❞ .الابنة الرابعة
\"فاطمة\"
هناك اختلاف في تاريخ ولادتها، يذهب أهل السنة والجماعة قبل البعثة النبوية بخمس سنين وقريش تبني البيت يوم حكم والدها النبي محمد في النزاع حول الحجر الأسود في مكانه.بينما ذهب ابن عبد البر والحاكم إلى أنها ولدت وعمر النبي إحدى وأربعون عامًا أي بعد سنة من البعثة النبوية.
شَهَدَتْ فاطمة منذ طفولتها أحداثًا جسامًا كثيرةً، فقد كان النبي يعاني من اضطهاد قريش وكانت فاطمة تُعِينهُ على ذلك الاضطهاد وتسانده وتؤازره، كما كان يعاني من أذى عَمه أبي لهب وامرأته أم جميل من إلقاء القاذورات أمام بيته فكانت فاطمة تتولى أمور التنظيف والتطهير.
وكان من أشد ما قَاسَته من آلالام في بداية الدعوة ذلك الحصار الشديد الذي حُوصَرْ فيه المسلمون مع بني هاشم في شعب أبي طالب، وأقاموا على ذلك ثلاثة سنوات، فلم يكن المشركون يتركون طعامًا يدخل مكة ولا بيعاٌ إلا واشتروه، حتى أصاب التَّعب بني هاشم واضطروا إلى أكل الأوراق والجلود، وكان لا يصل إليهم شيئًا إلا مستخفيًا، ومن كان يريد أن يصل قريبًا لهُ من قريش كان يصله سرًا.
وقد أثر الحصار والجوع على صحة فاطمة، ولكنّه زادها إيمانًا ونضجًا. وما كادت فاطمة الصغيرة تخرج من محنة الحصار حتى فوجئت بوفاة أمها خديجة فامتلأت نفسها حزنًا وألمًا، ووَجَدَتْ نفسها أمام مسؤوليات ضخمة نحو أبيها مُحَمَّد بنِ عَبد الله، وهو يمرّ بظروف قاسية خاصة بعد وفاة زوجته وعمّه أبي طالب. فما كان منها إلا أن ضاعفت الجهد وتحملت الأحداث بصبر، ووقفت إلى جانب أبيها الرسول مُحَمَّد بنِ عبد الله لتقدم له العوض عن أمها وزوجته ولذلك كانت تُكنّى بـ أم أبيها.
#هجرتها
هَاجَرَتْ الزهراء إلى المدينة المنورة وهيَ في الثامنة عشرة من عمرها وكَانَتْ مَعَها أخْتَها أم كلثوم وأُم المؤمنين سودة بنت زمعة بصحبة زيد بن حارثة وهاجر معهم: أُم المؤمنين عائشة وأمها أم رومان بصحْبَة عبد الله بن أبي بكر، وكان ذلك في السنة الأولى من الهجرة.
زواج فاطمة
في شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة زوج النبي ابنته فاطمة لعلي بن أبي طالب، ولم يتزوج بأخرى في حياتها، وقال ابن عبد البر: دخل بها بعد معركة أحد. وقد رُوي أن تزويج فاطمة من علي كان بأمر من الله، حيث توالى الصحابة على محمد لخطبتها إلا أنه ردهم جميعا حتى أتى الأمر بتزويج فاطمة من علي، فأصدقها علي درعه الحطمية ويقال أنه باع بعيرا له وأصدقها ثمنه الذي بلغ 480 درهما على أغلب الأقوال. وأنجب منها الحسن والحسين في السنتين الثالثة والرابعة من الهجرة على التوالي، كما أنجب زينب وأم كلثوم والمحسن، والأخير حوله خلاف تاريخي حيث يروى أنه قتل وهو جنين يوم حرق الدار، وفي روايات أخرى أنه ولد ومات في حياة النبي، في حين ينكر بعض السنة وجوده من الأساس. في أكثر من مناسبة صرح محمد أن علي وفاطمة والحسن والحسين هم أهل بيته مثلما في حديث المباهلة وحديث الكساء،ويروى أنه كان يمر بدار علي لإيقاظهم لآداء صلاة الفجر ويتلو آية التطهير. وقد روى الليث بن سعد: «تزوج علي فاطمة فولت له حسنًا، وحسينًا، ومحسنًا، وزينب، وأم كلثوم، ورقية، فماتت صغيرة ولم تبلغ»وينقل أبو إسحاق الإسفراييني ويضيف أن علي وفاطمة أنجبا سكينة.
#ألقاب فاطمة
تعددت أسماء فاطمة الزهراء وألقابها. أما تسمية «فاطمة» فقد قال عنها الخطيب البغدادي وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: «أن الله سمّاها فاطمة لأنه فطمها ومحبيها عن النار»، وفي سنن الأقوال والأفعال روى الديلمي عن أبي هريرة: «إنما سميت فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها عن النار». بينما قال محب الدين الطبري في ذخائر العقبى: «إن الله فطمها وولدها عن النار».
من ألقابها
#الزهراء: هناك أقوال بأنها كانت بيضاء اللون مشربة بحمرة زهرية. إذ كانت العرب تسمي الأبيض المشرب بالحمرة بالأزهر ومؤنثه الزهراء، وهناك من يقول أن النبي محمد هو من سماها بالزهراء لأنها كانت تزهر لأهل السماء كما تزهر النجوم لأهل الأرض، وذلك لزهدها وورعها واجتهادها في العبادة، وفي ذلك ينقل بعض المحدثين وأصحاب السير عنها عباداتٍ وأدعيةً وأورادًا خاصة انفردت بها، مثل: تسبيح الزهراء، ودعاء الزهراء وصلاة الزهراء وغير ذلك.
#البتول: تعددت الأقوال حول هذة التسمية، منها:قول النووي في شرح مسلم: التبتل هو الانقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعًا إلى عبادة الله وأصل التبتل القطع ومنه مريم البتول وفاطمة البتول لانقطاعهما عن نساء زمانهما دينا وفضلًا ورغبة في الآخرة.
قول ابن حجر العسقلاني في الفتح: وقيل لفاطمة البتول إما لانقطاعها عن الأزواج غير علي أو لانقطاعها عن نظرائها في الحسن والشرف.
قيل: لأنها تبتلت عن دماء النساء.
#الحوراء الإنسية: ويستشهدون برواية عن رسول الإسلام أوردها الطبراني في المعجم الكبير: (فاطمة حوراء إنسيّة، فكلّما اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة ابنتي فاطمة.جاء الحديث برواية عائشة فهو: «إنّي لما أُسري بي إلى السماء أدخلني جبريلُ الجنّة فناولني منها تفّاحة، فأكلتُها فصارت نُطفةً في صُلبي، فلمّا نزلتُ واقعتُ خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، وهي حوراء إنسيّة، كلمّا اشتقتُ إلى الجنّة قبّلتُها.»
#الصديقة: لأنها لم تكذب قط.
#المباركة: لظهور بركتها.
#الزكية: لأنها كانت أزكى أنثى عرفتها البشرية.
#المرضية: لأن الله سيرضيها.
#المحدثة: لأن الملائكة كانت تحدثها.
#الحانية: لأنها كانت تحن حنان الأم على أبيها النبي وزوجها وأولادها، والأيتام والمساكين.
#أم الأئمة.
#الطاهرة.
#المنصورة.
#الصادقة.
#الريحانة.
#البضعة: لقول رسول الله محمد: فاطمة بضعة مني.. ❝ ⏤مجموعة من المؤلفين
❞ الابنة الرابعة
˝فاطمة˝
هناك اختلاف في تاريخ ولادتها، يذهب أهل السنة والجماعة قبل البعثة النبوية بخمس سنين وقريش تبني البيت يوم حكم والدها النبي محمد في النزاع حول الحجر الأسود في مكانه.بينما ذهب ابن عبد البر والحاكم إلى أنها ولدت وعمر النبي إحدى وأربعون عامًا أي بعد سنة من البعثة النبوية.
شَهَدَتْ فاطمة منذ طفولتها أحداثًا جسامًا كثيرةً، فقد كان النبي يعاني من اضطهاد قريش وكانت فاطمة تُعِينهُ على ذلك الاضطهاد وتسانده وتؤازره، كما كان يعاني من أذى عَمه أبي لهب وامرأته أم جميل من إلقاء القاذورات أمام بيته فكانت فاطمة تتولى أمور التنظيف والتطهير.
وكان من أشد ما قَاسَته من آلالام في بداية الدعوة ذلك الحصار الشديد الذي حُوصَرْ فيه المسلمون مع بني هاشم في شعب أبي طالب، وأقاموا على ذلك ثلاثة سنوات، فلم يكن المشركون يتركون طعامًا يدخل مكة ولا بيعاٌ إلا واشتروه، حتى أصاب التَّعب بني هاشم واضطروا إلى أكل الأوراق والجلود، وكان لا يصل إليهم شيئًا إلا مستخفيًا، ومن كان يريد أن يصل قريبًا لهُ من قريش كان يصله سرًا.
وقد أثر الحصار والجوع على صحة فاطمة، ولكنّه زادها إيمانًا ونضجًا. وما كادت فاطمة الصغيرة تخرج من محنة الحصار حتى فوجئت بوفاة أمها خديجة فامتلأت نفسها حزنًا وألمًا، ووَجَدَتْ نفسها أمام مسؤوليات ضخمة نحو أبيها مُحَمَّد بنِ عَبد الله، وهو يمرّ بظروف قاسية خاصة بعد وفاة زوجته وعمّه أبي طالب. فما كان منها إلا أن ضاعفت الجهد وتحملت الأحداث بصبر، ووقفت إلى جانب أبيها الرسول مُحَمَّد بنِ عبد الله لتقدم له العوض عن أمها وزوجته ولذلك كانت تُكنّى بـ أم أبيها.
#هجرتها
هَاجَرَتْ الزهراء إلى المدينة المنورة وهيَ في الثامنة عشرة من عمرها وكَانَتْ مَعَها أخْتَها أم كلثوم وأُم المؤمنين سودة بنت زمعة بصحبة زيد بن حارثة وهاجر معهم: أُم المؤمنين عائشة وأمها أم رومان بصحْبَة عبد الله بن أبي بكر، وكان ذلك في السنة الأولى من الهجرة.
زواج فاطمة
في شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة زوج النبي ابنته فاطمة لعلي بن أبي طالب، ولم يتزوج بأخرى في حياتها، وقال ابن عبد البر: دخل بها بعد معركة أحد. وقد رُوي أن تزويج فاطمة من علي كان بأمر من الله، حيث توالى الصحابة على محمد لخطبتها إلا أنه ردهم جميعا حتى أتى الأمر بتزويج فاطمة من علي، فأصدقها علي درعه الحطمية ويقال أنه باع بعيرا له وأصدقها ثمنه الذي بلغ 480 درهما على أغلب الأقوال. وأنجب منها الحسن والحسين في السنتين الثالثة والرابعة من الهجرة على التوالي، كما أنجب زينب وأم كلثوم والمحسن، والأخير حوله خلاف تاريخي حيث يروى أنه قتل وهو جنين يوم حرق الدار، وفي روايات أخرى أنه ولد ومات في حياة النبي، في حين ينكر بعض السنة وجوده من الأساس. في أكثر من مناسبة صرح محمد أن علي وفاطمة والحسن والحسين هم أهل بيته مثلما في حديث المباهلة وحديث الكساء،ويروى أنه كان يمر بدار علي لإيقاظهم لآداء صلاة الفجر ويتلو آية التطهير. وقد روى الليث بن سعد: «تزوج علي فاطمة فولت له حسنًا، وحسينًا، ومحسنًا، وزينب، وأم كلثوم، ورقية، فماتت صغيرة ولم تبلغ»وينقل أبو إسحاق الإسفراييني ويضيف أن علي وفاطمة أنجبا سكينة.
#ألقاب فاطمة
تعددت أسماء فاطمة الزهراء وألقابها. أما تسمية «فاطمة» فقد قال عنها الخطيب البغدادي وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: «أن الله سمّاها فاطمة لأنه فطمها ومحبيها عن النار»، وفي سنن الأقوال والأفعال روى الديلمي عن أبي هريرة: «إنما سميت فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها عن النار». بينما قال محب الدين الطبري في ذخائر العقبى: «إن الله فطمها وولدها عن النار».
من ألقابها
#الزهراء: هناك أقوال بأنها كانت بيضاء اللون مشربة بحمرة زهرية. إذ كانت العرب تسمي الأبيض المشرب بالحمرة بالأزهر ومؤنثه الزهراء، وهناك من يقول أن النبي محمد هو من سماها بالزهراء لأنها كانت تزهر لأهل السماء كما تزهر النجوم لأهل الأرض، وذلك لزهدها وورعها واجتهادها في العبادة، وفي ذلك ينقل بعض المحدثين وأصحاب السير عنها عباداتٍ وأدعيةً وأورادًا خاصة انفردت بها، مثل: تسبيح الزهراء، ودعاء الزهراء وصلاة الزهراء وغير ذلك.
#البتول: تعددت الأقوال حول هذة التسمية، منها:قول النووي في شرح مسلم: التبتل هو الانقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعًا إلى عبادة الله وأصل التبتل القطع ومنه مريم البتول وفاطمة البتول لانقطاعهما عن نساء زمانهما دينا وفضلًا ورغبة في الآخرة.
قول ابن حجر العسقلاني في الفتح: وقيل لفاطمة البتول إما لانقطاعها عن الأزواج غير علي أو لانقطاعها عن نظرائها في الحسن والشرف.
قيل: لأنها تبتلت عن دماء النساء.
#الحوراء الإنسية: ويستشهدون برواية عن رسول الإسلام أوردها الطبراني في المعجم الكبير: (فاطمة حوراء إنسيّة، فكلّما اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة ابنتي فاطمة.جاء الحديث برواية عائشة فهو: «إنّي لما أُسري بي إلى السماء أدخلني جبريلُ الجنّة فناولني منها تفّاحة، فأكلتُها فصارت نُطفةً في صُلبي، فلمّا نزلتُ واقعتُ خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، وهي حوراء إنسيّة، كلمّا اشتقتُ إلى الجنّة قبّلتُها.»
#الصديقة: لأنها لم تكذب قط.
#المباركة: لظهور بركتها.
#الزكية: لأنها كانت أزكى أنثى عرفتها البشرية.
#المرضية: لأن الله سيرضيها.
#المحدثة: لأن الملائكة كانت تحدثها.
#الحانية: لأنها كانت تحن حنان الأم على أبيها النبي وزوجها وأولادها، والأيتام والمساكين.
❞ #أقسى ما يجرح النفس في لحظات الألم، أن تُجبر على مواصلة روتين الحياة وكأنّ شيئًا لم يكن، بينما يشتدّ في داخلك شوقٌ إلى الانقطاع عن كلّ شيء. أن تبتسم للعالم بوجه يخفي دموعًا لا تُرى، وتُنهي أعمالك بيد ترتجف من الصمت. تُصارع ذاتك كلّ صباح كي تنهض، بينما يرنو قلبك إلى السكوت الأبدي. كم هو مُرّ أن تحيا جسدًا حاضرًا وروحًا غائبة في دهاليز الحزن.. ❝ ⏤.♥sαℓαм
❞
#أقسى ما يجرح النفس في لحظات الألم، أن تُجبر على مواصلة روتين الحياة وكأنّ شيئًا لم يكن، بينما يشتدّ في داخلك شوقٌ إلى الانقطاع عن كلّ شيء. أن تبتسم للعالم بوجه يخفي دموعًا لا تُرى، وتُنهي أعمالك بيد ترتجف من الصمت. تُصارع ذاتك كلّ صباح كي تنهض، بينما يرنو قلبك إلى السكوت الأبدي. كم هو مُرّ أن تحيا جسدًا حاضرًا وروحًا غائبة في دهاليز الحزن
❞ #بكوريات
من أنفع النصائح وأعظمها :
---------------------------------
\" من تفرغ لشيء .. أوتي سره \" .
وشقيقتها الصغرى مقولة :
( من لوازم الإبداع = طول الانقطاع )
أي التركيز والتفرغ للهدف الذي تسعى إليه.
#دكتور خالد منصور الدريس. ❝ ⏤دكتور عمرو محمد السيد عبد الرحمن
❞
#بكوريات
من أنفع النصائح وأعظمها :
-
˝˝ من تفرغ لشيء . أوتي سره ˝ .
˝وشقيقتها الصغرى مقولة :
( من لوازم الإبداع = طول الانقطاع )
أي التركيز والتفرغ للهدف الذي تسعى إليه.
❞ وأصل المعاصي كُلها العجز ، فإن العبد يعجز عن أسباب أعمال الطاعات ، وعن الأسباب التي تبعده عن المعاصي ، وتحول بينه وبينها ، فيقع في المعاصي ، فجمع هذا الحديث الشريف في استعاذته أصول الشر وفروعه ، ومباديه وغاياته ، وموارده ومصادره ، وهو مشتمل على ثماني خصال ، كُلُّ خصلتين منها قرينتان فقال ﷺ ( أعُوذُ بِكَ مِنَ الهم والحَزَنِ ) ، وهما قرينان فإن المكروه الوارد على القلب ينقسِمُ باعتبار سببه إلى قسمين ، فإنه إما أن يكون سببه أمراً ماضياً ، فهو يُحدِث الحَزَنَ ، وإما أن يكون توقع أمر مستقبل ، فهو يُحدث الهم ، وكلاهما من العجز ، فإن ما مضى لا يُدفع بالحزن ، بل ،بالرضى والحمد والصبر والإيمان بالقدر ، وقول العبد ( قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ) ، وما يُستقبل لا يُدفع أيضاً بالهم ، بل إما أن يكون له حيلة في دفعه ، فلا يعجز عنه ، وإما أن لا تكون له حيلة في دفعه ، فلا يجزع منه ، ويلبس له لباسه ، ويأخذ له عُدته ، ويتأهب له أهبته اللائقة به ، ويَسْتَجِن بجُنَّة حصينة من التوحيد والتوكل ، والانطراح بين يدي الرب تعالى ، والاستسلام له والرضى به رباً في كل شيء ، ولا يرضى به رباً فيما يحب دون ما يكره ، فإذا كان هكذا ، لم يرض به رباً على الإطلاق ، فلايرضاه الرب له عبداً على الإطلاق ، فالهم والحَزَنُ لا يَنفَعَانِ العبد البتة ، بل مضرَّتُهما أكثر من منفعتهما ، فإنهما يُضعفان العزم ، ويُوهنان القلب ، ويحولان بين العبد وبين الاجتهاد فيما ينفعه ويقطعان عليه طريق السير ، أو يُنكسانه إلى وراء أو يعوقَانِهِ ويَقِفَانه ، أو يَحْجُبانه عن العَلَمِ الذي كلما رآه شمر إليه وجد في سيره ، فهما حمل ثقيل على ظهر السائر ، بل إن عاقه الهم والحزن عن شهواته وإراداته التي تضره في معاشه ومعاده انتفع به من هذا الوجه ، وهذا من حكمة العزيز الحكيم أن سلط هذَيْنِ الجندَيْنِ على القلوب المعرضة عنه ، الفارغة من محبته ، وخوفه يرضاه ، ورجائه والإنابة إليه والتوكل عليه والأنس به والفرار إليه والانقطاع إليه ، ليردها بما يبتليها به من الهموم والغموم والأحزان والآلام القلبية عن كثير من معاصيها وشهواتها المُرْدِية ، وهذه القلوب في سجن من الجحيم في هذه الدار ، وإن أريد بها الخير كان حظها من سجن الجحيم في معادها ، ولا تزال في هذا السجن حتى تتخلص إلى فضاء التوحيد والإقبال على الله والأنس به وجعل محبته في محل دبيب خواطر القلب ووساوسه ، بحيث يكون ذكره تعالى وحبه وخوفه ورجاؤه والفرح به والابتهاج بذكره هو المستولي على القلب الغالب عليه ، الذي متى فقده فقد قُوتَهُ الذي لا قوام له إلا به ولا بقاء له بدونه ، ولا سبيل إلى خلاص القلب من هذه الآلام التي هي أعظم أمراضه وأفسدها له إلَّا بذلك ، ولا بلاغ إلا بالله وحده ، فإنه لا يُوصل إليه إلا هو ، ولا يأتي بالحسنات إلا هو ، ولا يَصِرف السيئاتِ إِلَّا هو ، ولا يدلُّ عليه إلا هو ، وإذا أرادَ عَبْدَه لأمر هيَّأه له ، فمنه الإيجاد ومنه الإعداد ومنه الإمداد وإذا أقامه في مقام أي مقام كان ، فبحمده أقامه فيه وبحكمته أقامه فيه ، ولا يليق به غيره ولا يصلح له سواه ، ولا مانع لما أعطى الله ، ولا معطي لما يمنع فيكون بمنعه ظالماً له ، بل إنما منعه ليتوسل إليه بمحابه ليعبده ، وليتضرع إليه ويتذلل بين يديه ويتملقه ، ويُعطي فقره إليه حقه ، بحيث يشهد في كل ذرة من ذراته الباطنة والظاهرة فاقة تامة إليه على تعاقب الأنفاس ، وهذا هو الواقع في نفس الأمر ، وإن لم يشهده العبد فلم يمنع الرب عبده ما العبد محتاج إليه بخلاً منه ، ولا نقصاً من خزائنه ، ولا استثاراً عليه بما حق للعبد ، بل منعه ليرده إليه وليعزه بالتذلل له وليغنيه بالافتقار إليه وليَجْبُرَهُ بالانكسار بين يديه وليذيقه بمرارة المنع حلاوة الخضوع له ولذة الفقر إليه وليلبسه خلعة العبودية ويوليه بعزه أشرف الولايات ، وليُشهده حكمته في قدرته ورحمته في عزته ويره ولطفه في قهره ، وأن منعه عطاء ، وعزله تولية وعقوبته تأديب وامتحانه محبة وعطية وتسليط أعدائه عليه سائق يسوقه به إليه. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ وأصل المعاصي كُلها العجز ، فإن العبد يعجز عن أسباب أعمال الطاعات ، وعن الأسباب التي تبعده عن المعاصي ، وتحول بينه وبينها ، فيقع في المعاصي ، فجمع هذا الحديث الشريف في استعاذته أصول الشر وفروعه ، ومباديه وغاياته ، وموارده ومصادره ، وهو مشتمل على ثماني خصال ، كُلُّ خصلتين منها قرينتان فقال ﷺ ( أعُوذُ بِكَ مِنَ الهم والحَزَنِ ) ، وهما قرينان فإن المكروه الوارد على القلب ينقسِمُ باعتبار سببه إلى قسمين ، فإنه إما أن يكون سببه أمراً ماضياً ، فهو يُحدِث الحَزَنَ ، وإما أن يكون توقع أمر مستقبل ، فهو يُحدث الهم ، وكلاهما من العجز ، فإن ما مضى لا يُدفع بالحزن ، بل ،بالرضى والحمد والصبر والإيمان بالقدر ، وقول العبد ( قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ) ، وما يُستقبل لا يُدفع أيضاً بالهم ، بل إما أن يكون له حيلة في دفعه ، فلا يعجز عنه ، وإما أن لا تكون له حيلة في دفعه ، فلا يجزع منه ، ويلبس له لباسه ، ويأخذ له عُدته ، ويتأهب له أهبته اللائقة به ، ويَسْتَجِن بجُنَّة حصينة من التوحيد والتوكل ، والانطراح بين يدي الرب تعالى ، والاستسلام له والرضى به رباً في كل شيء ، ولا يرضى به رباً فيما يحب دون ما يكره ، فإذا كان هكذا ، لم يرض به رباً على الإطلاق ، فلايرضاه الرب له عبداً على الإطلاق ، فالهم والحَزَنُ لا يَنفَعَانِ العبد البتة ، بل مضرَّتُهما أكثر من منفعتهما ، فإنهما يُضعفان العزم ، ويُوهنان القلب ، ويحولان بين العبد وبين الاجتهاد فيما ينفعه ويقطعان عليه طريق السير ، أو يُنكسانه إلى وراء أو يعوقَانِهِ ويَقِفَانه ، أو يَحْجُبانه عن العَلَمِ الذي كلما رآه شمر إليه وجد في سيره ، فهما حمل ثقيل على ظهر السائر ، بل إن عاقه الهم والحزن عن شهواته وإراداته التي تضره في معاشه ومعاده انتفع به من هذا الوجه ، وهذا من حكمة العزيز الحكيم أن سلط هذَيْنِ الجندَيْنِ على القلوب المعرضة عنه ، الفارغة من محبته ، وخوفه يرضاه ، ورجائه والإنابة إليه والتوكل عليه والأنس به والفرار إليه والانقطاع إليه ، ليردها بما يبتليها به من الهموم والغموم والأحزان والآلام القلبية عن كثير من معاصيها وشهواتها المُرْدِية ، وهذه القلوب في سجن من الجحيم في هذه الدار ، وإن أريد بها الخير كان حظها من سجن الجحيم في معادها ، ولا تزال في هذا السجن حتى تتخلص إلى فضاء التوحيد والإقبال على الله والأنس به وجعل محبته في محل دبيب خواطر القلب ووساوسه ، بحيث يكون ذكره تعالى وحبه وخوفه ورجاؤه والفرح به والابتهاج بذكره هو المستولي على القلب الغالب عليه ، الذي متى فقده فقد قُوتَهُ الذي لا قوام له إلا به ولا بقاء له بدونه ، ولا سبيل إلى خلاص القلب من هذه الآلام التي هي أعظم أمراضه وأفسدها له إلَّا بذلك ، ولا بلاغ إلا بالله وحده ، فإنه لا يُوصل إليه إلا هو ، ولا يأتي بالحسنات إلا هو ، ولا يَصِرف السيئاتِ إِلَّا هو ، ولا يدلُّ عليه إلا هو ، وإذا أرادَ عَبْدَه لأمر هيَّأه له ، فمنه الإيجاد ومنه الإعداد ومنه الإمداد وإذا أقامه في مقام أي مقام كان ، فبحمده أقامه فيه وبحكمته أقامه فيه ، ولا يليق به غيره ولا يصلح له سواه ، ولا مانع لما أعطى الله ، ولا معطي لما يمنع فيكون بمنعه ظالماً له ، بل إنما منعه ليتوسل إليه بمحابه ليعبده ، وليتضرع إليه ويتذلل بين يديه ويتملقه ، ويُعطي فقره إليه حقه ، بحيث يشهد في كل ذرة من ذراته الباطنة والظاهرة فاقة تامة إليه على تعاقب الأنفاس ، وهذا هو الواقع في نفس الأمر ، وإن لم يشهده العبد فلم يمنع الرب عبده ما العبد محتاج إليه بخلاً منه ، ولا نقصاً من خزائنه ، ولا استثاراً عليه بما حق للعبد ، بل منعه ليرده إليه وليعزه بالتذلل له وليغنيه بالافتقار إليه وليَجْبُرَهُ بالانكسار بين يديه وليذيقه بمرارة المنع حلاوة الخضوع له ولذة الفقر إليه وليلبسه خلعة العبودية ويوليه بعزه أشرف الولايات ، وليُشهده حكمته في قدرته ورحمته في عزته ويره ولطفه في قهره ، وأن منعه عطاء ، وعزله تولية وعقوبته تأديب وامتحانه محبة وعطية وتسليط أعدائه عليه سائق يسوقه به إليه. ❝