❞ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)
قوله تعالى : وأما الجدار فكان لغلامين هذان الغلامان صغيران بقرينة وصفهما باليتم ، واسمهما أصرم وصريم . وقد قال - عليه الصلاة والسلام - : لا يتم بعد بلوغ هذا هو الظاهر . وقد يحتمل أن يبقى عليهما اسم اليتم بعد البلوغ إن كانا يتيمين ، على معنى الشفقة عليهما . وقد تقدم أن اليتم في الناس من قبل فقد الأب ، وفي غيرهم من الحيوان من قبل فقد الأم .
ودل قوله : في المدينة على أن القرية تسمى مدينة ; ومنه الحديث ( أمرت بقرية تأكل القرى . . . ) وفي حديث الهجرة ( لمن أنت ) فقال الرجل : من أهل المدينة ; يعني مكة .
قوله تعالى : وكان تحته كنز لهما اختلف الناس في الكنز ; فقال عكرمة وقتادة : كان مالا جسيما وهو الظاهر من اسم الكنز إذ هو في اللغة المال المجموع ; وقد مضى القول فيه . وقال ابن عباس : ( كان علما في صحف مدفونة ) وعنه أيضا قال : ( كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه بسم الله الرحمن الرحيم ، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ، عجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب ، عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح ، عجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ، عجبت لمن يؤمن بالدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن لها ، لا إله إلا الله محمد رسول الله ) وروي نحوه عن عكرمة وعمر مولى غفرة ، ورواه عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قوله تعالى : وكان أبوهما صالحا ظاهر اللفظ والسابق منه أنه والدهما دنية . وقيل : هو الأب السابع ; قاله جعفر بن محمد . وقيل : العاشر فحفظا فيه وإن لم يذكر بصلاح ; وكان يسمى كاشحا ; قاله مقاتل . اسم أمهما دنيا ; ذكره النقاش . ففيه ما يدل على أن الله - تعالى - يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده وإن بعدوا عنه وقد روي أن الله - تعالى - يحفظ الصالح في سبعة من ذريته ; وعلى هذا يدل قوله - تعالى - : إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين
قوله تعالى : وما فعلته عن أمري يقتضي أن الخضر نبي ; وقد تقدم الخلاف في ذلك .
ذلك تأويل أي تفسير .
ما لم تسطع عليه صبرا قرأت فرقة " تستطع " وقرأ الجمهور تسطع قال أبو حاتم : كذا نقرأ كما في خط المصحف . وهنا خمس مسائل :
الأولى : إن قال قائل لم يسمع لفتى موسى ذكر في أول الآية ولا في آخرها ، قيل له : اختلف في ذلك ; فقال عكرمة لابن عباس : لم يسمع لفتى موسى بذكر وقد كان معه ؟ فقال : ( شرب الفتى من الماء فخلد ، وأخذه العالم فطبق عليه سفينة ثم أرسله في البحر ، وإنها لتموج به فيه إلى يوم القيامة وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب منه ) قال القشيري : وهذا إن ثبت فليس الفتى يوشع بن نون ; فإن يوشع بن نون قد عمر بعد موسى وكان خليفته ; والأظهر أن موسى صرف فتاه لما لقي الخضر . وقال شيخنا الإمام أبو العباس : يحتمل أن يكون اكتفي بذكر المتبوع عن التابع والله أعلم .
الثانية : إن قال قائل : كيف أضاف الخضر قصة استخراج كنز الغلامين لله - تعالى - ، وقال في خرق السفينة : فأردت أن أعيبها فأضاف العيب إلى نفسه ؟ قيل له : إنما أسند الإرادة في الجدار إلى الله - تعالى - لأنها في أمر مستأنف في زمن طويل غيب من الغيوب ، فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله - تعالى - ، وإن كان الخضر قد أراد ذلك فالذي أعلمه الله - تعالى - أن يريده وقيل : لما كان ذلك خيرا كله أضافه إلى الله - تعالى - وأضاف عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب لأنها لفظة عيب فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه ، كما تأدب إبراهيم - عليه السلام - في قوله : وإذا مرضت فهو يشفين فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله - تعالى - ، وأسند إلى نفسه المرض ، إذ هو معنى نقص ومصيبة ، فلا يضاف إليه - سبحانه وتعالى - من الألفاظ إلا ما يستحسن منها دون ما يستقبح ، وهذا كما قال - تعالى - : بيدك الخير واقتصر عليه فلم ينسب الشر إليه ، وإن كان بيده الخير والشر والضر والنفع ، إذ هو على كل شيء قدير ، وهو بكل شيء خبير ، ولا اعتراض بما حكاه - عليه السلام - عن ربه - عز وجل - أنه يقول يوم القيامة : ( يا ابن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني ) فإن ذلك تنزل في الخطاب وتلطف في العتاب مقتضاه التعريف بفضل ذي الجلال وبمقادير ثواب هذه الأعمال وقد تقدم هذا المعنى والله - تعالى - أعلم . ولله - تعالى - أن يطلق على نفسه ما يشاء ، ولا نطلق نحن إلا ما أذن لنا فيه من الأوصاف الجميلة والأفعال الشريفة جل وتعالى عن النقائص والآفات علوا كبيرا . وقال في الغلام : فأردنا فكأنه أضاف القتل إلى نفسه ، والتبديل إلى الله - تعالى - والأشد كمال الخلق والعقل . وقد مضى الكلام فيه في " الأنعام " والحمد لله .
الثالثة : قال شيخنا الإمام أبو العباس : ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق تلزم منه هذه الأحكام الشرعية ، فقالوا : هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأنبياء والعامة ، وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص ، بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ، ويحكم عليهم بما يغلب عليهم من خواطرهم . وقالوا : وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار ، وخلوها عن الأعيار ، فتتجلى لهم العلوم الإلهية ، والحقائق الربانية ، فيقفون على أسرار الكائنات ، ويعلمون أحكام الجزئيات ، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات ، كما اتفق للخضر ; فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم ، عما كان عند موسى من تلك الفهوم . وقد جاء فيما ينقلون : استفت قلبك وإن أفتاك المفتون . قال شيخنا - رضي الله عنه - : وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب ; لأنه إنكار ما علم من الشرائع ; فإن الله - تعالى - قد أجرى سنته ، وأنفذ حكمته ، بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه ، وهم المبلغون عنه رسالته وكلامه ، المبينون شرائعه وأحكامه ; اختارهم لذلك ، وخصهم بما هنالك ; كما قال - تعالى - : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير وقال - تعالى - : الله أعلم حيث يجعل رسالته وقال - تعالى - : كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين إلى غير ذلك من الآيات . وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي ، واليقين الضروري ، واجتماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله - تعالى - التي هي راجعة إلى أمره ونهيه ، ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل ، فمن قال : إن هناك طريقا آخر يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل بحيث يستغنى عن الرسل فهو كافر ، يقتل ولا يستتاب ، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب ، ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا - عليه الصلاة والسلام - ; الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله ، فلا نبي بعده ولا رسول . وبيان ذلك أن من قال يأخذ عن قلبه وأن ما يقع فيه حكم الله - تعالى - وأنه يعمل بمقتضاه ، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة ، فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة ، فإن هذا نحو ما قاله - عليه الصلاة والسلام - : إن روح القدس نفث في روعي . . . الحديث .
الرابعة : ذهب الجمهور من الناس إلى أن الخضر مات - صلى الله عليه وسلم - . وقالت فرقة : حي لأنه شرب من عين الحياة ، وأنه باق في الأرض وأنه يحج البيت . قال ابن عطية : وقد أطنب النقاش في هذا المعنى ، وذكر في كتابه أشياء كثيرة عن علي بن أبي طالب وغيره ، وكلها لا تقوم على ساق . ولو كان الخضر - عليه السلام - حيا يحج لكان له في ملة الإسلام ظهور ; والله العليم بتفاصيل الأشياء لا رب غيره . ومما يقضي بموت الخضر - عليه السلام - الآن قوله - عليه الصلاة السلام - : أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد .
قلت : إلى هذا ذهب البخاري واختاره القاضي أبو بكر بن العربي ، والصحيح القول الثاني وهو أنه حي على ما نذكره . والحديث خرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال صلى بنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال : أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد قال ابن عمر : فوهل الناس في مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة ; وإنما قال - عليه الصلاة والسلام - : لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن . ورواه أيضا من حديث جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قبل أن يموت بشهر : تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة وفي أخرى قال سالم : تذاكرنا أنها هي مخلوقة يومئذ . وفي أخرى : ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ . وفسرها عبد الرحمن صاحب السقاية قال : نقص العمر . وعن أبي سعيد الخدري نحو هذا الحديث قال علماؤنا : وحاصل ما تضمنه هذا الحديث أنه - عليه الصلاة والسلام - أخبر قبل موته بشهر أن كل من كان من بني آدم موجودا في ذلك لا يزيد عمره على مائة سنة ; لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ما من نفس منفوسة وهذا اللفظ لا يتناول الملائكة ولا الجن إذ لم يصح عنهم أنهم كذلك ، ولا الحيوان غير العاقل ; لقوله : ممن هو على ظهر الأرض أحد وهذا إنما يقال بأصل وضعه على من يعقل ، فتعين أن المراد بنو آدم . وقد بين ابن عمر هذا المعنى ; فقال : يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن . ولا حجة لمن استدل به على بطلان قول من يقول : إن الخضر حي لعموم قوله : ما من نفس منفوسة لأن العموم وإن كان مؤكد الاستغراق فليس نصا فيه ، بل هو قابل للتخصيص . فكما لم يتناول عيسى - عليه السلام - ، فإنه لم يمت ولم يقتل فهو حي بنص القرآن ومعناه ، ولا يتناول الدجال مع أنه حي بدليل حديث الجساسة ، فكذلك لم يتناول الخضر - عليه السلام - وليس مشاهدا للناس ، ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حالة مخاطبة بعضهم بعضا ، فمثل هذا العموم لا يتناوله . وقد قيل : إن أصحاب الكهف أحياء ويحجون مع عيسى - عليه الصلاة والسلام - ، كما تقدم . وكذلك فتى موسى في قول ابن عباس كما ذكرنا . وقد ذكر أبو إسحاق الثعلبي في كتاب العرائس له : والصحيح أن الخضر نبي معمر محجوب عن الأبصار ; وروى محمد بن المتوكل عن ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن شوذب قال : الخضر - عليه السلام - من ولد فارس ، وإلياس من بني إسرائيل يلتقيان كل عام في الموسم . وعن عمرو بن دينار قال : إن الخضر وإلياس لا يزالان حيين في الأرض ما دام القرآن على الأرض ، فإذا رفع ماتا . وقد ذكر شيخنا الإمام أبو محمد عبد المعطي بن محمود بن عبد المعطي اللخمي في شرح الرسالة له للقشيري حكايات كثيرة عن جماعة من الصالحين والصالحات بأنهم رأوا الخضر - عليه السلام - ولقوه ، يفيد مجموعها غاية الظن بحياته مع ما ذكره النقاش والثعلبي وغيرهما . وقد جاء في صحيح مسلم : أن الدجال ينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس - أو - من خير الناس . . . الحديث ; وفي آخره قال أبو إسحاق : يعني أن هذا الرجل هو الخضر . وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب الهواتف : بسند يوقفه إلى علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - ( أنه لقي الخضر وعلمه هذا الدعاء ، وذكر أن فيه ثوابا عظيما ومغفرة ورحمة لمن قاله في أثر كل صلاة ، وهو : يا من لا يشغله سمع عن سمع ، ويا من لا تغلطه المسائل ، ويا من لا يتبرم من إلحاح الملحين ، أذقني برد عفوك ، وحلاوة مغفرتك ) وذكر أيضا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في هذا الدعاء بعينه نحوا مما ذكر عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - في سماعه من الخضر . وذكر أيضا اجتماع إلياس مع النبي - عليه الصلاة والسلام - . وإذا جاز بقاء إلياس إلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - جاز بقاء الخضر ، وقد ذكر أنهما يجتمعان عند البيت في كل حول ، وأنهما يقولان عند افتراقهما : ( ما شاء الله ما شاء الله ، لا يصرف السوء إلا الله ، ما شاء الله ما شاء الله ، ما يكون من نعمة فمن الله ، ما شاء الله ما شاء الله ، توكلت على الله ، حسبنا الله ونعم الوكيل ) وأما خبر إلياس فيأتي في " الصافات " إن شاء الله - تعالى - .
وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد : عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال : ( لما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجي بثوب هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم أهل البيت كل نفس ذائقة الموت - الآية - إن في الله خلفا من كل هالك ، وعوضا من كل تالف ، وعزاء من كل مصيبة ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب ) فكانوا يرون أنه الخضر - عليه الصلاة والسلام - . يعني أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام - . والألف واللام في قوله : على الأرض للعهد لا للجنس وهي أرض العرب ، بدليل تصرفهم فيها وإليها غالبا دون أرض يأجوج ومأجوج ، وأقاصي جزر الهند والسند مما لا يقرع السمع اسمه ، ولا يعلم علمه . ولا جواب عن الدجال .
قال السهيلي : واختلف في اسم الخضر اختلافا متباينا ; فعن ابن منبه أنه قال : أبليا بن ملكان بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح . وقيل : هو ابن عاميل بن سماقحين بن أريا بن علقما بن عيصو بن إسحاق ، وأن أباه كان ملكا ، وأن أمه كانت بنت فارس واسمها ألمى ، وأنها ولدته في مغارة ، وأنه وجد هنالك وشاة ترضعه في كل يوم من غنم رجل من القرية ، فأخذه الرجل فرباه ، فلما شب وطلب الملك - أبوه - كاتبا وجمع أهل المعرفة والنبالة ليكتب الصحف التي أنزلت على إبراهيم وشيث ، كان ممن أقدم عليه من الكتاب ابنه الخضر وهو لا يعرفه ، فلما استحسن خطه ومعرفته ، وبحث عن جلية أمره عرف أنه ابنه فضمه لنفسه وولاه أمر الناس ثم إن الخضر فر من الملك لأسباب يطول ذكرها إلى أن وجد عين الحياة فشرب منها ، فهو حي إلى أن يخرج الدجال ، وأنه الرجل الذي يقتله الدجال ويقطعه ثم يحييه الله - تعالى - . وقيل : لم يدرك زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وهذا لا يصح وقال البخاري وطائفة من أهل الحديث منهم شيخنا أبو بكر بن العربي - رحمه الله تعالى - : إنه مات قبل انقضاء المائة ، من قوله - عليه الصلاة والسلام - : إلى رأس مائة عام لا يبقى على هذه الأرض ممن هو عليها أحد يعني من كان حيا حين قال هذه المقالة
قلت : قد ذكرنا هذا الحديث والكلام عليه ، وبينا حياة الخضر إلى الآن ، والله أعلم .
الخامسة : قيل إن الخضر لما ذهب يفارق موسى قال له موسى : أوصني ; قال : كن بساما ولا تكن ضحاكا ، ودع اللجاجة ، ولا تمش في غير حاجة ، ولا تعب على الخطائين خطاياهم وابك على خطيئتك يا ابن عمران .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)
قوله تعالى : وأما الجدار فكان لغلامين هذان الغلامان صغيران بقرينة وصفهما باليتم ، واسمهما أصرم وصريم . وقد قال - عليه الصلاة والسلام - : لا يتم بعد بلوغ هذا هو الظاهر . وقد يحتمل أن يبقى عليهما اسم اليتم بعد البلوغ إن كانا يتيمين ، على معنى الشفقة عليهما . وقد تقدم أن اليتم في الناس من قبل فقد الأب ، وفي غيرهم من الحيوان من قبل فقد الأم .
ودل قوله : في المدينة على أن القرية تسمى مدينة ; ومنه الحديث ( أمرت بقرية تأكل القرى . . . ) وفي حديث الهجرة ( لمن أنت ) فقال الرجل : من أهل المدينة ; يعني مكة .
قوله تعالى : وكان تحته كنز لهما اختلف الناس في الكنز ; فقال عكرمة وقتادة : كان مالا جسيما وهو الظاهر من اسم الكنز إذ هو في اللغة المال المجموع ; وقد مضى القول فيه . وقال ابن عباس : ( كان علما في صحف مدفونة ) وعنه أيضا قال : ( كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه بسم الله الرحمن الرحيم ، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ، عجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب ، عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح ، عجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ، عجبت لمن يؤمن بالدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن لها ، لا إله إلا الله محمد رسول الله ) وروي نحوه عن عكرمة وعمر مولى غفرة ، ورواه عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قوله تعالى : وكان أبوهما صالحا ظاهر اللفظ والسابق منه أنه والدهما دنية . وقيل : هو الأب السابع ; قاله جعفر بن محمد . وقيل : العاشر فحفظا فيه وإن لم يذكر بصلاح ; وكان يسمى كاشحا ; قاله مقاتل . اسم أمهما دنيا ; ذكره النقاش . ففيه ما يدل على أن الله - تعالى - يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده وإن بعدوا عنه وقد روي أن الله - تعالى - يحفظ الصالح في سبعة من ذريته ; وعلى هذا يدل قوله - تعالى - : إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين
قوله تعالى : وما فعلته عن أمري يقتضي أن الخضر نبي ; وقد تقدم الخلاف في ذلك .
ذلك تأويل أي تفسير .
ما لم تسطع عليه صبرا قرأت فرقة " تستطع " وقرأ الجمهور تسطع قال أبو حاتم : كذا نقرأ كما في خط المصحف . وهنا خمس مسائل :
الأولى : إن قال قائل لم يسمع لفتى موسى ذكر في أول الآية ولا في آخرها ، قيل له : اختلف في ذلك ; فقال عكرمة لابن عباس : لم يسمع لفتى موسى بذكر وقد كان معه ؟ فقال : ( شرب الفتى من الماء فخلد ، وأخذه العالم فطبق عليه سفينة ثم أرسله في البحر ، وإنها لتموج به فيه إلى يوم القيامة وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب منه ) قال القشيري : وهذا إن ثبت فليس الفتى يوشع بن نون ; فإن يوشع بن نون قد عمر بعد موسى وكان خليفته ; والأظهر أن موسى صرف فتاه لما لقي الخضر . وقال شيخنا الإمام أبو العباس : يحتمل أن يكون اكتفي بذكر المتبوع عن التابع والله أعلم .
الثانية : إن قال قائل : كيف أضاف الخضر قصة استخراج كنز الغلامين لله - تعالى - ، وقال في خرق السفينة : فأردت أن أعيبها فأضاف العيب إلى نفسه ؟ قيل له : إنما أسند الإرادة في الجدار إلى الله - تعالى - لأنها في أمر مستأنف في زمن طويل غيب من الغيوب ، فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله - تعالى - ، وإن كان الخضر قد أراد ذلك فالذي أعلمه الله - تعالى - أن يريده وقيل : لما كان ذلك خيرا كله أضافه إلى الله - تعالى - وأضاف عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب لأنها لفظة عيب فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه ، كما تأدب إبراهيم - عليه السلام - في قوله : وإذا مرضت فهو يشفين فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله - تعالى - ، وأسند إلى نفسه المرض ، إذ هو معنى نقص ومصيبة ، فلا يضاف إليه - سبحانه وتعالى - من الألفاظ إلا ما يستحسن منها دون ما يستقبح ، وهذا كما قال - تعالى - : بيدك الخير واقتصر عليه فلم ينسب الشر إليه ، وإن كان بيده الخير والشر والضر والنفع ، إذ هو على كل شيء قدير ، وهو بكل شيء خبير ، ولا اعتراض بما حكاه - عليه السلام - عن ربه - عز وجل - أنه يقول يوم القيامة : ( يا ابن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني ) فإن ذلك تنزل في الخطاب وتلطف في العتاب مقتضاه التعريف بفضل ذي الجلال وبمقادير ثواب هذه الأعمال وقد تقدم هذا المعنى والله - تعالى - أعلم . ولله - تعالى - أن يطلق على نفسه ما يشاء ، ولا نطلق نحن إلا ما أذن لنا فيه من الأوصاف الجميلة والأفعال الشريفة جل وتعالى عن النقائص والآفات علوا كبيرا . وقال في الغلام : فأردنا فكأنه أضاف القتل إلى نفسه ، والتبديل إلى الله - تعالى - والأشد كمال الخلق والعقل . وقد مضى الكلام فيه في " الأنعام " والحمد لله .
الثالثة : قال شيخنا الإمام أبو العباس : ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق تلزم منه هذه الأحكام الشرعية ، فقالوا : هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأنبياء والعامة ، وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص ، بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ، ويحكم عليهم بما يغلب عليهم من خواطرهم . وقالوا : وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار ، وخلوها عن الأعيار ، فتتجلى لهم العلوم الإلهية ، والحقائق الربانية ، فيقفون على أسرار الكائنات ، ويعلمون أحكام الجزئيات ، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات ، كما اتفق للخضر ; فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم ، عما كان عند موسى من تلك الفهوم . وقد جاء فيما ينقلون : استفت قلبك وإن أفتاك المفتون . قال شيخنا - رضي الله عنه - : وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب ; لأنه إنكار ما علم من الشرائع ; فإن الله - تعالى - قد أجرى سنته ، وأنفذ حكمته ، بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه ، وهم المبلغون عنه رسالته وكلامه ، المبينون شرائعه وأحكامه ; اختارهم لذلك ، وخصهم بما هنالك ; كما قال - تعالى - : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير وقال - تعالى - : الله أعلم حيث يجعل رسالته وقال - تعالى - : كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين إلى غير ذلك من الآيات . وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي ، واليقين الضروري ، واجتماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله - تعالى - التي هي راجعة إلى أمره ونهيه ، ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل ، فمن قال : إن هناك طريقا آخر يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل بحيث يستغنى عن الرسل فهو كافر ، يقتل ولا يستتاب ، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب ، ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا - عليه الصلاة والسلام - ; الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله ، فلا نبي بعده ولا رسول . وبيان ذلك أن من قال يأخذ عن قلبه وأن ما يقع فيه حكم الله - تعالى - وأنه يعمل بمقتضاه ، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة ، فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة ، فإن هذا نحو ما قاله - عليه الصلاة والسلام - : إن روح القدس نفث في روعي . . . الحديث .
الرابعة : ذهب الجمهور من الناس إلى أن الخضر مات - صلى الله عليه وسلم - . وقالت فرقة : حي لأنه شرب من عين الحياة ، وأنه باق في الأرض وأنه يحج البيت . قال ابن عطية : وقد أطنب النقاش في هذا المعنى ، وذكر في كتابه أشياء كثيرة عن علي بن أبي طالب وغيره ، وكلها لا تقوم على ساق . ولو كان الخضر - عليه السلام - حيا يحج لكان له في ملة الإسلام ظهور ; والله العليم بتفاصيل الأشياء لا رب غيره . ومما يقضي بموت الخضر - عليه السلام - الآن قوله - عليه الصلاة السلام - : أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد .
قلت : إلى هذا ذهب البخاري واختاره القاضي أبو بكر بن العربي ، والصحيح القول الثاني وهو أنه حي على ما نذكره . والحديث خرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال صلى بنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال : أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد قال ابن عمر : فوهل الناس في مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة ; وإنما قال - عليه الصلاة والسلام - : لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن . ورواه أيضا من حديث جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قبل أن يموت بشهر : تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة وفي أخرى قال سالم : تذاكرنا أنها هي مخلوقة يومئذ . وفي أخرى : ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ . وفسرها عبد الرحمن صاحب السقاية قال : نقص العمر . وعن أبي سعيد الخدري نحو هذا الحديث قال علماؤنا : وحاصل ما تضمنه هذا الحديث أنه - عليه الصلاة والسلام - أخبر قبل موته بشهر أن كل من كان من بني آدم موجودا في ذلك لا يزيد عمره على مائة سنة ; لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ما من نفس منفوسة وهذا اللفظ لا يتناول الملائكة ولا الجن إذ لم يصح عنهم أنهم كذلك ، ولا الحيوان غير العاقل ; لقوله : ممن هو على ظهر الأرض أحد وهذا إنما يقال بأصل وضعه على من يعقل ، فتعين أن المراد بنو آدم . وقد بين ابن عمر هذا المعنى ; فقال : يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن . ولا حجة لمن استدل به على بطلان قول من يقول : إن الخضر حي لعموم قوله : ما من نفس منفوسة لأن العموم وإن كان مؤكد الاستغراق فليس نصا فيه ، بل هو قابل للتخصيص . فكما لم يتناول عيسى - عليه السلام - ، فإنه لم يمت ولم يقتل فهو حي بنص القرآن ومعناه ، ولا يتناول الدجال مع أنه حي بدليل حديث الجساسة ، فكذلك لم يتناول الخضر - عليه السلام - وليس مشاهدا للناس ، ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حالة مخاطبة بعضهم بعضا ، فمثل هذا العموم لا يتناوله . وقد قيل : إن أصحاب الكهف أحياء ويحجون مع عيسى - عليه الصلاة والسلام - ، كما تقدم . وكذلك فتى موسى في قول ابن عباس كما ذكرنا . وقد ذكر أبو إسحاق الثعلبي في كتاب العرائس له : والصحيح أن الخضر نبي معمر محجوب عن الأبصار ; وروى محمد بن المتوكل عن ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن شوذب قال : الخضر - عليه السلام - من ولد فارس ، وإلياس من بني إسرائيل يلتقيان كل عام في الموسم . وعن عمرو بن دينار قال : إن الخضر وإلياس لا يزالان حيين في الأرض ما دام القرآن على الأرض ، فإذا رفع ماتا . وقد ذكر شيخنا الإمام أبو محمد عبد المعطي بن محمود بن عبد المعطي اللخمي في شرح الرسالة له للقشيري حكايات كثيرة عن جماعة من الصالحين والصالحات بأنهم رأوا الخضر - عليه السلام - ولقوه ، يفيد مجموعها غاية الظن بحياته مع ما ذكره النقاش والثعلبي وغيرهما . وقد جاء في صحيح مسلم : أن الدجال ينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس - أو - من خير الناس . . . الحديث ; وفي آخره قال أبو إسحاق : يعني أن هذا الرجل هو الخضر . وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب الهواتف : بسند يوقفه إلى علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - ( أنه لقي الخضر وعلمه هذا الدعاء ، وذكر أن فيه ثوابا عظيما ومغفرة ورحمة لمن قاله في أثر كل صلاة ، وهو : يا من لا يشغله سمع عن سمع ، ويا من لا تغلطه المسائل ، ويا من لا يتبرم من إلحاح الملحين ، أذقني برد عفوك ، وحلاوة مغفرتك ) وذكر أيضا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في هذا الدعاء بعينه نحوا مما ذكر عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - في سماعه من الخضر . وذكر أيضا اجتماع إلياس مع النبي - عليه الصلاة والسلام - . وإذا جاز بقاء إلياس إلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - جاز بقاء الخضر ، وقد ذكر أنهما يجتمعان عند البيت في كل حول ، وأنهما يقولان عند افتراقهما : ( ما شاء الله ما شاء الله ، لا يصرف السوء إلا الله ، ما شاء الله ما شاء الله ، ما يكون من نعمة فمن الله ، ما شاء الله ما شاء الله ، توكلت على الله ، حسبنا الله ونعم الوكيل ) وأما خبر إلياس فيأتي في " الصافات " إن شاء الله - تعالى - .
وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد : عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال : ( لما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجي بثوب هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم أهل البيت كل نفس ذائقة الموت - الآية - إن في الله خلفا من كل هالك ، وعوضا من كل تالف ، وعزاء من كل مصيبة ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب ) فكانوا يرون أنه الخضر - عليه الصلاة والسلام - . يعني أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام - . والألف واللام في قوله : على الأرض للعهد لا للجنس وهي أرض العرب ، بدليل تصرفهم فيها وإليها غالبا دون أرض يأجوج ومأجوج ، وأقاصي جزر الهند والسند مما لا يقرع السمع اسمه ، ولا يعلم علمه . ولا جواب عن الدجال .
قال السهيلي : واختلف في اسم الخضر اختلافا متباينا ; فعن ابن منبه أنه قال : أبليا بن ملكان بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح . وقيل : هو ابن عاميل بن سماقحين بن أريا بن علقما بن عيصو بن إسحاق ، وأن أباه كان ملكا ، وأن أمه كانت بنت فارس واسمها ألمى ، وأنها ولدته في مغارة ، وأنه وجد هنالك وشاة ترضعه في كل يوم من غنم رجل من القرية ، فأخذه الرجل فرباه ، فلما شب وطلب الملك - أبوه - كاتبا وجمع أهل المعرفة والنبالة ليكتب الصحف التي أنزلت على إبراهيم وشيث ، كان ممن أقدم عليه من الكتاب ابنه الخضر وهو لا يعرفه ، فلما استحسن خطه ومعرفته ، وبحث عن جلية أمره عرف أنه ابنه فضمه لنفسه وولاه أمر الناس ثم إن الخضر فر من الملك لأسباب يطول ذكرها إلى أن وجد عين الحياة فشرب منها ، فهو حي إلى أن يخرج الدجال ، وأنه الرجل الذي يقتله الدجال ويقطعه ثم يحييه الله - تعالى - . وقيل : لم يدرك زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وهذا لا يصح وقال البخاري وطائفة من أهل الحديث منهم شيخنا أبو بكر بن العربي - رحمه الله تعالى - : إنه مات قبل انقضاء المائة ، من قوله - عليه الصلاة والسلام - : إلى رأس مائة عام لا يبقى على هذه الأرض ممن هو عليها أحد يعني من كان حيا حين قال هذه المقالة
قلت : قد ذكرنا هذا الحديث والكلام عليه ، وبينا حياة الخضر إلى الآن ، والله أعلم .
الخامسة : قيل إن الخضر لما ذهب يفارق موسى قال له موسى : أوصني ; قال : كن بساما ولا تكن ضحاكا ، ودع اللجاجة ، ولا تمش في غير حاجة ، ولا تعب على الخطائين خطاياهم وابك على خطيئتك يا ابن عمران. ❝
❞ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
قوله تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف روي أنهم قوم من أبناء أشراف مدينة دقيوس الملك الكافر ، ويقال فيه دقينوس . وروي أنهم كانوا مطوقين مسورين بالذهب ذوي ذوائب ، وهم من الروم واتبعوا دين عيسى . وقيل : كانوا قبل عيسى ، والله أعلم . وقال ابن عباس : إن ملكا من الملوك يقال له دقيانوس ظهر على مدينة من مدائن الروم يقال لها أفسوس . وقيل هي طرسوس وكان بعد زمن عيسى - عليه السلام - فأمر بعبادة الأصنام فدعا أهلها إلى عبادة الأصنام ، وكان بها سبعة أحداث يعبدون الله سرا ، فرفع خبرهم إلى الملك وخافوه فهربوا ليلا ، ومروا براع معه كلب فتبعهم فأووا إلى الكهف فتبعهم الملك إلى فم الغار ، فوجد أثر دخولهم ولم يجد أثر خروجهم ، فدخلوا فأعمى الله أبصارهم فلم يروا شيئا ; فقال الملك : سدوا عليهم باب الغار حتى يموتوا فيه جوعا وعطشا . وروى مجاهد عن ابن عباس أيضا أن هؤلاء الفتية كانوا في دين ملك يعبد الأصنام ويذبح لها ويكفر بالله ، وقد تابعه على ذلك أهل المدينة ، فوقع للفتية علم من بعض الحواريين - حسبما ذكر النقاش أو من مؤمني الأمم قبلهم - فآمنوا بالله ورأوا ببصائرهم قبيح فعل الناس ، فأخذوا نفوسهم بالتزام الدين وعبادة الله ; فرفع أمرهم إلى الملك وقيل له : إنهم قد فارقوا دينك واستخفوا آلهتك وكفروا بها ، فاستحضرهم الملك إلى مجلسه وأمرهم باتباع دينه والذبح لآلهته ، وتوعدهم على فراق ذلك بالقتل ; فقالوا له فيما روي : ربنا رب السماوات والأرض - إلى قوله - وإذ اعتزلتموهم وروي أنهم قالوا نحو هذا الكلام وليس به ، فقال لهم الملك : إنكم شبان أغمار لا عقول لكم ، وأنا لا أعجل بكم بل أستأني فاذهبوا إلى منازلكم ودبروا رأيكم وارجعوا إلى أمري ، وضرب لهم في ذلك أجلا ، ثم إنه خلال الأجل فتشاور الفتية في الهروب بأديانهم ، فقال لهم أحدهم : إني أعرف كهفا في جبل كذا ، وكان أبي يدخل فيه غنمه فلنذهب فلنختف فيه حتى يفتح الله لنا ; فخرجوا فيما روي يلعبون بالصولجان والكرة ، وهم يدحرجونها إلى نحو طريقهم لئلا يشعر الناس بهم . وروي أنهم كانوا مثقفين فحضر عيد خرجوا إليه فركبوا في جملة الناس ، ثم أخذوا باللعب بالصولجان حتى خلصوا بذلك . وروى وهب بن منبه أن أول أمرهم إنما كان حواري لعيسى ابن مريم جاء إلى مدينة أصحاب الكهف يريد دخولها ، فأجر نفسه من صاحب الحمام وكان يعمل فيه ، فرأى صاحب الحمام في أعماله بركة عظيمة ، فألقى إليه بكل أمره ، وعرف ذلك الرجل فتيان من المدينة فعرفهم الله - تعالى - فآمنوا به واتبعوه على دينه ، واشتهرت خلطتهم به ; فأتى يوما إلى ذلك الحمام ولد الملك بامرأة أراد الخلوة بها ، فنهاه ذلك الحواري فانتهى ، ثم جاء مرة أخرى فنهاه فشتمه ، وأمضى عزمه في دخول الحمام مع البغي ، فدخل فماتا فيه جميعا ; فاتهم ذلك الحواري وأصحابه بقتلهما ; ففروا جميعا حتى دخلوا الكهف . وقيل في خروجهم غير هذا .
وأما الكلب فروي أنه كان كلب صيد لهم ، وروي أنهم وجدوا في طريقهم راعيا له كلب فاتبعهم الراعي على رأيهم وذهب الكلب معهم ; قاله ابن عباس . واسم الكلب حمران وقيل قطمير .
وأما أسماء أهل الكهف فأعجمية ، والسند في معرفتها واه . والذي ذكره الطبري هي هذه : مكسلمينا وهو أكبرهم والمتكلم عنهم ، ومحسيميلنينا ويمليخا ، وهو الذي مضى بالورق إلى المدينة عند بعثهم من رقدتهم ، ومرطوس وكشوطوش ودينموس ويطونس وبيرونس . قال مقاتل : وكان الكلب لمكسلمينا ، وكان أسنهم وصاحب غنم .
الثانية : هذه الآية صريحة في الفرار بالدين وهجرة الأهل والبنين والقرابات والأصدقاء والأوطان والأموال خوف الفتنة وما يلقاه الإنسان من المحنة . وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فارا بدينه ، وكذلك أصحابه ، وجلس في الغار حسبما تقدم في سورة " النحل " . وقد نص الله - تعالى - على ذلك في " براءة " وقد تقدم . وهجروا أوطانهم وتركوا أرضهم وديارهم وأهاليهم وأولادهم وقراباتهم وإخوانهم ، رجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين . فسكنى الجبال ودخول الغيران ، والعزلة عن الخلق والانفراد بالخالق ، وجواز الفرار من الظالم هي سنة الأنبياء - صلوات الله عليهم - والأولياء . وقد فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العزلة ، وفضلها جماعة العلماء لا سيما عند ظهور الفتن وفساد الناس ، وقد نص الله - تعالى - عليها في كتابه فقال : فأووا إلى الكهف .
قال العلماء الاعتزال عن الناس يكون مرة في الجبال والشعاب ، ومرة في السواحل والرباط ، ومرة في البيوت ; وقد جاء في الخبر : إذا كانت الفتنة فأخف مكانك وكف لسانك . ولم يخص موضعا من موضع . وقد جعلت طائفة من العلماء العزلة اعتزال الشر وأهله بقلبك وعملك ، إن كنت بين أظهرهم . وقال ابن المبارك في تفسير العزلة : أن تكون مع القوم فإذا خاضوا في ذكر الله فخض معهم ، وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت . وروى البغوي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نعم صوامع المؤمنين بيوتهم من مراسل الحسن وغيره . وقال عقبة بن عامر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما النجاة يا رسول الله ؟ فقال : يا عقبة أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك . وقال - صلى الله عليه وسلم - : يأتي على الناس زمان خير مال الرجل المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن . خرجه البخاري . وذكر علي بن سعد عن الحسن بن واقد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا كانت سنة ثمانين ومائة فقد حلت لأمتي العزبة والعزلة والترهب في رءوس الجبال . وذكر أيضا علي بن سعد عن عبد الله بن المبارك عن مبارك بن فضالة عن الحسن يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق أو حجر إلى حجر فإذا كان ذلك لم تنل المعيشة إلا بمعصية الله فإذا كان ذلك حلت العزبة . قالوا : يا رسول الله ، كيف تحل العزبة وأنت تأمرنا بالتزويج ؟ قال : إذا كان ذلك كان فساد الرجل على يدي أبويه فإن لم يكن له أبوان كان هلاكه على يدي زوجته فإن لم تكن له زوجة كان هلاكه على يدي ولده فإن لم يكن له ولد كان هلاكه على يدي القرابات والجيران . قالوا وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : يعيرونه بضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها .
قلت : أحوال الناس في هذا الباب تختلف ، فرب رجل تكون له قوة على سكنى الكهوف والغيران في الجبال ، وهي أرفع الأحوال لأنها الحالة التي اختارها الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في بداية أمره ، ونص عليها في كتابه مخبرا عن الفتية ، فقال : وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف . ورب رجل تكون العزلة له في بيته أخف عليه وأسهل ; وقد اعتزل رجال من أهل بدر فلزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم . ورب رجل متوسط بينهما فيكون له من القوة ما يصبر بها على مخالطة الناس وأذاهم ، فهو معهم في الظاهر ومخالف لهم في الباطن . وذكر ابن المبارك حدثنا وهيب بن الورد قال : جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال : إن الناس وقعوا فيما وقعوا وقد حدثت نفسي ألا أخالطهم . فقال : لا تفعل إنه لا بد لك من الناس ، ولا بد لهم منك ، ولك إليهم حوائج ، ولهم إليك حوائج ، ولكن كن فيهم أصم سميعا ، أعمى بصيرا ، سكوتا نطوقا . وقد قيل : إن كل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معنى الجبال والشعاب ; مثل الاعتكاف في المساجد ، ولزوم السواحل للرباط والذكر ، ولزوم البيوت فرارا عن شرور الناس . وإنما جاءت الأحاديث بذكر الشعاب والجبال واتباع الغنم - والله أعلم - لأن ذلك هو الأغلب في المواضع التي يعتزل فيها ; فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معناه ، كما ذكرنا ، والله الموفق وبه العصمة . وروى عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية الجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله - عز وجل - انظروا إلى عبدي يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة . خرجه النسائي .
الثالثة : قوله تعالى : وهيئ لنا من أمرنا رشدا لما فروا ممن يطلبهم اشتغلوا بالدعاء ولجئوا إلى الله - تعالى - فقالوا : ربنا آتنا من لدنك رحمة أي مغفرة ورزقا .
وهيئ لنا من أمرنا رشدا توفيقا للرشاد . وقال ابن عباس : مخرجا من الغار في سلامة . وقيل صوابا . ومن هذا المعنى أنه - عليه السلام - كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
قوله تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف روي أنهم قوم من أبناء أشراف مدينة دقيوس الملك الكافر ، ويقال فيه دقينوس . وروي أنهم كانوا مطوقين مسورين بالذهب ذوي ذوائب ، وهم من الروم واتبعوا دين عيسى . وقيل : كانوا قبل عيسى ، والله أعلم . وقال ابن عباس : إن ملكا من الملوك يقال له دقيانوس ظهر على مدينة من مدائن الروم يقال لها أفسوس . وقيل هي طرسوس وكان بعد زمن عيسى - عليه السلام - فأمر بعبادة الأصنام فدعا أهلها إلى عبادة الأصنام ، وكان بها سبعة أحداث يعبدون الله سرا ، فرفع خبرهم إلى الملك وخافوه فهربوا ليلا ، ومروا براع معه كلب فتبعهم فأووا إلى الكهف فتبعهم الملك إلى فم الغار ، فوجد أثر دخولهم ولم يجد أثر خروجهم ، فدخلوا فأعمى الله أبصارهم فلم يروا شيئا ; فقال الملك : سدوا عليهم باب الغار حتى يموتوا فيه جوعا وعطشا . وروى مجاهد عن ابن عباس أيضا أن هؤلاء الفتية كانوا في دين ملك يعبد الأصنام ويذبح لها ويكفر بالله ، وقد تابعه على ذلك أهل المدينة ، فوقع للفتية علم من بعض الحواريين - حسبما ذكر النقاش أو من مؤمني الأمم قبلهم - فآمنوا بالله ورأوا ببصائرهم قبيح فعل الناس ، فأخذوا نفوسهم بالتزام الدين وعبادة الله ; فرفع أمرهم إلى الملك وقيل له : إنهم قد فارقوا دينك واستخفوا آلهتك وكفروا بها ، فاستحضرهم الملك إلى مجلسه وأمرهم باتباع دينه والذبح لآلهته ، وتوعدهم على فراق ذلك بالقتل ; فقالوا له فيما روي : ربنا رب السماوات والأرض - إلى قوله - وإذ اعتزلتموهم وروي أنهم قالوا نحو هذا الكلام وليس به ، فقال لهم الملك : إنكم شبان أغمار لا عقول لكم ، وأنا لا أعجل بكم بل أستأني فاذهبوا إلى منازلكم ودبروا رأيكم وارجعوا إلى أمري ، وضرب لهم في ذلك أجلا ، ثم إنه خلال الأجل فتشاور الفتية في الهروب بأديانهم ، فقال لهم أحدهم : إني أعرف كهفا في جبل كذا ، وكان أبي يدخل فيه غنمه فلنذهب فلنختف فيه حتى يفتح الله لنا ; فخرجوا فيما روي يلعبون بالصولجان والكرة ، وهم يدحرجونها إلى نحو طريقهم لئلا يشعر الناس بهم . وروي أنهم كانوا مثقفين فحضر عيد خرجوا إليه فركبوا في جملة الناس ، ثم أخذوا باللعب بالصولجان حتى خلصوا بذلك . وروى وهب بن منبه أن أول أمرهم إنما كان حواري لعيسى ابن مريم جاء إلى مدينة أصحاب الكهف يريد دخولها ، فأجر نفسه من صاحب الحمام وكان يعمل فيه ، فرأى صاحب الحمام في أعماله بركة عظيمة ، فألقى إليه بكل أمره ، وعرف ذلك الرجل فتيان من المدينة فعرفهم الله - تعالى - فآمنوا به واتبعوه على دينه ، واشتهرت خلطتهم به ; فأتى يوما إلى ذلك الحمام ولد الملك بامرأة أراد الخلوة بها ، فنهاه ذلك الحواري فانتهى ، ثم جاء مرة أخرى فنهاه فشتمه ، وأمضى عزمه في دخول الحمام مع البغي ، فدخل فماتا فيه جميعا ; فاتهم ذلك الحواري وأصحابه بقتلهما ; ففروا جميعا حتى دخلوا الكهف . وقيل في خروجهم غير هذا .
وأما الكلب فروي أنه كان كلب صيد لهم ، وروي أنهم وجدوا في طريقهم راعيا له كلب فاتبعهم الراعي على رأيهم وذهب الكلب معهم ; قاله ابن عباس . واسم الكلب حمران وقيل قطمير .
وأما أسماء أهل الكهف فأعجمية ، والسند في معرفتها واه . والذي ذكره الطبري هي هذه : مكسلمينا وهو أكبرهم والمتكلم عنهم ، ومحسيميلنينا ويمليخا ، وهو الذي مضى بالورق إلى المدينة عند بعثهم من رقدتهم ، ومرطوس وكشوطوش ودينموس ويطونس وبيرونس . قال مقاتل : وكان الكلب لمكسلمينا ، وكان أسنهم وصاحب غنم .
الثانية : هذه الآية صريحة في الفرار بالدين وهجرة الأهل والبنين والقرابات والأصدقاء والأوطان والأموال خوف الفتنة وما يلقاه الإنسان من المحنة . وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فارا بدينه ، وكذلك أصحابه ، وجلس في الغار حسبما تقدم في سورة " النحل " . وقد نص الله - تعالى - على ذلك في " براءة " وقد تقدم . وهجروا أوطانهم وتركوا أرضهم وديارهم وأهاليهم وأولادهم وقراباتهم وإخوانهم ، رجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين . فسكنى الجبال ودخول الغيران ، والعزلة عن الخلق والانفراد بالخالق ، وجواز الفرار من الظالم هي سنة الأنبياء - صلوات الله عليهم - والأولياء . وقد فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العزلة ، وفضلها جماعة العلماء لا سيما عند ظهور الفتن وفساد الناس ، وقد نص الله - تعالى - عليها في كتابه فقال : فأووا إلى الكهف .
قال العلماء الاعتزال عن الناس يكون مرة في الجبال والشعاب ، ومرة في السواحل والرباط ، ومرة في البيوت ; وقد جاء في الخبر : إذا كانت الفتنة فأخف مكانك وكف لسانك . ولم يخص موضعا من موضع . وقد جعلت طائفة من العلماء العزلة اعتزال الشر وأهله بقلبك وعملك ، إن كنت بين أظهرهم . وقال ابن المبارك في تفسير العزلة : أن تكون مع القوم فإذا خاضوا في ذكر الله فخض معهم ، وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت . وروى البغوي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نعم صوامع المؤمنين بيوتهم من مراسل الحسن وغيره . وقال عقبة بن عامر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما النجاة يا رسول الله ؟ فقال : يا عقبة أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك . وقال - صلى الله عليه وسلم - : يأتي على الناس زمان خير مال الرجل المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن . خرجه البخاري . وذكر علي بن سعد عن الحسن بن واقد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا كانت سنة ثمانين ومائة فقد حلت لأمتي العزبة والعزلة والترهب في رءوس الجبال . وذكر أيضا علي بن سعد عن عبد الله بن المبارك عن مبارك بن فضالة عن الحسن يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق أو حجر إلى حجر فإذا كان ذلك لم تنل المعيشة إلا بمعصية الله فإذا كان ذلك حلت العزبة . قالوا : يا رسول الله ، كيف تحل العزبة وأنت تأمرنا بالتزويج ؟ قال : إذا كان ذلك كان فساد الرجل على يدي أبويه فإن لم يكن له أبوان كان هلاكه على يدي زوجته فإن لم تكن له زوجة كان هلاكه على يدي ولده فإن لم يكن له ولد كان هلاكه على يدي القرابات والجيران . قالوا وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : يعيرونه بضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها .
قلت : أحوال الناس في هذا الباب تختلف ، فرب رجل تكون له قوة على سكنى الكهوف والغيران في الجبال ، وهي أرفع الأحوال لأنها الحالة التي اختارها الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في بداية أمره ، ونص عليها في كتابه مخبرا عن الفتية ، فقال : وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف . ورب رجل تكون العزلة له في بيته أخف عليه وأسهل ; وقد اعتزل رجال من أهل بدر فلزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم . ورب رجل متوسط بينهما فيكون له من القوة ما يصبر بها على مخالطة الناس وأذاهم ، فهو معهم في الظاهر ومخالف لهم في الباطن . وذكر ابن المبارك حدثنا وهيب بن الورد قال : جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال : إن الناس وقعوا فيما وقعوا وقد حدثت نفسي ألا أخالطهم . فقال : لا تفعل إنه لا بد لك من الناس ، ولا بد لهم منك ، ولك إليهم حوائج ، ولهم إليك حوائج ، ولكن كن فيهم أصم سميعا ، أعمى بصيرا ، سكوتا نطوقا . وقد قيل : إن كل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معنى الجبال والشعاب ; مثل الاعتكاف في المساجد ، ولزوم السواحل للرباط والذكر ، ولزوم البيوت فرارا عن شرور الناس . وإنما جاءت الأحاديث بذكر الشعاب والجبال واتباع الغنم - والله أعلم - لأن ذلك هو الأغلب في المواضع التي يعتزل فيها ; فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معناه ، كما ذكرنا ، والله الموفق وبه العصمة . وروى عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية الجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله - عز وجل - انظروا إلى عبدي يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة . خرجه النسائي .
الثالثة : قوله تعالى : وهيئ لنا من أمرنا رشدا لما فروا ممن يطلبهم اشتغلوا بالدعاء ولجئوا إلى الله - تعالى - فقالوا : ربنا آتنا من لدنك رحمة أي مغفرة ورزقا .
وهيئ لنا من أمرنا رشدا توفيقا للرشاد . وقال ابن عباس : مخرجا من الغار في سلامة . وقيل صوابا . ومن هذا المعنى أنه - عليه السلام - كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. ❝
❞ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16)
قوله تعالى : وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا
قوله تعالى : وإذ اعتزلتموهم وإذ اعتزلتموهم قيل : هو من قول الله لهم . أي وإذ اعتزلتموهم فأووا إلى الكهف . وقيل : هو من قول رئيسهم يملخا ; فيما ذكر ابن عطية . وقال الغزنوي : رئيسهم مكسلمينا ، قال لهم ذلك ; أي إذ اعتزلتموهم واعتزلتم ما يعبدون . ثم استثنى وقال إلا الله أي إنكم لم تتركوا عبادته ; فهو استثناء منقطع . قال ابن عطية : وهذا على تقدير إن الذين فر أهل الكهف منهم لا يعرفون الله ، ولا علم لهم به ; وإنما يعتقدون الأصنام في ألوهيتهم فقط . وإن فرضنا أنهم يعرفون الله كما كانت العرب تفعل لكنهم يشركون أصنامهم معه في العبادة فالاستثناء متصل ; لأن الاعتزال وقع في كل ما يعبد الكفار إلا في جهة الله . وفي مصحف عبد الله بن مسعود " وما يعبدون من دون الله " . قال قتادة هذا تفسيرها .
قلت : ويدل على هذا ما ذكره أبو نعيم الحافظ عن عطاء الخراساني في قوله - تعالى - وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله قال : كان فتية من قوم يعبدون الله ويعبدون معه آلهة فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله . ابن عطية : فعلى ما قال قتادة تكون إلا بمنزلة " غير " ، وما من قوله وما يعبدون إلا الله في موضع نصب ، عطفا على الضمير في قوله اعتزلتموهم . ومضمن هذه الآية أن بعضهم قال لبعض : إذا فارقنا الكفار وانفردنا بالله - تعالى - فلنجعل الكهف مأوى ونتكل على الله ; فإنه سيبسط لنا رحمته ، وينشرها علينا ، ويهيئ لنا من أمرنا مرفقا . وهذا كله دعاء بحسب الدنيا ، وعلى ثقة كانوا من الله في أمر آخرتهم . وقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين - رضي الله عنه - : كان أصحاب الكهف صياقلة ، واسم الكهف حيوم .
مرفقا قرئ بكسر الميم وفتحها ، وهو ما يرتفق به وكذلك مرفق الإنسان ومرفقه ; ومنهم من يجعل " المرفق " بفتح الميم الموضع كالمسجد وهما لغتان .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16)
قوله تعالى : وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا
قوله تعالى : وإذ اعتزلتموهم وإذ اعتزلتموهم قيل : هو من قول الله لهم . أي وإذ اعتزلتموهم فأووا إلى الكهف . وقيل : هو من قول رئيسهم يملخا ; فيما ذكر ابن عطية . وقال الغزنوي : رئيسهم مكسلمينا ، قال لهم ذلك ; أي إذ اعتزلتموهم واعتزلتم ما يعبدون . ثم استثنى وقال إلا الله أي إنكم لم تتركوا عبادته ; فهو استثناء منقطع . قال ابن عطية : وهذا على تقدير إن الذين فر أهل الكهف منهم لا يعرفون الله ، ولا علم لهم به ; وإنما يعتقدون الأصنام في ألوهيتهم فقط . وإن فرضنا أنهم يعرفون الله كما كانت العرب تفعل لكنهم يشركون أصنامهم معه في العبادة فالاستثناء متصل ; لأن الاعتزال وقع في كل ما يعبد الكفار إلا في جهة الله . وفي مصحف عبد الله بن مسعود " وما يعبدون من دون الله " . قال قتادة هذا تفسيرها .
قلت : ويدل على هذا ما ذكره أبو نعيم الحافظ عن عطاء الخراساني في قوله - تعالى - وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله قال : كان فتية من قوم يعبدون الله ويعبدون معه آلهة فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله . ابن عطية : فعلى ما قال قتادة تكون إلا بمنزلة " غير " ، وما من قوله وما يعبدون إلا الله في موضع نصب ، عطفا على الضمير في قوله اعتزلتموهم . ومضمن هذه الآية أن بعضهم قال لبعض : إذا فارقنا الكفار وانفردنا بالله - تعالى - فلنجعل الكهف مأوى ونتكل على الله ; فإنه سيبسط لنا رحمته ، وينشرها علينا ، ويهيئ لنا من أمرنا مرفقا . وهذا كله دعاء بحسب الدنيا ، وعلى ثقة كانوا من الله في أمر آخرتهم . وقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين - رضي الله عنه - : كان أصحاب الكهف صياقلة ، واسم الكهف حيوم .
مرفقا قرئ بكسر الميم وفتحها ، وهو ما يرتفق به وكذلك مرفق الإنسان ومرفقه ; ومنهم من يجعل " المرفق " بفتح الميم الموضع كالمسجد وهما لغتان. ❝
❞ يروي الكتاب ذكر مبدأ خلق آدم عليه السلام، وعلى ما جاء من نسله من الأنبياء وصولاً إلى النبي محمد، هذا إلى جانب ذكر لقصة أهل الكهف ونزول المائدة لعيسى عليه السلام، ونزول عيسى عليه السلام إلى الأرض، وقصة دخول ذي القرنين إلى الظلمات، وقصة أصحاب الأخدود.
ويذكر أيضاً قصة داود عليه السلام، وحديث قتل الماشطة وقتل آسيه، وقصة رضاع موسى عليه السلام، وذكر خبر بلوقيا وبناء بيت المقدس، وذكر وقوع داود في الخطيئة.
ويروي تاريخ مصر من بداية التاريخ حتى عام 1522، وله أهمية كبيرة بالنسبة لتاريخ مصر والدولة المملوكية في أخر أيامها، وبداية الدولة العثمانية عام 1517. يعتبر ابن إياس هو المؤرخ الوحيد الذي عاصر وعاين أحداث دخول العثمانيين مصر وكتب عنها. ويدور الكتاب حول فترة مصر العثمانية وتحول نظام كتابته لأسلوب الحوليات على طريقة الحوليات لدى المؤرخين المسلمين. فكان يدون الحوادث سنة سنة، وشهراً شهراً، في السنين التي لم يعاصرها، ويوماً فيوماً في السنوات التي عايشها؛ أي في الأجزاء الأخيرة من الكتاب. وكان يختم كل سنة بتراجم المتوفين فيها، من أعيان الساسة والإداريين، وكبار العلماء والأدباء، ومن اشتهر من الناس، أو أنه كان يأتي بها أحياناً في سياق الأحداث. وقد تتبع المؤرخ في تلك الحوليات أحداث مصر المتنوعة: من مناخية، وسياسية داخلية، وسياسية خارجية، وإدارية، واقتصادية، واجتماعية، وعمرانية، وفكرية، تتبعاً تفصيلياً دقيقاً. وضم إلى أخبار مصر كثيراً من أخبار العالم الإسلامي المهمة، في المشرق حتى الهند، وفي المغرب حتى الأندلس. وأحاط بأحوال الشام والحجاز. وكان في المرحلة التي عاصرها، دقيق الملاحظة، شديد الاستقصاء للحقائق، ونقادا، فلم يبخل بأحكامه حتى القاسية منها أحياناً على ماكان يجري، ودون مواربة أو محاباة، ومنها خاصة سياسة السلطان المملوكي قانصوه الغوري .
وصف الكتاب أحوال مصر السياسية والعسكرية والادارية والقانونية والاقتصادية والثقافية والفنية والمعمارية، وحكى عن الأعياد وعادات المصريين وأمور كثيرة متعلقة بحياة المصريين الاجتماعية والدينية في ذلك العصر. ❝ ⏤محمد بن أحمد بن إياس الحنفي
❞ يروي الكتاب ذكر مبدأ خلق آدم عليه السلام، وعلى ما جاء من نسله من الأنبياء وصولاً إلى النبي محمد، هذا إلى جانب ذكر لقصة أهل الكهف ونزول المائدة لعيسى عليه السلام، ونزول عيسى عليه السلام إلى الأرض، وقصة دخول ذي القرنين إلى الظلمات، وقصة أصحاب الأخدود.
ويذكر أيضاً قصة داود عليه السلام، وحديث قتل الماشطة وقتل آسيه، وقصة رضاع موسى عليه السلام، وذكر خبر بلوقيا وبناء بيت المقدس، وذكر وقوع داود في الخطيئة.
ويروي تاريخ مصر من بداية التاريخ حتى عام 1522، وله أهمية كبيرة بالنسبة لتاريخ مصر والدولة المملوكية في أخر أيامها، وبداية الدولة العثمانية عام 1517. يعتبر ابن إياس هو المؤرخ الوحيد الذي عاصر وعاين أحداث دخول العثمانيين مصر وكتب عنها. ويدور الكتاب حول فترة مصر العثمانية وتحول نظام كتابته لأسلوب الحوليات على طريقة الحوليات لدى المؤرخين المسلمين. فكان يدون الحوادث سنة سنة، وشهراً شهراً، في السنين التي لم يعاصرها، ويوماً فيوماً في السنوات التي عايشها؛ أي في الأجزاء الأخيرة من الكتاب. وكان يختم كل سنة بتراجم المتوفين فيها، من أعيان الساسة والإداريين، وكبار العلماء والأدباء، ومن اشتهر من الناس، أو أنه كان يأتي بها أحياناً في سياق الأحداث. وقد تتبع المؤرخ في تلك الحوليات أحداث مصر المتنوعة: من مناخية، وسياسية داخلية، وسياسية خارجية، وإدارية، واقتصادية، واجتماعية، وعمرانية، وفكرية، تتبعاً تفصيلياً دقيقاً. وضم إلى أخبار مصر كثيراً من أخبار العالم الإسلامي المهمة، في المشرق حتى الهند، وفي المغرب حتى الأندلس. وأحاط بأحوال الشام والحجاز. وكان في المرحلة التي عاصرها، دقيق الملاحظة، شديد الاستقصاء للحقائق، ونقادا، فلم يبخل بأحكامه حتى القاسية منها أحياناً على ماكان يجري، ودون مواربة أو محاباة، ومنها خاصة سياسة السلطان المملوكي قانصوه الغوري .
وصف الكتاب أحوال مصر السياسية والعسكرية والادارية والقانونية والاقتصادية والثقافية والفنية والمعمارية، وحكى عن الأعياد وعادات المصريين وأمور كثيرة متعلقة بحياة المصريين الاجتماعية والدينية في ذلك العصر. ❝