❞ اسكريبت
التقينا صدفة
في المساء، عندما يغلف الهدوء شاطئ البحر، تجلس فتاة شابة على الرمال الناعمة، تحتضن بين يديها كوبًا من القهوة الساخنة، تنساب إلى أذنيها كلمات أغنية \"أهل الحب صحيح مساكين\" لأم كلثوم، بينما يتلألأ القمر في سماء صافية كأنها لوحة زيتية، النسيم البارد يمر بلطف على وجهها، وتحتضن بيدها الأخرى رواية، تقرأ صفحاتها بانغماس، لحظات تمر، وهي تبتسم بهدوء، مستمتعة بكل تفاصيل هذا المساء المثالي، غير مدركة لما يجري على بعد أميال قليلة.
وعلى بُعد عدة أميال، في زقاق ضيق بعيدًا عن الأنظار، شاب يحاول التصدي لمجموعة من الشباب الذين يحاولون سرقته، رغم شجاعته لم يتمكن من مقاومة عددهم فسقط على الأرض فاقدًا الوعي، بعد قليل، يهرول هؤلاء الشباب هاربين في ظلام الليل، تلاحظ الفتاة المشهد من بعيد، فتشجع نفسها وتقرر الاقتراب لمعرفة ما يحدث.
بخطوات مترددة لكنها مصممة، تصل إلى المكان لتجد الشاب ملقى على الأرض دون حراك، بفضل معرفتها بالتمريض، تفحص نبضه وتطمئن إلى أنه ما زال حيًا، تقرر مساعدته وتسنده بصعوبة، حتى تلتقي برجل مار، فيساعدها على إيصاله إلى منزلها.
في صباح اليوم التالي، يبدأ الشاب في استعادة وعيه تدريجيًا، في اللحظة التي تدخل فيها الفتاة إلى الغرفة للاطمئنان عليه، يفتح عينيه بصعوبة، ويرى وجهها الطيب يبتسم له، بعد التحية، يسألها إن كانت تشعر بالإرهاق بسبب ما حدث، ويشكرها على العناية به ومساعدته.
فتجيبه مبتسمة: \"لا شكر على واجب يا...\".
فيرد بابتسامة: \"أسامة\".
تمضي الأيام، ويغادر أسامة منزل شروق شاكرًا لها على حسن استضافتها، ومع مرور الوقت، تبدأ شروق في التفكير به أكثر وأكثر، متسائلة عما إذا كانت الصدفة ستجمعهما مجددًا، من ناحيته، لا يستطيع أسامة إخراج شروق من ذهنه، ويتساءل هو الآخر عما إذا كانت الأقدار ستلعب دورها مرة أخرى.
في اليوم التالي، تذهب شروق إلى المشفى حيث تعمل ممرضة، وبينما تمر بغرفة المرضى، تُفاجأ برؤية أسامة يلقي عليها التحية، ويخبرها أنه بدأ العمل في المستشفى كطبيب جديد، فتبتسم شروق وهي تعطي الدواء لمريضها، وتشعر بسعادة غامرة لأن الصدفة جمعتهما مجددًا، وهذه المرة في نفس مكان العمل.
تتوطد العلاقة بين شروق وأسامة مع مرور الأيام، ويصبحان صديقين مقربين.
لكن في أحد الأيام، ترى شروق أسامة يتحدث ويضحك مع فتاة أخرى بارتياح، وتلاحظ غيرة تشتعل في قلبها، تغادر المكان دون أن يلاحظها أسامة، وتظل تفكر في ألف سيناريو.
يمر اليوم، ويلاحظ أسامة أن شروق بدأت تتجاهله، يشعر بالحيرة والغضب لعدم معرفته السبب، يحاول التحدث إليها لكنها تستمر في تجاهله، مما يزيد من توتره، يعود إلى منزله في تلك الليلة وهو غارق في التفكير، محاولًا فهم ما يحدث.
في اليوم التالي، يصر أسامة على التحدث مع شروق بعد انتهاء العمل، يتبعها بسرعة عندما يراها تخرج من باب المشفى، ويمسك بيدها بحزم.
تصرخ شروق بانفعال: \"ما بك يا أسامة؟ ما الذي تفعله؟\"
يرد عليها بغضب: \"أنا من يجب أن يسأل! ما بكِ؟ لماذا تتصرفين معي هكذا؟\"
تفاجأ شروق من رد فعل أسامة، وترد بانفعال: \"من هي تلك الفتاة التي كانت معك؟ تبدو وكأنها تعرفك منذ زمن طويل!\"
يتفاجأ أسامة ويرد بصوت هادئ: \"تقصدين سلمى؟ إنها صديقة قديمة، ليس هناك ما يدعو للقلق.
\" ترد شروق بغضب مكبوت: \"صديقة؟ ولماذا تحدثها بهذه الألفة؟\"
يبتسم أسامة بتفهم، ويقول بخبث خفيف: \"هل أنتِ تغارين عليّ؟
\" ترد شروق بسرعة وتنفي ذلك، ثم تتركه وتذهب بعيدًا. يبتسم أسامة لنفسه بينما يتابعها بعينيه.
في اليوم التالي، ترى شروق أسامة يتناول الإفطار مع سلمى في المستشفى، وتزداد غيرتها، تحاول التركيز على عملها دون أن تبدي أي اهتمام بأسامة، لكنه يلاحظ ذلك ويقترب منها قائلاً: \"صباح الخير يا شروق، لماذا لم تلقِ التحية عليّ ككل يوم؟
\" ترد شروق ببرود: \"صباح الخير، لدي عمل يجب أن أبدأ به\"، ثم تتركه وتذهب، ليبتسم أسامة على تصرفها.
في المساء، يتصل أسامة بشروق ويطلب منها أن تنزل إلى أسفل العمارة.
تنزل شروق لتجد الشارع مزينًا بالزهور والأنوار، وسط نظرات الناس من شرفات منازله،. يجلس أسامة على ركبتيه أمامها ويقول بصوت مليء بالمشاعر: \"بحبك يا شروق، تقبلي تتجوزيني؟
\" تهز شروق رأسها بالموافقة، وتعلو أصوات التصفيق من حولهما.
بعد أيام قليلة، يجلس أسامة في مكتبه بالمستشفى يتابع ملفات مرضاه. فجأة، تقتحم سلمى الغرفة دون استئذان، وبوجه غاضب تقول: \"كيف تخطب ولا تخبرني؟ أحبك يا أسامة! ما الذي تراه فيها وليس فيّ؟
\" يرد أسامة بهدوء: \"سلمى، شروق هي من أحببتها. أنتِ صديقة عزيزة، ولا أريد أن نخسر بعضنا.\"
لكن سلمى تصرخ: \"لا! أنت لي أنا فقط!\" تقترب منه وتحاول تقبيله، لكن في تلك اللحظة تدخل شروق الغرفة وترى المشهد، تصدم شروق وتغادر الغرفة مسرعة، يحاول أسامة اللحاق بها، لكنه يفشل.
يركض أسامة خلف شروق، لكنه يلاحظ تجمعًا أمام المشفى، يقترب ليرى ما يحدث، ليجد شروق ملقاة على الأرض غارقة في دمائها يصاب بالذعر ويهرع نحوها، يمسك بيدها ويبكي بحرقة: \"انهضي يا شروق، والله بحبك. لا تتركيني وحيدًا، لن أستطيع الاستمرار بدونك .\"
يصل فريق من الممرضين بسرعة، وينقلون شروق إلى غرفة العمليات، يجلس أسامة أمام الغرفة، يبكي ويدعو الله أن تنجو، يجلس بجانبه رجل عجوز، يقول له بلطف: \"تعال نصلي ركعتين وندعو لها.
\" يذهب أسامة معه إلى مسجد المستشفى، ويصلي بحرارة، يبكي ويطلب من الله أن ينقذ شروق.
بعد ساعات من الانتظار، يخرج الطبيب من غرفة العمليات وعلى وجهه علامات الحزن، يقول لأسامة: \"للأسف، المريضة دخلت في غيبوبة.
\" ينهار أسامة من الصدمة، لكن الطبيب يطمئنه: \"هي في حالة مستقرة، لكن الأمر بيدها، ربما تحتاج بعض الوقت.\"
يمر شهر كامل، وشروق ما زالت في غيبوبتها، وأسامة يزورها كل يوم، حالته النفسية تتدهور، لدرجة أن مظهره بات مهملاً، ووجهه يظهر عليه الإرهاق. ينصحه الطبيب بأن يعود إلى منزله ليعتني بنفسه قليلاً. يستجيب أسامة ويذهب ليصلح من مظهره.
في اليوم التالي
يعود أسامة إلى المستشفى، يجلس بجانب شروق كعادته، يمسك بيدها ويقول لها: \"بحبك يا شروق، قومي عشان خاطري.\" فجأة، يشعر بيدها تتحرك ودموع تنهمر من عينيها، فينادي الطبيب على الفور، الذي يفحصها ويطمئنه: \"كل شيء على ما يرام، هي بحاجة إلى الراحة وستخرج قريبًا.\"
بعد أيام قليلة، تخرج شروق من المستشفى، وتبدأ هي وأسامة في التحضير لحفل زفافهما. يتم الزواج في جو من الفرح والسعادة، ويعيشان معًا بهدوء، ويرزقان بطفلة يسميانها \"عشق\".
**النهاية**
لـِ ندى العطفي
بيلا. ❝ ⏤Nada Elatfe
❞ اسكريبت
التقينا صدفة
في المساء، عندما يغلف الهدوء شاطئ البحر، تجلس فتاة شابة على الرمال الناعمة، تحتضن بين يديها كوبًا من القهوة الساخنة، تنساب إلى أذنيها كلمات أغنية ˝أهل الحب صحيح مساكين˝ لأم كلثوم، بينما يتلألأ القمر في سماء صافية كأنها لوحة زيتية، النسيم البارد يمر بلطف على وجهها، وتحتضن بيدها الأخرى رواية، تقرأ صفحاتها بانغماس، لحظات تمر، وهي تبتسم بهدوء، مستمتعة بكل تفاصيل هذا المساء المثالي، غير مدركة لما يجري على بعد أميال قليلة.
وعلى بُعد عدة أميال، في زقاق ضيق بعيدًا عن الأنظار، شاب يحاول التصدي لمجموعة من الشباب الذين يحاولون سرقته، رغم شجاعته لم يتمكن من مقاومة عددهم فسقط على الأرض فاقدًا الوعي، بعد قليل، يهرول هؤلاء الشباب هاربين في ظلام الليل، تلاحظ الفتاة المشهد من بعيد، فتشجع نفسها وتقرر الاقتراب لمعرفة ما يحدث.
بخطوات مترددة لكنها مصممة، تصل إلى المكان لتجد الشاب ملقى على الأرض دون حراك، بفضل معرفتها بالتمريض، تفحص نبضه وتطمئن إلى أنه ما زال حيًا، تقرر مساعدته وتسنده بصعوبة، حتى تلتقي برجل مار، فيساعدها على إيصاله إلى منزلها.
في صباح اليوم التالي، يبدأ الشاب في استعادة وعيه تدريجيًا، في اللحظة التي تدخل فيها الفتاة إلى الغرفة للاطمئنان عليه، يفتح عينيه بصعوبة، ويرى وجهها الطيب يبتسم له، بعد التحية، يسألها إن كانت تشعر بالإرهاق بسبب ما حدث، ويشكرها على العناية به ومساعدته.
فتجيبه مبتسمة: ˝لا شكر على واجب يا..˝.
فيرد بابتسامة: ˝أسامة˝.
تمضي الأيام، ويغادر أسامة منزل شروق شاكرًا لها على حسن استضافتها، ومع مرور الوقت، تبدأ شروق في التفكير به أكثر وأكثر، متسائلة عما إذا كانت الصدفة ستجمعهما مجددًا، من ناحيته، لا يستطيع أسامة إخراج شروق من ذهنه، ويتساءل هو الآخر عما إذا كانت الأقدار ستلعب دورها مرة أخرى.
في اليوم التالي، تذهب شروق إلى المشفى حيث تعمل ممرضة، وبينما تمر بغرفة المرضى، تُفاجأ برؤية أسامة يلقي عليها التحية، ويخبرها أنه بدأ العمل في المستشفى كطبيب جديد، فتبتسم شروق وهي تعطي الدواء لمريضها، وتشعر بسعادة غامرة لأن الصدفة جمعتهما مجددًا، وهذه المرة في نفس مكان العمل.
تتوطد العلاقة بين شروق وأسامة مع مرور الأيام، ويصبحان صديقين مقربين.
لكن في أحد الأيام، ترى شروق أسامة يتحدث ويضحك مع فتاة أخرى بارتياح، وتلاحظ غيرة تشتعل في قلبها، تغادر المكان دون أن يلاحظها أسامة، وتظل تفكر في ألف سيناريو.
يمر اليوم، ويلاحظ أسامة أن شروق بدأت تتجاهله، يشعر بالحيرة والغضب لعدم معرفته السبب، يحاول التحدث إليها لكنها تستمر في تجاهله، مما يزيد من توتره، يعود إلى منزله في تلك الليلة وهو غارق في التفكير، محاولًا فهم ما يحدث.
في اليوم التالي، يصر أسامة على التحدث مع شروق بعد انتهاء العمل، يتبعها بسرعة عندما يراها تخرج من باب المشفى، ويمسك بيدها بحزم.
تصرخ شروق بانفعال: ˝ما بك يا أسامة؟ ما الذي تفعله؟˝
يرد عليها بغضب: ˝أنا من يجب أن يسأل! ما بكِ؟ لماذا تتصرفين معي هكذا؟˝
تفاجأ شروق من رد فعل أسامة، وترد بانفعال: ˝من هي تلك الفتاة التي كانت معك؟ تبدو وكأنها تعرفك منذ زمن طويل!˝
يتفاجأ أسامة ويرد بصوت هادئ: ˝تقصدين سلمى؟ إنها صديقة قديمة، ليس هناك ما يدعو للقلق.
˝ ترد شروق بغضب مكبوت: ˝صديقة؟ ولماذا تحدثها بهذه الألفة؟˝
يبتسم أسامة بتفهم، ويقول بخبث خفيف: ˝هل أنتِ تغارين عليّ؟
˝ ترد شروق بسرعة وتنفي ذلك، ثم تتركه وتذهب بعيدًا. يبتسم أسامة لنفسه بينما يتابعها بعينيه.
في اليوم التالي، ترى شروق أسامة يتناول الإفطار مع سلمى في المستشفى، وتزداد غيرتها، تحاول التركيز على عملها دون أن تبدي أي اهتمام بأسامة، لكنه يلاحظ ذلك ويقترب منها قائلاً: ˝صباح الخير يا شروق، لماذا لم تلقِ التحية عليّ ككل يوم؟
˝ ترد شروق ببرود: ˝صباح الخير، لدي عمل يجب أن أبدأ به˝، ثم تتركه وتذهب، ليبتسم أسامة على تصرفها.
في المساء، يتصل أسامة بشروق ويطلب منها أن تنزل إلى أسفل العمارة.
تنزل شروق لتجد الشارع مزينًا بالزهور والأنوار، وسط نظرات الناس من شرفات منازله،. يجلس أسامة على ركبتيه أمامها ويقول بصوت مليء بالمشاعر: ˝بحبك يا شروق، تقبلي تتجوزيني؟
˝ تهز شروق رأسها بالموافقة، وتعلو أصوات التصفيق من حولهما.
بعد أيام قليلة، يجلس أسامة في مكتبه بالمستشفى يتابع ملفات مرضاه. فجأة، تقتحم سلمى الغرفة دون استئذان، وبوجه غاضب تقول: ˝كيف تخطب ولا تخبرني؟ أحبك يا أسامة! ما الذي تراه فيها وليس فيّ؟
˝ يرد أسامة بهدوء: ˝سلمى، شروق هي من أحببتها. أنتِ صديقة عزيزة، ولا أريد أن نخسر بعضنا.˝
لكن سلمى تصرخ: ˝لا! أنت لي أنا فقط!˝ تقترب منه وتحاول تقبيله، لكن في تلك اللحظة تدخل شروق الغرفة وترى المشهد، تصدم شروق وتغادر الغرفة مسرعة، يحاول أسامة اللحاق بها، لكنه يفشل.
يركض أسامة خلف شروق، لكنه يلاحظ تجمعًا أمام المشفى، يقترب ليرى ما يحدث، ليجد شروق ملقاة على الأرض غارقة في دمائها يصاب بالذعر ويهرع نحوها، يمسك بيدها ويبكي بحرقة: ˝انهضي يا شروق، والله بحبك. لا تتركيني وحيدًا، لن أستطيع الاستمرار بدونك .˝
يصل فريق من الممرضين بسرعة، وينقلون شروق إلى غرفة العمليات، يجلس أسامة أمام الغرفة، يبكي ويدعو الله أن تنجو، يجلس بجانبه رجل عجوز، يقول له بلطف: ˝تعال نصلي ركعتين وندعو لها.
˝ يذهب أسامة معه إلى مسجد المستشفى، ويصلي بحرارة، يبكي ويطلب من الله أن ينقذ شروق.
بعد ساعات من الانتظار، يخرج الطبيب من غرفة العمليات وعلى وجهه علامات الحزن، يقول لأسامة: ˝للأسف، المريضة دخلت في غيبوبة.
˝ ينهار أسامة من الصدمة، لكن الطبيب يطمئنه: ˝هي في حالة مستقرة، لكن الأمر بيدها، ربما تحتاج بعض الوقت.˝
يمر شهر كامل، وشروق ما زالت في غيبوبتها، وأسامة يزورها كل يوم، حالته النفسية تتدهور، لدرجة أن مظهره بات مهملاً، ووجهه يظهر عليه الإرهاق. ينصحه الطبيب بأن يعود إلى منزله ليعتني بنفسه قليلاً. يستجيب أسامة ويذهب ليصلح من مظهره.
في اليوم التالي
يعود أسامة إلى المستشفى، يجلس بجانب شروق كعادته، يمسك بيدها ويقول لها: ˝بحبك يا شروق، قومي عشان خاطري.˝ فجأة، يشعر بيدها تتحرك ودموع تنهمر من عينيها، فينادي الطبيب على الفور، الذي يفحصها ويطمئنه: ˝كل شيء على ما يرام، هي بحاجة إلى الراحة وستخرج قريبًا.˝
بعد أيام قليلة، تخرج شروق من المستشفى، وتبدأ هي وأسامة في التحضير لحفل زفافهما. يتم الزواج في جو من الفرح والسعادة، ويعيشان معًا بهدوء، ويرزقان بطفلة يسميانها ˝عشق˝.
❞ اليوم ذكرى ميلاد الراحل د. مصطفى محمود رحمه الله..
إلهــي .. إنـك تـرى نفســي و لا يراهـــا ســواك
تراها كالبيت الكبير الذي تصدعت منه الجدران و تهاوت السقوف و انكفأت الموائد . بيتاً مهجوراً يتعاوى فيه الذئاب و يلهو فيه القردة و تغرد العصافير . ساعةً تتلألأ فيه الأنوار و تموج فيه أشعة القمر
. و ساعةً أخرى مظلماً مطموساً محطم المصابيح تسرح فيه العناكب . مرةً تحنو عليه يد الربيع فتتفتح الزهور على نوافذه و تصدح البلابل و تغزل الديدان الحرير و تفرز النحلات الطنانة العسل
و مرةً أخرى يأتي عليه الزلزال فلا يكاد يخلف جداراً قائماً لولا ذلك الحبل الممدود الذي ينزل بالنجدة من سماوات رحمتك
حبل لا إله إلا أنت سبحانك
.. أنت الفاعل سبحانك و أنت مجري الأقدار و الأحكام .. و أنت الذي امتحنت و قويت و أضعفت و سترت و كشفت .. و ما أنا إلا السلب و العدم .. و كل توفيق لي كان منك و كل هداية لي كانت بفضلك و كل نور كان من نورك .. ما أنا إلا العين و المحل و كل ما جرى علي من استحقاقي و كل ما أظهرت فيّ كان بعدلك و رحمتك .. ما كان لي من الأمر شيء
. و هل لنا من الأمر شيء !؟ مولاي .. يقولون إن أكبر الخطايا هي خطايا العارفين .. و لكني أسألك يارب أين العارف أو الجاهل الذي استطاع أن يسلم من الفتنة دون رحمة منك .. و أنت الذي سويت نفوسنا و خلقتها و وصفتها بأنها
لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى )
و أين من له الحول و القوة بدونك .. و هذا جبريل يقول لنبيك لا حول من معصية إلا بعصمة الله و لا قوة على طاعة الله إلا بتمكين الله
و هل استعصم الذين استعصموا إلا بعصمتك و هل تاب الذين تابوا إلا بتوبتك .. و هل استغفروا إلا بمغفرتك . إلهي .. لقد تنفست أول ما تنفست بك و نطقت بك و سمعت بك و أبصرت بك و مشيت بك و اهتديت بك .. و ضللت عندما خرجت عن أمرك
سألتك يارب بعبوديتي أن ترفع عني غضبك .. فها أنا ذا و قد خلعت عن نفسي كل الدعاوي و تبرأت من كل حوْل و طوْل و لبست الذل في رحاب قدرتك . إنك لن تضيعني و أنا عبدك . لن تضيع عبداً ذل لربوبيتك و خشع لجلالك . و كيف يضيع عبد عند مولىً رحيم فكيف إذا كان هذا المولى هو أرحم الراحمين
. ربّ اجذبني إليك بحبلك الممدود لأخرج من ظلمتي إلى نورك و من عدميتي إلى وجودك و من هواني إلى عزتك .. فأنت العزيز حقاً الذي لن تضرك ذنوبي و لن تنفعك حسناتي . إن كل ذنوبنا يارب لن تنقص من ملكك . و كل حسناتنا لن تزيد من سلطانك . فأنت أنت المتعال على كل ما خلقت المستغني عن كل ما صنعت
و أنت القائل : هؤلاء في الجنة و لا أبالي و هؤلاء في النار و لا أبالي
و أنت القائل على لسان نبيك
: ( ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) فها أنا أدعوك فلا أكف عن الدعاء .. فأنا المحتاج.. أنا المشكلة .. و أنا المسألة . أنا العدم و أنت الوجود فلا تضيعني
عاوني يارب على أن اتخطى نفسي إلى نفسي .. أتخطى نفسي الأمارة الطامعة في حيازة الدنيا إلى نفسي الطامعة فيك في جوارك و رحمتك و نورك و وجهك
لقد جربت حيازة كل شيء فما ازددت إلا فقراً و كلما طاوعت رغائبي ازدادت جوعاً و إلحاحاً و تنوعاً . حينما طاوعت شهوتي إلى المال ازددت بالغنى طمعاً و حرصاً و حينما طاوعت شهوتي إلى النساء ازددت بالإشباع عطشاً و تطلعاً إلى التلوين و التغيير .. و كأنما أشرب من ماء مالح فأزداد على الشرب ظمأً على ظمأ
و ما حسبته حرية كان عبودية و خضوعاً للحيوان المختفي تحت جلدي ثم هبوطاً إلى درك الآلية المادية و إلى سجن الضرورات و ظلمة الحشوة الطينية و غلظتها . كنت أسقط و أنا أحسب أني أحلق و أرفرف
و خدعني شيطاني حينما غلف هذه الرغبات بالشعر و زوقها بالخيال الكاذب و زينها بالعطور و زفها في أبهة الكلمات و بخور العواطف ، و لكن صحوة الندم كانت توقظني المرة بعد المرة على اللاشيء و الخواء
. إلهي .. لم تعد الدنيا و لا نفسي الطامعة في الدنيا و لا العلوم التي تسخر لي هذه الدنيا و لا الكلمات التي احتال بها على هذه الدنيا .. مرادي و لا بضاعتي .
و إنما أنت وحدك مرادي و مقصودي و مطلوبي فعاوني بك عليك و خلصني بك من سواك و أخرجني بنورك من عبوديتي لغيرك فكل طلب لغيرك خسار . أنت أنت وحدك .. و ما أرتضي مشوار هذه الدنيا إلا لدلالة هذا المشوار عليك و ما يبهرني الجمال إلا لصدوره عنك و ما أقصد الخير و لا العدل و الحرية و لا الحق إلا لأنها تجليات و أحكام أسمائك الحسنى يامن تسميت بأنك الحق . و لكن تلك هجرة لا أقدر عليها بدونك و نظرة لا أقوى عليها بغير معونتك .. فعاوني و اشدد أزري .. فحسبي النية و المبادرة فذلك جهد الفقير .. فليس أفقر مني .. و هل بعد العدم فقر .. و قد جئت إلى الدنيا معدماً و أخرج منها معدماً و أجوزها معدماً .. زادي منك و قوتي منك و رؤيتي منك و نوري منك
و اليوم جاءت الهجرة الكبرى التي أعبر فيها بحار الدنيا دون أن أبتل و أخوض نارها دون أن أحترق .. فكيف السبيل إلى ذلك دون يدك مضمومة إلى يدي . و هل يدي إلا من صنع يدك ؟ .. و هل يدي إلا من يدك ؟! و هل هناك إلا يد واحدة ؟
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
سبحانك لا أرى لي يداً . سبحانك لا أرى سواك . لا إله إلا الله . لا إله إلا الله حقاً و صدقاً . و ذاتك هي واحدة الحسن . الحسن كله منها . و الحب كله لها . و يدك هي واحدة المشيئة . الفعل كله منها و القوة كلها بها و إن تعددت الأيدي في الظاهر و ظن الظانون تعدد المشيئات .. و إن تعدد المحبون و تعددت المحبوبات .. ما يركع الكل إلا على بابك و ما يلثم الكل إلا أعتابك .. مؤمنون و كفرة .. و إن ظن الكافر أنه يلثم ديناراً أو يقبل خداً فإنما هي أيادي رحمتك أو أيادي لعنتك هي ما يلثم و يقبل دون أن يدري
و إنما هي أسماء و أفعال و أوصاف . و المسمى واحد . و الفاعل واحد . و الموصوف واحد
لا إله إلا هو . لا إله إلا الله . الحمد له في الأول و الآخر
رفعت الأقلام و طويت الصحف و انتهت الكلمات
..
-- د. مصطفى محمود || أناشيد الإثم والبراءة --. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ اليوم ذكرى ميلاد الراحل د. مصطفى محمود رحمه الله.
إلهــي . إنـك تـرى نفســي و لا يراهـــا ســواك
تراها كالبيت الكبير الذي تصدعت منه الجدران و تهاوت السقوف و انكفأت الموائد . بيتاً مهجوراً يتعاوى فيه الذئاب و يلهو فيه القردة و تغرد العصافير . ساعةً تتلألأ فيه الأنوار و تموج فيه أشعة القمر
. و ساعةً أخرى مظلماً مطموساً محطم المصابيح تسرح فيه العناكب . مرةً تحنو عليه يد الربيع فتتفتح الزهور على نوافذه و تصدح البلابل و تغزل الديدان الحرير و تفرز النحلات الطنانة العسل
و مرةً أخرى يأتي عليه الزلزال فلا يكاد يخلف جداراً قائماً لولا ذلك الحبل الممدود الذي ينزل بالنجدة من سماوات رحمتك
حبل لا إله إلا أنت سبحانك
. أنت الفاعل سبحانك و أنت مجري الأقدار و الأحكام . و أنت الذي امتحنت و قويت و أضعفت و سترت و كشفت . و ما أنا إلا السلب و العدم . و كل توفيق لي كان منك و كل هداية لي كانت بفضلك و كل نور كان من نورك . ما أنا إلا العين و المحل و كل ما جرى علي من استحقاقي و كل ما أظهرت فيّ كان بعدلك و رحمتك . ما كان لي من الأمر شيء
. و هل لنا من الأمر شيء !؟ مولاي . يقولون إن أكبر الخطايا هي خطايا العارفين . و لكني أسألك يارب أين العارف أو الجاهل الذي استطاع أن يسلم من الفتنة دون رحمة منك . و أنت الذي سويت نفوسنا و خلقتها و وصفتها بأنها
لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى )
و أين من له الحول و القوة بدونك . و هذا جبريل يقول لنبيك لا حول من معصية إلا بعصمة الله و لا قوة على طاعة الله إلا بتمكين الله
و هل استعصم الذين استعصموا إلا بعصمتك و هل تاب الذين تابوا إلا بتوبتك . و هل استغفروا إلا بمغفرتك . إلهي . لقد تنفست أول ما تنفست بك و نطقت بك و سمعت بك و أبصرت بك و مشيت بك و اهتديت بك . و ضللت عندما خرجت عن أمرك
سألتك يارب بعبوديتي أن ترفع عني غضبك . فها أنا ذا و قد خلعت عن نفسي كل الدعاوي و تبرأت من كل حوْل و طوْل و لبست الذل في رحاب قدرتك . إنك لن تضيعني و أنا عبدك . لن تضيع عبداً ذل لربوبيتك و خشع لجلالك . و كيف يضيع عبد عند مولىً رحيم فكيف إذا كان هذا المولى هو أرحم الراحمين
. ربّ اجذبني إليك بحبلك الممدود لأخرج من ظلمتي إلى نورك و من عدميتي إلى وجودك و من هواني إلى عزتك . فأنت العزيز حقاً الذي لن تضرك ذنوبي و لن تنفعك حسناتي . إن كل ذنوبنا يارب لن تنقص من ملكك . و كل حسناتنا لن تزيد من سلطانك . فأنت أنت المتعال على كل ما خلقت المستغني عن كل ما صنعت
و أنت القائل : هؤلاء في الجنة و لا أبالي و هؤلاء في النار و لا أبالي
و أنت القائل على لسان نبيك
: ( ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) فها أنا أدعوك فلا أكف عن الدعاء . فأنا المحتاج. أنا المشكلة . و أنا المسألة . أنا العدم و أنت الوجود فلا تضيعني
عاوني يارب على أن اتخطى نفسي إلى نفسي . أتخطى نفسي الأمارة الطامعة في حيازة الدنيا إلى نفسي الطامعة فيك في جوارك و رحمتك و نورك و وجهك
لقد جربت حيازة كل شيء فما ازددت إلا فقراً و كلما طاوعت رغائبي ازدادت جوعاً و إلحاحاً و تنوعاً . حينما طاوعت شهوتي إلى المال ازددت بالغنى طمعاً و حرصاً و حينما طاوعت شهوتي إلى النساء ازددت بالإشباع عطشاً و تطلعاً إلى التلوين و التغيير . و كأنما أشرب من ماء مالح فأزداد على الشرب ظمأً على ظمأ
و ما حسبته حرية كان عبودية و خضوعاً للحيوان المختفي تحت جلدي ثم هبوطاً إلى درك الآلية المادية و إلى سجن الضرورات و ظلمة الحشوة الطينية و غلظتها . كنت أسقط و أنا أحسب أني أحلق و أرفرف
و خدعني شيطاني حينما غلف هذه الرغبات بالشعر و زوقها بالخيال الكاذب و زينها بالعطور و زفها في أبهة الكلمات و بخور العواطف ، و لكن صحوة الندم كانت توقظني المرة بعد المرة على اللاشيء و الخواء
. إلهي . لم تعد الدنيا و لا نفسي الطامعة في الدنيا و لا العلوم التي تسخر لي هذه الدنيا و لا الكلمات التي احتال بها على هذه الدنيا . مرادي و لا بضاعتي .
و إنما أنت وحدك مرادي و مقصودي و مطلوبي فعاوني بك عليك و خلصني بك من سواك و أخرجني بنورك من عبوديتي لغيرك فكل طلب لغيرك خسار . أنت أنت وحدك . و ما أرتضي مشوار هذه الدنيا إلا لدلالة هذا المشوار عليك و ما يبهرني الجمال إلا لصدوره عنك و ما أقصد الخير و لا العدل و الحرية و لا الحق إلا لأنها تجليات و أحكام أسمائك الحسنى يامن تسميت بأنك الحق . و لكن تلك هجرة لا أقدر عليها بدونك و نظرة لا أقوى عليها بغير معونتك . فعاوني و اشدد أزري . فحسبي النية و المبادرة فذلك جهد الفقير . فليس أفقر مني . و هل بعد العدم فقر . و قد جئت إلى الدنيا معدماً و أخرج منها معدماً و أجوزها معدماً . زادي منك و قوتي منك و رؤيتي منك و نوري منك
و اليوم جاءت الهجرة الكبرى التي أعبر فيها بحار الدنيا دون أن أبتل و أخوض نارها دون أن أحترق . فكيف السبيل إلى ذلك دون يدك مضمومة إلى يدي . و هل يدي إلا من صنع يدك ؟ . و هل يدي إلا من يدك ؟! و هل هناك إلا يد واحدة ؟
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
سبحانك لا أرى لي يداً . سبحانك لا أرى سواك . لا إله إلا الله . لا إله إلا الله حقاً و صدقاً . و ذاتك هي واحدة الحسن . الحسن كله منها . و الحب كله لها . و يدك هي واحدة المشيئة . الفعل كله منها و القوة كلها بها و إن تعددت الأيدي في الظاهر و ظن الظانون تعدد المشيئات . و إن تعدد المحبون و تعددت المحبوبات . ما يركع الكل إلا على بابك و ما يلثم الكل إلا أعتابك . مؤمنون و كفرة . و إن ظن الكافر أنه يلثم ديناراً أو يقبل خداً فإنما هي أيادي رحمتك أو أيادي لعنتك هي ما يلثم و يقبل دون أن يدري
و إنما هي أسماء و أفعال و أوصاف . و المسمى واحد . و الفاعل واحد . و الموصوف واحد
لا إله إلا هو . لا إله إلا الله . الحمد له في الأول و الآخر