمنى شيئا بحق.. و تشعر على وجه اليقين أن هناك شيئا يسعدها.
صدقوها... و اسألوا لها الشفاء.
فاليوم وُلدت إنسانيتها.. بفعل من أفعال الرحمة الإلهية.. و بسر من أسرار الله الذي يخفي رحمته في عذابه.
..
من كتاب : أناشيد الإثم و البراءة
د. مصطفى محمود رحمه الله. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ هي صاحبة مال و جمال و دلال.
..
في أناملها الرقيقة المرصعة من خواتم الماس و الزمرد ما يكفي لبناء جامعة.
و على كتفيها معطف أنيق من فراء الفيزون النادر يكفي للإنفاق على مستشفى.
و في جراج بابا ثلاث عربات مرسيدس أمد الله في عمره و هو لا يرد لها طلبا. و كلما رفض لها عريسا زادها في أصابعها خاتما.
و هي بعد أن امتلكت الدنيا لا تعرف ماذا تريد بالضبط.
و هي و إن كانت لا تعرف ماذا تريد فإنها تعرف تماما ماذا ترفض.
و هي ترفض كل ما يطرق عليها الباب.
حتى الطقس ترفضه. فهو دائما حار أكثر من اللازم أو بارد أكثر من اللازم. أو غائم أكثر من اللازم أو صحو أكثر من اللازم أو رطب أكثر من اللازم.
كما أن الطعام دسم أكثر من اللازم أو مملح أكثر من اللازم أو مسكر أكثر من اللازم أو ساخن أكثر من اللازم أو بارد أكثر من اللازم.
و لابد أن ترى في كل شيء عيبا. نوع من الدلع و سوء التربية.
عقدة الترف و الوفرة.
و أف من هذا. و أف من ذاك.
بردانة. حرانة. متضايقة. قلقانة. زهقانة. يرن تليفونها كل ثلاث دقائق.
تبكي بلا سبب. من الضجر أحيانا !
أو من عبء حرية لا تعرف فيما تنفقها و لا كيف تنفقها.
أو من أثقال ثروة لا تعرف كيف تبددها. أو من وطأة زمن لا معقول يجرجر وراءه العقم و اللاجدوى. و العبث الفارغ.
رأيتها تدور كالفراشة حول غرفة نوم في معرض موبيليا. و تحملق في الأثاث المترف بعيون نائمة . على السرير بطاقة بالثمن 26 ألف جنيه.
و من خلال أهدابها المطلية بالماسكارا
تتأمل وسائد ريش النعام و الدولاب المكسو بالشاموا و الازرار الإلكترونية
في متناول اليد التي تطفئ و تدير و تغير قنوات التليفزيون المثبت في أقصى
السرير و تشغل الستريو و البيك آب و الكاسيت.
و سمعتها تمط شفتيها و تهمس في نبرة لا مبالية. موش بطال.
لا شك أنها سوف تحدث صاحبها في التليفون بعد دقائق في شأن هذه الغرفة.
و لا شك بعد ذلك أنها سوف تنسى الموضوع.
ثم إنها لن تفاجأ كثيرا حينما تطرق بابها عربة الأثاث تحمل إليها غرفة النوم الأنيقة. و لا شك أنها سوف تتمدد عليها كقطة. و لا شك أنها سوف تتثاءب في ملل بعد دقائق. ثم ما تلبث أن تفقد الشعور بجمالها و طرافتها.
فإنها كالعادة. كل شيء تملكه ما تلبث أن تزهده.
ثم يعود كابوس الملل و الضجر. و الزمن الثقيل الذي يجرجر قطار اللاجدوى يضغط على أعصابها.
لا تحتقروها يا سادة.
و لكن أشفقوا عليها.
فإن الله لم يحتقر شيئا حين خلقه.
و لو أنه احتقر شأنها لما خلقها من البداية. و لكن كل ما في الأمر. أنها امرأة مدللة لم تجد الأب الذي يؤدبها و لا الأم التي تنهرها و لا الدنيا التي تقهرها.
و لكن الله لا يُهمل أحدا.
و قد كتب على نفسه في أزله الرحمة للجميع.
و قال عن نفسه أنه الرب لا رب سواه. و قد اقتضت رحمته أن يقسو أحيانا على بعض خلقه ليصلحهم.
فإنه لا يرضى أن تكون لنا عيون و لا نبصر و تكون لنا آذان و لا نسمع.
و قد شق اللحم ليفتح عيون الأجنة في الأرحام كما شق الرءوس ليفتح مجاري الآذان.
و قد شاء ربنا عناية منه بهذه المرأة أن يرحمها. فصحت الجميلة ذات صباح لتكتشف أنها مسلوبة نعمة البصر.
انطبقت الظلمة على عينيها تماما فلم تعد تبصر شيئا.
و صرخت و بكت و ارتعدت رعبا.
و اجتمع على رأس فراشها طب الأمريكان و الإنجليز و الفرنسيين و الأسبان.
و تداول علماء الشرق و الغرب و انفضوا و هم يقلبون الأكف يأسا و عجزا.
و لا شفاء.
و لا حل.
و لا أمل في حل.
و في الظلمة المطبقة المطلقة. كانت تتحسس وجه حبيبها و تبكي في حرقة و تهمس. هل تصدق أني لم أرى وجهك. حينما كانت لي عينان و حينما كان لي بصر لم أكن أراك.
لم أكن أرى سوى رغباتي.
لم أكن أشعر إلا بنفسي.
لم أكن أرى أحدا.
كان العالم كله مجموعة من المرايا لا أرى فيها إلا وجهي أنا. و جمالي أنا. و رغباتي أنا.
اليوم فقط أحاول أن أستشف ملامحك بأناملي و أحاول أن أتعرف عليك. و أحاول أن أقترب منك.
يا حبيبي كم أتمنى أن أراك. و أن أعاشر وجهك بعيني.
و بكت و غسلت يديه بدموعها.
صدقوها يا سادة.
فهذه أول مرة تطلب شيئا بحق و تتمنى شيئا بحق. و تشعر على وجه اليقين أن هناك شيئا يسعدها.
صدقوها.. و اسألوا لها الشفاء.
فاليوم وُلدت إنسانيتها. بفعل من أفعال الرحمة الإلهية. و بسر من أسرار الله الذي يخفي رحمته في عذابه.
.
من كتاب : أناشيد الإثم و البراءة
د. مصطفى محمود رحمه الله. ❝